الـزوجـان في الحـج
 الشيخ: إبراهيم بن علي الحدادي
مشرف موقع الزوجان

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...

أما بعد...
فإن الحج رُكنٌ عظيمٌ من أركان الإسلام، وقد فرضه الله تعالى على عباده فقال: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (97) سورة آل عمران، وقد عني الكتاب والسنة بهذا الركن وبيان أحكامه، وتناقل أهل العلم ذلك في كتبهم... وسنتطرق هنا عن لبعض أحكام الحج التي ينبغي للزوجين التنبه لها.

ومن ذلك: الإذن في الحج:
الحج كما هو واجب على الرجل فإنه واجب على المرأة، فإذا كانت ذات زوج فقد ذكر أهل العلم أنه ليس للزوج منعها من حج الفرض إذا كَمُلَت شروط الحج، ولعظيم حق الزوج فإنه يستحب للزوجة أن تستأذن زوجها في الخروج للحج فإن أذن لها فيه وإلا فإنها تحج ولكن مع محرم، قال في كشاف القناع: وحيث قلنا: له منعها فيستحب لها أن تستأذنه،.

وأما إن كان حجها نفلاً فله منعها، ولا تحج بغير إذنه لتفويت حقه، وللزوج أن يحلل زوجته في النفل، وإذا رفضت كانت آثمة كما أن له مباشرتها. ويحق للزوج أن يرجع في إذنه لزوجته، قبل الإحرام.

وقال ابن المنذر:
أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن له منعها من الخروج إلى الحج التطوع.

وذلك لأن حق الزوج واجب فليس لها تفويته بما ليس بواجب كالسيد مع عبده وليس له منعها من الحج المنذور لأنه واجب عليها أشبه حجة الإسلام.

وسُئِلَت اللجنة الدائمة للإفتاء:
عن حكم خروج الزوجة إلى حج الفريضة بدون إذن زوجها؟
فأجابت:
حج الفريضة واجب إذا توفرت شروط الإستطاعة, وليس منها إذن الزوج, ولا يجوز له أن يمنعها, بل يشرع له أن يتعاون في أداء هذا الواجب.

النفقة في الحج:
إذا خرج الزوج للحج فإنه يتزود للحج بعد قضاء الواجبات والنفقات الشرعية، له ولعياله، ولا يضيع من تلزمه مؤونتهم، ويكون ذلك في مضيه للحج ورجوعه منه. جاء في الحديث: (إبدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك) رواه مسلم.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يُضَيِّع من يقوت) رواه أبو داود وحسنه الألباني في الجامع الصغير. ولأن النفقة متعلقة بحقوق الآدميين وهم أحوج وحقهم آكد.

وإن من المؤسف أن ترى البعض يخرج للحج وقد ترك أهله بلا نفقة، بل وقد يستدين من أجل ذلك، وإن أنكرت على مثل هؤلاء. قال: أحدهم الرزق على الله،! نعم أخي الزرق على الله تعالى لكن لا بد من اتخاذ الأسباب وعدم تضييع من ولاك الله تعالى أمرهم، ولمن يترك الرجل أهله وعياله؟ من ينفق عليهم؟ من يرعى شؤونهم؟ غيرك أيها الأب.

تكاليف الحج:
لا يجب على الزوج دفع تكاليف حج زوجته، ما لم يكن ذلك مشروطاً عليه في العقد.

وقد سُئِلَ سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله:
هل يجب على الزوج دفع تكاليف حج زوجته؟
الجواب:
لا يجب على الزوج دفع تكاليف حج زوجته، وإنما نفقة ذلك عليها إذا استطاعت؛ لقول الله عز وجل: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبرائيل عليه السلام عن الإسلام، قال: ((الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا)) خرجه مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وهذه الآية الكريمة والحديث الشريف يعمان الرجال والنساء، ويعمان الزوجات وغير الزوجات، لكن إذا تبرع لها بذلك فهو مشكور ومأجور. والله ولي التوفيق

وسُئِلَ فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هب يجب على الرجل أن يحج بزوجته فيكون محرماً لها؟ وهل هو مطالب بنفقة زوجته أيام الحج؟

فأجاب:
لا يجب على الزوج أن يحج بزوجته إلا أن يكون مشرطاً عليه حال عقد الزواج، فيجب عليه الوفاء به، وليس مطالباً بنفقة زوجته، إلا أن يكون الحج فريضة ويأذن لها فيه فإنه يلزمه الإنفاق عليها بقدر الحضر فقط. 1/208. لِمَا فيه من الأجر والثواب العظيم، ولأنه سبب للألفة بينهما، وهذا أيضاً من حسن العشرة.

النفقة على الزوجة
النفقة واجبة على الزوج تجاه زوجته، ولكن هل يجب على الزوج أن ينفق على زوجته في الحج؟

ذكر أهل العلم أن نفقة الزوجة في حج الفرض على زوجها.

وأمَّا حَجُّ النافلة فلا يجب عليه أن ينفق عليها، ولو خرجت بإذنه.

وفي الحج المنذور فقد ذكر العلماء إن كان النذر قبل النكاح فلها النفقة لأنه وجب قبل النكاح فكان مقدما على حقه فيها، وإن كان بعد النكاح بإذن الزوج فلها النفقة لأنه إذن في إلزامها إياه فكان راضيا بموجبه.

وإن كان بغير إذنه فلا نفقة لها لأنها فوَّتت التمكين اختياراً منها بغير رضاه فأشبه السفر لحاجتها.

وأما نفقة قضاء الحج من جراء ارتكاب المحظور وهو الوطئ فتكون عليها إن طاوعت، وإن كانت مُكرهة فعلى الزوج.

نفقة المَحرَم:
نفقة المحرم في الحج على المرأة، لأنه من سبيلها فكان عليها نفقته -ولو كان مَحرَمَها زوجها-، فإن امتنع المَحرَم مع وجود النفقة فهي كمَنْ لا مَحرَم لها فلا يلزمها الحَجُّ.

مَحرَم المرأة في الحَجِّ
من شروط وجوب الحج على المرأة وجود المَحرَم، ولا يجوز لها السفر بدونه، عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: قال صلى الله عليه وسلم: (لا تُسافر المرأة ثلاثاً إلا ومعها ذو مَحرَم) متفق عليه.

وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنه سمع رسول اللَّه يخطب يقول: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) فقام رجل فقال يا رسول اللَّه إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا قال: (فانطلق فحج مع امرأتك) متفق عليه.

والمَحرَم:
هو زوجها أو من تحرم على التأبيد بنسب أو سبب.

ويُشترط فيه:
أن يكون بالغاً عاقلاً، وذلك لأن المقصود بالمَحرَم حفظ المرأة ولا يحصل إلا من البالغ العاقل فاعتبر ذلك.

ولو مات مَحرَمها في أثناء السفر فإن لها المُضِيُّ (أن تستمر) خصوصاً لو بعدت المسافة، وكان حَجُّ فرض، وأما في النافلة فذكر بعض أهل العلم أن تعود أو تمكث في البلد الذي مات فيه مَحرَمها.

الخروج للحَجِّ في العِدَّة
لقد عَظَّمَ الشارع حق الزَّوج، فجعل العِدَّةَ على الزوجة فلا تخرج إلى الحَجِّ في عِدَّةِ الوفاة، لوجوب لزوم البيت.

وإذا خرجت للحَجِّ فتوفي زوجها وهي قريبة رجعت لتعتد في بيتها، وأما إن كانت بعيدة فلها المُضِي. لأنه لابد من سفرها فالسفر الذي يحصل به الحَجُّ أولى.

وأما في عِدَّةُ الطلاق المبتوت، فنص العلماء على جواز ذلك ولها أن تخرج إليه في عدة الطلاق المبتوت.

وأما المُطلّقة طلاقاً رجعياً فإن المرأة بمنزلة الزوجة، فلا تخرج بغير إذنه لحَجِّ النافلة.

تَطيِّيبْ المرأة زوجها
يُسْتَحَبُّ للمُحرم أن يتطيَّب في بدنه لِمَا روت عائشة قالت: كنت أطيِّبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يُحرم ولِحِلِّهِ قبل أن يطوف بالبيت وقالت كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم متفق عليهما.

ومن هذا نأخذ أن للزوجة أن تُطيب زوجها، قبل إحرامه في بدنه دون ثيابه.

وأما بالنسبة لتطيُّب المرأة فلا يُشرع خصوصاً وأنها تَمُرُّ على الرجال.

الاشتـراط:
لا يخفى عليكما أيها الزوجان أن الإنسان لا يدري ما يعرض له في سفره ولذلك يستحب له الاشتراط فعن ضباعة بنت الزبير قالت يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية فقال: حُجِّي واشترطي أن مَحِلّي حيثُ حَبِسْتَنِي) متفق عليهما.

ويجوز للمرأة أن تأخذ ما يؤجل الدورة الشهرية
سُئِلَ الشيخ ابن باز رحمه الله:
هل من المباح للمرأة أن تأخذ حبوباً تؤجل بها الدورة الشهرية حتى تؤدي فريضة الحج، وهل لها مخرج آخر؟

أجاب -رحمه الله-:
لا حرج أن تأخذ المرأة حبوب منع الحمل لتمنع الدورة الشهرية أيام رمضان حتى تصوم مع الناس، وفي أيام الحج حتى تطوف مع الناس، ولا تتعطل عن أعمال الحج وإن وجد غير الحبوب شيء يمنع من الدورة فلا بأس إذا لم يكن فيه محذور شرعاً أو مضرة.

ويفيد هذا الشرط شيئين:
أحدهما:
 أنه متى عاقه من مرض أو غيره فله التحلل.
والثاني:
أنه إذا حل لذلك فلا شيء عليه من دم ولا غيره.

عقد النكاح - والجماع ودواعيه في الإحرام بالحج أو العمرة
من محظورات الإحرام: عقد النكاح فلا يجوز للمحرم أن يعقده لنفسه ولا لغيره ولا يجوز عقده لمحرم ؛ لما روى عثمان بن عفان أن النبي صلى الله عليه وسلم: (قال لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب) رواه مسلم.

وإن فعل فالنكاح باطل لأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه، وأما مراجعة الزوجة فلا بأس بها؛ لأنها إمساك للزوجة بدليل قول الله تعالى: (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) (231) سورة البقرة، ولأنها تجوز بغير ولي ولا شهود ولا إذنها فلم تحرم كإمساكها بترك الطلاق. بل والرجعة مندوب إليها حتى لا تتفكك الأسرة وينفرط عقد النكاح...

ومن محظورات الإحرام الجماع لقول الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (197) سورة البقرة.

قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: الرفث الجماع.

وإذا جامع قبل التحلل الأول فيترتب عليه خمسة أمور:
1.  فساد النُسُك.
2.  ويجب عليهما المُضِيُّ فيه.
3.  ويجب القضاء من العام المُقبل.
4.  ويجب عليهما الفدية وهي بدنة عن كل واحد، وفي العمرة شاة، وإن كانت الزوجة مكرهة فلا يلزمها شيء.
5.  ويأثمان بفعلهما.


ولا فرق بين العامد والسَّاهي، وهو قول جمهور العلماء.

وإن كان الوطء بعد التحلل الأول لم يفسد النسك وعليه شاه.

وإذا كانت المرأة مُكرهة فلا فدية عليها.

ملحوظة:
التحلل الكامل يكون بأربعة أمور: (الرمي - الحلق أو التقصير – الطواف - السعي).

ويكون التحلل الأول باثنين من ثلاثة أمور:
بالرمي، أو الحلق أو التقصير، أو الطواف.

والتحلل الثاني بما بقي.

وتحرُم المُباشرة فيما دُون الفرج:
وإن أنزل لم يفسد حجه، وعليه بدنة، وكذلك يجب عليه بدنه إن أنزل بقبلة أو كرَّر النظر أو لمس لشهوة، وإن لم ينزل فعليه شاة.

تـغطية المُحرمَة وجـهها
أخي الزوج: زوجتك درة مكنونة لا ينبغي أن يراها غيرك من الرجال الأجانب -غير المَحارم- فيجب عليك أمرها بالحجاب، وأما في حال الإحرام فإن المحرمة لا تنتقب، روى البخاري: (لا تتنقب المرأة ولا تلبس القفازين).

ولأن إحرام المرأة في وجهها فحرُمَ عليها تغطيته، لكن إن كانت بحضرة أجانب عنها واحتاجت إلى ستر وجهها سدلت على وجهها من فوق رأسها ما يستره ؛ لما روت عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان الرجال يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على رأسها فإذا جاوزونا كشفناه) رواه أبو داود.

الخضاب بالحناء للمتزوجة
من شرح منتهى الإرادات ج1/ص551
يُسَنُّ للمتزوجة دون الأيم الخضاب بالحناء عند الإحرام لحديث ابن عمر من السنة أن تدلك المرأة يديها في حناء ولأنه من الزينة فاستحب لها كالطيب، ويكره الخضاب بعد الإحرام ما دامت محرمة لأنه من الزينة أشبه.

الـنَّفر من مُزدلفة قبل الفجر لِمَنْ معه نساء
إن من محاسن الدين الحيف مراعاة الظروف والأحوال، ومن ذلك مراعاة الضعفة من المسلمين في الحج فيرخص لهم الدفع من مزدلفة بعد غياب القمر، وقد عد العلماء النساء والصبيان من الضعفة.

قال شيخ الإسلام:
فإن كان من الضعفة كالنساء والصبيان ونحوهم فإنه يتعجل من مزدلفة إلى منى إذا غاب القمر.

التوكيل في رمي الجمار
رمي الجمار واجب من واجبات الحج... ولا يجوز للحاج تركه أو التوكيل فيه ما لم يكن معذوراً لمرض أو امرأة حاملاً مثلاً، وأما الزحام فليس مانعاً ولا عذراً... وعليه فيجوز للزوجين أن يُوَكِّلَ أحدهما الآخر ليرمي عنه في حال المرض الذي لا يستطيع معه الرَّمي...

الحَجُّ بالصَّبي
أيها الزوجان: إذا حججتما وكان معكما أولاداً لم يبلغوا الحُلُم، فإن لكما أجراً في ذلك، ولكن لا تكون هذه الحجة بالنسبة للصغير كافية عن حجة الإسلام، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبياً فقالت: ألهذا حج؟ قال: (نعم ولك اجر) رواه مسلم.

قال ابن عبد البر:
أجمع أهل العلم أن الصبي إذا حج قبل أن يبلغ فعليه الحج إذا وجد وبلغ و تجزئه تلك الحجة عن حجة الإسلام، وكذا عمرته.

حج الزوجين عن بعضهما
يجوز أن يحج الرجل عن المرأة والمرأة عن الرجل...

أيها الزوجان:
قد يعرض عارض الموت لأحدكما ولم يقض فرضه ويحج بيت الله الحرام، وفي هذه الحال هل يلزم أحد الزوجين أن يحج عن الآخر؟
أما الوجوب فلا يجب، وأما الاستحباب فيستحب أن يحج الزوج عن زوجته أو يحجج عنها والعكس لما في ذلك من الأجر و حسن العشرة...

سُئِلَ الشيخ ابن عثيمين:
هل يؤجر الزوج إذا وكَّلَ مَنْ يَحُجَّ عن زوجته وقد توفيَّت ولم تحُجَّ...؟

فقال:
الأفضل أن يقوم هو بالحج عنها من أجل أن يقوم بالنسك على الوجه الأكمل الذي يحب... أما الوجوب فلا يجب عليه. " اللقاء الشهري " (34) رقم السؤال (579).

أخي الكريم:
لملحوظاتك ومقترحاتك راسلنا على البريد التالي:
zawjan@zawjan.com
_______________
أهـم المـراجع:
•  المغني لابن قدامه.
•  الكافي لابن قدامة.
•  حاشية الروض لابن قاسم.
•  كشاف القناع للزركشي للبهوتي.
•  شرح منتهى الإرادات للبهوتي.
•  روضة الطالبين للنووي.
•  حاشية ابن عابدين.
 •  الكافي لابن عبد البر.
•  فتاوى اللجنة الدائمة بالمملكة، وابن باز، وابن عثيمين.