(الخيط الأبيض من الفجر يتبين عند ابتداء طلوع أوائل الفجر، وقد جعل الله تعالى ذكره ذلك حدًّا لمن لزمه الصوم في الوقت الذي أباح إليه الأكل، والشرب، والمباشرة.
-إلى أن قال:-
ويُقال لقائلي ذلك: إن كان النهار عندكم كما وصفتم هو ارتفاع الشمس وتكامل طلوعها، وذهاب جميع سدفة الليل وغبس سواده، فكذلك عندكم الليل: هو تتام غروب الشمس وذهاب ضيائها وتكامل سواد الليل وظلامه؟
فإن قالوا: ذلك كذلك. قيل لهم: فقد يجب أن يكون الصوم إلى مغيب الشفق وذهاب ضوء الشمس وبياضها من أفق السماء!
فإن قالوا: ذلك كذلك، أوجبوا الصوم إلى مغيب الشفق الذي هو بياض.
وذلك قولٌ إن قالوه مدفوع بنقل الحجة التي لا يجوز فيما نقلته مجمعة عليه الخطأ والسهو على تخطئته.
وإن قالوا: بل أول الليل ابتداء سدفته، وظلامه، ومغيب عين الشمس عنا.
قيل لهم: وكذلك أول النهار: طلوع أول ضياء الشمس، ومغيب أوائل سدفة الليل.
ثم يعكس عليه القول في ذلك، ويسأل الفرق بين ذلك، فلن يقول في أحدهما قولًا إلا ألزم في الآخر مثله) اهـ.
وقال الإمام الزمخشري في تفسيره "الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل" (1/ 231، ط. دار الكتاب العربي):
(الخيط الأبيض: هو أوّل ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود، والخيط الأسود: ما يمتدّ معه من غبش الليل، شبها بخيطين أبيض وأسود) اهـ.
وقال الإمام القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" (2/ 320، ط. دار الكتب المصرية):
(وسمي الفجر خيطًا؛ لأن ما يبدو من البياض يُرَى ممتدًّا كالخيط) اهـ.
وقال الإمام أبو حيان في تفسيره "البحر المحيط" (2/ 216، ط. دار الفكر):
(وشبه بالخيط وذلك بأول حاله؛ لأنه يبدو دقيقًا ثم يرتفع مستطيرًا، فبطلوع أوله في الأفق يجب الإمساك. هذا مذهب الجمهور، وبه أخذ الناس ومضت عليه الأعصار والأمصار) اهـ.
وقال الإمام النيسابوري في تفسيره "غرائب القرآن ورغائب الفرقان" (1/ 515، ط. دار الكتب العلمية):
(المشبه هو الفجر الصادق، وهو أيضًا يبدو دقيقًا ولكن يرتفع مستطيرًا؛ أي: منتشرًا في الأفق، لا مستطيلًا، ويمكن أن يقال: الفصل المشترك بين ما انفجر من الضياء -أي: انشق- وبين ما هو مظلم بعد: يشبه خيطين اتصلا عرضًا؛ فالذي انتهى إليه الضياء خيط أبيض، والذي ابتدأ منه الظلام خيط أسود) اهـ.
وقال العلامة المراغي في "تفسيره" (2/ 77، ط. الحلبي):
(الخيط الأبيض: أول ما يبدو من بياض النهار كالخيط الممدود رقيقًا ثم ينتشر، والخيط الأسود: هو ما يمتد من سواد الليل مع بياض النهار، فالصبح إذا بدا في الأفق بدا كأنه خيط ممدود، ويبقى بقية من ظلمة الليل يكون طرفها الملاصق لما يبدو من الفجر كأنه خيط أسود في جنب خيط أبيض) اهـ.
وقال العلامة الحكيم طنطاوي جوهري (ت 1358هـ) في "الجواهر في تفسير القرآن الكريم" (1/ 178، ط. مصطفى الحلبي):
(معناه: حتى يتبين لكم ذلك البياض الممتد في الأفق وما معه من غبش الليل، المشبهان خيطين: أبيض وأسود؛ فالفجر بيان للخيط الأبيض، والليل الذي حذف بدلالة الفجر عليه بيان للخيط الأسود) اهـ.
وعلى ذلك أهل التفسير من الشيعة أيضًا:
قال العلامة محمد حسين الطباطبائي في "الميزان في تفسير القرآن" (2/ 49، ط. قم):
(الفجر فجران:
فجر أول: يسمَّى "بالكاذب"؛ لبطلانه بعد مكث قليل، و"بذنب السِّرحان"؛ لمشابهته ذنَبَ الذئب إذا شاله.
وعمود شعاعي يظهر في آخر الليل في ناحية الأفق الشرقي، إذا بلغت فاصلة الشمس من دائرة الأفق إلى ثماني عشرة درجة تحت الأفق، ثم يبطل بالاعتراض، فيكون معترضًا مستطيلًا على الأفق كالخيط الأبيض الممدود عليه، وهو الفجر الثاني، ويسمَّى "الفجر الصادق"؛ لصدقه فيما يحكيه ويخبر به من قدوم النهار واتصاله بطلوع الشمس. ومن هنا يُعلَم أن المراد بالخيط الأبيض: هو الفجر الصادق، وأن كلمة "مِن" بيانية، وأن قوله تعالى: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾ مِن قَبِيل الاستعارة؛ بتشبيه البياض المعترض على الأفق من الفجر، المجاور لِمَا يمتد معترضًا معه من سواد الليل: بخيط أبيض يتبين من الخيط الأسود) اهـ.
وقال المفتي الأسبق فضيلة الأستاذ الدكتور/ نصر فريد واصل، في بحثه "تحقيق صلاتي الفجر والعشاء" (ص: 27، ط. ضمن أبحاث ندوة تحقيق مواقيت صلاتي الفجر والعشاء):
(دلت الآية صراحة على أن الفجر هو حد الصيام والإفطار، وأنه الحد الفاصل بين نهاية الليل وبداية النهار، وأنه الخيط الأبيض الذي يشترك مع الخيط الأسود وهما معترضان في الأفق... وما سُمِّي الفجر فجرًا إلا لانفجاره عن الليل بهذا الخيط الرفيع الذي يفصل بين نهاية الليل وبداية النهار، وهو أول شعاع من ضوء الصبح يصل إلى الليل، ويتصل به، ويدخل فيه، فيختلطان، الليل والنهار، في وقت الغلس، حتى يغلب ضوء الصبح على سواد الليل، فيزول الغلس ويشرق النهار. وهذا الحد قد ورد بيانه بطريق الوحي والسماع في الكتاب والسنة القولية والفعلية، والتي ثبتت عنه صلى الله عليه وآله وسلم بطريق الإجماع، وقد بينها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لصحابته بما لا يدع مجالًا للشك أو اللبس في حياته، وصلى بهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال لهم: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»، وقد صلى به جبريل عليه السلام أولًا عندما نزل عليه صلى الله عليه وآله وسلم ليعلمه الصلاة وبيان مواقيتها، وهو صلى الله عليه وآله وسلم لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، علمه شديد القوى) اهـ.
2- وأخبر سبحانه بأنه هو الذي فلق الظلمة بالصبح؛ فقال تعالى: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ﴾ (الأنعام: 96)، وذلك على القول بأن المراد بالفالق: الشّاق، والشَّقُّ يستلزم وجود الشاقِّ والمشقوق معًا، لا سبقَ أحدِهما على الآخر؛ فسمّاه سبحانه وتعالى "صبحًا" حال شَقِّه الليلَ لا بعد ذلك؛ فدل على وجود الصبح مع الظلمة واقترانه بها.
قال العلامة الألوسي في "روح المعاني" (4/ 216، ط. دار الكتب العلمية): (في الكلام مضاف مقدر؛ أي: فالق ظلمة الإصباح بالإصباح؛ وذلك لأن الأفق من الجانب الغربي والجنوبي مملوءٌ من الظلمةِ، والنورُ إنما ظهر في الجانب الشرقي؛ فكأن الأفق كان بحرًا مملوءًا من الظلمة، فشق سبحانه ذلك البحر المظلم بأن أجرى جدولًا من النور فيه) اهـ.
3- كما وصف الله تعالى تداخل النهار مع الليل وتداخل الليل مع النهار بأوصاف عدة، كالغشي والطلب والإيلاج والتكوير والسلخ، وهي كلُّها تبين طبيعة ضوء الفجر وشدة التحامه وتداخله بالليل قبله: فقال تعالى: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾ (الأعراف: 54)، وقال تعالى: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ﴾ (الحديد: 6)، وقال تعالى: ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ﴾ (الزمر: 5)، وقال تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ﴾ (يس: 37).
قال الإمام البيضاوي في "تفسيره" (3/ 16، ط. دار إحياء التراث العربي):
(يَطْلُبُهُ حَثِيثًا: يعقبه سريعًا، كالطالب له لا يفصل بينهما شيءٌ) اهـ.
وقال العلامة العلوي في "الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز" (1/ 79، ط. المكتبة العصرية):
(فشبه انفصال الليل من النهار بسلخ الأديم عن الشاة، وهذا يدلك على عظم اتصال الليل بالنهار وشدة التحامه به، ولهذا فإنك ترى الفجر عند طلوعه، نوره في غاية الامتزاج والاختلاط بظلام الليل، فلا يزال النهار في قوة، وغلبة، وظهور، حتى يستولى عليه بالإنارة فيمحوه ويزيله، فالسلخ مؤذن بشدة الالتحام، كالجلد، والغشيان مؤذن بعظم الاستيلاء والاشتمال، وكلاهما مشعر بالاتصال البالغ) اهـ.
وإيلاج النهار في الليل:
يعني أنهما غير منفصلين تمام الانفصال، بل يتم الانتقال بينهما تدريجيًّا؛ فلا الضياء يأتي فجأة، ولا الظلام يأتي فجأة، وقد سمَّاه سبحانه نهارًا مع ولوجه في الليل؛ وهذا يدل على أنه يثبت بظهور تباشير الفجر الصادق ومجيء أول ضوء له.
4- وشبّه سبحانه دخول الفجر على الليل بإخراج النفس؛ بجامع أن كلًّا منهما يخرج شيئًا فشيئًا: فقال تعالى: ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾ (التكوير: 18).
قال العلامة ابن حجة الحموي في "شرح البديعية" المسمى "خزانة الأدب وغاية الأرب" (1/ 110، ط. دار الهلال):
(وأحسن الاستعارات ما قرب منها دون ما بعد، وأعظمها في هذا الباب قوله تعالى: ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾؛ فإن ظهور الأنوار من المشرق من أشعة الشمس قليلًا قليلًا، بينه وبين إخراج النفس مشابهة شديدة القرب) اهـ.
- وأما السُّنَّة النبوية الشريفة:
فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقت الفجر أوضح بيان وأجلاه؛ علمًا وعملًا؛ وذلك من خلال سنته القولية والفعلية.
فأما السُّنَّة القولية:
1- فبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها الفرق بين الفجر المستطير الصادق الذي يدخل به وقتُ صلاة الفجر والذي ينتشر ضوؤه معترضًا في أسفل الأفق يمينًا وشمالًا، وبين الفجر المستطيل الكاذب الذي هو كهيئة المخروط المقلوب.
فأخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ مِنْ سَحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ، وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ، وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ الفَجْرُ» وقال بأصابعه ورفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل «حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا»، وقال زهير -أحد رواة الحديث- بسبابتيه إحداهما فوق الأخرى، ثم مدها عن يمينه وشماله.
وأخرج الإمام أحمد ومسلم -واللفظ له- وأبو داود عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَغُرَّنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ، وَلَا بَيَاضُ الْأُفُقِ الْمُسْتَطِيلُ هَكَذَا، حَتَّى يَسْتَطِيرَ هَكَذَا» وَحَكَاهُ حَمَّادٌ -أحد رواة الحديث- بِيَدَيْهِ، قَالَ: يَعْنِي مُعْتَرِضًا.
وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 288، ط. مكتبة الرشد) عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْفَجْرُ فَجْرَانِ، فَأَمَّا الَّذِي كَأَنَّهُ ذَنَبُ السِّرْحَانِ، فَإِنَّهُ لَا يُحِلُّ شَيْئًا وَلَا يُحَرِّمُهُ، وَلَكِنِ الْمُسْتَطِيرُ».
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (4/ 136، ط. دار المعرفة):
(أيْ: هو الذي يحرم الطعام ويُحل الصلاة) اهـ.
وأخرجه الدارقطني في "سننه" (3/ 114، ط. مؤسسة الرسالة) من حديث عبد الرحمن بن عائشٍ رضي الله عنه، وقال: (إسناده صحيح) اهـ.
وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/ 304، ط. دار الكتب العلمية) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقال: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين في عدالة الرواة ولم يخرجاه، وأظن أني قد رأيته من حديث عبد الله بن الوليد، عن الثوري موقوفًا والله أعلم، وله شاهد بلفظ مفسر، وإسناده صحيح) اهـ. ووافقه الحافظ الذهبي.
2- ونزل جبريل عليه السلام فصلى بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم الصلوات الخمس وقتين وقتين، مرة في أول وقت كل صلاة، ومرة في آخره، فكانت صلاة الفجر في أول وقته عند بداية ضوئه الصادق المختلط بظلمة آخر الليل، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه رضي الله عنهم.
فأخرج الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أنه أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة، فلم يَرُدَّ عليه شيئًا، قال: فأقام الفجر حين انشق الفجر، والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضًا... إلى أن قال:- ثم أصبح فدعا السائل، فقال: «الْوَقْتُ بَيْنَ هَذَيْنِ».
وأخرج الترمذي في "الجامع" وحسنه عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عِنْدَ البَيْتِ مَرَّتَيْنِ...، ثُمَّ صَلَّى الفَجْرَ حِينَ بَرَقَ الفَجْرُ، وَحَرُمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ...، ثُمَّ الْتَفَتَ إليِّ جبرئيل، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِك، وَالْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ».
وأخرج النسائي في "المجتبى" والطبراني في "مسند الشاميين" من طريق عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلامُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّم يُعَلِّمُهُ مَوَاقِيتَ الصَّلَاةِ...، ثُمَّ أَتَاهُ حِينَ امْتَدَّ الْفَجْرُ وَأَصْبَحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ، فَصَنَعَ كَمَا صَنَعَ بِالْأَمْسِ فَصَلَّى الْغَدَاةَ» ثُمَّ قَالَ: «مَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ وَقْتٌ».
قال الحافظ سراج الدين بن الملقن في "البدر المنير" (3/ 164، ط. دار الهجرة): (وهذا الإسناد كلُّ رجاله ثقات) اهـ.
وأخرج البزار في "مسنده" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدثهم أن جبريل عليه السلام جاءه فصلى به الصلاة وقتين وقتين، إلا المغرب...، إلى أن قال صلى الله عليه وآله وسلم: «ثُمَّ جَاءَنِي الْفَجْرَ فَصَلَّى بِي سَاعَةَ بَرِقَ الْفَجْرُ».
3- ووصَّى النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أصحابَه وأُمّتَه بالتغليس بالفجر، وإطالة القراءة:
فروى سعيد بن يحيى الأموي في "المغازي"، وبقي بن مخلد في "مسنده"، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآدابه"، وأبو القاسم السهمي في "تاريخ جرجان"، وأبو نعيم في "الحلية"، والخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق"، والديلمي في "مسند الفردوس"، والبغوي في "شرح السنة"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق": عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: بعثني رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم إلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ، إذَا كَانَ فِي الشِّتَاءِ فَغَلِّسْ بِالْفَجْرِ وَأَطِلْ الْقِرَاءَةَ قَدْرَ مَا يُطِيقُ النَّاسُ، وَلَا تُمِلَّهُمْ، وَإِذَا كَانَ الصَّيْفُ فَأَسْفِرْ بِالْفَجْرِ؛ فَإِنَّ اللَّيْلَ قَصِيرٌ وَالنَّاسُ يَنَامُونَ، فَأَمْهِلْهُمْ حَتَّى يُدْرِكُوا».
وقد احتج به الأئمة في كتبهم على التغليس بالفجر، كما صنع الإمام ابن قدامة المقدسي في "المغني" (1/ 281، ط. مكتبة القاهرة).
وروى الإمام أحمد في "المسند"، والبغوي في "معجم الصحابة"، وابن بشران في "أماليه":
من حديث أبي عبد الرحمن الصُّنابِحي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَنْ تَزَالَ أُمَّتِي فِي مُسْكَةٍ مَا لَمْ يَعْمَلُوا بِثَلَاثٍ: مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ بِانْتِظَارِ الْإِظْلَامِ مُضَاهَاةَ الْيَهُودِ، وَمَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْفَجْرَ إِمْحَاقَ النُّجُومِ مُضَاهَاةَ النَّصْرَانِيَّةِ، وَمَا لَمْ يَكِلُوا الْجَنَائِزَ إِلَى أَهْلِهَا» واللفظ لأحمد.