أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52652 العمر : 72
| موضوع: المبحث الأول: عقد الزواج والأحكام المتعلقة به وآثاره المالية الإثنين 10 يونيو 2019, 2:45 pm | |
| المبحث الأول: عقد الزواج والأحكام المتعلقة به وآثاره المالية يمر موضوع الزواج بمراحل وإجراءات عدة يتوسطها الزفاف والإشهار، ذلك ما تتضمنه المطالب التالية: المطلب الأول: عقد الزواج وأحكام الإشهاد والإشهار والإعلان والزفاف.
أولاً: مفهوم الزواج بما أن العقود تنشأ عن اجتماع الإرادات والرغبات المتقابلة بين أشخاص تتوفر فيهم شروط محلية العقد حسب موضوع أي عقد من العقود، فإن عقد الزواج في اصطلاح الشرع هو عقد يفيد ملك المتعة قصداً (3)، أي حل استمتاع الرجل من امرأة لم يمنع من نكاحها مانع شرعي بالقصد المباشر بلفظ إنكاح أو تزويج.
وهو في اصطلاح المعاصرين (4): عقد الرجل على امرأة تحل له شرعاً، بحيث يفيد حل استمتاع المرأة بالرجل، وملك استمتاع الرجل بالمرأة على الوجه المشروع.
وعرفه قانون الأحوال الشخصية الأردني الجديد في المادة (5) ونصه: (الزواج عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعاً لتكوين أسرة وإيجاد نسل).
وبما أن الرغبة والقصد المباشر عند كل من طرفي العقد أمر خفي يصعب الاطلاع عليه، فقد أقيمت دلالة الإيجاب والقبول بين الطرفين مقام الرضا، صراحة بلفظ إنكاح أو تزويج، أو دلالة أو إشارة عند العجز عن ذلك.
حيث جاء في المادة (6): (ينعقد عقد الزواج بإيجاب من أحد الخاطبين أو وكيله، وقبول من الآخر أو وكيله في مجلس العقد).
وقد اتفق الفقهاء (5) على اعتماد لفظي الإنكاح والتزويج للتعبير عن ذلك صراحة، لورودهما في القرآن الكريم في قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:٣]، وقوله تعالى: {زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37]، واختلفت الأقوال فيما عداهما من الألفاظ.
وعقد الزواج الصحيح في الشريعة الإسلامية يرتب على العاقدين عدة آثار بمجرد الانعقاد، كحفظ حق الزوج في منع الغير من الخطبة، والعقد على المعقود عليها، وحرمة المصاهرة، وغيرها كما سيأتي بيانه.
ثانياً: الإشهاد نظراً لما لعقد الزواج من أهمية تختلف عن أهمية العقود الأخرى، فقد أحاطه الشارع الحكيم بعناية بالغة، حيث لم يكتف بتوافق الإيجاب والقبول وموافقة الأولياء، بل طلب إشهاد المجتمع المحيط بالعاقدين، ممثلاً بشاهدين عاقلين كحد أدنى، فالمجتمع صاحب الحق في ذلك، باعتبار العاقدين جزءاً لا يتجزأ منه ولبنة صالحة في بنائه السليم.
والإشهاد لغة (6): من الشهود والشهادة: وهو الحضور مع المشاهدة، إما بالبصر، أو بالبصيرة.
قال تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282]، إلى قوله تعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282]، أي: لا يمتنعوا عن الحضور إذا لزم الأمر، ولا يخرج معناه اصطلاحاً عن المعاني اللغوية.
حكمه: ذهب الجمهور (7): إلى أن الإشهاد شرط، وأنه من مكونات عقد الزواج، واعتبره المالكية سنة عند العقد، لكنه يكون واجباً مع الإشهار عند الدخول (8).
وقد استدل الجمهور لذلك بأدلة عدة منها: قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) (9)، لأن اتصال الرجل بالمرأة سراً يكون حراماً، فإن ضدّه يكون حلالاً، والحلال يشمل كل شيء لا يعاقب عليه باستعماله، ويطلق عند الفقهاء على غير الحرام، فيدخل فيه الواجب والمندوب والمباح (10)، وذلك يكون بحضور الولي والشهود، كما أن عقد النكاح يتجاوز العاقدين إلى الولد، فلا بدّ من الإشهاد لحفظ نسبه (11).
والتفريق بين السِّفاح والنِّكاح يكون بالإشهاد: وقد أخد بوجوب الإشهاد قانون الأحوال الشخصية في المادة (8) ونصها: (يشترط في صحة عقد الزواج حضور شاهدين رجلين، أو رجل وامرأتين...) إلى قوله (وتجوز شهادة أصول الخاطب والمخطوبة وفروعهما على العقد).
ثالثاً: الإعلان هو في اللغة (12) خلاف الإسرار، وأكثر ما يقال ذلك في المعاني، وهو الظهور والإبانة والإشاعة، وخلافهُ: السرّ.
ويؤيد ذلك قوله تعالى: {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} [نوح: 9]، أي سراً وعلانية.
ويتفق معناه الاصطلاحي مع المعنى اللغوي: لأنه يعني إظهار الزواج وإشاعته بين جمع من الناس يتحقق بهم معنى الإعلان، وله عدة مظاهر منها (13): توجه العريس وأهله إلى بيت أهل العروس باحتفالية ظاهرة ومعلنة، يشهدها المجتمع ويشارك فيها ويحفز المقبلين على الزواج، ومنها دعوة الناس إلى طعام الوليمة أو الحلوى. والإعلان مبني على الإشهاد، وأوسع منه لاستفاضته بين الناس (14).
حكمه: ذهب المالكية (15) إلى اشتراطه، لأنهم يرون الإشهاد مع التوصية بالكتمان لا يتضمن الإعلان، فهو مطلوب لصحة الدخول، فلو حصل دخول دون إعلان لم يصح إلا إن فشا، وفشوّه يكون بضرب الدفّ الذي يكون في الأعراس (16)، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالغربال) (17).
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (فصل ما بين الحلال والحرام الدفّ ورفع الصوت في النكاح) (18).
واكتفى الجمهور (19) عن الإعلان بالإشهاد كما تقدم، واعتبروه إعلاناً، ولا خلاف في أنه إذا اجتمع للعقد الإشهاد والإعلان، فهذا الذي لا نزاع في صحته (20) ذلك خروجاً من الخلاف.
ومما له صلة بالإعلان ومرادف له، الإشهار: هو في اللغة (21) من الشُهرة، وهو وضوح الأمر، كالإعلان، وهو في الاصطلاح لا يخرج عن هذا المعنى.
فإشهار الزواج: يعني إظهاره ونشر خبره في المجتمع الذي يحيط به، بحيث يفشو بنحو ضرب دفّ أو وليمة (22)، أو إعلام الناس عن طريق الطبول والأنوار والزينات (23)، وذهب الإمام أحمد في رواية (24): إلى وجوب الأمرين معاً، الإشهاد والإشهار أو الإعلان، وقيد ابن تيمية وجوب الإشهاد بخشية التجاحد والإنكار، إذا كان النكاح في موضع لا يظهر فيه، فيكون الإعلان والإشهاد، وإلاّ فيكفي الإشهار والتسامع بين الناس، لأنّ الإعلان مع الدوام يغني عن الإشهاد (25).
رابعاً: الزفاف هو في اللغة (26)، مصدر زفّ زفافاً بمعنى أسرع، لقوله تعالى: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} [الصافات: 94]، أي يسرعون، ويأتي بمعنى: نقل العروس من بيت أهلها وإهدائها إلى بيت زوجها بسرعة (27)، والزفاف ملازم للبناء، فيقال بنى على أهله، ومن الخطأ الشائع قولهم: بنى بأهله.
وكان العُرف: أن يبني الزوج ليلة زفافه ودخوله قبة أو خيمة حسب ما كان سائداً، فقيل لكل داخلٍ بأهله: بانٍ (28)، وقد بنى النبي -صلى الله عليه وسلم- على عائشة وهي بنت تسع (29).
ومما يلازم الزفاف: العُرس بالضم، وهو اجتماع النساء لزفاف المرأة إلى زوجها (30).
والعِرس بكسر العين: اسم للزوجة ليلة عرسها، والعروس وصف يستوي فيه الذكر والأنثى ما داما في إعراسهما (31)، ويلاحظ من المعنى اللغوي للزفاف، أن الأصل أن تهدى العروس إلى زوجها بمجرد العقد عليها، فإذا تأخَّر هذا الإهداء لسبب ما، فإنه يجب الإسراع برّدها إلى بيت زوجها باحتفال مبهج بالفرح والسرور، وهو واجب على الزوج وحق لها ولأهلها، ويسمى هذا الاحتفال بيوم الزفاف (32).
حُكمه: الزفاف من السُّنن العملية في أعراف المسلمين الخاصة والعامة.
وهو حق من حقوق الزوجة تكريماً لها ولأهلها، ولهم الحق في منع تسليمها للزوج بغير ذلك، ولا تعتبر ناشزاً بمطالبتها بذلك الحق، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف) (33)، وما روي عن علي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرّ هو وأصحابه ببني زريق، فسمعوا غناءً ولعباً فقال: (ما هذا؟ فقالوا: نكاح فلان يا رسول الله، فقال عليه السلام: "كمل دينه، هذا النكاح لا السِّفاح، ولا نكاح في السِّرِّ حتى يُسمع دُفٌ أو يُرى دُخان) (34).
وروي عنه -صلى الله عليه وسلم- قوله: (فصل ما بين الحلال والحرام، الدُّفّ والصوت في النكاح) (35)، والمقصود بالصوت: إعلان النكاح واضطراب الصوت به والذكر في الناس.
وبهذا يتبيَّن أن الزفاف شرط غير منصوص عليه صراحة، ولابد من اعتباره، لأنه يحقق مصالح النكاح من مودة وتكريم، وهذه لا تحصل إلا بتكلف. يقول الكاساني: إن ما ضاق طريق إصابته يعزّ في الأعين فيعز إمساكه، وما سهل طريق إصابته يهون في الأعين فيهون إمساكه (36)، فالنكاح بدون إشهار أو زفاف يسهل طريق الوصول إليه، فيهون في أعين أصحابه ويهون إمساكه عليهم.
ومعلوم أنه ليس للزفاف وقت ممنوع شرعاً، لا بين العيدين كما يشيع بين بعض العامة، ولا ليلة سبت ولا أحد، إلا أنه لا ينبغي أيام رمضان المبارك وأيام الإحرام بالحج، وحالات الحيض، مخافة الوقوع في المحذور الشرعي.
ومما ينبغي التنبه إليه: استحباب اقترانه بنية إقامة السُّنَّة ونية التحصُّن عن الوقوع بالحرام، كما ينبغي التزيُّن والاغتسال والتطيب من كليهما (37)، لقوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 228]، وجميع ذلك ما يعين على إنجاح مقاصد الشارع في حفظ النسب (38). |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52652 العمر : 72
| موضوع: رد: المبحث الأول: عقد الزواج والأحكام المتعلقة به وآثاره المالية الإثنين 10 يونيو 2019, 2:49 pm | |
| المطلب الثاني: الآثار المالية المترتبة على عقد الزواج تسعى الشريعة الإسلامية إلى توفير الظروف الملائمة لإنجاح الحياة الزوجية، من خلال تشريع الأحكام المناسبة بمجرد انعقاد عقد الزواج، ضماناً لحقوق كل من الزوجين، وحسماً للنزاع المحتمل، ومن أبرز تلك الحقوق، الحقوق المالية، وبعضها خاصّ بالزوجة، كالمهر والنفقة، وبعضها مشترك بينهما كالميراث...
وفيما يلي بيان تلك الحقوق والآثار ضمن الفروع التالية: الفرع الأول: حق المهر للفقهاء تعريفات للمهر، تلتقي عند المال الواجب للزوجة على زوجها بالعقد عليها أو بالدخول بها، أو: هو العوض في النكاح.
ويسمى صداقاً، وأجراً، ونِحلة، وفريضة (39).
حُكمه: اتفق الفقهاء (40) على وجوب المهر للزوجة وجوباً غير مستقر، سواء كان مُسمّى، أم مهر مثل، فقد يثبت كله وقد يتنصف وقد يثبت الأقل من المسمّى أو مهر المثل، فالمقصود في ذلك واحد لقوله تعالى: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النساء: 24]، أي: حال كونه فريضة أي: مفروضاً: فالأمر فيه للوجوب، وهذا يدل على أهميته، وقوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (اذهب فاطلب ولو خاتماً من حديد) (41)، وللإجماع كما نقله ابن عبد البر بقوله: "أجمع المسلمون أنه لا يجوز وطء في نكاح بغير صداق" (42)، والوطء في دار الإسلام لا يخلو من عَقْرٍ (حدٍّ) أو عُقْرٍ (مهرٍ)، احتراماً لإنسانية المرأة وكرامتها (43)، أما تأكده، فقد اتفق الجميع على تأكده بالدخول أو الموت (44)، لحديث ابن مسعود في قضية بروع بنت واشق (45)...
وجرى الخلاف في أمرين: الخلوة الصحيحة وإقامة الزوجة سنة بعد الزفاف بلا وطء، فالحنفية والحنابلة (46): أكدوا كامل المهر بالخلوة الصحيحة وعليها العدّة، فلأنها سلمت المبدل إلى زوجها، فأوجب على زوجها تسليم البدل إليها وهو المهر، كما في البيع والإجارة، حيث إن المبدل هو ما يستوفى بالمنافع ومحلها العين، فيقام تسليم العين مقام تسليم المنفعة وهو الوطء، مستدلين بقوله تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21]، وبما روى الإمام أحمد والأقدم بإسنادهما عن زرارة بن أبي أوفى قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن من أغلق باباً وأرخى ستراً فقد وجب المهر والعدة (47).
واشترط الحنفية في الخلوة الصحيحة المستتبعة لآثارها، ألا يمنع الوطء فيها؛ ما يلي: 1. مانع طبيعي: كالمرض والقرن، والرتق، والجب، والعنَّة، والحيض، والنفاس.
2. مانع شرعي: كالإحرام بالحج أو العمرة أو صوم رمضان.
3. مانع حسي: كوجود شخص مميز مع الزوجين. (الموصلي، الاختيار، 3/103، ابن الهمام، شرح فتح القدير، دار إحياء التراث العربي، 3/217).
وزاد الحنابلة (48) أن كامل المهر يجب فيما يُعدّ من مقدمات الجماع، كاللمس بشهوة أو التقبيل، ولو حصل ذلك بغير خلوة، لأن ذلك يعدّ استيفاءً لبعض أحكام الزواج، حملاً للمسيس على ظاهره اللغوي وهو المسّ دون الجماع، كما تأوله بعض الصحابة كما في زوجة العنين المؤجل، فإنه يجب لها الصداق عند الطلاق لطول مقامها معه، فجعل للخلوة دون جماع أثراً في إيجاب الصداق، حيث استحل الزوج بذلك مالاً يحل لغيره.
وقد علّق الإمام أبو زهرة (49) رحمه الله على ذلك بأنه نظر سليم، خصوصاً في عصرنا، لما فيه من الاحتياط للفتاة وأسرتها، حيث غلب على كثير من الناس التساهل في التقاء الشاب والفتاة بمجرد العقد وقبل الزفاف, فربما يعدل الشاب عن إتمام الزواج بعد الاصطحاب الطويل، مما يدفع إلى القول بخطورة ذلك وإيجاب كامل المهر.
كما أوجب المالكية (50) كامل المهر بالإقامة عند الزوج سنةً بعد الزفاف ولو لم يحصل بينهما مسيس.
أما الشافعية (51): فلم يوجبوا كامل المهر بالخلوة، ما لم يحصل فيها مسيس، لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237]، وهذه لم تُجامع ولم تُمّس، وبرأي الحنفية والحنابلة: أخذ قانون الأحوال الشخصية الأردني في المادة (43) المعدلة ونصها: (إذا سُمي مهر في العقد الصحيح، لزم أداؤه كاملاً بوفاة أحد الزوجين ولو قبل الدخول أو الخلوة أو بالطلاق بعد الخلوة الصحيحة)، وهذا الرأي أحوط لحفظ الحقوق، وقد يسقط نصفه (52)، إذا حصلت الفرقة قبل الدخول أو الخلوة الصحيحة بسبب من الزوج سواء كانت الفرقة طلاقاً أم فسخاً.
وبهذا أخذ القانون الأردني في المادة (45) المعدلة ونصها: (الفرقة التي يجب نصف المهر المسمّى بوقوعها قبل الدخول أو الخلوة، هي: الفرقة التي جاءت من قبل الزوج سواء كانت طلاقاً أم فسخاً كالفرقة بالإيلاء واللعان والرّدة وإباء الزوج الإسلام إذا أسلمت زوجته، وبفعله ما يوجب حرمة المصاهرة).
أما سقوط كل المهر (53) فقد نصت عليه المادة (48) المعدلة، ونصها: (يسقط المهر كله إذا جاءت الفرقة بسبب من الزوجة كردتها أو بفعلها ما يوجب حرمة المصاهرة وإن قبضت شيئاً من المهر ترده).
الفرع الثاني: حق النفقة تعتبر النفقة أثراً مهماً وحقاً أصيلاً من حقوق الزوجة التي رتبها لها الشارع.
والمُراد بالنفقة هنا: اسم لما ينفقه الزوج على زوجته من مال للطعام والكساء، والسكنى (54) والحضانة للمطلقة بائناً.
وحُكمها: الوجوب، بالكتاب والسُّنَّة والإجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6]، وقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]، وقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7]، وذلك يعني النفقة.
وأما السُّنَّة: فقوله -صلى الله عليه وسلم-: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) (55).
وأما الإجماع (56): فقد أجمع أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن.
وقت وجوبها: للعلماء في ذلك رأيان: ذهب الحنفية والظاهرية (57)، إلى أن النفقة تجب بالعقد عليها باعتبارها محبوسة لحق الزوج، وتحرم خطبتها فضلاً عن العقد عليها من الغير، صيانة لنسب أولاده، حملاً لحقيقة النكاح على العقد، وسواء كان الحبس حقيقة بعد الدخول، أم حكماً، أي: بالتخلية والتسليم، يعني: عدم ممانعتها الانتقال وإن لم يطلبها الزوج، لأنه يكون قد ترك حقه مع إمكان الاستيفاء.
فإن طالبها وامتنعت بلا عذر مقبول فهي ناشز، تأثم وتمنع من النفقة عليها، وتجبر على الانتقال بالوسائل التي تتناسب مع الآداب الكريمة إذا استوفت معجل صداقها.
وليس من الآداب الكريمة جلبها بواسطة الشرطة، ثم إنّ إيجاب النفقة للحبس يشبه نفقة إمام المسلمين المحبوس لمصالحهم (58)، وذهب الجمهور، وبعض متأخري الحنفية (59): إلى أن سبب وجوبها، هو الزوجية والاحتباس أو التسليم الحُكمِي، وذلك باستعداد الزوجة لتسليم نفسها والانتقال إلى بيت الزوجية، وليس مجرد العقد، حملاً للنكاح على الدخول، فلا نفقة لها حتى تزف إلى منزل الزوج، حيث إن الزوجة لا تكون تحت القوامة إلا بعد انتقالها إلى بيت الزوجية، أو باستعدادها لتسليم نفسها للزوج عند طلبه ذلك.
لقوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 34]، فالقوامة غير متصورة قبل ذلك.
فإن كان تأخير انتقالها إلى بيت الزوجية برغبة الزوج واختياره، فإن نفقتها تصبح واجبة عليه، وإن كان عدم انتقالها بسبب راجع إليها أو إلى وليها بلا سبب مقبول، فلا نفقة لها عندئذٍ وإن أقاما سنين عديدة، لفعله -صلى الله عليه وسلم-، حيث تزوج السيدة عائشة ولم يدخل بها سنتين، ولم يثبت أنه أنفق عليها إلا بعد الدخول (60)، وهذا ما جرى عليه العرف في أغلب بلاد المسلمين.
وبرأي الحنفية أخذ قانون الأحوال الشخصية الأردني حيث جاء في المادة (60) معدلة: (تجب النفقة للزوجة ولو مع اختلاف الدين من حين العقد الصحيح، ولو كانت مقيمة في بيت أهلها، وإذا طالبها الزوج بالنقلة وامتنعت بغير حق شرعي فلا نفقة لها، ولها حق الامتناع عند عدم دفع الزوج مهرها المعجل أو عدم تهيئة مسكن شرعي لها).
ومن اللافت للنظر: أن القانون قد أوجب النفقة بمجرد العقد مخالفاً بذلك أعراف المسلمين عموماً التي لم توجب النفقة بمجرد العقد...
وذلك بتصوري راجع إلى عدّة أسباب، أهمها: الأول: والأهم هو حسم النزاع المتوقع ولو لآحاد المجتمع، لأن أعراف المسلمين في ذلك ليست واحدة.
الثاني: حفظ كرامة المرأة فيما لو حصل للزوج بعد العقد حبس أو غيبة طويلة.
الثالث: استعجال إتمام الزفاف تداركاً لما يترتب على تأخير الزفاف من مفاسد، فقد تشكل النفقة عامل ضغط لاستعجال الزفاف، بينما تساهل القانون في مسألة عدم ضبط العلاقة من حيث المبيت عند زوجها أو المسافرة معه قبل الزفاف مما هو سائد بين الناس وما يترتب على هذا العرف من مفاسد كثيرة جراء ظهور الحمل في بيت الأهل وجحود الذرية عند موت الزوج أو الطلاق قبل الدخول.
ناهيك عن التغرير بالزوج الجديد في ذلك، وهذا ما ركز البحث على التحذير منه، وحبذا لو أخذ القانون هذه المسألة بعين الاعتبار ووضع ضوابط للدخول دون إذن الولي أو إقامة حفل الزفاف بدل إغفالها وعدم التعرض لذكرها، سدّاً لذريعة التهاون بالدخول السرّي وعواقبه، وربما اعتمد القانون بإغفال هذه المسألة على ما هو مقرر شرعاً من أن الولد للفراش، ولكن هل يثبت هذا الولد إلا بعد أن يفشو الأمر ويشيع بين الناس على أسوأ صورة ؟!!، فضلاً عن الوضع النفسي والاجتماعي لاستقبال ذلك المولود البريء.
الفرع الثالث: حق التوارث التوارث صيغة متفاعل، وتقتضي التشارك، حيث يحق لكل من الزوجين أن يرث الآخر بعد وفاته أثناء الزواج الحقيقي ولو قبل الدخول، أو الحكمي أثناء عدّة الرجعية، ما لم يقم مانع من موانع الإرث، كالقتل واختلاف الدين لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12]، إلى قوله تعالى: {فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12]، ولا خلاف بين أهل العلم في ذلك (61)، أما الطلاق البائن سواء كان قبل الدخول أو الخلوة الصحيحة أم بعد ذلك، فلا توارث معه لانقطاع علاقة الزواج بينهما. |
|