منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة الأنعام الآيات من 151-155

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الأنعام الآيات من 151-155 Empty
مُساهمةموضوع: سورة الأنعام الآيات من 151-155   سورة الأنعام الآيات من 151-155 Emptyالخميس 01 أغسطس 2019, 11:26 pm

قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [١٥١]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ننظر في هذه الآية فلا نجد شيئاً من المحرمات من الأطعمة التي بها قوام الحياة، ولكن نجد فيها المحرمات التي إن اتبعناها نهدر القيم المعنوية التي هي مقومات الحياة الروحية، إنها مقومات الحياة من القيم (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ).

والأداء القرآني هنا يأخذ لفظ "تعال" بفهم أعمق من مجرد الإِقبال، فكأن الحق يقول: أقبل عليّ إقبال من يريد التعالي في تلقي الأوامر.

فأنت تقبل على أوامر الله لتعلوا وترتفع عن حضيض تشريع البشرية؛ فلا تأخذ قوانينك من حضيض تشريع البشر؛ لأن الشرط الواجب في المشرع ألاّ يكون مساوياً لمن شرَّع له، وألاّ يكون منتفعاً ببعض ما شرَّع، وأن يكون مستوعباً فلا تغيب عنه قضية ولا يغفل عن شيء والمشرع من الخلق لا يشرع إلا بعد اكتمال عقله ونضجه.

ولا يقدر أن يمنع نفسه من الانتفاع بالتشريع.

الرأسمالي -مثلاً- يشرع ليستفيد، والماركسي يشرِّع ليستفيد.

وكل واحد يشرع وفي نفسه هوى، ومن بعد ذلك تعدّل التشريعات عندما نستبين أنها أصبحت لا تفي ولا تغطي أمور الحياة، فكأن المشرع الأول لقصور علمه غابت عنه حقائق فضحها المجتمع حين برزت القضايا، فنظر في قانونه فلم يجد شيئاً يغطي هذه القضايا، فيقول: نعدل القانون، ونستدرك.

ومعنى استدراك القانون اي أن هناك ما جهله ساعة قنن.

إذن يشترط في المُقَنِّن ألاّ يكون مساويّاً للمُقَنَّن له، وألاّ تغيب عنه قضية من القضايا حتى لا يُسْتَدّرَك عليه، وألاّ يكون منتفعاً بالتشريع، ولا يوجد ذلك في بشر أبداً، فأوضح الحق: اتركوا حضيض التشريع البشري وارتفعوا إلى السماء لتأخذوا تقنينكم منها؛ فحين ينادي الله "تعالوْا" فمعناها ارتفعوا عن حضيض تقنين بشريتكم إلى الأعلى لتأخذوا منه تقنيانكم التي تحكم حركة حياتكم، فهو لا ينتفع بما شرع، بل أنتم الذين تنتفعون، ولأنه لا يغيب عنه شيء سبحانه، وهو خالق، هو أولى أن يشرع لكم.

(قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) [الأنعام: 151].

"أتل" من التلاوة وهي القراءة (مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) أي ما جعله حراماً..

أي يمتنع عليهم فعله، وسأقول لكم كل البلاغات بلاغاً بعد بلاغ.

(أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً) [الأنعام: 151].

لقد جاء سبحانه بتحريم الشرك من خلال تركيب لغوي يؤكد علينا ألا نشرك به؛ فأنت ساعة تأتي لتلقي أوامر لمن ترأسه تقول له: استمع إلى ما أمنعك منه فاتبعه.

ثم تبدأ في التفصيل، والحق هنا جاء بأول بند من المحرمات والمحظورات هو ألا نشرك به شيئاً.

أي أتلو عليكم تحريم الشرك، فأول المحرمات الشرك، وعلينا أن نوحد الله، فكل نهى عن شيء أمر بمقابله وكل أمر بشيء نهى عن مقابله.

وعلى ذلك فكل أمر يستلزم نهيًّا، وكل نهي يستلزم أمراً.

فلا تلتبس عليكم الأوامر والنواهي.

أو تكون "عليكم" منطقعة عما قبلها، أي عليكم ترك الشرك، وعليكم إحساناً بالوالدين، وألاّ تقتلوا أولادكم، وألاّ تقربوا الفواحش..

أي ألزموا ذلك.

ثم يقول سبحانه: (وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) وسبحانه يأمر هنا بتأكيد الإحسان إلى الوالدين؛ فهو أمر بإيجاب ويستلزم نهياً عن مقابله وهو عقوق الوالدين، أي لا تعقوهم.

فعدم الإحسان إلى الوالدين يدخل فيما حرّم الله.

ثم يقول سبحانه: (وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) [الأنعام: 151].

أي استبقوا حياة أولادكم، فإن أردتها من قبيل النهي فقل هو نهي عن قتل الأولاد، وإن أردتها من قبيل الإيجاب فقل: استبقوا الحياة.

وقول: (مِّنْ إمْلاَقٍ) أي من فقر، فكأنهم كانوا فقراء، ومادام الإملاق موجوداً فشغل الإنسان برزق نفسه يسبق الانشغال برزق من يأتي بعده؛ فيا أهل الإملاق تذكروا أن الله يرزقكم ويرزق من سيأتي زيادة عليكم وهم الأولاد.

ويقول سبحانه: (وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ..) [الأنعام: 151].

وهذا نهي عن القرب، أي نهي عن الملابسات التي قد تؤدي إلى الفعل لا نهي عن الفعل فقط؛ فحينما أراد الله يحرم على آدم وعلى زوجه الشجرة قال: (وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ) [الأعراف: 19].

لأن القرب قد يغري بالأكل، وكذلك (وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ) أي لا تأتي إلى مقدمات الفواحش بأن تلقي نظرة أو تحدق النظر إلى محرمات غيرك، وكذلك المرأة التي تتبرج؛ إنها تقوم بالإقبال على مقدمات الفواحش، فإذا امتنعت عن المقدمات أمنت الفتنة والزلل؛ لأن رسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كراعٍ يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله تعالى في أرضه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب".

ويمنعك الحق: ألاّ تقرب، أي أبعد نفسك عن مظنة أن تستهويك الأشياء، مثلها مثل "اجتنب" تماماً، وسبحانه وتعالى يقول: (فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ) [الحج: 30] ويقول: (وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ) [الحج: 30] وهنا يقول تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) [الأنعام: 151].

وكل ما ظهر من الفواحش هو من أفعال الجوارح التي ترتكب الموبقات و(وَمَا بَطَنَ) هو من أفعال السرائر مثل الحقد، والغل، والحسد.

ويتابع سبحانه: (وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ) [الأنعام: 151].

وكلمة "النفس" يختلف الناس في معناها، ولا تطلق النفس إلا على التقاء الروح بالمادة، والروح في ذاتها خيّرة، والمادة في ذاتها خيّرة مسبحة عابدة.

(وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [الإسراء: 44].

وإذا التقت الروح بالمادة تقوم الحياة، فمعنى قتل النفس أن نفصل الروح عن المادة بهدم البنية وهذا غير الموت؛ لأن الله هو الذي يميت النفس، أما الإنسان فهو يقتل النفس إن هدم بنيتها.

والذي وهب الحياة هو الله، فلا يسلب الحياة إلا هو.

وبعد ذلك يشرع الله لنا أن نسلب الحياة قصاصاً، أو للزِّنَى من الثيب المحصن رجلاً أو امرأة، أو للردّة، فهذا قتل بحق، لكن سبحانه وتعالى يلعن من يهدم بنيان الله بغير الحق، والإنسان بنيان الله فلا تعتدي عليه.

ولذلك أمرنا الله بالقصاص من إنسان قتل إنساناً؛ حتى يحافظ كل واحد على حياة نفسه، وحين يحفظ الإنسان كل نفس، فإنّه ينجو بنفسه ويسلم.

هكذا يأمر الحق بأن نقتل الثيّب، والثيب الزاني يطلق على الذكر والأنثى وهو من تزوج ودخل على زوجه وذاق كل منهما عسيلة الآخر وأفضى إليه، وكذلك المرتد، فنحن نحرص على حرية الاعتقاد؛ بدليل أننا لا نقتل الكافر الأصلي لكفره، ولكن يجب على الإنسان أن يفهم أن الدخول إلى الإيمان بالإسلام يقتضي أن يدرسه دراسة مستوفية مقنعة، وأن يعلم أن حياته رهن بأن يرجع عن هذا الدين، فإذا علم أن حياته رهن بأن يرجع عن هذا الدين، فلن يدخله إلا وهو مقتنع تمام الاقتناع.

ونحن نحمي بالاختيار، فنعلن لكل من يقبل على الإسلام ونحذره: إياك أن تدخل بظاهر القول دون فهم لمعنى الإسلام لأنك لو دخلت ثم بعد ذلك ارتددت فسوف تقتل، وما دام الشيء ثمنه الحياة، فالواجب أن يحتاط الإنسان الاحتياط الشديد.

وفي ذلك أيضاً ثقة من أن الإنسان إذا ما بحث في الأدلة فسيقتنع بأن له إلهاً حقاً، ولكننا لا نقتل الكافر الأصلي.

إذن فقتل المرتد حماية لحزم الاختيار، فإياك أن تدخل بدون روية؛ لأنك لو دخلت ثم ارتددت فسوف تقتل، وبذلك يصفى الحق المسألة تصفية لازمة بأن يعرض من يقبل على الإسلام جميع الحجج على نفسه، ولا يدخل إلا بنية على هذا، ففي أي عقد يحاول الإنسان أن يعرف التزماته وأن تتضح أمامه هذه الالتزامات.

ولا يدخل إلى الدين الدخول الأهوج، أو الدخول الأرعن، أو الدخول المتعجل.

بل يلزمه أن يدخل بتؤدة وروية.

وفي الزواج يدخل الإنسان بكلمة ويخرج بكلمة أيضاً هي: "أنت طالق"، ولذلك تحتاط المرأة، فما دامت قد عرفت أن بقاء زواجها رهن بكلمة فعليها أن تحرص ألا تضع هذا الحق إلا في يد أمينة عليه.

وساعة أن يقول لها أبوها: اسمعي، إن لك أن تختاري الزوج الذي إن أحبك أكرمك، وإن كرهك لا يظلمك؛ لأنه بكلمة منه تنتهي الحياة الزوجية.

إذن فعلى المرأة أن تفكر في الإنسان الأمين على هذه الكلمة.

ومع ذلك فهناك احتياط للغفلة؛ فالرجل يتزوج بكلمة واحدة، من مرة واحدة لكن في الطلاق هناك ثلاث مراحل، كرصيد للغفلة.

فالرجل يتزوج المرأة بكلمة "زوجتك نفسي أو يزوجها وليها ويكون القبول من الزوج وبهذا يتم الزواج".

لكن في الطلاق أباح الله لغفلة الرجل ولرعونته أن يطلق مرة، ثم يراجع هو من غير دخول أحد بينهما، ثم يطلق ثانية، ويراجعها، ولكن بعد الطلاق الثالث يجد التنبيه من الحق: لقد احتطنا لك برصيد من غفلتك.

ولكن عندما تريدها زوجاً لك فلا يتم ذلك إلاّ أن تتزوج غيرك، وبعدها قد تعود لك أو تبقى مع مَنْ تزوجها.

فاحتط جيداً للأمر الذي تدخل عليه، وللتعاقد الذي التزمت به.

فإذا كان هذا هو الشأن في تعاقد الزواج، فما بالنا بالردّة؟

إنّنا نقتل المرتد، ولا نفعل به ذلك قبل أن يؤمن وقبل أن يعلن إيمانه وقبل الدخول في حيز المؤمنين، ليعلم أنه إن رجع عن الإسلام فسيقتل.

وهكذا يصعِّب الإسلام الدخول إليه، ويحمي الاختيار في الوقت نفسه.

ويتابع سبحانه: (ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الأنعام: 151].

و "الوصية" لا تكون إلا للأمور المهمة التي لا تستقيم كالحياة إلا بالقيام بها، إنها في أمهات المسائل التي لا يصح أن نغفلها.

ولذلك حين تنظر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لقد ظل ثلاثة وعشرين عاماً يستقبل من السماء ويناول أهل الأرض، ثم جاء في حجة الوداع وركّز كل مبادئ الدين في قوله تعالى: (ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).

و "وصاكم" غير شرّع؛ فشرّع تأتي بكل التشريعات وما فيها من تفاصيل صغيرة، والوصية تضم أمهات المسائل في التشريع.

والعقل يجب أن يسع المسألة من أولها إلى آخرها؛ فلو استعملت عقلك في كل منهى عنه، أو في كل مأمور به في الآية فستجد التعقل يعطيك التوازن في القرار، وقد ختم الحق الخمسة الأشياء التي ذكرها في هذه الآية بـ (ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).

هذه الأوامر متفق عليها في جميع الرسالات وفي جميع الأديان، ويسمونها: "الوصايا العشر".

والأشياء الخمسة التي أوصى بها سبحانه هي: (ألا تشركوا به شيئاً * وبالوالدين إحساناً * ولا تقتلوا أولادكم من إملاق * ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن * ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق).

فكان يجب أن يقول: ذلكم وصاكم بها، لكنه قال: (وَصَّاكُمْ بِهِ)، فكأن أوامر الله ونواهيه أمر واحد متلازم تتمثل كلها في: التزم ما أَمَرَ اللهُ به، واجتنب ما نهى الله عنه.

وقوله سبحانه: (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) فكأن العقل لو خُليِّ ليبحث هذه الأشياء بحثاً مستقلاً عن منهج السماء لوجد أن ضرورة العيش على الأرض تتطلب وجود هذه الأشياء.

إذن، كيف نُعْصم من أهوائنا المتضاربة بعضها مع بعض؟      

لابد أن يكون الإله واحداً حتى لا يتبع كل واحد منا هواه.

إننا نعرف أن الأصل في الإنسان هو الأب والأم.

لذلك وصَّى بالأصل في (وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)، ووصى أننا لا نقتل الأولاد خشية الفقر؛ لأن الحياة تستمر بهم، وبعد ذلك لابد أن تكون الحياة نظيفة، طاهرة لجميع الأفراد، ولا تشوبها شائبة الدنس أبداً، ولا يتأتى ذلك إلا إذا تركنا الفواحش: ما ظهر منها وما بطن؛ لأننا نلاحظ أن كل الأولاد غير الشرعيين يُهْمَلون؛ فالحق سبحانه وتعالى يريد طهارة الأنسال في الحياة؛ حتى يتحمل كل واحد مسئولية نسله.

ويكون محسوباً عليه أمام المجتمع، ويحذرنا سبحانه من أن نقتل النفس إلا بالحق؛ لأن النفس أصل استبقاء الحياة.

ثم يجيء الحق بعد ذلك في الآية التالية ليكمل الوصايا فيقول: (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ...).



سورة الأنعام الآيات من 151-155 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الأنعام الآيات من 151-155 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأنعام الآيات من 151-155   سورة الأنعام الآيات من 151-155 Emptyالخميس 01 أغسطس 2019, 11:27 pm

وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [١٥٢]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ونعلم أن اليتيم هو من فقد أباه، ولم يبلغ مبلغ الرجال، هذا في الإنسان، أما اليتيم في الحيوان فهو من فقد أمه.

وقوله الحق: (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ..) [الأنعام: 152].

هنا يفرض سبحانه أن اليتيم له مال، فلم يقل: لا تأكل مال اليتيم.

بل أمرك ألاّ تقترب منه ولو بالخاطر، ولو بالتفكير، وعليك أن تبتعد عن هذه المسألة.

وإذا كان قد قال: (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ) فهل هذا الأمر على إطلاقه؟      

لا؛ لأنّه أضاف وقال بعد ذلك: (إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي بأن نُثَمِّرَ له ماله تثميراً يسع عيشه، ويبقى له الأصل وزيادة، ولذلك قال في موضع آخر: (وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا) [النساء: 5].

فلا يأخذ أحد مال اليتيم ويدخره، ثم يعطيه منه كل شهر جزءاً حتى إذا بلغ الرشد يجد المال قد نقص أو ضاع، لذلك لم يقل: ارزقوهم منها، بل قال: (وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا) أي ارزقوهم رزقاً ناشئاً منها.

فَمَالُهم ظرفية للرزق، ولا يتأتّى هذا إلا بأن نثمرها لليتيم، ولا نحرم الوصاية على اليتيم لرعاية ماله من أصحاب الكفاءات في إدارة الأعمال والأمناء، وقد يوجد الكفء في إدارة العمل، والأمين فيه لكن حاله لا ينهض بأن يتحمل تبعات ومؤونة حياته وقيامه بإدارة أموال اليتيم؛ فقال -سبحانه- في ذلك: (وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ) [النساء: 6].

أي أن يهب الوصيّ تلك الرعاية لله، وحين يهب تلك الرعاية لله ولا يأخذ نظير القيام بها أجراً؛ يضمن أنه إن وُجِدَ في ذريته إلى يوم القيامة يتيم فسيجد مَنْ يعوله حسبة لله وتطوعاً منه مدخراً أجره عند الله.

والحق هو القائل: (وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً) [النساء: 9].

وحينما يجد اليتيم من يرعاه، وحين يتعاطف المجتمع مع كل يتيم فيه، ويتولى أمور اليتامى أناس أمناء قادرون على إدارة أمورهم فسوف يقل جزع الإنسان من أن يموت ويترك صغاره؛ لأنه سيجد كرامة ورعاية لليتيم، فالناس تخاف من الموت لأن لهم عيالاً صغاراً ويرون أن المجتمع لا يقوم برعاية اليتامى، لكن الإنسان إن وَجَد اليتيم مكُرّماً، ووجد له آباء من الأمة الإسلامية متعددين، فإن جاءه الموت فسوف يطمئن على أولاده لأنهم في رعاية المجتمع، ولكن لا تنتظر حتى يصلح شأن المجتمع بل أصلح من نفسك وعملك تجاه أي يتيم، ويمكنك بذلك أن تطمئن على أولادك فستجد من يرعاهم بعد مماتك، وحين يرعى المجتمع الإيماني كل يتيم ستجد الناس لا تضيق ذرعاً بِقَدَر الله في خلقه بأن يموت الواحد منهم ويترك أولاداً.

والمثل واضح في سورة الكهف بين العبد الصالح وسيدنا موسى حينما مرّا على قرية: (حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا) [الكهف: 77].

فلم يطلبا نقوداً ليدخراها، ولكنهما طلبا طعاماً لسد الجوع، وهذه حاجة مُلحّة.

ومع أنهما استطعما أهل القرية أبى أهل القرية أن يضيفوهما.

ومعنى ذلك أنها قرية لئيمة الأهل.

وعلى الرغم من العبد الصالح وجد ردّهم عليه وامتناعهم عن إطعامهما، ولكنه عندما وجد جداًر، وبفراسته علم أن الجدار يريد أن ينقض، وكأن الجدار له إدارة، فأقام الجدار، ولأمه سيدنا موسى عليه السلام، وكان سيدنا موسى منطقيّاً مع نفسه، فقد طلب هو وشيخه من أهل القرية مجرد الطعام فرفضوا، فكيف ترد عليهم بأن تبنى لهم الجدار، وكان يجب أن تأخذ على البناء أجرة، فهم قوم لئام، هذا كلام موسى.

لكن العبد الصالح جازاهم بما يستحقون؛ لأنه ببنائه الجدار قد حال بينهم وبين أخذ الكنز، لأنه لو ترك الجدار ينهار لظهر الكنز الذي تحته وهو ليتمين، وهكذا عرف العبد الصالح كيف يربيهم.

وبعد ذلك أراد الله أن يشرح لنا أن الجدار لغلامين يتمين في المدينة.

(فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا) [الكهف: 82].

فكأن استخراج الكنز مقارن ببلوغ الرشد، وكأن العبد الصالح قد بنى الجدار بناءً مؤقوتاً، بحيث لا ينهار إلا حين يبلغ الغلامان مبلغ الرشد، لقد بنى العبد الصالح البناء وكأنه يضبط الميقات فلا يتماسك الجدار إلا لساعة بلوغ الغلامين أشدهما، وعندئذ يستخرج الغلامان كنزهما.

وبعد ذلك جاء لنا بالحيثية لكل ذلك، فقال سبحانه: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً) [الكهف: 82].

فكأن صلاح الأب هو الذي أراد به الحق أن يظهر لنا كيف حمى كنز الأبناء، فيأتي العبد الصالح وموسى لأهل القرية اللئام، ويطلبان طعاماً، فلا يطعمونهما، فيبني العبد الصالح الجدار الموقوت الذي يصون الكنز من اللئام.

والحق يقول هنا: (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الأنعام: 152].

ومن لا يقدر على قرب مال اليتيم بالتي هي أحسن فليبتعد عنه.

وحتى لا يتحرز ويتوقى الناس من رعايتهم مال اليتيم، قال سبحانه: (وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ) [النساء: 6].

وكلمة (فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ) أي لا يكنز ولا يدخر منه أبداً، بل يأكل بما يدفع الجوع فقط ويكتسي ما يستر جسمه.

ونعرف أن اليتيم لم ينضج عقله بعد، وكذلك الكبير السفيه هو أيضاً لا يقدر على التصرف؛ لذلك قال الحق في أدائه البياني حيث يؤدي اللفظ ما يوحي بالمعاني الواسعة: (وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ) [النساء: 5].

وجعل الحق مال السفيه في مرتبة مال الولي؛ لأن السفيه لا يحترم ملكيته وقد يبددها.

ولكن المال يعود لهذا الإِنسان حين يذهب عنه السفه فيقول الحق: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) [النساء: 6].

إنه أداء قرآني عجيب، يشجع الناس ألا يتركوا السفيه يبدد ماله فتكون خسارة للمجتمع كله، فمادام هو في سفه فانظر إلى المال كأنه مالك، ولتكن أميناً عليه أمانتك على مالك.

وعندما ترى وتجد رشده وتطمئن على ذلك، فإن الحق يأمرك أن تعيد له ماله.

ونعود إلى اليتيم، هنا يقول الحق: (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).

هذا إن كان له مال، فماذا عن اليتيم الذي لا مال له؟      

هنا تكون الوصية أقوى، عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسّبابة والوسطى وفرّج بينهما".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله وكالذي يصوم النهار ويقوم الليل".

وخذوا بالكم واجعلوا مسح رأس اليتيم لله، فمن الجائز أن تكون لليتيم أم جميلة، ويريد الولي أن يتقرب منها عن طريق الولد، احذروا ذلك، فإنه فضلا على أنه يُسْخِطُ الله ويُغْضِبَهُ فهو خسة ولؤم ونذالة.

(وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) [الأنعام: 152].

لم يقل الله -سبحانه- بالتي هي حسنة ولكنه قال: (بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) لتشديد الحرص على مال اليتيم حتى يبلغ أشده لأن بلوغ الأشد، يعني أن اليتيم صارت له ذاتية مستقلة، وما المعيار في الذاتية المستقلة؟

أن يصبح قادراً على إنجاب مثله، وهذا معيار النضج، مثله مثل الثمرة حين تنضج؛ أي صارت البذرة التي فيها صالحة لأن نضعها في الأرض لتكون شجرة.

وأنت إن قطفت الثمرة قبل أن تنضج لا تجد طعمها حلواً، ولا تستسيغ مذاقها إلا حين تستوي البذرة وتنضج.

و"الأشد" أي أن الإِنسان يصير قادراً على إنجاب مثله وهو ما نسميه البلوغ، ويصبح أيضاً قادراً على حسن التصرف في المال وفي كل شيء.

ويتابع سبحانه: (وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ) [الأنعام: 152].

والكيل هي المعايير لما يكال حجماً، والموازين هي المعايير لما يُقَدِّر كثافة، فهناك معيار للحجم ومعيار للكثافة.

معيار الحجم الكيل، ومعيار الكثافة هو الوزن، وهناك أيضاً التقديرات العادلة في القياس، للأقمشة مثلاً، المقياس فيها هو المتر، إذن كل شيء بحسبه، وإذا أردت الموزون فلابد أن يكن بالقسط، أي بالعدل.

وهذه المسألة من الصعب تحقيقها، ولذلك تختلف الموازين باختلاف نفاسة الأشياء، فحين نزن الفول أو العدس أو البطاطس أو القلقاس، فنحن نزنه بميزان كبير؛ لأن فرق الميزان يكون حول الكيلو جرام، فالأمر حينئذ يكون مقبولاً.

وحين نزن أشياء أثمن قليلاً، نأتي بالميزان الدقيق.

فإن كان الشيء الموزون ذهباً نحيط الميزان بجدران زجاجية لأن لفحة الهواء قد تقلل أو تزيد الوزن.

إننا نحاول أن نمنع تأثير تيارات الهواء عليها.

وحين نزن المواد الكيماوية نأتي بميزان يعمل بالذرة.

إذن كل موزون يأخذ درجة ميزانه بمقدار نفاسته وتأثيره؛ لأن تحقيق العدالة في الميزان مسألة صعبة، وكذلك الأمر في الكيل.

فحين يكيل الإنسان كيلاً يمسك إناء الكيلة ويهزّه؛ حتى يأتي الميكال دقيقاً محرراً، وإن أراد أن يلغي ضميره ويأخذ أكثر من حقه فهو يملأ المكيال بأكثر مما يحتمل ويسند الزيادة بيده حتى لا تقع.

وربنا يقول: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) [المطففين: 1-3].

فحين يكتال يستوفى ويطفف أي يزيد ما سوف يأخذه شراء، وحين يبيع يقلل الكيل أو الوزن ليأخذ ثمناً أكثر من ثمن ما يزن أو يكيل.

وأصل المبادلات غالباً بين طرفين، وبعض المتنطعين يقول: كيف يقول الحق: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ) [المطففين: 1] والتطفيف في أي مسألة يكون بالزيادة، لا بالنقص.

ونقول: انتبه إلى أن المتحدث هو الله، والتطفيف إنما هو الرغبة في الاحتفاظ بالزيادة للنفس، أما النقص فيكون للآخرين، والتطفيف يزيد طرفاً وينقص من طرف، وكل صفقة بين اثنين فيها بيع وشراء.

فإن أراد واحد أن يجعل الخسران على طرف وأن يستوفي لنفسه فهو مطفف.

ولذلك تأتي دقة الأداء القرآني من ربنا: (وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) [الأنعام: 152].

وقال الحق ذلك لأنه يعلم أن الكيل والميزان بالعدل أمر متعذر؛ لأن الحق سبحانه وتعالى لواسع رحمته في التشريع لنا لم يجعل مجال الاستطاعة أمراً يمكن أن تتحكم فيه أشياء لا تدخل في الاستطاعة؛ ففي ضبط المكيال والميزان قال: (لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)، لأن المكيال والميزان أداتان تتحكم فيهما ظروف لا تدخل في نطاق الإنسان.

ولذلك قلنا: إن وزن الأشياء التي نعلمها إن كانت من الأشياء التي ليست فيها نفاسة فوزنها له آلة.

وإن كانت في المتوسط فوزنها له آلة، وإن كان في الأشياء النفيسة الدقيقة التي للقدر الصغير فيها قيمة مؤثرة، فإن لها آلة مضبوطة مصونة من عوامل الجو حتى لا تتأثر بهبّة الهواء، فقول الحق: (لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) إباحة للأشياء الزائدة أو الناقصة التي لا تدخل في الاستطاعة، ثم قال سبحانه: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ) [الأنعام: 152].

نعلم أن القول نسبة كلامية ينطق بها المتكلم ليسمعها مخاطب، ينفعل للمطلوب فيها خبراً أو إنشاءً، والقول مقابله الفعل، وكلاهما عمل، فالقول عمل والفعل عمل؛ فإذا قلت: قل أو افعل، فافهم أن القول متعلق بجارحة اللسان، والفعل متعلق بكل الجوارح ما عدا اللسان، فإذا رأيت، وإذا سمعت، وإذا شممت، وإذا لمست كل ذلك يطلق عليه أنه فعل، ولكن إذا ما تحرك اللسان فذلك قول: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ).وهل العدل مقصور على القول؟

أو العدل أيضاً يكون في الفعل؟

إن العدل قد يكون في خلاف بين اثنين، وهذا لا يتأتى بفعلك، وإنما يتأتى الحكم والفصل فيه بقولك، وإذا ما تعودت العدل في قولك، ألفته وأنست به وأحببته حتى في أعمالك الخاصة الأخرى.

والقول منه الإقرار، وإن تقر على شيء في نفسك فقله بالعدل وبالحق.

والشهادة.

قلها بالحق.

والحكم.

قله بالحق.

والوصية.

قلها بالحق.

والفتوى.

قلها بالحق.

إذن فالحق في القول أمر دائر في كثير من التصرفات؛ لأنك إذا قلت بالحق أمكنك أن تعدل ميزان حركة الحياة؛ فميزان حركة الحياة لا يختل إلا أن رجح باطل على حق؛ لأنك إذا حكمت لواحد بشيء لا يستحقه فقد أعطيته ما ليس له، وإن بعملك هذا تجعل المتحرك في الحياة يزهد في الحركة.

لكن إذا ما حافظت على حركة كل متحرك، وأخذ كل واحد حظه من الحياة بقدر ما يعمل اتزنت كل الأمور، ولم يعد هناك قوم يعيشون على جهد غيرهم وعرق سواهم، إذن فقول العدل هو مناط حركة الحياة الثابتة المستقيمة الرتيبة الرشيدة: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ).

والذي يؤثر في العدل هو الهوى، وحين يوجد الهوى فهو يحاول أن يميلك إلى ناحية ليس فيها الحق، وأولى النواحي أن يكون الأمر متعلقاً بك أو بقرابة لك، وقد تريد إن حكمت -والعياذ بالله- باطلاً، أن تسعد ذا قرباك، وأنت بذلك لم تؤد حق القرابة؛ لأن حق القرابة كان يقتضي أن تمنع عنه كل شيء محرّم وتحمي عرضه، وتحمي دينه قبل أن تحمي مصلحته في النفعية الزائلة.

ولذلك يأمرك الحق بأن تقول الكلمة بالعدل ولو كان المحكوم له أو عليه ذا قربى؛ لأنك حين تحكم بالباطل فأنت في الواقع حكمت عليه لا له.

(وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ) [الأنعام: 152].

ونحن نعلم أن عهد الله هو ما عاهدنا الله عليه، وأول عهد وقمة العهود هو الإيمان به سبحانه، وترتب على ذلك أن نتلقى منه التكليف، فكل تكليف من تكاليف الله لخلقه يُعتبر عهداً داخلاً في إطار الإِيمان؛ لأن الله لا يحكم حكماً أو يبينه لمكلَّف إلا بعد أن يقول: (يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ) [المائدة: 1].

أي يا من آمنت بالعهد الأصيل في القيم وهو العقيدة، وآمنت بي إلهاً: خذ التكليف مني؛ لأنك قد دخلت معي في عهد هو الإِيمان.

ولذلك لا يكلف الله بالأحكام كافراً به، إنما يقول: (يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ) [المائدة: 1]، ولذلك يجب أن نأخذ كل حكم بدليله من الإِيمان بمن حكم به، فلا تبحث عن العلة في كل حكم، وإنما علة كل حكم أن تؤمن بالذي أمرك أن تفعل كذا، فَعِلَّة كل أمر هي الحكم.

ويذيل الحق الآية الكريمة بقوله تعالى: (ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الأنعام: 152].

و"ذلكم" إشارة إلى ما تقدم، من أول قوله سبحانه: (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) [الأنعام: 151].

إلى أن انتهينا إلى قوله سبحانه: (وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ) [الأنعام: 152].

والتوصية تخصيص للتشريع؛ لأن التشريع يعم أحكاماً كثيرة جدَّا، ولكن الوصية التي يوصي الله بها تكون هي عيون التشريع.

ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنه عن هذه الآيات: "إنها محكمات لم ينسخهن شيء من جميع الكتب، وقيل إنهن أم الكتاب من عمل بهن دخل الجنة، ومن تركهن دخل النار".

ولم يوجد شرع جاء لينسخ واحدة من هذه الوصايا، ولذلك يقول اليهودي الذي أسلم وهو كعب الأحبار: "والذي نفس كعب بيده إنّ هذه الآيات لأول شيء في التوراة: (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) [الأنعام: 151].

ثم نجد أن هذه الوصية الأخيرة هي جامعة لكل شيء؛ نجد تسع وصايا قد مرّت؛ خمساً منها قال فيها: (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، وأربعاً قال فيها: (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، والعاشرة يقول: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، وهذه الوصية العاشرة هي الجامعة لكل أنواع الفضائل التكليفية إنّها قوله الحق: (وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي...).



سورة الأنعام الآيات من 151-155 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الأنعام الآيات من 151-155 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأنعام الآيات من 151-155   سورة الأنعام الآيات من 151-155 Emptyالخميس 01 أغسطس 2019, 11:28 pm

وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [١٥٣]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

أي أنه ختم الوصايا التسع بهذا القول؛ لأن الصراط المستقيم يشمل الوصايا التسع السابقة ويشمل كل ما لم يذكر هنا.

وقلت: إننا نلاحظ أن الخمس الأول ذيلها الحق بقوله: (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، والأربع التي بعدها ذيلها الحق بقوله: (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) والواحدة الجامعة لكل شيء قال تذييلاً لها: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

فما الفرق بين التعقل والتذكر والتقوى؟

إن الأشياء الخمسة الأولى التي قال الحق فيها: (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الأنعام: 151].

هذه الأشياء كانت موجودة في بيئة نزول القرآن، إنهم كانوا يشركون بالله ويعقون والديهم ويقتلون الأولاد ويقارفون الفواحش ويقتلون النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، فأوضح لهم: تَعَقَّلُوها، فإذا ما تعقلتموها تجدون أن تكليف الله بمنعكم من هذه الأفعال، إنه أمر يقتضيه العقل السليم الذي يبحث في الأشياء بمقدمات سليمة ونتائج سليمة، لكن "الأربع" الأخرى، هم كانوا يفعلونها ويتفاخرون بها.

ففي التي كانوا يعملونها من القيام على أمر مال اليتيم والوفاء في الكيل والميزان والعدل في القول والوفاء بالعهد قال: (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي إياكم أن تغفلوها؛ فإذا كنتم تفعلونها وأنتم على جاهلية؛ فافعلوها من باب أولى وأنتم على إسلامية.

ثم جاء بالوصية الجامعة: (وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].

ونظراً لأن هذه الوصية تستوعب كل الأحكام إيجابًّا وسلبًّا، نهيًّا وأمراً، فوضح لهم أنه يجب عليكم أن تتبعوا الصراط المستقيم: لتقوا أنفسكم آثار صفات القهر من الحق سبحانه وتعالى، وأول جنودها النار.

والصراط: هو الطريق المعبّد، ويأخذون منه صراط الآخرة، وهو -كما يقال- "أدق من الشعرة، وأحدّ من السيف"، ما معنى هذا الكلام؟      

معناه أن يُمشى عليه بيقظة تامة واعتدال؛ لأنه لو راح يمنة يهوي في النار، ولو راح يسرة يسقط فيها، فهو صراط معمول بدقة وليس طريقاً واسعاً، بل -كما قلنا- "أدقّ من الشعرة وأحدّ من السيف" فلتمش على صراط الله ومنهجه معتدلاً، فلا تنحرف يمنة أو يسرة؛ لأن الميل -كما قلنا- يبعدك عن الغاية، إنك إذا بدأت من مكان ثم اختل توازنك فيه قدر ملليمتر فكلما سرت يتسع الخلل، وأي انحراف قليل في نقطة البداية يؤدي إلى زيادة الهوة والمسافة.

كذلك الدين، كلما نلتقي فيه ويقرب بعضنا من بعض، نسير في الطريق المستقيم، وكلما ابتعدنا عن التشريع تتفرق بنا السبل.

(وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].

ورسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ جلَّى بالحركة الفعلية منطوق النسبة الكلامية، حينما جلس بين أصحابه وخطّ خطًّا.

وقال: هذا سبيل الله.

ثم خط خطوطاً عن يمينه وخطوطاً عن يساره، ثم قال: هذه سبل وعلى كل سبيل منها شيطان؛ يدعو إليها، ثم قرأ هذه الآية: (وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ).

ولذلك فكل أهل الحق، وأهل الخير كلما اقتربوا من المركز كان الالتقاء، وهذا الالتقاء يظل يقرب ويقرب إلى أن يتلاشى ويصير الكل إلى نقطة واحدة.

وانظر إلى جلال الحق حينما يجعل الصراط المستقيم إليه في دينه، منسوباً إلى رسوله: (وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً) فالرسول يسير على هذا الصراط وهو لا يغش نفسه، والذي يفعله ويمشي فيه يأمركم بأن تمشوا فيه، وهو لم يأمركم أمراً وهو بنجوة وبُعدٍ عنه، ولو غشكم جميعاً لا يغش نفسه، وهذا هو صراطه الذي يسير فيه.

والسبيل هنا معروف أنّه إلى الله فكأن سبيل الله هو طريق محمد -صلى الله عليه وسلم-.

ونسب الفعل والحدث لله وحده؛ ففي البداية قال: (وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً)، ثم قال: "سبيله" فالصراط لم يعمله محمد لنفسه، ولكن أراده الله للمؤمنين جميعاً، ورسول الله هو الذي يأخذ بأيديهم إليه.

وحين ننظر إلى كل الخلافات التي تأتي بين الديانات بعضها مع بعض، بين اليهودية والنصرانية على سبيل المثال: (وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ) [البقرة: 113].

والمشركون قالوا: لا هؤلاء على شيء، ولا هؤلاء على شيء: (كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) [البقرة: 113].

أي أننا أمام ثلاثة أقوال: اليهود قالوا: ليست النصارى على شيء، والنصارى قالوا: ليست اليهود على شيء، وقال الذين لا يعلمون -وهم أهل مكة- مثل قولهم، ثم نجد الدين الواحد منهما ينقسم إلى طوائف متعددة، وكل طائفة لها شيء تتعصب له، وترى أن الذي تقول به هو الحق، والذي يقول به غيرها هو الباطل، وكيف ينشأ هذا مع أن المصدر واحد، والتنزيلات الإلهية على الرسل واحدة؟

إن آفة كل هذا تنشأ من شهوة السلطة الزمنية، وكل إنسان يريد أن يكون له مكانة ونفوذ وخلافة.

وهذا يريد أن يتزعم فريقاً، وذاك يريد أن يتزعم فريقاً، ولو أنهم جُمعوا على الطريق الواحد لما كانوا فرقاء.

ونجده -صلى الله عليه وسلم- يقول: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت أمتي على ثلاث وسبعين فرقة".

وفي رواية: "كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة"، والجماعة: هم أهل السنة والجماعة، وفي رواية: "ما أنا عليه وأصحابي".

ونلاحظ دقة هذا القول في عدد المذاهب والفرق، وإن كنتم لا تسمعون عن بعضها لأنها ماتت بموت الذين كانوا يتعصبون لها، والذين كانوا يريدون أن يعيشوا في جلالها.

إذن الآفة تأتي حين ننظر إلى حكم من الأحكام، يرى فيه واحد رأياً، ويأتي الآخر فيرى فيه رأياً آخر، لا لشيء إلا للاختلاف.

ونقول لهم: انتبهوا إلى الفرق بين حكم مُحْكَم، وحكم تركه الله مناطاً للاجتهاد فيه، فالحكم الذي أراده الله محكماً جاء فيه بنص لا يحتمل الخلاف، وهذا النص يحسم كل خلاف.

والحكم الذي يحبه الله من المكلَّفين تخفيفاً عنهم على وجه من الوجوه يأتي بالنص فيه محتملاً للاجتهاد، ومجيء النص من المشرع في حكم محتمل للاجتهاد، هو إذن بالاجتهاد فيه؛ لأنه لو أراده حُكماً لا نختلف فيه لجاء به محكماً.

والمثال المستمر ما تركه لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سنته الشريفة، فحينما أراد الحق سبحانه وتعالى ألاّ يضع السلاح قبل أن يؤدب بني قريظة، وهم مَنْ شايعوا مشركي مكة في الحرب.

فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يُصَلَّيَنَّ أحدٌ العصرَ إلا في بني قريظة".

فذهب الصحابة في طريقهم إلى بني قريظة، وآذنت الشمس بالمغيب وهم في الطريق فانقسم صحابة رسول الله إلى قسمين: قسم قال: نصلي العصر قبل أن تغيب الشمس، وقال قسم آخر: قال رسول الله لا نصلين العصر إلا في بني قريظة.

فصلى قوم العصر قبل مغيب الشمس، ولم يصل الآخرون حتى وصلوا إلى بني قريظة، ورفعوا أمرهم إلى المشرع وهو رسول الله، فأقرّ هذا، وأقرّ هذا، لأن النص محتمل.

لماذا؟      

لأن كل حدث من الأحداث يتطلب ظرفاً له زمان ومكان؛ فالذين قالوا إن الشمس كادت تغرب ولابد أن نصلي العصر قبل مغيبها نظروا إلى الزمان.

والذين قالوا لا نصلي إلاّ في بني قريظة نظروا إلى المكان.

وحينما رُفِعَ الأمر إلى المشرع الأعلم أقرّ هؤلاء وأقرّ هؤلاء.

إذن فالحكم إن كان فيه نص محكم فلا احتمال للخلاف فيه.

وإن كان الله قد تركه موضعاً للاجتهاد فيه فهو يأتي لنا بالنص غير المحكم.

ومَن ذهب إليه لا يصح أن نخطِّئه، ولذلك بقي لنا من أدب الأئمة الذين بقيت مذاهبهم إلى الآن بعضهم مع بعض.

نجد الواحد منهم يقول: الذي ذهبت إليه صواب يحتمل الخطأ، والذي ذهب إليه مقابلي خطأ يحتمل الصواب، وجميل أدبهم هو الذي أبقى مذاهبهم إلى الآن، وعدم أدب الآخرين جعل مذاهبهم تندثر وتختفي ولا تدرون بها، الحمد لله أنكم لا تدرون بها.

ثم يقول الحق بعد ذلك: (ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ...).



سورة الأنعام الآيات من 151-155 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الأنعام الآيات من 151-155 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأنعام الآيات من 151-155   سورة الأنعام الآيات من 151-155 Emptyالخميس 01 أغسطس 2019, 11:29 pm

ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ [١٥٤]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ونحن إذا سمعنا كلمة "ثم" نعلم أنها من حروف العطف، وحروف العطف كثيرة، وكل حرف له معنى يؤديه، وهنا (ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ)، وإيتاء موسى الكتاب كان قبل أن يأتي قوله: (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) [الأنعام: 151] فالتوراة جاءت ثم الإِنجيل، ثم جاء القرآن ككتاب خاتم.

فكيف جاءت العبارة هنا بـ"ثم"؟      

مع أن إتيان موسى الكتاب جاء قبل مجيء قوله الحق: (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) [الأنعام: 151]؟

ونقول لأصحاب هذا الفهم: أنت أخذت "ثم" لترتيب أفعال وأحداث، ونسيت أن "ثم" قد تأتي لترتيب أخبار.

فقد يأتي مَن يقول لك: لماذا لا تسأل عن فلان ولا تؤدي الحق الواجب عليك له؛ كحق القرابة مثلاً، فتقول: كيف، لقد فعلت معه كذا، ثم أنا فعلت مع أبيه كذا، ثم أنا فعلت مع جدّه كذا.

إذن، فأنت تقوم بترتيب أخبار، وتتصاعد فيها، وتترقى.

ولذلك قال الشاعر العربي:
إن من ساد ثم ساد أبوه ثم قد ساد قبل ذلك جدّه

فالسيادة جاءت أولاً للجد، ثم جاءت للأب، ثم انتقلت للابن.

و"ثم" في هذه الحالة ليست لترتيب الأحداث وإنما جاءت للترتيب الإِخباري أي يكون وقوع المعطوف بها بعد المعطوف عليه بحسب التحدث عنهما لا بحسب زمان وقوع الحدث على أحدهما فالمراد الترقي في الإِخبار بالأحداث.

وانظر إلى القرآن بكمال أدائه يقول: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ..) [الأعراف: 11].

ونعلم أن الأمر من الله للملائكة بالسجود لآدم كان من البداية.

فسبحانه في هذا القول الكريم يريد أن يرتب حالنا، إنه -سبحانه- خلقنا بعد أن صورنا، وصورنا، بعد أن قال للملائكة اسجدوا لآدم.

ولله المثل الأعلى، تجد من يقول لابنه: لقد اعتنيت بك في التعليم العالي، ثم لا تنس أني قد اعتنيت بك في التعليم الثانوي، ثم لا تنسى أنني قد اعتنيت بك في التعليم الإعدادي؛ ثم لا تنسى أنني قد اعتنيت بك من قبل كل ذلك التعليم الابتدائي.

وأنت بذلك ترتقي إخبارياً لا أحداثياً.

فقد يكون الحدث بعد ولكن ترتيب الخبر فيه يكون قبل.

(ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ) [الأنعام: 154].

طبعاً ما دام جاء بسيرة موسى فالكتاب هو التوراة وإذا أطلق الكتاب من غير تحديد؛ فإنّه ينصرف إلى القرآن، لأنه هو الكتاب الجامع لكل ما في الكتب، والمهيمن على كل ما في الكتب.

أما لو قيل مثلاً: أنزلنا على موسى الكتاب، فيكون الكتاب هو التوراة، أو أنزلنا على عيسى الكتاب، فيكون الكتاب هو الإنجيل.

(ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) [الأنعام: 154].

والتمام هو استيعاب صفات الخير، ولذلك يقول الحق: (ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) [المائدة: 3].

و"أكملت" فلا نقصان، وأتممتها فلا استدراك.

ولماذا جاء بالتمام على الذي أحسن في أمر موسى عليه السلام؟      

جاء ذلك لأن الذين تصدوا للجاج والجدل معه -صلى الله عليه وسلم- هم اليهود.

وأنتم تعلمون أنهم صوروا في مصر هنا فيلماً سينمائياً اسمه "الوصايا العشر" عن قصة سيدنا موسى عليه السلام.

والوصايا العشر هي التي أقر "كعب الأحبار" أنها موجودة في التوراة وجاءت في الآيات السابقة التي تناولناها وشرحناها.

فمن المناسب أن يأتي هنا ذكر موسى عليه السلام وحينما جاء موسى عليه السلام بالتوراة كما أنزلها الله عليه عاصره أناس آمنوا بما في التوراة، وكانوا من الناجين، وقد ماتوا.

أما الذين استمرت حياتهم إلى أن جاء رسول الله، فكان من المطلوب منهم أن يؤمنوا به؛ لأن الحق أوضح لهم في التوراة أن هناك رسولاً قادماً، ولابد أن تؤمنوا حتى تتم نعمة الإحسان عليكم، لأنكم وإن كنتم مؤمنين بموسى، وعاملين بمنهجه فلابد من الإيمان بمحمد -صلى الله عليه وسلم-.

والسابقون لكم أحسنوا في زمن بعثة رسالة موسى عليه السلام، وجاء محمد بالرسالة الخاتمة فإن أردتم أن يتم الله عليكم الحسن والكرامة والنعمة، فلابد أن تعلنوا الإيمان بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، منكم من أحسن الاقتداء بموسى عليه السلام وآمنوا بمحمد فتم لهم الحسن: (وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ).

(وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ) أي أنّه مناسب لزمنه، -ولله المثل الأعلى- عندما يكون لك ولد صغير السن فتقول: أنا فصّلت له ملابسه، أي فصّلت له الملابس التي تناسبه.

وحين يكبر لن تظل ملابسه القديمة صالحة لأن يرتديها.

(وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ) أي القيم التي تناسب الوقت الذي يعيشونه، فإذا ما جئنا بتفصيل جديد في القرآن فهو مناسب لوقته، ولقائل أن يقول: هنا تفصيل، وهنا تفصيل، فما الفرق بين تفصيل وتفصيل؟      

نقول: إن كل تفصيل مناسب لزمنه، وآيات القرآن مفصلة جاهزة ومعدة لكل زمن وللناس جميعاً إلى أن تقوم الساعة.

والآفة -دائماً- في القائمين على أمر التشريع، فحينما تأتيهم حالة لذي جاه وسلطان يحاولون إعداد وتفصيل حكم يناسبه، فنقول لمثل هذا الرجل: أنت تفصل الحكم برغم أن الأحكام جاهزة ومعدة ظاهرة، إننا نجد القوالب البدنية تختلف فيها التفصيلات للملابس بينما القوالب المعنوية نجد فيها التساوي بين الناس كلها، فالصدق عند الطفل مثل الصدق عند اليافع، مثل الصدق عند الرجل، مثل الصدق عند المرأة، مثل الصدق عند العالم، مثل الصدق عند التاجر.

وليس لكل منهم صدق خاص، وكذلك الأمانة.

ورحمنا الإسلام بالقضية العقدية وكذلك بالقضية الحكيمة الجاهزة.

المناسبة لكل بشر، وليست هناك آية على مقاس واحد تطبق عليه وحده، لا، فالآيات تسع الجميع.

(وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً) [الأنعام: 154].

والهُدَى هو ما يدل على الغايات، لأن دين الفطرة قد انطمس بعدم تبليغ الآباء إلى الأولاد منهج السماء في أمور الحياة ومتعلقاتها والقيم التي يجب أن تسود.

والآفة أن الأب يعلم ولده كيف يأكل ويشرب، وينسى أن يعلمه أمور القيم، لكن الحق سبحانه وتعالى رحم غفلتنا، ورحم نسياننا؛ فشرع وأرسل لكل زمان رسولاً جديداً، وهدْيا جديداً ليذكرنا.

(لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) [الأنعام: 154].

إن كل آفة تنبع من العزوف عن تشريعات الله، وهم ينسون أن يضعوا في أذهانهم لقاء الله، لكن لو أن لقاء الله متضح في أذهانهم لاستعدوا لذلك؛ لأن الغايات هي التي تجعل الإنسان يُقبل على الوسائل.

والشاعر يقول:
ألا من يريني غايتي قبل مذهبي ومن أين والغايات هي بعد المذاهب

ونقول لهذا الشاعر: قولك: ألا من يريني غايتي قبل مذهبي كلام صحيح، أما قولك: ومن أين والغايات بعد المذاهب، هذا كلام غير دقيق، فالغاية هي التي تحدد المذهب، وكذلك شرع الله الغاية أولاً، بعد ذلك جعل لها السبيل.

وقد شرع الله لكل شيء ما تقتضيه ظروف البشر الحياتية، ولذلك لا استدراك عليه لأن فيه تفصيلا لكل شيء.

ويقول الحق بعد ذلك: (وَهَـٰذَا كِتَابٌ...).



سورة الأنعام الآيات من 151-155 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الأنعام الآيات من 151-155 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأنعام الآيات من 151-155   سورة الأنعام الآيات من 151-155 Emptyالخميس 01 أغسطس 2019, 11:31 pm

وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [١٥٥]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

(وَهَـٰذَا) إشارة وعادة ما تأتي وترد على متقدم، ولكن إذا لم يكن لاسم الإشارة متقدم أو حاضر يشار إليه فهذا دليل على أنك إن أشرت لا ينصرف إلا إليه لأنه متعين ينصرف إليه الذهن بدون تفكير لوضوحه.

وكلمة (كِتَابٌ) تدل على أنه بلغ من نفاسته أنه يجب أن يُكتَب ويسجَّل؛ لأن الإنسان لا يُسجل ولا يكتب إلا الشيء النافع، إنما اللغو لا يسأل عنه، وقال ربنا عن القرآن: إنه "كتاب"، ومرة قال فيه: "قرآن" فهو "قرآن" يتلى من الصدور، و"كتاب" يحفظ في السطور.

ولذلك حينما جاءوا ليجمعوه أتوا بالمسطور ليطابقوه على ما في الصدور.

(وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ) [الأنعام: 155].

و"أنزلناه" أي أمَرْنا بإنزاله، ونزل به الروح الأمين، وكلمة "مبارك" مأخوذة من "البركة" أي أنه يعطي من الخير والثمرة فوق ما يُظَنُّ فيه، وقد تقول: فلان راتبه مائتا جنيه، ويربي أولاده جيداً ويشعر بالرضا، وتجد من يقول لك: هذه هي البركة.

كأن الراتب لا يؤدي هذه المسئوليات أبداً.

وكلمة "البركة" تدل على أن يد الله ممدودة في الأسباب، ونعلم أن الناس ينظرون دائماً إلى رزق الإيجاب، ولا ينظرون إلى الرزق الأوسع من الإيجاب وهو رزق السلب، فرزق الإيجاب يأتي لك بمائتي جنيه، ورزق السلب يسلب عنك مصارف لا تعرف قدرها.

فنجد من يبلغ مرتبه ألفاً من الجنيهات، لكن بعض والده يمرض، ويحتاج ولد آخر إلى دروس خصوصية فتتبدد الألف جنيه ويحتاج إلى ما فوقها.

إذن فحين يسلب الحق المصارف وإنفاق المال في المعصية أو المرض فهذه هي بركة الرزق، ونجد الرجل الذي يأتي ماله من حلال ويعرق فيه يوفقه الله إلى شراء كل شيء يحتاج إليه، ويخلع الله على المال القليل صفة القبول، ونجد آخر يأتي ماله حرام فيخلع الله على ماله صفة الغضب فينفقه في المصائب والبلايا ويحتاج إلى ما هو أكثر منه.

وأنت حين تقارن القرآن بالتوراة في الحجم تجده أصغر منها ولكن لو رأيت البركة التي فيه فستجدها بركة لا تنتهي؛ فكل يوم يعطي القرآن عطاءه الجديد ولا تنقضي عجائبه، ويقرأه واحد فيفهم منه معنى، ويقرأه آخر فيفهم منه معنى جديداً.

وهذا دليل على أن قائله حكيم، وضع في الشيء القليل الفائدة الكثيرة، وهذا هو معنى (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ)؛ فكل كتاب له زمن محدود وعصر محدود وأمة محدودة، أما القرآن فهو يواجه من يوم أن أنزله الله إلى أن تقوم الساعة قضايا متجددة يضع لها حلولاً.

والمهم أن القرآن قد جاء على ميعاد مع طموح البشريات، وحضارتها وارتقاءاتها في العقول؛ لذلك كان لابد أن يواجه كل هذه المسائل مواجهة تجعل له السبق دائماً ولا يكون ذلك إلا إذا كانت فيه البركة.

وكلنا يعلم أن القرآن قد نزل على رجل أمّي، وفي أمة أميّة، ولذلك حكمة بالغة لأن معنى "أمّي" أي أنه لم يأخذ علماً من البشر، بل هو كما والدته أمه، وجاءت ثقافته وعلمه من السماء.

إذن فالأمية فيه شرف وارتقاء بمصادر العلم له.

ونزل القرآن في أمة أمية؛ لأن هذا الدين وتلك التشريعات، إنما نزلت في هذ الأمة المتبديّة المتنقلة من مكان إلى آخر وليس لها قانون بل يتحكم فيها رب القبيلة فقط، وحين تنزل إليها هذه القيم الروحية والأحكام التشريعية ففي ذلك الدليل على أن الكتاب الذي يحمل هذه القيم والأحكام قادم من السماء.

فلو نزل القرآن على أمة متحضرة لقيل نقلة حضارية، لكنه نزل على أمة لا تملك قوانين مثل التي كانت تُحكم بها الفرس أو الروم.

وما دام الكتاب له هذه الأوصاف التي تريح الخلق من عناء التشريع لأنفسهم ويضم كل الخير، لذلك يأتي الأمر من الله: (فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأنعام: 155].

وساعة تأتي بـ"لعل" فاعلم أن فيها رجاء، وقد ترجو أنت من واحد وتقول: لعل فلاناً يعطيك كذا، الرجاء هنا من واحد، ومَن يفعل العمل المرجو إنسان آخر، وقد يفعل الآخر هذا العمل، وقد يغضب فلا يفعله؛ لأن الإنسان ابن أغيار، بل ومن يدري أنه ساعة يريد أن يفعل فلا يقدر.

وإذا قلت: "لعلي أفعل لك كذا"، وهنا تكون أنت الراجي والمرجوّ في آن واحد، ولكنك أيضاً ابن للأغيار، فأنت تتوقع قدرتك على الفعل وعند إرادتك الفعل قد لا تتيسر لك مثل هذه القدرة.

ولماذا أنزل الحق هذا الكتاب؟      

يأتي الحق هنا بالتمييز للأمة التي أراد لها أن ينزل فيها القرآن فيقول: (أَن تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ...).



سورة الأنعام الآيات من 151-155 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة الأنعام الآيات من 151-155
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة الأنعام الآيات من 086-090
» سورة الأنعام الآيات من 006-010
» سورة الأنعام الآيات من 091-095
» سورة الأنعام الآيات من 011-015
» سورة الأنعام الآيات من 096-100

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: الأنعام-
انتقل الى: