أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: تعريف الغلو ونشأته وملامحه الأحد 23 يونيو 2019, 3:34 pm | |
| وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حبلٌ ممدود بين الساريتين فقال: "ما هذا الحبل؟" قالوا: هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلّقت، فقال النبي صلى الله عليه و سلم:" لا. حُلُّوه ليُصَلِّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد" [14] وفي هذا الحديث كما قال الحافظ ابن حجر: (الحث على الاقتصاد في العبادة والنهي عن التعمق فيها والأمر بالإقبال عليها بنشاط) [15].
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل، نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"مُرْهُ فليتكلم وليستظل، وليقعد، وليتم صومه" [16].
قال ابن حجر: وفيه أن كل شيء يتأذى به الإنسان، ولو مآلاً مما لم يرد بمشروعيته كتاب أو سنة، كالمشي حافياً، والجلوس في الشمس ليس هو من طاعة الله، فلا ينعقد به النذر) [17].
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة قال: "مَنْ هذه؟" قالت: فلانة تذكر من صلاتها قال: "مه عليكم بما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا"، وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه [18].
قال ابن حجر: قوله: "عليكم بما تطيقون" أي: اشتغلوا من الأعمال بما تستطيعون المداومة عليه، فمنطوقه يقتضي الأمر بالاقتصار على ما يطاق من العبادة، ومفهومه يقتضى النهي عن تكلف ما لا يطاق) [19].
وهذا الغلو العملي تتكرر صوره في كل زمان على يدي أفراد من النّاس على مرّ التأريخ، وقد يتحول إلى رأي تتبناه جماعة أو فئة تلزم أفرادها بألوان من الغلو في التعبدات.
وأما الغلو الكلي الاعتقادي: وهو: المتعلق بكليات الشريعة وأمات مسائلها، وهذا الغلو أشدُّ خطراً من الغلو الجزئي العملي؛ لأنه يتجاوز حدود خاصة عمل الإنسان ليكون هو المحدد لمواقفه من الخلق، ومنه يحدث الافتراق.
وقد وقعت بذرة الغلو الكلي الاعتقادي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكان وقوعه نتاج عوج نفسية الغالي، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيمن غلا غلواً اعتقادياً في زمنه فطعن في مقام النبوة: " إنَّ مِنْ ضِئْضِىءِ هَذَا قَوْما يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإسْلاَم، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ" [20].
وقد نمت تلك البذرة الخبيثة؛ لتثمر شراً وفتناً فظهرت فرق الغلو وعلى رأسها الخوارج، ولم ينقطع حبل الغلاة إلى عصرنا الحديث الذي أضحت فيه مشكلة الغلو من أهم المشكلات في العصر الحديث، وصارت همّاً يؤرق أعداء الإسلام والمسلمين، كما هي همّ يؤرق أهل الإسلام.
وبالتأمل في النصوص الناهية عن الغلو، والنصوص التي فيها معالجة لبعض قضاياه، والنصوص التي فيها بيان قيام الدين على اليسر ورفع الحرج، تتضح ملامح الغلو فيما يلي: 1 - أن يكون الغلو متعلقاً بفقه النصوص، وذلك بأحد أمرين: أ - تفسير النصوص تفسيراً متشدداً، يتعارض مع السمة العامة للشريعة، ومقاصدها الأساسية، فيشدد على نفسه وعلى الآخرين.
ب - تكلف التعمق في معاني التنزيل مالم يكلف به المسلم (ومن طماح النفوس إلى ما تكلف به نشأت الفرق كلها أو أكثرها)[21].
2 - أن يكون الغلو متعلقاً بالأحكام، وذلك بأحد أمرين: أ - إلزام النفس أو الآخرين بما لم يوجبه الله -عز وجل- تعبداً وترهباً، وهذا معياره الذي يحدده الطاقة الذاتية، حيث إن تجاوز الطاقة وإن كان بممارسة شيء مشروع الأصل يعتبر غلواً،والقضية في هذا تختلف باختلاف الناس و (الفرق بين المشقة التي لا تعد مشقة عادة، أو التي تعد مشقة هو: أنه إن كان العمل يؤدي الدوام عليه إلى الانقطاع عنه، أو عن بعضه، أو وقوع خلل في صاحبه في نفسه، أو ماله، أو حال من أحواله، فالمشقة هنا خارجة عن المعتاد، وإن لم يكن فيها شيء من ذلك في الغالب فلا يعد في العادة مشقة )[22].
ب - تحريم الطيبات التي أباحها الله -عز وجل- على وجه التعبد، فهذا من الغلو، كما يتضح ذلك في بعض روايات حديث النفر الثلاثة حيث حرَّم بعضهم على نفسه أكل اللحم.
ج – ترك الضروريات أو بعضها، وذلك كالأكل والشرب، والنوم والنكاح، فتركها يعتبر غلواً، ويتضح ذلك ـ أيضاً ـ في قصة النفر الثلاثة.
3 - أن يكون الغلو متعلقاً بالموقف من الآخرين، وذلك بأحد أمرين: أ - أن يقف الإنسان من البعض موقف المادح الغالي الذي يوصل ممدوحه سواء أكان فرداً أم جماعة إلى درجة العصمة فيجعله مصدر الحق، وإنما مصدر الحق: كتاب الله -عز وجل- وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ب - أن يقف الإنسان من بعض الناس أفرادٍ أو جماعات موقف الذام الغالي، فيصم المسلم بالكفر والمروق من الدين، أو يصم المجتمع المسلم بأنه مجتمع جاهلي.
وفي كل مظهر من مظاهر الغلو وأعماله تجد ملمحاً من هذه الملامح، كما أن الحوادث، وأعيان وقائع الغلو تظهر أن وراء ما حدث جانب من جوانب الغلو.
بل إن الحوادث، وأعيان وقائع الغلو لا تكون إلا وقد سبق فكر ورأي وغلو نظري، فالذين قاموا بالتفجيرات مثلاً: كفَّروا قبل أن يفجروا.
وهنا يحسن أن أنبه على بعض الملاحظ: أ - إنّ الغلو في حقيقته حركة في اتجاه القاعدة الشرعية والأوامر الإلهية، ولكنها حركة تتجاوز في مداها الحدود التي حدّها الشارع ينظر كمال أبو المجد: التطرف غير الجريمة: (36 ـ 37)، فهو مبالغة في الالتزام بالدين، وليس خروجاً عنه في الأصل، بل هو نابع من الرغبة في الالتزام به.
ب- إنّ الغلو ليس دائما فعل بل يدخل فيه الترك أيضاً، فترك الحلال وتحريمه ضرب من ضروب الغلو، هذا إذا كان على سبيل التدين، والالتزام بالدين.
ج - إن نسبة الغلو إلى الدين بقول (الغلو الديني) أو (التطرف الديني) تجوز في العبارة إذ الغلو إنما هو في أسلوب التدين لا الدين نفسه[23] ولذلك جاء التعبير القرآني بقول ﴿لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾ [النساء: 171] وقال صلى الله عليه وسلم: " إياكم والغلو في الدين "[24].
د - إنَّ الحكم على العمل بأنه غلو يجب أن يُتأنى فيه، ويُنظر إلى العمل بدقة، فقد يحكم عليه بأنَّه غلو مع أنه سليم ولكن الوسيلة إليه قد تكون من باب الغلو فيقع الخلط من هذا الباب.
هـ - إنه ليس من الغلو طلب الأكمل في العبادة ولكن من الغلو الإثقال على النفس إلى درجة الملل قال بعض العلماء: (وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة، فإنه من الأمور المحمودة،بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل)[25].
و - قد اتضح في ضوء بيان حقيقة الغلو في الشرع، أنَّه ليس من العدل أن نصف إنساناً بالغلو لأنه التزم رأياً فقهياً متشدداً -من وجهة النظر المخالفة- إذا كان التزامه بناءً على أحد أمرين: • اجتهاد سائغ شرعاً لمن بلغ درجة الاجتهاد. • تقليد لعالم شرعٍ موثوق في دينه وعلمه لمن لم يبلغ درجة الاجتهاد.
وتوفر أحد هذين الشرطين دليل على صحة الالتزام، وخلوه من اتباع الهوى ذلك أن متبعي الحق يفعلون ما يؤمرون به من حسن القصد، والاجتهاد لمن قدر عليه، أو التقليد لمن لم يقدر على الاجتهاد،، ثم الأخذ في العمل بما قام الاعتقاد على صحته وبعكس ذلك أهل الأهواء، فإنهم ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ﴾ [النجم: 23] ويجزمون بما يقولون بالظن والهوى جزماً لا يقبل النقيض مع عدم العلم، فيعتقدون ما لم يؤمروا باعتقاده، ويقصدون ما لم يؤمروا بقصده، ويجتهدون اجتهاداً غير مأذون فيه، وهم بذلك مسيئون متعرضون لعذاب الله، مع العلم أنه قد يقترن بالهوى شبهة فيصبح حقيقياً بوصف الإساءة أيضاً[26].
والأخذ بالرأي الأشد من الآراء المختلفة لا يعد دليلاً على الغلو، إذ قد يكون الرأي الأشد هو الصواب ولكن الغلو واقع من جهة أخرى، وذلك بأن يأخذ الإنسان برأي ثم يصم المخالفين بالمروق من الدين أو بالإعراض عن كتاب الله أو يجعل رأي مُقَلَّده بمنزلة رأي المعصوم وينتصر له بغير هدى من الله، فيدخل في الغلو، وبهذا يكون الغلو في الوسائل إلى إيصال القناعات، وليست القناعة نفسها من باب الغلو وهذا الأمر كان معنى حاضراً في أذهان السلف بدءاً من الصحابة فمن بعدهم فقد كان عبد الله بن عمر متشدداً في فقهه ولم يكن يوسم بالغلو، وكثير من المعاصرين وقعوا بسبب غياب هذا عنهم في خلط عجيب في حقيقة الغلو. ________________________________ [1] معجم مقاييس اللغة: ( مادة غلوى). [2] اقتضاء الصراط المستقيم: (1/ 289). [3] فتح الباري: (13/ 278). [4] ابن تيمية: الفتاوى: (3/ 362). [5] تيسير العزيز الحميد: (256). [6] الاعتصام: (2/ 200). [7] رواه أحمد: (1/ 215، 347). [8] نقلاً عن سليمان بن عبدالله: تيسير العزيز الحميد: (275). [9] انظر: ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم: (1/ 289). [10] انظر: الشاطبي: الاعتصام:(2/ 201). [11] الشاطبي: الاعتصام:(2/ 200). [12] رواه البخاري (8/ 52) ومسلم: (1/ 740) برقم: (1063). [13] رواه البخاري: (6/ 116) ومسلم (2/ 1020) رقم: (1401). [14] رواه البخاري: ومسلم. [15] فتح الباري: (3/ 37). [16] رواه البخاري. [17] فتح الباري: (11/ 590). [18] رواه البخاري ومسلم. [19] فتح الباري: (1/ 102). [20] رواه البخاري: (8/ 52) كتاب استتابة المرتدين: باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم، ومسلم: (1/ 740) برقم: (1063) كتاب الزكاة: باب ذكر الخوارج وصفاتهم. [21] الشاطبي: الموافقات: (2/ 89). [22] المصدر نفسه: (2/ 123). [23] ينظر محمد سعيد العشماوي: التطرف في الدين وأبعاده، مجلة المنار عدد: 36 (81). [24] سبق تخريجه: (ص 6). [25] ابن المنير، نقلاً عن ابن حجر: فتح الباري: (1 / 94). [26] ينظر ابن تيمية: الفتاوى: (29 / 43).
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/web/lwaiheq/0/100417/#ixzz5pXNHohjn |
|