منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة آل عمران الآيات من 116-120

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة آل عمران الآيات من 116-120 Empty
مُساهمةموضوع: سورة آل عمران الآيات من 116-120   سورة آل عمران الآيات من 116-120 Emptyالأربعاء 24 أبريل 2019, 5:32 pm

إنَّ الَّذينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ منَ اللَّه شَيْئًا وَأُولَٰئكَ أَصْحَابُ النَّار هُمْ فيهَا خَالدُونَ [١١٦]

تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)


يظن الكافرون أن الأموال والأولاد قد تغني من الله، إنهم لا يحسنون التقدير، فالأموال والأولاد هما من مظان الفتنة مصداقاً لقوله تعالى: {وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فتْنَةٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ عندَهُ أَجْرٌ عَظيمٌ} [الأنفال: 28].        


وما دامت الأموال والأولاد فتنة فلابد أن نفهم الأمر على حقيقته؛ فالفتنة ليست مذمومة في ذاتها؛ لأن معناها اختبار وامتحان، وقد يمر الإنسان بالفتنة، وينجح.        


كأن يكون عنده الأموال والأولاد، وهم فتنة بالفعل فلا يغره المال بل إنه استعمله في الخير، والأولاد لم يصيبوه بالغرور بل علمهم حمل منهج الله وجعلهم ينشأون على النماذج السلوكية في الدين، لذلك فساعة يسمع الإنسان أي أمر فيه فتنة فلا يظن أنها أمر سيء بل عليه أن يتذكر أن الفتنة هي اختبار وابتلاء وامتحان، وعلى الإنسان أن ينجح مع هذه الفتنة؛ فالفتنة إنما تضر من يخفق ويضعف عند مواجهتها.        


والكافرون لا ينجحون في فتنة الأموال والأولاد، بل سوف يأتي يوم لا يملكون فيه هذا المال، ولا أولئك الأولاد، وحتى إن ملكوا المال فلن يشتروا به في الآخرة شيئاً، وسيكون كل واحد من أولادهم مشغولاً بنفسه، مصداقاً لقول الحق: {يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَٱخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزي وَالدٌ عَن وَلَده وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالده شَيْئاً إنَّ وَعْدَ ٱللَّه حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بٱللَّه ٱلْغَرُورُ} [لقمان: 33].        


إن كل امرئ له يوم القيامة شأن يلهيه عن الآخرين، والكافرون في الدنيا مشغولون بأموالهم وأولادهم وعندما نتأمل قوله: {لَنْ تُغْنيَ عَنْهُمْ} [آل عمران: 116] نجد أننا نقول: أغناه عن كذا أي جعله في استغناء فمن هو الغَنيُّ إذن؟         


الغني هو من تكون له ذاتية غير محتاجة إلى غيره، فإن كان جائعاً فهو لا يأَكل من يد الغير، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:" ليس الغني عن كثرة العرض، ولكن الغني غني النفس“.


والمقصود بالعَرَض هو متاع الحياة الدنيا قلّ أو كثر، ومتاع، وعرض الدنيا كالماء المالح، كلما شربت منه ازددت ظمأ.        


إن الكافر من هؤلاء يخدع نفسه ويغشها، ويغتر بالمال والأولاد وينسى أن الحياة تسير بأمر من يملك الملك كله، إن الكافر يأخذ مسألة الحياة في غير موقعها، فالغرور بالمال والأولاد في الحياة أمر خادع، فالإنسان يستطيع أن يعيش الحياة بلا مال أو أولاد.        


ومن يغتر بالمال أو الأولاد في الحياة يأتي يوم القيامة ويجد أمواله وأولاده حسرة عليه,         


لماذا؟            


لأنه كلما تذكر أن المال والأولاد أبعداه عما يؤهله لهذا الموقف فهو يعاني من الأسى ويقع في الحسرة.        


ويقول الحق سبحانه عن هذا المغتر بالمال والأولاد وهو كافر بالله: {وَأُوْلَـٰئكَ أَصْحَابُ ٱلنَّار هُمْ فيهَا خَالدُونَ} [آل عمران: 116] وهذا مصير يليق بمن يقع في خديعة نفسه بالمال أو الأولاد.       


وكيف يكون الإنسان صاحباً للنار؟         


لنعرف أولا معنى كلمة "الصاحب"، إن الصاحب هو الملازم؛ فنحن نقول: فلان صاحب فلان أي ملازمه، لكن من أين تبدأ الصحبة؟.     


إن الذي يبدأ الصحبة هو "فلان" الأول، لـ "فلان الثاني" الذي يقبل الصحبة أو يرفضها، وهذا أمر قد نعرفه وقد لا نعرفه، وعن الصحبة مع النار نرى أن الإنسان يلوم نفسه ويؤنبها على أنه اختار النار وصاحبها.        


ألسنا نرى في الحياة إنساناً قد ارتكب ذنباً وأصابه ضرر، فيضرب نفسه ويقول: أنا الذي استأهل ما نزل بي وأستحقه، وكذلك الإنسان الكافر يجد نفسه يوم القيامة، وهو يدخل النار، ويقول لنفسه: أنا أستحق ما فعلته بنفسي، وتقول النار لحظتها رداً على سؤال الحق لها: {يَوْمَ نَقُولُ لجَهَنَّمَ هَل ٱمْتَلأَت وَتَقُولُ هَلْ من مَّزيدٍ} [ق: 30].        


وفي الآخرة نرى أبعاض الإنسان الكافر وهي تبغض صاحبها، فإذا كان للإنسان ولاية على أبعاضه في الدنيا، وهي خاضعة لإرادته إلا أن هذه الأبعاض تأتي يوم القيامة وصاحبها خاضع لإرادتها.        


إن الظالم يقول ليده في الدنيا، "اضربي فلاناً وشددي الصفعة" فلم تعصه يده في الدنيا؛ لأن الله خلقها خاضعة لإرادته، والظالم لنفسه بالكفر يأمر لسانه أن ينطق كلمة الكفر، فلا يعصاه اللسان في الدنيا،         


لماذا؟            


لأن أبعاضه خاضعة لإرادته في الحياة الدنيا، لكن ذلك الكافر يأتي يوم القيامة وتنعزل عن إرادته، فتتحرر أبعاضه، ولا تكون مرغمة على أن تفعل الأفعال التي لا ترتضيها، وتتمرد الأبعاض على صاحبها، وتشهد عليه.        


قد يقول قائل: ولكن الأبعاض هي التي تتعذب.        


نعم، ولكنها تقبل العذاب تكفيراً عما فعلت.        


إذن فالصحبة تبدأ من الأبعاض للنار {وَأُوْلَـٰئكَ أَصْحَابُ ٱلنَّار هُمْ فيهَا خَالدُونَ} [آل عمران: 116] فإن رأينا كفاراً يعملون خيراً في الدنيا فليحذر كل منا نفسه قائلاً: إياك يا نفس أن تنخدعي بذلك الخير.        


لماذا؟            


لأن الكافر يعيش كفر القمة، وكل عمل مع كفر القمة هو عمل حابط عند الله، وإن كان غير حابط عند الناس.        


وبعد ذلك يقول الحق عن هؤلاء الكافرين: {مَثَلُ مَا يُنْفقُونَ في هَـٰذه ٱلْحَيَاة ٱلدُّنْيَا كَمَثَل ريحٍ فيهَا صرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ...}.



سورة آل عمران الآيات من 116-120 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة آل عمران الآيات من 116-120 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 116-120   سورة آل عمران الآيات من 116-120 Emptyالأربعاء 24 أبريل 2019, 5:37 pm

مَثَلُ مَا يُنْفقُونَ في هَٰذه الْحَيَاة الدُّنْيَا كَمَثَل ريحٍ فيهَا صرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَٰكنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلمُونَ [١١٧]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

إن الحق يصف ما ينفقه هؤلاء الكافرون في أثناء الحياة الدنيا وهم بعيدون عن منهج الله إنه -سبحانه- يشبهه بريح فيها صر، أي شدة، فمادة "الصاد والراء" تدل على الشدة والضجة والصخب، ومثال ذلك ما قاله الحق عن امرأة إبراهيم: {فَأَقْبَلَت ٱمْرَأَتُهُ في صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقيمٌ} [الذاريات: 29].

إنها أتت وجاءت بضجيج؛ لأنها عجوز وعقيم ويستحيل عادة أن تلد.

ومثل قوله الحق: {وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلكُواْ بريحٍ صَرْصَرٍ عَاتيَةٍ} [الحاقة: 6].

والريح الصرصر هي التي تحمل الصقيع ولها صوت مسموع.

وقوله الحق: {كَمَثَل ريحٍ فيهَا صرٌّ} [آل عمران: 117] أي أن الريح جعلت البرد شائعاً وشديداً، فالبرد قد يكون في منطقة لا ريح فيها، ويظل باقياً في منطقته تلك، وعندما تأتي الريح فإنها تنقل هذا البرد من مكان إلى مكان آخر، فتتسع دائرة الضرر به.

وماذا تفعل الريح التي فيها شدة برد؟        

إنها تفعل الكوارث، ويقول عنها الحق: {أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ} [آل عمران: 117] وساعة نسمع كلمة "حرث" فنحن نعرف أنه الزرع، وقد سماه الله حرثاً، ليعرف الإنسان إنه إن لم يحرث فلن يحصد، يقول الحق: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارعُونَ * لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} [الواقعة: 63-65].

كأن الريح العارمة تفسد الحرث، وهو العملية اللازمة للإنبات؛ فالحرث إثارة للأرض، أي جعل الأرض هشة لتنمو فيها الجذور البسيطة، وتقوى على اختراقها، وأخذ الغذاء منها، وهذه الجذور تستطيع - أيضاً - من خلال هشاشة الأرض المحروثة أن تأخذ الهواء اللازم للإنبات.

إن الحق سبحانه يريد أن يضرب لنا المثل وهو عن جماعة غير مؤمنين أنفقوا أموالهم في الخير، لكن ذلك لا ينفعهم ولا جدوى منه.

مصداقاً لقوله تعالى: {كَمَثَل ريحٍ فيهَا صرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَـٰكنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلمُونَ} [آل عمران: 117] وهكذا يكون مصير الإنفاق على نية غير مؤمنة، كهيئة الحرث الذي هبت عليه ريح فيها صوت شديد مصحوب ببرد، فالـ "صر" فيه الشدة والبرودة والعنف.

وحاتم الطائي كريم العرب يقول لعبده:
أوقد؛ فإن الليل ليل قر
والريح يا غلام ريح صر
عَلَّ يرى نارك من يمر
إن جلبت ضيفاً فأنت حر

إن هذا الرجل الكريم يطلق سراح العبد إذا ما هدى ضيفاً إلى منزل حاتم الطائي.

"والليل القر": هو الليل الشديد البرودة.

و"الريح الصر": هي الريح الشديدة المصحوبة بالبرد.

ونعرف في قُرَانَا أن الصقيع ينزل على بعض المزروعات، فيُتلفها.

ونلاحظ هنا أن الحق سبحانه قد جاء بهذه الآية الكريمة بعد أن أوضح لنا في الآية السابقة عليها أن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم شيئاً ومصيرهم النار، وهو سبحانه يدفع أي شبهة تطرأ على السامع، وهي أن هذه الأموال التي أنفقها الكافرون لعمل الخير، لن تغني عنهم شيئاً في الآخرة؛ لأنهم لا يملكونها.

لماذا؟           

لأن العمل إنما يراد للثواب عليه، والنية دائماً هي التي تحدد الهدف من كل حركة.      

فهل كان في نية الكفار حين أنفقوا أموالهم في الخير الذي يعلمه الناس كالمساعدات، وتفريج الكرب، وإنشاء المستشفيات هل كان في بال هؤلاء الكفار رَبُّ هذه النعم، أو كانوا يعملونها طمعاً في جاه الدنيا، وتقدير التاريخ وذكر الإنسانية؟        

لا شك أنهم كانوا يعملونها للجاه، أو للتاريخ، أو للإنسانية؛ لأنهم لا يؤمنون بما وراء ذلك، فهم لا يؤمنون بوجود إله, ولا يؤمنون بوجود يوم آخر يُحَاسبون فيه على ما قدموا.

وقلنا من قبل: إن الذي يعمل عملاً فليطلب أجره ممن عمل له، وما داموا قد عملوا للدنيا وذكرها، وجاهها، والفخر فيها، فقد أعطتهم الدنيا كل شيء.

الحق سبحانه وتعالى يضرب لنا مثلاً، وهو الذي يضرب الأمثال للناس لعلهم يتذكرون.

ومعنى المثل: أن يأتي إلى أمر معنوي قد يغيب عن بعض العقول فهمه، فيشخصه ويمثله بأمر حسي يعرفه الجميع، ونحن نعرف أن المحسات هي أصل المعنويات في الفهم.

ونعرف أن الطفل أول ما تتفتح إدراكاته يدرك الشيء المحس أولاً، ثم بعد ذلك يكوّن من المحسات المعقولات.

فالطفل -على سبيل المثال- يرى ناراً فيمسكها فتحرقه، فيتكون عند الطفل اقتناع بأن النار محرقة.

ويشرب الطفل عسلاً، فيجده حلوا، فيتكون عنده اقتناع بأن العسل حلو الطعم، ويأكل الطفل شيئاً مراً كالحنظل، فتتكون عنده قضية معلومة وهي أن هذا الشيء مر الطعم، فكل المعلومات التي يعرفها الإنسان بوسائل إدراكه المتعددة إنما تأتي من الأمور المحسة أولاً.

والأمور المحسة -كما علمنا- وسائلها الحواس الخمس الظاهرة، وهي: العين لترى، والأذن لتسمع، والأنف ليشم، واللسان ليذوق، والأنامل لتلمس، وهكذا نعرف أن كل حاسة ظاهرة لها غاية في الإدراك.

والإنسان يتمتع بحواس أخرى ندرك أعمالها، ولكنا لا ندرك أجهزتها أو آلاتها.

مثال ذلك: حاسة البُعد وهي أن يعرف الإنسان هل الشيء الذي يراه قريب منه أو بعيد عنه؟        

وكذلك حاسة الثقل فيحمل الإنسان الشيء فيعرف مدى ثقله، إنه يدرك ذلك الثقل بحاسة غير الحواس الخمس الظاهرة، هذه الحاسة هي حاسة الثقل يكتشف بها الإنسان أن شيئاً أثقل من شيء آخر؛ ذلك أن العضلات التي تحمل الشيء تعرف قدر الجهد المبذول في الحمل.

وهناك حاسة أخرى غير ظاهرة هي حاسة "البَين" فيمسك الإنسان القماش بأنامله ليعرف هل سمك هذا القماش أكبر من سمك قماش آخر؟        

ولمعرفة سمك الشيء لابد أن يكون واقعاً بين لامسين.

إذن فهناك حواس كثيرة تربي المعاني عندنا؛ فكل الإدراكات بنت الحس، ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مّن بُطُون أُمَّهَاتكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].

هذه هي الوسائل للإدراك، وقد أورد سبحانه السمع والأبصار أولاً لأنهما الوسيلتان الأساسيتان، وأورد من بعد ذلك "الأفئدة" وهي المختصة بالمعاني والقلبيات وغيرها، فإذا أراد الله أن يضرب مثلاً في أمر معنوي قد تختلف فيه العقول فهو سبحانه يأتي بأمر حسيّ تتفق فيه الحواس.

ونعلم أن في اللغة أمراً اسمه "التشبيه"، فعندما يجهل إنسان شيئاً يقول لمعلمه: شبه لي الأمر الذي أجهله بأمر أعرفه.

والإنسان منا قد يسأل صاحبه: أتعرف فلاناً؟        

فيقول الصاحب: لا أعرفه، فيقول الإنسان منا لصاحبه: إن فلاناً الذي لا تعرفه يساوي فلاناً في الطول، ويساوي فلاناً في اللون.

وهكذا ينتقل الإنسان من أمر لا يعرفه إلى أمر يعرفه.

والحق سبحانه يضرب لنا المثل بالأمور الحسية، لنفهم الأمور المعنوية، والله يوضح لنا أن الذين كفروا ساعة تكون لهم آلهة متعددة فملكاتهم تصاب بالاضطراب يقول -سبحانه-: {ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فيه شُرَكَآءُ مُتَشَاكسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَويَان مَثَلاً ٱلْحَمْدُ للَّه بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [الزمر: 29].

إنه سبحانه يوضح لنا بالمثل الواضح مصير وحال رجل مملوك لعدد من الشركاء، والشركاء الذين يملكون هذا العبد ليسوا متفقين، بل بينهم نزاع وشقاق، وبطبيعة الحال لابد أن يكون هذا العبد مرهقاً، وهكذا تكون قضية الشرك بالله، إن العبد في مثل هذه الحالة يكون مُشتّتاً وموزع النفس بين الذين يملكونه وهم متشاكسون، أما قضية التوحيد فالحق يشبهها بالقول: "ورجلاً سلماً لرجل”.

وهكذا ينقلنا الحق سبحانه -رحمة بنا- من المعنى العقدي العالي إلى معنى مُحَس من الجميع، لنرى أن الرجل المملوك لسيد واحد يتلقى أوامره من واحد فقط، وكذلك يريد الله في هذه الآية أن يضرب مثلاً لمن ينفق شيئاً على غير نية إرضاء الله في طاعته، فمهما أنفق هذا الإنسان فإن إنفاقه حابط.

ونحن عندما نقرأ أمثال القرآن الكريم علينا ألا نأخذ جزئية فقط، لا، لكن يجب أن نأخذ الجملة كلها لنفهم المثل كله كصورة مؤتلفة مثلما ضرب الله لنا مثلاً بالشركاء المتشاكسين الذين يملكون رجلاً، فعلينا إذن ألاّ نأخذ المثل بحرفيته، ولكن نأخذ الأمر بمجموع المثل.

مثال آخر، يقول الحق سبحانه: {وَٱضْربْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَاة ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ منَ ٱلسَّمَاء فَٱخْتَلَطَ به نَبَاتُ ٱلأَرْض فَأَصْبَحَ هَشيماً تَذْرُوهُ ٱلرّياحُ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَيْءٍ مُّقْتَدراً} [الكهف: 45].

فهل الحياة الدنيا كالماء؟        

لا، ولكن قصة الحياة كلها، تشبه القصة التي يضربها الحق كمثل، الماء حين ينزل يختلط بالأرض، وبعد ذلك تهتز، فتعطي نباتاً، والنبات ينتج الزهر الجميل، وبعد ذلك ينتهي إلى هشيم، هكذا هي الدنيا في زخرفتها؛ فالبداية مزهرة، فيها نضارة وخضرة وبهجة، ونهاية مؤلمة ومدمرة.    

إذن فالحق سبحانه ينقل لنا معنى الحياة الدنيا ويشبهها بالأزهار والنبات ونهايته أن يصبح هشيماً تذروه الرياح، وهو ما يقوله في موضع آخر من القرآن الكريم.

{فَجَعَلْنَاهَا حَصيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بٱلأَمْس كَذٰلكَ نُفَصّلُ ٱلآيَات لقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس: 24].     

وعندما نمعن النظر في قوله الحق: {مَثَلُ مَا يُنْفقُونَ في هَـٰذه ٱلْحَيَاة ٱلدُّنْيَا كَمَثَل ريحٍ فيهَا صرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَـٰكنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلمُونَ} [آل عمران: 117].

نجد في هذه الآية "مشبهاً" و"مشبهاً به"، المُشَبَّه هم القوم الذين ينفقون أموالهم بغير نية الله، أي كافرون بالله، والمُشَبَّه به: هو الزرع الذي أصابته الريح وفيها الصر، والنتيجة أنه لا جدوى هنا، ولا هناك.

ولماذا تصيب الريح حرث قوم ظلموا أنفسهم، وهل لا تصيب الريح حرث قوم لم يظلموا أنفسهم؟        

إن الذين ظلموا أنفسهم تنزل بهم هذه الكارثة كعقوبة، مثلهم في ذلك مثل أصحاب الجنة الذين يقول فيهم الحق سبحانه: {إنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّة إذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرمُنَّهَا مُصْبحينَ * وَلاَ يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئفٌ مّن رَّبّكَ وَهُمْ نَآئمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّريم }  [القلم: 17-20].

لقد جزاهم الله بظلمهم، ولكن ألا نرى رجلاً لم يظلم نفسه وتصيب زراعته كارثة؟       

 إننا نرى ذلك في الحياة، والرجل الذي لم يظلم نفسه وتصيب زراعته كارثة، ويصبر على كارثته، يأخذ الجزاء والثواب من الله، ولعل الله قد أهلك بها مالاً كانت الغفلة قد أدخلته في ماله من طريق غير مشروع.

هكذا تكون الكارثة بالنسبة للمؤمن لها ثواب وجزاء، أو تكون تطهيراً للمال.     

أما الذي ينفق على غير نية الله وهو كافر، فلا ثواب له.

ويذيل الحق الآية بقوله {وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَـٰكنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلمُونَ} [آل عمران: 117] فهو سبحانه لم يظلم الكافرين حين جعل نفقتهم بدون جدوى ولا حصيلة لها عنده، ولكنهم هم الذين ظلموا أنفسهم، لأنهم أنفقوا النفقة على غير هيئة القبول، وهم الذين صنعوا ذلك عندما ظلموا أنفسهم بالكفر فَحَبطت أعمالهم، وتلك هي عدالة الحق سبحانه وتعالى: ويقول الحق من بعد ذلك: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخذُواْ بطَانَةً مّن دُونكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنتُّمْ...}.



سورة آل عمران الآيات من 116-120 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة آل عمران الآيات من 116-120 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 116-120   سورة آل عمران الآيات من 116-120 Emptyالأربعاء 24 أبريل 2019, 5:38 pm

يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لَا تَتَّخذُوا بطَانَةً منْ دُونكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنتُّمْ قَدْ بَدَت الْبَغْضَاءُ منْ أَفْوَاههمْ وَمَا تُخْفي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَات إنْ كُنْتُمْ تَعْقلُونَ [١١٨]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

حين يخاطب الله المؤمنين ويناديهم بقوله: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذينَ آمَنُواْ} [آل عمران: 118] فلتعلم أن ما يجيء بعد ذلك هو تكليف من الحق سبحانه.

فساعة ينادي الحق المؤمنين به، فإنه ينادي ليكلف، وهو سبحانه لا يكلف إلا من آمن به، أما حين يدعو غير المؤمن به إلى رحاب الإيمان، فإنه يثير فيه القدرة على التفكير، فيقول له: فكّر في السماء، فكّر في الأرض، فكّر في مظاهر الكون، حتى تؤمن أن للكون إلهاً واحداً.

فإذا آمن الإنسان بالإله الواحد، فإن الحق سبحانه وتعالى يقول له ما دمت قد آمنت بالإله الواحد، فَتَلَقَّ عن الإله الحكُم.

إن الحق حين يقول: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذينَ آمَنُواْ} [آل عمران: 118] فهو سبحانه يخاطب بالتكليف المؤمنين به، وهو لا يكلف بـ "افعل" و"لا تفعل" إلاّ مَنْ آمن، أما من لم يؤمن فيناديه الله ليدخل في حظيرة الإيمان: {يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} [البقرة: 21] فإذا ما دخل الإنسان في حظيرة الإيمان فالحق سبحانه وتعالى يكرم هذا المؤمن بالتكليف بـ "افعل" و"لا تفعل" وما دام العبد قد آمن بالإله القادر الحكيم الخالق، القيوم، فليسمع من الإله ما يصلح حياته.

ويجيء في بعض الأحيان ما ظاهره أن الله ينادي مؤمناً به، ثم يأمره بالإيمان كقول الحق: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذينَ آمَنُواْ} [آل عمران: 118].

ويتساءل الإنسان كيف ينادي الله مؤمناً به، ثم يأمره بالإيمان؟        

وهنا نرى أن المطلوب من كل مؤمن أن يؤدي أفعال الإيمان دائماً ويضيف لها ليستمر ركب الإيمان قوياً، فالحق حين يطلب من المؤمن أمراً موجوداً فيه؛ فلنعلم أن الله يريد من المؤمن الاستدامة على هذا اللون من السلوك الذي يحبه الله، وكأن الحق حين يقول: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذينَ آمَنُواْ} [آل عمران: 118] إنما يحمل هذا القول الكريم أمراً بالاستدامة على الإيمان، لأن البشر من الأغيار.

ونحن نعرف أن الله أفسح بالاختيار مجالاً لقوم آمنوا فارتدوا، فليس الأمر مجرد إعلان الإيمان ثم تنتهي المسألة، لا، إن المطلوب هو استدامة الإيمان.

وحين نقرأ قول الحق: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذينَ آمَنُواْ} [آل عمران: 118] فلنفهم أن هناك تكليفاً جديداً، وما دام في الأمر تكليف فعنصر الاختيار موجود، إذن فحيثية كل حكم تكليفي من الله له مقدمة هي: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذينَ آمَنُواْ} [آل عمران: 118] ولا تبحث أيها المؤمن في علة الحكم، وتسأل: لماذا كلفتني يارب بهذا الأمر؟        

فليس من حقك -أيها المؤمن- أن تسأل: "لماذا" ما دمت قد آمنت؛ فالحق سبحانه لم يكلف إلا من آمن به، فإذا كنت -أيها المؤمن- قد آمنت بأنه إله صادق قادر حكيم فأمن الله على نفسك، ونفذ مطلوب الله بـ "افعل" و"لا تفعل" سواء فهمت العلة أم لم تفهمها.

وسبق أن ضربنا المثل وما زلنا نكرره.

إن المريض الذي يشكو من سوء الهضم بعد تناول الطعام يفكر أن جهازه الهضمي مصاب بعلة، ويفكر في اختيار الطبيب المعالج ويختار طبيباً متخصصاً في الجهاز الهضمي، ويذهب إلى هذا الطبيب.

وهنا ينتهي عمل العقل بالنسبة للمريض؛ فقد اختار طبيباً وقرر الذهاب إليه، والطبيب يجري الفحص الدقيق، ويطلب التحاليل اللازمة إن احتاج الأمر، ويشخص الداء، ثم يكتب الدواء، وحين يكتب الطبيب الدواء للمريض، فإن المريض لا يصح أن يقول للطبيب: لن آخذ هذا الدواء إلا إذا أقنعتني بحكمته.

بل عليه أن ينفذ كلام الطبيب، وهكذا يطيع المريض الطبيب، وكلاهما مساوٍ للآخر في البشرية، فكيف يكون أدب الإنسان مع خالقه؟        

إن كل عمل العقل عند المؤمن هو أن يؤمن بالله، وبعد أن آمنت -أيها المؤمن- بالله حكيما، فَتَلَقَّ عن الله الحكم؛ لأنه مأمون على أن يوجهك لأنك أنت صنعته.

إن الحق يأمر المؤمن بالصلاة، وعلى المؤمن أن يؤديها، ولا يبحث عن علة الصلاة كأنها رياضة مثلاً، لا، إن الأمر صادر من الحق بالصلاة، وحين تصلي، فإنك تلتفت إلى أن نفسك قد انشرحت بالصلاة وشعرت بالراحة، فتقول لنفسك: ما أحلى راحة الإيمان؛ هذه هي علة الحكم الإيماني.

إن علة الحكم الإيماني يعرفها المؤمن بعد أن ينفذه، ولذلك نجد الحق من فضل كرمه، يقول لنا: {وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَيُعَلّمُكُمُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ بكُلّ شَيْءٍ عَليمٌ} [البقرة: 282].

فأنت ساعة أن تتقي الله في الحكم، يعطيك العلة، ويعطيك راحة الإيمان، إنك أيها العبد لا تسأل أولاً عن الاقتناع بالعلة حتى تنفذ حكماً لله، لأن الحق سبحانه قد يؤجل بعض حيثيات الأحكام لخلقه قروناً طويلة، ومثال ذلك أننا ظللنا لا نعرف علة حكم من الأحكام لمدة أربعة عشر قرناً من الزمان مثل تحريم أكل لحم الخنزير، فهل كان على العباد المؤمنين أن يؤجلوا أكل لحم الخنزير أربعة عشر قرناً إلى أن يمتلكوا معامل للتحليل حتى نعرف المضار التي فيه؟        

تلك المضار التي ثبتت معملياً.      

لا.

إن العباد المؤمنين لم يؤجلوا تنفيذ الحكم، ولكنهم نفذوه، واكتشف أحفاد الأحفاد أن فيه ضرراً، وهذا يدفعنا إلى تنفيذ كل حكم لا نعرف له علة، إن هذا الحكم له حكمة عند الله قد لا يستطيع عقل الإنسان أن يفهمها، ولكن ستأتي أشياء توضح بعض الأحكام فيما لم يكن يعرفه الإنسان، وتعطينا تلك الإيضاحات الثقة في كل حكم لا تعرف له علة، وتصبح علة كل حكم هي: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذينَ آمَنُواْ} [آل عمران: 118].

إن الحق بهذا القول ينادي كل عبد من عباده: يا من آمنت بي إلهاً خذ مني هذا التكليف.

ومثال ذلك -ولله المثل الأعلى- عندما يقول الطبيب: يا من صدقت أني طبيب لمرضك خذ هذا الدواء وستشفى بإذن الله.

وعندما يزور الإنسان مريضاً ويسأله: لماذا تأخذ هذا الدواء؟        

فالمريض يجيب: لقد كتب الطبيب لي هذا الدواء، فما بالنا بتنفيذ أحكام الله؟        

إنه يجب أن ننفذها لأن الله قالها، ولذلك فالعاقلون بعمق وجدية يختلفون عن مُدعى العقل بسطحية، هؤلاء العاقلون الجادون يقولون: إن هذا العقل مطية يوصلك إلى باب السلطان ولكن لا يدخل معك عليه.

فكأن العقل يوصلك إلى أن تؤمن بالله، ولكنه لا يحشر نفسه فيما ليس له قدرة عليه.

إن الحق سبحانه في هذا التكليف القادم: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخذُواْ بطَانَةً مّن دُونكُمْ} [آل عمران: 118] أي أنكم ما دمتم قد آمنتم، فعليكم الحفاظ على هذا الإيمان بأن تبعدوا عنه نزغ الشيطان وكيد الأعداء.

إن نزغ الشيطان وكيد الأعداء إنما يأتي من البطانة التي تتداخل مع الإنسان.

ولنفهم كلمة "بطانة" جيداً، إن بطانة الرجل هم خاصته، أي الناس الذين يصاحبهم ويجلسون معه ويعرفون أسراره، وكلمة "بطانة" مأخوذة أيضاً من بطانة الثوب؛ فنحن عندما نمسك أي قطعة من ثياب نرى أن الثوب خشن، ولذلك فالصانع يضع للثوب الخشن بطانة ناعمة ويختارها كذلك؛ لأنها متصلة بالجسم، والبطانة من الأصدقاء تدخل على الناس بالنعومة وتستميلهم وتستعبدهم.

ولذلك نجد النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الأنصار شعار، والناس دثار“.

"والشعار" هو الثوب الذي يلامس شعر الجسد، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يُعلي من قيمة الذين استقبلوا الدعوة الإسلامية بمودة وحب.

وهكذا نعرف أن كلمة "بطانة" مأخوذة -كما قلنا- من بطانة الثوب، لأنها التي تلتحم بالجسم حتى تحميه؛ فنحن نرتدي الصوف ليعطينا الدفء، ونضع بينه وبين الجسم بطانة لنبعد عن الجسم خشونة الصوف، ويسمون البطانة بالوليجة، أي التي تدخل في حياة الناس، وكل شر في الوجود من هذه البطانة.

إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو معصوم ومُوحَى إليه وله من الصحابة ما يطمح أي عبد مؤمن أن يتخذه قدوة له، هذا الرسول الكريم نجد بعضاً من وصفه في حوار بين سيدنا الحسين رضوان الله عليه وأبيه سيدنا علي -كرَّم الله وجهه- قال الحسن: يا أبي قل لي عن مجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قال علي -كرَّم الله وجهه-: كان رسول الله لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر.

وفي الحديث: "كان رسول الله يكثر الذكر”.

لماذا؟           

لأن الجلوس والقيام هو إبطال حركة بحركة، فمن كان قائماً فقعد فقد أدى حركة هي القعود، ومن كان جالساً فقام، فقد أدى حركة هي القيام.

وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله في كل حركة، شاكراً نعمة الخالق عز وجل، والإنسان منا يستطيع أن يسأل نفسه: كم عضلة يحركها الإنسان حتى يقعد أو يقوم؟        

إنها أعداد كبيرة من العضلات تتحرك لتوازن ارتفاع الجسم أو جلوسه، وهي أعداد لا يعرفها الإنسان.

فما الذي جعل هذه الأجهزة الصماء تفهم مراد الإنسان، وبمجرد أن يحاول الإنسان القيام، فإنه يقوم، وبمجرد أن يحاول الإنسان القعود، فإنه يقعد؟        

إنك إذا رفعت يدك لا تعرف ما هي العضلات التي تتحرك لترفع اليد.

وتلك إدارة عالية يقول عنها الشاعر:
"وفيك انطوى العالم الأكبر"

كأن العالم الكبير قد انطوى وصار في داخلك أنت.

إنك إن أردت أن تنام فإنك تنام، وتحب أن تقوم فتقوم.

ويبين لك الحق أن أوامرك لعضلاتك وتحكمك في مملكة جسدك، هي من تسخير الله؛ تدرك ذلك حين تنظر حولك فتجد أنه سبحانه قد سلب أحداً غيرك القدرة على رفع الذراع.

وإياك أن تظن أن الحركة قد واتتك لمجرد أن لك يداً، لا، إن غيرك قد تكون له يد؛ ولكنه لا يستطيع أن يأمرها فتتحرك.

وهكذا نعرف أن كل الإرادات في النفس إنما تتحرك بتسخير الحق لها لخدمة الإنسان.

قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا استيقظ أحدكم فليقل: الحمد لله الذي ردّ عليّ روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره“.

انه يُوجه الإنسان إلى ذكر خالقه عند كل قيام أو قعود، ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا أنه عند كل انفعال بكل حركة من الحركات علينا أن نذكر الذي خلقنا وخلق فينا القدرة على الحركة.

وليسأل كل منا نفسه: كم حركة يتطلبها أمر من الإنسان بأن يحك ظهره مثلاً؟        

إنه عدد غير معروف من الحركات.

وهكذا علينا أن نحسن الأدب مع الله بأن نذكره في كل حركة فهو الذي خلق كل إنسان منا صالحاً لكل هذه القدرات.

ونعود إلى وصف علي -كرَّم الله وجهه- مجلس الرسول -صلى الله عليه وسلم-: كان لا يجلس ولا يقوم إلا عن ذكر.

ولنتنبه إلى دقة الرسول في التعامل مع البطانة من البشر، فها هو ذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكاناً لا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها.

ويوطن المكان، أي أن يخصص مكان لفلان ليجلس فيه، لقد كان الرسول يجلس حيث انتهى به المجلس، وكذلك كان صحابته، فلا أحد يجلس دائماً بجانبه حتى لا يأخذ أحد من مكانته عند الرسول فرصة يتخيل معها الآخرون أنه صاحب حظوة؛ فكلهم سواسية ونحن نرى في عصرنا أن هناك من يتخذ لنفسه مكاناً في المسجد، وهذا منهي عنه.

فعن ابن عمرو -رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نقرة الغراب وافتراش السَّبع وأن يوطّن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير.

ويضيف علي -كرَّم الله وجهه- في وصف مجلس رسول الله: وكان إذا ذهب إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، "وكان يجلس على الأرض ويأكل على الأرض، يعتقل الشاة ويجيب دعوة المملوك”.

أهناك أدب أكثر من هذا؟        

إنه الرسول الكريم، يجلس حيث ينتهي به المجلس، لقد أراد أن يضرب لنا المثل حتى تتنوع اللقاءات؛ فاليوم قد يجلس مؤمن بجانب مؤمن من مكان بعيد، وغداً يجلس كلاهما بجانب اثنين جاء كل منهما من مكان آخر، وهكذا تتحقق اندماجية الإيمان بتنوع اللقاءات.

ويقول علي -كرَّم الله وجهه-: وكان رسول الله يعطي كل جلسائه نصيبهم من مجلسه حتى لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه.      

إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما يعطي نظره لواحد، فهو ينظر كذلك لكل واحد في مجلسه، وإن تكلم كلمة إلى ناحية فهو يعطي كلمة أخرى إلى الناحية المقابلة؛ وذلك حتى يعرف كل جليس للرسول أن المؤمنين سواسية، وأنّه -صلى الله عليه وسلم- رسول إلى الناس كافة؛ وليس رسول إلى قوم بعينهم، وحتى يعرف كل واحد من جلسائه أنه يجلس إلى رسوله الذي بعثه الله إليه.

هكذا كان سلوك الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى يعطي القدوة للناس، وحتى يعرف كل إنسان أن التحام الناس بعضهم ببعض؛ قد يسبب لواحد استغلال الالتحام في غير صالح الإيمان.

لذلك يقول الحق سبحانه: يا أيها المؤمنون تنبهوا إلى أنكم في معسكر من غير المؤمنين يقاتلكم ويعاند إيمانكم، وهؤلاء لا يمكن أن يتركوكم على إيمانكم، بل لابد أن يكيدوا لكم، وهذا الكيد يتجلى في أنهم يدسون لكم أشياء، وينفذون إليكم.

ونعرف جميعاً أن الإسلام عندما جاء كان كثير ممن آمن له ارتباطات بمن لم يسلم؛ فهناك القرابة، والصداقة، والإلف القديم والجوار، والأخوة من الرضاعة، لذلك يحذر الحق من هذه المسائل، فلا يقولن مؤمن: هذا قريبي، أو هذا صديقي، أو هذا حليفي، أو هذا أخي من الرضاعة، فالإسلام يحقق لكم أخوة إيمانية تفوق كل ذلك، ولهذا فإياكم أن تتخذوا أناساً يتداخلون معكم بالود؛ لأن الشر يأتي من هذا المجال، وإياكم أن تعتقدوا أن فجوة الإيمان والكفر بينكم ستذهب أو تضيق؛ لأن الكفار لن يتورعوا أن يدخلوا عليكم من باب الكيد لكم ولدينكم بكل لون من الألوان، وهم -الكفار- لا يقصرون في هذا أبداً، لذلك يأتي الأمر من الحق: يا أيها الذين آمنوا، احموا هذا الإيمان فلا تتداخلوا مع غير المؤمنين تداخلاً يفسد عليكم أمور دينكم؛ لأنهم لن يهدأوا،        

لماذا؟           

لأن حال هذه البطانة معكم سيكون كما يلي: {لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} [آل عمران: 118] أي لا يقصرون أبداً في الكيد لكم، والخبال: هو الفساد للهيئة المدبرة للجسم وهو العقل، ونحن نسمى اختلال العقل "خبلاً”.

إن الحق يقول: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخذُواْ بطَانَةً مّن دُونكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنتُّمْ قَدْ بَدَت ٱلْبَغْضَآءُ منْ أَفْوَاههمْ وَمَا تُخْفي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَات إنْ كُنْتُمْ تَعْقلُونَ} [آل عمران: 118].

فالمنهي عنه ليس أن تتخذ بطانة من المؤمنين، ولكن المنهي عنه هو أن تتخذ بطانة من غير المؤمنين؛ لأن المؤمن له إيمان يحرسه، أما الكافر فليس له ما يحرسه، والبطانة من غير المؤمنين لا تقصر في لحظة واحدة في أنها تريد للمؤمنين الخبال والفساد، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إنهم يحبون العنت والمشقة للمؤمنين "ودوا ما عنتم" والحق سبحانه وتعالى لا يريد لنا العنت، وفي هذا يقول سبحانه: {وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إنَّ ٱللَّهَ عَزيزٌ حَكيمٌ} [البقرة: 220].

أي أنه سبحانه لو أراد، لكلفكم بأمور كثيرة تحمل المشقة، لكن الحق سبحانه يَسّر لكم أيها المؤمنون، لكن أهل الكفر لا يودون إلا الخبال للمؤمنين، ويحبون المشقة لهم.

ومن أين تنشأ المشقة؟        

إنك حين تكون مؤمناً فأنت تقوم بما فرضه عليك الدين، وهم يحاولون أن ينفخوا في المؤمن بغير ما يقتضيه هذا الدين، فتتوزع نفس المؤمن، وبهذا النفخ تنقسم ملكات المؤمن على نفسها، وعندما تنقسم الملكات على نفسها فإن القلق والاضطراب يسيطران على الإنسان، فالقلق والاضطراب ينشآن عندما لا تعيش الملكات النفسية في سلام وانسجام.

ونحن نرى ذلك في المجتمعات التي وصلت إلى أرقى حياة اقتصادية وأمورهم المادية ميسرة كلها، فالشيخوخة مُؤَمَّنة، وكذلك التأمينات الصحية والاجتماعية، ودخل الإنسان مرتفع، لكنهم مع ذلك يعيشون في تعب، وترتفع بينهم نسبة الانتحار، وينتشر بينهم الشذوذ، والسبب وراء كل ذلك هو أن ملكاتهم النفسية غير منسجمة، وسلام الملكات النفسية لا يتحقق إلا عندما يؤمن الإنسان، ويطبق تعاليم ما يؤمن به.

فالرجل -على سبيل المثال- حين ينظر إلى حلاله، أي زوجته، ينظر إليها براحة ويشعر باطمئنان؛ لأن ملكاته النفسية منسجمة، أما عندما تتجه عيناه إلى امرأة ليست زوجته، فإنه يراقب كل من حوله حتى يعرف هل هناك من يراه أو لا؟        

وهل ضبطه أحد أو لا؟        

وعندما يضبطه أحد فهو يفزع وتتخبط ملكاته.

لذلك يحذر الحق سبحانه المؤمنين: إياكم من البطانة من غير المؤمنين، لأنهم لايقصرون أبداً ولا يتركون جهداً من الجهود إلا وهم يحاولون فيه أين يدخلوكم في مشقة.

والمشقة إنما تنشأ من أن الكافر يحاول أن يجذب المؤمن إلى الانحراف والاضطراب النفسي وتشتت الملكات مستغلاً القرابة والصداقة، مطالباً أن يرضيه المؤمن بما يخالف الدين، ولا يستطيع المؤمن التوفيق بين ما يطلبه الدين وما يطلبه الكافر؛ لذلك تنقسم ملكات المؤمن ويحس بالمشقة.والكافرون لا يتركون أي فرصة تأتي بالفساد للمؤمنين إلا انتهزوها واغتنموها.

{يٰأَيُّهَا ٱلَّذينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخذُواْ بطَانَةً مّن دُونكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنتُّمْ قَدْ بَدَت ٱلْبَغْضَآءُ منْ أَفْوَاههمْ} [آل عمران: 118].

وما دامت البغضاء قد بدت من أفواههم فكيف نتخذهم بطانة؟        

إنك حين تصنع لنفسك جماعة من غير المؤمنين، فإنها تضم بعضاً من المنافقين غير المنسجمين مع أنفسهم.

والمنافق له لسان يظهر خلاف ما يبطن.

وعندما يذهب المنافق إلى غير المؤمنين فإن لسان المنافق ينقل بالسخرية كلام المؤمن.

هكذا تظهر البغضاء من أفواه المنافقين المذبذبين بين ذلك، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، إنهم لا ينتمون إلى الإيمان ولا ينتمون إلى الكفر، والذي يصل المؤمنين من بغضاء هؤلاء قليل، لأن ما تخفي صدورهم أكبر.

وحين تبدوا البغضاء من أفواههم، فإما أن يقولوها أمام منافقين، وإما أن يقولها بعضهم لبعض، فيتبادلوا الاستهزاء والسخرية بالمؤمن، والله أعلم بمن قيل فيه هذا الكلام، ولذلك فعندما يتحدث الكافرون بكلام فيما بينهم فالله يكشفهم ويفضحهم لنا نحن المؤمنين.

إن الله تعالى يكشف بطلاقة علمه كل الخبايا، وكان على الكافرين والمنافقين أن يعلموا أن هناك إلهاً يرقب عملية الإيمان في المؤمن حتى ينبهه إلى أدق الأشياء، لكنهم كأهل كفر ونفاق في غباء، لقد كان مجرد نزول قول الحق: {قَدْ بَدَت ٱلْبَغْضَآءُ منْ أَفْوَاههمْ وَمَا تُخْفي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: 118] كان ذلك فرصة أمامهم ليدفعوا عن أنفسهم لو كانت صدورهم خالية من الحقد.

لكنهم عرفوا ان الله قد علم ما في صدورهم.

إن الغيظ الذي في قلوب هؤلاء الجاحدين الحاقدين قد نضح على ألسنتهم، ولكن من الذي نقل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته ما في صدور الكافرين مما هو أكثر من ذلك؟        

إنه الله - جلت قدرته - قد فضحهم بما أنزل من قوله تعالى: {وَمَا تُخْفي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: 118] إذن لم يعد لمن آمن بالله حجة؛ لأن الله أعطاه المناعات القوية لصيانة ذلك الإيمان، وأوضح الحق للمؤمنين أن أعداءهم لن يدخروا وسعاً أبداً في إفساد انتمائهم لهذا الدين، فيجب أن ينتبه المؤمنون.

وإذا ما دققنا التأمل في تذييل الآية نجد أن الحق قال: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَات إنْ كُنْتُمْ تَعْقلُونَ} [آل عمران: 118] إذن، فالآيات المنزلة من الله تعالى توضح ذلك، وقد قلنا من قبل: إن الآيات، إما أن تكون آيات قرآنية، وإما أن تكون آيات كونية، فالقرآن له آيات، والكون له آيات.

ولنسمع قول الحق بالنسبة للقرآن: {وَإذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بمَا يُنَزّلُ قَالُوۤاْ إنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [النحل: 101].

وفي مجال الكون يقول الحق سبحانه: {وَمنْ آيَاته ٱللَّيْلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُواْ للشَّمْس وَلاَ للْقَمَر وَٱسْجُدُواْ للَّه ٱلَّذي خَلَقَهُنَّ إن كُنتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37].

وهكذا نعلم أن الآية هي الشيء العجيب اللافت الذي يجب أنه ننتبه إليه لنأخذ منه دستوراً لحياتنا.

وعلى ذلك، فالآيات القرآنية تعطي المنهج، والآيات الكونية تؤيد صدق الآيات المنهجية.

ويجب أن تتفطنوا أيها المؤمنون إلى هذه الآيات.

والذي يدل على أن المؤمنين قد عقلوا وتفطنوا، أن الآية الأولى بينت أنهم قد نهوا عن أن يتخذوا بطانة من دونهم -أي من غير المؤمنين- وها هي ذي الآية التالية تقول: {هَآأَنْتُمْ أُوْلاۤء تُحبُّونَهُمْ وَلاَ يُحبُّونَكُمْ وَتُؤْمنُونَ بٱلْكتَاب كُلّه وَإذَا لَقُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَاملَ منَ ٱلْغَيْظ...}.



سورة آل عمران الآيات من 116-120 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة آل عمران الآيات من 116-120 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 116-120   سورة آل عمران الآيات من 116-120 Emptyالأربعاء 24 أبريل 2019, 5:39 pm

هَا أَنْتُمْ أُولَاء تُحبُّونَهُمْ وَلَا يُحبُّونَكُمْ وَتُؤْمنُونَ بالْكتَاب كُلّه وَإذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَاملَ منَ الْغَيْظ قُلْ مُوتُوا بغَيْظكُمْ إنَّ اللَّهَ عَليمٌ بذَات الصُّدُور [١١٩]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وما زال الحديث والكلام عن البطانة، وهو يدل على أن البطانة لم تستطع أن تلوي المؤمنين عن الإيمان، بل إن المؤمنين الذين ذاقوا حلاوة الإيمان حاولوا أن يغيروا من الكافرين.

ولم يفلح الكافرون أن يغيروا من المؤمنين، وكذلك لم يفلح الكافرون أيضاً أن يسيطروا على أنفسهم، ولم يكن أمام هؤلاء الكافرين إلا النفاق، لذلك قالوا: "آمنا”.

إن الآية تدلنا على أن المؤمنون قد عقلوا آيات الحق.

ولماذا -إذن- جاء الحق بقوله: "تحبونهم ولا يحبونكم"؟        

لقد أحب المؤمنون الكافرين حين شرحوا لهم قضية الحق في منهج الإسلام، وأرادوا المؤمنون أن يجنبوا الكافرين متاعب الكفر في الدنيا والآخرة، وهذا هو الحب الحقيقي، فهل بَادَلَهُم الكافرون الحب؟        

لا؛ لأن هؤلاء الكافرون أرادو أخذ المؤمنين إلى الكفر، وهذا دليل عدم المودة.

ولم يستطع الكافرون تحقيق هذا المأرب، ولذلك قالوا: "آمنا" ومعنى قولهم: "آمنا" يدلنا على أن موقف المسلمين كان موقفاً صُلبا قوياً؛ لذلك لم يجد الكافرون بداً من نفاقهم {وَإذَا لَقُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا} [آل عمران: 119] قالوا ذلك على الرغم من ظهور البغضاء في أفواههم، ولم يكن سلوكهم مطابقاً لما يقولون.

وهنا بدأ المسلمون في تحجيم وتقليل مودتهم للكافرين؛ ولذلك قال أهل الكفر: لو استمر الأمر هكذا فسوف يتركنا هؤلاء المسلمون.      

وحتى يتجنبوا هذا الموقف ادعوا الإيمان في الظاهر، وينقلب موقفهم إذا خلوا لأنفسهم، ويصور الحق هذا الموقف في قوله: {وَإذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَاملَ منَ ٱلْغَيْظ} [آل عمران: 119] فما هو العض؟        

إن العضَّ لغوياً، هو التقاء الفكين على شيء ليقضماه.

وما الأنامل؟        

إنها أطراف الأصابع، والأنامل فيها شيء من الدقة, وشيء من خفة الحركة المأخوذة من خلية النمل، ويسمون الأنامل أيضاً البنان، وعملية عض الأنامل عندما نراها نجدها عملية انفعالية قسرية.

أي أن الفكر لا يرتبها؛ فليس هناك من يرضى أن يظل مرتكباً لعملية عض أصابعه، فعض الأصبع يسبب الألم، لكن الامتلاء بالغيظ يدفع الإنسان إلى عض الأصابع كمسألة قسرية نتيجة اضطراب وخلل في الانفعال.

ومن أين يجيء الغيظ؟.

لقد جاء الغيظ إلى الكافرين لأنهم لم يستطيعوا أن يزحزحوا المؤمنين قيد شعرة عن منهج الله، بل حدث ما هو العكس، لقد حاول المؤمنون أن يجذبوا الكافرين إلى نور الإيمان، وكان الكافرون يريدون أن يصنعوا من أنفسهم بطانة يدخلون منها إلى المؤمنين لينشروا مفاسدهم؛ ولذلك وقعوا في الغيظ عندما لم يمكنهم المؤمنون من شيء من مرادهم.

إن الإنسان يقع أحياناً فريسة للغيظ حين لا يتمكن من إعلان غضبه على خصمه؛ ولهذا إذا أراد إنسان من أهل الإيمان أن يواجه حسد واحد من خصومه فعليه أن يزيد في فضله على هذا الإنسان، وهنا يزداد هذا الخصم غيظاً ومرارة، أيضاً نجد أن من تعاليم الإسلام أن الإنسان المؤمن لا يقابل السيئة التي يصنعها فيه آخر بسيئة، وذلك حتى لا يرتكب الذنب نفسه، ولكن يتَبع القول المأثور: "إننا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه”.

إنهم بإحسان المسلمين إليهم يزدادون خصومة، وغيظاً وحقداً على الإسلام وكان المسلمون الأوائل يتصرفون بذلك الأسلوب لقد كانوا جبالاً إيمانية راسخة.

فخصوم الإسلام يعصون الله بسوء معاملتهم للمسلمين، لكنْ المسلمون يردون على سوء المعاملة بحسن المعاملة، وساعة يرى خصوم الإسلام أن كيدهم لا يحقق هدفه فإنهم يقعون في بئر وحمأة الغيظ.

وعندما يخلون الكافرون لأنفسهم فأول أعمالهم هو عض الأصابع من الغيظ، وهو كما أوضحت نتيجة الانفعال القسري التابع للغضب والعجز عن تحقيق المأرب؛ ذلك أن كل تأثير إدراكي في النفس البشرية إنما يطرق مجالاً وجدانياً فيها.

والمجال الوجداني لابد أن يعبر عن نفسه بعملية نزوعية تظهر بالحركة؛ فالإنسان عندما يسبب لواحد يعرفه لونا من الغضب فهو ينفعل بسرعة ويثور بالكلمات، هذا دليل على طيبة الإنسان الغاضب.

أمَّا الذي لا يظهر انفعاله فيجب الحذر منه؛ لأنه يخزن انفعالاته، ويسيطر عليها، فلا تعرف متى تظهر ولا على أية صورة تبدو؛ ولذلك يقول الأثر: "اتقوا غيظ الحليم" فعندما تتجمع انفعالات جديدة فوق انفعالات قديمة متراكمة في قلب الحليم فلا أحد يعرف متى يفيض به الكيل.

إذن فالإدراك ينشأ عنه وجدان، فينفعل الإنسان بالنزوع الحركي.

والتشريع الإسلامي لا يريد من الإنسان أن يكون حجراً أصم لا ينفعل، لكنه يطلب من المسلم أن ينفعل انفعالاً مهذباً؛ ولذلك يضع الحق للمؤمن منهجاً، فيقول سبحانه: {ٱلَّذينَ يُنفقُونَ في السَّرَّآء وَٱلضَّرَّآء وَٱلْكَاظمينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافينَ عَن ٱلنَّاس وَٱللَّهُ يُحبُّ ٱلْمُحْسنينَ} [آل عمران: 134].

إن القرآن يعترف بأن هناك من الأحداث ما يستدعي غيظ الإنسان، والذي لا يغضب على الإطلاق إنما يسلك طريقاً لا يتوافق مع طبيعة البشر السوية، والله يريد من الإنسان أن يكون إنساناً، له عواطفه وشعوره وانفعالاته، ولكن الله المربي الحق يهذب انفعالات هذا الإنسان، ولنا في النبي -صلى الله عليه وسلم- القدوة الحسنة، فحين مات ولده إبراهيم: قال عليه الصلاة والسلام: "إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون“.

إن النبي -صلى الله عليه وسلم- يمزج بين العاطفة والإيمان، فالعين تدمع، والقلب يحزن، والإنسان لا يكون أصم أمام الأحداث، إنما على الإنسان أن يكون منفعلاً انفعالاً مهذباً.

وعندما يعبّر القرآن عن الإنسان السويّ فهو لا يضع المؤمن في قالب حديدي بحيث لا يستطيع أن يتغير فيقول سبحانه: {أَذلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمنينَ أَعزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافرينَ} [المائدة: 54].

إذن فليس المؤمن مطبوعاً على الذلة، ولا مطبوعاً على العزة، لكنه ينفعل للمواقف المختلفة، فهذا موقف يتطلب ذلة وتواضعاً للمؤمنين فيكون المؤمن ذليلاً، وهناك موقف آخر يتطلب عزة على الكافرين المتكبرين فيكون المؤمن عزيزاً، والحق سبحانه يقول عن المؤمنين: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّه وَٱلَّذينَ مَعَهُ أَشدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّار رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ ٱللَّه وَرضْوَاناً} [الفتح: 29].

إن الرحمة ليست خلقاً ثابتاً، ولا الشدة خلقاً ثابتاً ولكنَّ المؤمنين ينفعلون للأحداث، فحين يكون المؤمن مع المؤمنين فهو رحيم، وحين يكون في مواجهة الكفار فهو قوي وشديد.

والله سبحانه لا يريد المؤمن على قالب واحد متجمد، لذلك يقول الحق: {وَٱلْكَاظمينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافينَ عَن ٱلنَّاس وَٱللَّهُ يُحبُّ ٱلْمُحْسنينَ} [آل عمران: 134].

وهو سبحانه القائل: {وَإنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقبُواْ بمثْل مَا عُوقبْتُمْ به} [النحل: 126].

إذن فالحق لم يمنع المؤمن من أن يعاقب أحداً على خطأ، وذلك لأنه خلق الخلق وعليم بهم، ولا يمكن أن يصادم طباعهم، وذلك حتى لا يتهدد المؤمن في إيمانه فيما بعد، فالمؤمن لو ترك حقوقه فإن الكفار سيصولون ويجولون في حقوق المسلمين؛ ولهذا فالمؤمن يتدرب على توقيع العقاب حتى على المؤمن المخطئ، وذلك ليعرف المؤمن كيف يعاقب أي مجترئ على حق من حقوق الله.

والمؤمن أيضاً مطالب بأن يرتقي بعقابه، فهو إما أن يعاقب بمثل ما عوقب به، وإما أن يرتقي أكثر، ويستمع لقول الحق: {وَلَئن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لّلصَّابرينَ} [النحل: 126].

لقد وضع الحق منهج الارتقاء بعد أن أعطى المؤمن الحق في توقيع العقاب قصاصاً، وهكذا لم يقسر الله طبع الإنسان ولو أراد سبحانه ذلك لما خلق هذا الطبع إنه سبحانه يوضح لنا أن هناك انفعالاً بالغيظ، وأن المؤمن عليه أن يحاول كظم الغيظ أي لا يعبر عن الغيظ نزوعياً، فإن أخرج المؤمن هذا الأمر من قلبه فمعناه أنه برئ وشُفيَ منه وارتقى.

إذن فكظم الغيظ هو ألا يعبر المؤمن عن الغيظ نزوعياً، فإن سبّك أحدٌ فأنت لا تسبّه، وهذا الكظم يعني كتمان الانفعال في القلب، فإذا ارتقى المؤمن أكثر وتجاهل حتى الانفعال بذلك، فإنه يُخرج الغيظ من قلبه، وهو بذلك يرتقي ارتقاء أعلى، ويصفه الحق بأنه دخول إلى مرتبة الإحسان، فهو القائل: "والله يحب المحسنين" وهكذا يحسن المؤمن إلى المسبب للغيظ بكلمة طيبة.

فماذا يكون موقف الذي تسبب في غيظك أيها المؤمن وأنت قد كظمت الغيظ في المرحلة الأولى وعفوت في المرحلة الثانية وإن أخرجت الانفعال من قلبك، وصلت إلى المرحلة الثالثة وهي التي تمثل قمة الإيمان إنها الإحسان.      

"والله يحب المحسنين" لابد أن يراجع المسبب للغيظ نفسه ويندم على ما فعل.

إن الإسلام لم يتجاهل المشاعر الإنسانية عندما طالب المؤمنين أن يحسنوا لمن أساء إليهم، فالذي يمعن النظر ويدقق الفهم يعرف أن الإسلام قد أعطى المؤمن الحق في الطبع البشري حين قال: {وَإنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقبُواْ بمثْل مَا عُوقبْتُمْ به} [النحل: 126] ولكنه ارتقى بالمؤمن.

وعندما ننظر إلى هذا الأمر كقضية اقتصادية وتحسبها بـ "منه" و"له" فسنجد أنّ المؤمن قد كسب.      

ومثال ذلك -ولله المثل الأعلى- ساعة يجد الأب ابناً من أبنائه قام بظلم أخ له فإن قلب الأب يكون مع المظلوم, فهب أن إنساناً أساء لعبد من عباد الله فإن الله كربّ مربٍّ يغار له ونحن نعرف أن واحداً قال لعارف بالله: أتحسن لمن أساء إليك؟        

فقال العارف بالله: أفلا أحسن لمن جعل الله في جانبي؟        

ولنعد الآن إلى غيظ الكافرين من المؤمنين، إن غيظ الكافر ناتج من أن خصمه المؤمن يحب له الإيمان وليس في قلبه ضغينة بينما الكافر يغلي من الحقد، وبسبب هذا الأمر يكاد يفقد صوابه؛ لذلك يقول الحق: {وَإذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَاملَ منَ ٱلْغَيْظ} [آل عمران: 119].

و"خلوا" المقصود بها.

أن الكافرين إذا ما أصبحوا في مجتمع كفرى وليس معهم مسلم أعلنوا الغيظ من المؤمنين، ولقد فعلوا هذا الأمر -عض الأنامل من الغيظ- في غيبة الإيمان والمؤمنين بالله، لو كان عند هؤلاء الكافرين ذرة من تعقل لفكروا كيف فضحهم القرآن، وهم الذين ارتكبوا هذا الفعل بعيداً عن المؤمنين؟        

ألم يكن لتفكيرهم أن يصل إلى أن هناك ربًّا للمؤمنين يقول الخافيَ من الأمور لرسوله، ويبلغها الرسول للمؤمنين.

لكنهم مع ذلك لم يفهموا هذا الفضح لهم {وَإذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَاملَ منَ ٱلْغَيْظ} [آل عمران: 119] وهنا ينبغي أنْ نفهم أنَّ هناك أمراً قد يغيظ، ولكن الإنسان قد يجبن أن ينفث غيظه، فإذا غاظك أحد فقد تذهب إليه وتنفعل عليه، أو قد تنفعل على نفسك وذلك هو ما يسمى بـ "تحويل النزوع”.

فالغاضب يمتلئ بطاقة غضبية، ومن يغضب عليه قد يكون قوياً وصاحب نفوذ، فيخاف أن ينفعل عليه، فينفث الغاضب طاقة غضبه على نفسه بأن يعض على أنامله، وما دامت المسألة هكذا، فقد قال الحق: {قُلْ مُوتُواْ بغَيْظكُمْ إنَّ ٱللَّهَ عَليمٌ بذَات ٱلصُّدُور} [آل عمران: 119].

ومعنى ذلك أن إغاظة المؤمنين لكم أيها الكافرون ستستمر إلى أن تموتوا من الغيظ؛ لذلك فلا طائل من محاولتكم جذب المؤمنين إلى الكفر: "قل موتوا بغيظكم”.

ونحن قد عرفنا أنه ساعة يؤمر الإنسان بشيء ليس في اختياره -لأن الموت ليس في اختيارهم- وأن يختار بينه وبين شيء في اختياره كالغيظ، فمعنى ذلك أن الأمر قد صدر إليه ليظل أسير الأمر الذي يقدر عليه وهو الغيظ حتى يدركه الموت.

وعندما يقول الحق: "موتوا بغيظكم" فهذا يعني أن الكافرين لن يستطيعوا الموت، ولكن سيظلون في حالة الغيظ إلى أن يموتوا؛ لأنهم لايعرفون متى يموتون، وهكذا يظلون على حالهم من الغيظ من المؤمنين، وما دام الكافرون في حالة غيظ من المؤمنين فهذا دليل على أن المؤمنين يطبقون منهجهم بأسلوب صحيح.

وفي هذه الآية بشارة طيبة للمؤمنين ونذارة مؤلمة للكافرين {قُلْ مُوتُواْ بغَيْظكُمْ إنَّ ٱللَّهَ عَليمٌ بذَات ٱلصُّدُور} [آل عمران: 119] إن الحق يعلمنا أنه عليم بذات الصدور، أي بالأمور التي تطرأ على الفكر، ولم تخرج بعد إلى مجال القول.

وهو سبحانه القائل: {وَمَا تُخْفي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: 118].

وما دام هو الحق العليم بما تخفي الصدور فهو قادر ليس فقط على الجزاء بما يفعلونه من عمل نزوعي ولكنه قادر على أن يجازيهم أيضاً بأن يفضح الأعمال غير النزوعية الكامنة في صدروهم، وبعد ذلك يقول سبحانه: {إن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإن تُصبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُواْ بهَا وَإن تَصْبرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً...}.



سورة آل عمران الآيات من 116-120 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة آل عمران الآيات من 116-120 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 116-120   سورة آل عمران الآيات من 116-120 Emptyالأربعاء 24 أبريل 2019, 5:40 pm

إنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإنْ تُصبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُوا بهَا وَإنْ تَصْبرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إنَّ اللَّهَ بمَا يَعْمَلُونَ مُحيطٌ [١٢٠]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والقرآن كلام الله وله -سبحانه- الطلاقة التامة والغنى الكامل، والعبارات في المعنى الواحد قد تختلف لأن كل مقام له قوله، وسبحانه يحدد بدقة متناهية اللفظ المناسب.      

إنه هو سبحانه الذي قال: {إنَّ ٱلإنسَانَ خُلقَ هَلُوعاً * إذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً * وَإذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً * إلاَّ ٱلْمُصَلّينَ * ٱلَّذينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتهمْ دَآئمُونَ} [المعارج: 19-23].

وهو سبحانه الذي قال: {مَّآ أَصَابَكَ منْ حَسَنَةٍ فَمنَ ٱللَّه وَمَآ أَصَابَكَ من سَيّئَةٍ فَمن نَّفْسكَ وَأَرْسَلْنَاكَ للنَّاس رَسُولاً وَكَفَىٰ بٱللَّه شَهيداً} [النساء: 79].

إنه جل وعلا يتكلم عن المس في الشر والخير، ومرة يتكلم عما يحدث للإنسان كإصابة في الخير أو في الشر، وفي الآية التي نحن بصدد الخواطر عنها تجد خلافاً في الأسلوب فسبحانه يقول: {إن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإن تُصبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُواْ بهَا} [آل عمران: 120] إنه لم يورد الأمر كله مَسًّا، ولم يورده كله "إصابة" إنه كلام رب حكيم وعندما نتمعن في المعنى فإن الواحد منا يقول: هذا كلام لا يقوله إلا رب حكيم.

ولنتعرف الأن على "المس" و"الإصابة" بعض العلماء قال: إن المس والإصابة بمعنى واحد، بدليل قوله الحق: {إنَّ ٱلإنسَانَ خُلقَ هَلُوعاً * إذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً * وَإذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً} [المعارج: 19-21].

ولكننا نقول إن المس هو إيجاد صلة بين الماس والممسوس، فإذا مس الرجل امرأته، فنحن نأمره بالوضوء فقط, لأنه مجرد التقاء الماس بالممسوس والأمر ليس أكثر من التقاء لا تحدث به الجنابة فلا حاجة للغسل، أما الإصابة فهي التقاء وزيادة؛ فالذي يضرب واحداً صفعة فإنه قد يورم صدغة، فالكف يلتقي بالخد، ويصيب الصدغ، وهكذا نعرف أن هناك فرقاً بين المس والإصابة، وحين يقول الحق: {إن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} [آل عمران: 120].

فمعنى ذلك أن الحسنة الواقعة بسيطة، وليست كبيرة إنها مجرد غنيمة أو قليل من الخير.      

وفي حياتنا اليومية نجد من يمتلئ غيظاً لأن خصمه قد كسب عشرة قروش، وقد يجد من يقول له: لماذا لا تدخر غيظك إلى أن يكسب مائة جنيه مثلاً؟        

ومثل هذا الغيظ من الحسنة الصغيرة هو دليل على أن أي خير يأتي للمؤمنين إنما يسبب التعب والكدر للكافرين.

فمجرد مس الخير للمؤمنين يتعب الكافرين فماذا عن أمر السيئة؟        

إن الحق يقول: {وَإن تُصبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُواْ بهَا} [آل عمران: 120] إن الكافرين يفرحون لأي سوء يصيب المؤمنين مع أنه كان مقتضى الإنسانية أن ينقلب الحاسد راحماً:
حسبك من حادث بامرئ
ترى حاسديه له راحمينا

يعني حسبك من حادث ومصيبة تقع على إنسان أن الذي كان يحسده ينقلب راحماً له ويقول: والله أنا حزنت من أجله.

إذن فلمّا تشتد إصابة المؤمنين أكانت تغير من موقف الكافرين؟        

لا، كان أهل الكفر يفرحون في أهل الإيمان، وإذا جاء خير أي خير للمؤمنين يحزنون فالحق يقول: {إن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} [آل عمران: 120] والحسنة هي أي خير يمسهم مساً خفيفاً، {وَإن تُصبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُواْ بهَا وَإن تَصْبرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} [آل عمران: 120]، فأنت مهما كادوا لك فلن يصيبوك بأذى.

إن المطلوب منك أن تصبر على عداوتهم، وتصبر على شرّهم، وتصبر على فرحهم في المصائب، وتصبر على حزنهم من النعمة تصيبك أو تمسك، اصبر فيكون عندك مناعة؛ وكيدهم لن ينال منك اصبر واتق الله: لتضمن أن يكون الله في جانبك، {وَإن تَصْبرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} [آل عمران: 120].

وما الكيد؟        

الكيد هو أن تبيت وتحتال على إيقاع الضرر بالغير بحيث يبدو أنه كيدٌ من غيرك، أي تدبر لغيرك لتضره.

وأصل الكيد مأخوذ من الكيد والكبد، وهما بمعنى واحد، فما يصيب الكبد يؤلم؛ لأن الكبد هو البضع القوي في الإنسان، إذا أصابه شيء أعيى الإنسان وأعجزه، ويقولون: فلان أصاب كبد الحقيقة أي توصل إلى نقطة القوة في الموضوع الذي يحكي عنه.

وما معنى يبيتون؟        

قالوا: إن التبييت ليس دليل الشجاعة، وساعة ترى واحداً يبيت ويمكر فاعرف أنه جبان؛ لأن الشجاع لا يكيد ولا يمكر، إنما يمكر ويكيد الضعيف الذي لا يقدر على المواجهة، فإن تصبروا على مقتضيات عداواتهم وتتقوا الله لا يضركم كيدهم شيئاً؛ لأن الله يكون معكم.

ويذيل الحق الآية بالقول الكريم: {إنَّ ٱللَّهَ بمَا يَعْمَلُونَ مُحيطٌ} [آل عمران: 120].

وساعة ترى كلمة "محيط" فهذا يدلك على أنه عالم بكل شيء.

والإحاطة: تعني ألا تشرد حاجة منه.

وها هي ذي تجربة واقعية في تاريخ الإسلام؛ يقول الحق فيها مؤكدا: {وَإن تَصْبرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إنَّ ٱللَّهَ بمَا يَعْمَلُونَ مُحيطٌ} [آل عمران: 120] وعلى كل منا أن يذكر صدق هذه القضية.



سورة آل عمران الآيات من 116-120 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة آل عمران الآيات من 116-120
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: آل عمران-
انتقل الى: