أسألك مرافقتك في الجنة
حسين بن سعيد الحسنية
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم
قصة عظيمة بطلها شِبْلٌ من أشبال الصَّحابة -رضي الله عنهم جميعاً-، كانت تُحَدِّثَهُ نفسه بالهَمِّ السَّامِي والهِمَّة العالية، سنحت له الفرصة أن يُحَدِّثَ بها مُعَلِمَهُ الأول ومُرَبِّيِهِ الأعظم النبيَّ الأكْرَمْ -عليه الصَّلاة والسَّلام- عَلَّهُ يظفر بها ويكون من الفائزين .

وأدعوكم لقراءة القِصَّة:
فعن ربيعة بن كعب -رضي الله عنه- قال: (كنت أخدم رسول -صلى الله عليه وسلم- وأقوم له في حوائجه نهاري أجمع، حتى يُصَلِّي رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- العشاءَ الآخِرَة، فأجلس ببابه! إذا دخل بيته، أقول: لعلها أن تحدث لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حاجة، فما أزال أسمعه يقول: سبحان الله! سبحان الله! سبحان الله! وبحمده حتى أمل، فأرجع أو تغلبني عيني فأرقد، قال: فقال لي يوماً لِمَا يرى من خِفَّتِي له وخِدْمَتِي إيَّاه: "سَلْنِي يا ربيعةَ أعْطِكَ" قال فقلت: أنظر في أمري يا رسول الله، ثم أعلِمُكَ ذلك؟ قال: ففكَّرتُ في نفسي فعرفتُ أن الدُّنْيَا مُنقطعة زائلة، وأنَّ لي فيها رزقاً سيكفيني ويأتيني، قال فقلت: أسألُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لآخرتي فإنّه من الله -عز وجل- بالمنزل الذي هو به، قال: فجئتُ فقال: "ما فعلتَ يا ربيعة؟" قال: فقلتُ: نعم يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, أسألكَ أن تشفع لي إلى ربك فيعتقني من النَّار، قال: فقال: "مَنْ أمَرَكَ بِهَذَا يا ربيعة؟" قال: فقلتُ: لا والله الذي بعثكَ بالحق ما أمرني به أحَدٌ ولكنّك لَمَّا قلتَ: سَلْنِي أعْطِكَ وكنتَ من اللهِ بالمنزلِ الذي أنتَ بِهِ نظرتُ في أمري وعرفتُ أن الدُّنْيَا مُنقطعة وزائلة، وأنَّ لي فيها رزقاً سيأتيني، فقلتُ: أسألُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لآخرتي، قال: فَصَمَتَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- طويلاً، ثم قال لي: "إنِّي فَاعِلٌ، فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ) رواه أحمد.

تأمَّلُوا في قِصَّةِ هذا الشِّبْلِ الفريد الذي تَرَبَّى في بيتِ رسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان يسعى في خدمته ويقفُ عند بَابِهِ في انتظار توجيهه أو أمره؛ لأنّه يعلم أن خدمته للرسول -صلى الله عليه وسلم- طريقٌ إلى مرضاته -عليه الصلاة والسلام- ومِنْ ثَمَّ إلى مرضات الرَّبِّ -جل وعلا-، وهو يستشعر أن المُؤمنَ مهما كان عُمره أو جنسه وعلى ضوء ما أعطاهُ اللهُ من قُدُرَاتٍ وإمكاناتٍ فإنهُ يستطيع أن يُقَدِّمَ شَيْئاً لِدِينِ اللهِ ولِلْأُمَّةِ جميعاً، فربيعة كان شِبْلاً صغيراً يتجوَّل في بيتِ الرسولِ -صلى الله عليه وسلم-، ولم يكن سَعْيُهُ عَبَثاً، وخطواته لم تكن ضائعة؛ لأنه كان يعمل لهدف، ويُضَحِّي من أجل الوصُول إليه، وهكذا يجب أن يكون المُؤمنَ، فعليهِ أنْ يُحَدِّدَ لهُ هدفاً أو أهدافاً في حياتهِ ويسعى إلى تحقيقها، شريطة أن يُحَدِّدَ الهدفَ بوقتٍ وأن يكونَ أكثر وضُوحاً وقابليةً ومُرُونَةً وقابِلاً للقياس.

ولقد سَعَى ربيعةُ إلى الهدف الأسْمَى والبُغية الأعلى لكل مُؤمن وهي –الجَنَّة– جعلني اللهُ وإيَّاكُمْ مِنْ أهلها وكل شيءٍ دونَها يَهُونُ.

لقد ترك ربيعة الدُّنْيَا بما فيها من حَلَاوَةٍ وخَضِرَةٍ وأمَانِي وطُمُوحَاتٍ ومَصَالح لأنَّهَا في آخِرِ المَطَافِ مُنْقَطِعَةٌ بما فيها وزائلة بما تحملُ من لذائذَ ومُغْرَيَاتٍ، وهنا تجدرُ الإشارةُ بأنَّ المُؤمنَ كلمَا ارتقى عن الدُّنْيَا ارْتَقَتْ هِمَّتُهُ وصَالَ وجَالَ فِكْرُهُ واتَّسَعَتْ مِسَاحَة دعوتِهِ وتأثيره، وكانت حياته كلها ملتحفة بالسعادة والتوفيق والنجاح.

رضي الله عنك يا ربيعة بن كعب الأسلمي، كنت شبلاً صغيراً لكنك علّمتنا أن الرِّجال بِهِمَمِهِمْ.

وقد قيل:
لا تعجبنَّ مـن علـو همَّته وسنـّة في أوان منـشـــــأهـا
إن النجوم التي تضيء لنا أصغرها في العيون أعلاها


حسين بن سعيد الحسنية
h_alhasaneih
http://www.saaid.net/Doat/huseen/48.htm