فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ [١٥٢]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
قوله تعالى: {فَٱذْكُرُونِيۤ} [البقرة: 152] أي كل هذه النعم والفضل عليكم يجب ألا تنسوها، أن تعيشوا دائماً في ذكر من أنعم عليكم، فالله سبحانه وتعالى يريد من عباده الذكر، وهم كلما ذكروه سبحانه وشكروه شكرهم وزادهم، والله سبحانه وتعالى يقول في حديث قدسي: أنا عند حُسْن ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإنْ تَقرَّبَ إليّ بشبر تَقَرَّبتُ إليه ذراعاً وإن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً وإن أتاني يمشي أتيته هرولة].
هذه هي رغبة الكريم في أن يعطي بشرط أن نكون أهلاً للعطاء؛ لأنه يريد أن يعطيك أكثر وأكثر، فقوله تعالى: "اذكروني" أي اذكروا الله في كل شيء.
في نعمه.
في عطائه.
في ستره.
في رحمته.
في توبته.
يقول بعض الصالحين: سمعت فيمَنْ سمع عن حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنك إذا ما أقبلت على شرب الماء فقسمه ثلاثاً، أول جُرعة قل باسم الله واشربها، ثم قل الحمد لله وابدأ شرب الجُرعة الثانية وقل باسم الله وبعد الانتهاء منها قل الحمد لله، ثم قل باسم الله واشرب الجُرعة الثالثة واختمها بقولك الحمد لله.
فما دام هذه الماء في جوفك فلن تحدثك ذرة من جسدك بمعصية الله.
جربها يوماً في نفسك وقل باسم الله واشرب، وقل الحمد لله وكررها ثلاث مرات فإنك تكون قد استقبلت النعمة بذكر المنعم وأبعدت عن نفسك حولك وقوتك، وأنهيت النعمة بحمد الله.
ولكن لماذا الماء؟ لأن الماء في الجوف أشبع من أي شيء آخر.
قوله تعالى: {وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152] الشكر على النعمة يجعل الله سبحانه وتعالى يزيدك منها.
واقرأ قوله تبارك وتعالى: { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ، } [إبراهيم: 7].
وشكر الله يذهب الغرور عن نفسك فلا تفتنك الأسباب وتقول أوتيته على علم مني.
{وَلاَ تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152] أي لا تستروا نعم الله بل اجعلوها دائماً على ألسنتكم، فإن كل نعمة من نعم الله لو استقبلت بقولك "ما شاء الله لا قوة إلا بالله" لا ترى في النعمة مكروهاً أبداً لأنك حصنت النعمة بسياج المُنْعِم، أعطيت لله حقه في نعمته فإن لم تفعل وتركتها كأنها منك وأنت موجدها ونسيت المُنْعِم وهو الله سبحانه وتعالى فإن النعمة تتركك.