باب الهَدْي والأضحية
حُكْمُ المتمتع الذي ضاعت نقوده:
س: لقد أحرمت الإحرام الذي يلزم معه الهَدْي، ولكنها ضاعت نقودي وفقدت كل مالي الذي معي، فما حُكْمُ ي في هذه الحالة؟ علماً بأن زوجتي ترافقني أيضاً.
ج: إذا أحرم الإنسان بالعُمْرَة في أيام الحَجّ متمتعاً بها إلى الحَجّ، أو بالحَجّ والعُمْرَة جميعاً قارناً، فإنه يلزمه دم، وهو: رأس من الغنم؛ ثني من المعز أو جذع من الضأن، أو سُبع بدنة أو، سبع بقرة، يذبحها في أيام النحر بمَكَّة أو مِنَى، فيعطيها الفقراء والمساكين، ويأكل منها ويهدي. هذا هو الواجب عليه. فإذا عجز عن ذلك؛ لذهاب نفقته، أو لفقره وعسره وقلة النفقة، فإنه يصوم ثلاثة أيام في الحَجّ وسبعة إذا رجع إلى أهله، كما أمره الله بذلك. ويجوز أن يصوم عن الثلاثة اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، وذلك مستثنى من النهي عن صيامها لجميع الناس، إلا من فقد الهَدْي فإنه يصوم هذه الأيام الثلاثة؛ لما روى البخاري في صحيحه عن عائشة وابن عمر -رضي الله عنهما- قالا: "لم يرخص في أيام التشريق أن يُصَمْنَ إلا لِمَنْ لم يجد الهَدْي". وإن صامها قبل يوم عرفة فهو أفضل، إذا كان فقد النفقة متقدماً، ويصوم السبعة عند أهله.

حُكْمُ المتمتع الذي صام ثلاثة أيام ثم وجد قيمة الهَدْي
س: إنسان استحق عليه الهَدْي في الحَجّ، ولكنه لم يستطع شراءه بسبب العسر، فصام ثلاثة أيام في الحَجّ -كما أمر الله- وبعد أن صامها أو صام بعضها، وجد من يقرضه أو يسر الله الهَدْي، فماذا يفعل؟
ج: إذا تيسر له القيمة التي يشتري بها الهَدْي -ولو بعد أيام الحَجّ- فهو مخير بين ذبحها، ولا حاجة إلى صيام السبعة الأيام عند أهله، أو صيام السبعة الأيام الباقية؛ لأنه قد شرع في الصيام وسقط عنه الهَدْي، لكن متى ذبح سقط عنه بقية الأيام. مع العلم بأن الواجب ذبحه في الأيام الأربعة، وهي: يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة -مع القدرة- ويصير ذبحه بعده قضاء.

ليس على الحاج المفرد هَدي
س: هل يجب على الحاج المفرد هَدي إذا كان حجه فرضاً؟
ج: ليس على المفرد هدي -سواء كان حجه فرضاً أو نفلاً- وإن أهدى فهو أفضل.

حُكْمُ الهَدْي الذي يهدى ولا يستفاد منه
س: هذا الهَدْي الذي يهدى ولا يستفاد منه إلا قليلاً، أليس من الأفضل أن يصوم الحاج القادر على الهَدْي، وعند عودته يخرج قيمة الهَدْي لمساكين وطنه، ثم يتم صيام باقي العشرة أيام، فما رأيكم -أثابكم الله-؟
ج: من المعلوم أن الشرائع تتلقى عن الله وعن رسوله، لا عن آراء الناس، والله -سبحانه وتعالى- شرع لنا في الحَجّ إذا كان الحاج متمتعاً أو قارناً أن يهدي، فإذا عجز عن الهَدْي صام عشرة أيام؛ ثلاثة منها في الحَجّ، وسبعة إذا رجع إلى أهله. وليس لنا أن نشرع شيئاً من قبل أنفسنا، بل الواجب أن يعدل ما يقع من الفساد في الهَدْي، بأن يذكر ولاة الأمور لتصريف اللحوم وتوزيعها على الفقراء والمساكين، والعناية بأماكن الذبح وتوسعتها للناس وتعدداها في الحرم؛ حتى يتمكن الحَجّاج من الذبح في أوقات متسعة، وفي أماكن متسعة، وعلى ولاة الأمور أن ينقلوا اللحوم إلى المستحقين لها، أو يضعوها في أماكن مبردة حتى توزع بعد على الفقراء في مَكَّة وغيرها. أما أن يغير نظام الهَدْي؛ بأن يصوم وهو قادر، أو يشتري هدياً في بلاده للفقراء، أو يوزع قيمته، فهذا تشريع جديد لا يجوز للمسلم أن يفعله؛ لأن المشرع هو الله -سبحانه وتعالى- وليس لأحد تشريع: (أم لهم شركاءُ شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب اليم). فالواجب على المسلمين أن يخضعوا لشرع الله وأن ينفذوه. وإذا وقع خلل من الناس في تنفيذه، وجب الإصلاح والعناية بذلك، مثلما وقع في الهَدْي في ذبح بعض الهدايا، وعدم وجود من يأكلها، وهذا خلل وخطأ، يجب أن يعالج من جهة ولاة الأمور، ومن جهة الناس. فكل مسلم يعتني بهديه، حتى يوزعه على المساكين أو يأكله أو يهديه إلى بعض إخوانه. وأما أن يدعه في أماكن  لا يستفاد منه، فلا يجزئه ذلك. وهكذا في المذبح، يجب على صاحب الهَدْي أن يعتني بهذا المقام، وأن يحرص كل الحرص على توزيعه إذا أمكن، وعلى ولاة الأمور أن يعينوا على ذلك؛ بأن ينقلوا اللحوم إلى الفقراء في وقتها، أوينقلوها إلى أماكن مبردة؛ يستفاد منها بعد ذلك، ولا تفسد، هذا هو الواجب على ولاة الأمور، وهم -إن شاء الله- ساعون بهذا الشيء ، ولا يزال أهل العلم ينصحون بذلك، ويذكرون ولاة الأمور هذا الأمر. ونسأل الله أن يعين الجميع على ما فيه المصلحة العامة للمسلمين في هذا الباب وغيره.

حُكْمُ مَنْ نسي أن يذبح هدي القِران
س: إنسان نوى في الحَجّ نسك القران، ولكنه لم يذبح هدياً جهلاً منه، وبعد مدة طويلة ذكر أن عليه هدياً، فماذا يجب عليه؟
ج: عليه أن يذبح الهَدْي متى علم في مَكَّة أو مِنَى، ولا بأس أن يأكل هو وأهله ورفقاؤه منه.

صفة تذكية بهائم الأنعام
س: ما هي التذكية الشرعية، وطريقة ذبح الإبل -خاصة-؟
ج: التذكية الشرعية للإبل والغنم والبقر: أن يقطع الذابح الحلقوم والمريء والودجين؛ وهما العرقان المحيطان بالعنق، وهذا هو أكمل الذبح وأحسنه. فالحلقوم مجرى النفس، والمريء مجرى الطعام والشراب، والودجان عرقان يحيطان بالعنق، إذا قطعهما الذابح صار الدم أكثر خروجاً، فإذا قطعت هذه الأربعة فالذبح حلال عند جميع العلماء. الحالة الثانية: أن يقطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين، وهذا أيضاً حلال صحيح وطيب، وإن كان دون الأول. والحالة الثالثة: أن يقطع الحلقوم والمريء فقط دون الودجين، وهو أيضاً صحيح، وقال به جمع من أهل العلم، ودليلهم قوله -عليه الصلاة والسلام-: "ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه، فكلوا، ليس السن والظفر"، وهذا هو المختار في هذه المسألة. والسُّنَّة نحر الإبل قائمة على ثلاث، معقولة يدها اليسرى، وذلك بطعنها في اللبة التي بين العنق والصدر. أما البقر والغنم، فالسُّنَّة أن تذبح وهي على جنبها الأيسر. كما أن السُّنَّة عند الذبح والنحر توجيه الحيوان إلى القبلة. وليس ذلك واجباً بل هو سنة فقط، فلو ذبح أو نحر إلى غير القبلة حلت الذبيحة، وهكذا لو نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر حلت، لكن ذلك خلاف السُّنَّة. وبالله التوفيق.

س: هل هناك مكان محدد في الرقبة؟
ج: نعم، فالرقبة كلها محل للذبح والنحر أعلاها وأسفلها، لكن في الإبل السُّنَّة نحرها في اللبة، أما البقر والغنم، فالسُّنَّة ذبحها في أعلى العنق؛ حتى يقطع بذلك الحلقوم والمريء والودجين -كما تقدم-.

حُكْمُ الذبح عن طريق البنك الإسلامي بواسطة شركة الراجحي
س: ما رأيكم في الشركة التي تقوم بذبح الهَدْي، هل يجوز توكيلها في الهَدْي، حيث أننا لا نرى الذبيحة. وهل هي مكتملة الشروط أم لا؟ حيث نأخذ الرقم فقط، ولا ندري عن بقية الأشياء؟
ج: لا بأس بها -فيما نعلم-؛ أعني البنك الإسلامي بواسطة شركة الراجحي للصرافة، فإنها تقوم بالذبح والتقسيم بين الفقراء، والدفع إليها مجزئ -إن شاء الله-.

س: ما هو الأفضل: الذبح عند الشركة، أو أني أذبح الهَدْي بيدي، وأقوم بتوزيعه؟
ج: من أعطى قيمة الهَدْي شركة الراجحي أو البنك الإسلامي فلا بأس؛ لأنه لا مانع من دفع ثمن الضحية والهَدْي إليهم، فهم وكلاء مجتهدون وموثوقون. ونرجو أن ينفع الله بهم ويعينهم، ولكن من تولى الذبح بيده ووزعه على الفقراء بنفسه، فهو أفضل وأحوط؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذبح الضحية بنفسه، وهكذا الهَدْي، ووكل في بقيته.

حُكْمُ ذبح الهَدْي قبل يوم العيد
س: أحرمنا ونحن جماعة متمتعين، فأدينا العُمْرَة وتحللنا، وأشار بعضهم بذبح الهَدْي وتوزيعه في مَكَّة، وفعلاً تم الذبح في مَكَّة. ثم علمنا بعد ذلك أن الذبح لا يكون إلا بعد رمي جمرة العقبة. وكنت أعلم بذلك، وأشرت عليهم بتأجيل الذبح إلى يوم النحر أو بعده، ولكنهم أصروا على الذبح بعد وصولنا وأدائنا العُمْرَة بيوم واحد، فما حُكْمُ ذلك؟ وماذا يلزمنا في هذه الحالة؟
ج: من ذبح قبل يوم العيد دم التمتع فإنه لا يجزئه؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه لم يذبحوا إلا في أيام النحر، وقد قدموا وهم متمتعون في اليوم الرابع من ذي الحَجّة، وبقيت الأغنام والإبل التي معهم موقوفة حتى جاء يوم النحر. فلو كان ذبحها جائزاً قبل ذلك، لبادر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إليه في الأيام الأربعة التي أقاموها قبل خروجهم على عرفات؛ لأن الناس بحاجة إلى اللحوم في ذلك الوقت. فلما لم يذبح النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه حتى جاء يوم النحر، دل ذلك على عدم الإجزاء، وأن الذي ذبح قبل يوم النحر قد خالف السُّنَّة، وأتى بشرع جديد فلا يجزئ ؛ كمن صلى أو صام قبل الوقت، فلا يصح صوم رمضان قبل وقته، ولا الصلاة قبل وقتها ونحو ذلك. فالحاصل أن هذه عبادة قبل الوقت، فلا تجزئ، فعليه أن يعيد هذا الذبح إن قدر، وإن عجز صام ثلاثة أيام في الحَجّ، وسبعة إذا رجع على أهله، فتكون عشرة أيام بدلاً من الذبح؛ لقول الله -سبحانه-: (فمن تمتع بالعُمْرَة إلى الحَجّ فما استيسر من الهَدْي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحَجّ وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة).

أيام العيد كلها أيام ذبح وأفضلها يوم النحر
س: أريد أن أفدي - إن شاء الله - فهل يجوز لي أن أؤخره إلى يوم الحادي عشر، أو اليوم الثاني عشر؟ وهل يُذبح الهَدْي في مِنَى، أو في أي جزء من مَكَّة؟ وما هي كيفية توزيعه؟
ج: يجوز ذبح الهَدْي يوم النحر وفي الأيام الثلاثة بعده، لكن ذبحه يوم النحر -أفضل إن تيسر ذلك- ولا حرج في ذبحه في مِنَى أو في مَكَّة. والسُّنَّة في توزيعه -أعني هدي التمتع أو القران- أن يأكل منه، ويتصدق، ويهدي إلى من شاء من أصحابه وإخوانه.

حُكْمُ ذبح هدي التمتع والقران في عرفات
س: ذبح حاج هديه في عرفات أيام التشريق ووزعها على من فيها، فهل يجوز ذلك؟ وماذا يجب عليه إذا كان جاهلاً الحُكْمُ أو عامداً؟ وإذا ذبح هديه في عرفات، ثم وزع لحمه داخل الحرم. هل يجوز ذلك؟ وما هو المكان الذي لا يجوز ذبح الهَدْي إلا فيه؟ ولكم الشكر.
ج: هدي التمتع والقران لا يجوز ذبحه إلا في الحرم، فإذا ذبحه في غير الحرم؛ كعرفات وجدة وغيرهما، فإنه لا يجزئه، ولو وزع لحمه في الحرم. وعليه هدي آخر يذبحه في الحرم -سواء كان جاهلاً أو عالماً-؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحر هديه في الحرم، وقال: "خذوا عني مناسككم"، وهكذا أصحابه -رضي الله عنهم- إنما نحروا هديهم في الحرم؛ تأسياً به -صلى الله عليه وسلم-.

حُكْمُ شراء النسك من الجبل وذبحه وتركه
س: هناك الكثير من الحَجّاج يشتري النسك من الجبل، ويذبحها ويتركها في مكانها، بدون نزع جلدها، فما رأي فضيلتكم في ذلك؟ وهل يجزئ هذا النسك -وفقكم الله-؟
ج: أما اشتراء النسك من الجبل -إذا أريد بهذا عرفات- فلا بأس بالشراء منها أو من غيرها، لكن لا يذبحه إلا في الحرم، فلا يذبح في عرفات؛ لأنها ليست من الحرم، فإذا ذبحه في الحرم واشتراه من عرفات، أو من أي مكان من الحل، وذبحه في مِنَى أو في بقية الحرم، عن التمتع والقران وتطوعاً، قلا بأس، ويجزئ نسكاً. أما أن يذبحه في عرفات أو في غيرها من الحل؛ كالشرائع أو جدة أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يجزئ؛ لأن الهدايا لابد أن تذبح في الحرم، والرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "نحرت ها هنا، ومِنَى كلها منحر، فانحروا في رحالكم"، فالأنساك تُذبح في مِنَى وفي بقية الحرم، ولا تذبح في خارجه. فإذا ذبحه في الحرم وتركه للفقراء ليأخذوه فلا حرج، ولكن ينبغي له أن يتحرى الفقراء، ويجتهد في إيصاله إليهم؛ حتى تبرأ ذمته بيقين. أما إذا ذبحه وتركه للفقراء يأخذونه، فإنه يجزئ، والفقير بإمكانه أن يسلخه وينتفع بلحمه وجلده، ولكن من التمام والكمال أن يعني بسلخه وتوزيعه بين الفقراء، وإيصاله إليهم ولو في بيوتهم، وقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نحر بدنات وتركها للفقراء، ولكن هذا محمول على أنه تركه لفقراء موجودين، يأخذونه ويستفيدون منه، أما أن يترك في محل ليس فيه فقراء، فهذا في إجزائه نظر، ولا يبعد أن يقال: إنه لا يجزئ؛ لأنه ما وصل إلى مستحقه.

حُكْمُ المستوطن في مَكَّة وهو ليس من أهلها
س: ما حُكْمُ الشرع الشريف في رجل ساكن مَكَّة المُكَرَّمَة منذ سنين، ويحج مع أهل مَكَّة يحرم من مَكَّة بالحَجّ، وأهله في حضرموت، فهل حُكْمُه حُكْمُ الحاج الآفاقي في الهَدْي والصيام؛ لأن الله يقول في كتابه العزيز: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام)؟ أم حُكْمُه حُكْمُ أهل مَكَّة بذلك؟
ج: إذا كان مستوطناً مَكَّة، فحُكْمُ ه حُكْمُ أهل مَكَّة؛ ليس عليه هدي ولا صيام، أما إن كان إنما أقام لحاجة ونيته العود إلى بلده، فهذا حُكْمُه حُكْمُ الآفاقيين. فإذا اعتمر من الحل بعد رمضان ثم حج في ذلك العام، فإنه يكون متمتعاً بالعُمْرَة إلى الحَجّ، وعليه هدي التمتع. فإن لم يجد صام عشرة أيام ثلاثة في الحَجّ وسبعة بعد الفراغ من الحَجّ، أو بعد الرجوع إلى أهله إن سافر إلى أهله.
*******