القسم الثالث والأخير من الحَجّ
باب الفوات والإحصار
الإحصار يكون بالعدو وبغير العدو كالمرض
س: إذا تجاوز الحاج الميقات ملبياً بحج وعمرة ولم يشترط، وحصل له عارض؛ كمرض ونحوه يمنعه من إتمام نسكه، فماذا يلزمه أن يفعل؟
ج: هذا يكون محصراً، إذا كان لم يشترط، ثم حصل له حادث يمنعه من الإتمام، إن أمكنه الصبر؛ رجاء أن يزول المانع ثم يكمل صبر، وإن لم يتمكن من ذلك فهو محصر -على الصحيح- والله قال في المحصر: (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي). والصواب، أن الإحصار يكون بالعدو، ويكون بغير العدو؛ كالمرض. فيهدي ثم يحلق أو يقصر، ويتحلل، هذا هو حُكْمُ المحصر، يذبح ذبيحة في محله الذي أحصر فيه -سواء كان في الحرم أو في الحل- ويعطيها للفقراء في محله، ولو كان خارج الحرم، فإن لم يتيسر حوله أحد، نقلت إلى فقراء الحرم، أو إلى من حوله من الفقراء، أو إلى فقراء بعض القرى، ثم يحلق أو يقصر ويتحلل، فإن لم يستطع الهدي صام عشرة أيام، ثم حلق أو قصر وتحلل.

حُكْمُ مَنْ حبسه حابس عن الطواف والسعي
س: ما حُكْمُ مَنْ أحرم من الميقات للحج أو العُمْرَة، ثم حبسه حابس عن الطواف والسعي؟
ج: الذي أحرم بالحَجّ أو العُمْرَة ثم حبسه حابس عن الطواف والسعي، يبقى على إحرامه، إذا كان يرجو زوال هذا الحابس قريباً؛ كأن يكون المانع سيلاً، أو عدواً يمكن التفاوض معه في الدخول وأداء الطواف والسعي. ولا يعجل في التحلل، كما حدث للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه  (حيث مكنوا مدة) يوم الحديبية للمفاوضة مع أهل مَكَّة، لعلهم يسمحون لهم بالدخول لأداء العُمْرَة بدون قتال، فلما لم يتيسر ذلك، وصمموا على المنع إلا بالحرب، وتم الصلح بينه وبينهم على أن يرجع للمدينة، ويعتمر في العام القادم، نحر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه هديهم، وحلقوا وتحللوا. وهذا هو المشروع للمحصر، يتمهل، فإن تيسر فك الحصار استمر على إحرامه، وأدى مناسكه، وإن لم يتيسر ذلك وشق عليه المقام، تحلل من هذه العُمْرَة أو الحَجّ -إن كان حاجاً-. ولا شيء عليه سوى التحلل بإهراق دم يجزئ في الأضحية، ثم الحلق أو التقصير كما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يوم الحديبية، وبذلك يتحلل، كما قال -جل وعلا-: (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله)، فالحلق يكون بعد الذبح، ويقوم مقامه التقصير، فينحر أولاً، ثم يحلق أو يقصر، ثم يتحلل ويعود إلى بلاده، فمن لم يجد هدياً صام عشرة أيام، ثم يحلق أو يقصر، ثم يحل.

من اشترط عند إحرامه لم يلزمه الهدي
س: إذا عزم المسلم على الحَجّ، وبعد الإحرام تعذَّر حَجُّه. ماذا يلزمه؟
ج: إذا أحصر الإنسان عن الحَجّ بعدما أحرم بمرض أو غيره، جاز له التحلل بعد أن ينحر هدياً، ثم يحلق رأسه أو يقصره؛ لقول الله -سبحانه وتعالى-: (وأتموا الحَجّ والعُمْرَة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله)، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أحصر عن دخول مَكَّة يوم الحديبية، نحر هديه وحلق رأسه ثم حل، وأمر أصحابه بذلك، لكن إذا كان المحصر قد قال في إحرامه: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، حل ولم يكن عليه شيء -لا هدي ولا غيره-؛ لما ثبت في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب قالت: يا رسول الله: إني أريد الحَجّ وأنا شاكية، فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: "حجي واشترطي: أن محلي حيث حبستني".

س: رجل سافر هو وزوجته بنية العُمْرَة بالطائرة، وعندما وصلا إلى جدة مرضت المرأة في المطار، ولم يلبثا أن عادا إلى الرياض في نفس اليوم، ولم يؤديا مناسكهما، مع العلم أنهما اشترطا عند إعلانهما نية العُمْرَة. فهل عليهما إثم في ذلك؟ -جزاكم الله خيراً- وما المطلوب منهما؟
ج: بسم الله، والحمد لله. إذا كانا قد اشترطا عند الإحرام: إن أصابهما حابس فمحلهما حيث حبسا، أو ما هذا معناه، فإنهما يحلان ولا شيء عليهما؛ بسبب المرض الذي يشق على المرأة معه أداء مناسك العُمْرَة؛ لما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لضباعة بنت الزبير -رضي الله عنها- لما قالت: يا رسول الله: "إني أريد الحَجّ وأنا شاكية، قال: "حجي واشترطي: أن محلي حيث حبستني". متفق على صحته.

س: هناك امرأة جاءت للحج مع أمها، ولكن أمها مرضت، فبقيت معها في الغرفة يوم عرفات، فما وقفت يوم عرفة، لا هي ولا أمها، ولكن ذهبت بعد الحَجّ فوقفت من الظهر إلى المغرب، فما حُكْمُ حجها؟ وماذا عليهما جميعاً؟
ج: عليهما أن يتحللا بأعمال العُمْرَة، وهي أن تطوف كل واحدة منهما، وتسعى، وتقصر وتتحلل، وعليهما القضاء من العام الآتي، مع فدية: ذبيحة تُذبح في مَكَّة للفقراء على كل واحدة -إن استطاعتا ذلك- أما وقوفها بعد يوم عرفة من الظهر إلى المغرب يوم العيد، فهذا بدعة، ولا عمل عليه، ولا يجزئ، ولا يجوز.

المحصر ينحر الهَدي في المكان الذي أحصر فيه
س: هل نحر الهَدي في غير الحرم خاص بالمحصر؟
ج: المحصر ينحر الهَدي في محله، سواء كان في الحَرَم أو في الحل.

صيام عشرة أيام لمن عجز عن الذبح
س: ما حُكْمُ مَنْ أراد الحَجّ والعُمْرَة، وبعد وصوله إلى مَكَّة ضاعت نفقته، ولم يستطع أن يفدي، وغير نيته إلى حج مفرد. هل يصح ذلك؟ وإذا كانت الحَجّة لغيره، ومشترطاً عليه التمتع، فماذا يفعل؟
ج: ليس له ذلك ولو ضاعت نفقته، فإذا عجز عن الدم، يصوم عشرة أيام -والحمد لله- ثلاثة أيام في الحَجّ، وسبعة إذا رجع إلى أهله، ويبقى على تمتعه. وعليه أن ينفذ الشرط؛ بأن يحرم بالعُمْرَة، ويطوف، ويسعى، ويقصر ويحل، ثم يلبي بالحَجّ ويفدي، فإن عجز صام عشرة أيام؛ ثلاثة في الحَجّ قبل عرفة، وسبعة إذا رجع إلى أهله؛ لأن الأفضل للحاج أن يكون يوم عرفة مفطراً؛ اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه وقف بها  مفطراً.

س: إنسان أحصر عن إتمام أعمال الحَجّ أو العُمْرَة بسبب مرض أو نحوه، ولم يجد هدياً ذلك الوقت، فماذا يجب عليه؟
ج: عليه صيام عشرة أيام قبل أن يحلق رأسه أو يقصر؛ لقول الله -سبحانه-: (وأتموا الحَجّ والعُمْرَة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله)... الآية، ولفعله -صلى الله عليه وسلم- لما أحصر عن العُمْرَة عام الحديبية سنة ست من الهجرة النبوية، والله الموفق.

حُكْمُ مَنْ بدأ العُمْرَة ولم يتمها
س: قدر الله أن أذهب لأداء العُمْرَة في شهر رمضان المبارك الفائت، ولما بدأت الطواف ولشدة الزحام لم أكمله، فخرجت من مَكَّة وعُدْتُ إلى مدينتي، وكان ذلك ليلة سبع وعشرين. وأسأل سماحة شيخنا -حفظه الله- عما يترتب علي، مع العلم أنني -والحمد لله- أتمتع بصحة جيدة؟ أفيدونا -أفادكم الله-.
ج: قد أخطأت فيما فعلت -عفا الله عنا وعنك- وكان الواجب عليك أن تكمل العُمْرَة في وقت آخر غير وقت الزحام؛ لقول الله -سبحانه-: (وأتموا الحَجّ والعُمْرَة لله). وقد أجمع العلماء، على أنه يجب على من أحرم بحج أو عمرة أن يكمل ذلك، وألا يتحلل منهما إلا بعد الفراغ من أعمال العُمْرَة، ومن الأعمال التي تبيح له التحلل من أعمال الحَجّ، إلا المحصر والمشترط إذا تحقق شرطه. فعليك التوبة مما فعلت، وعليك مع ذلك أن تعيد ملابس الإحرام، وتتجنب محظورات الإحرام، وتذهب إلى مَكَّة لإكمال العُمْرَة؛ للطواف والسعي والحلق أو التقصير، وعليك مع ذلك دم، وهو: سبع بدنة، أو سبع بقرة، أو رأس من الغنم؛ ثني معز أو جذع ضأن، إن كنت جامعت امرأتك في المدة المذكورة، وعليك أن تذهب إلى الميقات الذي أحرمت منه بالأول وتحرم بعمرة جديدة، وتؤدي مناسكها؛ قضاء للعمرة الفاسدة بالجماع، مع التوبة مما فعلت -كما تقدم-. وإن كنت تعلم الحُكْمُ، وأنه لا يجوز لك هذا العمل، فعليك إطعام ستة مساكين؛ لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد من بر أو أرز أو غيرهما، أو ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام عن لبس المخيط، ومثل ذلك عن تغطية الرأس، ومثل ذلك عن الطيب، ومثل ذلك عن قلم الأظفار، ومثل ذلك عن حلق الشعر في المدة المذكورة. أما إن كنت جاهلاً، فليس عليك شيء من الفدية المذكورة؛ لقول الله -سبحانه-: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)، وقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الله أجاب هذه الدعوة، ولأدلة أخرى في ذلك. والله الموفق.

س: في العام الماضي حَجَّتْ والدتي ومعها أبناؤها وبناتها بنُسُك التمتع، وبعدما دخلوا في الطواف أصيبت بحالة إغماء، ولم تتمكن من الطواف والسعي، وحيث أنها مصابة بمرض السُّكر والضغط أُدخلت المستشفى، قال الطبيب لها: ما تستطيع إكمال الحَجّ. ونظراً لهذه الحالة رجعوا جميعاً إلى مدينتهم، فماذا يترتب عليهم؟
ج: هذه عملها عمل المحصر، هي نفسها تعتبر كالمحصر، عليها أن تذبح هدياً؛ لأنها أحصرت في مَكَّة، ودم الإحصار يُذبح في مكان الإحصار، سواء في مَكَّة أو في غيرها للفقراء، وعليها أن تقصر من شعرها، ويتم حلها. وإذا كان حجها فريضة، تحج بعد حين؛ لأنها محصرة، إلا إذا صحت قبل الحَجّ، وتيسر لها الرجوع وتطوف وتسعى وتكمل حجها، فلا بأس. وظاهر الحال أنهم أصابهم هذا الأمر في طواف العُمْرَة وهم متمتعون، فعليها أن ترجع وتكمل عمرتها إذا كانت تستطيع، ويكفي. وإن كانت لا تستطيع، فعليها دم الإحصار؛ ذبيحة تُذبح في مَكَّة للفقراء، مع التقصير، وبذلك تم أمر الإحصار، ولا شيء عليها؛ لأن الإحصار يكون بالمرض، ويكون بالعدو -على الصحيح- أما إن تيسر لها أن ترجع فهي لا تزال في الإحرام، ترجع وتطوف وتسعى وتقصر لعمرتها. وعليها دم، إن كان لها زوج وطأها، يُذبح في مَكَّة للفقراء، وعليها الإتيان بعمرة جديدة من الميقات الذي أحرمت منه في الأول؛ قضاء لعمرتها التي فسدت بالجماع ، وإن كان ما عندها زوج، ما عليها شيء، ترجع تطوف وتسعى وتقصر لعمرتها السابقة، وتمت عمرتها، ولا شيء عليها. أما إن كانت لا تستطيع، فهي في حُكْمُ المحصر، تذبح شاة في مَكَّة للفقراء؛ لأن الإحصار وقع في مَكَّة، وعليها أن تقصر أيضاً من شعرها، وبهذا تحللت من عمرتها، وعليها عمرة الإسلام فيما بعد -إذا قدرت- إذا لم تعتمر سابقاً، وعليها الحَجّ أيضاً إن كانت لم تحج. والذين معها، إذا كانوا رجعوا ولم يكملوا عليهم مثلها؛ عليهم أن يرجعوا ويكملوا عمرتهم، وليسوا محصرين، وإن لبسوا وتطيبوا هذا من الجهل، لا شيء عليهم. وإن كان فيهم امرأة قد وطأها زوجها، فعليها شاة عن الوطء، وتكمل عمرتها، وتأتي بعمرة جديدة -أيضاً- من الميقات الذي أحرمت منه، بدل العُمْرَة التي أفسدتها بالوطء، ولا حرج. والذين معها من ذكور وإناث، يرجعون ويكملون عمرتهم هذه التي رجعوا منها، وما لبسوا أو تطيبوا لا شيء عليهم؛ لأجل الجهل، والذي منهم قد وطء زوجته، أو الزوجة التي وطئت، قد أفسدت عمرتها، وكذا عمرة الزوج عليه أن يكملها، ويأتي بعمرة جديدة من الميقات الأول الذي أحرم منه، وعلى الذي وطء أو وطئت عليهما دم يُذبح في مَكَّة للفقراء.

س: يقول هذا السائل: إنه في عام 1400هـ أحرم للعمرة من الطائف، وقال: لبيك اللهم لبيك عمرة -إن شاء الله- وعندما وصل إلى الحرم، منعه الجنود من دخول الحرم وأمروه بالرجوع، وعندما رجع إلى الطائف، أخبره بعض أهل مَكَّة أن في الحرم حرب، وإطلاق نار، فما كان منه إلا أن نزع إحرامه، ولبس ثوبه، ورجع إلى بلده، فماذا عليه في ذلك؟ وهل هدي الإحصار يُذبح في الحرم، أو في أي مكان؟
ج: هذا يسمى محصراً؛ للحادث الذي استحل فيه الحرم، والواجب على السائل أن لا يعجل في التحلل حتى ينحر هدياً، ثم يحلق أو يقصر قبل أن يخلع ثيابه، أو يتحلل، هذا هو الواجب عليه. فإن كان قصده في قوله: "لبيك عمرة -إن شاء الله-" يقصد بها: إن حبسه؛ يعني: إن شئت يا رب إمضاءها -هذا قصده: الاستثناء- فليس عليه شيء، أما إن قال: "إن شاء الله" من غير قصد، فهذا يلزمه أن يعيد ملابس الإحرام، وأن يذبح هدياً؛ ذبيحة، ثم يحلق أو يقصر، ثم يتحلل؛ يلبس ملابسه العادية، ولو بعد هذه المدة؛ لأنه محصر ممنوع من الوصول للحرم. إلا أن يكون تمم حجه بعد ذلك؛ جاء إلى مَكَّة في السُّنَّة الثانية أو الثالثة بعد ذلك، وتمم؛ أي أحرم وتمم حجه أو عمرته، فليس عليه شيء إذا كان جاء بعد الإحصار هذا، وأدى عمرة فليس عليه شيء، والهدي إذا لزمه يُذبح في مكانه الذي أحصر فيه.

س: وإذا كان مثل هذا الذي نسي الحُكْم، ولا عرفه إلا فيما بعد؟
ج: يلبس ملابس الإحرام ويذبح هديه، ويحلق أو يقصر، ويحل من حيث بلغه الحُكْم.