أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: المجموعُ المتين من فقه وفتاوى العُمْرَة والحج الثلاثاء 16 يوليو 2019, 12:09 am | |
| المجموعُ المتين من فقه وفتاوى العُمْرَة والحج لابن عثيمين (رحمــه الله تعالى) دكتـــور: أحمــد مصطفى متولي غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِيْنُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا.
مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ".
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا".
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا".
أَمَّا بَعْدُ: فبين أيدينا كتابٌ جامعٌ ثمين, من فقه وفتاوى ورسائل العلامة ابن عثيمين رحمه الله, مُفيدٌ لإخوتى الحُجَّاجِ والمعتمرين, أرجو به النفع لهم وللمسلمين, والأجر والثواب يوم الدين, عسى اللهُ رب العالمين, أن يرحمنى به وإياكم والقارئين, يوم يقوم الناس لرب العالمين, وأن يحشرنا به مع خاتم النبيين, صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين.
أموت ويبقى كل ما كتبته فيا ليت من قرأ دعا ليا عسى الإله أن يعفو عـنى ويغفر لى سوء فعالـيا أبو عبد الرحمن أحمد مصطفى المشرف العام على شبكة الطريق إلى الجنة www.way2ganna.com dr_ahmedmostafa_CP@yahoo.com (حقوق الطبع لكل مسلم عدا مَن غيَّر فيه أو استخدمه فى أغراض تجارية)
(1) المنهج لمريد العُمْرَة والحج لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
آداب السفر: ينبغي لمن خرج إلى الحج أو غيره من العبادات أن يستحضر نية التقرب إلى الله تعالى في جميع أحواله؛ لتكون أقواله وأفعاله ونفقاته مقربة له إلى الله تعالى، فإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.
وينبغي أن يتخلق بالأخلاق الفاضلة مثل الكرم والسماحة والشهامة والانبساط إلى رفقته وإعانتهم بالمال والبدن وإدخال السرور عليهم، هذا بالإضافة إلى قيامه بما أوجب الله عليه من العبادات واجتناب المُحْرِمات.
وينبغي أن يكثر من النفقة ومتاع السفر، ويستصحب فوق حاجته من ذلك احتياطاً لما يعرض من الحاجات.
وينبغي أن يقول عند سفره وفي سفره ما ورد عن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-.
ومن ذلك: 1- إذا وضع رجله على مركوبه قال: بسم الله، فإذا استقر عليه فليذكر نعمة الله على عباده بتيسير المركوبات المتنوعة ثم ليقل: "الله أكبر الله أكبر الله أكبر، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطوي عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، الله إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل والولد. 2- التكبير إذا صعد مكاناً علواً، والتسبيح إذا هبط مكاناً منخفضاً. 3- إذا نزل منزلاً فليقل: أعوذ بكلمات التامات من شر ما خلق، فإن من قالها لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله الذي قالها فيه.
سفر المرأة: لا يجوز للمرأة أن تسافر للحج أو غيره إلا ومعها مَحرَم سواء كان السفر طويلاً أم قصيراً، وسواء كان معها نساء أم لا، وسواء كانت شابة أم عجوزاً، لعموم قول النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي مَحرَم".
والحكمة في منع المرأة من السفر بلا مَحرَم: قصور المرأة في عقلها والدفاع عن نفسها وهي مطمع الرجال، فربما تخدع أو تقهر أو تكون ضعيفة الدين فتندفع وراء شهواتها ويكون فيها مطمع للطامعين، والمُحْرِم يحميها ويصون عرضها ويدافع عنها؛ ولذلك يشترط أن يكون بالغاً عاقلاً، فلا يكفي الصغير الذي لم يبلغ ولا من لا عقل له.
والمُحْرِم زوج المرأة وكل من تحرُم عليه تحريماً دائماً بقرابة أو رضاعة أو مُصاهرة.
فالمحَارم من القرابة سبعة: 1- الآباء والأجداد وإن علوا سواء من قِبَلِ الأم أو من قِبَلِ الأب. 2- الأبناء وأبناء الأبناء وأبناء البنات وإن نزلوا. 3- الإخوة سواء كانوا إخوة أشقاء أو لأب أو لأم. 4- أبناء الإخوة سواء كانوا أبناء إخوة أشقاء أو أبناء إخوة من الأب أو أبناء إخوة من الأم. 5- أبناء الأخوات سواء كانوا أبناء أخوات شقيقات أو من الأب أو من الأم. 6- الأعمام سواء كانوا أعماماً أشقاء أو أعماماً من الأب أو أعماماً من الأم. 7- الأخوال سواء كانوا أخوالاً أشقاء أو من الأب أو من الأم.
والمحارم من الرضاع نظير المحارم من القرابة؛ لقول النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: "يَحرُم من الرضاع ما يَحرُم من النَّسب" (متفق عليه).
والمحارم بالمُصاهرة: 1- أبناء زوج المرأة وأبناء أبنائه وأبناء بناته وإن نزلوا سواء كانوا من زوجة قبلها أو معها أو بعدها. 2- آباء زوج المرأة وأجداده وإن علوا سواء أجداده من قِبَلِ أبيه أو من قِبَلِ أمه. 3- أزواج البنات وأزواج بنات الأبناء وأزواج بنات البنات وهؤلاء الثلاث تثبت المُحْرِمية فيهم بمجرد العقد حتى ولو فارقها بموت أو طلاق أو فسخ فإن المُحْرِمية تبقى لهؤلاء. 4- أزواج الأمهات وأزواج الجدات وإن علون، لكن الأزواج لا يصيرون محارم لبنات زوجاتهم أو بنات أبناء زوجاتهم أو بنات بنات زوجاتهم حتى يطؤوا الزوجات، فإذا حصل الوطء صار الزوج محرماً لبنات زوجته من زوج قبله أو زوج بعده وبنات أبنائها وبنات بناتها ولو طلقها بعد، أما إذا عقد على المرأة ثم طلقها قبل الوطء فإنه لا يكون محرماً لبناتها ولا لبنات أبنائها ولا لبنات بناتها.
صلاة المسافر: دين الإسلام دين اليُسر والسهولة لا حرج فيه ولا مشقة، وكلما وجدت المشقة فتح الله لليُسر أبواباً، قال الله تعالى: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: 78) وقال النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: "الدينُ يُسر"(1) وقال أهل العلم رحمهم الله: المشقة تجلب التيسير".
ولَمَّا كان السَّفر مَظنَّة المَشقَّة غالباً خُفِّفت أحكامه، فمن ذلك: 1- جواز التيمم للمسافر إذا لم يجد الماء أو كان معه من الماء ما يحتاج لأكله وشربه، لكن متى غلب على ظنه أنه يصل على الماء قبل خروج الوقت المختار فالأفضل تأخير الصلاة حتى يصل إلى الماء ليتطهر به. 2- إن المشروع في حق المسافر أن يقصر الصلاة الرباعية فيجعلها ركعتين من حين يخرج من بلده إلى أن يرجع إليه ولو طالت المدة؛ لما ثبت في صحيح البخاري(2) عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أقام بمَكَّة عام الفتح تسعة عشر يوماً يصلي ركعتين، وأقام النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- في تبوك عشرين يوماً يُقصر الصلاة".
لكن إذا صَلّى المُسافر خلف إمام يُصلّي أربعاً فإنه يُصلّي أربعاً تبعاً لإمامه سواءً أدرك الإمام من أول الصلاة أو في أثنائها، فإذا سَلّمَ الإمام أتى بتمام الأربع؛ لقول النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: "إنما جُعِلَ الإمامُ ليُؤتَمَّ بِِه فلا تختلفوا عليه"(3).
وعموم قوله: "فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا"(1).
وسُئِلَ ابن عباس رضي الله عنهما: ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد وأربعاً إذا أئتم بمُقيم، فقال: "تلك السُّنَّة".
وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا صَلّى مع الإمام صَلّى أربعاً، وإذا صَلّى وحده صَلّى ركعتين. "يعني في السفر".
3- إن المشروع في حق المُسافر أن يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء إذا احتاج إلى الجمع، مثل أن يكون مستمراً في سيره، والأفضل حينئذ أن يفعل ما هو الأرفق به من جمع التقديم أو التأخير.
أما إذا كان غير محتاج إلى الجمع فإنه لا يجمع، مثاله أن يكون نازلاً في محل لا يريد أن يرتحل منه إلا بعد دخول وقت الصلاة الثانية، فهذا لا يجمع بل يصلي كل فرض في وقته؛ لأنه لا حاجة به إلى الجمع.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 28 يونيو 2021, 4:15 am عدل 2 مرات |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجموعُ المتين من فقه وفتاوى العُمْرَة والحج الثلاثاء 16 يوليو 2019, 9:18 pm | |
| المواقيت: المواقيت هي الأمكنة التي عيَّنها النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ليَحرُم منها مَنْ أراد الحَجَّ أو العُمْرَة.
والمواقيت خمسة: الأول: ذو الحليفة ويسمى (أبيارعلي) ويسميه بعض الناس (الحساء) وبينه وبين مَكَّة نحو عشر مراحل، وهو ميقات أهل المدينة ومن مر به من غيرهم. الثاني: الجعفة وهي قريبة قديمة بينها وبين مَكَّة نحو خمس مراحل، وقد خرجت فصار الناس يَحرُمون بدلها من رابغ، وهي ميقات أهل الشام ومن مر بها من غيرهم. الثالث: يلملم وهو جبل أو مكان بتهامة بينه ويبن مَكَّة نحو مرحلتين، وهو ميقات أهل اليمن ومن مر به من غيرهم. الرابع: قرن المنازل ويسمى (السيل) بينه وبين مَكَّة نحو مرحلتين، وهو ميقات أهل نجد ومن مر به من غيرهم. الخامس: ذات عرق ويسمى (الضريبة) بينها وبين مَكَّة مرحلتان، وهي ميقات أهل العراق ومن مر بها من غيرهم.
ومَنْ كان أقرب إلى مَكَّة من هذه المواقيت فإن ميقاته مكانه فيَحرُم منه حتى أهل مَكَّة من مَكَّة، ومَنْ كان طريقه يميناً أو شمالاً من هذه المواقيت فإنه يَحرُم حين يحاذي أقرب المواقيت إليه، ومَنْ كان في طائرة فإنه يَحرُم إذا حاذى الميقات من فوق، فيتأهب ويلبس ثياب الإحرام قبل محاذاة الميقات، فإذا حاذاه نوى الإحرام في الحال، ولا يجوز تأخيره، هذا وبعض الناس يكون في الطائرة وهو يريد الحَجّ أو العُمْرَة فيحاذي الميقات ولا يَحرُم منه بل يؤخر إحرامه حتى ينزل في المطار، وهذا لا يجوز؛ لأنه من تعدي حدود الله تعالى.
نعم لو مَرَّ بالميقات وهو لا يريد الحَجّ ولا العُمْرَة ولكنه بعد ذلك نوى الحَجّ أو العُمْرَة فإنه يَحرُم من مكان نيته ولا شيء عليه.
ومَنْ مَرَّ بهذه المواقيت وهو لا يريد الحَجّ ولا العُمْرَة وإنما يريد مَكَّة لزيارة قريب أو تجارة أو طلب علم أو علاج أو غيرها من الأغراض فإن لا يجب عليه الإحرام؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وقت المواقيت ثم قال: "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحَجّ أو العُمْرَة"(1)، فعلق الحكم بمن يريد الحَجّ أو العُمْرَة، فمفهومه أن من لا يريد الحَجّ والعُمْرَة لا يجب عليه الإحرام منها، وإرادة الحَجّ أو العُمْرَة غير واجبة على من أدى الفرض، والحَجّ لا يجب في العمر إلا مرة؛ لقول النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: "الحَجّ مرة فما زاد فهو تطوع"(2) لكن الأولى ألا يَحرُم نفسه من التطوع بالنسك ليحصل له الأجر لسهولة الإحرام في هذا الوقت، ولله الحمد والمِنَّة.
أنواع الأنساك: الأنساك ثلاثة: تمتع، وإفراد، وقِران. فالتمتع: أن يَحرُم بالعُمْرَة وحدها في أشهر الحَجّ، فإذا وصل مَكَّة طاف وسعى للعُمْرَة وحلق أو قصر، فإذا كان يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحَجّة أحرم بالحَجّ وحده وأتى بجميع أفعاله.
والإفراد: أن يَحرُم بالحَجّ وحده، فإذا وصل مَكَّة طاف للقدوم ثم سعى للحج، ولا يحلق ولا يقصر، ولا يحل من إحرامه بل يبقى محرماً حتى يحل بعد رمي جمرة العقبة يوم العيد، وإن أخر سعى الحَجّ إلى ما بعد طواف الحَجّ فلا بأس.
والقِران: أن يَحرُم بالعُمْرَة والحَجّ جميعاً، أو يَحرُم بالعُمْرَة أولاً ثم يدخل الحَجّ عليها قبل الشروع في طوافها، وعمل القارن كعمل المفرد سواء،إلا أن القارن عليه هدي والمفرد لا هدي عليه، وأفضل هذه الأنواع الثلاثة التمتع وهو الذي أمر به النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أصحابه وحثهم عليه حتى لو أحرم الإنسان قارناً أو مفرداً فإنه يتأكد عليه أن يقلب إحرامه إلى عُمْرَة ليصير متمتعاً ولو بعد أن طاف وسعى؛ لأن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- لما طاف وسعى عام حجة الوداع ومعه أصحابه أمر كل من ليس معه هدي أن يقلب إحرامه عُمْرَة ويقصر ويحل وقال: "لولا أني سقت الهَدْي لفعلت مثل الذي أمرتكم به"(1).
هذا وقد يَحرُم الإنسان بالعُمْرَة متمتعاً بها إلى الحَجّ ثم لا يتمكن من إتمام العُمْرَة قبل الوقوف بعَرَفَة؛ ففي هذه الحال يدخل الحَجّ على العُمْرَة ويصير قارناً.
ولنمثل لذلك بمثالين: المثال الأول: امرأة أحرمت بالعُمْرَة متمتعة بها إلى الحَجّ فحاضت أو نفست قبل أن تطوف ولم تطهر حتى جاء وقت الوقوف بعَرَفَة؛ فإنها في هذه الحال تنوي إدخال الحَجّ على العُمْرَة وتكون قارنة، فتستمر في إحرامها وتفعل ما يفعله الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت ولا تسعى بين الصفا والمروة حتى تطهر وتغتسل.
المثال الثاني: إنسان أحرم بالعُمْرَة متمتعاً بها إلى الحَجّ فحصل له عائق يمنعه من الدخول إلى مَكَّة قبل يوم عَرَفَة، فإنه ينوي إدخال الحَجّ على العُمْرَة ويكون قارناً، فيستمر في إحرامه ويفعل ما يفعله الحاج.
المُحْرِم الذى يلزمه الهَدْي: المُحْرِم الذي يلزمه الهَدْي هو المتمتع والقارن دون المفرد.
فالمتمتع هو الذي يَحرُم بالعُمْرَة في أشهر الحَجّ أي بعد دخول شوال ويحل منها، ثم يَحرُم بالحَجّ في عامه، فإن أحرم بالعُمْرَة قبل دخول شهر شوال فليس بمتمتع فلا هدي عليه وسواء كان قد صام رمضان بمَكَّة أم لا، فصيام رمضان بمَكَّة لا أثر له وإنما العبرة بعقد إحرام العُمْرَة، فمتى كان قبل دخول شهر شوال فلا هدي عليه، وإن كان بعد دخول شهر شوال فهو متمتع يلزمه الهَدْي إذا تمت شروط الوجوب.
وأما ما يعتقده بعض العوام من أن العبرة بصيام رمضان وأن من صام بمَكَّة فلا هدي عليه ومن لم يصم بها فعليه هدي، فهذا اعتقاد غير صحيح.
وأما القارن فهو الذي يَحرُم بالعُمْرَة والحَجّ جميعاً أو يَحرُم بالعُمْرَة ثم يدخل الحَجّ عليها قبل الشروع في طوافها، ولا يجب الهَدْي على المتمتع والقارن إلا بشرط أن لا يكونا من حاضري المسجد الحرام، فإن كانا من حاضري المسجد الحرام فلا هدي عليهما.
وحاضروا المسجد الحرام هم أهل الجرم ومَنْ كانوا قريبين منه بحيث لا يكون بينهم وبين الحرم مسافة تعد سفراً كأهل الشرائع ونحوهم، فإنه لا هدي عليهم، وأما من كانوا بعيدين من الحرم بحيث يكون بينهم وبينه مسافة تعد سفراً كأهل جدة فإنه يلزمهم الهَدْي.
ومَنْ كان من أهل مَكَّة ثم سافر إلى غيرها لطلب علم أو غيره ورجع إليها متمتعاً فإنه لا هدي عليه؛ لأن العبرة بمحل إقامته وسكناه وهي مَكَّة إلا إذا انتقل إلى غير مَكَّة للسكنى فإنه إذا رجع إليها متمتعاً يلزمه الهَدْي؛ لأنه حينئذ ليس من حاضري المسجد الحرام.
والهَدْي الواجب على المتمتع والقارن: شاة تُجزئ في الأضحية أو سُبع بدنة أو سُبع بقرة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحَجّ وسبعة إذا رجع إلى أهله، ويجوز أن يصوم الأيام الثلاثة في أيام التشريق وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحَجّة، ويجوز أن يصومها قبل ذلك بعد إحرام العُمْرَة لكن لا يصومها يوم العيد ولا بعَرَفَة؛ لأن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- نهى عن صوم يومي العيدين ونهى عن صوم يوم عَرَفَة بعَرَفَة، ويجوز أن يصوم هذه الأيام الثلاثة متوالية ومتفرقة لكن لا يؤخرها عن أيام التشريق، وأما السبعة الباقية فيصومها إذا رجع إلى أهله إن شاء صامها متوالية، وإن شاء متفرقة.
وأيام ذبح الهَدْي أربعة: يوم العيد، وثلاثة أيام بعده، فمن ذبح قبل هذه الأيام فشاته شاة لحم لا تجزئه عن الهَدْي؛ لأن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- لم يذبح هديه قبل يوم العيد، والهَدْي من النسك وقد قال -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: "خذوا عني مناسككم(1)" وفي الحديث عنه أنه قال: "كل أيام التشريق ذبح" وأيام التشريق هي الأيام الثلاثة التي بعد العيد.
ويجوز الذبح في هذه الأيام ليلاً ونهاراً لكن النهار أفضل.
ويجوز أيضاً في مِنَى وفي مَكَّة لكن في مِنَى أفضل إلا أن يكون الذبح بمَكَّة أنفع للفقراء بحيث يكون الانتفاع به في مِنَى يسيراً فإنه يتبع ما هو أصلح وأنفع، وعلى هذا فلو أخر هديه إلى اليوم الثالث عشر وذبحه بمَكَّة فلا بأس.
واعلم أن إيجاب الهَدْي على القادر أو الصيام على من لم يجد الهَدْي ليس غرماً على العبد أو إتعاباً لبدنه بلا فائدة، وإنما هو من إتمام النسك وإكماله ومن رحمة الله وإحسانه حيث شرع لعباده ما فيه كمال عبادتهم وتقربهم إلى ربهم وزيادة أجرهم ورفعة درجاتهم والنفقة فيه مخلوفة والسَّعي فيه مشكور، وكثير من الناس لا يلاحظون هذه الفائدة ولا يحسبون لهذا الأجر حسابه فتجدهم يتهربون من وجوب الهَدْي، ويسعون لإسقاطه بكل وسيلة حتى إن بعضهم يفرد الحَجّ وحده من أجل ألا يجب عليه الهَدْي فيَحرُمون أنفسهم أجر التمتع وأجر الهَدْي، وهذه غفلة ينبغي التنبه لها. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجموعُ المتين من فقه وفتاوى العُمْرَة والحج الثلاثاء 16 يوليو 2019, 9:30 pm | |
| صفة العُمْرَة: إذا أراد أن يَحرُم بالعُمْرَة فالمشروع أن يتجرد من ثيابه، ويغتسل كما يغتسل للجنابة، ويتطيب بأطيب ما يجد من دهن عود أو غيره في رأسه ولحيته، ولا يضره بقاء ذلك بعد الإحرام لما في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- إذا أراد أن يَحرُم تطيب بأطيب ما يجد ثم أرى وبيص المسك في رأسه ولحيته بعد ذلك".
والاغتسال عند الإحرام سُنَّة في حق الرجال والنساء حتى النفساء والحائض؛ لأن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أمر أسماء بنت عميس حين نفست أن تغتسل عند إحرامها وتستثفر بثوب وتُحرم.
ثم بعد الاغتسال والتطيب يلبس ثياب الإحرام، ثم يصلي -غير الحائض والنفساء- الفريضة إن كان في وقت فريضة وإلا صلى ركعتين ينوي بهما سُنَّة الوضوء، فإذا فرغ من الصلاة أحرم وقال: لبيك عُمْرَة، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
يرفع الرجل صوته بذلك، والمرأة تقوله بقدر ما يسمع من بجنبها.
وإذا كان من يريد الإحرام خائفاً من عائق يعوقه عن إتمام نسكه فإنه ينبغي أن يشترط عند الإحرام فيقول عند عقده: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني أي منعني مانع عن إتمام نسكي من مرض أو تأخر أو غيرهما فإني أحل من إحرامي؛ لأن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أمر ضباعة بنت الزبير حين أرادت الإحرام وهي مريضة أن تشترط وقال: "إن لك على ربك ما استثنيت"، فمتى اشترط وحصل له ما يمنعه من إتمام نسكه فإنه يحل ولا شيء عليه.
وأما من لا يخاف من عائق يعوقه عن إتمام نسكه فإنه لا ينبغي له أن يشترط؛ لأن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- لم يشترط، ولم يأمر بالاشتراط كل أحد، وإنما أمر به ضباعة بنت الزبير لوجود المرض بها.
وينبغي للمحرم أن يكثر من التلبية خصوصاً عند تغير الأحوال والأزمان مثل أن يعلو مرتفعاً، أو ينزل منخفضاً، أو يقبل الليل أو النهار، وأن يسأل الله بعدها رضوانه والجنة، ويستعيذ برحمته من النار.
والتلبية مشروعة في العُمْرَة من الإحرام إلى أن يبتدئ بالطواف، وفي الحَجّ من الإحرام إلى أن يبتدئ برمي جمرة العقبة يوم العيد.
وينبغي إذا قرب من مَكَّة أن يغتسل لدخولها؛ لأن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- اغتسل عند دخوله، فإذا دخل المسجد الحرام قدم رجله اليمنى وقال: "بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم" ثم يتقدم إلى الحَجّر الأسود ليبتدئ الطواف فيستلم الحَجّر بيده اليمنى ويقبله، فإن لم يتيسر تقبيله قبل يده إن استلمه بها، فإن لم يتيسر استلامه بيده فإنه يستقبل الحَجّر ويشير إليه بيده إشارة ولا يقبلها، والأفضل ألا يزاحم فيؤذي الناس ويتأذى بهم لما في الحديث عن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أنه قال لعمر: "يا عمر، إنك رجل قوي لا تزاحم على الحَجّر فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر".
ويقول عند استلام الحَجّر: بسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسُنَّة نبيك محمد -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، ثم يأخذ ذات اليمين ويجعل البيت عن يساره، فإذا بلغ الركن اليماني استلمه من غير تقبيل، فإن لم يتيسر فلا يزاحم عليه ويقول بينه وبين الحَجّر الأسود: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، وكلما مر بالحَجّر الأسود كبَّر ويقول في بقية طوافه ما أحب من ذكر ودعاء وقراءة القرآن، فإنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله.
وفي هذا الطواف أعني الطواف أول ما يقدم ينبغي للرجل أن يفعل شيئين: أحدهما: الاضطباع من ابتداء الطواف إلى انتهائه، وصفة الاضطباع أن يجعل وسط ردائه داخل إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر، فإذا فرغ من الطواف أعاد رداءه إلى حالته قبل الطواف؛ لأن الاضطباع محله الطواف فقط.
الثاني: الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، والرمل إسراع المشي مع مقاربة الخطوات، وأما الأشواط الأربعة الباقية فليس فيها رمل وإنما يمشي كعادته.
فإذا أتم الطواف سبعة أشواط تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً) ثم صلى ركعتين خلفه يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وفي الثانية: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) بعد الفاتحة.
فإذا فرغ من صلاة الركعتين رجع إلى الحَجّر الأسود فاستلمه إن تيسر له.
ثم يخرج إلى المسعى فإذا دنا من الصفا قرأ: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّه) ثم يرقى على الصفا حتى يرى الكعبة فيستقبلها ويرفع يديه فيحمد الله ويدعو ما شاء أن يدعو.
وكان من دعاء النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- هنا: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، يكرر ذلك ثلاث مرات ويدعو بين ذلك".
ثم ينزل من الصفا إلى المروة ماشياً، فإذا بلغ العلم الأخضر ركض ركضاً شديداً بقدر ما يستطيع ولا يؤذي، فقد روي عن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أنه كان يسعى حتى ترى ركبتاه من شدة السَّعي يدور به إزاره، وفي لفظ: وأن مئزره ليدور من شدة السَّعي.
فإذا بلغ العلم الأخضر الثاني مشى كعادته حتى يصل إلى المروة فيرقى عليها، ويستقبل القبلة ويرفع يديه ويقول ما قاله على الصفا، ثم ينزل من المروة إلى الصفا فيمشي في موضع مشيه، ويسعى في موضع سعيه، فإذا وصل الصفا فعل كما فعل أول مرة، وهكذا المروة حتى يكمل سبعة أشواط، ذهابه من الصفا إلى المروة شوط، ورجوعه من المروة إلى الصفا شوط آخر، ويقول في سعيه ما أحب من ذكر ودعاء وقراءة.
فإذا أتم سعيه سبعة أشواط حلق رأسه إن كان رجلاً، وإن كانت امرأة فإنها تقصر من كل قدر أنملة.
ويجب أن يكون الحلق شاملاً لجميع الرأس، وكذلك التقصير يعم به جميع جهات الرأس، والحلق أفضل من التقصير؛ لأن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- دعا للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة، إلا أن يكون وقت الحَجّ قريباً بحيث لا يتسع لنبات شعر الرأس؛ فإن الأفضل التقصير ليبقى الرأس للحلق في الحَجّ بدليل أن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أمر أصحابه في حجة الوداع أن يقصروا للعُمْرَة؛ لأن قدومهم كان صبيحة الرابع من ذي الحَجّة.
وبهذه الأعمال تمت العُمْرَة فتكون العُمْرَة: الإحرام، والطواف، والسَّعي، والحلق أو التقصير، ثم بعد ذلك يحل منها إحلالاً كاملاً ويفعل كما يفعله المحلون من اللباس والطيب وإتيان النساء وغير ذلك. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجموعُ المتين من فقه وفتاوى العُمْرَة والحج الثلاثاء 16 يوليو 2019, 9:33 pm | |
| صفة الحَجّ: إذا كان يوم التروية وهو يوم الثامن من ذي الحَجّة أحرم بالحَجّ ضحى من مكانه الذي أراد الحَجّ منه، ويفعل عند إحرامه بالعُمْرَة من الغسل والطيب والصلاة، فينوي الإحرام بالحَجّ ويلبي، وصفة التلبية في الحَجّ كصفة التلبية في العُمْرَة إلا أنه يقول هنا: لبيك حجاً بدل قوله لبيك عُمْرَة.
وإن كان خائفاً من عائق يمنعه من إتمام حجه اشترط فقال: "وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني" وإن لم يكن خائفاً لم يشترط.
ثم يخرج إلى مِنَى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً من غير جمع؛ لأن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- كان يقصر بِمِنَى ولا يجمع، والقصر كما هو معلوم جعل الصلاة الرباعية ركعتين، ويقصر أهل مَكَّة وغيرهم بِمِنَى وعَرَفَة ومُزْدَلِفَة؛ لأن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- كان يصلي بالناس في حجة الوداع ومعه أهل مَكَّة ولم يأمرهم بالإتمام، ولو كان واجباً عليهم لأمرهم به كما أمرهم به عام الفتح.
فإذا طلعت الشمس يوم عَرَفَة سار من منى إلى عَرَفَة فنزل بنمرة إلى الزوال إن تيسر له وإلا فلا حرج؛ لأن النزول بنمرة سُنَّة.
فإذا زالت الشمس صلى الظهر والعصر على ركعتين يجمع بينهما جمع تقديم كما فعل النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ليطول وقت الوقوف والدعاء. ثم يتفرغ بعد الصلاة للذكر والدعاء والتضرع إلى الله عز وجل، ويدعو بما أحب رافعاً يديه مستقبلاً القبلة ولو كان الجبل خلفه؛ لأن السُنَّة استقبال القبلة لا الجبل، وقد وقف النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- عند الجبل وقال: "وقفت هاهنا وعَرَفَة كلها موقف، وارفعوا عن بطن عرنة".
وكان أكثر دعاء النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- في ذلك الموقف العظيم: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير".
فإن حصل له ملل وأراد أن يستجم بالتحدث مع أصحابه بالأحاديث النافعة أو قراءة ما تيسر من الكتب المفيدة خصوصاً فيما يتعلق بكرم الله وجزيل هباته ليقوى جانب الرجاء في ذلك اليوم كان ذلك حسناً، ثم يعود إلى التضرع إلى الله ودعائه، ويحرص على اغتنام آخر النهار بالدعاء، فإن خير الدعاء دعاء يوم عَرَفَة.
فإذا غربت الشمس سار إلى مُزْدَلِفَة.
فإذا وصلها صلى المغرب والعشاء جمعاً إلا أن يصل مُزْدَلِفَة قبل العشاء الآخرة فإنه يصلي المغرب في وقتها، ثم ينتظر حتى يدخل وقت العشاء الآخرة فيصليها في وقتها، هذا ما أراه في هذه المسألة.
وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود -رضي الله عنه- "أنه أتى المُزْدَلِفَة حين الأذان بالتعمة أو قريباً من ذلك، فأمر برجلا ً فأذن وأقام ثم صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين، ثم دعا بعشائه فتعشى، ثم أمر رجلا ً فأذن وأقام ثم صلى العشاء ركعتين" وفي رواية: "فصلى الصلاتين كل صلاة وحدها بأذان وإقامة والعشاء بينهما".
لكن إن كان محتاجاً إلى الجمع لتعب أو قلة ماء أو غيرهما فلا بأس بالجمع وإن لم يدخل وقت العشاء، وإن كان يخشى ألا يصل مُزْدَلِفَة إلا بعد نصف الليل فإنه يصلي ولو قبل الوصول إلى مُزْدَلِفَة، ولا يجوز أن يؤخر الصلاة إلى ما بعد نصف الليل.
ويبيت بمُزْدَلِفَة، فإذا تبين الفجر صلى الفجر مبكراً بأذان وإقامة، ثم قصد المَشْعَرِ الحَرَام فوحد الله وكبره ودعا بما أحب حتى يسفر جداً، وإن لم يتيسر له الذهاب إلى المَشْعَرِ الحَرَام دعا في مكانه؛ لقول النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- "وقفت هاهنا وجمع كلها موقف" ويكون حال اذكر والدعاء مستقبلاً القبلة رافعاً يديه.
فإذا أسفر جداً دفع قبل أن تطلع الشمس إلى مِنَى ويسرع في وادي محسر، فإذا وصل إلى مِنَى رمى جمرة العقبة وهي الأخيرة مما يلي مَكَّة بسبع حصيات متعاقبات واحدة بعد الأخرى، كل واحدة بقدر نواة التمر تقريباً، يكبر مع كل حصاة.
فإذا فرغ ذبح هديه ثم حلق رأسه إن كان ذكراً، وأما المرأة فحقها التقصير دون الحلق، ثم ينزل لمَكَّة فيطوف ويسعى للحج.
والسُنَّة أن يتطيب إذا أراد النزول إلى مَكَّة للطواف بعد الرَّمي والحلق؛ قول عائشة -رضي الله عنها-: "كنت أطيب النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- لإحرامه قبل أن يَحرُم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت".
ثم بعد الطواف والسَّعي يرجع إلى مِنَى فيبيت بها ليلتي اليوم الحادي عشر والثاني عشر، ويرمي الجمرات الثلاث إذا زالت الشمس في اليومين والأفضل أن يذهب للرمي ماشياً وإن ركب فلا بأس، فيرمي الجَمْرَة الأولى وهي أبعد الجمرات عن مَكَّة وهي التي تلي مسجد الخيف بسبع حصيات متعاقبات واحدة بعد الأخرى، ويكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم قليلاً ويدعو دعاء طويلاً بما أحب، فإن شق عليه طول الوقوف والدعاء دعا بما يسهل عليه ولو قليلاً ليحصل السُنَّة.
ثم يرمي الجَمْرَة الوسطى بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، ثم يأخذ ذات الشمال فيقف مستقبلاً القبلة رافعاً يديه ويدعو دعاء طويلاً إن تيسر عليه وإلا وقف بقدر ما يتيسر، ولا ينبغي أن يترك الوقوف للدعاء لأنه سُنَّة، وكثير من الناس يهمله إما جهلاً أو تهاوناً، وكلما أضيعت السُنَّة كان فعلها ونشرها بين الناس أؤكد لئلا تترك وتموت.
ثم يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة ثم ينصرف ولا يدعو بعدها.
فإذا أتم رمي الجمار في اليوم الثاني عشر، فإن شاء تعجل ونزل من منى، وإن شاء تأخر فبات بها ليلة الثالث عشر ورمى الجمار الثلاث بعد الزوال كما سبق، والتأخر أفضل، ولا يجب إلا أن تغرب الشمس من اليوم الثاني عشر وهو بِمِنَى فإنه يلزمه التأخر حتى يرمي الجمار الثلاث بعد الزوال، ولكن لو غربت عليه الشمس بِمِنَى في اليوم الثاني عشر بغير اختياره مثل أن يكون قد ارتحل وركب لكن تأخر بسبب زحام السيارات ونحوه؛ فإنه لا يلزمه التأخر؛ لأن تأخره إلى الغروب بغير اختياره.
فإذا أراد الخروج من مَكَّة إلى بلده لم يخرج حتى يطوف للوداع؛ لقول النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: "لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" وفي رواية: "أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض" فالحائض والنفساء ليس عليهما وداع، ولا ينبغي أن يقفا عند باب المسجد الحرام للوداع لعدم وروده عن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-.
ويجعل طواف الوداع آخر عهده بالبيت إذا أراد أن يرتحل للسفر، فإن بقي بعد الوداع لانتظار رفقة أو تحميل رحله أو اشترى حاجة في طريقه فلا حرج عليه، ولا يعيد الطواف إلا أن ينوي تأجيل سفره مثل أن يريد السفر في أول النهار فيطوف للوداع، ثم يؤجل السفر إلى آخر النهار مثلاً، فإنه يلزمه إعادة الطواف ليكون آخر عهده بالبيت.
زيارة المسجد النبوي: إذا أحب الحاج أن يزور المسجد النبوي قبل الحَجّ أو بعده فلينو زيارة المسجد النبوي لا زيارة القبر، فإن شد الرحال على وجه التعبد لا يكون لزيارة القبور، وإنما يكون للمساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى كما في الحديث الثابت عن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أنه قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى".
فإذا وصل المسجد النبوي قدم رجله اليمنى لدخوله وقال: "بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم" ثم يصلي ما شاء.
والأولى أن تكون صلاته في الروضة وهي ما بين منبر النبي صلى الله وحجرته التي فيها قبره؛ لأن ما بينهما روضة من رياض الجنة، فإذا صلى وأراد زيارة قبر النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فيقف أمامه بأدب ووقار وليقل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أشهد أنك رسول الله حقاً، وأنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده، فجزاك الله عن أمتك أفضل ما جزى نبيا عن أمته.
ثم يأخذ ذات اليمين قليلاً فيسلم على أبي بكر الصديق ويترضى عنه.
ثم يأخذ ذات اليمين قليلاً أيضاً فيسلم على عمر بن الخطاب ويترضى عنه، وإن دعا له ولأبي بكر -رضي الله عنه-ما بدعاء مناسب فحسب.
ولا يجوز لأحد أن يتقرب إلى الله بمسح الحَجّرة النبوية أو الطواف بها ولا يستقبلها حال الدعاء بل يستقبل القبلة؛ لأن التقرب إلى الله لا يكون إلا بما شرعه ورسوله، والعبادات مبناها على الاتباع لا على الابتداع.
والمرأة لا تزور قبر النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ولا قبر غيره؛ لأن النبي صلى الله لَعَنَ زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج، لكن تصلي وتسلم على النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وهي في مكانها، فيبلغ ذلك النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- في أي مكان كانت، ففي الحديث عن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أنه قال: "صلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم" وقال: "إن لله ملائكة سياحين في الأرض يُبلغوني من أمَّتي السلام".
وينبغي للرجل خاصة أن يزور البقيع وهي مقبرة المدينة فيقول: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستئخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم".
وإن أحب أن يأتي أحداً ويتذكر ما جرى للنبي صلى الله وأصحابه في تلك الغزوة من جهاد وابتلاء وتمحيص وشهادة ثم يسلم على الشهداء هناك مثل حمزة بن عبد المطلب عم النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فلا بأس بذلك، فإن هذا قد يكون من السير في الأرض المأمور به، والله أعلم. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجموعُ المتين من فقه وفتاوى العُمْرَة والحج الثلاثاء 16 يوليو 2019, 9:36 pm | |
| الفوائد: هذه فوائد تتعلق بالمناسك تدعو الحاجة إلى بيانها ومعرفتها: الفائدة الأولى في آداب الحَجّ والعُمْرَة قال الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) (البقرة: 197).
وقال النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: "إنما جعل الطواف بالبيت والصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله".
فينبغي للعبد أن يقوم بشعائر الحَجّ على سبيل التعظيم والإجلال والمحبة والخضوع لله رب العالمين، فيؤديها بسكينة ووقار واتباع لرسول الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-.
وينبغي أن يشغل هذه المشاعر العظيمة بالذكر والتكبير والتسبيح والتحميد والاستغفار؛ لأنه في عبادة من حين أن يشرع في الإحرام حتى يحل منه، فليس الحَجّ نزهة للهو واللعب يتمتع به الإنسان كما شاء من غير حد كما يشاهد بعض الناس يستصحب من آلات اللهو والغناء ما يصده عن ذكر الله ويوقعه في معصية الله، وترى بعض الناس يفرط في اللعب والضحك والاستهزاء بالخلق وغير ذلك من الأعمال المنكرة كأنما شرع الحَجّ للمرح واللعب.
ويجب على الحاج وغيره أن يحافظ على ما أوجبه الله عليه من الصلاة جماعة في أوقاتها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وينبغي أن يحرص على نفع المسلمين والإحسان إليهم بالإرشاد والمعونة عند الحاجة، وأن يرحم ضعيفهم خصوصاً في مواضع الرحمة كمواضع الزحام ونحوها، فإن رحمة الخلق جالبة لرحمة الخالق، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء.
ويتجنب الرفث والفسوق والعصيان والجدال لغير نصرة الحق أما الجدال من أجل نصرة الحق فهذا واجب في موضعه.
ويتجنب الاعتداء على الخلق وإيذاءهم؛ فيتجنب الغيبة والنميمة والسب والشتم والضرب والنظر إلى النساء الأجانب، فإن هذا حرام في الإحرام وخارج الإحرام، فيتأكد تحريمه حال الإحرام.
وليتجنب ما يحدثه كثير من الناس من الكلام الذي لا يليق بالمشاعر كقول بعضهم إذا رمى الجمرات رمينا الشيطان، وربما شتم المشعر أو ضربه بنعل ونحوه مما ينافي الخضوع والعبادة ويناقض المقصود برمي الجمار وهو إقامة ذكر الله عز وجل.
الفائدة الثانية في محظورات الإحرام محظورات الإحرام هي التي يمنع منها المُحْرِم بحج أو بعُمْرَة بسبب الإحرام وهي ثلاثة أقسام: قسم يَحرُم على الذكور والإناث، وقسم يَحرُم على الذكور دون الإناث، وقسم يَحرُم على الإناث دون الذكور.
فأما الذي يَحرُم على الذكور والإناث فمنه ما يأتي: 1- إزالة الشعر من الرأس بحلق أو غيره وكذلك إزالته من بقية الجسد على المشهور، لكن لو نزل بعينيه شعر يتأذى منه ولم يندفع أذاه إلا بقلعه فله قلعه ولا شيء عليه، ويجوز للمحرم أن يحك رأسه بيده برفق، فإن سقط منه شعر بلا تعمد فلا شيء عليه. 2- تقليم الأظافر من اليدين أو الرجلين إلا إذا انكسر ظفره وتأذى به فلا بأس أن يقص المؤذي منه فقط، ولا شيء عليه. 3- استعمال الطيب بعد الإحرام في الثوب أو البدن أو غيرهما، أما الطيب الذي تطيب به قبل الإحرام فإنه لا يضر بقاؤه بعد الإحرام؛ لأن الممنوع في الإحرام ابتداء الطيب دون استدامته، ولا يجوز للمحرم أن يشرب قهوة فيها زعفران؛ لأن الزعفران من الطيب إلا إذا كان قد ذهب طعمه وريحه بالطبخ ولم يبق إلا مجرد اللون فلا بأس. 4- النظر والمباشرة لشهوة. 5- لبس القفازين وهما (شراب) اليدين. 6- قتل الصيد وهو الحيوان الحلال البري المتوحش مثل الظباء والأرانب والحمام والجراد، فأما صيد البحر فحلال فيجوز للمحرم صيد السمك من البحر، وكذلك يجوز له الحيوان الأهلي كالدجاج.
وإذا انفرش الجراد في طريقه ولم يكن طريق غيرها فوطئ شيئاً منه من غير قصد فلا شيء عليه؛ لأنه لم يقصد قتله ولا يمكنه التَّحَرُّزَ منه.
وإما قطع الشجر فليس حراماً على المُحْرِم؛ لأنه لا تأثير للإحرام فيه، وإنما يَحرُم على من كان داخل أميال الحرم سواء كان محرماً أو غير محرم، وعلى هذا فيجوز قطع الشجر في عَرَفَة ولا يجوز في مِنَى ومُزْدَلِفَة؛ لأن عَرَفَة خارج الأميال، ومنى ومُزْدَلِفَة داخل الأميال، ولو أصاب شجرة وهو يمشي من غير قصد فلا شيء عليه، ولا يَحرُم قطع الأشجار الميتة.
وأما الذي يَحرُم على الذكور دون الإناث فهو شيئان: 1- لبس المخيط وهو أن يلبس الثياب ونحوها على صفة لباسها في العادة كالقميص (والفنيلة) والسروال ونحوها، فلا يجوز للذكر لبس هذه الأشياء على الوجه المعتاد.
أما إذا لبسها على غير الوجه المعتاد فلا بأس بذلك مثل أن يجعل القميص رداء، أو يرتدي بالعباءة جاعلاً أعلاها أسفلها فلا بأس بذلك كله، ولا بأس أن يلبس رداءً مرقعاً أو إزاراً مرقعاً أو موصولاً.
ويجوز لبس السبتة وساعة اليد ونظارة العين وعقد ردائه وزره بمشبك ونحوه؛ لأن هذه الأشياء لم يرد فيها منع عن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وليست في معنى المنصوص على منعه، بل قد سُئِلَ النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- عما يلبس المُحْرِم فقال: "لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس والخفاف"، فإجابته -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بما لا يلبس عن السؤال عما يلبس دليل على أن كل ما عدا هذه المذكورات فإنه مما يلبسه المُحْرِم، وأجاز -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- للمحرم أن يلبس الخفين إذا عدم النعلين لاحتياجه إلى وقاية رجليه، فمثله نظارات العين لاحتياج لابسها إلى وقاية عينيه، وأجاز الفقهاء على المشهور من المذهب لباس الخاتم للرجل المُحْرِم.
ويجوز للمحرم أن يلبس السراويل إذا لم يجد الإزار ولا ثمنه، وأن يلبس الخفين إذا لم يجد النعلين ولا ثمنهما لحديث ابن عباس -رضي الله عنه-ما أن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قال وهو يخطب بعرفات: "من لم يجد النعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس السراويل".
2- تغطية رأسه بملاصق كالعمامة والغترة والطاقية وشبهها، فأما غير المتصل كالخيمة والشمسية وسقف السيارة فلا بأس به؛ لأن المُحْرِم ستر الرأس دون الاستظلال، وفي حديث أم الحصين الأحمسية قال: "حججنا مع النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة أحدهما يقود به راحلته، والآخر رافعاً ثوبه على رأس النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يظلله من الشمس" وفي رواية: "يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة"، رواه أحمد ومسلم، وهذا كان في يوم العيد قبل التحلل؛ لأنه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- كان يرمي الجمار في غير يوم العيد ماشياً لا راكباً.
ويجوز للمحرم أن يحمل المتاع على رأسه إذا لم يكن قصده ستر الرأس، ويجوز له أيضاً أن يغوص في الماء ولو تغطى رأسه بالماء.
وأما الذي يَحرُم على النساء دون الذكور فهو النقاب وهو أن تستر وجهها بشيء وتفتح لعينيها ما تنظر به، ومن العلماء من قال لا يجوز أن تغطي وجهها لا بنقاب ولا غيره إلا أن يمر الرجال قريباً منها؛ فإنه يلزمها أن تغطي وجهها ولا فدية عليها سواء مسه الغطاء أم لا.
وفاعل المحظورات السابقة له ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يفعل المحظور بلا عذر ولا حاجة، فهذا آثم وعليه الفدية.
الحالة الثانية: أن يفعل المحظور لحاجة إلى ذلك مثل أن يحتاج إلى لبس القميص لدفع برد يخاف منه الضرر؛ فيجوز أن يفعل ذلك وعليه فديته كما جرى لكعب بن عجرة -رضي الله عنه- حين حمل إلى النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- والقمل يتناثر من رأسه على وجهه؛ فرخص له النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أن يحلق رأسه ويفدي.
الحالة الثالثة: أن يفعل المحظور وهو معذور إما جاهلاً أو ناسياً أو نائماً أو مكرهاً فلا إثم عليه ولا فدية لقوله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) (الأحزاب: 5)، وقال تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (البقرة: 286)، فقال الله تعالى: قد فعلت.
وفي الحديث عن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: "أن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، وهذه نصوص عامة في محظورات الإحرام وغيرها تفيد رفع المؤاخذة عن المعذور بالجهل والنسيان والإكراه، وقال تعالى في خصوص الصيد الذي هو أحد محظورات الإحرام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (المائدة: 95).
فقيد وجوب الجزاء بكون القاتل متعمداً، والتعمد وصف مناسب للعقوبة والضمان، فوجب اعتباره تعليق الحكم به، وإن لم يكن متعمداً فلا جزاء عليه ولا إثم.
لكن متى زال العذر فعلم الجاهل وتذكر الناسي واستيقظ النائم وزال الإكراه فإنه يجب التخلي عن المحظور فوراً، فإن استمر عليه مع زوال العذر فهو آثم وعليه الفدية، مثال ذلك أن يغطي الذكر رأسه وهو نائم فإنه ما دام نائماً فلا شيء عليه، فإذا استيقظ لزمه كشف رأسه فوراً، فإن استمر في تغطيته مع علمه بوجوب كشفه فعليه الفدية.
ومقدار الفدية في المحظورات التي ذكرناها كما يأتي: 1- في إزالة الشعر والظفر والطيب والمباشرة لشهوة ولبس القفازين ولبس الذكر المخيط وتغطية رأسه وانتقاب المرأة الفدية في هذه الأشياء في كل واحد منها إما ذبح شاة، وإما إطعام ستة مساكين، وإما صيام ثلاثة أيام يختار ما يشاء من هذه الأمور الثلاثة، فإن اختار ذبح الشاة فإنه يذبح ذكراً أو أنثى من الضان أو الماعز مما يجزئ في الأضحية، أو ما يقوم مقامه من سبع بدنة أو سبع بقرة، ويفرق جميع اللحم على الفقراء ولا يأكل منه شيئاً، وإن اختار إطعام المساكين فإنه يدفع لكل مسكين نصف صاع مما يطعم من تمر أو بر أو غيرهما، وإن اختار الصيام فإنه يصوم الأيام الثلاثة إن شاء متوالية وإن شاء متفرقة.
2- في جزاء الصيد فإن كان للصيد مثل، خير بين ثلاثة أشياء: إما ذبح المثل وتفريق جميع لحمه على فقراء مَكَّة، وإما أن ينظر كم يساوي هذا المثل ويخرج ما يقابل قيمته طعاماً يفرق على المساكين لكل مسكين نصف صاع، وإما أن يصوم عن طعام كل مسكين يوماً. فإن لم يكن للصيد مثل خير بين شيئين: إما أن ينظر كم قيمة الصيد المقتول ويخرج ما يقابلها طعاماً يفرقه على المساكين لكل مسكين نصف صاع، وإما أن يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً.
مثال الذي له مثل من النعم الحمام ومثيلها الشاة فنقول لمَنْ قتل حمامة: أنت بالخيار إن شئت فاذبح شاة، وإن شئت فانظر كم قيمة الشاة وأخرج ما يقابلها من الطعام لفقراء الحرم لكل واحد نصف صاع، وإن شئت فصم عن إطعام كل مسكين يوماً.
ومثال الصيد الذي لا مثل له الجراد فنقول لمن قتل جراداً متعمداً: إن شئت فانظر كم قيمة الجراد وأخرج ما يقابلها من الطعام لمساكين الحرم لكل مسكين نصف صاع، وإن شئت فصم عن إطعام كل مسكين يوماً.
الفائدة الثالثة في إحرام الصغير الصغير الذي لم يبلغ لا يجب عليه الحَجّ، لكن لو حج فله أجر الحَجّ ويعيده إذا بلغ، وينبغي لمن يتولى أمره من أب أو أم أو غيرهما أن يَحرُم به وثواب النسك يكون للصبي ولوليه أجر على ذلك لما في الصحيح من حديث ابن عباس -رضي الله عنه-ما أن امرأة رفعت صبياً إلى النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال" "نعم ولك أجر".
وإذا كان الصبي مميزاً وهو الذي يفهم ما يقال له فإنه ينوي الإحرام بنفسه فيقول له وليه: أنو الإحرام بكذا، ويأمره أن يفعل ما يقدر عليه من أعمال الحَجّ مثل الوقوف بعَرَفَة والمبيت بِمِنَى ومُزْدَلِفَة، وأما ما يعجز عن فعله كرمي الجمار فإن وليه ينوب عنه فيه أو غيره بإذنه إلا الطواف والسَّعي فإنه إذا عجز عنهما يحمل ويقال له: أنو الطواف أو السَّعي.
وفي هذه الحال يجوز لحامله أن ينوي الطواف والسَّعي عن نفسه أيضاً والصبي عن نفسه فيحصل الطواف والسَّعي للجميع؛ لأن كلا منهما حصل منه نية، وقد قال النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى".
وإذا كان الصبي غير مميز فإن وليه ينوي له الإحرام ويرمي عنه ويحضره مشاعر الحَجّ وعَرَفَة ومُزْدَلِفَة ومنى يطوف ويسعى به، ولا يصح في هذه الحال أن ينوي الطواف والسَّعي لنفسه وهو يطوف ويسعى بالصبي؛ لأن الصبي هنا لم يحصل منه نية ولا عمل وإنما النية من حامله فلا يصح عمل واحد بنيتين لشخصين بخلاف ما إذا كان الصبي مميز لأنه حصل منه نية والأعمال بالنيات، هذا ما ظهر لي، وعليه فيطوف الولي ويسعى أولاً عن نفسه، ثم يطوف ويسعى بالصبي أو يسلمه إلى ثقة يطوف ويسعى به.
وإحكام إحرام الصغير كأحكام إحرام الكبير؛ لأن النبي صلى لله عليه وسلم أثبت أن له حجاً فإذا ثبت الحَجّ ثبتت أحكامه ولوازمه، وعلى هذا فإذا كان الصغير ذكراً جنب ما يجتنبه الرجل الكبير، وإن كانت أنثى جنبت ما تجتنبه المرأة الكبيرة، لكن عند الصغير بمنزلة خطأ الكبير، فإذا فعل بنفسه شيئاً من محظورات الإحرام فلا فدية عليه ولا على وليه.
الفائدة الرابعة في الاستنابة في الحَجّ إذا وجب الحَجّ على شخص فإن كان قادراً على الحَجّ بنفسه وجب عليه أن يحج، وإن كان عاجزاً عن الحَجّ بنفسه فإن كان يرجو زوال عجزه كمريض يرجو الشفاء فإنه يؤخر الحَجّ حتى يستطيع، فإن مات قبل ذلك حج عنه من تركته ولا إثم عليه.
وإن كان الذي وجب عليه الحَجّ عاجزاً عجزاً لا يرجو زواله كالكبير والمريض الميؤوس منه ومن لا يستطيع الركوب فإنه يوكل من يحج عنه؛ لما في الصحيحين من حديث ابن عباس -رضي الله عنه-ما "أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحَجّ أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم، وذلك في حجة الوداع".
ويجوز أن يكون الرجل وكيلاً عن المرأة والمرأة عن الرجل.
وإذا كان الوكيل قد وجب عليه الحَجّ ولم يحج عن نفسه فإنه لا يحج عن غيره بل يبدأ بنفسه أولاً لحديث ابن عباس -رضي الله عنه-ما "أن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة فقال النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: "من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي، فقال النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: أحججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة"، رواه أبو داود وابن ماجة.
والأولى أن يصرح الوكيل بذكر موكله فيقول: لبيك عن فلان، وإن كانت أنثى قال: لبيك عن أم فلان أو عن بنت فلان، وإن نوى بقلبه ولم يذكر الاسم فلا بأس، وإن نسي اسم الموكل نوى بقلبه عمن وكله وإن لم يستحضر اسمه والله تعالى يعلمه ولا يخفى عليه.
ويجب على الوكيل أن يتقي الله تعالى ويحرص على تكميل النسك لأنه مؤتمن على ذلك، فيحرص على فعل ما يجب وترك ما يَحرُم، ويكمل ما استطاع من المكملات للنسك ومسنوناته. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجموعُ المتين من فقه وفتاوى العُمْرَة والحج الثلاثاء 16 يوليو 2019, 9:38 pm | |
| الفائدة الخامسة في تبديل ثياب الإحرام يجوز للمحرم بحج أو عُمْرَة رجلاً كان أو أنثى تبديل ثياب الإحرام التي أحرم بها ولبس ثياب غيرها إذا كانت الثياب الثانية مما يجوز للمحرم لباسه، كما يجوز للمحرم أيضاً أن يلبس النعلين بعد الإحرام وإن كان حين عقده حافياً.
الفائدة السادسة في محل ركعتي الطواف السُنَّة لمن فرغ من الطواف أن يصلي ركعتي الطواف خلف المقام، فإن كان المحل القريب من المقام واسعاً فذاك وإلا فصلاهما ولو بعيداً، ويجعل المقام بينه وبين الكعبة فيصدق عليه أنه صلى خلف المقام، واتبع في ذلك هدي النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- كما في حديث جابر -رضي الله عنه- في صفة حج النبي أنه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- جعل المقام بينه وبين البيت.
الفائدة السابعة في الموالاة في السَّعي وبينه وبين الطواف الأفضل أن يكون السَّعي موالياً للطواف، فإن أخره عنه كثيراً فلا بأس مثل أن يطوف أول النهار ويسعى آخره، أو يطوف في الليل ويسعى بعد ذلك في النهار، ويجوز لمن تعب في السَّعي أن يجلس ويستريح ثم يكمل سعيه ماشياً أو على عربة ونحوها.
وإذا أقيمت الصلاة وهو يسعى دخل في الصلاة، فإذا سلم أتم سعيه من المكان الذي انتهى إليه قبل إقامة الصلاة.
وكذلك لو أقيمت وهو يطوف أو حضرت جنازة فإنه يصلي، فإذا فرغ أتم طوافه من مكانه الذي انتهى إليه قبل الصلاة، ولا حاجة إلى إعادة الشوط الذي قطعه على القول الراجح عندي؛ لأنه إذا كان القطع للصلاة معفواً عنه فلا دليل على بطلان أول الشوط.
الفائدة الثامنة في الشك في عدد الطواف أو السَّعي إذا شك الطائف في عدد الطواف، فإن كان كثير الشكوك مثل من به وسواس فإنه لا يلتفت إلى هذه الشك، وإن لم يكن كثير الشكوك فإن كان شكه بعد أن أتم الطواف فإنه لا يلتفت إلى هذا الشك أيضاً إلا أن يتيقن أنه ناقص فيكمل ما نقص.
وإن كان الشك في أثناء الطواف مثل أن يشك هل الشوط الذي هو فيه الثالث أو الرابع مثلاً فإن ترجح عنده أحد الأمرين عمل بالراجح عنده، وإن لم يترجح عنده شيء عمل باليقين وهو الأقل.
ففي المثال المذكور إن ترجح عنده الثلاثة جعلها ثلاثة وأتى بأربعة، وإن ترجحت عنده الأربعة جعلها أربعة وأتى بثلاثة، وإن لم يترجح عنده شيء جعلها ثلاثة لأنها اليقين وأتى بأربعة.
وحكم الشك في عدد السَّعي كحكم الشك في عدد الطواف في كل ما تقدم.
الفائدة التاسعة في الوقوف بعَرَفَة سبق أن الأفضل للحاج أن يَحرُم بالحَجّ يوم الثامن من ذي الحَجّة ثم يخرج إلى مِنَى فيمكث فيها بقية يومه، ويبيت ليلة التاسع ثم يذهب إلى عَرَفَة ضحى، وهذا على سبيل الفضيلة فلو خرج إلى عَرَفَة من غير أن يذهب قبلها إلى مِنَى فقد ترك الأفضل ولكن لا إثم عليه.
ويجب على الواقف بعَرَفَة أن يتأكد من حدودها، فإن بعض الحَجّاج يقفون خارج حدودها إما جهلاً وإما تقليداً لغيرهم، وهؤلاء الذين وقفوا خارج حدود عَرَفَة لا حج لهم لأنهم لم يقفوا بعَرَفَة، وقد قال النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: "الحَجّ عَرَفَة" وفي أي مكان وقف من عَرَفَة فإنه يجزئه لقول النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: "وقفت هاهنا وعَرَفَة كلها موقف".
ولا يجوز لمن وقف بعَرَفَة أن يدفع من حدودها حتى تغرب الشمس يوم عَرَفَة؛ لأن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وقف إلى الغروب وقال: "خذوا عني مناسككم".
ويمتد وقت الوقوف بعَرَفَة إلى طلوع الفجر يوم العيد، فمن طلع عليه الفجر يوم العيد ولم يقف بعَرَفَة فقد فاته الحَجّ، فإن كان قد اشترط في ابتداء الإحرام إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني تحلل من إحرامه ولا شيء عليه، وإن لم يكن اشترط وفاته الوقوف فإنه يتحلل بعُمْرَة فيذهب إلى البيت ويطوف ويسعى ويحلق، وإذا كان معه هدي ذبحه، فإذا كانت السُنَّة الثانية قضى الحَجّ الذي فاته وأهدى هدياً فإن لم يجد هدياً صام عشرة أيام ثلاثة في الحَجّ وسبعة إذا رجع إلى أهله.
الفائدة العاشرة في الدفع من مُزْدَلِفَة لا يجوز للقوي أن يدفع من مُزْدَلِفَة حتى يصلى الفجر يوم العيد؛ لأن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بات بها ليلة العيد ولم يدفع منها حتى صلى الفجر وقال: "خذوا عني مناسككم".
وفي صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "استأذنت سودة رسول الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ليلة المُزْدَلِفَة تدفع قبله وقبل حطمة الناس وكانت امرأة ثبطة - أي ثقيلة - فأذن لها فخرجت قبل دفعه، وحبسنا حتى أصبحنا فدفعنا بدفعه" وفي رواية: "وددت أني كنت استأذنت رسول الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- كما استأذنته سودة فأصلي الصبح بِمِنَى فأرمي الجَمْرَة قبل أن يأتي الناس".
وأما الضعيف الذي يشق عليه مزاحمة الناس عند الجَمْرَة فإن له أن يدفع قبل الفجر إذا غاب القمر، ويرمي الجَمْرَة قبل الناس، وفي صحيح مسلم عن أسماء "أنها كانت ترتقب غيوب القمر وتسأل مولاها هل غاب القمر، فإذا قال نعم قالت: ارحل بي، قال: فارتحلنا حتى رمت الجَمْرَة ثم صلت (يعني الفجر) في منزلها فقلت لها: أي هنتاه -أي يا هذه- لقد غلسنا، قالت: كلا أي بني إن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أذن للظعن".
ومَنْ كان من أهل هؤلاء الضعفاء الذين يجوز لهم الدفع من مُزْدَلِفَة قبل الفجر فإنه يجوز أن يدفع معهم قبل الفجر؛ لأن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بعث ابن عباس -رضي الله عنه-ما في ضعفة أهله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- من مُزْدَلِفَة بليل.
فإن كان ضعيفاً رمى الجَمْرَة معهم إذا وصل إلى مِنَى؛ لأنه لا يستطيع المزاحمة، أما إن كان يستطيع زحام الناس فإنه يؤخر الرَّمي حتى تطلع الشمس لحديث ابن عباس -رضي الله عنه-ما قال: "بعثنا رسول الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات لنا من جمع فجعل يلطح أفخاذنا ويقول: أي بني لا ترموا حتى تطلع الشمس". (رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن ماجة).
فنخلص أن الدفع من مُزْدَلِفَة ورمي جمرة العقبة يوم العيد يكونان على النحو التالي: الأول: من كان قوياً لا ضعيف معه فإنه لا يدفع من مُزْدَلِفَة حتى يصلي الفجر، ولا يرمي الجَمْرَة حتى تطلع الشمس؛ لأن هذا هو فعل النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- الذي فعله وكان يقول: "خذوا عني مناسككم" ولم يرخص لأحد من ذوي القوة في الدفع من مُزْدَلِفَة قبل الفجر أو رمي الجَمْرَة قبل طلوع الشمس.
الثاني: من كان قوياً وفي صحبته أهل ضعفاء فإنه يدفع معهم آخر الليل إن شاء، ويرمي الضعيف الجَمْرَة إذا وصل منى، وأما القوي فلا يرميها حتى تطلع الشمس لأنه لا عذر له.
الثالث: الضعيف فيجوز له الدفع من مُزْدَلِفَة آخر الليل إذا غاب القمر، ويرمي الجَمْرَة إذا وصل إلى مِنَى.
ومن لم يصل إلى مُزْدَلِفَة إلا بعد طلوع الفجر ليلة العيد وأدرك الصلاة فيها وكان قد وقف بعَرَفَة قبل الفجر فحجه صحيح لحديث عروة بن مضرس وفيه أن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قال: "مَنْ شَهِدَ صلاتنا هذه -يعني الفجر- ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعَرَفَة قبل ذلك نهاراً أو ليلاً فقد تم حجه وقضى تفثه". (رواه الخمسة وصححه الترمذي والحاكم).
وظاهر هذا الحديث أنه لا دم عليه وذلك لأنه أدرك جزءاً من وقت الوقوف بمُزْدَلِفَة وذكر الله تعالى عند المَشْعَرِ الحَرَام بما أداه من صلاة الفجر فكان حجه تاماً، ولو كان عليه دم لبينه النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- والله أعلم. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجموعُ المتين من فقه وفتاوى العُمْرَة والحج الثلاثاء 16 يوليو 2019, 9:41 pm | |
| الفائدة الحادية عشر فيما يتعلق بالرَّمي 1- في الحصى الذي يرمي به يكون بين الحمص والبندق لا كبيراً جداً ولا صغيراً جداً، ويلقط الحصى من منى أو مُزْدَلِفَة أو غيرهما كل يوم بيومه، ولم يثبت عن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أنه لقط الحصى من مُزْدَلِفَة، ولا أنه لقط حصى الأيام كلها وجمعها، ولا أمر -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أحداً بذلك من أصحابه فيما أعلم.
2- لا يجب في الرَّمي أن تضرب الحصاة نفس العمود الشاخص، بل الواجب أن تستقر في نفس الحوض الذي هو مجمع الحصا، فلو ضربت العمود ولم تسقط في الحوض وجب عليه أن يرمي بدلها، ولو سقطت في الحوض واستقرت به أجزأت وإن لم تضرب العمود.
3- لو نسي حصاة من إحدى الجمار فلم يرم إلا بست حصيات ولم يذكر حتى وصل إلى محله فإنه يرجع ويرمي الحصاة التي نسيها ولا حرج عليه، وإن غربت الشمس قبل أن يتذكر فإنه يؤخرها إلى اليوم الثاني، فإذا زالت الشمس رمى الحصاة التي نسيها قبل كل شيء، ثم رمى الجمار لليوم الحاضر.
الفائدة الثانية عشر في التحلل الأول والثاني إذا رمى الحاج جمرة العقبة يوم العيد وحلق رأسه أو قصره حل التحلل الأول وجاز له جميع محظورات الإحرام من الطيب واللباس وأخذ الشعور والأظافر وغير ذلك إلا النساء، فإنه لا يجوز له أن يباشر زوجته أو ينظر إليها لشهوة حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة، فإذا طاف وسعى حل التحلل الثاني وجاز له جميع محظورات الإحرام حتى النساء لكن ما دام داخل الأميال فإنه لا يحل له الصيد ولا قطع الشجر والحشيش الأخضر لأجل الحرم لا لأجل الإحرام؛ لأن الإحرام قد تحلل منه.
الفائدة الثالثة عشر في التوكيل في رمي الجمار لا يجوز لمن قدر على رمي الجمار بنفسه أن يوكل من يرمي عنه سواء كان حجه فرضاً أم نفلاً؛ لأن نفل الحَجّ يلزم من شرع فيه إتمامه.
وأما من يشق عليه الرَّمي بنفسه كالمريض والكبير والمرأة الحامل ونحوهم فإنه يجوز أن يوكل من يرمي عنه سواء كان حجه فرضاً أم نفلاً، وسواء لقط الحصى وأعطاها الوكيل أو لقطها الوكيل بنفسه فكل ذلك جائز.
ويبدأ الوكيل بالرَّمي عن نفسه ثم عن موكله لعموم قوله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: "ابدأ بنفسك" وقوله: "حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة".
ويجوز أن يرمي عن نفسه ثم عن موكله في موقف واحد.
فيرمي الجَمْرَة الأولى بسبع عن نفسه ثم بسبع عن موكله وهكذا الثانية والثالثة كما يفيده ظاهر الحديث المروي عن جابر قال: "حججنا مع النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فلبَّينا عن الصبيان ورمينا عنهم"، رواه أحمد وابن ماجة وظاهره أنهم يفعلون ذلك في موقف واحد إذ لو كانوا يكملون الثلاث عن أنفسهم ثم يرجعون من أولها عن الصبيان لنقل ذلك والله أعلم.
الفائدة الرابعة عشرة في أنساك يوم العيد يفعل الحاج يوم العيد أربعة أنساك مرتبة كما يلي: الأول: رمي جمرة العقبة. الثاني: ذبح الهَدْي إن كان له هدي. الثالث: الحلق أو التقصير. الرابع: الطواف بالبيت.
وأما السَّعي فإن كان متمتعاً سعى للحج، وإن كان قارناً أو مفرداً فإن كان سعى بعد طواف القدوم كفاه سعيه الأول وإلا سعى بعد هذا الطواف، أعني طواف الحَجّ.
والمشروع أن يرتبها على هذا الترتيب، فإن قدم بعضها على بعض بأن ذبح قبل الرَّمي، أو حلق قبل الذبح، أو طاف قبل الحلق، فإن كان جاهلاً أو ناسياً فلا حرج عليه، وإن كان متعمداً عالماً فالمشهور من مذهب الإمام أحمد أنه لا حرج عليه أيضاً لما روى البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنه-ما "أن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- سُئِلَ عمن حلق قبل أن يذبح ونحوه فقال: لا حرج.
وعنه قال: كان النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يسال يوم النحر بِمِنَى فيقول لا حرج.
فسأله رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح، قال: اذبح ولا حرج.
وقال: رميت بعدما أمسيت، قال: لا حرج".
وعنه أيضاً أن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قيل له في الذبح والحلق والرَّمي والتقديم والتأخير فقال: "لا حرج".
وسُئِلَ عمن زار (أي طاف طواف الزيارة) قبل أن يرمي أو ذبح قبل أن يرمي فقال: "لا حرج" رواه البخاري.
وفي حديث عبد الله بن عمرو قال: "فما سُئِلَ النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج".
وإن أخر الذبح إلى نزوله إلى مَكَّة فلا باس لكن لا يؤخره عن أيام التشريق، وإن أخر الطواف أو السَّعي عن يوم العيد فلا بأس لكن لا يؤخرهما عن شهر ذي الحَجّة إلا من عذر مثل أن يحدث للمرأة نفاس قبل أن تطوف فتؤخر الطواف حتى تطهر ولو بعد شهر ذي الحَجّة فلا حرج عليها ولا فدية.
الفائدة الخامسة عشر في وقت الرَّمي والترتيب بين الجمار سبق لك أن وقت الرَّمي يوم العيد للقادر بعد طلوع الشمس، ولمن يشق عليه مزاحمة الناس من آخر الليل ليلة العيد، وأما وقت الرَّمي في أيام التشريق فإنه من زوال الشمس فلا رمي قبل الزوال لأن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ما رمى في أيام التشريق إلا بعد الزوال وقال: "خذوا عني مناسككم".
ويستمر وقت الرَّمي في يوم العيد وما بعده إلى غروب الشمس فلا يرمي في الليل، ويرى بعض العلماء أنه إذا فات الرَّمي في النهار فله أن يرمي في الليل إلا ليلة أربعة عشرة لانتهاء أيام منى بغروب الشمس من اليوم الثالث عشر، والقول الأول أحوط، وعليه فلو فاته رمي يوم فإنه يرمي في اليوم الذي بعده إذا زالت الشمس يبدأ برمي اليوم الذي فاته فإذا أكمله رمى لليوم الحاضر.
والترتيب بين الجمار الثلاث واجب، فيرمي أولاً الجَمْرَة الأولى التي تلي مسجد الخيف ثم الوسطى ثم جمرة العقبة، فلوا بدأ برمي جمرة العقبة ثم الوسطى أو بالوسطى، فإن كان مُتعمِّداً عالماً وجَبَ عليه إعادة الوسطى ثم جمرة العقبة، وإن كان جاهلاً أو ناسياً أجزأه ولا شيء عليه.
الفائدة السادسة عشرة في المبيت بِمِنَى المبيت بِمِنَى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر واجب، والواجب المبيت معظم الليل سواء من أول الليل أو من آخره، فلو نزل إلى مَكَّة أول الليل ثم رجع قبل نصف الليل أو نزل إلى مَكَّة بعد نصف الليل من منى فلا حرج عليه لأنه قد أتى بالواجب.
ويجب أن يتأكد من حدود منى حتى لا يبيت خارجاً عنها وحدها من الشرق وادي محسر، ومن الغرب جمرة العقبة وليس الوادي والجَمْرَة من منى. أما الجبال المحيطة بِمِنَى فإن وجوهها مما يلي منى منها فيجوز المبيت بها، وليحذر الحاج من المبيت في وادي محسر أو من وراء جمرة العقبة، لأن ذلك خارج عن حدود منى، فمن بات به لم يجزئه المبيت.
الفائدة السابعة عشرة في طواف الوداع سبق أن طواف الوداع واجب عند الخروج من مَكَّة على كل حاج ومعتمر إلا الحائض أو النفساء، لكن إن طهرتا قبل مفارقة بنيان مَكَّة فإنه يلزمهما، وإذا ودع ثم خرج من مَكَّة وأقام يوماً أو أكثر لم يلزمه إعادة الطواف ولو كانت إقامته في موضع قريب من مَكَّة. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. تم بقلم مؤلفه في 7 شعبان سُنَّة 1387هـ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وانتهى تصحيحه ضُحَى يوم الخميس لثلاثة عشر خَلَتْ من رمضان لعام 1387هـ. وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين. |
|