منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة يونس الآيات من 016-020

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة يونس الآيات من 016-020 Empty
مُساهمةموضوع: سورة يونس الآيات من 016-020   سورة يونس الآيات من 016-020 Emptyالأحد 22 سبتمبر 2019, 11:47 pm

قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٦)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وهنا يبلِّغ محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- هؤلاء الذين طلبوا تغيير القرآن أو تبديله: لقد عشت طوال عمري معكم، ولم تكن لي قوة بلاغة أو قوة شعر، أو قوة أدب..

فمن له موهبة لا يكتمها إلى أن يبلغ الأربعين، ورأيتم أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يجلس إلى معلِّم، بل عندما اتهمتموه وقلتم: (إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ..) (النحل: 103)..

وفضحكم الحق سبحانه بأن أنزل في القرآن قوله تعالى: (لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ) (النحل: 103)..

ولم يخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- من شبه الجزيرة العربية، ولم يقرأ مؤلَّفَات أحد..

فمن أين جاء القرآن إذن.؟

لقد جاء من الله سبحانه، وعليكم أن تعقلوا ذلك، ولا داعي للاتهام بأن القرآن من عند محمد؛ لأنكم لم تجرّبوه خطيباً أو شاعراً، بل كل ما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بعد أن نزلت عليه الرسالة، هو بلاغ من عند الله..

وبطبيعة الحال لا يمكن أن يُنسَب الكمال إلى إنسان فينفيه، فالعادة أن يسرق شاعر ـمثلاًـ قصيدة من شاعر آخر، أو أن ينتحل كاتب مقالة من آخر..

لكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبلِّغكم أن كمال القرآن ليس من عنده، بل هو مجرد مبلِّغ له، وكان يجب أن يتعقَّلوا تلك القضية بمقدِّماتها ونتائجها؛ فلا يلقوا لأفكارهم العنان؛ ليكذبوا ويعاندوا، فالأمر بسيط جداً..

يقول الحق سبحانه لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: (قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) (يونس: 16)..

إذن: فالمقدمة التي يريد الحق سبحانه وتعالى أن يقنع بها الكافرين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أرسله الله رسولاً من أنفسهم، فإن قلت: (إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ..) (آل عمران: 164)..

أي: أنه -صلى الله عليه وسلم- من جنس الناس، لا من جنس الملائكة، أو (مِّنْ أَنْفُسِهِمْ) أي: من أمة العرب، لا من أمة العَجَم، أو (مِّنْ أَنْفُسِهِمْ) أي: من قبيلتهم التي يكذِّب أصحابُها رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-..

إذن: فحياته -صلى الله عليه وسلم- معروفة معلومة لكم، لم يَغِبْ عنكم فترة؛ لتقولوا بُعِثَ بعثةً؛ ليتعلَّم علماً من مكان آخر، ولم يجلس إلى معلِّم عندكم ولا إلى معلِّم خارجكم، ولم يَتْلُ كتاباً، فإذا كان الأمر كذلك، فيجب أن تأخذوا من هذا مقدِّمة وتقولوا: فمن أين جاءت له هذه الحكمة فجأة.؟

أنتم تعلمون أن المواهب والعبقريات لا تنشأ في الأربعينات، ولكن مخايل العبقرية إنما تنشأ في نهاية العقد الثاني وأوائل العقد الثالث، فمن الذي آخّر العبقرية عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليقول هذا القول البليغ الذي أعجزكم، وأنتم أمّة البلاغة وأمة الفصاحة المرتاضون عليها من قديم، وعجزتم أمام ما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم-.؟

كان يجب أن تقولوا: لم نعرف عنه أنه يعلم شيئاً من هذا، فإذا حَلّ لكم اللغز وأوضح لكم: أن القرآن ليس من عندي؛ كان يجب أن تصدقوه؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- يعزوه إلى خالقه وربه سبحانه..

والدليل على أنكم مضطربون في الحكم أنكم ساعة يقول لكم: القرآن بلاغ عن الله، تكذِّبونه، وتقولون: لا، بل هو من عندك، فإذا فَترَ عنه الوحي مرّةً قلتم: قلاه ربُّه..

لماذا اقتنعتم بأن له ربّاً يَصِلُه بالوحي ويهجره بلا وحي.؟

أنتم -إذن- أنكرتم حالة الوصل بالوحي، واعترفتم بالإله الخالق عندما غاب عنه الوحي، وكان يجب أن تنتبهوا وتعودوا إلى عقولكم؛ لتحكموا على هذه الأشياء، وقد ذكر الحق سبحانه ذلك الأمر في كثير من آياته، يقول سبحانه: (وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) (آل عمران: 44)..

ويقول سبحانه: (وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ..) (القصص: 44)..

ويقول سبحانه: (وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ..) (القصص: 45)..

ويقول سبحانه: (وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ) (العنكبوت: 48)..

فمن أين جاءت تلك البلاغة.؟

كان يجب أن تأخذوا هذه المقدِّمات؛ لتحكموا بأنه صادق في البلاغ عن الله؛ لذلك يُنهي الحق سبحانه الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها بقوله: (أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)..

وحين ينبهك الحق سبحانه وتعالى إلى أن تستعمل عقلك، فهذا دليل على الثقة في أنك إذا استعملت عقلك؛ وصلت إلى القضية المرادة..

والله سبحانه وتعالى مُنزَّه عن خديعة عباده، فمن يخدع الإنسان هو من يحاول أن يصيب عقله بالغفلة، لكن الذي ينّبه العقل هو من يعلم أن دليل الحقيقة المناسبة لما يقول، يمكن الوصول إليه بالعقل..

وقول الحق سبحانه في آخر الآية: (أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) يدلنا على أن القضية التي كذَّبوا فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نشأت من عدم استعمال عقولهم، فلو أنهم استعملوا عقولهم في استخدام المقدمات المُحسَّة التي يؤمنون بها ويسلمون؛ لانتهوا إلى القضية الإيمانية التي يقولها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-..

ولو أنهم فكّروا وقالوا: محمد نشأ بيننا ولم نعرف له قراءة، ولا تلاوة كتاب ولا جلوساً إلى معلِّم، ولم يَغبْ عنا فترة ليتعلَّم، وظل مدة طويلة إلى سِنِّ الأربعين ولم يرتض على قول ولا على بلاغة ولا على بيان؛ فمن أين جاءته هذه الدفعة القوية.؟

كان يجب أن يسألوه هو عنها: من أين جاءتك هذه.؟

وما دام قد قال لهم: إنها جاءته من عند الله، فكان يجب أن يصدِّقوه..

ومهمة العقل دائما مأخوذة من اشتقاقه، "فالعقل" مأخوذ من "عقال" البعير..

وعقال البعير هو الحبل الذي تربط به ساقي الجمل؛ حتى لا ينهض ويقوم؛ لنوفِّر له حركته فيما نحب أن يتحرك فيه، فبدلاً من أن يسير هكذا بدون غرض، وبدون قصد، فنحن نربط ساقيه؛ ليرتاح ولا يتحرك، إلى أن نحتاجه في حركة..

إذن: فالعقل إنما جاء؛ ليحكم المَلَكَات؛ لأن كل مَلَكَة لها نزوع إلى شيء، فالعين لها مَلَكَة أن ترى كل شيء، فيقول لها العقل: لا داعي أن تشاهدي ذلك؛ لأنه منظر سيؤذيك، والأذن تحب أن تسمع كل قول، فيقول لها العقل: لا تسمعي إلى ذلك؛ حتى لا يضرك..

إذن: فالعقل هو الضابط على بقية الجوارح..

وكذلك كلمة "الحِكْمة"، مأخوذة من"الحَكَمة" وهي في "اللِّجام" الذي يوضع في فم الفرس؛ حتى لا يجمح، وتظل حركته محسوبة؛ فلا يتحرك إلا إلى الاتجاه الذي تريده..

إذن: شاء الحق سبحانه أن يميّز الإنسان بالعقل والحكمة؛ ليقيم الموازين لملكات النفس؛ فخذوا المقدمات المُحَسَّة التي تؤمنون بها وتشهدونها وتسلمونها لرسول الله صلى الله عليه سلم لتستنبطوا أنه جاء بكلامه من عند الله تعالى ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ...).



سورة يونس الآيات من 016-020 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة يونس الآيات من 016-020 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة يونس الآيات من 016-020   سورة يونس الآيات من 016-020 Emptyالأحد 22 سبتمبر 2019, 11:52 pm

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وهنا يوضح القرآن على لسان الرسول -صلى الله عليه وسلم-: أأكذب على الله.؟إذا كنت لم أكذب عليكم أنتم في أموري معكم وفي الأمور التي جرَّبتموها، أفأكذب على الله.؟

إن الذي يكذب في أول حياته من المعقول أن يكذب في الكِبَر، وإذا كنت لم أكذب عليكم أنتم، فهل أكذب على الله.؟وإذَا لم أكن قد كذبت وأنا غير ناضج التفكير، في طفولتي قبل أن أصل إلى الرجولة، فأنا الآن لا أستطيع الكذب.

فإذا كنتم أنتم تتهمونني بذلك، فأنا لا أظلم نفسي وأتهمها بالكذب، فتصبحون أنتم المكذبين؛ لأنكم كذبتموني في أن القرآن مبلغ عن الله، ولو أنني قلت: إنه من عند نفسي لكان من المنطق أن تُكذِّبوا ذلك؛ لأنه شرف يُدَّعى.

ولكن أرفعه إلى غيري؛ إلى من هو أعلى مني ومنكم.

وقوله الحق: (فَمَنْ أَظْلَمُ) أي: لا أحد أظلم ممن افترى على الله سبحانه كذباً؛ لأن الكاذب إنما يكذب ليدلِّس على من أمامه، فهل يكذب أحد على من يعلم الأمور على حقيقتها.؟

لا أحد بقادر على ذلك.

ومن يكذب على البشر المساوين له يظلمهم، لكن الأظلم منه هو من يكذب على الله سبحانه والافتراء كذب متعمد، فمن الجائز أن يقول الإنسان قضية يعتقدها، لكنها ليست واقعاً، لكنه اعتقد أنها واقعة بإخبار من يثق به، ثم تبين بعد ذلك أنها غير واقعة، وهذا كذب صحيح، لكنه غير متعمد، أما الافتراء فهو كذب متعمد.

ولذلك حينما قسم علماء اللغة الكلام الخبري؛ قسموه إلى: خبر وإنشاء، والخبر يقال لقائله: صدقت أو كذبت، فإن كان الكلام يناسب الواقع فهو صدق، وإن كان الكلام لا يناسب الواقع فهو كذب.

وقوله الحق: (ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ) يبين لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن قلتم إنني ادعيت أن الكلام من عند الله، وهو ليس من عند الله.

فهذا يعني أن الكلام كذب وهو من عندي أنا، فما موقف من يكَذب بآيات الله.؟إن الكذب من عندكم أنتم، فإن كنتم تكذبونني وتدَّعون أني أقول إن هذا من الله، وهو ليس من الله، وتتمادون وتُكذِّبون بالآيات وتقولون هي من عندك، وهي ليست من عندي، بل من عند الله؛ فالإثم عليكم.

والكذب إما أن يأتي من ناحية القائل، وإما من ناحية المستمع، وأراد الرسول -صلى الله عليه وسلم- عدالة التوزيع في أكثر من موقع، مثلما يأتي القول الحق مبيِّناً أدب النبوة: (وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ..) (سبأ: 24).

وليس هناك أدب في العرض أكثر من هذا، فيبين أن قضيته -صلى الله عليه وسلم- وقضيتهم لا تلتقيان أبداً، واحدة منهما صادقة والأخرى كاذبة، ولكن من الذي يحدد القضية الصادقة من الكاذبة.؟إنه الحق سبحانه وتجده سبحانه يقول على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم-: (أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) وفي ذلك طلب لأن يعرضوا الأمر على عقولهم؛ ليعرفوا أي القضيتين هي الهدى، وأيهما هي الضلال.

وفي ذلك ارتقاء للمجادلة بالتي هي أحسن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ويقول الحق سبحانه: (قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (سبأ: 25).

أي: كل واحدة سيُسأل عن عمله، فجريمتك لن أسأل أنا عنها، وجريمتي لا تُسأل أنت عنها.

ونسب الإجرام لجهته ولم يقل: "قل لا تُسألون عما أجرمنا ولا نُسأل عما تجرمون" وشاء ذلك ليرتقي في الجدل، فاختار الأسلوب الذي يُهذِّب، لا ليهيِّج الخصم؛ فيعاند، وهذا من الحكمة؛ حتى لا يقول للخصم ما يسبب توتره وعناده فيستمر الجدل بلا طائل.

وهنا يقول الحق سبحانه: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً) فإذا كان الظلم من جهتي؛ فسوف يحاسبني الله عليه، وإن كان من جهتكم؛ فاعلموا قول الحق سبحانه: (إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُونَ) ولم يحدد من المجرم، وترك الحكم للسامع.

كما تقول لإنسان له معك خلاف: سأعرض عليك القضية واحكم أنت، وساعة تفوضه في الحكم؛ فلن يصل إلا إلى ما تريد.

ولو لم يكن الأمر كذلك لما عرضت الأمر عليه.

ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ...).



سورة يونس الآيات من 016-020 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة يونس الآيات من 016-020 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة يونس الآيات من 016-020   سورة يونس الآيات من 016-020 Emptyالأحد 22 سبتمبر 2019, 11:57 pm

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وكلمة (وَيَعْبُدُونَ) تقتضي وجود عابد؛ ووجود معبود؛ ووجود معنى للعبادة.

والعابد أدنى حالاً من المعبود، ومظهر العبادة والعبودية كله طاعة للأمر والانصراف عن المنهي عنه.

هذا هو أصل العبادة، ووسيلة القرب من الله.

وحتى تكون العبادة في محلها الصحيح لابد أن يقر العابد أن المعبود أعلى مرتبة في الحكم على الأشياء، أما إن كان الأمر بين متساويين فيسمونه التماساً.

إذن: فهناك آمر ومأمور، فإن تساويا؛ فالمأمور يحتاج إلى إقناع، وأما إن كان في المسألة حكم سابق بأن الآمر أعلى من المأمور؛ كالأستاذ بالنسبة للتلميذ، أو الطبيب بالنسبة للمريض، ففي هذا الوضع يطيع المأمور الآمر لأنه يفهم الموضوع الذي يأمر فيه.

وكذلك المؤمن؛ لأن معنى الإيمان أنه آمن بوجود إله قادر له كل صفات الكمال المطلق؛ فإذا اعتقدت هذا؛ فالإنسان ينفذ ما يأمر به الله؛ ليأخذ الرضاء والحب والثواب.

وإن لم ينفذ؛ فسوف ينال غضب المعبود وعقابه.

إذن: فأنت إن فعلت أمره واجتنبت نهيه؛ نلت الثواب منه، وإن خالفت؛ تأخذ عقاباً؛ لذلك لابد أن يكون أعلى منك قدرة، ويكون قادراً على إنفاذ الثواب والعقاب، والقادر هو الله جل علاه.

أما الأصنام التي كانوا يعبدونها، فبأي شيء أمرتهم.؟إنها لم تأمر بشيء؛ لذلك لا يصلح أن تكون لها عبادة؛ لأن معنى العبادة يتطلب أمراً ونهياً، ولم تأمر الأصنام بشيء ولم تنه عن شيء، بل كان المشركون هم الذين يقترحون الأوامر والنواهي، وهو أمر لا يليق؛ لأن المعبود هو الذي عليه أن يحدد أوجه الأوامر والنواهي.

إذن: فمن الحمق أن يعبد أحدٌ الأصنم؛ لأنها لا تضر من خالفها، ولا تنفع من عبدها، فليس لها أمر ولا نهي.

ومن أوقفوا أنفسهم هذا الموقف نسوا أن في قدرة كل منهم أن ينفع الصنم وأن يضره، فالواحد منهم يستطيع أن يصنع الصنم، وأن يصلحه إذا انكسر، أو يستطيع أن يكسره بأن يلقيه على الأرض.

وفي هذه الحالة يكون العابد أقدر من المعبود على الضر وعلى النفع، وهذا عين التخلف العقلي.

إذن: فمثل هذه العبادة لون من الحمق، ولو عُرِضَتْ هذه المسألة على العقل؛ فسوف يرفضها العقل السليم.

وعندما تجادلهم، وتثبت لهم أن تلك الأصنام لا تضر ولا تنفع، تجد من يكابر قائلاً: (هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ) وهم بهذا القول يعترفون أن الله هو الذي ينفع ويضر، ولكن أما كان يجب أن يتخذوا شفيعاً لهم عند الله، وأن يكون الشفيع متمتعاً بمكانة ومحبة عند من يشفع عنده.؟

ثم ماذا يقولون في أن من تُقدم له شفاعة هو الذي ينهى عن اتخاذ الأصنام آلهة وينهى عن عبادتها.؟

وهل هناك شفاعة دون إذن من المشفوع عنده.؟

من أجل ذلك جاء الأمر من الحق سبحانه لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ) (يونس: 18).

إذن: فمن أين جئتم بهذه القضية؛ قضية شفاعة الأصنام لكم عند الله.؟

إنها قضية لا وجود لها، وسبحانه لم يبلغكم أن هناك أصناماً تشفع، وليس هذا وارداً، فقولكم هذا فيه كذب متعمد وافتراء.

فهو سبحانه الذي خلق السماوات وخلق الأرض، ويعلم كل ما في الكون، وقضية شفاعة الأصنام عنده ليست في علمه، ولا وجود لها، بل هي قضية مفتراة، مُدَّعاة.

وقوله الحق هنا: (أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ) مثلها مثل قوله الحق: (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمْ..) (الحجرات: 16).

ويعني هذا القول بالرد على من قالوا ويقولون: إن المطلوب هو تشريعات تناسب العصر، وكلما فسد العصر طالبوا بتشريعات جديدة، وما داموا هم الذين يشرِّعون، فكأنهم يرغبون في تعليم خالقهم كيف يكون الدين، وفي هذا اجتراء وجهل بقدرة وحكمة مَنْ خلق الكون، فأحكمه بنظام.

وقوله الحق: (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ) فيه تنزيه له سبحانه، فهو الخالق لكل شيء، خالق الملك والملكوت ويعلم كل شيء، وقضية شفاعة الأصنام إنما هي قضية مفتراة لا وجود لها؛ لذلك فهي ليست في علم الله، والحق سبحانه مُنزَّه أن توجد في ملكه قضية لها مدلول يقيني ولا يعلمها، ومُنزَّه جل وعلا عن أن يُشرَك به؛ لأن الشريك إنما يكون ليساعد من يشركه، ونحن نرى على سبيل المثال صاحب مال يديره في تجارة ما، ولكن ماله لا ينهض بكل مسئوليات التجارة، فيبحث عن شريك له.

وسبحانه وتعالى قوي وقادر، ولا يحتاج إلى أحد في ملكية الكون وإدارته، ثم ماذا يفعل هؤلاء الشركاء المدَّعون كذباً على الله.؟

إن الحق سبحانه يقول: (قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً) (الإسراء: 42).

وهذا القول الحكيم ينبه المشركين إلى أنه بافتراض جدلي أن لهؤلاء الشركاء قوة وقدرة على التصرف، فهم لن يفعلوا أي شيء إلا بابتغاء ذى العرش، أي: بأمره سبحانه وتعالى.

وهم حين ظنوا خطأ أن لكل فلك من الأفلاك سيطرة على مجال في الوجود، وأن النجوم لها سيطرة على الوجود، وأن كل برج من الأبراج له سيطرة على الوجود، فلابد في النهاية من الاستئذان من مالك الملك والملكوت.

ومن خيبة من ظنوا مثل هذه الظنون، ومعهم الفلاسفة الذين أقروا بأن هناك أشياء في الكون لا يمكن أن يخلقها إنسان، أو أن يدَّعى لنفسه صناعتها؛ لأن الجنس البشري قد طرأ على هذه المخلوقات، فقد طرأ الإنسان على الشمس والقمر والنجوم والأرض، ولابد إذن أن تكون هناك قوة أعلى من الإنسان هي التي خلقت هذه الكائنات.

كل هذه الكائنات تحتاج إلى مُوجِد، ولم نجد معامل لصناعة الشمس أو القمر أو الأرض أو وجدنا من ادعى صناعتها أو خلقها.

ولكن الفلاسفة الذين قبلوا وجود خالق للكون لم يصلوا إلى اسمه ولا إلى منهجه، وقوة الحق سبحانه مطلقة، ولا يحتاج إلى شريك له، وإذا أردنا أن نتأمل ولو جزءاً بسيطاً من أثر قوة الله التي وهبها للإنسان، فلنتأمل صناعة المصباح الكهربي.

وكل منا يعلم أنه لا توجد بذرة نضعها في الأرض، فتنبت أشجاراً من المصابيح، بل استدعت صناعة مصباح الكهرباء جهد العلماء الذين درسوا علم الطاقة، واستنبطوا من المعادلات إمكان تصور صناعة المصباح الكهربي، وعملوا على تفريغ الهواء من الزجاجة التي يوضع فيها السلك الذي يضيء داخل المصباح، وهكذا وجدنا أن صناعة مصباح كهربي واحد تحتاج إلى جهد علماء وعمل مصانع، كل ذلك من أجل إنارة غرفة واحدة لفترة من الزمن.

فما بالنا بالشمس التي تضيء الكون كله، وإذا كان أتفه الأشياء يتطلب كمية هائلة من العلم والبحث والإمكانات الفنية والتطبيقية، وتطوير للصناعات، فما بالنا بالشمس التي تضيء نصف الكرة الأرضية كل نصف يوم، ولا أحد يقدر على إطفائها، ولا تحتاج إلى صيانة من البشر، وإذا أردت أن تنسبها فلن تجد إلا الله سبحانه وأنت بما تبتكره وتصنعه لا يمكن أن يصرفك عن الله، والذكي حقاً هو من يجعل ابتكاراته وصناعاته دليلاً على صدق الله فيما أخبر.

وإذا كان الحق سبحانه قد خلق الشمس -ضمن ما خلق- وإذا أشرقت أطفأ الكل مصابيحهم؛ لأنها هي المصباح الذي يهدي الجميع، وإذا كان ذلك هو فعل مخلوق واحد لله، فما بالنا بكل نعمة من سائر مخلوقاته.

ونور الشمس إنما يمثل الهداية الحسية التي تحمينا من أن نصطدم بالأشياء فلا تحطمنا ولا نحطمها، فكذلك يضيء لنا الحق سبحانه المعاني والحقائق.

وإياك أن تقول: إن الفيلسوف الفلاني جاء بنظرية كذا؛ فخذوا بها، بل دع عقلك يعمل ويقيس ما جاء بهذه النظرية على ضوء ما نزل في كتاب الحق سبحانه، وإن دخلت النظرية مجال التطبيق، وثبت أن لها تصديقاً من الكتاب، فقل: إن الحق سبحانه قد هدى فلاناً إلى اكتشاف سر جديد من أسرار القرآن؛ لأن الحق يريد منا أن نتعقل الأشياء وأن ندرسها دراسة دقيقة، بحيث نأخذ طموحات العقل؛ لتقربنا إلى الله، لا لتبعدنا عنه، والعياذ بالله.

وإذا قال الحق سبحانه: (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ) فذلك لأن الشركة تقتضي طلب المعونة، وطلب المعونة يكون إما من المساوي وإما من الأعلى، ولا يوجد مساوٍ لله تعالى، ولا أعلى من الله سبحانه وتعالى ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: (وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً...).



سورة يونس الآيات من 016-020 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة يونس الآيات من 016-020 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة يونس الآيات من 016-020   سورة يونس الآيات من 016-020 Emptyالإثنين 23 سبتمبر 2019, 12:03 am

وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وقد جاءت آية في سورة البقرة متشابهة مع هذه الآية وإن اختلف الأسلوب، فقد قال الحق سبحانه في سورة البقرة: (كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ) (البقرة: 213) والذين يقرأون القرآن بسطحية وعدم تعمق قد لا يلتفتون إلى الآيات المشابهة لها في المعنى العام، وهذه الآيات توازن بين المعاني فلا تضارب بين آية وأخرى.

ولذلك نجد بين المفكرين العصريين من يقول: إن الناس كانوا كلهم كفاراً، ثم ارتقى العقل محاولاً اكتشاف أكثر الكائنات قوة؛ ليعبدوه، فوجدوا أن الجبل هو الكائن العالي الصلب؛ فعبدوه.

وأناس آخرون قالوا: إن الشمس أقوى الكائنات فعبدوها، وآخرون عبدوا القمر، وعبد قوم غيرهم النجوم، واتخذ بعض آخر آلهة من الشجر، وكل جماعة نظرت إلى جهة مختلفة تتلمس فيها القوة.

وهم يأخذون من هذا أن الإنسان قد اهتدى إلى ضرورة الدين بعقله، ثم ظل هذا العقل في ارتقاء إلى أن وصل إلى التوحيد.

ونرد على أصحاب هذا القول: أنتم بذلك تريدون أن تعزلوا الخلق عن خالقهم، وكأن الله الذي خلق الخلق وأمدهم بقوام حياتهم المادية قد ضَنَّ عليهم بقوام حياتهم المعنوية، وليس هذا من المقبول أو المعقول، فكيف يضمن لهم الحياة المادية، ولا يضمن لهذه المادية قيماً تحرسها من الشراسة وتحميها من الفساد والإفساد.؟

وقوله الحق: (كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (البقرة: 213).

لذلك فَهِمَ البعض أن الناس كانوا أمة واحدة في الكفر، وحين جاء النبيون، اختلف الناس؛ لأن منهم من آمن ومنهم من ظل على الكفر، ولكن لو أحسن الذين قالوا مثل هذا القول الاستنباط وحسن الفهم عن الله لوجدوا أن مقصود الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها الآن إنما هو: ما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا؛ فبعث الله النبيين؛ ليخرجوهم عن الخلاف ويعيدوهم إلى الاتفاق على عهد الإيمان الأول الذي شهدوا فيه بربوبية الحق سبحانه وتعالى؛ لأن الأصل في المسألة هو الإيمان لا الكفر.

ومن أخذ آية سورة البقرة كدليل على كفر الناس أولاً، نقول له: اقرأ الآية بأكملها؛ لتجد قوله الحق: (كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ.) (البقرة: 213).

وهكذا نرى أن الاختلاف الذي حدث بين الناس جاء في آية البقرة في المؤخرة، بينما جاء الاختلاف في هذه الآية في المقدمة، وهذا دليل على أن الناس كانوا أمة واحدة على الإيمان، فليس هناك أناس أوْلَى من أناس عند الخالق سبحانه وتعالى، ولم يكن عدل الله ليترك أناساً متخبطين في أمورهم على الكفر، ويرسل الرسل لأناس آخرين بالهداية؛ فالناس بالنسبة لله سواء.

وما دام الحق سبحانه قد أوجد الخلق من البشر فلابد أن يُنزل لهم منهجاً؛ ولذلك حين نقرأ قول الحق سبحانه: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ) (آل عمران: 96).

نجد فيه الرد على من يقول إن إبراهيم عليه السلام هو أول من بنى الكعبة؛ لأن الحق سبحانه وتعالى لم يترك الخلق من آدم إلى إبراهيم دون بيت يحجون إليه، ولكن الحق سبحانه وضع البيت؛ ليحج إليه الناس من أول آدم إلى أن تقوم الساعة، والذي وضع البيت ليس من الناس، بل شاء وضع البيت خالق الناس، وما فعله سيدنا إبراهيم -عليه السلام- هو رفع القواعد من البيت الحرام.

أي: أنه أقام ارتفاع البيت بعد أن عرف مكان البيت طولاً وعرضاً، مصداقاً لقول الحق سبحانه: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ.) (الحج: 26).

وهكذا يَصْدُق قول الحق سبحانه بأن البيت قد وُجد للناس قبل آدم، وهو للناس إلى أن تقوم الساعة، وهكذا نعلم أن الحق سبحانه خلق الخلق وأنزل لهم المنهج، والأصل في الناس هو الإيمان، لكن الكفر هو الذي طرأ على البشر من بابين: باب الغفلة، وباب تقليد الآباء.

والدليل على ذلك أن الحق سبحانه وتعالى حينما تكلَّم عن ميثاق الذر، قال: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ) (الأعراف: 172ـ173).

إذن: فالتعصِّي عن الحكم الإيماني مدخله بابان: الأول باب الغفلة، أي: أن تكون قد علمتَ شيئاً، ولم تجعله دائماً في بؤرة شعورك؛ لأن عقلك يستقبل المعلومات، ويستوعبها من مرة واحدة، إن لم تكن مُشتَّتَ الفكر في أكثر من أمر، فإن كنت صافي الفكر ومنتبهاً إلى المعلومة التي تَصِلُكَ؛ فإن عقلك يستوعبها من مرة واحدة، ومن المهم أن يكون الذهن خالياً لحظة أن تستقبل المعلومة الجديدة.

ولذلك نجد فارقاً بين إنسان وإنسان آخر في حفظ المعلومات، فواحد يستقبل المعلومة وذهنه خالٍ من أي معلومة غيرها، فتثبت في بؤرة الشعور، بينما يضطر الآخر إلى تكرار قراءة المعلومة إلى أن يخلو ذهنه من غيرها؛ فتستقر المعلومة في بؤرة الشعور، وحين تأتي معلومة أخرى، فالمعلومة الأولى تنتقل إلى حاشية الشعور إلى حين أن يستدعيها مرة أخرى.

وإذا أراد طالب -على سبيل المثال- أن يستوعب ما يقرأ من معلومات جديدة، فعليه أن ينفض عن ذهنه كل المشاغل الأخرى؛ ليركِّز فيما يدرس؛ لأنه إن جلس إلى المذاكرة وباله مشغول بما سوف يأكل في الغداء، أو بما حدث بينه وبين أصدقائه، أو بما سوف يرتدي من ملابس عند الخروج من البيت، أو بغير ذلك من المشاغل، هنا سوف يُضطر الطالب أن يعيد قراءة الدرس أكثر من مرة؛ حتى يصادف الدرسُ جزئية خالية من بؤرة الشعور؛ فتستقر فيها.

وقد نجد طالباً في صباح يوم الامتحان وهو يسمع من زملائه أن الامتحان قد يأتي في الجزء الفلاني من المقرر؛ فيفتح الكتاب المقرر على هذا الجزء ويقرأه مرة واحدة؛ فيستقر في بؤرة الشعور، ويدخل الامتحان، ليجد السؤال في الجزء الذي قرأه مرة واحدة قبل دخوله إلى اللجنة؛ فيجيب عن السؤال بدقة.

ولذلك فالتلميذ الذكي هو من يقوم بما يسمِّيه علم النفس "عملية الاستصحاب"، أي: أن يقرأ الدرس ثم يغلق الكتاب؛ ليسأل نفسه: "ما الجديد من المعلومات في تلك الصفحة.؟

ويحاول أن يتذكر ذلك، ويحاول أن يتعرف حتى على الألفاظ الجديدة التي في تلك الصفحة، وما هي الأفكار الجديدة التي صحَّحَتْ له معلومات أو أفكاراً خاطئة كانت موجودة لديه.

وهكذا يستصحب الطالب معلوماته بتركيز وانتباه.

وكذلك الأستاذ المتميز هو من يشرح الدرس ثم يتوقف؛ ليسأل التلاميذ؛ ليثير انتباههم؛ حتى لا ينشغل أحدهم بما هو خارج الدرس، والأستاذ المتميز هو الذي يلقي درسه بما يستميل التلاميذ، كما تستميلهم القصة المروية، وحتى لا تظل المعلومات الدراسية مجرد معلومات جافة.

وبهذا يستمر الذهن بلا غفلة، والغفلة تأتي إلى القضايا الدينية؛ لأن في الإنسان شهوات تصادم الأوامر والنواهي؛ فيتناسى الإنسان بعض الأوامر وبعض النواهي إلى أن يأتي الران الذي قال عنه الحق سبحانه: (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) (المطففين: 14).

ويبين النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك بالحديث الشريف: "نزلت الأمانة في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السُّنَّة".

ثم يحدثنا -صلى الله عليه وسلم- عن رفع الأمانة فيقول: "ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه؛ فيظل أثرها مثل أثر الوكْت".

أي: مثل لسعة النار وهكذا تتوالى؛ حتى يأتي الرَّانُ على القلب.

إذن: فالغفلة تتلصص على النفس الإنسانية، وكلما غفل الإنسان في نقطة، ثم يغفل عن أخرى وهكذا.

ولكن من لا يغفل فهو من يتذكر الحكم، ويطبقه، ويذوق حلاوته.

ومثال هذا: المسلم الذي يشرح الله تعالى قلبه للصلاة، فإن لم يُصّلِّ يظل مُرْهقاً وفي ضيق.

ولذلك جاء في الحديث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأيّ قلب أشْرِبها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مرباداً كالكوز مُجَخِّياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه".

إذن: فالغفلة هي أول باب يدخل منه الشيطان؛ فيبعد الإنسان عن أحكام الله.

وإذا ما غفل الأب، فالأبناء يُقلِّدون الآباء، فتأتيهم غفلة ذاتية.

وهكذا يكون الغافل أسوة لمن بعده.

ولذلك قال الحق سبحانه عن الأبناء الذين يتعبون غفلة الآباء: (بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ) (البقرة: 170).

وإلْف تقليد الآباء قضية كاذبة؛ لأننا إن سلسنا مسألة الإيمان إلى آدم عليه السلام، وهو الأب الأول لكل البشر؛ لوجدنا أن آدم عليه السلام قد طبَّق كل مطلوب لله، فإن قلت: (بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ) فهذا القول يحتم عليك ألا تنحرف عن الإيمان الفطري، وإلا كنت من الكاذبين غير المدققين فيما دخل على الإيمان الفطري من غفلة أو غفلات، تبعها تقليد دون تمحيص.

والحق سبحانه قد شاء أن تكون كل كلمة في القرآن لها معنى دقيق مقصود، فالحق سبحانه يقول على ألسنة الكافرين في القرآن: (إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ) (الزخرف: 23).

ولم يقل: "مهتدون" بل قال: "مقتدون"، والمقتدي من هؤلاء هو من اتخذ أباه قدوة، لكن المهتدي هو مَنْ ظن أن أباه على حق.

إذن: فالمقتدي هو من لا يهتم بصدق إيمان أبيه، بل يقلده فقط، وتقليد الآباء نوعان: تقليد على أنه اقتداء مطلق لا صلة له بالهدى أو الضلال، وتقليد على أنه هدى صحيح لشرع الله تعالى وقد حدث خلاف حول آدم عليه السلام أهو رسول أم نبي فقط.؟

فهناك مَنْ قال: إن أول الرسل هو نوح عليه السلام ونقول: وهل من المعقول أن يترك الله الخلق السابقين على نوح عليه السلام دون رسول.؟

إن الحق سبحانه وهو القائل: (وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ) (فاطر: 24).

والذي أشكل على هؤلاء المفسرين الذين قالوا: إن أول رسول هو نوح عليه السلام أنهم قد فكروا تفكيراً سطحياً، وفهموا أن الرسول يطرأ على المرسل إليهم، وما دام لم يكن هناك بشر قبل آدم فكيف يكون آدم مبعوثاً برسالة، ولمن تكون تلك الرسالة.؟

ولم يفطن هؤلاء المفسرون إلى أن آدم عليه السلام كان رسولاً وأسوة إلى أبنائه، فالحق سبحانه قد قال له: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة: 38).

وسبحانه قد قال لآدم عليه السلام: (فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ) (طه: 123).

وما دام الحق سبحانه قد ذكر الهدى، فهذا ذكر للمنهج، وهو الذي طبقه سلوكاً يقلده فيه الأبناء.

وغفل هؤلاء المفسرون أيضاً عن استقراء قوله الحق: (وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً) (المائدة: 27).

وابْنَا آدم عليه السلام قد قدَّما القربان إلى الله تعالى.

إذن: فهما قد عرفا أن هناك إلهاً.

وحين قال قابيل لأخيه: (لأَقْتُلَنَّكَ) (المائدة: 27).

بعد ما تقبل الله قربان أخيه ولم يتقبل منه.

قال هابيل: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ) (المائدة: 27).

ثم في قول هابيل: (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ) (المائدة: 28).

إذن: لو لم يكن آدم عليه السلام رسولاً فمن بلَّغ أبناءه بأن الله يثيب ويعاقب.؟

والحق سبحانه يقول في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: (وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) وفي هذا إشارة إلى أن الله سبحانه- قبل رسالة محمد عليه الصلاة والسلام- كان يعاقب مَن يكذِّب البلاغ عنه وما جاء به السابقون من الرسل، يقول سبحانه: (فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (العنكبوت: 40).

إلا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الأنفال: 33).أي: أنه سبحانه قد أجَّلَ الجزاء والعقوبة عن أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى الآخرة.

وهذه الكلمة التي سبقت، أنه سبحانه لا يؤاخذ أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بذنوبهم في الدنيا، ولكنه يؤخِّر ذلك إلى يوم الجزاء.

ويقضي سبحانه في ذلك اليوم بين من اتبعوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن عاندوه، وبطبيعة الحال يكون الحق سبحانه في جانب من أرسله، لا من عاند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ويقول سبحانه بعد ذلك: (وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ...).



سورة يونس الآيات من 016-020 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة يونس الآيات من 016-020 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة يونس الآيات من 016-020   سورة يونس الآيات من 016-020 Emptyالإثنين 23 سبتمبر 2019, 12:23 am

وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والآية كما عرفنا هي الشيء العجيب، وإما أن تكون آية كونية، أو آية إعجاز، أو آية قرآن تشتمل على الأحكام.

ولماذا لم يصدقوا آيات القرآن، وهي معجزة بالنسبة إليهم.؟

نقول: إن استقبال القرآن فَرْع تصديق للرسول -صلى الله عليه وسلم-، وقد حدث اللبس عندهم؛ لأنهم ظنوا أن الآية هي الآيات المحسّة الكونية المشهودة، وما علموا أن الآيات التي سبق بها الرسل إنما جاءت لتناسب أزمان رسالاتهم، ولتناسب مواقعهم من المرسل إليهم.

فقد كان الرسل السابقون لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، -وعلى جميع الرسل السلام- قد بُعث كل منهم لأمة محدودة زماناً ومكاناً؛ ولذلك كانت الآيات التي اصطحبوها آيات حسية، وكل آية كانت من جنس ما نبغ فيه القوم المبعوث إليهم.

أما رسالة محمد عليه الصلاة والسلام فهي لعامة الزمان وعامة المكان.

فلو جعل الله سبحانه له آية حسية لآمن بها مَنْ شاهدها، ولَصارَتْ خبراً لمن لم يشاهدها.

ونحن على سبيل المثال كمسلمين لم نصدِّق أن موسى -عليه السلام- قد ضرب البحر فانشق له البحر؛ إلا لأن القرآن قال ذلك؛ لأن كل أمر حسي يقع مرة واحدة فمن شاهده آمن به، ومن لم يره إن حُدِّث به له أن يكذِّب، وله أن يصدِّق، ولكنّا صدقنا؛ لأن القائل هو الحق سبحانه وقد أبلغنا ذلك في القرآن.

وثقتنا فيمن قال هي التي جعلتنا نصدق معجزات الرسل السابقين على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وقد يتساءل البعض عن السر في عدم إرسال معجزات حسية مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنقول: لقد شاء الله سبحانه أن يرسل الرسول -صلى الله عليه وسلم- بمعجزة باقية إلى أن تقوم الساعة وهي معجزة القرآن.

وتتحدث كتب السيرة أن الماء نبع من بين أصابعه -صلى الله عليه وسلم-، فمن صدَّق صدَّق، وإن قرأت ولم تصدِّق ذلك، فاعلم أنك لست المقصود بها، فقد كان المقصود بها هم المعاصرون لها، وقد جاءت لتربيب الإيمان في القوم المعاصرين؛ لأنهم كانوا في حاجة إلى شَدِّ أزْرِهم الإيماني، وحدَّثتنا كتب السيرة أيضاً عن حفنة الطعام التي أكل منها عدد كبير من الرجال، ومن صدَّق الرواية؛ فليصدِّقها، ومَن لم يصدِّقها، فهذه الآية لم تأتِ له، لكنها جاءت للمعاصرين له -صلى الله عليه وسلم-.

وهذا لا يمنع أن يكون للرسول -صلى الله عليه وسلم- معجزات حسية كباقي إخوانه من الرسل علينا أن نؤمن بها بالثقة فيمن أخبر بها.

وهنا يقول الحق سبحانه: (وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ) وإن دخلت "لولا" على جملة اسمية، فالمقصود بها عدم شيء لوجود شيء، كقول إنسان لآخر: لولا زيد عندك لأتيتك، وبذلك ينعدم ذهابه إلى فلان لوجود زيد عنده.

وهكذا تكون "لولا" حرف امتناع لوجود، وكذلك كلمة "لوما" إن وجدتها تدخل على جملة اسمية فاعرف أنها امتناع شيء، لوجود شيء وإن دخلت "لولا" على جملة فعلية فاعلم أنها حثٌّ وتحضيض.

وهم هنا قد قالوا: (لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ) وكأنهم لا يعترفون بالقرآن، وطلبوا آية حسية؛ لذلك نجد الحق سبحانه يقول في موقع آخر بالقرآن الكريم: (لَوْلاۤ أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ) (القصص: 48).

وهذا تأكيد أنهم طلبوا الآية الحسية؛ لأنهم علموا بالآيات الحسية للرسل السابقين على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن قولهم هذا كان تشبثاً بالكفر رغم أنهم شهدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كل أحواله، وقد حدثت الآيات الحسية ورآها مَنْ آمن به، وزاد تمسكهم بالإيمان.

والذين طلبوا أن يأتي لهم محمد -صلى الله عليه وسلم- بمعجزة حسية، كمعجزة موسى عليه السلام، نسوا أن موسى عليه السلام قد بُعث إلى قوم محدودين هم بنو إسرائيل.

أما محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد بُعث إلى الناس كافة؛ لذلك كان لابد أن تكون معجزته متجدّدة العطاءات، وتحمل المنهج المناسب لكل زمان ومكان.

أما المعجزة الحسية فهي تنقضي بانقضاء زمانها ومكانها.

أو هم طلبوا الآيات التي اقترحوها مثل قولهم: (وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ) (الإسراء: 90ـ93).

إذن: فهم قد طلبوا آيات اقترحوها بأنفسهم، والآيات لا تكون باقتراح المرسل إليهم، بل بتفضُّل المُرْسِل.

ولقائلٍ أن يقول: ولماذا لم يُرسِل الحق سبحانه لهم آية حسية معجزة كما قالوا.؟

فنقول: إن الحق سبحانه قد قال: (وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ) (الإسراء: 59).

وعلى ذلك يكون قولهم بطلب الآيات مدحوضاً؛ لأن الحق سبحانه قد أرسل الآيات من قبل وكذَّب بها الأولون، أو هم طلبوا آيات اقترحوها، ويقول الحق سبحانه ما جاء على ألسنتهم: (لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ) وفي هذا إقرار منهم بأن لمحمد -صلى الله عليه وسلم- ربّاً، وهو -صلى الله عليه وسلم- يُبلِّغ عنه، فكيف -إذن- يُنكرون أنه رسول.؟

ونعلم أنهم قالوا من قبل: "إن رب محمد قد قلاه" حين فتر الوحي عنه -صلى الله عليه وسلم-، ولكن الحق سبحانه ردّ عليهم: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ) (الضحى: 3).

إذن: هم قد ناقضوا أنفسهم، ففي الوصل منعوا وأنكروا أن يكون له ربُّ، وفي الهجر سلّموا بأن له ربّاً، وهذا تناقض في الشيء الواحد، وهو لون من التناقض يؤدي إلى اضطراب الحكم، واضطراب الحكم يدل على يقظة الهوى.

ثم يقول الحق سبحانه رداً على طلبهم للآية الحسية: (فَقُلْ إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ للَّهِ) وهكذا يُعلِّم الحق سبحانه وتعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم- جواباً احتياطياً، فمن الممكن أن يُنزل الحق سبحانه الآية الحسية، ومن الممكن ألا ينزلها، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يحكم على ربه؛ لأن الغيب أمر يخصه سبحانه، إن شاء جعل ما في الغيب مشهداً، وإن شاء جعل الغيب غيباً مطلقاً، وليس عليكم إلا الانتظار، ويعلن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه معهم من المنتظرين (فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ) (يونس: 20).

ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: (وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ...).



سورة يونس الآيات من 016-020 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة يونس الآيات من 016-020
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة يونس الآيات من 041-045
» سورة يونس الآيات من 046-050
» سورة يونس الآيات من 051-055
» سورة يونس الآيات من 056-060
» سورة يونس الآيات من 061-065

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: يونس-
انتقل الى: