العيد ماذا يعني؟
الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
ما هو العيد؟ وما مدلوله؟ وماذا يعني؟
لعل من السهل جدًّا أن يتبادر إلى ذهن المرء أن العيد يعني السرورَ والبهجة، والانطلاق من مشاكل الحياة والعمل الرتيب، وهذا المفهوم معقول، وواقع الحال يقتضيه.
ولكن أليس من الأجمل أن نعرف معنى العيد في لغة العرب؟ فلعل ذلك مما يتوق لإدراكه القارئ، وهذا ما نورد مثلاً منه؛ اكتفاءً بالقليل عن الكثير، وبالإيجاز عن الإطناب.
قال ابن منظور في "لسان العرب" (ج3، ص 319): "والعيد: كل يوم فيه جَمْع، واشتقاقه من عاد يعود، كأنهم عادوا إليه، وقيل: اشتقاقه من العادة؛ لأنهم اعتادوه، والجمع أعياد، لزم البدل، ولو لم يلزم لقيل: أعواد، كريح وأرواح؛ لأنه من عاد يعود.
وعيَّد المسلمون: شهدوا عيدهم.
قال العجاج يصف الثور الوحشي:
واعْتَادَ أَرْبَاضًا لَهَا آرِيُّ
كَمَا يَعُودُ العِيدَ نَصْرَانِيُّ
فجعل العيد من عاد يعود.
قال: وتحولت الواو في العيد لكسرة العين، وتصغير عيد: عُيَيْد، تركوه على التغيير، كما أنهم جمعوه أعيادًا، ولم يقولوا: أعوادًا.
قال الأزهري: والعيد عند العرب: الوقت الذي يعود فيه الفرح والحزن، وكان في الأصل العِوْد، فلما سكنت الواو، وانكسر ما قبلها، صارت ياء، وقيل: قلبت الواو ياءً؛ ليفرقوا بين الاسم الحقيقي وبين المصدري.
قال الجوهري: إنما جمع أعياد بالياء؛ للزومها في الواحد، ويقال للفرق بينه وبين أعواد الخشب، قال ابن الأعرابي: سمي العيد عيدًا؛ لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد".
هذا هو العيد في لغة العرب.
وقد جاء الشرع مبينًا لما يمتاز به العيدان الإسلاميان؛ عيد الفطر وعيد الأضحى، وما لهما من مكانة رفيعة، وما شرع فيهما من الواجبات والمستحبَّات، وما أبيح فيهما من لهوٍ بريء يمثل سماحة الإسلام، وإعطاءه للجسد حقَّه، وللنفس نصيبها، وللقلب متعته.
وهذه باقة من الأحاديث الواردة في الموضوع، لم نقصد منها حصرًا واستيعابًا؛ ولكنَّا نذكرها كأنموذج لما خص به العيدان من فضائلَ ومزايا:
ففي العيدين سلوةٌ وابتهاج، وإباحة للعب وللترويح عن النَّفس؛ ففي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخل عليَّ أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنِّيان بما تقاولتْ به الأنصار يوم بُعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! وذلك يوم عيد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا))، وفي رواية: ((يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدًا، وإن عيدنا هذا اليوم))، وفي الصحيحين أيضًا أنه قال: ((دعْهما يا أبا بكر؛ فإنها أيام عيد))، وتلك الأيام أيام منى.
وفي عيدَي الإسلام غنيةٌ عن أعياد المشركين وما يتعاطونه في أعيادهم من منكرات وعادت ذميمة، أما هنا فالسماحة واليسر، والمتعة المحبَّبة إلى النفس بلا فوضى؛ بل نظافة في القلب، وجمال في الملبس، وتطيب بالروائح الشذية؛ لتجتمع طهارة المظهر والمخبر، وجمال النفس والجسد؛ وليكون العيد بهجةً لكل مسلم، وحتى يطرب الناس لوفادته، فلا يكون كئيبًا حزينًا يعيد إلى الذهن قول أبي الطيب المتنبي:
عِيدٌ بِأَيَّةِ حَالٍ عُدْتَ يَا عِيدُ
بِمَا مَضَى أَمْ لأَمْرٍ فِيكَ تَجْدِيدُ
أَمَّا الأَحِبَّةُ فَالبَيْدَاءُ دُونَهُمُ
فَلَيْتَ دُونَكَ بِيدًا دُونَهَا بِيدُ
والعياذ بالله!
وعن أنس قال: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ((ما هذا اليومان؟))، قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله -عز وجل- قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر))؛ رواه أبو داود والترمذي والنسائي.
ولإبراز الفرق بين يومين:
يوم صوم، ويوم فطر؛ فقد روى البخاري عن أنس قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي في العيد ركعتين، لم يصلِّ قبلهما ولا بعدهما، ويقرأ فيهما بسور متوسطة في الطول؛ فعن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي: ماذا كان يقرأ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الأضحى والفطر؟ قال: كان يقرأ فيهما بـ ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ﴾ و﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾؛ أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
وحتى يكون العيد مسرةً للجميع، ويظهر فيه التعاطف بين الغني والفقير، والواجد ومن لم يجد؛ فقد رغب في الصدقة والبذْل والجود؛ عن ابن عباس قال: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فطر فصلى ركعتين لم يصلِّ قبلهما ولا بعدهما، ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهنَّ بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها"؛ متفق عليه، (الخرص من حلي الأذن، والسخاب من حلي العنق).
وشُرعتْ زكاةُ الفطرة طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمةً للمساكين، والعيد الذي يجتمع المسلمون في مصلاَّه رجالاً ونساء في الْتقاءٍ عظيم، وجمعٍ حاشد قلَّ نظيرُه، فيه تذكير للمسلمين بالرجوع إلى الدِّين، وتعاونهم مع بعضهم، والعمل على حل مشاكلهم على أساسٍ من هدي الله وشرعه، وما يدعو له الدين من ألفة وصفاء، وتوحيد كلمة، وابتعاد عن اللجاج والنزاع؛ بل كالجسد الواحد، وكالبنيان المرصوص، أشداء على الكفار، رحماء بينهم، يعبدون الله ويعظِّمونه، ويعملون للخير والصلاح.
رابط الموضوع:
https://www.alukah.net/web/fayad/0/23234/#ixzz5pf6Qb5tJ