خاتمــــة
تم بحمد الله وتوفيقه ما أردت كتابته عن الكسوة الشريفة وتاريخها، وحسبي أنني استفرغت وسعي وجهدي في إعداده، ولا أدعي بأنني بحثت موضوع الكسوة من جميع جوانبه، لأن هذا الموضوع طويل ومتشعب، وأما ما تطرقت للحديث عنه فهو ما ألمح إلي به معالي الشيخ الدكتور صالح بن حميد الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي آنذاك ورئيس مجلس الشوري حاليًا، فله الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في كتابتي في هذا الموضوع.

وقد أحببت أن أختم بحثي هذا منوهًا بأمور، أهمها:
1 – أنني أطلت في بعض أبحاث الكتاب، لعدم وجودها أو وجودها باختصار شديد في الكتب التي تكلمت عن هذا الموضوع، وذلك بتتبعي وإدامة النظر في ما جاء في الصحف والدوريات القديمة التي غصت بتلك الأخبار، فكان لزامًا علي أن أؤرخ لتلك الحقبة من تاريخ الكسوة.

2 – مما أطلت مباحثه هو موضوع (المحمل) الذي كان يأتي من مصر، فقد تبين لك أيها القارئ تلك البدع والمنكرات التي ظلت ترتكب باسم الدين قرونًا طويلة، يشارك فيها عوام الناس وخواصهم من المدنيين والعسكريين ومن العلماء والمفتين، ومشايخ الصوفية، وقد تسربت هذه البدع مع المحمل من القاهرة إلى جدة، ومنها إلى مكة المكرمة، واستمر الحال على ما عليه إلى أن ضم جلالة الملك عبد العزيز آل سعود مكة المكرمة إلى دولته، وذلك في 17/5/1343هـ بعد موسم الحج، وقد كان هذا الموضوع شاغله الأكبر، إذ حاول بشتى الوسائل أن يقنع المسؤولين بمصر بتجريد المحمل من السلاح، ومنع الموسيقى المصاحبة له خاصة من جدة إلى مكة المكرمة.

وقد رحبت الصحف المصرية بموقف الملك عبد العزيز، فاطمأن إلى حد ما أنه سيلبون ما طلب منهم، إلا أنه في حج عام 1344هـ وصل المحمل يصحبه جنود وضباط مصريون مسلحون حسب العادة، من غير إعلام للحكومة السعودية، ولم يُرِدْ جلالة الملك آنذاك أن يحدث أزمة بمنعه بعد وصوله، فسمح للقوة بالنـزول، وحدث ما حدث من حادثة المحمل المعروفة، ولطف الله ووقى الحجاج شر فتنة هذه السنة فامتنعت الحكومة المصرية بعدها عن إرسال الكسوة إلى سنة 1355هـ، ثم لما عادت بإرسالها بعد المفاوضات أرسلت الكسوة من غير محمل، ومن غير أي بدعة ومنكر، فلله الحمد على ذلك.         

فانظر يا رعاك الله!
كيف استطاع جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله بفضل حنكته وذكائه في معالجة الأمور أن يقضي على منكرات وبدع وخرافات تعوَّد الناس عليها من عشرات، بل من مئات السنين وذلك في وقت قصير جدًا.         

كما استطاع توحيد الإمامة في الحرم المكي الشريف وهدم القباب ومنع البناء على القبور وغيرها من الأمور التي تدل على حكمته البالغة، وعظمته رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، ووفق أبناءه البررة بالمضي قدمًا على نهجه.

3 – لقد مر بك أيها القارئ خلال مباحث الكتاب كيف كانت تأتي كسوة الكعبة من خارج المملكة، وأنه  أوقفت الأوقاف الكثيرة لها، بل أوقفت قرى بكاملها؛ وذلك لتأمين تكاليف صناعة كسوة الكعبة وما يلازمها من بخور وعطور وغيرها كانت تأتي إلى مكة المكرمة، بينما اليوم وفي عهد الحكومة السعودية تصنع كسوة الكعبة بأيدي سعودية، وفي مصانع سعودية، وبتكاليف من حكومة السعودية، وهذا غيض من فيض مما تصرفه المملكة العربية السعودية على خدمة الحرمين الشريفين، وهذا إن دل فإنما يدل على تحمل المملكة لهذه المسؤولية العظيمة، والقيام بها على أكمل وجه.

4 – ومن خلال مباحث الكتاب نجد ذلك التطور الكبير في صناعة كسوة الكعبة بعدما كانت تكسى بأنطاع وأنماط وبرود يمانية والحبرات وغيرها -مما فصلته في مباحث الكتاب- كانت تقدم للكعبة المشرفة، إلى أن أصبح قماشًا مصنعًا، يحاك في دول مختلفة ويقدم إلى الكعبة المشرفة لتلبسها في يوم معين.         

ثم ها هي الآن تصنع في مصنع خصص لها بمكة المكرمة تنتجه سنويًا بأيدي مهرة، وبآلات حديثة، لتكون من أبدع الكساوى التي صنعت على الإطلاق.

هذا ما أحببت التنويه به سائلاً المولى عز وجل أن يجعل عملي هذا خالصًا لوجهه الكريم، فإن كان صوابًا فمنه وحده لا شريك له، وإن كان غير ذلك فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله له.       
 
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وكتبه
د.عبد القيوم بن عبد رب النبي.