منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة النساء الآيات من 086-090

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48350
العمر : 71

سورة النساء الآيات من 086-090 Empty
مُساهمةموضوع: سورة النساء الآيات من 086-090   سورة النساء الآيات من 086-090 Emptyالسبت 04 مايو 2019, 7:00 pm

وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا [٨٦]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الحق هنا يريد أن يربب معنى الحياة.

فما معنى: {حُيِّيتُم} [النساء: 86]؟

الكلام السطحي الأولي فيها: إذا حيَّاك واحد وقال لك: "السلام عليكم" أن ترد السلام.    

وكان العرب قديماً يقولون: حياك الله.

وبعد أن جاء الإسلام جعل التحية في اللقاء هي السلام: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ} [الأحزاب: 44].

أو كما قال الحق في موقع آخر: {فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ} [النور: 61].

ولنفهم معنى كلمة "حياك".

مادة الكلمة هي "الحاء"، و "الياءان"، ومنها كلمة "حياة"، التي منها حياتنا.

والحياة إذا نظرنا إليها قد تأخذ معنىً سطحياً عند الناس وهو ما نشأ عنه الحس الحركي وهي أول ظاهرة فينا، وبعد ذلك في الحيوان، وإن ارتقيت في الفهم تجد أن كلمة "الحياة" تنتظم كل أجناس الوجود حتى الجماد، لكن الإنسان لا يتعرف إلى الحياة إلا في المظهر الحسي والحركي، ولكن لكل كائن حياة تناسبه.

وعندما كانوا يعلموننا في المدارس علم المغناطيسية كنا نرى تجربة المغناطيس ونأتي بقضيب مغناطيسي، ثم نأتي ببرادة الحديد، ونسير به في اتجاه واحد وذلك حتى نرتب الجزئيات ترتيباً يتناسب مع اتجاه المغناطيسية في القضيب الحديدي.

هذا القضيب الذي نراه مادة جامدة في نظرنا، ولكن توجد فيها ذرات دون إدراك الإنسان تتكيف بحركة خاصة بها، ويُعاد ترتيب السالب منها والموجب ولا توجد قدرة عند المشاهد لها كي يدرك حركتها.

وحتى يقربها المدرسون إلى ذهن التلاميذ، جاءوا بأنبوبة زجاجية ووضعوا فيها برادة الحديد وجاءوا بالقضيب الممغنط ومرّروه بجانب البرادة، فرأى التلاميذ البرادة وهي تتقافز إلى أن تستقر، وهنا يتعلم التلاميذ أن برادة الحديد غير الممغنطة عندما يمر عليها القضيب الممغنط في اتجاه واحد فذراتها تترتب على أساس واضح، حتى تصير ممغنطة.

وهذا دليل الحس؛ فقد انقلبت السوالب في جهة والموجبات في جهة، فالقضيب المغناطيسي له حركة ولكننا لا ندرك حسه ولا حركته لأننا لا نملك المقاييس اللازمة لذلك.

ومثال آخر: لنفترض أننا نتحرك وجاءت طائرة من أعلانا والتقطت صورة لنا.

وعندما يأخذون الصورة من قريب، فهم يرون الحركة، لكن كلما ابتعدت الطائرة فنحن لا نرى الحركة حتى تصير نقطة بعيدة وكأنها ثابتة.

وهي ليست ثابتة، وإنما هي متحركة بصورة دقيقة جداً لدرجة أنها لا تُدرك.

فكل شيء - إذن فيه حياة خاصة تناسبه، وكل شيء له الحس والحركة الخاصة به.

وعندما نأتي للقرآن، نرى كيف عالج هذه القضية فيقول: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: 88].

استثنى القول وجه الله.

أي ذاته، فكل شيء ما عداه هالك.

ومعنى {هَالِكٌ} [القصص: 88] أي ليس فيه حياة، وما دام كل شيء يهلك فهذا دليل أن في كل شيء حياة، حتى يأتي الإذن من الحق أن تذهب الحياة من كل شيء إلا وجهه سبحانه، وقد يتساءل إنسان ومن الذي قال: إن كلمة "هالك" تعني ليس فيه حياة؟

نقول: إن القرآن حين يتعرض لقضية لا يقسم العلوم إلى أبواب ولكنه يضع في كل آية جزئية تشرح لنا ما خفي علينا في جزئية أخرى كي نفهم القرآن متكامل، فيقول الحق: {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42].

فيكون الهلاك ضد الحياة.

ونحن إذا ما نظرنا إلى الصناعات التي نصنعها، وليكن البلاستيك مثلاً، إننا نصنع منه أواني للغسيل أو لخلافه، وأول ما نشتريه للاستعمال نجده زاهي اللون، وبعد استعماله لفترة يزول عنه البريق ويصبح شاحب اللون، فما الذي حدث له؟.

لقد تغيَّر.

ما الذي أحدث التغيير؟.

يُقال: الاستعمال وأشعة الشمس وغير ذلك.

إذن ففيه حس لأنه تَأَثّر وحركة لأنه تغيّر، وكذلك الأحجار الكريمة والمرمر والرخام وغيرها يقدرون عمرها بمئات السنين وأحياناً بآلاف السنين، وكلما طال عمرها تغير لونها من الحياة والتفاعلات.

وعندما نمسك ورقة ونضعها تحت المجهر فإننا نرى عدداً هائلاً من الغرف الصغيرة، ولا حصر لهذه الغرف، ويقول المؤمن: {فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14].

فكل شيء في الوجود له حياة تناسبه، إذ استقريتها وتتبعتها بدقة واستطعت أن توجد الآلات التي تستنبط والتي تساعد على الإدراك فإنك ترى الحركة وتشاهدها بالحس.

إلا أن الحياة بالنسبة لأرقى الأجناس -وهو الإنسان- المنتفع بكل كائن حي في الكون، هذه حياة تنتهي في ميعاد مجهول بالنسبة للإنسان معلوم بالنسبة لله.

وأراد الله أن يكلفه تكليفاً إن استمع إليه ونفذه فهو سبحانه يعطيه حياة لا تنتهي.

وعندما نقيس الحياة التي لا تنتهي فالحياة التي تنتهي، فأي منهما جديرة بأن تسمى حياة؟   

إنها الحياة الأخرى التي لا تنتهي، ولذلك يقول الحق: {وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 64].

هذه هي الحياة الحقة، وإلا فما قيمة هذه الحياة الدنيا التي تهددك فيها الآفات والآلام والاضطرابات والأسقام والأمراض، وبعد ذلك تنتهي، فيوضح الحق: خذ حياة لا مقطوعة ولا ممنوعة، فهذه هي الحياة حقاً، ولذلك فالحق عندما تعرض لهذه المسألة أوضح: إياكم أن تعتقدوا أن هذه الحياة الدنيا هي التي أريدها لكم، أنا أريد لكم حياة أخلد من هذه، ولذلك قال: {ٱسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24].

هو يخاطبهم إذن فهم أحياء بالقانون المتعارف عليه، وأنهم إن لم يستجيبوا إلى ما دعاهم إليه الحق والرسول لن يأخذوا لوناً أرقى من الحياة، وهي حياة لا تهددها الآفات ولا الأثقال ولا الأمراض ولا الفناء، إنها الحياة الحقة، ولذلك يسميها الحق "الروح" لأنّها تحرك الجسم وتعطيه حياة وإن كانت تنتهي فيقول: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} [ص: 72].

هذه أولى مراحل الحياة الممنوحة للمؤمن والكافر.

ويسمي سبحانه الحياة الأكبر منها والتي لا تنتهي يسميها الحق (روحاً) أيضاً: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52].

وهذه هي التي سوف تعطي الحياة الأرقى.

الأولى اسمها "روح" تعطي حياة فانية.

والثانية هي "روح" أيضاً، إنها ما أوحى الله به، لأن الناس إذا عملوا به يحيون حياة دائمة خالية من الشقاء والكدر.

إذن فقوله: {إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24]

هي دعوة إلى الحياة الخالدة، والحياة الأبدية السعيدة في الآخرة مرهونة بأن يلتزم الإنسان منهج الله في حياته، وإن كانت منتهية.

والحياة الدنيا يرى الإنسان فيها الأغيار والأسقام والمهيجات، فإذا جاء له من يطمئنه ومن ينفي عنه القلق والخوف فكأنه يحسن حياته.

وكلمة "حياك الله" أو "السلام عليكم" تعني: "كن آمناً مطمئناً" وإلا فما قيمة الحياة بدون أمن واطمئنان؟.

إذن فكلمة "حياك الله" أو "السلام عليكم" أي الأمان والاطمئنان لك.

فأنت لا تعرف هل يجيء القادم إليك بخير أو بشر، لكن ساعة يقول: السلام عليكم، فقد يجعل بهذه التحية الأمان في قلب المتلقى به ويشعر بقيمة حياته.

إذن فقوله الحق: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ} [النساء: 86] يعني: إذا رببتم حياتكم بالتحية التي هي السلام والتي تضمن الأمن والاطمئنان عليكم رد التحية.

فكلمة "تحية" إعطاء لقيمة الحياة، وكذلك كلمة "حيوا" أي أعط من أمامك شيئاً من الحياة المستقرة الآمنة المطمئنة.

فالحياة بدون أمن وبدون اطمئنان، كلا حياة.

والشاعر العربي يقول:
ليس من مات فاستراح بميْت
إنمـــا الميْت ميّت الأحيــــــاء

فقول الحق: {وَإِذَا حُيِّيتُم} [النساء: 86] أي أنه إذا رببتم حياتكم وبوركتم بالأمن وبالسلام {فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ} [النساء: 86] أي عليكم أن تردوها إما بالتحية مثلها وإما بأفضل منها.

والعلماء عندما جاءوا ليتكلموا عن هذا، قصروا المسألة على تحيات اللقاء.

فمن قال لك: السلام عليكم، فقل له: وعليكم السلام ورحمة الله.

أي أنك تزيد عليه.

عن سلمان الفارسي قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: السلام عليك يا رسول الله، فقال: وعليك السلام ورحمة الله، ثم جاء آخر فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، ثم جاء آخر فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فقال له: وعليك: فقال له الرجل: يا رسول الله -بأبي أنت وأمي- أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت عليَّ، فقال: إنك لم تدع لنا شيئاً قال الله تعالى: "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو رُدُّوهَا" "فرددناها عليك".

وعندما تكلم العلماء في مسألة السلام، صنَّفُوا لها فقالوا: الماشي يسلم على القاعد.

والرَّاكب يسلم على الماشي، والصغير يسلم على الكبير.

والمبصر يسلم على الكفيف.

والقليل يسلم على الكثير.

وكل خطاب موجه للمؤمنين ينتظم ويشمل ذكورهم وإناثهم إلا أن يكون الحكم مما يخص النساء.

وهنا يقول الحق: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ} [النساء: 86] أللنساء تحية؟

نعم، لهن تحية، المرأة تحيي المرأة، والمرأة تحيي زوجها، والمرأة تحيي محارمها، والمرأة العجوز التي لا إربة فيها تبدأ التحية وتردها، أما المرأة الشابة فهي لا تبدأ أحداً بالسلام ولا ترد السلام.

لا تبدأ بالسلام إلا إذا كان معها مثلها؛ لأنهم يقولون: المرأة على المرأة عين أكثر من ألف رجل، أي أن المرأة تحرس المرأة أكثر من ألف رجل، فعندما تكون معها مثيلتها تحفظها، ولذلك يقال: إن المرأة إن بدأت بالسلام أو ردت السلام فذلك حرام، وإذا بدأها واحد بالسلام أو رد عليها السلام فذلك مكروه.

لماذا؟

لأن بَدْءَها له إثارة، ولكنه إذا بدأ هو بالسلام فليس ضرورياً أن تستجيب.

فإن كان معها أحد أو جماعة تُؤمن عليها فلا حرج من أن ترد السلام.

وقالوا: وإذا كان الذي يلقى السلام ويبدأه به من غير مؤمن؟

النبي عليه الصلاة والسلام أوضح أنهم يلوون في الكلام، فإذا قالوا لكم: "السلام" فقولوا: وعليكم.

وذلك يعني إن قالوها كلمة طيبة لها معنى طيب فأهلاً بها وعليهم مثلها، وإن كانت كلمة خبيثة كقولهم: "السام عليكم" فقولوا: "وعليكم"؛ لأن السام معناها الموت، فلكيلا يستهزئوا بكم، قولوا: وعليكم.

وبعض العلماء قال المقصود بـ "فحيوا بأحسن منها" أي بالنسبة للمؤمن، و "ردوها" بالنسبة للكافر.

لكن أتلك هي التحية فقط؟.

إذا كان الذي حياك بقول وأمّنك بقول، فكيف لا تحذر من يؤمن بالقول نفاقاً، يظهر لك الأمن ثم يقول: السلام عليكم، ومعه الضر؟.

كما أن الحق علمنا أن نرد التحية بمثلها لأن نقل القضايا من قولية إلى فعلية هي المحك والأساس، فإذا حياك إنسان بخير عنده فعلى المسلم أن يقدم التحية بخير منها، وإن لم يستطع فليرد على الأقل بمثلها، وعندما يرد الإنسان بمثلها يصبح التكارم بين الناس إن لم يزد فهو لم ينقص، ويكون الخير متنامياً، فإذا قدم إنسان خيراً لإنسان آخر، وردّ عليه بعمل أفضل منه، ففي ذلك نماء للخير، وإن لم يستطع فليرد بمثل العمل وبذلك لا ينقص من خيره، فيكون خير كل إنسان محجوزاً على نفسه؛ لأنه ما دام سيعطي التحية ويأخذ على قدر ما يعطي، فكأنه لم ينقص من خيره شيئاً.

والحق سبحانه وتعالى حين يسخِّى النفوس في أن تعطي أكثر مما حييت به، فهذا يبين أن المؤمن في البيئة الإيمانية إنما يتكاثر خيره، لأنّه كلما فعل خصلة خير فهي تعود عليه بالخير.

ولذلك فهناك أناس كثيرون إذا أرادت خيراً من أحد، أعطته خيراً يناسب قدرها، ليعطي هو خيراً يناسب قدره، وهذه تحدث كثيراً خصوصاً مع الملوك، ومثال ذلك: كان المواطن السعودي يقول للملك عبد العزيز آل سعود: أريد أن تشرب القهوة عندي، ويذهب الملك عبد العزيز آل سعود ليشرب القهوة، ويؤدي لصاحب الدعوة خدمة تعادل القهوة مليون مرة، فكل مَنْ يحيي الملك يرد عليه التحية بأكثر منها.

إذن فقول الحق سبحانه وتعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ} [النساء: 86] وجاءت كلمة{أَوْ رُدُّوهَآ} [النساء: 86] من أجل أن يطمئن من قدم تحية أنه سيجد رد تحيته أو أكثر منها.

والحق سبحانه وتعالى عندما يرى خلقه المؤمنين به يتكارمون، فهو يضعها في الحساب؛ لذلك يقول سبحانه: {إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً} [النساء: 86] فالحساب لا ينتهي عند أن يرد المؤمن التحية أو يؤدي خيراً منها، ولكن هناك جزاءً أعلى وأفضل عند مليك مقتدر. 

وفي تناولنا لمسألة التحية عَلِمْنَا أن كلمة التحية وهي "السلام عليكم" معناها أمان واطمئنان، والأمان والاطمئنان كلاهما يعطي الحياة بهجة، فالحياة بدون أمن أو اطمئنان ليس لها قيمة.

فكأن إشاعة السلام بقولنا: "السلام عليكم" أو "السلام عليكم ورحمة الله" أو "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" تجعل المجتمع مجتمعاً صفائياً، وما دام المجتمع كله مجتمعا صفائيا، فخير أي واحد يكون عند الآخر.

ويتعدى ذلك إلى أن يطلب المؤمن خير الله لأخيه المؤمن.

إن الإنسان حين يصعد التحية بعد قوله: السلام عليكم" بإضافة "ورحمة الله وبركاته" فهو يربط النفس البشرية برباط إيماني بالحق سبحانه وتعالى.

وبذلك تتذكر وتعي أن الخلق عيال الله، وسبحانه يحب أن يكون خلقه منسجمين بالعلاقات الطيبة فيما بينهم، وعندما يكون الخلق على علاقة طيبة بعضهم من بعض فسبحانه يعطيهم من خيره أكثر وأكثر.

{وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً} [النساء: 86] ومن الطبيعي أن نفهم أن رد التحية يعني أن نقول: تحية مثل التي قالها لنا، فالرد ليس مقصوداً به أن نرد التحية نفسها، ولكننا نقول مثلها.

فالضمير مبهم ويوضحه مرجعه.

مثال ذلك أن تقول: "لقيت رجلاً فأكرمته" هنا الضمير مبهم ويوضحه مرجعه، مثال آخر "تصدقت بدرهم ونصفه" فهل معنى ذلك أنني تصدقت بدرهم ثم استرددته وقسمته قسمين وتصدقت بنصفه؟

لا، إن معنى ذلك هو أنني تصدقت بدرهم، ونصف مثل الدرهم، فإذا قال الحق: "فحيوا بأحسن منها أو ردوها" أي ردوا التحية بأفضل منها أو بمثل التي تتلقاها، فإذا ما قيل: "السلام عليكم" فقل "وعليكم السلام".

والحق سبحانه وتعالى يبلغ المؤمنين: لا تظنوا أيها المؤمنون أني بخلقي لكم وإعطائي لكم حرية الاختيار في الإيمان أو في الفعل أو في الترك إياكم أن تظنوا أني لا أحاسبكم بل سأجازيكم بالثواب على الطاعة وبالعقاب على المعصية، فحين آمركم بفعل، فمعناه أنني خلقتكم صالحين أن تفعلوا، وحين أنهاكم عن فعل فمعناه أنني خلقتكم صالحين ألا تفعلوا.

إذن فعندما يأتي أمر؛ فمعنى هذا أن الذي خلقني علم أزلاً بصلاحيتي لتنفيذ هذا الفعل أو عدم تنفيذه؛ أي صلاحيتي أن أطيع وأن أعصى، إذن فهناك فعل يقول الحق للعبد فيه: "افعله"، وفعل يقول له فيه: "لا تفعله"، والمخالفات والمعاصي إنما تنشأ من نقل "افعل" في مجال "لا تفعل"، ومن نقل "لا تفعل" في مجال "افعل"، هذا هو معنى المعصية.

والحازم لا يأخذ الاختيار الممنوح له ليحقق شهواته بوساطة هذا الاختيار، بل لا بد أن يضع بجانب الاختيار أنه مردود إلى من أعطاه الاختيار.

وحين تعلم أيها العبد أنك مردود وراجع ومصيرك إلى من أعطاك الاختيار وأنه سوف يجازيك، فإنك لن تنقل أمراً من مجال "لا تفعل" إلى مجال "افعل" أو من مجال افعل إلى مجال لا تفعل.

فلو أخذت الاختيار لتريح نفسك لحظة وهي فانية، فكيف تتعب نفسك في الباقية؟

فإن أردت أن تكون حازماً وعاقلاً فلا تفعل ذلك؛ فالمؤمن يمتلك الكياسة والفطنة فلا يُقْدِمُ على مثل هذا.

وبعد ذلك يقول سبحانه: {ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ...}.



سورة النساء الآيات من 086-090 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48350
العمر : 71

سورة النساء الآيات من 086-090 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 086-090   سورة النساء الآيات من 086-090 Emptyالسبت 04 مايو 2019, 7:02 pm

اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [٨٧]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وهذا يعني: أنّه لا يوجد إله آخر سيأتي ليتدخل وينهى المسائل من خلف ظهر الخالق الأعلى سبحانه: {ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ} [النساء: 87] فليس هناك إله سواي، لا تشريع يرسم صلاح البشر إلا تشريعي وسترجعون إليّ، وليس هناك واحد يقول: "افعل" "ولا تفعل"، والآخر يقول بالعكس، إنه إله واحد، والأمر منه بـ "افعل" هو الأمر الوحيد الصالح للإنسان.

والنهي منه بـ "لا تفعل" هو النهي الوحيد الذي يجب على العاقل أن يتجنبه، ولذلك تجده يقول: {قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 1-6].

إنه سبحانه يوضح: ليس هناك مضارة بين دينين، دين للكافرين، ودين للمؤمنين، لا، بل هو دين ومنهج واحد صالح للإنسان هو منهج التوحيد جاءت به الرسل جميعاً وختم بالإسلام الذي لا دين بعده، ولذلك جاء بعدها مباشرة: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ} [النصر: 1].

ويأتي بعد ذلك بسورة المسد: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ} [المسد: 1-5].  

أما كان أبو لهب يقدر أن يقول بعدها: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟

كان يقدر، ولو قالها لشكك في هذه الآية، ولقالوا: إنه لن يصلى ناراً ذات لهب.

إن هذا الأمر كان له فيه اختيار، ولم يوفقه الله إلى أن يقولها ولو نفاقاً، لماذا؟

لأن الحق قال بعد هذه الآية مباشرة: {قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ}
[الإخلاص: 1].

أي فليس إله آخر يرد أمره سبحانه وتعالى: {ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ} [النساء: 87].

وكلمة "يجمع" تعني أنه يخرجنا مع بعضنا من قبورنا جميعاً، ويحشرنا جميعاً أمامه، وقد تعني{لَيَجْمَعَنَّكُمْ} [النساء: 87] أي ليحشرنكم من قبوركم لتلقي جزاء يوم القيامة.

لماذا جاء هذا القول؟

جاء لكي يتفحصه العاقل، فلا يأخذ انفلات نفسه من منهج الله إلا بملاحظة الجزاء على الانفلات من المنهج، فلو أخذ نفسه منفلتاً عن منهج الله بدون أن يقدر الجزاء لكان أحمق وأخرق.    

ولذلك قلنا: إن الذين يسرفون على أنفسهم في المعصية لا يستحضرون أمام عيونهم الجزاء على المعصية.

ولذلك يقولون: كل الجرائم إنما تتم في غفلة صاحبها عن الجزاء؛ فالمجرم يرتكب جريمته وهو مقدر السلامة لنفسه، والسارق يذهب إلى السرقة وهو مقدر السلامة، لكن لو وضع في ذهنه أنه من الممكن أن يتم القبض عليه لما فعلها أبداً.

والحق سبحانه وتعالى يوضح: إياك يا مَنْ تريد -بالاختيار الذي أعطيته لك- الانحراف عن منهجي أَلاَّ تقدر الجزاء على هذه المخالفة.

بل عليك أن تأخذها قضية واضحة، واسأل كم ستعطيك المعصية من نفع وكم سيُعطيك الله من خير على الطاعة، وضع الاثنين في كفتي ميزان؛ فالذي يعطيك الخير الأبقى افعله، وابتعد عما لا يعطيك الخير بل إنه يوقعك في الشقاء والشر.

{ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ} [النساء: 87] ويوم القيامة هو اليوم الذي قال فيه الحق: {يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ} [المطففين: 6].

ولماذا يوم القيامة؟

لأن آخر مظهر من مظاهر دنيا الناس أنهم حين يموتون ينامون، وهذا ما نراه، وبعد ذلك ندخله إلى القبر ولا نعرف كيف يأتي قائماً من نومه إلا بقول الحق: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ} [النساء: 87].

أي يجب أن يكون الإيمان بيوم القيامة لا شك فيه؛ لأنك لو قدرت أن العالم الذي خلقه الله مختاراً، إن شاء فعل الخير وإن شاء فعل الشر، وهو -سبحانه- زود العباد بالمنهج، وجعل لهم الاختيار، وأنه -سبحانه- هو القادر على الجمع يوم القيامة لو قدرت هذا لالتزمت بما طلبه الله منك.

ونضرب هذا المثل لا للتشبيه، ولكن للتقريب -ولله المثل الأعلى- الوالد يعطي ابنه جنيهاً ويقول له: اشتر ما تريد، ولكن لاحظ أنك إن اشتريت شيئاً مفيداً فسأكافئك، وإن اشتريت شيئاً فاسداً كأوراق اللعب أو غيرها فسأعاقبك.

ساعة أعطى الوالد ابنه القوة الشرائية وقال له: انزل اشتر ما تريد، والابن ساعة اشترى أوراق اللعب.

هل هذا الشراء قد تم قهراً عن أبيه؟

لا؛ لأن الأب هو مَنْ أعطاه الاختيار، لكن الابن فعل فعلاً غير محبوب لأبيه.

فما بالنا بالعبد عندما يعطيه الحق الاختيار؟

ولو أراد الله الناس جميعاً على هدايةٍ لجعلهم كالملائكة، ولما جرؤ ولا قَدَرَ أحد أن يفعل معصية.

فالعاصي عندما يرتكب المعصية إنما يفعلها لأن الله خلق له الاختيار.

ولذلك فعندما يقول واحد: كل فعل من الله، هو صادق.

ولماذا يتعذب مرتكب المعصية مع أنّه يوجه آلة الاختيار إلى ما تصلح له؟

ونقول إنّه وجهها مخالفاً لأمر الله، فالسكين للذبح، إن ذُبحت بها دجاجة لما استحق الذابح على ذلك عقاباً، لكن لو ذبحنا بها إنساناً لوقعنا في محظور يشبهه الحق بقتل الناس جميعاً.  

فالذي جاء بالسكين إلى المنزل هل نقول له: "أنت أتيت بأداة الجريمة"؟

لا؛ لأنه جاء بأداة صالحة لأن تكون أداة لذبح ما يحل ذبحه أو أداة لجريمة.

إذن فحتى المختار لم يفعل اختياره إلا من باطن أن الله خلقه مختاراً.

لكن هل ألزمه الحق سبحانه وتعالى يفعل المعصية؟

انه، فسبحانه أوضح لك: هذا لا أحبه، وهذا أحبه.

واختيارك له مجال، ولك أن تختار الشيء الذي يأتي بالنفع ولا يأتي بالضرر أو أن تختار عكس ذلك.

{ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ} [النساء: 87] هذا خبر من الله.  

والكلام الخبري عندنا يحتمل الصدق والكذب لذاته، لكن لأن الخبر من الله فهو صادق.   

أما الكلام في ذاته فيحتمل الصدق ويحتمل الكذب، ولذلك يذيل الحق الآية بما يلي: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً} [النساء: 87] وهل الصدق فيه تفاضل؟.

ليس في الصدق تفاضل، فمعنى الصدق مطابقة الكلام للواقع، فالإنسان قبل أن يتكلم وهو عاقل، يدير المسألة التي يريد الكلام فيها ليُعمل العقل فيها، وبعد هذا ينطق بالكلام.

إذن ففي الكلام نسبة ذهنية، ونسبة كلامية، ونسبة واقعية، فعندما يقول واحد: "زيد مجتهد" هو قبل أن يقول ذلك جاء في ذهنه أنه مجتهد، وهذه هي "النسبة الذهنية"، وعندما ينطقها صاحبها تكون "نسبة كلامية"، ولكن هل صحيح أن هناك واحداً اسمه "زيد" وأنه مجتهد؟.  

إن طابقت النسبة الواقعية كُلاًّ من النسبة الذهنية والنسبة الكلامية يكون الكلام صادقاً.   

وإن لم يكن هناك أحد اسمه زيد ولا هو "مجتهد" لا تتطابق النسبة الخارجية الواقعية مع النسبتين "الذهنية والكلامية" فيكون الكلام كذباً.

فالصدق يقتضي أن تتطابق النسبة الكلامية مع الواقع، أي مع النسبة الخارجية الحاصلة.    

ولماذا يكذب الكذاب إذن؟.

ليحقق لنفسه نفعاً يفوّته ولا يحققه الصدق في نظره أو يدفع عنه ضُرّاً.

مثال ذلك: يكسر الابن شيئاً في المنزل كمنضدة.

فالأب يقول لابنه: هل كسرت هذه المنضدة؟.

وينكر الابن: لا لم أكسرها.

هو يريد أن يحقق لنفسه نفعاً أو يدفع عنها ضرراً وهو الإفلات من العقاب، لأنه يعلم أن الصدق قد يسبب له عقاباً.

ولا يحمله على الكذب إلا تفويت مضرة قد تصيبه من الصدق فيلجأ إلى الكذب.

ويقول كلاماً يخالف الواقع.

إذن هو يريد أن يحقق لنفسه نفعاً أو يدفع عن نفسه ضرراً.

والذي ينفع الإنسان لا بد أن يكون أقوى منه، وكذلك الذي يضرّه.

لكن بالنسبة لله لا يوجد من يسبب له سبحانه نفعاً ولا ضراً.

إذن فإذا قال الله فقوله الصدق؛ لأن الأسباب التي تدفع إلى الكذب هو -سبحانه- منزه عنها.  

وإذا كان الحق يعطينا الكلام الذي يوضح لنا واقع الحياة ويعطينا الكلام الذي لا يدخل في واقع حياتنا ويصف لنا الغيب الذي لا يدخل في نطاق ما نراه، إذن فهو يكلمنا كثيراً.

فقوله الحق: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً} [النساء: 87] مؤكد بالنسبة لنا.

وأفعل التفضيل هنا لا تأتي للتمييز بين كلام صادق وكلام أصدق، ولكن لنعرف أن كلام الله لنا كثير.

فالتكثير هنا إنما يجيء من ناحية كثرة الكلام، لا من ناحية أن هناك كلاماً صادقاً وكلاماً أصدق.

والتفاوت قد يوجد في الصدق أيضاً، كيف؟.

لنفرض أن إنساناً رأي حادثة يقتل فيها إنسان إنساناً آخر، فيشهد الشاهد بأنه رأى الدم ينزف من القتيل إثر التحام القاتل به، ولكن هناك شاهد آخر يروي كل التفاصيل التي بدأت من قبل المشاجرة بين القاتل والقتيل إلى أن صار هناك قاتل وقتيل.

وهكذا نجد أن الشاهد الثاني أشمل في الصدق من الشاهد الأول، صحيح أن الشاهد الأول قال شهادة صادقة، لكن شهادة الشاهد الثاني أشمل في القضية نفسها.

إذن فقوله الحق: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً} [النساء: 87] أي أن الحق هو الأصدق بمعنى أنّ إخباره لنا جاء بالشمول الكامل، وهو صدق لا تفاوت فيه، فالصدق هو مطابقة النسبة الكلامية للواقع، وما دام هو كذلك فليس هناك صادق وأصدق، ولكن أفعل التفضيل تأتي في "أصدق" باعتبار أن كمية الصدق الصادرة لا حدود لها وأنّه سبحانه يعلم الأشياء على وفق ما هي عليه أي بشمول كامل.

وخلقه إن حدث منهم صدق في شيء فقد يحدث منهم الكذب في شيء آخر.

فقد تقول قضية تعلم أنها صدق، ولكنها في الواقع لا تكون صدقاً.

مثلاً؛ فقد يقول قائل: زار فلان فلاناً بالأمس.

هو اعتقد ذلك لأنه رأى حجرة الاستقبال في بيت فلان مضاءة فسأل عن الزائر فقيل له: "فلان" فهو يروي خبر هذه الزيارة على وفق ما يعتقد، ولا يقال: إن القائل قد كذب.

إننا يجب أن نفرق بين "الخبر" وبين "المخبر"، كيف؟

إذا قلنا: "زيد مجتهد"، أيوجد واحد اسمه زيد ومجتهد بالفعل؟

هذا اسمه الواقع.

وهل أنت تعتقد هذا؟.

إذن فالإنسان هنا يحتاج إلى أمرين: معرفة وجود الشيء، واعتقاد الشيء، وبذلك يكون الخبر صادقاً والمخبر صادقاً أيضاً.

وافرض أنك أخبرت أن زيداً مجتهد بناءً على أن أحداً قد أخبرك بذلك ولكنه لم يكن كذلك، أنت هنا صادق وفق اعتقادك.

لكن الخبر غير صادق في الواقع.

إذن ففيه فرق بين صدق الخبر وصدق المخبر.

فإذا التقى الاعتقاد بالواقع صدق الخبر وصدق المخبر.

وإذا كان الخبر موافقاً للواقع ومخالفاً للاعتقاد فالخبر صادق كموقف المنافقين الذين قال الحق فيهم: {إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ} [المنافقون: 1] هذه القضية واقعة صادقة وأعلنوا هم ذلك، ولكن الحق أضاف: {وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1].

فالقضية صادقة ولكنهم كاذبون؛ لأنهم قالوها بلا اقتناع فكانوا كاذبين.

والدقة هنا توضح الفرق بين صدق الخبر وكذب الاعتقاد.

إذن فصدق المخبر أن يطابق الكلام الاعتقاد.

والتكذيب واضح في قولهم: {نَشْهَدُ} [المنافقون: 1]؛ وليس في مقول القول وهو " إنك لرسول الله" فالشهادة تقتضي أن يواطئ ويوافق اللسان القلب.

ولذلك عندما يقرأ بعض الناس القرآن دون فهم اللغة العربية؛ فيفهم بالسطحية هذه الآية فهماً خاطئاً: {إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1].

فكيف يشهد الله أنهم كاذبون، على الرغم من أنه سبحانه يعلم مثلما شهد المنافقون؟.

ونرد: إن الخبر هنا لم يكن كذباً، ولم يقل الحق ما يكذب الخبر، لكنه أوضح صدق الخبر وكذب المنافقين في شهادتهم لأنهم يظهرون غير ما يبطنون ويعتقدون، فالتكذيب منصب على شهادتهم لا على خبر أن محمداً رسول الله.

{ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً} [النساء: 87].

إنّ المؤمن يعتقد أن يوم القيامة لا شك فيه، فيوم القيامة يجب منطقياً ألا يوجد شك فيه؛ لأنه لو كان هناك ريب لكان الذين انحرفوا في الحياة الدنيا وولغوا في أعراض الناس وأخذوا أموالهم وعاثوا في الأرض فساداً هم الذين كسبوا وفازوا، ويكون الطيبون والأخيار قد عاشوا في سذاجة.

فالمنطق يقتضي أنه ما دام قد وُجد أناس قد ظلموا واعتدوا، وأناس أعتدى عليهم، فلا بد أن يكون هناك حساب.

ولا يكون هناك حساب إلا إذا انتهت حكاية الموت، بالإحياء والحشر والخروج إلى لقاء الله.  

ودليل هذا من الجاحدين أنفسهم، كيف؟.

نحن نعرف أن المجتمعات غير المتدينة يضع قادتها القوانين التي تكفل حماية حركة المجتمع.

هم يضعون مثل هذه القوانين، ومن يخالفها يتم حسابه وعقابه.

فإذا كان العقاب يمنع المجاهرة بالجريمة، فماذا يكون الموقف؟

إن الماهر إذن هو من يفلح في المداراة عن عيون قادة هذا المجتمع، ويستر نفسه عنهم حتى لا يناله العقاب.

إن هذه المجتمعات الملحدة تضع التقنينات لحماية نفسها، فماذا تفعل هذه المجتمعات في الذين ستروا أنفسهم؟.

هم بقانون هذه المجتمعات كان يجب أن يعاقبوا، وكان يجب أن تقولوا أنتم أن هناك مكاناً آخر وداراً أخرى يتم فيها عقاب من أفلت منا.

فأنت أيها الملحد قد قننت لمن خالف تقنينك عقوبة.

وهذا إن وقعت عليه عينك، وقبضت عليه يدك، فما قولك فيمن لم تقع عليه عينك ولم تقبض عليه يدك؟.

إذن فنحن أهل الإيمان عندما نقول للملحد: إننا نكمل لك تفكيرك الناقص ونقول لكل الخلق: إنكم إن عَمَّيْتُم على قضاء الأرض فلن تعَمّوا على قضاء السماء الذي لا تخفى عليه خافية.   

إذن فغير المؤمن بمنهج نأخذ منه الدليل على ضرورة المنهج.  

وعلى غير المؤمن بالمنهج أن يشكر أهل الإيمان؛ لأننا نحن أهل الإيمان قد أكملنا له نقصاً في تقنين البشر، وهذا لحماية المجتمع من الكيد بالجريمة والستر بالمخالفة.

{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً} أي لا أحد أصدق من الله في الحديث.

و{أَصْدَقُ} [النساء: 87] جاءت كأفعل تفضيل لا لأن هناك صدقاً يعلوه صدق أصدق، بل الصدق واحد؛ لأنه مطابقة النسبة الكلامية للواقع، ولكن "أصدق" هنا لكثرة الحديث الذي حدثنا الله به عما نشهد من عالم الملك ومما لا نشهد من عالم الملكوت، فإن تحدث الناس فإنما يتحدثون في عالم الملك الذي يدركونه بحواسهم، ولكن الله إذا حدثنا فسبحانه يحدثنا عن عالم الملكوت أيضاً، فالله أصدق حديثاً؛ لأنه أكثر مَنْ حدّث.

وبعد ذلك يقول الحق سبحانه: {فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ...}.



سورة النساء الآيات من 086-090 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48350
العمر : 71

سورة النساء الآيات من 086-090 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 086-090   سورة النساء الآيات من 086-090 Emptyالسبت 04 مايو 2019, 7:05 pm

فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [٨٨]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

كل جملة سبقتها "فاء" فمن اللازم أن يكون هناك سبب ومسبب، علة ومعلول، مقدمة ونتيجة، وكل الأشياء التي تكلم الحق عنها سبحانه وتعالى فيما يتعلق بمشروعية القتال للمؤمنين ليحملوا المنهج إلى الناس، ويكون الناس -بعد سماعهم المنهج- أحراراً فيما يختارون.   

إذن فالقتال لم يشرع لفرض منهج، إنما شُرع ليفرض حرية اختيار المنهج، بدليل قول الحق: {لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ} [البقرة: 256].

وعلى ذلك فالإسلام لا يفرض الدين، ولكنه جاء ليفرض حرية الاختيار في الدين، فالقُوَى التي تعوق اختيار الفرد لدينه، يقف الإسلام أمامها لترفع تسلطها عن الذين تبسط سلطانها عليهم ثم يترك الناس أحراراً يعتنقون ما يشاءون، بدليل أن البلاد التي فتحها الإسلام بالسيف، ظل فيها بعض القوم على دياناتهم.

فلو أن القتال شُرع لفرض دين لما وجدنا في بلد مفتوح بالسيف واحداً على غير دين الإسلام.

وبعد أن تكلم الحق عن القتال في مواقع متعددة من سورة النساء، وقال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً} [النساء: 84].

شرع الحق سبحانه وتعالى قضية استفهامية هنا، فيها معنى الإنكار وفيها معنى التوبيخ وذلك شائع في كل الأساليب التي تتفق معها في القرآن الكريم.

فإذا سمعت كلمة "فمالك لا تفعل كذا"، فكأن قياس العقل يقتضي أن تفعل، والعجيب ألا تفعل.

ولا يمكن أن يأتي هذا الأسلوب إلا إذا كان يستنكر أنك فعلت شيئاً كان ينبغي ألا تفعله أو أنك تركت شيئاً كان عليك أن تأتي به.

فالأب يقول للابن مثلاً: "مالك لا تذاكر وقد قرب الامتحان؟"

كأن منطق العقل يفرض على الابن إن كان قد أهمل فيما مضى من العام، فما كان يصح للابن أن يهمل قبل الامتحان، وهذا أمر بدهي بالقياس العقلي، فكأن التشريع والقرآن يخاطبان المؤمنين ألا يقبلوا على أي فعل إلا بعد ترجيح الاختيار فيه بالحجة القائمة عليه، فلا يصح أن يقدم المؤمن على أي عمل بدون تفكير، ولا يصح أن يترك المؤمن أي عمل دون أن يعرف لماذا لم يعمله، فكأن أسلوب "فما لكم"، و "فما لك" مثل قول أولاد سيدنا يعقوب: {مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ} [يوسف: 11].

ما معنى قولهم هذا؟

معناه: أي حجة لك يا أبانا في أن تحرمنا من أن نكون مؤتمنين على يوسف نستصحبه في خروجنا.

فكأن القياس عندهم أنهم إخوة، وأنهم عصبة، ولا يصح أن يخاف أبوهم على يوسف لا منهم ولا من شيء آخر يهدد يوسف؛ لأنهم جماعة كثيرة قوية.

وكذلك قول الحق: {فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الانشقاق: 20].

أي أن القياس يقتضي أن يؤمنوا.

وقوله الحق: {فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} [المدثر: 49-51].

كان القياس ألا يعرضوا عن التذكرة، إذن فأسلوب "فما له"، و "فما لك" و "فما لهم"، و "فما لكم" كله يدل على أن عمل المؤمن يجب أن يُستقبل أولاً بترجيح ما يصنع أو بترجيح ما لا يصنع.

أما أن يفعل الأفعال جزافاً بدون تفكير في حيثيات فعلها، أو في حيثيات عدم فعلها فهذا ليس عمل العاقلين.

إذن فعمل العاقل أنه قبل أن يُقبل على الفعل ينظر البديلات التي يختار منها الفعل؛ فالتلميذ إن كان أمامه اللعب وأمامه الاستذكار، ويعرف أنه بعد اللعب إلى رسوب، وبعد الرسوب إلى مستقبل غير كريم، فإذا اختار الاجتهاد فهو يعرف أن بعد الاجتهاد نجاح، وبعد النجاح مستقبل كريم.

فواجب التلميذ -إذن- أن يبذل قدراً من الجهد ليتفوق.

وكل عمل من الأعمال يجب أن يقارنه الإنسان بالنتيجة التي يأتي بها وبترجيح الفعل الذي له فائدة على الأفعال التي لا تحقق الهدف المرجو.

والآية هنا تقول: {فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: 88] كأن القياس يقتضي ألا نكون في نظرتنا إلى المنافقين فئتين، بل يجب أن نكون فئة واحدة.

وكلمة "فئة" تعني جماعة، والجماعة تعني أفراداً قد انضم بعضهم إلى بعض على رغم اختلاف الأهواء بين هؤلاء الأفراد وعلى رغم اختلاف الآراء، إلا أنهم في الإيمان يجمعهم هوى واحد، هو هوى الدين، ولذلك قال الرسول: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به".

فالمسبب للاختلاف هو أن كل واحد له هوى مختلف ولا يجمعهم هوى الدين والاعتصام بحبل الله المتين.

وما حكاية المنافقين وكيف انقسم المؤمنون في شأنهم ليكونوا فئتين؟

والفئة -كما عرفنا- هي الجماعة، ولكن ليس مطلق جماعة، فلا نقول عن جماعة يسيرون في الطريق لا يجمعهم هدف ولا غاية: إنهم فئة؛ فالفئة أو الطائفة هم جماعة من البشر تجتمع لهدف؛ لأن معنى "فئة" أنه يرجع ويفيء بعضهم إلى بعض في الأمر الواحد الذي يجمعهم، وكذلك معنى "الطائفة" فهم يطوفون حول شيء واحد.

والحق يقول: {فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: 88].

هذا لفت وتنبيه من الحق بأن ننزه عقولنا أن نكون في الأمر الواحد منقسمين إلى رأيين، وخصوصاً إذا ما كنا مجتمعين على إيمان بإله واحد ومنهج واحد.

والمنافقون -كما نعرف- هم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر.

إننا نعرف أن كل المعنويات يؤخذ لها أسماء من الحسيات؛ لأن الإدراك الحسي هو أول وسيلة لإدراك القلب، وبعد ذلك تأتي المعاني.

وعندما نأتي لكلمة "منافقين" نجد أنها مأخوذة من أمر حسي كان يشهده العرب في بيئتهم، حيث يعيش حيوان اسمه "اليربوع" مثله مثل الفأر والضب.

واليربوع مشهور بالمكر والخداع، ولكي يأمن الحيوانات التي تهاجمه فإنه يبني لنفسه جحرين، أو جحوراً متعددة، ويفر من الحيوان المهاجم إلى جحر ما، ويحاول الحيوان المهاجم أن ينتظره عند فوهة هذا الجحر، فيتركه اليربوع إلى فتحة أخرى، كأن اليربوع قد خطط وأعد لنفسه منافذ حتى يخادع، فهو يصنع فوهة يدخل فيها في الجحر، وفوهة ثانية وثالثة، وذلك حتى يخرج من أي فتحة منها، وكذلك المنافق.

ونعرف أن المسائل الإيمانية أو العقدية على ثلاثة أشكال: فهناك المؤمن وهو الذي يقول بلسانه ويعتقد بقلبه وهو يحيا بملكات منسجمة تماماً.

وهناك الكافر وهو الذي لا يعتقد ولا يدين بالإسلام ولا يقول لسانه غير ما يعتقد، وملكاته منسجمة أيضاً، وإن كان ينتظره جزاء كفره في الآخرة؛ فملكاته منسجمة -لكن- إلى غاية ضارة، وهي غاية الكفر.

أما "المنافق" فهو الذي يعتقد الكفر وينعقد عليه قلبه لكن لسانه يقول عكس ذلك، وملكاته غير منسجمة؛ فلسانه قد قال عكس ما في قلبه؛ لذلك يحيا موزعاً وقلقاً، يريد أن يأخذ خير الإيمان وخير الكفر، هذا هو المنافق.

وهناك جماعة -في تاريخ الإسلام- حينما رأوا انتصار المسلمين في غزوة بدر، قالوا لأنفسهم: "الريح في جانب المسلمين، ولا نأمن أنهم بعد انتصار بدر وقتل صناديد قريش وحصولهم على كل هذه الغنائم أن يأتوا إلينا"، هذه الجماعة حاولت النفاق وادَّعت الإسلام وهم بمكة، حتى إذا دخل المسلمون مكة يكونون قد حصنوا أنفسهم.

أو هم جماعة ذهبوا إلى المدينة مهاجرين، ولم يصبروا على مرارة الهجرة والحياة بعيداً عن الوطن والأهل والمال، ففكروا في هذه الأمور، وأرادوا العودة عن الدين والرجوع إلى مكة، وقالوا للمؤمنين في المدينة: "نحن لنا أموال في مكة وسنذهب لاستردادها ونعود".

وبلغ المسلمون الخبر وانقسم المسلمون إلى قسمين: قسم يقول: نقاتلهم، وقسم يقول: لا نقاتلهم.

الذين يقولون: "نقاتلهم" دفعهم إلى ذلك حمية الإيمان.

والذين يقولون: "لا نقاتلهم" قالوا: هذه الجماعة أظهرت الإيمان، ولم نشق عن قلوبهم، وربما قالوا ذلك عطفاً عليهم لصلات أو أواصر.

فجاء القرآن ليحسم مسألة انقسام المسلمين إلى قسمين، ويحسم أمر الاختلاف.

وعندما يأتي القرآن ليحسم فهذا معناه أن رب القرآن صنع جمهور الإيمان على عينه، وساعة يرى أي خلل فيهم فسبحانه يحسم المسألة، فقال: {فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: 88].

والخطاب موجه للجماعة المسلمة، فقوله: {فَمَا لَكُمْ} [النساء: 88] يعني أنهم متوحدون على هدف واحد، وقوله: {فِئَتَيْنِ} [النساء: 88] تفيد أنهم مختلفون.

إذن فـ{فِئَتَيْنِ} [النساء: 88] تناقض الخطاب الذي بدأه الحق بـ{فَمَا لَكُمْ} [النساء: 88]، كأن المطلوب من المتلقي للقرآن أن يقدر المعنى كالآتي: فما لكم افترقتم في المنافقين إلى فئتين؟  

إذن فهذا أسلوب توبيخي وتهديدي ولا يصح أن يحدث مثل هذا الأمر، فهل ينصب هذا الكلام على كل المخاطبين؟

ننظر، هل القرآن مع من قال: "نقتل المنافقين" أو مع من قال بغير ذلك؟

فإن كان مع الفئة الأولى فهو لا يؤنب هذه الفئة بل يكرمها، إن القرآن مع هذه الفئة التي تدعو إلى قتال المنافقين وليس مع الفئة الثانية؛ لذلك فهو يؤنبها، ويوبخها.

والأسلوب حين يكون توبيخاً لمن يرى رأياً، فهو تكريم لمن يرى الرأي المقابل، ويكون صاحب الرأي المكرم غير داخل في التوبيخ، لأنّ الحق أعطاه الحيثية التي ترفع رأسه.

والحق يقول: {فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ} [النساء: 88] أي إن الحق يقول: أي حجة لكم في أن تفترقوا في أمر المنافقين إلى فئتين، والقياس يقتضي أن تدرسوا المسألة دراسة عقلية، دراسة إيمانية لتنتهوا إلى أنه يجب أن تكونوا على رأي واحد، ومعنى الإنكار هو: لا حجة لكم أيها المؤمنون في أن تنقسموا إلى فئتين.

ويقول الحق: {وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ} [النساء: 88] وساعة تسمع كلمة{أَرْكَسَهُمْ} [النساء: 88] ماذا نستفيد منها حتى ولو لم نعرف معنى الكلمة؟

نستفيد أن الحق قد وضعهم في منزلة غير لائقة.

ونشعر أن الأسلوب دل على نكسهم وجعل مقدمهم مؤخرهم أي أنهم انقلبوا حتى ولو لم نفهم المادة المأخوذة منها الكلمة، وهذا من إيحاءات الأسلوب القرآني، إيحاءات اللفظ، وانسجامات حروفه.

{وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ} [النساء: 88] و{أَرْكَسَهُمْ} [النساء: 88] مأخوذة من "ركسهم" ومعناها "ردهم".

كأنهم كانوا على شيء ثم تركوه ثم ردهم الله إلى الشيء الأول، وهم كانوا كفاراً أولاً، ثم آمنوا، ثم أركسهم، لكن هل الله أركسهم تعنتاً عليهم أو قهراً؟

لا؛ فهذا حدث{بِمَا كَسَبُوۤاْ} [النساء: 88]، وذلك حتى لا يدخل أحد بنا في متاهة السؤال ولماذا يعاقبهم الله ويوبخهم ما دام هو سبحانه الذي فعل فيهم هذا؛ لذلك قال لنا الحق: إنه{أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ} [النساء: 88].

و{أَرْكَسَهُمْ} [النساء: 88] مادته مأخوذة من شيء اسمه "الركس" - بفتح الراء - وهو رد الشيء مقلوباً ومنه "الرِّكس" بكسر الراء وهو الرجيع الذي يرجع من معدة الإنسان قبل أن يتمثل الطعام.

مثلما نقول: "إن فلاناً غمت نفسه عليه" أو "فلان يرجع ما في بطنه".

وعندما ننظر إلى هذه العملية نجد أن الطعام الذي يشتهيه الإنسان ويحبه ويقبل عليه ويأكله بلذة، وتنظر عيونه إليه باشتهاء، ويده تقطع الطعام بلذة ويمضغ الطعام بلذة، هذا الطعام بمجرد مضغة مع بعضه ينزل في المعدة وتضاف إليه العصارات المهضمه، فإذا رجع فإنه في هذه الحالة يكون غير مقبول الرائحة، بل إن الإنسان لو هضم الطعام وأخذ منه المفيد وأخرج البافي بعد ذلك، فرائحة الفضلات الطبيعية ليست أسوأ من رائحة الطعام لو رجع بدون تمثيل.

فلو رأيت إنساناً يقضي حاجة وآخر يتقيأ الطعام، فالنفس تتقزز من الذي يتقيأ أكثر مما تتقزز من الذي يقضي حاجته؛ لأن "الترجيع" يخرج طعاماً خرج من شهوة المضغ والاستمتاع.

ولم يصل إلى مسألة التمثيل.

ولذلك نسمع المثل "كل ما فات اللسان صار نتان".

و "الرِّكس" هو الرجيع الذي يرجعه الإنسان بعد الطعام قبل أن يتمثله.

فالطعام بعد أن يتمثل ويخرج من المكان المخصص له يصبح روثاً، وغائطاً وبرازاً.

والحق سبحانه وتعالى قد جاء بالكلمة التي تصفهم: {وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ} [النساء: 88] أي أنهم ارتدوا من قبل أن ينتفعوا بأي شيء من الإيمان.

هذا هو التعبير القرآني الذي جاء بالعبارة التي تؤدي هذا المعنى، وتؤدي إلى نفرتنا منهم، فيكون الإركاس هو الرد، وهل هو مطلق الرد، أو رد له كيفية؟

هو رد بإهانة أيضاً، كيف؟

لأن الشيء إن كان قوامه أن يقف رأسياً، يكون الركس أن تجعل رأسه في مكان قدمه وقدمه في مكان رأسه.

وعلى ذلك فالرد ليس رداً عادياً بل إنّه رد جعل المردود هُزُواً.

وإن كانت استقامة الأمر على الامتداد الطولي، يكون الركس بأن تأتي بما في الخلف إلى الأمام، وبما في الأمام إلى الخلف، فتقلب له كيانه، وتعكس حاله.

والقرآن يصف الكافرين والمنافقين: {ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ} [الأنبياء: 65].

لماذا، لأن الرأس مبنيٌ على القامة والهامة والارتفاع.

هذا الرأس يُجْعَلُ مكان القدم، والقدم يكون محل الرأس.

إذن فقوله: {وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ} [النساء: 88] أي لم يردهم مطلق الرد، بل ردّهم رداً مهيناً، ردّاً يقلب أوضاعهم.

{وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ} [النساء: 88] إذن فلا يقولن أحد: ما دام الله قد أركسهم فما ذنبهم؟ 

إن الله قد أركسهم {بِمَا كَسَبُوۤاْ} [النساء: 88]، فهم كانوا فاعلين لا منفعلين.

وإليكم هذا المثل -ولله المثل الأعلى- حين تضع المدرسة أو الجامعة درجات للنجاح في كل مادة.

تجد مادة يجب أن يحصل الطالب فيها على نسبة ستين في المائة.

وأخرى على سبعين في المائة، ويدخل التلاميذ الامتحان، وعندما يرسب أحدهم لا يقال: إن المدرسة قد جعلته يرسب، صحيح هي أرسبته ولكن وفق القوانين التي وضعتها المدرسة أو الجامعة من قبل أن يدخل التلميذ الامتحان، ولأنه لم يبذل الجهد الكافي للنجاح، فقد أرسب نفسه.

إذن، فالله لم يأت بالرّكس ورماه عليهم.

بل هم الذين كسبوا كسباً جعل قضية السنة الكونية هي التي تؤدي بهم إلى الركس، مثلهم مثل التلميذ الذي لم يستذكر فلم يُجب في الامتحان، فلا يقال عن هذا التلميذ: إن المدرسة أرسبته.

ولكنه هو الذي أرسب نفسه.

ولذلك عندما يقال: الله هو الذي أضلهم، فما ذنبهم؟

هذه هي القضية التي يقول بها المسرفون على أنفسهم.

ولهؤلاء نقول هذه الآية: {وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ} [النساء: 88] وكذلك أضل الله الضالين بفعلهم، كيف؟.

نحن عرفنا أن الهداية تأتي بمعنيين، هداية الدلالة وهداية المعونة، ويأتي المسرفون على أنفسهم الذين يودون أن تكون قضية الدين كاذبة -والعياذ بالله- لأن قضية الدين عندما تكون صدقاً فإن الذين أسرفوا على أنفسهم يتيقنون أنهم ذاهبون إلى داهية وأمر منكر شاق عليهم؛ لذلك نجد الواحد منهم يتمحك في محاولة عدم التصديق، والدخول إلى متاهات يصنعها الفهم السطحي للدين.

ولذلك نجد المناقشات التي يناقشونها تدل على أنها مناقشات المسرف على نفسه، فيقول الواحد منهم: ما دام الله هو الذي كتب عليّ كل شيء فلماذا يعذبني وهو الذي كتب عليّ المعاصي؟

نقول له: لماذا آمنت في هذا الموقف بالذات أن الله هو الذي كتب؟

وما دمت قد آمنت بأن الله هو الذي كتب فلماذا لا تؤمن به وترتضي أحكام منهجه؟.

ولكن الواحد منهم يحاول أن يقف وقفة ليست عقلية، فالوقفة العقلية الصحيحة تقتضي أن تأتي بالقضية المقابلة وهي أن الله إذا كان قد كتب على العبد الطاعة فلماذا يثيبه؟.

لماذا تناسى قضية الطاعة والثواب عليها؟

لأنه يعرف أنها القضية التي تجلب الخير، ووقف في القضية المقابلة التي تأتي بالشرّ، ولا يقول هذا القول إلا مُسْرِفٌ على نفسه.

ولا نرى ملتزماً بمنهج الإيمان يقول مثل هذه القضية، فالمؤمن يحب أن تسير الأمور على ضوء منهج الله، ولذلك أنا إلى الآن -وليسامِحْني الله وليغفر لي- أتعجَّب من أن العلماء الذين سبقونا جعلوا من هذه المسألة محل خلاف.

وقالوا: معتزلة وأهل سنة.

المسألة كلها يجب أن تُفهم على أساس أن الإسلام دين فطرة؛ ولم يأت للفلاسفة فقط، إنّه جاء للعقل الفطري، ورَاعى الشاة في الإسلام كالفيلسوف، ومن يكنس الشارع أو يمسح الأحذية مساوٍ لمن درس الفلسفة أو الحقوق؛ لأن الإيمان لم يأت لطائفة خاصة، ولكن المنهج قد جاء للجميع، ولا بد أن تكون أدلته واضحة للجميع، فعندما يقال لنا: إن الله يعلم كل شيء فيك، لا يدخل معك في متاهة، هو -سبحانه- يقول لك: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ} [المُلك: 14].

فالذي صنع الكرسي -ولله المثل الأعلى- ألا يعرف أن الكرسي مصنوع من الخشب، ونوع الخشب "زان" أو "أرو" أو "مجنة"، وأن المسمار الذي يربط الجزء بالجزء إما مسمار صلب وإما من معدن آخر، وكذلك يعلم صانع الكرسي أي صنف من الغراء استعمل في لصق أجزاء الكرسي، وكذلك مواد الدهان التي تم دهن الكرسي بها.

إذن فقول الحق: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ} لا يحتاج إلى جدال ولذلك نجد النَّجار الذي يرغب أن تكون صنعته مكشوفة واضحة يقول للمشتري: سوف أصنع كل الكرسي من خشب الزان وعليك أن تمر يومياً لترى مراحل فعله.

ويبدأ صناعة الكرسي مرحلة مرحلة تحت إشراف الزَّبون.

وكذلك يعرف البدوي كيف يتكون الرحل.

وهو ما يوضع على ظهر البعير للركوب، العربي يعرف كيف يتكون الفسطاط وهو بيت يتخذ من الشَّعْرِ.

وقد جاء سبحانه بما يدحض أي جدل، وبدون الدخول في أية مهاترات أو مناقشات لها مقدمات ونتائج ومقدم وتال.

جاء الحق بهذا القول الفصل: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ} [الملك: 14].

هو يعلم وهذا أمر سهل عليه، ولذلك أتعجب كيف أدخل هؤلاء العلماء هذه المسألة في متاهة فلسفية، فالإسلام دين الفطرة.

ولذلك نجد العلماء الذين ناقشوا هذه المسألة -جزاهم الله خيراً- جاءوا في آخر مطافهم.

وقالوا:
نهـــــاية إقــدام العقـــــــول عِقال
وأكثر سعـــــي العالميـــــن ضلال
ولم نستفد من بحثنا طـول عمرنا
سوى أن جمعنا فيه قِيــــلَ وقالوا

وأنا أريد أن أعرف ماذا قدمت الفلسفة النظرية للدنيا من خير؟.

لقد انفصلت عنها الفلسفة المادية ودخلت المعمل وأخرجوا لنا الابتكارات التي انتفع بها الخلق، فماذا فعلت الفلسفة النظرية؟.

لا شيء.

ونقول: جاء الإسلام بالعقيدة الفطرية، ومعنى العقيدة الفطرية أن الناس فيها سواء، فالأدلة العقلية تقتضي الوضوح لمن تَعَلَّم ولمن لم يتعلم.

والفلاسفة هم الذين قالوا: بأدلة الغاية وأدلة العناية وأدلة القصد.

لكن البدوي الذي سار في الصحراء وجد بعر البعير ووجد الرمل وعليه أثر قدم، فقال: إذا كانت البعرة تدل على البعير والقدم تدل على المسير أفلا يدل كل ذلك على اللطيف الخبير؟.   

هو لم يدخل في فلسفة أو متاهة مثلما دخل الفلاسفة مع بعضهم في متاهات عقلية وحلها البدوي في جملة واحدة.

وكذلك نجد واحداً من الناس يسأل واحداً من أهل الإشراق: ألا تشتاق إلى الله؟.

فيقول له: إنّما يُشتاق إلى غائب، ومتى غاب الله حتى يشتاق إليه؟!

لذلك نقول لمَنْ اختلفوا في أمر رد الله لهؤلاء: نريد أن نكرم عقولكم وننظر لماذا اختلفتم في هذه الحكاية {أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ} [النساء: 88].

نقول مع حُسن الظن بهم، إن كل واحد منهم تعصَّب لصفة من صفات الحق، فواحد منهم يقول: {ٱللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} فنقول له: أنت قد تعصَّبت لصفة القدرة وطلاقتها في الحق.

وجاء ثانٍ وقال: ولكن الله عادل.

ولا يمكن أن يخلق في الكافر كفره ثم يعذبه عليه.

إنّه متعصب لصفة العدل.

وكل منهما ذاهب إلى صفة واحدة من صفات الحق.

وتناسى الإثنان أن هذه الصفات إنما هي لذاته -تعالى - فسبحانه قادر وعادل معاً.

فلا هذه تفلت منه ولا تلك.

ونقول لمن يقول: إنه الله خالق كل شيء وخالق كل فعل.

ما الفعل؟.

الفعل هو توجيه جارحة لإحداث حدث، فالذي يمسح وجهه بيديه يوجه يديه لوجهه حتى يمسحه، وهذ الفعل لا يفعله صاحب الفعل، ودليلنا على ذلك الإنسان الآلي نضغط على أكثر من زر ليتحقق هذا الفعل، هذا الإنسان الآلي حتى يتحرك حركة واحدة لا بد من ضغط وتحريك عدد آخر من القوى، لكن الإنسان حتى يمسح وجهه بيديه اكتفى بأنه بمجرد أن أراد مسح الوجه باليد مسح الوجه.

فهل أمسك من يمسح وجهه بشيء وضغط عليه ليمسح وجهه؟.

إنه بمجرد أن أراد فعَل.

وسائق جرافة التراب يحرك عدداً من الأذرع الحديدية حتى يحرك الجرافة إلى أسفل، ثم حركة أخرى ليفتح كباشة التراب، وحركة تقبض أسنان الكباشة وحركة أخرى ترفع التراب، كل ذلك من أجل أن يرفع التراب من مكان ما إلى مكان آخر، والواحد منا بمجرد أن يريد أن يمسح وجهه فهو يمسح وجهه ولا يعرف أي عضلات تحركت، فمَنْ الذي فعل كل ذلك؟.

إنه الله.

فيا من تتعصب لصفة القدرة.

فالله هو الذي فعل والعبد هو الذي وجه الطاقة التي تنفعل بالله.

فإذا كانت إلى غير مراد الله يصير العبد عاصياً، وإن وجهها إلى مراد الله فيكون طائعاً، ويكون له الكسب فقط، فالذي يقتل واحداً، هو لم يقتله؛ لأنه لم يقل له: "كن قتيلاً" فيكون قتيلاً، ولكن القاتل يأتي بسكين أو سيف أو مسدس ويرتكب فعل القتل.

فأداة القتل هي التي قامت بالفعل، والقاتل إنما أخذ الآلة الصالحة لفعل ما ولغيره، فوجهها لذلك الفعل.

فيا مَنْ تريد العدل، إن الله يُعَذِّب على المعصية؛ لأن الإنسان استعمل أداة مخلوقة للفعل ولعدمه، فجعلها تؤدي فعلاً غير مرادٍ لله أي لا يرضى عنه الله ولا يحبه، ومع ذلك فالله هو الفاعل لكل شيء.

ونعود إلى الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: {فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ} [النساء: 88] وما دام هو سبحانه الذي أركسهم بما كسبوا، وأنتم مؤمنون بالله فلا بد أن يكون الرأي فيهم واحداً؛ لذلك يتساءل الحق: {أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ} [النساء: 88]؟

وسبحانه لا يريد أن يقدم لهم العذر، إنما يريد أن يظهر لهم هدايته سبحانه وهي هداية لا تتأتى لهم؛ لأنه قد أضلهم فأنَّى لهم الهداية.

فلماذا يقف جانب من المؤمنين في صفهم؟.

لأن الله حين يهدي فهو يهدي مَنْ يشاء ويضل مَنْ يشاء بوضع القوانين الموضحة للهداية أو الضلال.

ونحن إن سمعنا "أن الله هدى" نفهمها على معنيين؛ المعنى الأول أنه "دل"، والمعنى الثاني أنه "أعان ومكّن".

فـ "هدى" تكون بمعنى "دل"، وهدى تكون بمعنى "أعان".

وسبق أن قلنا: إذا كان هناك إنسان يمشي في الطريق ويريد الاتجاه إلى الإسكندرية وهو لا يعرف الطريق الموصل.

فيسأل شرطي المرور فيشير الشرطي: هذا هو الطريق الموصل إلى الإسكندرية.

إنَّ الشرطي هدى هذا الإنسان ودله على الطريق، لكنه لم يحمل الإنسان على أن يسير في الطريق، فإذا ما صدّق المسافر قول الشرطي وقال له: إنني أشكرك وأكثر الله من خيرك والحمد لله أنني وجدتك، فلولا وجودك لتعبت، هنا يقول الشرطي: أنت رجل طيب والطريق إلى الإسكندرية به "مطب" وعقبة، سأركب معك حتى أدلك على مكان هذه العقبة.

وبذلك يتجاوز الشرطي مرحلة "الدلالة" إلى مرحلة "المعونة" وسبحانه أوضح: سأهدي الناس جميعاً وأرشدهم وأدلهم، فالذي يقبل على الإيمان بي سأعاونه على ذلك.
ولذلك يقول: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ} [فصلت: 17].

و "هديناهم" هنا بمعن "دللناهم" فقط، أما أن يسلكوا سبل الهداية أو لا فالأمر متروك لهم.    

والهداية -إذن- ترد بمعنى الدلالة، وترد بمعنى الإعانة.

والحق يعين مَنْ؟.

يعين مَنْ آمن به ولكن مَنْ يكفر به لا يعينه: {وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ} [التوبة: 37].

وكذلك: {وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24].

إذن فلله هدايتان: هداية عم الناس بها جميعاً وهي هداية الدلالة، وأخرى خص بها من جاءه مؤمناً به، وهي هداية "المعونة".

ولذلك قال الحق للرسول -صلى الله عليه وسلم-: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56].

وهذا القول فيه نفي الهداية عن الرسول، وهو سبحانه القائل أيضاً: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].

وليس من المعقول أن ينفي الحق الهداية عن الرسول ثم يثبتها له.

ونفهم من ذلك: إنك يا رسول الله تدل على الحق، ولكنك لا تعين عليه.

فالله هدى الناس جميعاً فدلهم على طريق الخير.

فمَنْ آمن به وأقبل عليه يسر له الأمر.

وبذلك نكون قد عرفنا تماماً معنى قوله الحق: {وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} [النساء: 88] فالذي يضله الله هو من اكتسب ما يوجب أن يضله فلا تجد له سبيلاً.

وكان من الممكن أن يقول الله: أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلا تستطيعون أن تهدوه، ولكن الأبلغ هو ما يوضحه سبحانه لنا: أنتم لا تستطيعون هداية هذا المكتسب للضلال؛ ذلك أنه لا يوجد سبيل حتى تهدوه إليه.

فالسبيل هو الممتنع وليس الهداية فقط.

والسبيل هو الطريق الذي يعطيك حقاً في الهداية، فإذا ما امتنع السبيل فماذا تفعل؟

ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً في أن ينقض هذا القرار، أي لا حجة له على الإطلاق.   

ولذلك أخذنا المعنيين هنا، فالذين ينافقون يظهرون الإيمان مرة وينقلبون إلى الكفر مرة، هم ينكرون الإيمان بقلوبهم والذي يقولون بألسنتهم هو الإسلام، أمّا الإيمان فلمَّا يدخل في قلوبهم.

وما هو الأعز على النفس البشرية؟

مكنونات القلب أم مقولة اللسان؟

الأعز هو مكنونات القلب.

وما داموا هم لا يؤمنون بقلوبهم ويقولون فقط بألسنتهم، فالعقيدة داخلهم معقودة على الكفر، وما دامت العقيدة معقودة على الكفر فهم لا يريدون أن يأتوا إلى صف الإيمان، ولكنهم يريدون جر المؤمنين إلى معسكر الكفر؛ لذلك يقول الحق بعد ذلك: {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ...}.



سورة النساء الآيات من 086-090 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48350
العمر : 71

سورة النساء الآيات من 086-090 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 086-090   سورة النساء الآيات من 086-090 Emptyالسبت 04 مايو 2019, 7:07 pm

وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا [٨٩]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

و{وَدُّواْ} [النساء: 89] ضميرها يعود على المنافقين الذين اختلف فيهم المسلمون إلى فئتين، وحكم الله في صالح الفئة التي أرادت أن تقف منهم موقف القوة والبطش والجبروت، فقال سبحانه وتعالى تعليلاً لنفاقهم: {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ} [النساء: 89].

ثم إن نفاقهم معناه قلق يصيبهم من مستوى حالهم مع مستقبل الإسلام أو حاضره؛ لأنهم كافرون بقلوبهم، ولكنهم يخافون أن يظهر الإسلام فيعاملهم معاملة الكافرين به، فيحاولون أن يظهروا أنهم مسلمون ليحتاطوا لنصرة الإسلام وذيوعه، فهم في كرب وتعب، وهذا التعب يجعلهم يديرون كثيراً من الأفكار في رءوسهم: يقولون نعلن أمام المسلمين أننا مسلمون، ونعلن أمام الكافرين أننا كافرون.

وما الذي ألجأهم إلى هذا الحال، وقد كانوا قديماً على وتيرة واحدة، ألسنتهم مع قلوبهم قبل أن يجيء الإسلام؟

إذن فالذي يعيدهم إلى حالة الاستقرار النفسي وينزعهم من القلق والاضطراب والخوف على حاضرهم ومستقبلهم هو أن تنتهي قضية الإسلام، فلا يكون هناك مسلمون وكافرون ومنافقون.

بل يصير الكل كافراً.

{وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ} [النساء: 89] والودادة عمل القلب، وعمل القلب تخضع له جميع الجوارح إن قدرت، فما داموا يودون أن يكون المسلمون كافرين، إذن سيقفون في سبيل انتصار المسلمين، وسيضعون العقبات التي تحقق مطلوبات قلوبهم.

لذلك فاحذروهم، سأفضح لكم أمرهم لتكونوا على بينة من كل تصرفاتهم وخائنات أعينهم وخائنات ألسنتهم.

{وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ} [النساء: 89] ونعرف أن كلمة "الكفر" تعني "الستر"، فالفعل "كفر" معناه "ستر".

ومن عظمة الإيمان بالإسلام وعظمة الحق في ذاته هو أنه لا يمكن أبداً أن يطمسه خصومه، فاللفظ الذي جاء ليحدد المضاد لله هو عينه دليل على الإيمان بالله.

فعندما نقول: "كفر بالله" أي "ستر وجوده"، كأنه قبل أن يستر الوجود فالوجود موجود، ولذلك نجد أن لفظ "الكفر" نفسه دليل على الإيمان، فلفظ "الكفر" في ذاته تعني إيماناً موجودا يجاهد صاحبه نفسه أن يغطيه ويستره.

{وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ} [النساء: 89].

وهذا القول جاء بعد أن قال الحق: {فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: 88].

ويدل على أنهم يوصفون مرة بالمنافقين ويوصفون مرة بالكافرين.

وسماهم الله في آية بـ "المنافقين" ويصفهم الحق في هذه الآية بأنهم كفروا{وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ} [النساء: 89] والكفر الذي يجيء وصفه هنا يدل على مكنون القلب، فالنفاق لم يعطهم إلا ظاهريات الإسلام، لكن الباطنيات لم يأخذوها، ولذلك سيكونون في الدرك الأسفل من النار في الآخرة؛ وإن كانوا في الدنيا يعاملون معاملة المسلمين احتراماً لكلمة "لا إله إلا الله محمد رسول الله".

لكن الله يعاملهم في الآخرة معاملة الكافرين، ويزيد عليهم أنهم في الدرك الأسفل من النار.   

إذن فأصحاب الباطل إن كانت لهم قوة يجعلون لسانهم مع قلوبهم في الجهر بالباطل، وإن كان عندهم ضعف يجعلون قلوبهم للباطل ولسانهم للحق.

وهذه العملية ليست مريحة في كلا الموقعين.

فالمريح لهم ألاَّ توجد للحق طائفة.

لذلك يقول سبحانه وصفاً لحقيقة مشاعرهم: {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً} [النساء: 89].

فهم يتمنون إزالة طائفة الحق حتى لا يكون هناك أحد أفضل من أحد، مثلما نقول: مفيش حد أحسن من حد.

مثال ذلك: نجد مجموعة من الموظفين في مصلحة حكومية، ويكون من بينهم واحد مختلس أو لا يؤدي عمله على الشكل الراقي المطلوب، لذلك فهو لا يحب أن يؤدي الآخرون أعمالهم بمنتهى الإتقان، ويريدهم فاسدين، ويحاول أن يغريهم بالفساد حتى يكونوا مثله؛ كي لا يظهروه أمام نفسه بمظهر النقيصة.

وحتى لا يكون مكسور العين أمامهم.

ومن العجيب أننا نجد الذي يسرق يحترم الأمين، وكثيراً ما نسمع عن لص من فور ما يعلم أن هناك كميناً ينتظره ليقبض عليه فهو يبحث عن رجل أمين يضع عنده المسروقات كأمانة. 

وقول الحق عن أمنية المنافقين الكافرين بقلوبهم هو أن يكون المؤمنون مثلهم {فَتَكُونُونَ سَوَآءً} [النساء: 89].

وهذه شهادة في أن صاحب الباطل يحب من صاحب الحق أن يكون معه؛ لأنه حين يجده في الحق، فصاحب الباطل يحتقر نفسه، وقد حدثت العجائب مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لقد كفروا به وعذبوا صحابته، ولكنه هو الأمين باعترافهم جميعاً.

فها هو ذا الرسول -صلى الله عليه وسلم- يهاجر من مكة وخلف "عليا" كرم الله وجهه ليرد الودائع والأمانات التي عنده.

هم كذبوه في الرسالة، ولكنه الأمين باعترافهم جميعاً؛ لذلك أودعوا عنده الأمانات.

إذن فصاحب الفضيلة محترم حتَّى عند صاحب الرذيلة.

وحتى نتعرف تماماً على هذا المعنى، فلنفترض أن إنساناً وقع في مشكلة، سبّ أحداً من الناس ورفع المعتدي عليه دعوى فضائية على هذا المعتدي الذي سبّه، ولهذا المعتدي صديق عزيز، استشهد به المعتدي عليه، فيقول المعتدي: أتشهد عليّ؟

ويذهب الصديق إلى المحكمة ليقول: "لا يقول صديقي مثل هذا السباب".

وهنا شهد الصديق لصديقه شهادة زور.

ولنفترض أن هذا المعتدي قد تاب وأناب وصار من الأتقياء، وجعله الناس حكماً بينهم، وجاء له الصديق الذي شهد الزور من أجله ليشهد أمامه، فهل يقبل شهادته؟

طبعاً لا.

إذن صاحب الفضيلة محترم حتى عند صاحب الرذيلة، فإذا ما حاول أحد من أصحاب الرذيلة أن يشد صاحب الفضيلة إلى خطأ، فهو يسعى إلى إضلاله، وينطبق على ذلك قول الحق: {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً} [النساء: 89] وما دام هذا هو هدفهم وفكرتهم ألا يتركوا المؤمنين على إيمانهم، لأجل أن يأخذوهم إلى صف الكفر.

وهم بذلك كمنافقين كفار قلوب غير مخلصين لصف الإيمان.

وهم لا يقفون من الإيمان موقف الحياد، ولكنهم يقفون منه موقف العناد والعداوة.

{وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً} [النساء: 89] وفي هذا تحذير واضح للمؤمنين هو: إياكم أن تأمنوهم على شيء يتعلق بمصالحكم وإيمانكم.

ويصدر الحق الحكم في هذه القضية بمنتهى الوضوح: {فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ} [النساء: 89] أي إياكم أن تتخذوا من المنافقين نصراء لكم أو أهل مشورة؛ لأن الله سبحانه فضح لكم دخائل نفوسهم، وهذه المسألة ليست ضربة لازب، فإن آب الواحد منهم وأناب ورجع إلى حظيرة الإيمان فلن يرده الله، فسبحانه وتعالى لا يضطهد أحداً لمجرد أنه ارتكب الذنب؛ لأنه الحق غفور ورحيم، فما دام قد عاد الإنسان إلى الصواب وبَعُد عن الخطأ، فعلى المؤمنين أن يقبلوا من يعود إليهم بإخلاص، فالكراهية لا تنعقد ضد أحد لأنه أخطأ؛ لأن الكراهية تكون للعمل الخطأ، وليست موجهة ضد الإنسان المخلوق لله، فإن أقلعوا عن الخطأ؛ فهم مقبولون من المؤمنين.

وها هو ذا قاتل زيد بن الخطاب يمر أمام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقال له بعض الناس ها هو ذا قاتل أخيك زيد.

فيقول عمر بن الخطاب: وماذا أفعل به وقد هداه الله للإسلام؟!

وهكذا نرى أن الكراهية لم تتعد إلى ذات القاتل، ولكن الكره يكون للفعل، فإن أقلعت الذات عن الفعل فالذات لها مكانتها.

وهكذا يصدر الحكم الرباني: {فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ} [النساء: 89].

والهجرة في سبيل الله كانت تكلف الإنسان أن يخرج من ماله ومن وطنه ومن أهله، ويذهب إلى حياة التقشف والتعب والمشقة، وفي هذا ما يكفر عنه، ويتعرف المؤمنون هنا أنه قد تاب إلى الله فتاب الله عليه وآن له الأوان أن يدخل في حوزة الإيمان.

فإن فعل ذلك فقد عاد إلى الإيمان.

ولذلك يجب على الناس أن يفصلوا الذوات عن الأفعال.

لماذا؟

لأن الذوات في ذاتها لا تستحق أن تكره، وإنما يكره فعل الذات إن كان قبيحاً سيئاً.

وحين نقرأ القرآن نجده يعرض مثل هذه المسألة، فسيدنا نوح عليه السلام عندما تلقى وحي الله بأن يصنع السفينة، وجلس يصنعها ويمر عليه الناس فيسخرون منه فيقول لهم سيدنا نوح: سنسخر منكم غداً كما تسخرون منا.

ويأتي له ابن ليس على منهجه، فيدعوه نوح إلى المنهج فيقول الابن: "لا".

ويركب نوح السفينة ويقول لله: لقد وعدتني أن تنجيني أنا وأهلي.

وهنا يوضح الحق: صحيح أنا أنجيك أنت وأهلك، ولكن ما الذي جعلك تعتبر ابنك من أهلك، إن الذوات عند الأنبياء لا نسب لها، إنما نسب الأنبياء الأعمال: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: 46].

إن العمل هو الذي يتم تقييمه.

ولذلك يقول الحق: {فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ} [النساء: 89] والهجرة من "هجر"، و "هجر" يعني أن الإنسان قد عدل من مكان إلى مكان، أو عن ود إلى ود، أو عن خصلة إلى خصلة، والذي يَهجر عادة يتجنى على من "هُجر"، لنلاحظ أن الله سبحانه وتعالى في كتابه عندما يأتي بالحدث.

يأتي بـ "هاجر"، ولم يأت بالحادث "هجر"، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يهجر مكة.

ولكنه هاجر منها، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "والله إنك لأحب أرض الله إليّ وإنك لأحب أرض الله إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت".

فالهجرة جاءت؛ لأن أهل مكة هجروه أولاً، فاضطر أن يهاجر.

و "هاجر" على وزن "فاعل".

والمتنبي يقول:
إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا
ألا تفارقهــــم فالراحلون همو

ولذلك جاء الحق بالهجرة على صيغة المفاعلة.

لقد كرهوا دعوته.

واستجاب الرسول للكراهية فهاجر.

ويوضح سبحانه أن الذي يخلص هؤلاء المنافقين من حكمنا عليهم، ألا يتخذ المؤمنون منهم أولياء هو: أن يهاجروا في سبيل الله؛ لأن ذلك هو حيثية صدق الإيمان.

فالمهاجر يحيا عيشة صعبة.

وقد عاش المهاجرون على فيض الله من خير الأنصار، ولم يؤسسوا حياتهم بشكل لائق. 

إذن فمَنْ ينضم إلى ذلك الموكب هو مؤمن اشترى الإيمان وقدر على أن يكفِّر عما بدر منه.   

فليست الهجرة مجرد هجرة، ولكنها هجرة في سبيل الله.

ولذلك نرى القاعدة الإيمانية في الحديث النبوي: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرىء ما نوى، فمَنْ كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومَنْ كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".

وهكذا يعامل المؤمنون المنافق إن عاد من كفره ونفاقه إلى الإيمان.

لكن ماذا لو تولّى المنافقون؟.

{فَإِنْ تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} [النساء: 89] والأخذ إذا جاء في مقام النزاع فمعناه الأسر.

وقتلهم في ساحة أمر واجب، ولا يصح أن يتخذهم المؤمنون أولياء أو نصراء؛ لأن الواحد من المنافقين يكون دسيسة على المؤمنين، ويحاول أن يعرف أمور وأحوال المسلمين، ويطلع خصوم الإسلام على ما يمكن أن ينفذ منه العدو إلى المسلمين.

ويستميت ليعرف ما يبيت المسلمون للكافرين.

واتخاذ الولي أو النصير ممن نعلم أنه لا يحب الإيمان وليس على مبدأ الإسلام وعقيدته أمر يشكك في صدق بصيرة الإنسان الذي يتولى ويود غير المسلمين المخلصين.

فحين يرى الواحد منا إنساناً آخر لا يحبه ويكيد المكائد، وعندما يراك تثق فيه وتحسن إليه، يقول هذا الكاره: هذا إنسان فاقد البصيرة فلو عرف ما في قلبي لما فعل ذلك.

فإذا اتخذ المؤمنون من المنافقين أولياء أو نصراء والمنافقون على ما هم عليه من نفاق لقال المنافقون: إن المسلمين فاقدوا البصيرة وهم لا يعلمون ما في قلوبنا، لذلك ينير الحق بصيرة المؤمنين حتى لا نأخذ رأياً من المنافقين ينال منا.

وقد يقول المنافقون: إن هؤلاء المسلمين ليس لهم ربٌّ يبصرهم، فلماذا يدعون أن لهم إلهاً؟ 

لو كان لهم إله لبصرهم بما في نفوسنا.

ونجد هذا الفضح لهم عندما يقول الحق: {وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ}
[المجادلة: 8].

وعدم تعذيب الحق له وقت كفرهم له فائدة ورحمة سيدركونها فيما بعد.

فمن هؤلاء من سيكون سيفاً للإسلام بعد أن كان سيفاً على الإسلام؛ فقد ادخرهم الله ليكون بعض منهم سيفاً للإسلام، فها هو ذا ابن الوليد يهتدي، وها هو ذا عمرو بن العاص، وها هو ذا عكرمة بن أبي جهل، هؤلاء سيكونون سيوفاً للإسلام، ولا يظنن منهم أحد أنه سترَ مكنونَ نفِسه عن الله: {وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ} [المجادلة: 8].

هذا القول قد أدى أمرين: الأمر الأول: وضح أن هناك رباً مطلعاً على خائنة الأعين وخفايا الصدور.

والأمر الثاني: أوضح أن الله لم يعذبهم لأن منهم من سيمس الإيمان قلوبهم وسيكونون سيوفاً للإسلام وسيخرج من ذريتهم قادة يحملون الدعوة لله.

ولذلك نجد النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد جاءه جبريل وقال له: "إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردُّوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمرهُ بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم عليّ ثم قال يا محمد: إن الله قد سمع قول قومك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربّك إليك ليأمرني بأمرك مما شئت؟

إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم مَن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً".

وقد حدث ذلك.

إن أسلوب معاملة المنافقين يحدده الله في هذه الآية بما يلي: هم قومٌ الكفر يسكن القلب منهم ومظهرهم يَدَّعي الإسلام ويتمنون أن يكون المؤمنون على شاكلتهم، فلذلك لا يتخذ المسلم ولياً من المنافقين ولا نصيراً.

ولكن إن هاجر المنافق فرحابة الإيمان تتسع له، أما إن تولّى المنافق وأعرض عن ذلك. 

فأسلوب المعاملة يكون كما يحدده الله: {فَإِنْ تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} [النساء: 89] لكن بعد أن يُطلق هذا الأمر توجد عقبة في تنفيذه، إنها عقبة الأحلاف والعهود والمواثيق التي كان يعطيها رسول الله لبعض القبائل، وكانت هذه العهود تتلخص في أن الرسول يعاهد بعض القبائل بعدم الإغارة على المسلمين وعدم إغارة المسلمين عليهم.

ولذلك يحترم الحق هذه المواثيق والأحلاف.

إن الحق يوضح لنا: لا تأخذوا هذا الأمر أيها المسلمون على إطلاقه؛ لأن الإسلام دين الوفاء بالعهود، وقد أعطيتم بعض القبائل عهوداً بأن من لجأ إليهم يؤمنونه ويدخل في حمايتهم، وكذلك الذي يصل ويلجأ إلى المسلمين فعليهم حفظه ومنع التسلط عليه.

لذلك قال الحق في هذا الاستثناء: {إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ...}.



سورة النساء الآيات من 086-090 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48350
العمر : 71

سورة النساء الآيات من 086-090 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 086-090   سورة النساء الآيات من 086-090 Emptyالسبت 04 مايو 2019, 7:08 pm

إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا [٩٠]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والآية تبدأ باستدراك حتى لا تفتح مجالاً لإغضاب من كان للإسلام تعاهد معهم وتعاقد، فالذين يصلون ويلجأون إلى قوم بينهم وبين المسلمين تحالف أو ميثاق لا ينطبق عليهم ما جاء في الآية السابقة وهو الأخذ والقتل.

مثال ذلك ما حدث من عهد بين المسلمين وهلال بن عويمر الأسلمي على ألاّ يعينوه ولا يعينوا عليه وعلى أن مَنْ وصل إلى هلال ولجأ إليه فله الجوار مثل الذي لهلال.

والاستثناء يشمل أيضاً مَنْ جاءوا إلى المسلمين، فمَنْ ذهب من المنافقين إلى مَنْ عاهده المسلمون فهو يحصل على الأمان، وكذلك يُؤَمِّنُ الرسول من جاءه من المنافقين وقال من الأسباب ما يجعله يطلب حماية الرسول والإسلام: فعلى الرغم من نفاقة يؤمنه الإسلام.   

{أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ} [النساء: 90] كأن يقول الواحد منهم: أنا لا أقدر أن أقاتلكم، ولا أقدر أن أقاتل قومي فاغفر لي هذا واقبلني معكم.

هؤلاء يقبلهم الرسول لأنهم أقروا بما هم فيه من ضيق، فهم لا يستطيعون التصرف لا أمام المسلمين فيعلنون الإيمان، ولا أمام الكافرين فيعملون في معسكر الكفر.

ولا يستطيعون أن يتخذوا موقفاً حاسماً حازماً بين المسلمين والكافرين، فهم يقرِّون بضعفهم، ويعترفون به.

{وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ} [النساء: 90] فما الذي يجعلهم يلوذون إلى قوم يتحالفون مع المسلمين بميثاق حتى يحتموا فيهم؟

أو يقرون أن صدورهم ضيقة وأنهم غير قادرين على التصرف، ويعلنون: لا نستطيع أن نقاتلكم ولا أن نقاتل قومنا.

ويوضح الحق: أنا فعلت هذا وألقيت الرعب في نفوسهم، ولو شئت لسلطتهم وجرأتهم عليكم، وقاتلوكم، إذن فسبحانه ينصرنا بالرعب ويمنع قتالهم لنا.

{فَإِنِ ٱعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} [النساء: 90].

إن اعتزلوكم ولم يقاتلوكم وألقو السلم واعترفوا بأنهم لا يملكون طاقة اختيار بين قتال المسلمين أو قتال قومهم، فليس لكم أيها المسلمون حجة أن تعتدوا عليهم؛ فالاعتداء عليهم في مثل هذه الحالة ينهَى الله عنه.

وعين الحق لا تقتصر على ما نعرف، ولكن تتعدى إلى أدق التفاصيل؛ فهي عين لا ترى ما عرفناه فقط ولكنها تكشف لنا الحجب التي لا نعرفها، فيقول سبحانه: {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ...}.



سورة النساء الآيات من 086-090 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة النساء الآيات من 086-090
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة النساء الآيات من 006-010
» سورة النساء الآيات من 166-170
» سورة النساء الآيات من 011-015
» سورة النساء الآيات من 091-100
» سورة النساء الآيات من 171-176

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: النساء-
انتقل الى: