المقدمة
الحمد لله الذي أمرنا بشكر النعم، ووعد الشاكرين بمزيد من النعم وفضله العميم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فإن أفضل البلاد وخير البقاع على وجه المعمورة بلد الله الحرام مكة المكرمة مهبط الوحي ويليها في الفضل والمكانة والقداسة مهاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طيبة مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فالحمد لمن جعل الكعبة قبلة المسلمين وصير حرمها ملاذًا للخائفين، والكعبة المعظمة بيت الله على ظهر هذه الأرض، وهي أول بيت وضعه الرب الكريم لعباده المؤمنين.
فلم تنل بقعة في الدنيا كلها على مر الأيام والعصور من الحب والاحترام والتقديس ما نالته الكعبة المشرفة، وما أجمع العرب في الجاهلية والإسلام على تقديس شيء مثل تقديسهم للكعبة المشرفة، فإلى الكعبة المعظمة يتوجه المسلمون من أنحاء العالم المترامي حين يقومون بأداء فريضتهم المكتوبة أو حين يتهجدون ويركعون ويسجدون، وإليها تحن قلوبهم وتهفو أفئدتهم ليأتوها حاجين أو معتمرين.
ونرى آناء الليل وأطراف النهار حولها القائمين والعاكفين والطائفين والركع السجود والداعين والمبتهلين، لا تنقطع مواكبهم ولا تتوقف مسيرتهم على مدى ساعات الليل والنهار ولم تفقد قط كل هذه المعاني في جميع عصورها حتى الآن وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إن شاء الله.
ومن بعض مظاهر هذه المعاني كسوة الكعبة التي عني بها الناس منذ القدم حتى جاء الإسلام فكانت العناية أجل وأعظم.
وكسوة الكعبة المشرفة مذ بنى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام الكعبة المشرفة مرت بأطوار مختلفة، فلم تكن الكسوة كما نراها اليوم، وذلك لارتباط تطورها بعوامل اجتماعية وعوامل اقتصادية، غير أن الوازع المشترك بين كل من كساها هو التقديس والإجلال لهذا البيت المبارك والتقرب إلى الله تعالى حتى في عصور الشرك قبل الإسلام، وقد تعرض لموضوع الكسوة الشريفة كل من ألف في تاريخ مكة المكرمة والكعبة المعظمة، وألف بعضهم تآليف مستقلة فيها، بين مختصر ومطول، إلا أن لكل مؤلِّف أسلوبًا يختص به، ولكل مؤلَّف ميزات وخصائص ينفرد بها، ولذا أردت أن أدلو بدلوي المتواضع في هذا المضمار، ولعلي آتي بشيء جديد في الموضوع مع تهذيب وترتيب ما كتب في الكسوة حسب بضاعتي المزجاة.
وكنت أحسب أن الذين كتبوا في هذا الباب لم يتركوا شيئًا للآخر، ولكني لما شمرت عن ساعد الجد وبدأت أتقلب بين المصادر رأيت أن بعض جوانب الموضوع لم تعط حقها من البحث في الكتب المؤلفة في ذلك، وهو جانب الحفلات التي كانت تقام في مصر عند انتهاء صنع الكسوة وأثناء توديعها من القاهرة إلى الديار المقدسة بصحبة المحمل، والحفلات التي كانت تقام في ميناء جدة عند وصولها إليها، ثم حفلات تقام في شوارع جدة، وحفلات رسمية تقام عند وصولها إلى مكة المكرمة وحفلات بمناسبة زيارة أمير مكة للكسوة والمحمل أيام حكومة الهاشميين في مكة المكرمة وغير ذلك، وجانب آخر وهو تسليم الكسوة لسادن بيت الله الحرام في العهود السابقة وفي العهد السعودي، والمنكرات والبدع التي تحدث في الحفلات وكيف استطاعت الحكومة السعودية إزالة هذه المنكرات إلى غير ذلك من المباحث، كالتصرف في الكسوة القديمة والتبرك بالكسوة، وكيف توقف مجيء الكسوة من مصر، وكيف أنشئ المصنع للكسوة الشريفة، وكيف تطور المصنع إلى ما صار عليه الآن.
وفي الصفحات الآتية أستعرض المراحل التي مرت بها كسوة الكعبة المعظمة، لنعلم بذلك ما في نفوس بني آدم من الاحترام والإكبار نحو هذا البيت العتيق.
وقد قسمت بحثي إلى مدخل وسبعة أبواب، وخاتمة وتحت كل باب عدة فصول:
• أما المدخل: فذكرت فيه معنى الكسوة لغة، ومعناها المراد هنا في هذا البحث.
• الباب الأول: في بيان مراحل الكسوة الخارجية للكعبة المعظمة في العصور المختلفة.
• وفيه اثنا عشر فصلاً:
- الفصل الأول: أول من كسا الكعبة مطلقًا.
- الفصل الثاني: أول من كسا الكعبة الديباج.
- الفصل الثالث: كسوة قريش.
- الفصل الرابع: الكسوة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-.
- الفصل الخامس: الكسوة في عهد الخلفاء الراشدين.
- الفصل السادس: الكسوة في عهد بني أمية.
- الفصل السابع: الكسوة في عهد العباسيين.
- الفصل الثامن: الكسوة في عصر المماليك والشراكسة.
- الفصل التاسع: الكسوة من مصر وكيف توقفت عنها.
- الفصل العاشر: الكسوة في عهد سعود الكبير.
- الفصل الحادي عشر: الكسوة في عهد الملك حسين ابن علي.
- الفصل الثاني عشر: كسوة الكعبة الداخلية، وتاريخها، ولونها.
• الباب الثاني: في المحمل.
• وفيه اثنا عشر فصلاً.
- الفصل الأول: في تعريف المحمل وتاريخه.
- الفصل الثاني: في مراسم حمل الكسوة الشريفة.
- الفصل الثالث: في بدء الاحتفال بالمحمل والكسوة في القاهرة.
- الفصل الرابع: في أوقات الاحتفال بالكسوة في القاهرة.
- الفصل الخامس: في ذكر بعض الاحتفالات في القاهرة بالكسوة والمحمل.
- الفصل السادس: في سفر المحمل وركبه من القاهرة.
- الفصل السابع: الاحتفالات التي كانت تقام عند وصول الكسوة إلى ميناء جدة.
- الفصل الثامن: الاحتفال بالكسوة والمحمل في مدينة جدة.
- الفصل التاسع: في بدء الاحتفالات بدخول كسوة الكعبة إلى مكة المكرمة وكيف كانت.
- الفصل العاشر: الاحتفالات بمناسبة زيارة ملك الحجاز للمحمل قبل العهد السعودي.
- الفصل الحادي عشر: في ذكر بعض احتفالات قصيرة للكسوة بمكة المكرمة وفيه حفلة للكسوة بدون محمل أيضًا.
- الفصل الثاني عشر: الاحتفالات بمناسبة وداع المحمل المصري عند رجوعه إلى القاهرة.
• الباب الثالث: حوادث مهمة في تاريخ الكسوة.
• وفيه أربعة فصول:
- الفصل الأول: كيفية توقف المحمل المصري والشامي.
- الفصل الثاني: انقطاع الحج المصري والشامي.
- الفصل الثالث: عودة العهد السعودي الثاني وما جرى بين الحكومتين المصرية والسعودية في موضوع المحمل والكسوة.
- الفصل الرابع: حادثة المحمل.
• الباب الرابع: الاحتفال بالكسوة في العهد السعودي الثاني.
• وفيه فصلان:
- الفصل الأول: الاحتفال بالكسوة في العهد السعودي الثاني.
- الفصل الثاني: حفلة أخرى في العهد السعودي بمناسبة الانتهاء من صنع الكسوة.
• الباب الخامس: تسليم الكسوة الجديدة لسادن بيت الله الحرام.
• وفي ثلاثة فصول:
- الفصل الأول: أين ولمن تُسلم الكسوة الجديدة في عهود مختلفة.
- الفصل الثاني: في ذكر عدة احتفالات سُلمت فيها الكسوة للسادن في منـزله تسليمًا حقيقيًا.
- الفصل الثالث: في ذكر عدة احتفالات سلمت فيها الكسوة للسادن في المصنع تسليمًا رمزيًا.
• الباب السادس:بحوث تتعلق بالكسوة.
• وفيه ثمانية فصول:
- الفصل الأول: في الإشهاد الشرعي بتسليم الكسوة للسادن قبل العهد السعودي.
- الفصل الثاني: في الإشهاد الشرعي بتسليم الكسوة في العهد السعودي.
- الفصل الثالث: اليوم الذي تكسى فيه الكعبة.
- الفصل الرابع: ألوان الكسوة وأنواعها في العصور المختلفة ومن متى استقر اللون الأسود، وكيف اختير ذلك.
- الفصل الخامس: تفسير الكلمات الغريبة الواردة في الكسوة.
- الفصل السادس: ذكر إحرام الكعبة وبيان الحكمة في ذلك.
- الفصل السابع: وصف كسوة الكعبة المشرفة، أجزاءها الرئيسية الثلاثة وما تشمل عليها هذه الأجزاء من الآيات والكتابات الأخرى.
- الفصل الثامن: ذكر مصنع الكسوة وبيان سبب إنشائه.
• الباب السابع في بحوث فقهية وغيرها.
• وفيه ثلاثة فصول:
- الفصل الأول: في أوَّليات كسوة الكعبة المعظمة وما يتعلق بها وقد سبقني بعض من كتب في الكسوة إلى هذا البحث ولكن باختصار شديد، وإني قد بذلت ما في وسعي محاولاً استيعاب هذا الموضوع، وسيلاحظ القارئ ذلك في الكتاب إن شاء الله.
- الفصل الثاني: حكم التبرك بكسوة الكعبة المشرفة.
- الفصل الثالث: حكم التصرف في الكسوة.
الخاتمة:
ذكرت فيها سبب الكتابة في هذا الموضوع، وكيف جاءت هذه الفكرة ثم ذكرت خلاصة أهم ما جاء فيه من المباحث، وكيف آلت صناعة الكسوة إلى مكة المكرمة بجوار صاحب الكسوة، والتي ظلت قرونا طويلة تصنع خارج مكة المكرمة في بلدان مختلفة.
وفي الختام أحمد الله تعالى وأشكره وهو المستحق للحمد دائمًا الذي أعانني على إعداد هذا البحث القيم ويَسَّرَ لي إكماله، وأخيرًا فإنه اعترافًا بالفضل لذويه أرى من الواجب أن أتقدم بالشكر الجزيل لمعالي فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله ابن حميد رئيس شؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي حفظه الله سابقًا، ورئيس مجلس الشورى حاليًا، حيث فتح لي آفاقًا جديدة في الموضوع، وألمح إلي بعض المصادر المهمة في ذلك.
وأقدم شكري الجزيل لجميع منسوبي مكتبة الحرم المكي الشريف في أقسامها المختلفة وأخص بالذكر سعادة مدير مكتبة الحرم المكي الشريف وزملائي في قسم المخطوطات، فقد كان لتعاون جميعهم أثر كبير في إنجاز هذا البحث، وليعلم القارئ بأني بذلت قصارى جهدي في إعداد هذا البحث، واستفرغت فيه الطاقة، وليعذر القارئ العالم من خطأ متأت عن ذهول أو سبق قلم أو انزلاق نظر، وليقدم النصح، فالنصيحة الأخوية مقبولة وصاحبها مأجور ومشكور.
جزى الله خيرًا من تأمـل صنعتي وقابل ما فيها من السهو بالعفو
وأصلح ما أخطأت فيـه بفضـله وفطنته وأستغفر الله من سهوي
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
كتبه / عبد القيوم عبد رب النبي
بمكة المكرمة شرفها الله وكرمها
في 9/7/1422هـ
الهوامش: