منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة الأنعام الآيات من 111-115

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

سورة الأنعام الآيات من 111-115 Empty
مُساهمةموضوع: سورة الأنعام الآيات من 111-115   سورة الأنعام الآيات من 111-115 Emptyالأربعاء 31 يوليو 2019, 3:17 pm

وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ [١١١]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

هنا يوسع الحق المسألة.

فلم يقل: إنهم سوف يؤمنون، بل قال: (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ) مثلما اقترحوا، أو حتى لو كلمهم الموتى، كما قالوا من قبل: (فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [سورة الدخان: 36] ويأتي القول: (وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ) و"الحشر" يدل على سوق بضغط مثلما نضع بعضاً من الكتب في صندوق من الورق المقوى ونضطر إلى أن نحشر كتاباً لا مكان له، إذن: الحشر هو سوق فيه ضغط، وهنا يوضح الحق: لو أنني أحضرت لهم الآيات يزاحم بعضها بعضاً وقدرتي صالحة أن آتي بالآيات التي طلبوها جميعاً لوجدت قلوبهم مع هذا الحشر والحشد تضن بالإيمان.(وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً) و"قبلا" هي جمع "قبيل"، مثل سرير وسُرُر.

(وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً).

وهذا يعني أن الحق إن جاء لهم بكل ما طلبوا من آيات، وكأن كل آية تمثل قبيلة والآية الأخرى تمثل قبيلة ثانية، وهكذا.

فلن يؤمنوا، أو "قُبُلا" تعني معاينة أي أنهم يرونها بأعينهم، لأن في كل شيء دُبُرا وقُبُلا؛ والقُبُل هو الذي أمام عينيك، والدبر هو من خلفك.

فإن حشرنا عليهم كل شيء مقابلا.

ومعايناً لهم فلن يؤمنوا.

وإن أخذتها على المعنى الأول أي أنه سبحانه إن حشد الآيات حشداً وصار المُعْطَى أكثر من المطلوب فلن يؤمنوا.

وإن أردت أن تجعلها مواجَهةً، أي أنهم لو رأوا بعيونهم مواجهة مَن أمامهم فلن يؤمنوا.

(وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ) [الأنعام: 111].

وجاء الحق هنا بمشيئته لأن له طلاقة القدرة التي إن رغب أن يرغمهم على الإيمان فلن يستطيعوا رد ذلك، ولكن الإرغام على الإيمان لا يعطي الاختيار في التكليف ولذلك قال سبحانه: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) [الشعراء: 3-4].

والله لا يريد أعناقاً تخضع، وإنما يريد قلوباً تخشع.

لذلك يذيل الحق الآية بقوله: (وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ).

والجهل يختلف عن عدم العلم، بل الجهل هو علم المخالف، أي أن هناك قضية والجاهل يعلم ما يخالفها، أما إن كان لا يعلم القضية فهذه أمية ويكفي أن نقولها له حتى يفهمها فوراً.

لكن مع الجاهل هناك مسألتان: الأولى أن نزيل من إدراكه هذا الجهل الكاذب، والأخرى أن نضع في إدراكه القضية الصحيحة، وما دام أكثرهم يجهلون.

فهذا يعني أنهم قد اتبعوا الضلال.

ويقول الحق بعد ذلك: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ...).



سورة الأنعام الآيات من 111-115 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

سورة الأنعام الآيات من 111-115 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأنعام الآيات من 111-115   سورة الأنعام الآيات من 111-115 Emptyالأربعاء 31 يوليو 2019, 3:25 pm

وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ [١١٢]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

(وَكَذَلِكَ) إشارة من الحق سبحانه وتعالى إلى الرسل والأنبياء ليعطي الأسوة للرسول بإخوانه السابقين له في موكب الرسالات، فلست بدعاً -يا محمد- في أنك رسول يُواجَه بأعداء، فكل رسول من الرسل ووجه وقوبل بهؤلاء الأعداء.

وهل فَتّ أعداء الرسل في عضد مَن أرسل إليهم وأضعفوا قوتهم وأوهنوا عزائمهم وأثنوهم عن دعوتهم؟ أم ظل الرسل أيضاً صامدين؟.

إنهم صمدوا وأيدهم الله ونصرهم وإذا كنت أنت خاتم الرسل، وسيد المرسلين، والمعقب على رسالات سبقتك ولا معقب على رسالتك فلابد أن يكون الأعداء الذين يواجهونك مناسبين للمهمة التي تؤديها.

وإياك أن تظن أن المقصد في هذه العداوة أننا تركناهم أعداء لمجرد العداء، لا، بل نحن قد أردنا هذه العداوة لصالح الدعوة؛ لأن الإنسان إذا ما كان في منهج خير وأهاجه الشر يتحمس لمزيد من الخير.

ولذلك لا تجد الصحوات الإيمانية إلا حين يجد المؤمنون تحدياً من خصومهم، هنا تجد الصحوة الإيمانية قد استيقظت لأن هناك خصوماً يتحدونها، ولو لم يكن هناك خصوم لبقيت الصحوة فاترة.

وهذا ما نراه حين يوجد من خصوم الإسلام من أي لون من ألوانهم مَن يتحدى أي قضية من قضايا الدين.

في هذه الحالة نجد حتى غير الملتزم بمنهج الإسلام يغار على الدين.

إذن فالعداوة لها فائدة، وإياك أن تظن أن في أي مظهر في الوجود يُغلب الله على مراداته في كونه، والشر له رسالة لأنه لولا أن الشر موجود ويصاب الناس من أذاه لما تحمس الناس للخير، فالذي يجعلنا نتحمس للخير هو وجود الشر، وأوضحنا من قبل أن الباطل جندي من جنود الحق: لأن الباطل حين يعض ويعربد في الناس يتساءل الناس متى يأتي الحق لينقذنا، وأنك ساعة ترى مريضاً يتألم إياك أن تظن أن الألم قد جاءه دون سبب، بل الألم جندي من جند الشفاء.

وكأن الألم يقول لمن يصيبه: يا إنسان تنبه أن عطباً في هذا المكان فسارع إلى علاجه.

ولذلك نجد أعنف الأمراض وأشرسها وأخبثها، هي الأمراض التي تأتي بلا ألم يسبقها، ولا تظهر أعراضها إلا أن يستعصي شفاؤها، وهكذا نرى أن الألم جندي من جنود العافية.

وحين يكون لك عدو في الحارة أو في البلدة وعيونه مركزة عليك فأنت تخاف أن تقع منك هَنة وعيب حتى لا يشنّع عليك؛ لذلك تسير على الصراط المستقيم لأنك لا تريد أن تنصره على نفسك.

والشاعر القديم، الذي أعجبه الشعر فشطره.

يقول لك:
عداي لهـــــم فضــــل عليّ ومنــة فعندي لهم شكر على نفعهم ليا
فهـــم كدواء والشفــاء بمــرّه فـــــلا أبعــد الرحمــن عني الأعاديا
هــــمُ بحثوا عن زلَّتي فاجتنبتها فأصبحت مِمَّا دنس العرض خاليا
وهم أججوا جهدي ولكن ببغضهم وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا

لذلك لابد أن تنظر إلى كل شيء بحكمة إيجاد الحكيم له فقد شاء الحق أن يوجد الأعداء للدعوة الإسلامية حتى تنتصر وتقوى.

(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) [الأنعام: 112].

وجعل الحق سبحانه وتعالى الأعداء للأنبياء، مهيِّجين ومثيرين للنبي ولأتباعه؛ لأن الأمر إذا حصلت فيه معارضة من مخالف أججت في نفس المقابل قوة حتى لا يهزم أمامه ولا يغلب أمام منطقه.

ولذلك قال الحق: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا) لأي أنهم لم يتطوعوا بالعداوة إنما هو تسخير للعداوة (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً).

وكيف يجعل الله لكل نبي عدواً؟ إنه يفعل ذلك بما أودع في الناس من الاختيار، وما داموا مختارين فالذي اختار الهدى يكون نصيراً للنبي، والذي اختار الضلال يكون عدواً للنبي.

إذن فهم لم يكونوا أعداء بطبيعتهم، وإنما بما أودع الله فيهم من الاختيار.

وإذا كان الله هو الذي أودع الاختيار فقد أراد أن يحقق مشيئته في قوله: (لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَة..) [الأنفال: 42].

ولو شاء الله الا يكون للنبوة أعداء لفعل ذلك؛ لأن له طلاقة القدرة، ولكن ذلك سيكون بالقهر، والله لا يريد قهراً للعقلاء، وإنما يريد أن يذهبوا إليه بمحض اختيارهم؛ أي وهم قادرون على ألا يذهبوا.

وكلمة "عدو" في ظاهرها أنها مفرد، ولكنها تطلق على الواحد، وتطلق على الاثنين، وتطلق على الجماعة، فتقول: "هذا عدو لي"؛ و"هذه عدو لي"؛ ولا تقل "عدوة"، وتقول: وهذان عدو لي، وهاتان عدو لي، لأن كلمة "عدو" تطلق على الذكر والأنثى وتقال للمفرد وللمثنى، وللجمع.

اقرأ قول الحق: (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ) [الشعراء: 77] واقرأوا قول الحق: (قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ..) [طه: 123].

ولم يقل أعداء، إذن فكلمة "عدو" تطلق على المفرد والمفردة، والمثنى والمثناة، وعلى جمع المذكر والجمع المؤنث.

لكن بعض الذين يحبون أن يكونوا مستدركين على كلام الله.

يقول الواحد منهم: كيف يقول: "فإنهم عدو لي"، أو "اهبطو بعضكم لبعض عدو"؟! ويقول سبحانه وتعالى: (أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ..) [الأعراف: 22].

والشيطان عدو، وهم عدو.

وبعد ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: (وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً..) [آل عمران: 103].

ونقول له: أنت قد فاتك أن الذي يتكلم هو الرب الأعلى.

والعداوة نوعان، فإذا تعدد العدو، وجمعته مصلحة واحدة في معاداة المعادي يكونون وحدة في العداوة فهم عدو واحد لاجتماعهم على سبب واحد في العداوة.

لكن إذا تعددت أسباب العداوة فالأمر يختلف، فقد يكون لك عدو لأن مظهرك أحسن منه، وعدو آخر لأنك أذكى منه، وعدو ثالث لأنك أغنى منه.

فلتعدد الأسباب صار كل واحد منهم عدواً برأسه وجمع على أعداء لتعدد سبب العداوة.

(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ..) [الأنعام: 112].

وشياطين الإنس والجن كما يقول النجاة بدل من عدو و "شياطين" جمع شيطان وهو اللعين المطرود، البغيض، سواء أكان من الإنس أم من الجن.

(يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً) والوحي -كما نعرف- هو إعلام بخفاء، ولماذا يوحي بعضهم إلى بعض؟ لأن غلبة الحق لا تجعلهم قادرين على أن يتجاهروا؛ لذلك يتآمرون مع بعضهم البعض، لكن الناس المحقين في قضية يتحركون في علانية.

ولا يستخفون من الناس.

(يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ) ومن الذي يُوحِي؟ ومن الذي يُوحَى إليه؟ ليس لنا دخل بهذا الموضوع، إنما الوحي: هو إعلام بخفاء، إن كان إلهاماً في النفس، أو إن كان بالإشارة أو بالدس، أو إن كان بالوسوسة، أو إن كان بواسطة رسول نحن لا نراه، كل ذلك أساليب الوحي الشامل للخير والشر.

وإذا كان الوحي من شياطين الجن فهل يوحون إلا بِشَرّ؟ نعم.

وكذلك هناك شياطين من الإنس يوحون أيضاً بشرّ.

مصداقاً لقوله الحق: (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ) وزخرف القول، المقصود به أنهم يدخلون على المسائل بالتزيين، فيزينون للناس الشهوة، ولذلك سماها ربنا "وسوسة"، ونعلم أن المعاني حين يؤخذ لها ألفاظ تؤخذ من الأشياء الحسيّة، والوسوسة هي صوت الحلى، وقد اختار الله لما يفعله الشياطين من الإنس والجن اللفظ الموحى بالمعنى المراد لأن وسوسة الحلى تغري بالنفاسة وعظم القيمة، والوسوسة طريقها هو الخفاء.

(يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ) وهم شياطين من الإنس والجن، إنس يوحي لإنس بأن يزين له المعصية والشهوة، وكثيراً ما يقع ذلك.

وجنّي يوحي لجنّي؛ لأن الجن مكلَّف أيضاً.

وكذلك يوحي الجن للإنس.

(يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ) الزخرف.

هو الشيء المزين ظاهره لكن باطنه فاسد، ولذلك قال عز وجل: (وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا..) [الزخرف: 35].

أي أموراً مزخرفة ظاهراً، لكن ليس لها عمق أو عمر أو نفاسة.

(يوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً..) [الأنعام: 112].

وذلك ليغروهم ويخدعوهم ليفعلوا ويقترفوا المعصية، وإن لم يأتوا للمعصية بكلمات تزخرفها وتزينها فلن يستطيعوا أن يدخلوا بها على الناس؛ لذلك يعرضون ويبدون محاسن المعصية في ظاهر الأمر، مثال ذلك أنك لا تجد من يقول لآخر: اشرب الخمر لتصاب بتليف الكبد مثلاً!! ولكن هناك من يقول: احتس الخمر ليذهب همك وتنشط نفسك ويكثر فرحك.

(زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً) أي ليغروهم؛ بإظهار فائدة موهومة فيه، ويسترون عن الناس مضرّة هذا الشيء ومهالكه.

ويتابع سبحانه: (وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ) إنّ الحق سبحانه وتعالى هو الذي أعطى خلقه اختياراً في أن يكونوا مؤمنين أو أن يكونوا كافرين، مهديين أو ضالين، في نور أو في ظلمة.

ويأتي الوقت الذي يثيب فيه سبحانه أو يعاقب؛ لذلك فهو -جل شأنه- لا يرغمهم على فعل ثم يعاقبهم عليه؛ لأنه هو العدل.

ولذلك نجد من يقول: لماذا العقاب ولا شيء في الكون يقع على غير مشيئة الله؟

ونقول: نعم كل شيء من فعل الله؛ لأن سبب الاختيار من الله.

وسبحانه هو الذي خلق الاختيار.

فالكافر لا يقدر أن يؤمن إلا أن شاء الله, لكن المطلوب منه أن يؤمن لأن طبيعته صالحة للكفر وصالحة للإيمان.

إذن خلق الله الإنسان مختاراً في أن يفعل أو لا يفعل في بعض الأمور، فالذي ينظر إلى أن كل فعل من الله أي ليس بطاقة من عبد، نقول له: صحيح رأيك.

ومن يقول: إن هذا الأمر من العباد نقول له أيضاً: صح موقفك؛ لأن ربنا خلق الإنسان صالحاً لأن يحصل منه كذا ويحصل منه كذا.

فإن أردت الحقيقة تجد كل فعل يأتي من الله، فأنت -على سبيل المثال- لم تخلق القوة التي لليد لترتفع، ولا خلقت القوة للأصابع لتنقبض.

وإذا أردت أن تقبض يدك.

فما هي العضلات التي تتحرك لتفعل الانقباض؟ أنت لا تعرف.

إنّك تقبض يدك بمجرد إرادة منك أن تقبضها، والذي خلق لك هذه القوة يأمرك ألا تستعملها في قهر الآخرين، ولكن عليك أن تستعملها فيما يفيد الناس.

واليد صالحة للضرب وللعمل الطيب وأنت لم تخلق الطاقة التي في اليد، ولا خلقت الانفعال فيها لإرادتك.

(وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ) أي لو شاء عدم فعله لفعل؛ لأن له طلاقة القدرة فلا يقدر أحد أن يخرج عن مراده أبداً.

ونحن نرى السماء والأرض وكل ما دون الإنسان مسخراً، ثم لماذا نأخذ أمثلة من السماء والأرض والنبات والجماد والحيوان؟ خذ المثال من نفسك.

أنت فيك أشياء ليس لك سيطرة عليها، ولا اختيار لك عليها.

 ألك اختيار ألا تمرض؟.

لا.

ألك اختيار أن يقع عليك حجر وأنت تمشي؟.

لا.

ألك اختيار في أن يصيبك سائق سكران؟.

لا.

ألك اختيار في أن تموت أو لا تموت؟.

لا.

لقد جعل الله فيك الأمرين الاثنين: قهرك في أمور والقهرية تثبت له -سبحانه- القدرة وطلاقتها، وجعلك مختاراً في أشياء، والاختيار يثبت صحة التكليف.

ويتابع الحق مذيلاً الآية: (فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) لأن افتراءهم وكذبهم وزعمهم الباطل لن يغير من حقيقة الأمر شيئاً، وهم يرون أن افتراءهم يعوق الدعوة، لا، فقد صار افتراؤهم وكيدهم وعداوتهم للنبي وقوداً مهيّجاً للدعوة؛ لأن يخلص الدعوة من الشوائب ويصهر المؤمنين بها ويخرج منهم خصال الشر ويملأهم بخلال الخير.

(فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ..) [الرعد: 17].

ولو لم يكن هناك مهيّجات لهذه المسائل لدخل الدعوة العاطل والباطل ولاندس فينا من لا يعرف قيمة الإيمان؛ لذلك يمحص الله الدعوة بالأعداء وبالقوم الذين يقفون أمامها حتى لا يكون في حملة الدعوة احد من ضعاف العقائد وضعاف الإيمان، وهم الذين يخرجون هرباً من مسئوليات الإيمان ولا يبقى إلا أصحاب الرسالة الذين يخلصون الصدق مع الله وينقيهم الله بواسطة الأعداء.

ولذلك قال: (لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً..) [التوبة: 47].

فمن الحكمة أنه -سبحانه- ثبط عزيمتهم وضعّف رغبتهم في الانبعاث والخروج معكم.

(وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ) [التوبة: 46].

وهنا يقول الحق: (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ) وزخرف القول هو لون من الأداء له سُمَّاع، ومن يسمعونه قد لا يؤثر في قلوبهم ولا في نفوسهم، ومرة أخرى يسمعونه ويكون عندهم ميل وليس عندهم عقيدة ثابتة راسخة إلى هذا القول.

وكيف يسلك هؤلاء الناس: (وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ...).



سورة الأنعام الآيات من 111-115 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

سورة الأنعام الآيات من 111-115 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأنعام الآيات من 111-115   سورة الأنعام الآيات من 111-115 Emptyالأربعاء 31 يوليو 2019, 3:27 pm

وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ [١١٣]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

كأن من يؤمن بالآخرة لا يقرب منه الزخرف أبداً ولا يميل إليه.

وإن زُينت له معصية فإنه يتساءل: كم ستدوم لذة هذه المعصية؟ دقيقتين، ساعة، شهراً؛ وماذا أفعل يوم القيامة الذي يكون فيه الإنسان إمّا إلى دخول الجنة وإمّا إلى دخول النار.

إذن فمن يؤمن بالآخرة لا تتقبل أذنه ولا فؤاده هذا الزخرف من القول، ولا يتقبله إلا من لا يؤمن بالآخرة، وهو لا يعرف إلا الدنيا، فيقول لنفسه: فلتتمتع في الدنيا فقط، ولذلك لو استحضرَ كل مؤمن العقوبة على المعصية ما فعلها، وهو لا يفعلها فقط، ولذلك لو استحضرَ كل مؤمن العقوبة على المعصية ما فعلها، وهو لا يفعلها إلا حين يغفل عن العقوبة.

وإذا كنا في هذه الدنيا نخاف من عقوبة بعضنا بعضاً، وقدراتنا في العقوبة محدودة، فما بالنا بقدرة الرب القاهرة في العقوبة؟!

ولذلك نجد الذين يجعلون الآخرة على ذكر من أنفسهم وبالهم إذا عرضت لهم أي معصية، يقارنونها بالعقاب، فلا يقتربون منها.

(وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ).

والإصغاء هو ميل الأذن إلى المتكلم؛ لأنك قد لا تسمع من يتكلم بغير إصغاء، وحين يسير الإنسان منا في الطريق فهو يسمع الكثير، لكن أذنه لا تتوقف عند كل ما يسمع، بل قد تقف الأذن عندما يظن الإِنسان أنه كلام مهم.

ولذلك يسمونه التسمع لا السمع، وهذا هو الإصغاء.

ولذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: من تسمع غانية -أي امرأة تغني بخلاعة- ولم يقل: "من سمع"، والإنسان منا قد يسير ويذهب إلى أي مكان والمذياع يذيع الأغاني، ويسمعها الإنسان، وآلة إدراك السمع منطبقة وليست مفتوحة؛ فهو لا يتنصت، وآلة إدراك الانطباقية أو الانفتاحية مثل العين؛ فالعين لا ترى وهي مغمضة، إنها ترى وهي مفتوحة، والعين تغمض بالجفون أما الأذن فليس لها جفون يقول لها: لا تسمعي هذه، وهذه اسمعيها.

إذن فالسمع ليس للإنسان فيه اختيار، لكن التَّسَمُّع هو الذي له فيه اختيار.

(وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ) [الأنعام: 113].

كأن فيه شيئاً ينبع طلب السمع فيه من الفؤاد، أي يوافق ما في الأعماق، وشيئاً آخر يمر عليه الإنسان مر الكرام غير ملتفت إليه.

والأفئدة هي القلوب، صحيح أن الآذان هي التي تصغي، لكن القلوب قد تتسمَّع ما يُقال، وكأن النفس مستعدة لهذه العملية؛ لأنها لا تؤمن بأن هناك آخرة وعندها استعداد لأن تأخذ لذة الدنيا دون التفات للآخرة.

ولذلك ينقل الحق سبحانه الإصغاء من الأذن إلى الفؤاد وهذا إدراك.

(وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ..) [الأنعام: 113].

ثم تأتي المرحلة الثانية والمرحلة الثالثة: (وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ) [الأنعام: 113].

وقد يصغي إنسان، ثم تتنبه نفسه اللوامة، ويمتنع عن الاستجابة.

لكن هناك من يصغي ويرضى وجدانه ويستريح لما يسمع، ثم ينزع للعمل ليقترف الإثم.

وهذه ثلاث مراحل: الأولى هي: (وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ).

ثم المرحلة الثانية: (وَلِيَرْضَوْهُ)، ثم المرحلة الأخيرة: (وَلِيَقْتَرِفُواْ) أي يرتكبوا الإثم، وهذه المسألة حددت لنا المظاهر الشعورية التي درسها علماء النفس فالإدراك؛ "لتصغى"، والوجدان؛ "ليرضوه"، والنزوع؛ "ليقترفوا".

وقبل أن يولد علم النفس جاء القرآن بوصف الطبيعة البشرية بمراحلها المختلفة من إدراك ووجدان، ونزوع والشرع لا يتدخل عند أي مظهر من مظاهر شعور المرء إلا عند النزوع إلا في حالة واحدة حيث لا يمكن فصل النزوع عن الوجدان وعن الإدراك؛ لذلك يتدخل الشرع من أول الأمر، وهو ما يكون في عملية نظر الرجل إلى المرأة؛ لأنك حين تنظر تجد نفسك: تحبها وتعشقها تفتن بها، ومحرّم عليك النزوع، فحين تتقدم ناحيتها يقول لك الشرع: لا.

ولأن هذا أمر شاق على النفس البشرية، ولا يمكن فصل هذه العمليات؛ لأنه إن أدرك وَجِد، وإن وَجِد نزع، فأمر الحق بالامتناع من أول الأمر: (قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ..) [النور: 30].

(وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ..) [النور: 31].

إذن فقد منع الإدراك من بدايته ولم ينتظر حتى النزوع، لماذا؟ لأن الإدراك الجمالي في كل شيء يختلف عن الإدراك الجمالي في المرأة.

الإدراك الجمالي في المرأة يُحدث عملية كيماوية في الجسم تسبب النزوع، ولا يمكن فصلها أبداً.

(وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ) [الأنعام: 113].

وساعة ما نقول: "ما" ويأتي الإبهام فهذا دليل على أن هناك أموراً كثيرة جدًا.

ولذلك يقول الحق: (فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ) [طه: 78].

أي أنه أمر لا يمكن أن تحدده الألفاظ، مثله مثل قوله: (وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ).

أي أن كل واحد يقترف ويكتسب ويعمل ويرتكب ما يميل إليه؛ فهناك من يغتاب أو يحسد أو يسرق وغير ذلك من شهوات النفس التي لا تحدد؛ لذلك جاء لها باللفظ الذي يعطي على العموم.

وما دامت المسألة في نبوّة واتباع نبوّة، وفي أعداء شياطين من الإنس والجن ويوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً إذن فهذه معركة، وحتى يتم الفصل فيها لابد من حاكم يحكم.

فأوضح الحق: يا محمد أنا أرسلتك، ولك أعداء وسيكيدون لك بكذا وكذا ويبذلون قصارى جهدهم في إيذائك ومن اتبعك، فإياك أن تبتغي حكماً غيري؛ لأني أنا المشرع وأنا من أحكم، وأنا الذي سوف أجازي.

لماذا؟ لأن الخلاف على ما شرع الله، ولا يستقيم ولا يصح أن يأتي من يقول مراد المقنن كذا، أو المفسر الفرنسي قال كذا، والمفسر الإِنجليزي قال كذا، لا، إن الذي يحكم هو من وضع القانون، ومراداته هو أعلم بها، والحق الواضح هو أعلم به، وسبحانه هو من يحكم، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها".

أي إياك أن يقول واحد: إن النبي قد حكم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد حكم بظاهر الحجة، وقد يكون واحد من المختصمين قوي الحجة، والآخر لا يجيد التعبير عن نفسه.

إذن فالحكم هو الله لأنه هو الذي قنن، وما دام هو الذي قنن وهو الذي يحكم بينكم، فليطمئن كل إنسان يتخاصم مع غيره؛ لأن القضية يفصل فيها أعدل العادلين وأحكم الحاكمين.

ولذلك يقول الحق سبحانه: (أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي...).



سورة الأنعام الآيات من 111-115 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

سورة الأنعام الآيات من 111-115 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأنعام الآيات من 111-115   سورة الأنعام الآيات من 111-115 Emptyالأربعاء 31 يوليو 2019, 3:29 pm

أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [١١٤]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

فسبحانه هو من يحكم وهو من قنن، وهو من يعلم القانون ويعلم من يتبع القانون، ومن يخالف القانون، وساعة تقول: (أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً).

فهذا دليل على أنك واثق أن مجيبك لن يقول لك إلا: لا تبتغي حكماً إلا الله، ولذلك يطرح المسألة في صيغة استفهام، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: مبلغاً عن ربه: (وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ مُفَصَّلاً)، ولم يقل رسول الله: وهو الذي أنزل عليّ الكتاب، بل قال مبلغاً عن رب العزة: (وهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ) كأن العداوة ليست لمحمد وحده، لكنها العداوة لأمة الإيمان كلها، والحكم لأمة الإيمان كلها.

ومع أن القرآن نزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أولاً، ولكن مهمته البلاغ إلى الناس والغاية منه للمؤمنين كلهم، وهكذا تكون العداوة للنبي عداوة للمؤمنين كلهم، ولذلك أنزل عليه الحق هذا التساؤل: (أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً) كما أنزل عليه من قبل القول الحق: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ..) [الأنعام: 112].

إذن فعدو النبي هو عدو المؤمنين به والمتبعين له، لكن قمة العداوة تكون للنبي المرسل من الحق: (وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ) [الأنعام: 114].

وكلمة (مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ) فيها إغراء للمؤمنين بأن كل الأمر يعود عليكم أنتم بالفائدة؛ لأن غاية إنزال الكتاب لكم أنتم، والكتاب جاء بهذا المنهج لصالحكم ولن يزيد في صفات الله صفة، ولن يزيد في ملك الله ملكاً.

بل الغاية أنتم.

(أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ) [الأنعام: 114].

وسبحانه لم ينزل الكتاب إلا بتفصيل لا تلتبس فيه مسألة بأخرى: (وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ) [الأنعام: 114].

والمقصود هنا بالذين آتيناهم الكتاب اليهود والنصارى؛ لأنهم يعلمون صفاتك يا رسول الله ويعلمون نعتك ويعلمون الكثير من كتابك فكل ما يتعلق بك موجود عندهم لكن الآفة أنهم اعتنقوا دينين: دينا يعلن يبدونه ويظهرونه، ودينا يُسَرّ به، فما يسر به لا يعلنونه ويُحرِّمون السؤال فيه، ولا يقبلون فيه نقاشاً، وعندما تصل إلى الحقيقة وتعرضها عليهم لا يقبلونها، وما الذي جعلهم يلتوون هكذا؟ لأن لهم حالين اثنين: حال أيام أن كانوا يعاديهم من لا يؤمن بالسماء ومنهج السماء كعبدة الأوثان والمشركين.

وقال فيه الحق: (وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ..) [البقرة: 89].

لقد كانوا من قبل أعداء للذين كفروا وأشركوا فكان همهم وشغلهم الشاغل أن ينتصروا على هؤلاء الكافرين، وقالوا: (أظل زمان نبي نتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم).

وحينما جاءهم ما عرفوا كفروا به لأنهم: (ٱشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً..) [التوبة: 9].

وكان الثمن هو بقاء السلطة في أيديهم، وعندما تأتي النبوة تنزع منهم السلطة، فليس في الإِسلام سيطرة لرجال الدين ولا كهنوت.

وكانوا يريدون أن تستمر سيادتهم، فاشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً.

(وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ) [الأنعام: 114].

وهم يعلمون أنه منزل من ربك بالحق، وهم يعلمون أن الذي يشيعونه هو باطل.

إذن فهناك علم بينهم وبين نفوسهم؛ وعلم آخر يقولونه للآخرين.

وقوله الحق: (فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ) أي الشاكين في أن أهل الكتاب يعلمون أن القرآن منزل من عند ربك بالحق.

هذا خطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم-، ونعلم أنه إذا طلب المتكلم من المخاطب أمراً هو فيه فالمراد المداومة عليه والزيادة؛ لأن هناك أموراً قد تزلزل الإيمان؛ لذلك يأتي الأمر بالثبات، أو هو إهاجة له، أو هو تسلية للمؤمنين إذ قال لهم لا تمتروا ولا تشكوا.

ويقول الحق بعد ذلك: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً...).



سورة الأنعام الآيات من 111-115 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

سورة الأنعام الآيات من 111-115 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأنعام الآيات من 111-115   سورة الأنعام الآيات من 111-115 Emptyالأربعاء 31 يوليو 2019, 3:30 pm

وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [١١٥]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وكلمة "تمت" تدل على أن المسألة لها بداية ولها خاتمة، فما المراد بالكلمة التي تمت؟.

أهي كلمة الله العليا بنصر الإسلام وانتهاء الأمر إليه؟ أو هو تمام أمر الرسالة حيث قال الحق: (ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً..) [المائدة: 3].

أو "كلمة ربك" المقصود بها قرآنه؟.

ونرى أن معنى "تمت" استوعبت كل أقضية الحياة إلى أن تقوم الساعة، فليس لأحد أن يستدرك على ما جاء في كتاب الله حكماً من الأحكام؛ لأن الأحكام غطت كل الأقضية.

ولفظ "كلمة" مفردة لكنها تعطي معنى الجمع.

وأنت تسمع في الحياة اليومية من يقول: وألقى فلان كلمة طيبة قوبلت بالاستحسان والتصفيق.

هو قال كلمات لكن التعبير عنها جاء بـ"كلمة" إذن (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ) المقصود بها المنهج الذي يشمل كل الحياة، واقرأ قوله الحق: (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ..) [الكهف: 5].

أهي كلمة أو كلمات؟ أنها كلمة ولكن فيها كلمات.

إذن لفظ "كلمة" تطلق ويراد بها اللفظ المفرد، وتطلق ويراد بها الكلام.

والكلمة في الأصل لفظ مفرد، أي لا يكون معها لفظ آخر، ولكنها تدل على معنى، فإذا كان المعنى غير مستقل بالفهم؛ ويحتاج إلى ضميمة شيء إليه لنفهمه فهذا حرف، وأنت تقول: "في" وهو لفظ يدل على الظرفية، إلا أنه غير مستقل بالفهم؛ لأن الظرف يقتضي مظروفاً ومظروفاً فيه، فتقول: "الماء في الكوب" لتؤدي المعنى المستقل بالفهم.

وكذلك ساعة تسمع كلمة "مِن" تفهم أن هناك ابتداء، وساعة تسمع كلمة "إلى" تعلم أن هناك انتهاء.

وإن كان يدل على معنى في نفسه وهو غير مرتبط بزمن فهو الاسم.

وإن كان الزمن جزءاً منه فهو "الفعل".

أما "الكلام" فهو الألفاظ المفيدة.

وحين تسمع كلمة "سماء" تفهم المعنى، وكذلك حين تسمع كلمة "أرض" وهو معنى مستقل بالفهم.

وحين تسمع كلمة "كتب" فهي تدل على معنى مستقل بالفهم، والزمن جزء من الفعل، فكتب تدل على الزمن الماضي و"يكتب" تدل على الحاضر و"سيكتب" تدل على الكتابة في المستقبل.

إذن فـ "الكلمة" لفظ يدل على معنى فإن كان غير مستقل بالفهم فهو حرف.

و"الكلمة" قد يقصد بها الكلام.

وقوله الحق: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ) تعني الكثير.

فإن أردت بها القرآن فالمقصود هو كلمة الله.

وكلام الله نسميه "كلمة" لأن مدلوله كلمة واحدة.

انتهت وليس فيها تضارب، هذا إن أردنا بها القرآن، ولتفهم أن القرآن قد استوعب كل شيء، وكل قضية في الوجود وأيضاً لم ينس أو بدّل فيه حرف؛ بل بقى وسيبقى كما أُنزِل؛ لأن الآفة في الكتب التي نزلت أنهم كتموا بعضها ونسوا بعضها، وحرّفوا بعضها، وكان حفظها موكولاً إلى المكلَّفين، ومن طبيعة الأمر التكليفي أنه يطاع مرة، ويعصى مرة أخرى.

وإن أطاعوا حافظوا على الكتب، وإن عصوا حرفوها بدليل قوله الحق: (إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ..) [المائدة: 44].

و"استحفظوا" أي طلب منهم أن يحافظوا عليه، وهذا أمر تكليفي عرضة أن يطاع، وعرضة أن يعصى، لكن الأمر اختلف بالنسبة للقرآن فقد قال الحق: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 9].

فسبحانه هو من يحافظ على القرآن، وليس ذلك للبشر لأن القرآن معجزة، والمعجزة لا يكون للمكلَّف عمل فيها أبداً.

إذن فقوله الحق: (وتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ) المقصود بها أن تَطْمَئِن على أن القرآن الذي بين يديك إلى أن تقوم الساعة هو هو لن تتغير فيه كلمة، بدليل أنك تتعجب في بعض نصوص القرآن، فتجد نصاً مساوياً لنص، ثم يختلف السياق، فيقول الحق: (كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ) [المدثر: 54-55].

ومرة أخرى يقول سبحانه: (كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ) [عبس: 11-12].

ومرة أخرى يقول: (إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً) [الإنسان: 29].

فهذا لون ونوع من المتشابه من الآيات ليقول لنا الحق: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ) [القيامة: 18].

والحق يقول: (قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ * ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ فَاعِلُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)
[المؤمنون: 1-9].

وفي آية أخرى يقول: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ) [المعارج: 34].

وكل ذلك يدلك على أن كل كلمة وصلتك كما أنزلت، وبذلك تكون كلمة ربك قد تمت.

أو قول الله: (وتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ) ليدل على أن كلمة الله هي العليا، ولذلك تلاحظ أن "كلمة الله هي العليا" لم يجعلها الحق جعلاً، وإنما جاءت ثبوتاً، وسبحانه القائل: (وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَى..) [التوبة: 40].

هذا السياق الإعرابي حصل فيه كسر مقصود، والسياق في غير القرآن أن يقول: وجعل كلمة الله هي العليا، ولكنه سبحانه يقول: (وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا).

وسبحانه أراد بذلك أن نفهم أن كلمة الله هي العليا دائماً وليست جعلاً.

وهذا دليل على أن كلمته قد تمت.

ونلحظ أن قول الحق: (وتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ) تأتي بعد (أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً)، واستقرىء موكب الرسالات من لدن آدم، وانظر إلى حكم الله بين المبطلين والمحقين، وبين المهتدين والضالين: إنه الحق القائل: (فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً..) [العنكبوت: 40].

والحاصب هو الريح التي تهب محملة بالحصى وكانت عقوبة لقوم عاد.

(وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ..) [العنكبوت: 40].

وهم قوم ثمود، يسميها مرة الصيحة، وأخرى يسميها الطاغية: (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ) [الحاقة: 5].

ومرة يخسف بهم الأرض مثلما فعل مع قارون: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ..) [القصص: 81] وكذلك: (وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا..) [العنكبوت: 40].

وقد أغرق الله قوم فرعون وكذلك أغرق -من قبلهم- المكذبين لنوح.

إذن كل قوم أخذوا حكم الله عليهم، لكنك يا محمد مختلف عنهم وكذلك أمة محمد التي أصبحت مأمونة على الوصية، وعلى المنهج، ولذلك قال الحق: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء: 15].

وبعد أن بعث الحق رسوله -صلى الله عليه وسلم- قال: (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ..) [الأنفال: 33].

إذن (تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ)، وهي الفصل النهائي: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ)
[الصافات: 171-173].

وأنتم المنصورون لأنكم منسوبون إلى منهج غالب، والنصر للمنهج الغالب يقتضي الإخلاص، فإن تنصروا المنهج باتباعه ينصركم من أنزل المنهج، فهو القائل: (لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِي..) [المجادلة: 21].

وما قاله كان هو الواقع وما جاء به الواقع كان مطابقاً للكلام.

(وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً..) [الأنعام: 115].

أي وافق الواقع الكوني ما قال الله به.

وكيف كان الواقع صادقاً وعادلاً في آن واحد؟ لنفرض أنك أحضرت مدرساً خصوصياً لولدك، وصادف أنه هو الذي يدرس في المدرسة وهو الذي يدرس لابنك ثم قلت له: أريد أن ينجح الولد في الامتحان.

ووعد المدرس بذلك ثم جاء الامتحان ونجح الولد، فتكون كلمة المدرس قد صدقت.

لكن هل هذا عدل؟ قد يكون المدرس هو واضع الأسئلة ولمَّح للولد بالأسئلة، ويكون النجاح حينئذٍ غير عادل، لكن كلمة الله تجيء مطابقة لما قال، موقعها مطابق لما قال، وهي كذلك عدل؛ لأنه سبحانه أوضح الثواب والعقاب: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً).

لأنه لا مبدل لكلمات الله، ولا يوجد إله آخر يعارضه فله سبحانه طلاقة القدرة.

أما بالنسبة للبشر فقد علَّم الله عباده احتياط الصدق في كلامهم؛ فأوصاهم: (وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ..) [الكهف: 23-24].

لأن فعل ذلك غداً والإتيان به وإحداثه هو أمر يتعلق بالمستقبل الذي لا نتحكم فيه، فاحم نفسك وقل: "إن شاء الله"، فإن لم يحدث يمكنك أن تقول: لم يشأ ربُّنا حدوث ما وعدت به، وبذلك يحمي الإنسان نفسه من أن يكون كاذباً ويجعل نفسه صادقاً فلا يتكلم إلاَّ على وفق ما عنده من قوانين الفعل وعدم الفعل؛ لأنه عندما تقول: "أفعل ذلك غداً".

ماذا ستفعل غداً وأنت لا تضمن نفسك وحياتك وظروفك؟! لكن الله إذا قال: "سأفعل" فله طلاقة القدرة.

(وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ) [الأنعام: 115].

وما دامت الكلمات ستتحقق والحكم سيصدر فهذا دليل على أنه سبحانه سميع لما قالوه في عداوتهم، وعليهم بما دبروه من مكائدهم، وهو القائل من قبل: (وَإِنَّ ٱلشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ..) [الأنعام: 121].

أي ليعلموهم بخفاء، فإن كان كلامهم ظاهراً فهو مسموع، وإن كان بخفاء فهو معلوم.

ويقول الحق بعد ذلك: (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ...).



سورة الأنعام الآيات من 111-115 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة الأنعام الآيات من 111-115
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة الأنعام الآيات من 001-005
» سورة الأنعام الآيات من 081-085
» سورة الأنعام الآيات من 161-165
» سورة الأنعام الآيات من 006-010
» سورة الأنعام الآيات من 086-090

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: الأنعام-
انتقل الى: