(2)
مناسك الحج والعمرة في الكتاب والسنة وآثار السلف
للألباني
نصائح بين يدي الحج
وهذه نصائح وفوائد أقدمها إلى إخواننا الحجاج بين يدي الحج: أولاًـ على الحاج أن يتقي ربه، ويحرص طاقته أن لا يقع فيما حرم الله عليه، لقوله تعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: “من حج فلم يرفث، ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه”، فإنه إن فعل ذلك كان حجه مبروراً، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:”الحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة” .
فلابد من التحذير مما ابتلي به بعضهم لجهلهم أو ضلالهم:
أـ الإشراك بالله تعالى، فقد رأينا كثيراً منهم يقعون في الشرك كالاستغاثة بغير الله، والاستعانة بالأموات من الأنبياء أو الصالحين، ودعائهم من دون الله، والحلف بهم تعظيماً لهم، فيبطلون بذلك حجهم، قال تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك).
بـ تَزَيُّن بعضهم بحلق اللحية فإنه فسق، فيه مخالفات أربع مذكورة في (الأصل).
جــ تختم الرجال بالذهب فإنه حرام، لاسيما ما كان منه من النوع الذي يسمى اليوم بـ”خاتم الخطبة”، فإن فيه أيضاً تشبهاً بالنصارى.
ثانياًـ على كل من أراد الحج ممن لم يسق الهدي ، أن ينوي حج التمتع لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه به آخر الأمر، ولغضبه على أصحابه الذين لم يبادروا إلى امتثال أمره بفسخ الحج إلى العمرة، ولقوله: “دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة”، ولما قال له بعض الصحابة: أرأيت متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد؟ شبك النبي -صلى الله عليه وسلم- أصابعه واحدة في أخرى وقال:”دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، لا بل لأبد أبد، لا بل لأبد أبد”.
من أجل ذلك أمر -صلى الله عليه وسلم- السيدة فاطمة وأزواجه رضي الله عنهن جميعاً بالتحلل بعد عمرة الحج، ولذلك كان ابن عباس يقول: (من طاف بالبيت فقد حل، سنة نبيكم وإن رَغِمتم) فعلى كل من لم يسق الهدي أن يلبي بالعمرة في أشهر الحج الثلاثة، فمن لبى بالحج مفرداً أو قارناً، ثم بلغه أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالفسخ فينبغي أن يبادر إليه ولو بعد قدوم مكة وطوافه بين الصفا والمروة، فيتحلل، ثم يلبي بالحج يوم التروية يوم الثامن. (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) .
ثالثاً: إياك أن تدع البيات في مِنَى ليلة عرفة، فإنه واجب، فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمر به في قوله:”خذوا عني مناسككم..”.
وعليك البيات أيضاً في المزدلفة حتى تصلي الصبح فإن فاتك البيات، فلا يفوتك أداء الصلاة فيها، فإنه واجب منه، بل هو ركن من أركان الحج على القول الأرجح عند المحققين من العلماء، إلا للنساء والضعفة. فإنه يجوز لهم الانصراف بعد نصف الليل كما سيأتي.
رابعاً: واحذر ما استطعت أن تمر بين يدي أحد من المصلين في المسجد الحرام، فضلاً عن غيره من المساجد وغيرها، لقوله -صلى الله عليه وسلم-:”لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه”.
فهذا نص عام يشمل كل مارٍ ومصلٍ، ولم يصح حديث استثناء المار في المسجد الحرام، وعليك أن تصلي فيه كغيره إلى سترة، لعموم الأحاديث الوارده في ذلك، وفيه آثار خاصة عن بعض الصحابة مذكورة في (الأصل).
خامساً: على أهل العلم والفضل أن يعلموا الحجاج حيثما التقوا بهم مناسك الحج وأحكامه وفق الكتاب والسنة، وأن لا يشغلهم ذلك عن الدعوة إلى التوحيد الذي هو أصل الإسلام ومن أجله بعث الرسل، وأنزلت الكتب، فإن أكثر من لقيناهم حتى بعض من ينتمي إلى العلم وجدناهم في جهل بالغ بحقيقة توحيد الله وصفاته، كما أنهم في غفلة تامة عن ضرورة رجوع المسلمين على اختلاف مذاهبهم، وكثرة أحزابهم إلى توحيد كلمتهم وجمع صفوفهم على أساس الكتاب والسنة، في العقائد والأحكام، والمعاملات والأخلاق، والسياسة والاقتصاد، وغير ذلك من شؤون الحياة، وأن يتذكروا أن أي صوت يرتفع، وأي إصلاح يقوم على غير هذا الأصل القويم، والصراط المستقيم، فسوف لا يجني المسلمون منه إلا تفرقة وضعفاً، وخزياً وذلاً، والواقع أكبر شاهد على ذلك. والله المستعان.
ولا بأس من المجادلة بالتي هي أحسن، حين الحاجة، فإن الجدال المحظور في الحج، إنما هو الجدال بالباطل المنهي عنه في غير الحج أيضاً كالفسق المنهي عنه في الحج أيضاً، فهو غير الجدال المأمور به في مثل قوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن).
ومع ذلك فإنه ينبغي على الداعية أن يلاحظ أنه إذا تبيَّن له أنه لا جدوى من المجادلة مع المخالف لتعصبه لمذهبه أو رأيه، وأنه إذا صابره في الجدال فلربما ترتب عليه ما لا يجوز، أنه من الخير له حينئذ أن يدع الجدال معه لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ”أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً.. ”الحديث.
لا حرج، لا حرج
ومما ينبغي على الداعية أن يلتزمه التيسير على الناس عامة، وعلى الحجاج خاصة، لأن التيسير أصل من أصول الشريعة السمحة، كما هو معلوم ن ما دام أنه لا نص على خلافه، فإذا جاء النص لم يجز التيسير بالرأي، وهذا هو الموقف الوسط العدل الذي يجب على كل داعية أن يلتزمه، ولا عبرة بعد ذلك بأقوال الناس واعتراضاتهم وقولهم: شدَّد، أو سهَّل؟
وثمة أمور جائزة اعتاد بعض الحجاج أن يتحرجوا منها لفتاوى صدرت من بعضهم منافية للأصل المشار إليه آنفاً، رأيت التنبيه عليها:
1ـ الاغتسال لغير احتلام ولو بدلك الرأس، لثبوت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في”الصحيحين”وغيرهما من حديث أبي أيوب رضي الله عنه.
2ـ حك الرأس ولو سقط منه بعض الشعر، لحديث أبي أيوب الذي أشرت إليه آنفاً. وبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
3ـ الاحتجام ولو بحلق الشعر مكان الحجم، لاحتجامه -صلى الله عليه وسلم- وسط رأسه وهو محرم، ولا يمكن ذلك إلا مع حلق الشعر، وهو قول ابن تيمية أيضاً، وبه قالت الحنابلة، لكنهم أوجبوا عليه الفدية، ولا دليل لهم، بل هو مردود باحتجامه -صلى الله عليه وسلم-، فإنه لو فدى لنقله عنه الراوي، فاقتصاره على ذكر احتجامه دون الفدية دليل على أنه لم تقع منه فدية، فالصواب قول ابن تيمية رحمه الله تعالى.
4ـ شم الريحان، وطرح الظفر إذا انكسر، وفي ذلك آثار مذكورة في (الأصل).
5ـ الاستظلال بالخيمة أو بثوب مرفوع، لثبوت ذلك عنه -صلى الله عليه وسلم-.
ونحوه الاستظلال بالمحمل قديماً، وبالمظلة (الشمسية)، والسيارة ولو من داخلها حديثاً، وإيجاب الفدية على ذلك تشدد لا دليل عليه، بل النظر السليم لا يفرق بين الاستظلال بالخيمة الثابت في السنة، والاستظلال بالمحمل وما في معناه، وهو رواية عن الإمام أحمد كما في”منار السبيل”(1 / 246). فما تفعله بعض الطوائف من إزالة سقف السيارة، تنطع في الدين لم يأذن به رب العالمين.
6ـ شد المنطقة والحزام على الإزار، وعقده عند الحاجة، والتختم كما جاء في بعض الآثار. ومثله، وضع ساعة اليد والنظارة، ومحفظة النقود على العنق.
كل هذه الأمور، داخلة تحت الأصل المذكور، مع تأيد بعضها بأحاديث مرفوعة، وآثار موقوفة، والله عز وجل يقول: (يريد الله بكم اليسر، ولا يريد بكم العسر). والحمد لله رب العالمين.
بين يدي الإحرام
1ـ يستحب لمن عزم على الحج أو العمرة المفردة، أن يغتسل للإحرام، ولو كانت حائضاً أو نفساء.
2ـ ثم يلبس الرجل ما شاء من الألبسة التي لم تفصل على قدر الأعضاء، وهي المسماة عند الفقهاء بـ (غير المخيط)، فيلبس الإزار والرداء ونحوهما، والنعلين، وهما كل ما يلبس على الرجلين لوقايتهما مما لا يستر الكعبين.
3ـ ولا يلبس القلنسوة والعمامة ونحوهما مما يستر الرأس مباشرة. هذا للرجل. وأما المرأة فلا تنزع شيئاً من لباسها المشروع إلا أنها لا تشد على وجهها النقاب والبرقع أو اللثام أو المنديل ولا تلبس القفازين وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: “لا يلبس المحرم القميص، ولا العمامة، ولا البرنس، ولا السراويل، ولا ثوباً مَسَّه وَرْسٌ ولا زعفران، ولا الخفين، إلا أن لا يجد نعلين (فيلبس الخفين)، وقال: “لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين”.
ويجوز للمرأة أن تستر وجهها بشيء كالخمار أو الجلباب تلقيه على رأسها وتسدله على وجهها، وإن كان يمس الوجه على الصحيح، ولكنها لا تشده عليها، كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى.
4ـ وله أن يلبس الإحرام قبل الميقات ولو في بيته كما فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه. وفي هذا تيسير على الذين يحجون بالطائرة، ولا يمكنهم لبس الإحرام عند الميقات، فيجوز لهم أن يصعدوا الطائرة في لباس الإحرام، ولكنهم لا يحرمون إلا قبل الميقات بيسير حتى لا يفوتهم الميقات وهم غير محرمين.
5ـ وأن يدّهن ويتطيب في بدنه بأي طيب شاء له رائحة ولا لون له، إلا النساء، فطيبهن ما له لون ولا رائحة له، وهذا كله قبل أن ينوي الإحرام عند الميقات، وأما بعده فحرام.