منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
الحــواس فـي القـــرآن الكـــريــم أحكـام صـلاة المـريض وطهـارته إلــــــــى كــــــــــل زوجـيــــــــــن مـــن أقـــــوال شيـــــخ الإســــلام لا عـلـيـك مـا فـاتـك مـن الـدنـيــا رؤية الخاطب مخطوبته قبل العقد شــاعر العـاميــة بيــرم التـونسي أحْلامٌ مِنْ أبِي باراك أوباما كُــــتُـبٌ غَــــــيُّـرَتْ الـعَـالَــــــمْ مــصـــــر التي فـي خــاطـــــري الزعيـم الثــائر أحـمـــد عـــرابي مـحـاسـن العقيـــدة الإسـلامـيـــة الرحـالة: أبي الحسن المسعـودي رضـــي الله عـنـهـــم أجـمـعـــين الأسئلة والأجــوبــة في العقيــدة النـهـضــة اليـابـانـيــة الـحـديثــة الحجاج بـن يــوســف الـثـقـفــي قـصــة حـيـاة ألـبرت أيـنـشـتــاين الأمثـــال لأبـي عبيــد ابن ســلام الإسـلام بيـن الـعـلـم والـمــدنـيــة
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة المائدة الآيات من 066-070

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 51846
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 066-070 Empty
مُساهمةموضوع: سورة المائدة الآيات من 066-070   سورة المائدة الآيات من 066-070 Emptyالإثنين 24 يونيو 2019, 12:51 am

وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ [٦٦]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

أي أنهم لو طبقوا التوراة والإنجيل دون تحريف، وآمنوا بالقرآن لكان خيراً لهم.

والتوراة كتاب اليهود.

والإنجيل كتاب عيسى عليه السلام، وقد أنزل الله بعد ذلك الكتاب الجامع المانع وهو القرآن الكريم، وأراد لهم الحق بالإيمان بما جاء في التوراة والإنجيل من بشارة برسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الإيمان بالتوراة والإنجيل -من قبل تحريفهما- إنما يقود إلى الإيمان بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وبما أنزله الله إليه.

واليهود -كما عرفنا- هم الذين توعدوا العرب بمجيء رسول الله، لكن العرب سبقوهم إلى الإيمان بمحمد بن عبد الله{وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ}.

لقد كانوا -أهل الكتاب- يملكون المدخل الطبيعي للإيمان بالقرآن وهو الإيمان بالتوراة الصحيحة والإنجيل الصحيح؛ لأن فيهما نعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وكان سيدنا عبدالله بن سلام وكان من أحبار اليهود يقول: "لقد عرفت محمداً حين رأيته كمعرفتي لابني ومعرفتي لمحمد أشد”.

وحينما يعد الحق أهل الكتاب إن آمنوا واتقوا بأن يكفر عنهم السيئات ويدخلهم جنات النعيم، فسبحانه لن يكفر عنهم سيئاتهم ويقيهم من عذاب النار فحسب، ولكن سيمحو هذه السيئات ويدخلهم الجنة.

وسبحانه هو الأعلم بهم، ويعلم أن منهم الماديين المرتبطين بالدنيا لذلك جاء لهم بخير الإيمان في الدنيا فقال: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} فسبحانه يمد لهم أيضاً يد الأسباب في الدنيا، والمؤمن هو من يرتقي في الأخذ بالأسباب فيأخذ نعيم الدنيا والآخرة، أما الكافر فيأخذ الأسباب دون أن يشكر الخالق عليها.

 لقد أراد الحق لأهل الكتاب أن يحسنوا الإيمان أولاً بصحيح التوراة وبصحيح الإنجيل حتى يكون ذلك هو المدخل الطبيعي للإيمان بالقرآن، فهذا هو السبيل إلى تكفير السيئات بألا يدخلوا النار بل يدخلون الجنة في الآخرة.

وهم بالإيمان لا يأخذون خير الآخرة فقط بل يأخذون خير الدنيا أيضاً؛ لأن الحق لا يضن على مجتهد في الأسباب، وهو القائل: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} [الشورى: 20].

فمن بقي منهم على الكفر يأخذ من أسباب الدنيا ولكنه لا يأخذ أبداً من عطاء الآخرة: {وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً} [الفرقان: 23].

وبذلك يوضح الحق مصير أهل الكفر في الآخرة أولاً، ويوضح من بعد ذلك مصيرهم في عاجل الدنيا، فإن أخذوا بالأسباب أعطاهم الله نتائج الأسباب، وهو سبحانه الذي يحتفظ بطلاقة القدرة، فقد يعطل الأسباب ويسلب الأشياء خواصها، فالمزارع قد يأخذ بكل الأسباب من حرث للأرض وتسميد لها وانتقاء لسلالة البذرة، ولكنَّ إعصاراً قد يهب فيقتلع كل شيء أو فيضاناً يغرق الزرع، أو حشرة فتاكة كدودة القطن تأكل المحصول.

إذن، فالأسباب وراءها مُسَّببٌ له طلاقة القدرة، وسبحانه هو الذي وضع القوانين الكونية، وهو -أيضاً- الذي يسلبها خواصها.

 فأنت أيها الإنسان سيد الكون بإرادة الله ومقهور في كثير من الأقضية لقهرية الجبار.

صحيح أن لك بعض الاختيارات في بعض الأشياء، ولكن هناك قهريات في أمور لا دخل لك فيها، فالمرض قد يقتل، والحادث المفاجئ قد يقتل، وتلك أشياء من قهريات الله التي تخرج الإنسان عن الأسباب.

 إن الحق سبحانه يُرينا أن بلاداً كانت دائمة المطر ثم أصابها الجفاف، لماذا؟

لأن الناس تغتر من رتابة النعمة، ولذلك يُمسك الحق الكون بيده، وهو سبحانه لا يُسلمه لأحد أبداً.

لذلك يأتي في بعض الأحايين ويقبض أسبابه حتى لا يُفتن الإنسان بالأسباب ورتابتها.

 وأمثلة ذلك في حياتنا كثيرة، نرى المزارع الذي يملك عشرات الأفدنة فتهاجمها الدودة فتأتي على الأخضر واليابس، بينما جاره الذي لا يملك إلا قطعة يسيرة وقليلة من الأرض تطرح الخير كله لصاحبها؛ لأنه دفع ما يسميه أهل الريف "غفرة الأرض” أي زكاتها.

والدودة في هذه الحالة تكون هي من جنود الحق فتأكل المال الباطل ولا تلمس المال الحلال.

{وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ} [المدثر: 31].

ولذلك يقدم الحق أسبابه لمن يسعى فيها، ويزيد للمؤمن.

ويقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} والرزق -كما علمنا- قسمان: قسم مباشر وقسم يأتي بالرزق المباشر، والرزق المباشر هو ما ننتفع به على الفور، كطعام نأكله أو ماء نشربه، أما الرزق الآخر فهو المال الذي قد نشتري به الرزق المباشر.

وجاء سبحانه بأمور الحياة الواقعية حتى نفهم أن المنهج إنما نزل لينظم حركة الإنسان في هذه الحياة، والآخرة هي الجزاء على حسن العمل في الدنيا.

وبعد أن وعدهم -سبحانه- بالجنة جزاءً للإيمان يمد لهم الأسباب في الدنيا رخاءً وسعة وترفاً وسعادة.

ونجد من يسأل: وكيف يأكلون من فوقهم؟

ونقول: إن الأكل هو المظهر الأساسي لحياة الإنسان؛ لأن كل حركة يصنعها الإنسان هي فرع عن وجود حياته.

 ووجود حياة الإنسان يتوقف على ثلاثة عناصر مهمة هي الأكل والشرب والتنفس.

 فإذا ما أردنا استبقاء الحياة والتناسل فلابد من توفير لهذه المصادر الثلاثة.

إننا عندما ننظر إلى ترتيب الثلاثة في الأهمية نجد أن الإنسان قد يصبر على الطعام شهراً.

وقد يصبر على الماء مدة تتراوح ما بين ثلاثة أيام وعشرة أيام، أما التنفس فلا يطيق الإنسان ألا يجد الهواء لمدة دقائق.

 ومن رأفة الحق بالخلق أن جعل الحيازة لهذه الأنواع المقومة لاستبقاء الحياة تترتب حسب أهميتها.

لذلك نرى من يملك على إنسان آخر طعامه ويتحكم فيه، لكن الحق يجعل في جسد الإنسان ما قد يقيته شهراً.

ونرى أن الحيازة في الماء أقل من الحيازة في الطعام؛ لذلك لم يُمَلِّكْهَا الحق إلا نادراً؛ ذلك أن الإنسان لا يطيق الصبر على العطش إلا لمدة تتراوح ما بين ثلاثة أيام وعشرة أيام.

وأما الهواء فلم يجعله الحق ملكاً لأحد على الإطلاق؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يستغني عنه إلا بمقدار الشهيق والزفير، ولا يستطيع الإنسان أن يدخره في حجم رئتيه؛ لذلك لم يأمن الحق أحداً من الخلق على ملكية الهواء.

وقوله الحق: {لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} مقصود به أن الاستقامة في تطبيق منهج الله تُخْضِعُ الأسباب الكونية لهم، أما إذا ما تمرد الإنسان على منهج الله فقد يعطيه الله زهرة الحياة الدنيا ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر، فالنواميس الكونية لم تنعزل عن يد الحق.

 لذلك يخاطب -سبحانه- الخلق خطاباً، فإن انفعلوا للخطاب، يسرَّ لهم كل ما سخره لهم في الكون.

وإن لم ينفعلوا فهو ممسك الأسباب ويمكنه أن يخرق قوانينها، فلا الأرض ولا الهواء ولا أي شيء خرج عن طاعة الله، فإذا ما تمردت جماعة على نعم الله أو على الله فسبحانه يجعلهم نكالاً لغيرهم ويقبض عنهم الأسباب.

والإنسان سيد هذه الكائنات في هذا الكون، وهو منفعل -أيضاً- بقدرة ربه وقد يمرض، وقد يموت، وقد ينكسر، وقد يغرق، فإذا كان الإنسان وهو المنفعل بـ "كن” من ربه فكيف حال الأشياء الأدنى منه؟

إنها أيضاً منصاعة بـ "كن”.

والحق قادر أن يقول للأرض: كوني جدباً، وهو القادر على أن يوقف المطر لأنه هو سبحانه الذي يجعل الأشياء تسير سيراً رتيباً.

ألم يقل الحق سبحانه وتعالى في خطابه لكل خلقه عن الأرض: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا} [الزلزلة: 5].

فإذا كان الحق قد أوحى للأرض لتبرز الكنوز أو تحدث الزلازل، فما بالنا بكل شيء آخر؟.

إن كل شيء إنما يسير بأمر الله، ذلك أن كل شيء يسبح بحمد الله، ولكن الإنسان لا يفقه لغات غيره من الكائنات: {وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44].

وخطاب الله لكل خلقه يفهمه المنفعل له من أي جنس من أجناس الوجود، ولو علمك الله هذا الانفعال، لسمعت لغة الكائنات الأخرى.



سورة المائدة الآيات من 066-070 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 51846
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 066-070 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 066-070   سورة المائدة الآيات من 066-070 Emptyالإثنين 24 يونيو 2019, 12:54 am

مثال ذلك سيدنا سليمان عليه السلام الذي سمع قول نملة لبقية النمل: {ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ} [النمل: 18].

وماذا قال سليمان من بعد ذلك؟.

قال سليمان: {رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} [النمل: 19].

وهو سبحانه القائل: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ} [الأنبياء: 79].

والهدهد قال في القرآن: {أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ ٱلَّذِي يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ} [النمل: 25].

إذن فكل كائن في الوجود يعرف قضية الإيمان وقضية التوحيد.

وكل مَنْ في الوجود ينفعل لربه.

وهكذا كل الأشياء التي تحفظ للإنسان حياته أو نوعه.

 فماذا عن حال من يتمرد على الله؟.

إنه سبحانه قد يقول للأسباب: انقبضي عنه.

ونرى ذلك في حال بعض البلاد على ألوان مختلفة، فالبلاد التي تقع في منطقة يعرف عنها أنها دائمة المطر، يخرق الله طبيعة البيئة فتصير إلى جفاف، وغيرها التي تستطيع أن تصل إلى الفضاء الخارجي.

لا تقدر على مواجهة إعصار، وذلك ليتأكد لنا أن يد المكوّن -سبحانه- فوق أسباب الكون.

لذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} أي أن يأتي الخير من كل ناحية.

فإذا كان يراد بالأكل المباشر، فالمطر هو الذي ينزل من أعلى يروي الأرض فيخرج الزرع، وكذلك النخل يعلونا ويأتينا بالتمر، وكذلك أشجار الفاكهة من برتقال وتفاح وغير ذلك.

أما ما تحت الأقدام فهي الخضراوات، والفواكه التي تنمو دون أن يكون لأي منها ساق على الأرض كالبطيخ والشمام وغير ذلك.

ولنا في سقوط الفاكهة من على أشجارها العالية بعد تمام النضج الحكمة البالغة، فالرزق الذي طاب وإن لم تسع إليه يأت إليك تحت قدمك.

وإن توسعنا في فهم قوله الحق: {لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم}.

فلله أسرار فوق الأسرار، وله فيما تحت الأرض أسرار.

ألا نأخذ كل شيء يعيننا على الحياة من طبيعة الأرض سواء أكان حديداً أم نحاساً أم بترولاً؟.

وهكذا نجد أن كل شيء في الوجود يخدم بقاء نوع الإنسان أو استبقاء حياته هو من عطاء الله.

 إذن فلو أن أهل الكتاب أقاموا التوراة والإنجيل والقرآن وساروا على المنهج لوهبهم الله كل خير.

ويؤكد الحق هذا المعنى في آية أخرى فيقول: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ آمَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ} [الأعراف: 96].

ونرى أن الحق قد أفاء على بعض الناس من النعمة الشيء الواسع والكثير ومن بعد ذلك يطغى أهلها بالنعمة فيمهلهم ربنا إلى أن يعلو أمرهم ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر.

وحياتنا المعاصرة خير شاهد على ذلك؛ فكل بلد أخذت نعمة الله لتحاج بها الله وتكون ضد منهج الله نجدها تبوء بالفساد.

ويأتي بأس أهلها فيما بينهم شديداً ويخربون بيوتهم بأيديهم.

وكم من بلاد كانت متعة الناس أن يذهبوا إليها للترف أو الانفلات ثم يأتي بأس أهلها بينهم وتخرب بأيدي أبنائها.

وفي واقع الكون ما يؤيد صدق ذلك، وكأن الحق يقول لنا: اعتبروا يا أولي الأبصار.

 ويقول سبحانه: {وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ} [النحل: 112].

والمراد بالقرية ليس قرية الريف التي نتعارف عليها اليوم؛ لأن القرية في عرف العربي القديم هي المكان الذي يقابل العاصمة.

وكانت البيئة العربية قديماً بيئة "التبدّي” أي أنهم يقيمون في البادية وينتقلون من مكان إلى مكان، ولم يكونوا متوطنين في مكان واحد.

وكانت عاصمة البدو هي القرية التي تتكون من عدد صغير من البيوت.

ولذلك يسمي القرآن الكريم "مكة” بأم القرى.

ويضرب الله مثلاً بالقرية الآمنة المطمئنة التي يأتيها رزقها واسعاً من كل مكان، أي أن خيرها ليس ذاتياً ولا نابعاً منها ولكن يأتيها من كل مكان.

وفي العصر الذي نعيشه نجد أن خير الدنيا يصب في قلب بعض القرى، وما أن يكفر أهل القرية بأنعم الله فما الذي يحدث؟

{فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ} [النحل: 112].

وهذا واقع نراه في كثير من البلاد التي أخذت نعمة الله فبدلتها كفراً فأحلوا قومهم دار البوار.

ويرينا سبحانه القرى التي يلبسها الحق لباس الجوع والخوف.

وعندما ننظر إلى قول الحق: "لباس” نرى أن الجوع له لذعة، واللباس له شمول ويلفهم الجوع كما يلفهم الثوب، وكذلك الخوف فتصير كل جارحة فيهم خائفة: أي أن الحق سلط عليهم الجوع فلا يجدون موادّ الاقتيات.

وكذلك الخوف يأتيهم فإما أن يكون الخوف بسبب بأسهم فيما بينهم لأن عداوة بعضهم بعضاً شديدة، وإما أن يكون الخوف من عدو خارج عنهم.

وهذا واقع معاصر.

 وكيف يكون الكفر بنعم الله؟

الكفر بنعم الله إما أن يكون بمعنى ستر النعمة.

واستعمالها في معاصي الله، ومثله مثل الكفر بالله أي ستر وجود الله، وقد يكون الكفر بنعمة الله بالتكاسل عن استنباط النعمة من مظانها.

وفساد العالم الآن يأتي من أناس كُسالى عن استنباط نعم الله المطمورة في كونه، وأناس يجدّون في استنباط نعم ويحبسونها لأنفسهم ولا يعطون منها الضعاف، ويستخدمون النعمة في المعاصي.

 إذن فقوله الحق: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ آمَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96].

وقوله الحق: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم}.

هم حكم عام؛ فهل وُجِدَ من يؤديه؟.

نعم؛ هناك أناس منهم عرفوا ذلك وساروا إلى السبيل المستقيم، وعن هؤلاء يقول سبحانه: {مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ} والمقتصد هو الذي يسير في السبيل القاصد، وهو السبيل المستقيم إلى الغرض فلا ينحرف هنا أو هناك.

إذن قوله الحق: {مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ}.

أي منهم أمة تسير إلى أغراضها وإلى غايتها على الطريق المستقيم.

وهذه إشارة إلى أن بعضاً من أهل الكتاب يفعل ذلك، والبعض الآخر لا يفعل، وهذا القول أشار أيضاً إلى أن الحق سبحانه وتعالى لا يُخلى وجوده وكونه من خلية خير فيه، وقد تكون خلية الخير هذه من أضعف الناس الذين لا شوكة لهم في الدنيا ولا جاه ولا قوة.

ولولا هؤلاء الناس لهدَّ الله الأرض ومن عليها.

ويوضح الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذا الأمر بقوله: لولا عباد لله رُّكع، وصبية رضع، وبهائم رُتّع لصُبّ عليكم العذاب صبا ثم رُصَّ رَصّا".

كأننا مكرمون في هذا العالم من أجل الضعاف فينا.

وكأن الحق لا يحجب الخير عن كونه، بل يجعل في الكون ذرات استبقاء للخير.

ولذلك نجد من يقول: إذا بالغ الناس في الإلحاد زاد الله في المد.

وقد تجد بلداً كلها من الملاحدة، وتجد فيها عبداً واحداً متبتلاً لربه، ويكون هذا الرجل هو الذي يستبقي الله من أجله هواء تلك البلدة وماءها.

ولذلك قال سبحانه: {مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ}.

ويقول الحق من بعد ذلك: {يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ...}.



سورة المائدة الآيات من 066-070 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 51846
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 066-070 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 066-070   سورة المائدة الآيات من 066-070 Emptyالإثنين 24 يونيو 2019, 12:56 am

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [٦٧]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

تبدأ الآية بخطاب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ومن عظمة رسولنا المصطفى عليه الصلاة والسلام وعلو مكانته عند مَنْ اصطفاه خاتماً لرسالاته في الأرض أن الله ذَكَرَ الرُّسلَ في خطابه لهم بنداء أسمائهم فقط كقوله الحق: {يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ} [البقرة: 33].

أو قوله الحق: {يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ} [القصص: 30].

أو قوله الحق: {يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ} [المائدة: 116].

أو قوله الحق: {يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ} [هود: 48].

فسبحانه ينادي كل رسول له بالاسم المشخص للذات بصرف النظر عن أي صفة، لكن رسول الله لم يُنَاد باسمه أبداً بل ناداه الحق بالمشخص للوصف: "يا أيها الرسول”.

أو قوله الحق: "يا أيها النبي”.

فكأنك يا رسول الله قد اجتمعت فيك كل مسائل الرسالة لأنك صاحب الدين الذي سينتهي العالم عنده ولا يكون بعد ذلك لله في الأرض رسالة إلا فهم يؤتيه الله لأحد في كتاب الله.

ومن عظمة الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن الله أقسم بحياته، على الرغم من أن الحق لا يُقسم بحياة أحد من البشر إلا رسوله، فقد أقسم بحياته.

وهو سبحانه يقسم بما يشاء على ما يشاء، أقسم بالريح والضحى والليل والملائكة، لكنه ما حلف بحياة بشر أبداً إلا حياة محمد -صلى الله عليه وسلم-.

{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72].

أي وحياتك يا محمد هم في سكرتهم يعمهون أي يترددون حيارى.

ويقول الحق هنا مخاطباً الرسول: "يا أيها الرسول”.

وما دام محمد هو الرسول الخاتم الذي جاء مصدقاً لما بين أيديهم من الكتب، فمعنى هذا أن كل خير في أي كتاب سبق القرآن موجود في القرآن وفيه أيضاً زيادة مما تتطلبه مصالح الحياة المستجدة.

وما دام الخطاب للرسول فهذا يعني أنه رسول مرسل من قبل الله بمنهج لخلقه ليبلغه لهم: {بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ}.

وكيف يقول الحق لرسوله: "بلِّغ” وهو يعلم أن مهمة الرسول هي البلاغ؟

لقد أراد سبحانه بذلك إخبار الناس أنه إن أبلغهم بما يكره بعضهم فهو يبلغ التزاماً بأمر الله، فهو لا يقول من عنده، ذلك أن الرسول عليه البلاغ، فإن أبلغ أحداً ما يكدره فليس له مصلحة في ذلك.

ويورد سبحانه ذلك حتى إذا بَلَّغ الرسول حكماً من الأحكام فعليهم أن يستقبلوا الحكم على أساس أنه قادم من الله وسبحانه يعلم أن رسوله لا يكتم البلاغ ولكن ليجعل لرسوله العذر عند البشر، فهو سبحانه حين يخاطبهم بشيء قد يكرهونه، فهو بلاغ من الله: {يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}.

أي أنه إن لم يفعل ولو في جزئية يسيرة من المنهج فهذا معناه أن البلاغ ناقص والله يريد أن يكون البلاغ كاملاً بالدين المتكامل.

إن التركيبة الإيمانية تقتضي أن يأتي القول بهذه الطريقة حتى ينسجم البلاغ بشكل كامل؛ فقد نزل المنهج بكليته، ويجب أن يُطبق بكليته من أجل أن ينصلح الكون وحتى لا تفسد حركة الإنسان في الكون، فقد أنزل سبحانه المنهج وأحكمه ليسير العالم على حسب تصميمه له دون أن يختل.

ولذلك يقول الحق: {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}.

وبذلك يعطي الحق رسوله المناعة الكاملة.

فلم يأت برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- إلا لخير الناس.

 لقد سبق أنَ خلق الله آدم وأعطاه المنهج.

وكان على آدم أن يبلغ المنهج إلى الذرية وقد فعل، لكنَّ بعضاً من أجيال بني آدم غفلت عن المنهج؛ فيبعث الحق الرسل لتذكر بالمنهج.

ولا يأتي رسول إلا بعد أن يكون الفساد قد فشا وانتشر بين الناس.

وقد جعل الله في النفس الإنسانية نفساً لوامة، ونفساً تأمر بالسوء، ونفساً مطمئنة.

 إن مهمة النفس اللوامة هي أن ترد على كل ما توسوس به النفس الأمارة بالسوء.

لكن إن لم تلم النفس اللوامة، فالنفس الآمرة بالسوء تتمادى ولا يردعها رادع.

أما النفس المطمئنة فهي النفس التي تطمئن إلى منهج الله.

ومثال ذلك الإنسان الذي تلح عليه شهوته لارتكاب معصية ما فيرتكبها، ومن بعد ذلك يندم ويلوم نفسه، ويتوب عن المعصية، هذا الإنسان يردع نفسه ذاتياً.

لكن إن سيطرت النفس الأمارة بالسوء فلا رادع.

وماذا إذا ساد الفساد بين عموم الناس؟

وماذا لو لم يتناهَوْا عن المنكر الذي يفعلونه؟

هنا لابد أن يرسل الحق رسولاً بمعجزة جديدة ليأخذ العالم إلى منطق الرشاد ومنهج الحق.

ولا يختار الحق الرسول إلا إذا علم الرسول أنه مبلغ عن الله.

وسبحانه في الآية التي نحن بصددها يعطي رسوله المعذرة إن بلغ قومه شيئاً يسؤوهم، فما على الرسول إلا البلاغ في قوله: {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}.

ونعرف أن الرسالة تقتضي: المرسِل وهو الله، والمرِسَلَ إليهم وهم الخلق، ومرسَلاً وهو النبي -صلى الله عليه وسلم- والمرسَل به وهو ما نزل على الرسول ليبلغه.

وفي كل أمر مثل هذا نجد أن كلمة "أرسل” تتعدى إلى مفعولين؛ المرسَل: مثال ذلك أرسلت فلاناً إلى فلان، والمرسل إليه: وهو فلان.

إذن فهنا مفعولان اثنان، أولهما تعدى الفعل إليه بذاته والآخر تعدى إليه الفعل بحرف الجر.

 وحرف الجر هنا هو: "إلى”.

وبطبيعة الحال يعرف الرسول أنه مرسَل إلى الناس من الله رعاية لمصالحهم؛ فليس في أمر الرسالة شيء لصالح الله.

وإن رأيت تعدياً بـ "إلى” فهو لتحديد الغاية المرسل إليها، مثل قوله الحق: {وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ} [آل عمران: 49].

وهذا يوضح أن عيسى -عليه السلام- جاء مبعوثاً بمنهج إلى بني إسرائيل لصالح بني إسرائيل.

ومثلما يقول الحق: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً}.

أي لصالح الناس.

و "اللام” هنا تفيد المعنيين؛ النفعية والغاية.

{بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} أي أنه -صلى الله عليه وسلم- إن لم يبلغ الرسالة كاملة فمعنى ذلك أن البلاغ يكون ناقصاً.

ومعاذ الله أن يكون بلاغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أنقص شيئاً، فمنهج الله كل متكامل.

وقد يقول قائل: ولكن الناس قد لا تؤدي فروض الله في مواعيدها، والمثال على ذلك هو الصلاة.

ونقول: إن هذا عجز في إدارة الناس لحياتهم حسب منهج الله.

ومن واجب المجتمعات أن تنظم حركة الناس اليومية من بعد صلاة الفجر إلى الظهر.

وفي ذلك قدر هائل من الحيوية والنشاط، وينتهي العمل عند الظهر، فلا تتصادم حركة الناس مع منهج الله، ولا توجد عرقلة ولا نشاز في حركتهم.

 ثم يقول الحق: {وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ}.

وكان لابد أن يأتي هذا القول الحكيم؛ لأننا نعرف أن الرسول لا يجيء إلا بعد أن يعم الشر ويسود الفساد، ذلك أنه لو لم يسد الفساد، ولم يعم الشر لاكتفى الله بالمجتمع ليردع بعضه بعضاً، أو يكتفي الحق بأن تردع النفسُ اللوّامةُ النفسَ الأمارةَ بالسوء لتستوي النفس المطمئنة على عرش السلوك البشري.

 لكن عندما يعم الفساد الكونَ.

فالسماء ترسل الرسول بمنهج يصلح حال البشرية.

وبطبيعة الحال لن يترك المجتمعُ الشريرُ الرسولَ لحاله بل يقاومه؛ لأن مثل هذا المجتمع يريد أن تكون كفة الكون غير متوازنة؛ لأن هناك منتفعين بالفساد والشر، وهم المدافعون عن الفساد، فإن جاء من ينصف الضعفاء والمظلومين فلابد أن يتعرض للمتاعب التي تأتيه من قبل الأقوياء المفسدين.

 إن هذه المتاعب تبدأ أول ما تبدأ في النفس؛ ولأن الرسول مخاطب من الله فيمكنه أن يتحملها لأن الحق قد أعده لهذه المهمة، ومثل تلك المتاعب تأتي أيضاً للأتباع، لذلك يمدهم الله بالمدد الذي يجعلهم يتحملونها.

والحق يحفظ للرسول ذاته على الرغم من كل ما يحدث: {وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ}.

فكأن الحق يقول لرسوله: اطمئن يا محمد؛ لأن من أرسلك هداية للناس لن يخلي بينك وبين الناس.

ولن يجرؤ أحد أن ينهي حياتك.

 ولكني سأمكنك من الحياة إلى أن تكمل رسالتك.

وإيَّاك أن يدخل في رُوعك أن الناس يقدرون عليك، صحيح أنك قد تتألم، وقد تعاني من أعراض التعب في أثناء الدعوة، ولكن هناك حماية إلهية لك.

ونحن نعلم قدر المتاعب التي تعرض لها الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

ألم تكسر رباعيته -صلى الله عليه وسلم- في غزوة أحد؟

ألم يشج وجهه؟

ألم تدم أصبعه فيقول: "إن أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت".

لكن قول الحق سبحانه لرسوله: {وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ} لم يكن المقصود هو منع الجهاد في سبيل الله والمعاناة في سبيل نشر الدعوة.

ولكن الحق يُبَيِّنُ لرسوله: إن أحداً غير قادر على أن يأخذ حياتك.

ولم يمنع سبحانه المتاعب عن رسوله الكريم حتى لا يكون هناك أحد الدَّاعين إلى الله لا يتحمَّل من الآلام أكثر ممَّا تحمَّل رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولننظر ونستمع جيداً إلى ما ترويه عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- حول هذه الآية إنها قالت: سهر رسول الله ذات ليلة وأنا إلى جنبه، فقلت: يا رسول الله ما شأنك؟

قال: (ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة)، فقالت: وبينما نحن في ذلك إذ سمعت صوت سلاح فقال -صلى الله عليه وسلم-: من هذا؟

فقالوا: سعد وحذيفة جئنا نحرسك.

فنام -صلى الله عليه وسلم- حتى سمعت غطيطه ونزلت هذه الآية فأخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأسه من قُبّة آدَم وقال: انصرفوا أيها الناس فقد عصمني الله".

وهناك باحثة بلجيكية عكفت على دراسة سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى وصلت إلى هذه النقطة، فتوقفت عندها لتقول: لو كان هذا الرجل يخدع الناس جميعاً ما خدع نفسه في حياته، ولو لم يكن واثقاً من أن الله يحرسه لما فعل ذلك كتجربة واقعية تدل على ثقته في خالقه.

وأضافت الباحثة البلجيكية: ولذلك أنا أقول بملء اليقين: "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله”.

لقد أسلمت المرأة لمجرد وقوفها عند لمحة واحدة من لمحات حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 ويقول الحق من بعد ذلك: {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ}.

ونعرف أن الهداية تعني الدلالة الموصلة إلى الغاية، وهي أيضاً المعونة التي توصل طالب الهداية إلى الغاية.

وكان الكفار الذين يبيتون للرسول وينهكون أنفسهم في المكر والتفكير والتبييت، فيقطع الحق سبحانه وتعالى عليهم كل سبيل، وينصره عليهم، ويأتي التطبيق العملي لنصر الله للمؤمنين في بدر: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ} [البقرة: 249].

لقد بيتوا، ولكن عند المواجهة لم يقدروا على محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحبه ولم يستطعوا إيذاءه، برغم المكر والتبييت؛ لأن الحق قطع عليهم كل سبيل لإيذاء محمد، ولن توجد وسيلة من وسائل اللؤم والخبث قادرة على قتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وقد تمثل ذلك يوم خرج رسول الله مهاجراً وغطى الله أبصار فتيان القبائل الذين حملوا سيوفهم ليقتلوا محمداً وليفرق دمُه بين القبائل فلم يبصروه لأن الله جعل على أبصارهم غشاوة.

إذن فكلما فكروا في طريقة سد الله عليهم منافذ تنفيذ فكرتهم.

وكأنه يقول لهم: لن تستطيعوا مصادمة محمد في منهجه لا بالعلن ولا بالدس ولا بالخفية، بل أنتم -أيها الكفار- تخدمون الدعوة من حيث تريدون هدمها، فقيامكم ضد محمد في بداية الدعوة كان لإثبات أن الحق جل وعلا أراد أن يشتد عود الدعوة بكفر أهل قريش.

وعندما أردتم قتل محمد وأن يتفرق دمه بين القبائل خرج محمد سالماً وأغشى الله أبصار الذين أرادوا القتل.

وهاجر -صلى الله عليه وسلم-.

 وفي الطريق إلى الهجرة يكون دليله من الكفار وهو عبدالله بن أريقط.

كان ذلك لنعلم أن الكفر كان وسيلة الهداية إلى طريق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 عبدالله بن أريقط وهو كافر لا تغريه المكافأة أن يشى ويسعى بالرسول لدى مشركي مكة.

ولكنهم لم يتخذوا من كل ذلك عبرة.

وكذلك الغنم تُعفَّى الأثر، والأرض تشد قوائم فرس سراقة لتغوص وتسوخ فيها.

 إذن فكل جنود الله في صف محمد بن عبدالله.

وهكذا رأينا كيف لم يهد الحق القوم الكافرين إلى الغاية التي أرادوها وهي التمكن من محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأيضاً لا يهديهم الله إلى الإيمان.

ويقول الحق من بعد ذلك: {قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ...}.



سورة المائدة الآيات من 066-070 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 51846
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 066-070 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 066-070   سورة المائدة الآيات من 066-070 Emptyالإثنين 24 يونيو 2019, 12:57 am

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [٦٨]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

و"قل” -كما نعرف- هي خطاب له -صلى الله عليه وسلم-، وما يلي ذلك بلاغ من الله لأهل الكتاب إنهم بلا منهج لأنهم لم يقيموا التوراة والإنجيل بل حرفوهما، ولم يؤمنوا بالقرآن، وهو المنهج الكامل المنزل على محمد بن عبدالله.

وحين يقول الحق: {لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ} فكلمة "شيء” تقال لأدنى فرد من أي جنس، فالقشة شيء، وورقة الشجرة شيء، وما يطلق عليه شيء -إذن- هو الأقل.

وقوله الحق: {لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ} أي إيَّاكم أن تظنوا أنكم حين تقومون بتنفيذ جزء من تعاليم التوراة والإنجيل وتخفون الباقي وتهملونه تكونون قد أخذتم شيئاً من الهداية، لا؛ فأنتم لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وتؤمنوا بالكتاب الذي أنزل على محمد، والمنهج ليس عرضة لأن تأخذوا منه ما يعجبكم وأن تتركوا ما لا يعبجكم.

وعندما يقال: {لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ}.

ونعرف أن الشيء هو أقل مرتبة في الوجود، ولذلك نقول: شيء خير من لا شيء.

ويقال بالعامية: هاش خير من لاش و"هاش” هو الهالك من ثياب المنزل الممزقة، أي أن الذي يملك ملابس ممزقة أفضل ممن لا يملك شيئاً على الإطلاق.

وقوله الحق: {لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ} هو أيضاًح لهم أنهم في المرتبة الأدنى من الكائنات لأنهم بلا منهج.

ويضيف: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ مَّآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً} أي أنهم لن يظلوا على درجة واحدة ثابتة من الطغيان والكفر، بل كلما أنزل الحق إليك آية يا محمد، وكلما نصرك الله في أمر ازدادوا هم طيغاناً وكفراً.

وكان من المفروض أن زيادة نزول الآيات لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- تكون إضعافاً لتشددهم وترقيقا لقلوبهم، لكنه سبحانه أراد أن تشتد شراستهم ووحقدهم في أمر الاعتراف بالإسلام.

وقد حدث من خالد بن الوليد وكان فارس الجاهلية ضد الإسلام أن قال لعمرو ابن العاص: لقد استقر الأمر لمحمد.

واتجه الاثنان إلى الإسلام على الرغم من أن كلا منهما يعرف قوته ومكانته بين قومه.

وبعد أن رأى خالد وعمرو أن الخيبة هي نصيب الواقف ضد محمد مهما علا شأنه.

ذهبا إلى الإسلام، وهذا هو موقف المتدبر للأمر دون حقد ولَدَد.

أما الذي يزدحم بالمعاناة حقداً ولدداً فتزيده آيات الله لنصرة منهجه حقداً ولدداً وطيغاناً؛ لأن الله شاء ألا يهديهم.

ولذلك تصير كل آية في صف الإيمان والمؤمنين مصدرَ إثارةٍ وغيظ ومرارة في نفوس أهل الكفر.

وهكذا يوطن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمره تجاه هؤلاء الكفار.

إنك يا رسول الله لا تواجه طاقة محدودة ولكنك تواجه طاقة من الشر النامي.

وكل آية إنما تهدي الذي في أعماقه بذرة من خير، أما الذي ينتفي الخير من داخله فالمسألة تزيده شراسة في قلبه.

إن الشرير يُصَعِّد الشر ويزداد جُرمه وإثمه، أما الخير فينزل من قِمّةِ الجرم إلى أقل درجة.

ولنا المثل في قصة سيدنا يوسف عليه السلام، فالحق يقول على لسان إخوة يوسف: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} [يوسف: 8].

ومن بعد ذلك قالوا لأبيهم: {مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ} [يوسف: 11].

ثم أخذوا في التبييت والتدبير وقالوا: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} [يوسف: 12].

وكان أول تدبير لهم هو ما قاله الحق حكاية عنهم: {ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ} [يوسف: 9].

ومعنى القتل هو إزهاق الروح.

وهذه أعلى درجات الشر، لكنهم يتراجعون عنها ويقولون: {أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضاً} [يوسف: 9].

فهم لم يرغبوا في قتله، واكتفوا بأن يتركوه في مكان بعيد، وتصوروا أن بعض السيارة قد يلتقطه فيبعدون يوسف عن أبيه.

إذن هم بدأوا التدبير قتلاً، ثم انتهوا بالتفكير لنجاة يوسف: {ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} [يوسف: 9].

والمرحلة الثالثة قولهم: {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ ٱلْجُبِّ} [يوسف: 10].

والجُبّ فيه مياه، وهناك أناس كثيرون يذهبون إلى مصادر المياه.

هكذا يورد الحق لنا كيفية نمو الخير من بطن الكيد.

 إذن، فقوله الحق: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ مَّآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً} أي أن الكثير منهم سيواصل رحلة التصعيد في الشر، فوطن نفسك يا محمد على ذلك.

 ونلحظ أن الحق قد وضع صيانة لاحتمال أن تفكر قلة منهم في الإيمان، لذلك لم يشملهم كلهم بالحكم، ولكن الحكم شمل الكثرة من هؤلاء الكافرين.

ولذلك يقول الحق لرسوله: {فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ} أي لا تحزن عليهم يا رسول الله.

فعلى الرغم من عداوة وشراسة من صادموا دعوته -صلى الله عليه وسلم- ومحاولتهم كل تلك المحاولات، كان لا يكف عن الدعاء لهم: "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون”.

وكان لا يكف عن القول: "لعل الله يُخرج من أصلابهم مَنْ يعبد الله”.

وقد تم ذلك بالفعل.

وكان الصحابة بعد الغزوات الأولى يقول كل منهم للآخر: أنا حزين لأن عمراً أفلت مني ولم أقتله.

فيقول الآخر: وأنا حزين لأن عكرمة أفلت مني.

ويقول الثالث: وأنا لا أدري كيف أفلت منا خالد بن الوليد.

ولم يُمَكِّنْ الحقُ الصحابة الأوائل من هؤلاء المقاتلين الأشاوس لأنه يدخرهم للإسلام، فكان عدم تمكين المسلمين من هؤلاء تمكيناً للإسلام ليحملوا السيف للإسلام مدافعين وناشرين لدعوته.

وها هوذا عكرمة بن أبي جهل يتلقى الطعنة الأخيرة في حياته فيضع رأسه على فخذ خالد بن الوليد ويسأله: أهذه ميتة تُرضى عني رسول الله؟

إذن فقد أراد الله من عدم تمكين المسلمين منهم في أوائل الغزوات أن يكونوا جنداً للإسلام بقدراتهم القتالية فاستبقاهم أحياء ليخدموا الدعوة.

ويقول الحق بعد ذلك: {إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ...}.



سورة المائدة الآيات من 066-070 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 51846
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 066-070 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 066-070   سورة المائدة الآيات من 066-070 Emptyالإثنين 24 يونيو 2019, 12:58 am

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [٦٩]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

هم -إذن- أربعة ألوان من الذين لم يؤمنوا برسالة رسول الله.

وهذه الآية وردت في صورتها العامة ثلاث مرات، مرة في سورة البقرة، ومرة هنا في سورة المائدة، ومرة في سورة الحج.

 ففي سورة البقرة يقول الحق: {إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62].

ولنلحظ أن كلمة "الصابئين” في هذه الآية منصوبة.

وفي سورة المائدة نجد قول الحق: {إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئُونَ وَٱلنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [المائدة: 69].

ولنلحظ أن كلمة "الصابئون” هنا مرفوعة ومقدمة على كلمة "النصارى”.

وفي آية سورة الحج يقول الحق: {إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئِينَ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلْمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج: 17].

هنا إخبار عن أربعة، وزاد الحق عليهم اثنين في آية الحج، ونجد أن الإخبار يختلف، وكذلك يختلف الأسلوب، فمرة تتقدم النصارى على الصابئين، ومرة تتقدم الصابئون على النصارى، ومرة تكون الصابئون مرفوعة، ومرة تكون منصوبة بالياء.

وأما اختلاف الإخبار، فهو سبحانه يخبرنا في سورة البقرة فيقول: {مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62].

والخبر في سورة المائدة هو: {مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [المائدة: 69].

والخبر في سورة الحج هو: {إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج: 17].

والآيات الثلاث في مجموعها تتعرض لمعنى واحد، ولكن الأساليب مختلفة وكذلك الغايات فيها مختلفة.

 ونلحظ هنا أن الحق قال: "آمنوا” والإيمان هنا هو الإيمان اللفظي أي بالفم وليس بالقلب، والمتصفون بذلك هم المنافقون والذين هادوا، هم أتباع موسى، والنصارى هم أتباع عيسى، والصابئون ليسوا أتباعاً لأحد فقد كانوا أتباعاً لنوح ثم صبأوا عن ديانة نوح وعبدوا الكواكب، أو هم قوم عدلوا عن اليهودية والنصرانية وعبدوا الملائكة.

والمجوس وهم عبدة النار.

إذن الحق يريد أن يجري تصفية إيمانية في الكون، فمن يبادر ويدخل في هذه التصفية.

يسلم من شر ما فعله قبل مجيء الإسلام، ذلك أنهم أضلُّوا أناساً أو حكموا بالظلم.

 والحق في سورة البقرة يقول: {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ} [البقرة: 62].

أي أنه -سبحانه- غفر لهم ما فعلوا من سوء وجزاهم على عملهم الصالح الذي لم يُحبطوه ويُذهبوه بعمل السَّيئات والآثام.

هذا ما يتعلق بالآيتين.

آية سورة البقرة، وآية سورة المائدة، ونلاحظ أن آية سورة المائدة لم يرد فيها قوله: {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ} [البقرة: 62].

ولعل ذلك راجع إلى الاكتفاء بذكرها في سورة البقرة، وذلك له نظير في القرآن الكريم.

كحمل المطلق على المقيد ونحو ذلك.

 أما في آية سورة الحج فهي التي يأتي فيها الحكم: {إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ} [الحج: 17].

كأنهم لن يؤمنوا ولن يعملوا الصالح، فتكون هذه هي التصفية العقدية في الكون.

 وقد جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليصفي المسألة الإيمانية في الأرض ويقول عن المؤمنين بألسنتهم وهم المنافقون: {إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ} وهو ابتداء الخبر، وتكون فيه "الذين آمنوا” في محل نصب لأنه اسم "إن” كما يقول النحاة، وهو سبحانه قال هنا: و"الصابئون” وهي معطوفة على منصوب.

وهذا كسر للإعراب.

إنّ الإعراب يقتضي أن تكون الكلمة منصوبة فتكون "الصابئين” لماذا إذن عدل الحق عن إنزال الكلمة حسب سياقها من الإعراب وأنزلها بكسر الإعراب مع أنه في آية أخرى قال: {إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلصَّابِئِينَ}.

لقد جاءت هنا في مكانها ودون كسر للإعراب، وهي قد جاءت مرة قبل كلمة "النصارى” وجاءت مرة أخرى بعد كلمة "النصارى”.

وهنا لابد أن نتعرف على زمنية الصابئين، فقد كانوا قوماً متقدمين قبل مجيء النصرانية، فإن أردنا أن نعرف زمانهم نجد القول الحق يقدمهم على النصارى، وإن أردنا أن نعرف منزلتهم فإننا نقرؤها في موضع آخر في القرآن ونجدهم يأتون بعد "النصارى”.

إذن فعندما أرّخ الحق لزمانهم جاء بهم متقدمين، وعندما أرّخ لكمّهم وعددهم ومقدارهم يؤخرهم عن النصارى؛ لأنهم أقل عدداً فهم لا يمثلون جمهرة كثيرة كالنصارى.

وجاء بها الحق مرة منصوبة ومرة مرفوعة، لنعرف ونلتفت إليهم.

وكسر الإعراب كان لمقتضى لفت الانتباه.

وكان الصابئة قوماً يعبدون الكواكب والملائكة، وهذا لون من الضلال.

 إذن فهناك اليهود الذي عرفوا أن هناك إلهاً، وجاء موسى عليه السلام مبلغاً عنه، وهناك النصارى الذين عرفوا أن هناك إلهاً، وجاء عيسى ابن مريم -عليه السلام- مبلغاً عنه، وهناك المنافقون الذي أعلنوا الإيمان بألسنتهم ولكن لم يلمس الإيمان قلوبهم.

 وأراد الحق أن يلفتنا إلى أن الصابئين هم قوم خرجوا عن دائرة التسليم بوجود إله خالق غيب، ويحدثنا الحق أنه يغفر لهم إن آمنوا وعملوا صالحاً.

فالإيمان بالله شرط أساسي لقبول العمل الصالح والإثابة عليه.

وجاء بهم متقدمين على النصارى احتراساً وتوقيا من مظنة أنه لا يعفو عنهم إن آمنوا وعملوا العمل الصالح.

ونلحظ أنها جاءت أيضاً في معرض جمع الله فيه بينهم وبين من يعبدون أغياراً من دون الله؛ لأن من يلصق ألوهية بغير الله يكون كمن عبد الكواكب وخرج عن التوحيد.

 إنه سبحانه وتعالى يتيح لكل إنسان أن يدخل حظيرة الإيمان ويقيم تصفية عقدية يدخل فيها الكل إلى رحاب الإيمان ويقطعون صلة لهم بالشرك.

فلو آمن المنافقون واليهود والنصارى والصابئون وعملوا الصالحات فلهم الأجر والمثوبة من الله ولا خوف عليهم من عذاب الآخرة ولا يحزنون على ما فاتهم من الدنيا، وجاء العمل الصالح بعد الإيمان؛ لأن الإيمان إذا لم يقترن بعمل صالح يكون عُرضة للسَّلب -والعياذ بالله- ولا فائدة فيه، وسبحانه يريد أن يسيطر الإيمان على حركة الحياة بالعمل الصالح فيأمر كل مؤمن بصالح العمل حتى يكون لهم الأجر عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

 أما الذين يصرّون على موقفهم الكفري، فإن الله يفصل بينهم يوم القيامة لأنه على كل شيء شهيد.

وكلمة "يفصل” تدلنا على أنه سبحانه وتعالى سيصدر الحكم الذي يبين صاحب الحق من غيره.

ونعرف أن الذي يحكم إنما يحكم ببينة.

والبينة هي الإقرار، والإقرار -بلغة القانون- سيد الأدلة.

أو الحكم بشهود.

أو الحكم باليمين، وهو سبحانه يفصل بين المواقف المختلفة.

والفصل هو القضاء بحكم.

وعندما يكون الذي يحكم هو الذي شهد، فهو العادل.

لذلك قال الحق: {إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج: 17].

ويقول الحق بعد ذلك: {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ...}.



سورة المائدة الآيات من 066-070 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 51846
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 066-070 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 066-070   سورة المائدة الآيات من 066-070 Emptyالإثنين 24 يونيو 2019, 1:01 am

لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ [٧٠]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والميثاق هو العهد المؤكد الموثق، الذي يقتضي الوفاء الشديد.

ولا تُوثق العهود إلا مظنة المخالفة.

والمواثيق في الإيمان بالله كثيرة.

فهناك الميثاق الأول عندما كنا جميعاً في ظهور الآباء.

{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ} [الأعراف: 172].

أو الميثاق الذي أخذه الله لنصرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: {وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَٱشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 81].

أو الميثاق الخاص الذي أخذ على كل أمة.

وفي كل جزئية من جزئيات الدين يؤخذ ميثاق، فنحن في الإسلام مأخوذ علينا الكثير من المواثيق.

وكذلك رأينا النبي وقد أخذ لنفسه الميثاق في العقبة، رأى الرسول أن ما يربطه بالأوس والخزرج الكثير، كما يربطه بكل قوم يحنون إلى الوحدة تحت راية إيمان واحد، وكان اليهود يعتبرون عرب الأوس والخزرج مجرد همج وخدم يعملون لهم، وأرتأوا السيادة لأنفسهم.

وكلما اختلفوا معهم هددوهم بمجيء رسول قادم سيؤمنون به وسيقتلونهم تقتيلاً.

 وكان كل من الأوس والخزرج يحاول أن يستميل اليهود إليه، فالأوس حالفت بني قريظة.

وحالف الخزرج بني قينقاع وبني النضير.

وتلقى الاثنان الوعيد من اليهود بعد ظهور النبي القادم، وذلك ما جعل كلاً من الأوس والخزرج يُسرع إلى التعرف على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجاء في موسم الحج نفر من ستة رجال ودعاهم -صلى الله عليه وسلم- إلى الإسلام فآمنوا به -صلى الله عليه وسلم- وقالوا: إنا تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم فعسى أن يجمعهم الله بك فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك.

 وجاءوا في العام الذي يلي ذلك إلى موسم الحج وزادوا حتى صاروا اثني عشر رجلاً.

وكانت المعاهدة ألا يشرك منهم أحد بالله وألا يسرق ألا يزني وألا يقتل أولاده وألا يأتي ببهتان يفتريه بين يديه ورجليه، ولا يعصي رسول الله في معروف.

وعادوا إلى المدينة ومعهم مصعب بن عمير يعلمهم القرآن.

وفي العام الثالث جاء ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان هما نسيبة بنت كعب أم عمارة، وأسماء بنت عمرو بن عديّ، وكانت مبايعتهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وزاد من ذلك إرباك قريش، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهم: "أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم” فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: نعم والذي بعثك بالحق نبيا لنمنعك مما نمنع منه أزرنا فبايعْنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحرب وأهل الحلْقَة (السلاح) وتكلم أبو الهيثم بن التيهان فقال: يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال حبالاً وإنا قاطعوها -يعني اليهود- فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟

فتبسَّمَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: "بل الدم الدم والهدم والهدم، أنا منكم وأنتم مني أحارب مَنْ حاربتم وأسالم مَنْ سالمتم”.

وبسط يده -صلى الله عليه وسلم- فبايعوه.

وكانت بيعة العقبة ميثاقاً يضمن لأهل البيعة الجنة إن أوفوا به.

وقد أوفوا.

وهذا لون من العهود والمواثيق.

وحين يخبرنا الحق هنا أنه أخذ من بني إسرائيل الميثاق، فمعنى ذلك أن هناك عهداً موثقاً مؤكداً: {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَآءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ} [المائدة: 70].

وقد أخذ الحق الميثاق وأرسل رسلاً بالمنهج، لكنهم كلما جاء إليهم رسول تباحثوا: هل المنهج الذي جاء به على هواهم أولا؟.

فإن لم يكن المنهج على هواهم قتلوا الرسول أو كذبوه على الرغم من أن الميثاق عهد مؤكد باتباع الرسول إن جاء بمعجزة ومنهج بلاغاً عن الله وتنفيذاً له في حركة الحياة.

 لكنّ بني إسرائيل كانوا يتمردون على مناهج الرسل لأنها لا تأتي بما تهواه أنفسهم وأول التمرد التكذيب.

وهو أول خطوة في طريق الإخلال بالميثاق، ولم يكتفوا بالتكذيب، إنما حاولوا حصار الرسول حتى لا يصل المنهج إلى آذان تهتدي به.

ولذلك لا يكتفون بالتكذيب بل قد يقتلون الرسول لأنه جاء بما لا تهوى أنفسهم.

 ما هو الهوى أولاً؟.

هو من مادة "الهاء والواو والألف المقصورة التي ترسم ياء”.

ونجدها منطوقة مرة هَوى ومرة هواء.

ومرة "هوى” بضم الهاء وكسر الواو وتشديد الياء، وكلها تدل على التغلغل والانحياز.

والهوى هو لطف الشيء في النفس والميل إليه.

فالشيء تستلطفه في نفسك فتنزع إليه نزوعاً وقد يكون غير مستحب أو غير مقبول ولا مشروع.

وهل كل الهوى كذلك؟.

 لا، لأن هناك هوى الإيمان الذي علمنا إياه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين يقول: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به".

إذن فمن الممكن أن يتجه الهوى إلى الخير.

وهو الهوى الذي يحمل النفس على أن يسير الإنسان تبعاً للحق.

أما الهواء فهو الذي يتنفسه الإنسان ويستخلص منه الأوكسجين ليغذي به الجسم وتسير به الحياة.

ولذلك يقول الأثر: وأقبلْت كالنَّفَس المرتَدِّ.

إنه الإقبال الرقيق، فنحن نعرف أننا إن أكلنا شيئاً نحبه فإننا نشعر بطعمه، وعندما نشرب شيئاً نحبه فنحن نتذوق طعمه، أما التنفس فهو أمر لا إرادي فعندما نتنفس شيئاً نحبه يكون إحساساً لطيفاً.

 وهناك نطق ثالث ويعبر عن السقوط، وهو الهُوِىّ من هَوى يهوى - بالكسر للواو - ولذلك يقال: هُوِىّ الدلو، أي نزول الدلو إلى المياه التي في البئر.

فأي نوع من الهوى تقصده الآية؟

يقول الحق: {كُلَّمَا جَآءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ} إذن فالهوى الذي يُتَحَدّث عنه هنا هو هوى النفس المجردة عن المنهج، وهو الذي يتحكم في حركة هذه النفس ويقودها إلى غير طاعة الله.

وهل ترك الحق النفس الإنسانية دون عاصم لها؟

لا.

لأنه أنزل الرسل تحمل منهجاً ملخصه "افعل” و "لا تفعل”.

وهكذا يمكن أن يصير المنهج قَيِّماً على خواطر النفس.

 لكن ما دام الحق قد أراد أن يكون المنهج قَيِّماً على خواطر النفس، فلماذا أوجد النفس؟.

لقد أوجد سبحانه النفس لأن وجودها ينبني عليه أن يَهوَى إنسان الحق والحلال لاستبقاء النوع وتجويد العمل لحلال الرزق.

إذن فالغريزة تكون موجودة وقد خلقها الله لمهمة، ولكنه يعصمها بالمنهج من الخروج عن مهمتها.

 ويقول قائل: ما دام الله قد خلق غريزة الجنس.

فلماذا لا نتركها لتعبر عن نفسها؟

ونقول له: اتق الله واعلم أن الغريزة الجنسية إنما جاءت لبقاء النوع، واستخدامها فيما يغضب الله فناء للنوع وانحراف يعاقب عليه المنهج.

 وكذلك أوجد الحق غريزة حب الطعام ليقيم الإنسان حياته ولم يوجدها للقضاء على الحياة بالنهم والتخمة والشره.

وكذلك غريزة حب الاستطلاع ليست موجودة للتجسس على الناس، ولكن هي لاستكشاف أسرار الكون واستنباط الجديد فيما ينفع الناس.

إذن فكل غريزة إنما توجد من أجل مهمة، فإن خرجت عن مهمتها، فالشرع يتحكم ويقول: لا.

إن هناك إطاراً يمكن أن تستخدم فيه الغرائز، والشرع إنما يأتي لا ليمحو الغرائز، ولكن ليعلِىَ من الغرائز ليستعملها الإنسان فيما ينفع لا فيما يضر.

ويقال في المثل العربي: "آفة الرأي الهوى” فإذا ما وقف اثنان أمام القاضي وأحدهما مظلوم والآخر ظالم فالقاضي العادل هو الذي يرفع الظلم عن المظلوم حتى وإن كان له هوى مع الظالم.

ولذلك نجد الحق قد عصم رسوله فقال: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ} [النجم: 3].

والسطحيون هم الذين لا يلتفتون إلى عظمة هذا الأداء البياني ويتساءلون: ما دام الحق يصوب لمحمد فكيف إذن لا ينطق عن الهوى.

ونقول: أنتم لا تُحسنون الفهم عن الله ولا عن رسول الله، فعندما صَوَّبَ اللهُ لرسوله لم يكن الرسولُ قد خرج عن حُكم أراده الله، ولم يعدل حكماً لله حسب هواه الشخصي، وإنما هو ببشريته -صلى الله عليه وسلم- كان يصل إلى حكمٍ ما ويراه ثم ترى السماء تعديلاً له، فينطق محمد بالتعديل كما انزله الله.

ولم يخالف -صلى الله عليه وسلم- ربه في أي أمر.

وجاء كل تصويب لله في أشياء لم يسبق فيها لله حكم، وكان كل تصويب قد جاء لاجتهاد بشرى من رسول الله، ولم يكن في ذلك أي هوى.

وحين قال الحق: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ} [النجم: 3].

إنما يبلغنا أنه لم يكن عند محمد حكم من الله فخالفه الرسول -صلى الله عليه وسلم- اتباعاً لهوى، فمعنى الهوى أن يكون هناك منهج ثم يعدل عنه، وكل التصويبات التي صوّبها الله جاءت في أمور لم يكن فيها حكم.

ولهذا نجد تصويب الحق لرسوله يتسم باللطف، فيقول سبحانه: {عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ ٱلْكَاذِبِينَ} [التوبة: 43].

وهذا العفو لم يكن نتيجة لمخالفة حكم من أحكام السماء، ولكن هو عفو سمح؛ لأن رسول الله أخذ بالاجتهاد البشرى في الأمور التي لم يكن فيها حكم الله، وهو قول الحق:{يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1].

وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد حرّم أموراً على نفسه، ولم يحرمها على الناس، وهنا يوضح له الحق: لا تحرم على نفسك ما أحللتُ لك.

إذن هذا أمر لمصلحة الرسول.

وعندما جاء زيد بن حارثة ليخبر بين أن يكون مع رسول الله كعبد له، وأن يكون مع أهله، آثر زيدٌ رسول الله، فكافأه -صلى الله عليه وسلم- بأن جعله في مقام الابن، وكان التبني معروفاً عند العرب، ونادى الناس زيدا بزيد بن محمد، فلما أراد الله أن يبطل التبني قال: {ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ} [الأحزاب: 5].

وكلمة "أقسط” تعني أعدل، ومعناها أن القسط أيضاً في دائرة العدل.

وعندما يقال: فلان له القسط، أي له العدل.

إذن فالقسط أولاً لرسول الله، والأكثر قسطاً هو حكم الله، فكأنك يا محمد قمت بالقسط عند البشر، ولكن الله يريد لك الأقسط.

 إذن فقوله الحق سبحانه: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ} [النجم: 3].

هو قول لا يستدرك عليه من مخالف لمنهج الإسلام، فإذا ما قال مخالف لمنهج الإسلام: إن الله يصوب لمحمد، فكيف لا ينطق محمد عن الهوى؟.

نقول: وهل تعرف معنى الهوى؟

إن الحكم بالهوى يعني أنّه وجد حكما لله فيعدل الحكم لهواه، ولم يحدث ذلك من سيدنا ومولانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وكل تصويب من الله لم يأت على لسان رجل آخر، إنما جاء على لسان رسول الله نفسه.

وهذه هي منتهى الأمانة في البلاغ عن الله.

والحق يقول عن بني إسرائيل: {كُلَّمَا جَآءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ} إذن فهم فريقان: منهم من لا يقبل على الإيمان بالمنهج لهوى في نفسه فيكذب.

ومنهم من تمتلئ نفسه باللدد وشدة الخصومة على الرسول، ويخشى أن يحيا الرسول لإبلاغ قوم آخرين، فيحاول أن يقتل الرسول.

 والتكذيب هو أول نقطة في اللدد، ثم هناك من يترقى في اللدد ويخشى أن يصل البلاغ إلى قوم آخرين فيحاول أن يقتل الرسول.

والتكذيب هو إنكار لقول أو فعل.

أما القتل فهو إزالة لأصل الحياة.

والذي يقتل هو الأكثر لدداً.

 وتتجلى دقة القرآن حين يأتي الحق بصيغة الماضي، لفئة وصيغة المضارع لفئة أخرى: {فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ} لأن التكذيب هو تأبٍ من المكذِّب، أما القتل فهو تأبٍ على وجود الرسول مِن الذين يكذبون.

والأبشع هو القتل؛ لأنه إزالة لكل أثر من آثار وجود المقتول.

وجاء التكذيب في صيغة الماضي.

وجاء في المسألة البشعة بصيغة المضارع.

 فالحدث حين يكون بشعاً فهو يبرد بعد مرور فترة من الزمن.

وهذا ما يجعل المجتمع يثور عندما تحدث جريمة بشعة، ولكن ما إن تمر عليها عشر سنوات ويصدر الحكم بقتل المجرم لا ينفعل الناس، بل منهم من يتعاطف مع المجرم.

ولذلك يحذرنا الحق أن ننسخ من الأذهان صورة قتلهم للرسل، بل يجب أن نستحضر بشاعته دائما فلا نعطف على الذين قتلوا الرسل، وقد قال علماء العربية: إن التعبير بالفعل المضارع يكون لاستحضار صورة الفعل.

وساعة يأمر القاضي العادل بالقصاص من إنسان قتل إنساناً آخر، فهو لا يجعل القتل حدثاً منسياً لأنه ماضٍ، بل يستحضره في ذهنه وكأن دمه ما زال ينزف ومكان الطعنة واضحاً؛ لأنه لا يأخذ شيئاً مستوراً بالماضي، بل يأخذ شيئاً واقعاً في الحال.

وكأن الحق يأمرنا باستحضار صورة ما حدث أمامنا.

ومثال آخر لاستحضار الصورة: نجد الحق يقول لنا:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً} [الحج: 63].

إنه أنزل الماء، لكنه يتبع ذلك: {فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً} [الحج: 63].

هو سبحانه يستخدم الفعل المضارع لتظل الصورة في أذهاننا مستحضرة في الحال وفي الاستقبال.

والحق يقول: {فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ} وكيف يقول الحق: إنهم يقتلون الرسل، والرسل لا تقتل، وأنه سبحانه يريد أن يجعل لهم من العمر ما يمكنهم من تمام البلاغ عنه، إن الأنبياء فقط هم الذين يجوز عليهم القتل؟

ونقول: إن الأنبياء رسل أيضاً بدليل أن الحق قال: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ} [الحج: 52].

إن كليهما مرسل، والفرق أن الرسول يصحب وينزل معه منهجه، والنبي مرسل كنموذج هداية بمنهج قد سبق.

ويقول الحق من بعد ذلك: {وَحَسِبُوۤاْ أَلاَّ تَكُونَ...}.



سورة المائدة الآيات من 066-070 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة المائدة الآيات من 066-070
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: المائدة-
انتقل الى: