3- التمييز:
المُمَيَّز مَنْ تم له سبع سنين، وقيل هو مَنْ فهم الخطاب ورَدَّ الجواب.
فصيام غير المُمَيَّز غير صحيح لفقدان النية فإذا بلغ الطفل سبع سنين وجب على وليه أمره بالصوم، وضربه عليه إذا بلغ عشراً حتى يعتاده، قياساً على الصلاة.
وبما أنّ الصوم قد يكون أشق من الصلاة فاعتبر له الطاقة، فإن أطاق الطفل الصيام أمر به، وضرب عليه. وإلّا عود عليه جزءاً من النهار ثم يفطر وهكذا حتى يستطيع صيام يوم كامل.
4- انقطاع دم الحيض والنفاس:
إذا ظهر دم الحيض أو النفاس على المرأة أثناء النّهار فسد الصوم ولم يصح، لأنّ الدمان من أسباب الفطر في الصوم، فعلى الحائض والنفساء إذا أتاهما الدم في نهار رمضان أو غيره من الصيام أن تفطرا وتقضيان بعد ذلك، فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟...» [ رواه البخاري ومسلم ].
فالحديث يدل على عدم صحة الصوم والصلاة أثناء الحيض والنفاس، بل ولا يجوز لهما الصوم والصلاة عند ظهور الدم -دم الحيض والنفاس- وعليهما قضاء الصيام دون الصلاة، لأنّ الصلاة تكرر كل يوم وليلة خمس مرات وقد يطول زمن الحيض والنفاس فتحصل مشقة عظيمة في قضاء الصلاة، أمّا الصوم فإنّه يتكرر مرة واحدة في السنة فيسهل القضاء، وهذا من رحمة الله تعالى وتيسيره على الحائض والنفساء، وهذا ما علل به بعض العلماء، والصحيح في ذلك أنّ عليهما الفطر حال الصيام، وقضاء الصوم دون الصلاة، اتباعاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، سواءً عُلمت الحكمة أم لم تُعلم، فعن معاذة قالت: " سألت عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ قلت: لست بحرورية ! ولكني أسأل، قالت: كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة "[. أخرجه البخاري ومسلم ].
ومعنى حرورية:
هم فرقة من الخوارج، الذين سكنوا حروراء بالقرب من الكوفة، وهم يرون أنّ الحائض تقضي الصلاة التي فاتتها زمن حيضها بعد الطهر، وقد جرت عادة الخوارج باعتراض السنن بآرائهم وأقيستهم الفاسدة.
فالدين ليس بالرأي ولكن ما جاء في الكتاب الكريم والسنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو الزناد: " إنّ السنن ووجوه الحق التأني كثيراً على خلاف الرأي، فما يجد المسلمون بداً من اتباعها، فمن ذلك: أنّ الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة “.
تنبيه:
بعض من يأتيهن دم الحيض والنفاس قد يتركن قضاء الأيّام التي أفطرنها من رمضان ظناً منهن أنّه لا قضاء في الصلاة ولا في الصوم، ولا شك أنّ هذا جهل عظيم، وخطر كبير على دين المسلمة فالحائض والنفساء إذا أفطرنا في رمضان أو في صوم واجب كنذر وكفارة وجب عليهما القضاء بعدد الأيّام التي أفطرنها، وعليهن أن يبادرن بالقضاء بعد انقضاء رمضان أو زوال العذر الشرعي براءة للذمة.
وبعض الفتيات قد يأتيهن دم الحيض لأوّل مرة فتصوم الواحدة وتصلى حياءً وخجلاً، هذا بلا ريب فعل محرم، إذ لا يجوز للمرأة أن تصلي أو تصوم أثناء وجود دم الحيض والنفاس ومن فعلت ذلك فعليها التوبة والاستغفار والندم على ما فعلت، وعليها قضاء الأيّام التي صامتها أثناء دم الحيض أو النفاس.
والإنسان لا يُعذر بالجهل بالحكم في مثل هذه المسائل، لأنّه يجب عليه بالضرورة أن يتعلمها حتى يسلم له دينه ويكون موافقاً للكتاب والسنة.
وهناك بعض الأحكام الخاصة بدم الحيض والنفاس والاستحاضة أعرضها سريعاً، لما لها من فائدة مرجوة الثمرة عند الله تعالى.
فمن تلك الأحكام:
أولاً: دم الحيض:
إذا طهرت الحائض قبل طلوع الفجر بيقين صادق فصومها صحيح، وعليها أن تغتسل ولا تؤخر الغسل حتى تطلع الشمس، بل تبادر بالغسل متى تأكدت وتيقنت من الطهر حتى لا يخرج عليها وقت صلاة الصبح، ولو أخرت الغسل بعد طلوع الفجر زيادة في اليقين فلا بأس بذلك، لكن لا يكون التأخير حتى تطلع الشمس، وكذا الجنب عليه أن يبادر بالاغتسال قبل طلوع الشمس ولا بأس بالتأخير قبل طلوع الفجر وبعده لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر في رمضان من غير حُلمُ، فيغتسل ويصوم "[. رواه البخاري ومسلم ].
وإذا حاضت المرأة بعد غروب الشمس المتيقن فلا قضاء عليها ذلك اليوم، لأنّه صيام صحيح لا شُبهة فيه، ولو كان خروج الدم قبل الصلاة -صلاة المغرب- فالصوم صحيح لأنّه العبرة بغروب الشمس، ولا عبرة أيضاً بما تشعر به المرأة من آثار ودلائل وبوادر الحيض من وجع وألم فلو أحست بأعراض الحيض قبل الغروب ولم يخرج منها دم فصومها صحيح.
ومن طهرت أثناء النهار فعليها قضاء ذلك اليوم، وليس لها أن تمسك، بل لها أن تفطر سائر اليوم الذي طهرت فيه، لأنّ النهار في حقها غير محترم، ويجوز لها الفطر في أول النهار وفي آخره، ومجرد الإمساك لا فائدة منه ولا دليل عليه، ولأنّ الفطر حصل لها بعذر شرعي ومعلوم أنّ الله تعالى بحكمته البالغة ورحمته لم يوجب على عباده صيام نصف يوم، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " من أكل أول النهار فليأكل آخره "[. أخرجه البيهقي ].
أمَّا مَنْ قال:
إذا طهرت الحائض أو النفساء أثناء النهار فعليها مع القضاء أن تمسك ذلك اليوم فهذا القول مرجوح، وحجتهم في ذلك، احترام الزمن، وهذا غير مسلم به، لأنّ حرمة الزمن زالت بالإفطار من أول النهار.
ثانياً: دم الاستحاضة:
قد يخرج من المرأة بعض المواد السائلة أو الدم المنفصل عن الدورة الشهرية، وهذا ما يسمى بدم الاستحاضة، وأمّا المواد الأخرى فهي شبيهة بالبول، فيجب الوضوء منها ولا تمنع الصلاة ولا الصيام، أمّا دم الاستحاضة فحكم المرأة فيه كحكم الطاهرات مثل التي قبلها، فهي أيضاً تصلي وتصوم وعليها أن تتحفظ من الدم بشيء يمنع سقوط الدم على الأرض أو الملابس وعليهما -المستحاضة ومن ترى المواد السائلة- الوضوء لكل وقت صلاة إذا كان الدم والمادة السائلة متصلة الخروج دون انقطاع لأنّهما في حكم صاحب الحدث الدائم.
وعموماً فالاستحاضة لا تؤثر على صحة الصوم.
ثالثاً: دم النفاس:
أقل النفاس يوم وليلة، وأكثره أربعون يوماً، فإذا طهرت النفساء قبل الأربعين وجب عليها الصوم والصلاة والاغتسال قبل ذلك، فإن عاد عليها الدم في الأربعين فهو دم نفاس، فتمتنع عن الصلاة وعن الصيام، فإذا انتهت الأربعين وبقي معها الدم، فإمّا أن يكون هذا الدم موافق لأيّام حيضها فيعتبر حيضاً، وإلّا فهو دم فساد وهو ما يسمى بالاستحاضة ومتى طهرت النفساء أثناء الأربعين، اغتسلت وصلت وصامت وصح منها ذلك، ومتى عاد عليها الدم توقفت عن الصلاة والصيام، ولا تقضي الأيّام التي صامتها أثناء طهارتها وقت الأربعين ويحرم على زوجها وطؤها أثناء وجود دم الحيض والنفاس.
وإذا طهرت النفساء أثناء الأربعين واغتسلت جاز لزوجها جماعها ومن كره ذلك فلا دليل لديه، وإنّما هي كراهة تنزيه.
حبوب منع خروج دم الحيض والنفاس:
هذه الحبوب سبَّبت للنساء أمراضاً ظاهرية وباطنية، وسبَّبت لهُنَّ عدم انتظام في دم الحيض، مما تسبَّب معه كثرة الأسئلة والاستفسارات حول هذه المواضيع المهمة والتي تتعلق بأداء الصلاة والصيام، وكما بين كثير من الأطباء ضررها على المرأة، وكما هو معلوم أنّ دم الحيض دم جبلة خلقه الله تعالى لتغذية الطفل، وهذا أمر قد كتبه الله تعالى على بنات آدم لما فيه من مصلحة لهن، فعلى المسلمة أن تذعن وتستسلم لأمر ربّها سبحانه ولا ترهق نفسها وتوردها المهالك من أجل أن تصوم مع النّاس فمتى وجد الدم تركت الصلاة والصيام، وقضت الصيام دون الصلاة، ومتى انقطع الدم اغتسلت وأصبحت طاهرة تصوم وتصلى وتحل لزوجها.
المقصود:
أن مَنْ تُسبب لها تلك الحبوب ضرراً، فلا ينبغي لها أن تستخدمها أبداً، ومَنْ لم تتضرَّر بها فلا بأس باستخدامها. والله أعلم .
5- النية:
وهذا هو الشرط الخامس من شروط صحة الصوم.
فالنية لغة:
القصد أو الإرادة.
وشرعاً:
قصد التقرب إلى الله تعالى بالعمل الصالح.
النية مقترنة بالعمل الاختياري الذي يعمله الإنسان، لأنّ الإنسان لا يمكن أن يعمل عملاً اختيارياً بدون أن ينويه، ولكن محلها القلب، أمّا التلفظ بها فهو بدعة منكرة تدل على جهل صاحبها وقلة دينه وضعف يقينه، وإلّا فمن هو الذي يريد أن يتوضأ أو يصلى ثم يتلفظ بما سيفعل من تلك العبادات فيقول مثلاً: نويت أن أتوضأ لأصلي فرض كذا أو يقول: نويت أن أصلي الصلاة الفلانية مع الإمام الفلاني، وما شابه ذلك من الضلال والبعد عن العلم اليقيني بالدين، إنّ ذلك يُعد استخفافاً بعلم الله الذي يعلم السرائر وما تخفيه الضمائر، وفي ذات الوقت هو سوء أدب مع الله تعالى، وانتقاص لعلمه الغيب ومعرفته بما كان وبما سيكون، ولهذا قال الله تعالى: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [ الحجرات 16 ].
المؤمن العاقل الفطن لا ينساق وراء الأوهام ولا الضلالات، ولا يتبع بدع أهل الزيغ والإنحلال، ولا يسير وراء علماء السوء من الصوفية وغيرهم ممن اتبعوا الضلالة وتركوا الهدى، وحادوا عن جادة الصواب. بل على المؤمن أن يرجع إلى دينه ويحكم الكتاب والسنة وأقوال العلماء الأجلاء الذين يتبعون الحق ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويظهر ذلك جلياً في أقوالهم وأعمالهم.
المقصود أنّ النية محلها القلب ولا يجوز التلفظ بها، والنية ملازمة للعمل، لأنّه لا عمل بلا نية قال صلى الله عليه وسلم: «إنّما الأعمال بالنيات» [ متفق عليه ].
قال بعض العلماء:
" لو كلفنا الله عملاً بلا نية، لكان ذلك من تكليف ما لا يُطاق “.
وجوب النية:
قال ابن هبيرة:
" واتفقوا على وجوب النية للصوم المفروض في شهر رمضان وأنّه لا يجوز إلّا بنية " ( الإفصاح 3/ 84 ). ووقت وجوب النية جميع الليل، ولو تسحر من الليل كفى ذلك، لأنّه لم يتسحر إلّا من أجل الصوم.
وقد اختلف العلماء في وجوب النية لكل يوم من أيّام الصيام، فمنهم من قال: " تكفي نية أول يوم من رمضان، بأن ينوي صيام الشهر كاملاً من أول ليلة، ما لم يقطع ذلك عذر كالمسافر والحائض والنفساء والمريض وما شابه ذلك، أو أن يقطع النية، ففي تلك الأحوال يجب عليه أن يجدد النية للصوم مرة أخرى ".
ومن العلماء مَنْ قال:
" لابد لكل يوم من نية خاصة به “.
وعموماً فالذي ينبغي أن يعيه المؤمن ويتفهمه والذي يمكن جمعه من أقوال العلماء أنّ المسلم لو لم ينوي الصيام كل ليلة، فهو بأكله لأكلة السحر وإعداده للسحور استعدادا للصوم كل ذلك قائم مقام النية، لأنّه لا يفعل ذلك إلّا وهو عازم على الصوم، وهذا العزم هو النية كمن توضأ لصلاة الظهر مثلاً، فهو في نيته أن يتوضأ لأداء صلاة الظهر، فلو صلى الظهر وبقي على طهارته حتى صلى العصر والمغرب والعشاء فلا يجب عليه تجديد نية الوضوء للصلوات الأخرى بل تكفي النية الأولى في الوضوء وهي رفع الحدث من أجل أداء الصلاة والصلوات، والله تعالى أعلم.
ومن قالوا بأنّه لا بد لكل يوم نية، عللوا بأنّ كل يوم عبادة مستقلة.
ومن قالوا تكفي نية واحدة للشهر كلّه، عللوا بأنّ ما يشترط فيه التتابع تكفي النية في أول ما لم يقطعه لعذر فيستأنف النية.
والأصح في ذلك أنّه تكفي نية واحدة للشهر كلّه لما عللنا به سابقاً، ولأنّ المسلمين جميعهم لو سئلوا عن صيام الشهر -شهر رمضان- لقالوا جميعاً أننا نوينا صوم الشهر كلّه من أول يوم حتى آخر يوم، ولأنّ ذلك أرفق بالمسلمين، لأنّه لو كان لكل يوم نية خاصة به، لوقع الكثير من الصائيمين في ضيق وحرج ولكثرت الأسئلة والاستفسارات عن النية ووجوبها وحكم تعيينها، مما قد يضطر الكثير من ضعفاء الإيمان وجهلة النّاس بالفطر في رمضان بغير سبب ولا مسوغ شرعي، لا لشيء إلّا لأنّه لم يبيت النية لذلك اليوم، فتحصل بذلك مفاسد عظيمة وعواقب وخيمة فكان الأرفق بالمسلمين والأسهل لهم أن نية أول الشهر كافية للشهر كله، وهذا القول تطمئن له النفس وتستأنس به، وذلك لأنّ الإنسان لن يقوم من أجل السحور أو لأداء صلاة الفجر أو يأكل قبل أن ينام إلّا وهو في نيته صوم يوم الغد أياً كان ذلك اليوم.
ولكن لو قلنا أنّ النية تجب لكل يوم، فقد ينام إنسان في رمضان بعد العصر ولا يستيقظ إلّا بعد الفجر من الغد، فعلى ذلك لم يصح صوم ذلك اليوم لأنّه لم ينوه، وعلى القول الراجح صومه صحيح لأنّه نوى الصيام من أول الشهر وكفى ذلك، فبذلك يتضح صحة هذا القول، والعلم عند الله تعالى .
تعيين النية:
وهذا أمر اختلف فيه العلماء أيضاً وهو ما ذكره الوزير بن هبيره بقوله: " واختلفوا في تعيينها ـ أي النية " ( الافصاح 3 / 85 ).
والمقصود بتعيين النِّيَّة:
أي أن ينوي أنّ ذلك الذي سيصومه هو من رمضان، أو عن كفارة أو عن نذر، أو عن قضاء رمضان أو ما شابه ذلك.
ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إنّما لكل امرئ ما نوى» [ متفق عليه ].
وقوله صلى الله عليه وسلم: «من لم يُجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له» [ أخرجه أبو داود والنسائي والترميذي بسند صحيح ].
وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لم يُبيت الصيام من الليل فلا صيام له» [ أخرجه النسائي والبيهقي وهو صحيح بما قبله ].
وتبييت النيَّة مخصوص بصيام الفريضة دون النافلة، فالنافلة يجوز أن ينويها الإنسان من النهار قبل الزوال وبعده وله أجر ذلك من حين نواه بشرط عدم وجود المُفطرات قبل النية لحديث عائشة رضي الله عنها أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيها في غير رمضان فيقول: «هل عندكم شيء؟ وإلا فإني صائم» [ أخرجه مسلم ] فدلَّ ذلك على وجوب تبييت النيَّة قبل الفجر في صوم الفريضة دون النافلة.
والأفضل:
الصوم بنية معينة مبيته للخروج من الخلاف. ( الموسوعة الفقهية 28 / 24 ) .
وقت النية:
الحنابلة والشافعية: " يرون أن وقت النية للصيام جميع الليل، أي من بعد غروب الشمس إلى قبل طلوع الفجر، فكل ذلك الوقت وقت للنية “.
ودليل ذلك الأدلة السالفة الذكر.
وهذا إذا كان الصوم فرضاً، أمّا إذا كان الصوم نفلاً فيجوز أن ينويه في أي وقت من الليل أو النهار لحديث عائشة السابق.
فوائد مهمة تتعلق بالنيَّة:
1- من ترددت نيته في الصوم فسد صومه، فإن قال: أنا صائم غداً إن شاء الله متردداً في صومه، فإنّه لا يصح صوم ذلك اليوم حتى ينويه جازماً به أو تعليقاً بالمشيئة لتحقيق مراده، ويكون ذلك قبل الفجر، وإلّا فسد صوم ذلك اليوم.
2- من نام ليلة الثلاثين من شعبان وهو غير موقن بدخول رمضان فيجب أن يبيت النية إن كان غداً رمضان فهو صائم، والتردد هنا تردد في دخول الشهر وثبوته، وليس في تعيين النية يعني أنّه جازماً إن كان غداً رمضان فإنه صائم وإلّا فلا.
أمّا لو قال في نفسه ليلة الواحد من رمضان يمكن أن أصومه غداً ويمكن ألّا أصومه، فلا يصح صومه لأنّه متردد في نيته.
وكذلك في نهاية شهر رمضان ليلة الثلاثين يكون التردد في بقاء شهر رمضان من عدمه لا في النية.
3- من صام وأثناء النهار نوى الفطر بقلبه فإنّ صومه يفسد وعليه القضاء إن كان فرضاً. أمّا إن كان نفلاً فالمتطوع أمير نفسه إن نوى الفطر أفطر، وإن نوى الصوم من النهار بعد نية الفطر وقبل أن يفطر حقيقة حُسبت له نيته الثانية وهي الصوم.
4- الصيام المعين لا بد فيه من النية المبيتة من الليل، كصيام ستة أيّام من شوال ويوم عرفه ويوم عاشوراء وغيرها، أمّا النفل فتجوز فيه النية من الليل والنهار ويُحسب له الأجر من بداية نيته.
5- من نوى أنّه متى وجد طعاماً أو شراباً أكل وشرب فسد صومه وبطل فإن كان في رمضان فيلزمه الإمساك والقضاء وإن كان نفلاً بطل صومه ولا يلزمه الإمساك.
6- الأحوط للمسلم أن يبيت النية لصيام كل يوم من رمضان خروجاً من خلاف العلماء والله أعلم.
7- لا يضر الأكل والجماع بعد النية ما دام في الليل، لأنّه لم يتلبس بالعبادة.
8- إذا نام بعد غروب الشمس وهو ينوي الصيام من الغد فلا يجب عليه تجديد النية لو استيقظ من الليل.
صوم الصبيان:
قال عمر رضي الله لنشوان في رمضان: " ويلك! وصبياننا صيام؟ فضربه " [ أخرجه البخاري ].
وعن الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ قالت: " أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: «من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم». قالت: فكنا نصومه بعد، ونصوِّم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن ـ الصوف، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار "[. أخرجه البخاري ومسلم ].
دل الحديثان على مشروعية تعويد الأطفال على الصيام لِمَنْ لا يؤثر عليه، حتى يطيقونه، فمن بلغ منهم السابعة من عمره فعلى وليه أن يعوده على الصيام حتى يطيقه فيما بعد، وليكن ذلك بالتدريج، فمثلاً اليوم الأول يصوم جزءاً من النهار، وفي اليوم الثاني كذلك، وفي اليوم الثالث نصف النهار، وهكذا حتى يتعود الطفل على الصيام ويألفه، وعلى ولي الأمر من أب أو أم أن يستخدموا اللعب والقصص مع الأطفال حتى ينسوا الرغبة إلى الأكل والشرب، ولهذا جاء في بعض روايات مسلم قالت: " فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم “.
وبهذا يطيق الصغير الصيام ويعتاده، لكن لا يكون ذلك من باب الواجب، فلا يجب الصيام إلّا على من بلغ، أمّا ما قبل ذلك فحال السلف الصالح تعويد الصبيان على الصيام، فالصغير غير مكلف ولكن يعود على الصيام من باب التمرين. ( فتح الباري بتصرف 4/256 ) .
أمّا من لا يستطيع الصوم فلا يجبر عليه حتى يطيقه، ويعلم وليه بذلك، بأن يتركه فترة من الزمن بلا أكل ولا شرب فيرى مدة تحمله، ومتى يطلب الطعام والشراب، فمتى طلبه كانت تلك الفترة هي الفترة التي يستطيع الصغير تحملها، وقد يزيد الولي في ذلك مما لا يضر بالصغير، حتى يعتاد الصوم ويطيقه.
وبما أنّ الصيام ركن عظيم من أركان الإسلام، وقد تخفى كل أحكامه أو جلّها عن الكثير من المسلمين فقد رأيت أن أكتب جملةً من تلك الأحكام التي قد يجهلها أكثر النّاس اليوم، حتىّ يسهل عليهم مراجعتها وتصفحها وقت الحاجة، فتكون عوناً لهم بعد الله تعالى في أداء هذا الركن العظيم على علم وبصيرة.
ومن تلك الأحكام الرمضانية ما يلي:
الحكم الأول: بدء صيام اليوم ونهايته:
يتبيَّن هذا الأمر جليّاً بأدلته الشرعية من الكتاب والسنة، فاماّ من الكتاب فقوله تعالى: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} [البقرة 187].
هذه رخصة من الله تعالى للمسلمين، ورفع لِمَا كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام، فإنّه كان إذا أفطر أحدهم، إنّما يحل له الأكل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء أو ينام قبل ذلك، فمتى نام أو صلّى العشاء، حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى الليلة القابلة، فوجدوا من ذلك مشقةً كبيرةً، فنزلت هذه الآية، ففرحوا بها فرحاً شديداً، حيث أباح الله لهم الأكل والشرب والجماع في الليل متى شاء الصائم إلى أن يتبين ضياء الصباح من سواد الليل.
فبيَّنت الآية الكريمة بداية يوم الصوم ونهايته، فبدايته: من طلوع الفجر الثاني، ونهايته: إلى غروب الشمس.
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائماً فحضر الإفطار فنام قبل أن يُفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يُمسي، وإن قيس بن صِرمَة الأنصاري كان صائماً، فلماّ حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها: أعندك طعام؟ قالت: لا، ولكن انطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه، فجاءت امرأته، فلماّ رأته قالت: خيبة لك، فلماّ انتصف النهار غشي عليه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ} [البقرة: 187]، ففرحوا بذلك فرحاً شديداً، ونزلت {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187].
فكانت منّة من الله عظيمة، ومنحة كبيرة، فهي تحدد معالم يوم الصائم، ابتداءه وانتهاءه، فيبدأ: من تبيُن الفجر إلى إدبار النهار، وإقبال الليل وتواري قرص الشمس في الحجال.
الحكم الثاني: الفجر فجران:
قد يحصل على بعض النّاس خلط بين الفجر الصادق والفجر الكاذب، ولا شك أنّه ينبغي على المسلم أن يتحرّى الصواب في ذلك، فمن عرف الحق أخذ به، فالحق أحق أن يُتبع.
ومن اختلط عليه الأمر، فقد جاءه العلم على لسان أفضل البشر، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الفجر فجران، فأماّ الأول لا يُحرم الطعام، ولا يُحل الصلاة، وأماّ الثاني، فإنه يُحرم الطعام، ويُحل الصلاة» [ رواه ابن خزيمة والحاكم والدار قطني والبيهقي بإسنادٍ صحيح ].
وعن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يغرنّكم أذان بلال ولا هذا البياض لعمود الصبح حتى يستطير» [ رواه مسلم ].
وعن طلق بن علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلوا واشربوا ولا يغرنّكم الساطع المُصَعّد، وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر» [ رواه أحمد والترمذي وأبو داود وغيرهم وسنده صحيح ].
فعُلم من ذلك أن الفجر، فجران:
1 - الفجر الكاذب:
وهو البياض المستطيل الساطع المُصَعّد كذنب السرحان، فهذا الفجر لا يحل صلاة الصبح، ولا يحرم الطعام على الصائم.
2 - الفجر الصادق:
وهو الأحمر المستطير المعترض على رؤوس الشِعاب والجبال، المنتشر في الطرق والسكك والبيوت، فهذا الفجر هو الذي يحل صلاة الفجر، ويحرم الطعام على الصائم، وهو الذي تتعلق به أحكام الصيام والصلاة، فإذا ظهر ضوء الفجر واعترض في الأُفق على الشِعاب ورؤوس الجبال، وكأنّه خيط أبيض، وظهر من فوقه خيط أسود هو بقايا الظلام الذي ولّى مدبراً، فهذا هو الفجر الصادق الذي دلّت عليه الآية السابقة.
الحكم الثالث: غروب الشمس والفطر:
يتعيَّن على الصائم أن يتحرى غروب الشمس، ليحفظ صومه من البطلان، ويظهر ذلك واضحاً جليًّا في قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم» [ رواه البخاري ومسلم ].
فإذا غاب قرص الشمس كاملاً وظهر أول الظلام فقد أفطر الصائم.
والعبرة ببدء الصوم وانتهائه الرؤية البصرية، لأنّها هي السنة التي جاءت عن المعصوم صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى.
أماّ الاعتماد على التقاويم التي هي من صنع المنجمين أو استعمال الآلات الفلكية، فهذا فيه بعدٌ عن الدين واتباع المنحلّين، مما ظهر أثره جلياً على المسلمين من ابتعادهم عن سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وأمره بالصوم والفطر على الرؤية لا على غيرها، مما زاد الشر بين المسلمين، وقل فيهم الخير، فهذه التقاويم من صنع البشر وأي بشر، ومعلوم أنّ الإنسان بطبيعته كثير الزلل والخطأ.
فهذه المفكرات والتقاويم لا تخلوا من تقديم أو تأخير أو تضارب يقع معه المسلم في حيرةٍ من أمر دينه، وأمر صومه وفطره، فعلى المسلم أن يتحرى غروب الشمس الكامل للإفطار، وهذه هي السنة التي يجب علينا معاشر المسلمين التمسك بها والعض عليها بالنواجذ.
كما ذكرت في بداية الموضوع أنّ هناك جملة من الأحكام الرمضانية التي قد تخفى على الكثير من المسلمين، فعملت جهدي وطاقتي لعرض شيء منها، لقصد التسهيل والتيسير ما استطعت، وأسأل الله تعالى أن يكتب لذلك العمل التوفيق والسداد، وأن يجعله خالصاً لوجه سبحانه، والله أعلم وصلى الله على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.
كتبه:
يحيى بن موسى الزهراني
إمام الجامع الكبير بتبوك
المصدر: صيد الفوائد
الرابط:
https: http://ar.islamway.net/article/2495/