| الباب العاشر: فِي ذكر تلبيسه عَلَى الصوفية من جملة الزُّهَّاد | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: الباب العاشر: فِي ذكر تلبيسه عَلَى الصوفية من جملة الزُّهَّاد الأربعاء 19 ديسمبر 2018, 11:15 pm | |
| الباب العاشر: فِي ذكر تلبيسه عَلَى الصوفية من جملة الزُّهَّاد
قال المصنف الصوفية: من جملة الزهاد وَقَدْ ذكرنا تلبيس إبليس عَلَى الزهاد إلا أن الصوفية أنفردوا عَن الزهاد بصفات وأحوال وتوسَّموا بسمات فاحتجنا إِلَى إفرادهم بالذكر والتصوف طريقة كان ابتداؤها الزهد الكلي ثم ترخص المنتسبون إليها بالسماع والرقص فمال اليهم طلاب الآخرة من العوام لما يظهرونه من التزهد ومال اليهم طلاب الدنيا لما يرون عندهم من الراحة واللعب فلابد من كشف تلبيس إبليس عليهم فِي طريقة القوم ولا ينكشف ذلك إلا بكشف أصل هذه الطريقة وفروعها وشرح أمورها وَاللَّه الموفق للصواب.
فصل: قال المصنف: كانت النسبة فِي زمن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الإيمان والإسلام فيقال مسلم ومؤمن ثم حدث اسم زاهد وعابد ثم نشأ أقوام تعلقوا بالزهد والتعبد فتخلوا عَن الدنيا وانقطعوا إِلَى العبادة واتخذوا فِي ذلك طريقة تفردوا بِهَا وأخلاقا تخلقوا بِهَا ورأوا أن أول من انفرد به بخدمة اللَّه سبحانه وتعالى عند بيته الحرام رجل يقال لَهُ صوفة واسمه الغوث بْن مر فانتسبوا إليه لمشابهتهم إياه فِي الانقطاع إِلَى اللَّه سبحانه وتعالى فسموا بالصوفية أنبأنا مُحَمَّد بْن ناصر عَنْ أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن سَعِيد الحبال قَالَ قَالَ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الغني بْن سَعِيد الْحَافِظ قَالَ سألت وليد بْن القاسم إِلَى أي شيء ينسب الصوفي فَقَالَ كان قوم فِي الجاهلية يقال لهم صوفة انقطعوا إِلَى اللَّه عز وجل وقطنوا الكعبة فمن تشبه بهم فهم الصوفية قَالَ عَبْد الغني فهؤلاء المعروفون بصوفة ولد الغوث بْن مر بْن أخي تميم بْن مر وبالإسناد إِلَى الزبير بْن بكار قَالَ كانت الإجازة بالحج للناس من عرفة إِلَى الغوث بْن مر بْن أد بْن طابخة ثم كانت فِي ولده وكان يقال لهم صوفة وكان إذا حانت الإجازة قالت العرب أجز صوفة قَالَ الزبير قَالَ أَبُو عبيدة وصوفة وصوفان يقال لكل من ولي من البيت شيئا من غير أهله أَوْ قَامَ بشيء من أمر المناسك يقال لهم صوفة وصوفان قَالَ الزبير حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ الأثرم عَنْ هشام بْن مُحَمَّد بْن السائب الكلبي قَالَ إنما سمي الغوث بْن مرصوفة لأنه مَا كان يَعِيش لأمه ولد فنذرت لئن عاش لتعلقن برأسه صوفة ولتجعلنه ربيط الكعبة ففعلت فَقِيلَ لَهُ صوفة ولولده من بعده قَالَ الزبير وحدثني إبراهيم بْن المنذري عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن عمران قَالَ أخبرني عقال بْن شبة قَالَ قالت أم تميم بْن مر وَقَدْ ولدت نسوة فقالت لله علي أن ولدت غلاما لأعبدنه للبيت فولدت الغوث بْن مر فلما ربطته عند البيت أصابه الحر فمرت به وَقَدْ سقط واسترخى فقالت مَا صار ابني إلا صوفة فسمي صوفة وكان الحج وإجازة الناس من عرفة إِلَى منى ومن منى إِلَى مكة لصوفة فلم تزل الإجازة فِي عقب صوفة حتى أخذتها عدوان فلم تزل فِي عدوان حتى اخذتها قريش.
فصل: قَالَ المصنف: وَقَدْ ذهب قوم إِلَى أن التصوف منسوب إِلَى أهل الصفة وإنما ذهبوا إِلَى هَذَا لأنهم رأوا أهل الصفة عَلَى مَا ذكرنا من صفة صوفة فِي الانقطاع إِلَى اللَّه عز وجل وملازمة الفقر فَإِن أهل الصفة كانوا فقراء يقدمون عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما لهم أهل ولا مال فبنيت لهم صفة فِي مسجد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقيل أهل الصفة والحديث بإسناد عَن الْحَسَن قَالَ بنيت صفة لضعفاء المسلمين فجعل المسلمون يوصلون إليها مَا استطاعوا من خير وكان رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتيهم فيقول السلام عليكم يا أهل الصفة فيقولون وعليك السلام يا رَسُول اللَّهِ فيقول كيف أصبحتم فيقولون بخير يا رَسُول اللَّهِ وبإسناد عَنْ نعيم بْن المجمر عَنْ أبيه عَنْ أبي ذر قَالَ كنت من أهل الصفة وكنا إذا أمسينا حضرنا باب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيأمر كل رجل فينصرف برجل فيبقى من بقي من أهل الصفة عشرة أَوْ أقل فيؤثرنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعشائه فنتعش فَإِذَا فرغنا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ناموا فِي المسجد".
قَالَ المصنف: وهؤلاء القوم إنما قعدوا فِي المسجد ضرورة وإنما أكلوا من الصدقة ضرورة فلما فتح اللَّه عَلَى المسلمين استغنوا عَنْ تلك الحال وخرجوا ونسبة الصوفي إِلَى أهل الصفة غلط لأنه لو كان كذلك لقيل صفي وَقَدْ ذهب إِلَى أنه من الصوفانة وهي بقلة رعناء قصيرة فنسبوا إليها لاجتزائهم بنبات الصحراء وهذا أيضا غلط لأنه لو نسبوا إليها لقيل صوفاني وقال آخرون هو منسوب إِلَى صوفة القفا وهي الشعرات النابتة فِي مؤخره كأن الصوفي عطف به إِلَى الحق وصرفه عَن الخلق وقال آخرون بل هو منسوب إِلَى الصوف وهذا يحتمل والصحيح الأَوَّل.
وهذا الاسم ظهر للقوم قبل سنة مائتين ولما أظهره أوائلهم تكلموا فيه وعبروا عَنْ صفته بعبارات كثيرة وحاصلها أن التصوف عندهم رياضة النفس ومجاهدة الطبع برده عَن الأخلاق الرذيلة وحمله عَلَى الأخلاق الجميلة من الزهد والحلم والصبر والإخلاص والصدق إِلَى غير ذلك من الخصال الحسنة التي تكسب المدائح فِي الدنيا والثواب فِي الأخرى والحديث بإسناد عَن الطوسي يَقُول سَمِعْتُ أبا بَكْر بْن المثاقف يَقُول سألت الجنيد بْن مُحَمَّد عَن التصوف فَقَالَ الخروج عَنْ كل خلق رديء والدخول فِي كل خلق سني وبإسناد عَنْ عَبْد الْوَاحِد بْن بَكْر قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّد بْن خفيف يَقُول قَالَ رويم كل الخلق قعدوا عَلَى الرسوم وقعدت هذه الطائفة عَلَى الحقائق وطالب الخلق كلهم أنفسهم بظواهر الشرع وهم طالبوا أنفسهم بحقيقة الورع ومداومة الصدق.
قَالَ المصنف: وعلى هَذَا كان أوائل القوم فلبس إبليس عليهم فِي أشياء ثم لبس عَلَى من بعدهم من تابعيهم فكلما مضى قرن زاد طمعه فِي القرن الثاني فزاد تلبيسه عليهم إِلَى أن تمكن من المتأخرين غاية التمكن.
وكان أصل تلبيسه عليهم أنه صدهم عَن العلم وأراهم أن المقصود العمل فلما أطفأ مصباح العلم عندهم تخبطوا فِي الظلمات فمنهم من أراده أن المقصود من ذلك ترك الدنيا فِي الجملة فرفضوا مَا يصلح أبدانهم وشبهوا المال بالعقارب ونسوا أنه خلق للمصالح وبالغوا فِي الحمل عَلَى النفوس حتى أنه كان فيهم من لا يضطجع وهؤلاء كانت مقاصدهم حسنة غير أنهم عَلَى غير الجادة وفيهم من كان لقلة علمه يعمل بما يقع إليه من الأحاديث الموضوعة وَهُوَ لا يدري.
ثم جاء أقوام فتكلموا لهم فِي الجوع والفقر والوساوس والخطرات وصنفوا فِي ذلك مثل الحارث المحاسبي وجاء آخرون فهذبوا مذهب التصوف وأفردوه بصفات ميزوه بِهَا من الاختصاص بالمرقعة والسماع والوجد والرقص والتصفيق وتميزوا بزيادة النظافة والطهارة ثم مَا زال الأمر ينمي والأشياخ يضعون لهم أوضاعا ويتكلمون بواقعاتهم ويتفق بعدهم عَن العلماء لا بل رؤيتهم مَا هم فيه أَوْ فِي العلوم حتى سموه العلم الباطن وجعلوا علم الشريعة العلم الظاهر ومنهم من خرج به الجوع إِلَى الخيالات الفاسدة فادعى عشق الحق والهيمان فيه فكأنهم تخايلوا شخصا مستحسن الصورة فهاموا به وهؤلاء بين الكفر والبدعة ثم تشعبت بأقوام منهم الطرق ففسدت عقائدهم فمن هؤلاء من قَالَ بالحلول ومنهم من قَالَ بالاتحاد وما زال إبليس يخبطهم بفنون البدع حتى جعلوا لأنفسهم سننا وجاء أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي فصنف لهم كتاب السنن وجمع لهم حقائق التفسير فذكر عنهم فيه العجب فِي تفسيرهم القرآن بما يقع لهم من غير إسناد ذلك إِلَى أصل من أصول العلم وإنما حملوه عَلَى مذاهبهم والعجب من ورعهم فِي الطعام وانبساطهم فِي القرآن وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو منصور عَبْد الرَّحْمَنِ القزاز قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر الخطيب قَالَ قَالَ لي مُحَمَّد بْن يوسف القطان النيسابوري قَالَ كان أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي غير ثقة ولم يكن سمع من الأصم إلا شيئا يسيرا فلما مات الحاكم أَبُو عَبْد اللَّهِ بْن البيع حدث عَن الأصم بتاريخ يَحْيَى بْن معين وبأشياء كثيرة سواه وكان يضع للصوفية الأحاديث.
قَالَ المصنف: وصنف لهن أَبُو نصر السراج كتابا سماه لمع الصوفية ذكر فيه من الاعتقاد القبيح والكلام المرذول مَا سنذكر مِنْهُ جملة إن شاء اللَّه تعالى وصنف لهم أَبُو طالب المكي قوت القلوب فذكر فيه الأحاديث الباطلة وما لا يستند فيه إِلَى أصل من صلوات الأيام والليالي وغير ذلك من الموضوع وذكر فيه الاعتقاد الفاسد وردد فيه قول قَالَ بعض المكاشفين وهذا كلام فارغ وذكر فيه عَنْ بعض الصوفية إن اللَّه عز وجل يتجلى فِي الدنيا لأوليائه أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر الخطيب قَالَ قَالَ أَبُو طاهر مُحَمَّد بْن العلاف قَالَ دخل أَبُو طالب المكي إِلَى البصرة بعد وفاة أبي الْحُسَيْن1 بْن سالم فانتمى إِلَى مقالته وقدم بغداد فاجتمع الناس عَلَيْهِ فِي مجلس الوعظ فخلط فِي كلامه فحفظ عنه أنه قَالَ ليس عَلَى المخلوق أضر من الخالق فبدعه الناس وهجروه فامتنع من الكلام عَلَى الناس بعد ذلك قَالَ الخطيب وصنف أَبُو طالب المكي كتابا سماه قوت القلوب عَلَى لسان الصوفية وذكر فيه أشياء منكرة مستبشعة فِي الصفات.
قَالَ المصنف: وجاء أَبُو نعيم الأصبهاني فصنف لهم كتاب الحلية وذكر فِي حدود التصوف أشياء منكرة قبيحة ولم يستح أن يذكر فِي الصوفية أبا بَكْر وعمر وعثمان وعليا وسادات الصحابة رَضِيَ اللَّهُ عنهم فذكر عنهم فيه العجب وذكر منهم شريحا القاضي والحسن البصري وسفيان الثوري وأحمد بْن حنبل وكذلك ذكر السلمي فِي طبقات الصوفية الفضيل وإبراهيم بْن أدهم ومعروفا الكرخي وجعلهم من الصوفية بأن أشار إِلَى أنهم من الزهاد. ------------------------------------------ 1 في نسخة أبي الحسن. ------------------------------------------ فالتصوف مذهب معروف يَزِيد عَلَى الزهد ويدل عَلَى الفرق بينهما أن الزهد لم يذمه أحد وَقَدْ ذموا التصوف عَلَى مَا سيأتي ذكره وصنف لهم عَبْد الكريم بْن هوزان القشيري كتاب الرسالة فذكر فيها العجائب من الكلام فِي الفناء والبقاء والقبض والبسط والوقت والحال والوجد والوجود والجمع والتفرقة والصحو والسكر والذوق والشرب والمحو والإثبات والتجلي والمحاضرة والمكاشفة واللوائح والطوالع واللوامع والتكوين والتمكين والشريعة والحقيقة إِلَى غير ذلك من التخليط الذي ليس بشيء وتفسيره أعجب مِنْهُ وجاء مُحَمَّد بْن ظاهر المقدسي فصنف لهم صفوة التصوف فذكر فيه أشياء يستحي العاقل من ذكرها سنذكر منها مَا يصلح ذكره فِي مواضعه إن شاء اللَّه تعالى.
وكان شيخنا أَبُو الفضل بْن ناصر الْحَافِظ يَقُول كان ابْن طاهر يذهب مذهب الإباحة قَالَ وصنف كتابا فِي جواز النظر إِلَى المرد أورد فيه حكاية عَنْ يَحْيَى بْن معين قَالَ رأيت جارية بمصر مليحة صَلَّى اللَّهُ عليها فَقِيلَ لَهُ تصلي عليها فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عليها وعلى كل مليح قَالَ شيخنا ابْن ناصر وليس ابْن طاهر بمن يحتج به وجاء أَبُو حامد الغزالي فصنف لهم كتاب الأحياء عَلَى طريقة القوم وملأه بالأحاديث الباطله وَهُوَ لا يعلم بطلانها وتكلم فِي علم المكاشفة وخرج عَنْ قانون الفقه وقال أن المراد بالكوكب والشمس والقمر اللواتي رآهن إِبْرَاهِيم صلوات اللَّه عَلَيْهِ أنوار هي حجب اللَّه عز وجل ولم يرد هذه المعروفات وهذا من جنس كلام الباطنية وقال فِي كتابه المفصح بالأحوال إن الصوفية فِي يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتا ويقتبسون منهم فوائد ثم يترقى الحال من مشاهدة الصورة إِلَى درجات يضيق عنها نطاق النطق.
قَالَ المصنف: وكان السبب فِي تصنيف هؤلاء مثل هذه الأشياء قلة علمهم بالسنني والإسلام والآثار وإقبالهم عَلَى مَا استحسنوه من طريقة القوم وإنما استحسنوها لأنه قد ثبت فِي النفوس مدح الزهد وما رأوا حالة أحسن من حالة هؤلاء القوم فِي الصورة ولا كلاما أرق من كلامهم وفي سير السلف نوع خشونة ثم أن ميل الناس إِلَى هؤلاء القوم شديد لما ذكرنا من أنها طريقة ظاهرها النظافة والتعبد وفي ضمنها الراحة والسماع والطباع تميل إليها وَقَدْ كان أوائل الصوفية ينفرون من السلاطين والأمراء فصاروا أصدقاء.
فصل: وجمهور هذه التصانيف التي صنفت لهم لا تستند إِلَى أصل وإنما هي واقعات تلقفها بعضهم عَنْ بعض ودونوها وَقَدْ سموها بالعلم الباطن والحديث بإسناد إِلَى أبي يعقوب اسحق بْن حية قَالَ سمعت أَحْمَد بْن حنبل وَقَدْ سئل عَن الوساوس والخطرات فَقَالَ مَا تكلم فيها الصحابة ولا التابعون.
قَالَ المصنف: وَقَدْ روينا فِي أول كتابنا هَذَا عَنْ ذي النون نحو هَذَا وروينا عَن أحمد بْن حنبل أنه سمع كلام الحارث المحاسبي فَقَالَ لصاحب لَهُ لا أرى لك أن تجالسهم وعن سَعِيد بْن عمرو البردعي قَالَ شهدت أبا زرعة وسئل عَن الحارث المحاسبي وكتبه فَقَالَ للسائل إياك وهذه الكتب هذه الكتب كتب بدع وضلالات عليك بالأثر فإنك تجد فيه مَا يغنيك عَنْ هذه الكتب قيل لَهُ فِي هذه الكتب عبرة قَالَ من لم يكن لَهُ فِي كتاب اللَّه عز وجل عبرة فليس لَهُ فِي هذه الكتب عبرة بلغكم أن مالك بْن أنس وسفيان الثوري والأوزاعي والأئمة المتقدمة صنفوا هذه الكتب فِي الخطرات والوساوس وهذه الأشياء هؤلاء قوم خالفوا أهل العلم يأتوننا مرة بالحارث المحاسبي ومرة بعبد الرحيم الدبيلي ومرة بحاتم الأصم ومرة بشقيق ثم قَالَ مَا أسرع الناس إِلَى البدع.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْدِ الباقي نا أَبُو مُحَمَّد رزق اللَّه بْن عَبْدِ الْوَهَّاب التميمي عَنْ أبي عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي قَالَ أول من تكلم فِي بلدته فِي ترتيب الأحوال ومقامات أهل الولاية ذو النون المصري فأنكر عَلَيْهِ ذلك عَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ الحكم وكان رئيس مصر وكان يذهب مذهب مالك وهجره لذلك علماء مصر لما شاع خبره أنه أحدث علما لم يتكلم فيه السلف حتى رموه بالزندقة قَالَ السلمي وأخرج أَبُو سُلَيْمَان الداراني من دمشق وقالوا أنه يزعم أنه يرى الملائكة وأنهم يكلمونه وشهد قوم عَلَى أَحْمَد بْن أبي الحواري أنه يفضل الأولياء عَلَى الأنبياء فهرب من دمشق إِلَى مكة وأنكر أهل بسطام عَلَى أبي يَزِيد البسطامي مَا كان يَقُول حتى أنه ذكر للحسين بْن عِيسَى أنه يَقُول لي معراج كَمَا كان للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معراج فأخرجوه من بسطام وأقام بمكة سنتين ثم رجع إِلَى جرجان فأقام بِهَا إِلَى أن مات الْحُسَيْن بْن عِيسَى ثم رجع إِلَى بسطام قَالَ السلمي وحكى رجل عَنْ سَهْل بْن عَبْدِ اللَّهِ التستري أنه يَقُول إن الملائكة والجن والشياطين يحضرونه وإنه يتكلم عليهم فأنكر ذلك عَلَيْهِ العوام حتى نسبوه إِلَى القبائح فخرج إِلَى البصرة فمات بِهَا قال السلمي وتكلم الحارث المحاسبي فِي شيء من الكلام والصفات فهجره أَحْمَد بْن حنبل فاختفى إِلَى أن مات.
قَالَ المصنف: وَقَدْ ذكر أَبُو بَكْر الخلال فِي كتاب السنة عَن أحمد بْن حنبل أنه قَالَ احذروا من الحارث أشد التحذير الحارث أصل البلية يعني فِي حوادث كلام جهم ذاك جالسه فلان وفلان وأخرجهم إِلَى رأى جهم مَا زال مأوى أصحاب الكلام حارث بمنزلة الأسد المرابط أنظر أي يوم يثب على الناس.
فصل: قال المصنف: وَقَدْ كان أوائل الصوفية يقرون بأن التعويل عَلَى الْكِتَاب والسنة وإنما لبس الشَّيْطَان عليهم لقلة علمهم وبإسناد عَنْ جَعْفَر الخلدي يَقُول سَمِعْتُ الجنيد يَقُول قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الداراني قَالَ ربما تقع فِي نفسي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبل مِنْهُ إلا بشاهدين عدلين الْكِتَاب والسنة وبإسناد عَنْ طيفور البسطامي يَقُول سَمِعْتُ مُوسَى بْن عِيسَى يَقُول قَالَ لي أبي قَالَ أَبُو يَزِيد لو نظرتم إِلَى رجل أعطى من الكرامات حتى يرتفع فِي الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود.
وبإسناد عَنْ أبي مُوسَى يَقُول سمعت أبا يَزِيد البسطامي قَالَ من ترك قراءة القرآن والتقشف ولزوم الْجَمَاعَة وحضور الجنائز وعيادة المرضى وادعى بهذا الشأن فهو مبتدع وبإسناد عَنْ عَبْد الحميد الحبلى يَقُول سمعت سريا يَقُول من ادعى باطن علم ينقض ظاهر حكم فهو غالط وعن الجنيد أنه قَالَ مذهبنا هَذَا مقيد بالأصول الْكِتَاب والسنة وقال أيضا علمنا منوط بالكتاب والسنة من لم يحفظ الْكِتَاب ويكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به وقال أيضا مَا أخذنا التصوف عَن القيل والقال لكن عَن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات لأن التصوف من صفاء المعاملة مَعَ اللَّه سبحانه وتعالى وأصله التفرق عَن الدنيا كَمَا قَالَ حارثة عرفت نفسي فِي الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري وعن أبي بَكْر الشفاف من ضيع حدود الأمر والنهي فِي الظاهر حرم مشاهدة القلب فِي الباطن وقال الْحُسَيْن النوري لبعض أصحابه من رأيته يدعي مَعَ اللَّه عز وجل حالة تخرجه عَنْ حد علم الشرع فلا تقربنه ومن رأيته يدعي حالة لا يدل عليها دليل ولا يشهد لها حفظ ظاهر فاتهمه عَلَى دينه وعن الجريري قَالَ أمرنا هَذَا كله مجموع عَلَى فضل واحد هو أن تلزم قلبك المراقبة ويكون العلم عَلَى ظاهرك قائما وعن أبي جَعْفَر قَالَ من لم يزن أقواله وأفعاله وأحواله بالكتاب والسنة ولم يتهم خاطره فلا تعده فِي ديوان الرجال.
فصل: قَالَ المصنف: وإذ قد ثبت هَذَا من أقوال شيوخهم وقعت من بعض أشياخهم غلطات لبعدهم عَنْ العلم فان كان ذلك صحيحا عنهم توجه الرد عليهم إذ لا محاباة فِي الحق وإن لم يصح عنهم حذرنا من مثل هَذَا القول وذلك المذهب من أي شخص صدر فأما المشبهون بالقوم وليسوا منهم فأغلاطهم كثيرة ونحن نذكر بعض مَا بلغنا من أغلاط القوم وَاللَّه يعلم أننا لم نقصد ببيان غلط الغالط إلا تنزيه الشريعة والغيرة عليها من الدخل وما علينا من القائل والفاعل وإنما نؤدي بذلك أمانة العلم وما زال العلماء يبين كل واحد منهم غلط صاحبه قصدا لبيان الحق لا لإظهار عيب الغالط ولا اعتبار بقول جاهل يَقُول كيف يرد عَلَى فلان الزاهد المتبرك به لأن الانقياد إنما يكون إِلَى مَا جاءت به الشريعة لا إِلَى الأشخاص وَقَدْ يكون الرَّجُل من الأولياء وأهل الْجَنَّة وله غلطات فلا تمنع منزلته بيان زلله.
واعلم أن من نظر إِلَى تعظيم شخص ولم ينظر بالدليل إِلَى مَا صدر عنه كان كمن ينظر إِلَى مَا جرى عَلَى يد المسيح صلوات اللَّه عَلَيْهِ من الأمور الخارقة ولم ينظر إليه فادعى فيه الالهية ولو نظر إليه وأنه لا يقوم إلا بالطعام لم يعطه إلا مَا يستحقه وَقَدْ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَحْمَدَ السمرقندي بإسناد إِلَى يَحْيَى بْن سَعِيد قَالَ سألت شعبة وسفيان بْن سَعِيد وسفيان بْن عيينة ومالك بْن أنس عَنْ الرَّجُل لا يحفظ أَوْ يتهم فِي الحديث فقالوا جميعا يبين أمره وَقَدْ كان الإمام أَحْمَد بْن حنبل يمدح الرَّجُل ويبالغ ثم يذكر غلطه فِي الشيء بعد الشيء وقال نعم الرَّجُل فلان لولا أن خلة فيه وقال عَنْ سري السقطي الشيخ المعروف بطيب المطعم ثم حكى لَهُ عنه أنه قَالَ إن اللَّه عز وجل لما خلق الحروف سجدت الباء فَقَالَ نفروا الناس عنه.
سياق مَا يروى عَن الْجَمَاعَة منهم من سوء الاعتقاد ذكر تلبيس إبليس فِي السماع وغيره عن أبي عَبْد اللَّهِ الرملي قَالَ تكلم أَبُو حمزة فِي جامع طرسوس فقبلوه فبينا هو ذات يوم يتكلم إذ صاح غراب عَلَى سطح الجامع فزعق أَبُو حمزة وقال لبيك لبيك فنسبوه إِلَى الزندقة وقالوا حلولي زنديق وبيع فرسه بالمناداة عَلَى باب الجامع هَذَا فرس الزنديق وبإسناد إِلَى أبي بَكْر الفرغاني أنه قَالَ كان أَبُو حمزة إذا سمع شيئا يَقُول لبيك لبيك فأطلقوا عَلَيْهِ أنه حلولي ثم قَالَ أَبُو علي وإنما جعله داعيا من الحق أيقظه للذكر وعن أبي علي الروزباري قَالَ أطلق عَلَى أبي حمزة أنه حلولي وذلك أنه كان إذا سمع صوتا مثل هبوب الرياح وخرير الماء وصياح الطيور كان يصيح ويقول لبيك لبيك فرموه بالحلول قال السراج وبلغني عَنْ أبي حمزة أنه دخل دار الحارث المحاسبي فصاحت الشاه ماع فشهق أَبُو حمزة شهقة وقال لبيك يا سيدي فغضب الحارث المحاسبي وعمد إِلَى سكين وقال إن لم تتب من هَذَا الذي أنت فيه أذبحك قَالَ أَبُو حمزة إذا أنت لم تحسن تسمع هَذَا الذي أنا فيه فلم تأكل النخالة بالرماد.
وقال السراج وأنكر جماعة من العلماء عَلَى أبي سَعِيد أَحْمَد بْن عِيسَى الخراط ونسبوه إِلَى الكفر بألفاظ وجدوها فِي كتاب صنفه وَهُوَ كتاب السر ومنه قوله عَبْد طائع مَا أذن لَهُ فلزم التعظيم لله فقدس اللَّه نفسه قَالَ وأبو العباس أَحْمَد بْن عطاء نسب إِلَى الكفر والزندقة قَالَ وكم من مرة قد أخذ الجنيد مَعَ علمه وشهد عَلَيْهِ بالكفر والزندقة وكذلك أكثرهم وقال السراج ذكر عَنْ أبي بكرة مُحَمَّد بْن مُوسَى الفرغاني الواسطي أنه قَالَ من ذكر افترى ومن صبر اجتري وإياك أن تلاحظ حبيبا أَوْ كليما أَوْ خليلا وأنت تجد إِلَى ملاحظة الحق سبيلا فَقِيلَ لَهُ أولا أصلي عليهم قَالَ صَلَّى عليهم بلا وقار ولا تجعل لها فِي قلبك مقدار قال السراج وبلغني أن جماعة من الحلوليين زعموا أن الحق عز وجل اصطفى أجساما حل فيها بمعاني الربوبية وأزال عنها معاني البشربة ومنهم من قَالَ بالنظر إِلَى الشواهد المستحسنات ومنهم من قَالَ حال فِي المستحسنات قَالَ وبلغني عَنْ جماعة من أهل الشام أنهم يدعون الرؤية بالقلوب فِي الدنيا كالرؤية بالعيان فِي الآخرة قَالَ السراج وبلغني أن أبا الْحُسَيْن النوري شهد عَلَيْهِ غلام الخليل أنه سمعه يَقُول أنا أعشق اللَّه عز وجل وَهُوَ يعشقني فَقَالَ النوري سَمِعْتُ اللَّه يقول: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} وليس العشق بأكثر من المحبة قَالَ القاضي أَبُو يَعْلَى وَقَدْ ذهبت الحلولية إلا أن اللَّه عز وجل يعشق.
قَالَ المصنف: وهذا جهل من ثَلاثَة أوجه أحدهما من حيث الاسم فَإِن العشق عند أهل اللغة لا يكون إلا لما ينكح والثاني أن صفات اللَّه عز وجل منقولة فهو يحب ولا يقال يعشق ويحب ولا يقال يعشق كَمَا يقال يعلم ولا يقال يعرف والثالث من أين لَهُ أن اللَّه تعالى يحبه فهذه دعوى بلا دليل وَقَدْ قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من قَالَ إني فِي الْجَنَّة فهو فِي النار".
وعن أبي عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي حكى عَنْ عمرو المكي أنه قَالَ كنت أماشي الْحُسَيْن بْن منصور فِي بعض أزقة مكة وكنت أقرأ القرآن فسمع قراءتي فَقَالَ يمكنني أن أقول مثل هَذَا ففارقته وعن مُحَمَّد بْن يَحْيَى الرازي قَالَ سَمِعْتُ عمرو بْن عثمان يلعن الحلاج ويقول لو قدرت عَلَيْهِ لقتلته بيدي فقلت بأي شيء وجد عَلَيْهِ الشيخ فَقَالَ قرأت آية من كتاب اللَّه عز وجل فَقَالَ يمكنني أن أقول أَوْ أؤلف مثله وأتكلم به وبإسناد عَنْ أبي القاسم الرازي يَقُول قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ ممشاد قَالَ حضر عندنا بالدينور رجل ومعه مخلاة فما كان يفارقها لا بالليل ولا بالنهار ففتشوا المخلاة فوجدوا فيها كتابا للحلاج عنوانه من الرَّحْمَن الرحيم إِلَى فلان بْن فلان فوجه إِلَى بغداد فأحضر وعرض عَلَيْهِ فَقَالَ هَذَا خطي وأنا كتبته فقالوا كنت تدعي النبوة فصرت تدعي الربوبية فَقَالَ مَا ادعي الربوبية ولكن هَذَا عين الجمع عندنا هل الكاتب إِلَى اللَّه تعالى واليد فيه آلة فَقِيلَ لَهُ هل معك أحد فَقَالَ نعم ابْن عطاء وأبو مُحَمَّد الجريري وأبو بَكْر الشبلي وأبو مُحَمَّد الجريري يتستر والشبلي يتستر فإن كان فابن عطاء فأحضر الجريري وسئل فقال قائل هذا كافر يقتل من يَقُول هَذَا وسئل الشبلي فَقَالَ من يَقُول هَذَا يمنع وسئل ابْن عطاء عَنْ مقالة الحلاج فَقَالَ بمقالته وكان سبب قتله وبإسناد عَنِ ابْن باكويه قَالَ اسمعت عيسى بن بردل القزويني وَقَدْ سئل أَبُو عَبْد اللَّهِ بْن خفيف عَنْ معنى هذه الأبيات: سبحان من أظهر ناسوته ... سر سنا لاهوته الثاقب ثم بدا فِي خلقه ظاهرا ... فِي صورة الآكل والشارب حتى لقد عاينه خلقه ... كلحظة الحاجب بالحاجب
فقال الشيخ عَلَى قائله لعنة اللَّه قَالَ عِيسَى بْن فورك هَذَا شعر الْحُسَيْن ابْن منصور قَالَ إن كان هَذَا اعتقاده فهو كافر إلا أنه ربما يكون متقولا عَلَيْهِ وبإسناد عَنْ عَلِيّ بْن المحسن القاضي عَنْ أبي القاسم إسماعيل بْن مُحَمَّد بْن زنجي عَنْ أبيه أن ابنة السمري أدخلت عَلَى حامد الوزير فسألها عَنِ الحلاج فقالت حملني أبي إليه فَقَالَ قد زوجتك من ابني سُلَيْمَان وَهُوَ مقيم بنيسابور فمتى جرى شيء تنكرينه من جهته فصومي يومك واصعدي فِي آخر النهار إِلَى السطح وقومي عَلَى الرماد واجعلي فطرك عَلَيْهِ وعلى ملح جريش واستقبليني بوجهك واذكري لي مَا أنكرتيه مِنْهُ فاني أسمع وأرى قالت وكنت ليلة نائمة فِي السطح فأحسست به قد غشيني فانتبهت مذعورة لما كان مِنْهُ فَقَالَ إنما جئتك لأوقظك للصلاة فلما نزلنا قالت ابنته اسجدي لَهُ فقلت أَوْ يسجد أحد لغير اللَّه فسمع كلامي فَقَالَ نعم إله فِي السماء وإله فِي الأَرْض.
قَالَ المصنف: اتفق علماء العصر عَلَى إباحة دم الحلاج فأول من قَالَ إِنَّهُ حلال الدم أَبُو عمرو القاضي ووافقه العلماء وإنما سكت عنه أَبُو العباس سريج قَالَ وقال لا أدري مَا يَقُول والإجماع دليل معصوم من الخطأ وبإسناد عَنْ أبي هريرة قَالَ قَالَ رَسُولُ اله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن اللَّه أجاركم أن تجتمعوا عَلَى ضلالة كلكم" وبإسناد عَنْ أبي القاسم يوسف بْن يعقوب النعماني قَالَ سمعت والدي يَقُول سمعت أبا بَكْر مُحَمَّد بْن داود الفقيه الأصبهاني يَقُول إن كان مَا أنزل اللَّه عز وجل عَلَى نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حقا فما يَقُول الحلاج باطل وكان شديدا عَلَيْهِ.
قَالَ المصنف: وَقَدْ تعصب للحلاج جماعة من الصوفية جهلا منهم وقلة مبالاة بإجماع الفقهاء وبإسناد عَنْ مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن النيسابوري قَالَ سَمِعْتُ ابراهيم بن محمد النصر ابادي كان يَقُول إن كان بعد النبيين والصديقين موحد فهو الحلاج قلت وعلى هَذَا أكثر قصاص زماننا وصوفية وقتنا جهلا من الكل بالشرع وبعدا عَنْ معرفة النقل وَقَدْ جمعت فِي أخبار الحلاج كتابا بينت فيه حيله ومخاريقه وما قَالَ العلماء فيه وَاللَّه المعين عَلَى قمع الجهال.
وبإسناد عَنْ أبي نعيم الْحَافِظ قَالَ سمعت عُمَر البنا البغدادي بمكة يحكي أنه لما كانت محنة غلام الخليل ونسبة الصوفية إِلَى الزندقة أمر الخليفة بالقبض عليهم فأخذ النوري فِي جماعة فأدخلوا عَلَى الخليفة فأمر بضرب أعناقهم فتقدم النوري مبتدرا إِلَى السياف ليضرب عنقه فَقَالَ لَهُ السياف مَا دعاك إِلَى البدار قَالَ آثرت حياة أصحابي عَلَى حياتي هذه اللحظة فتوقف السياف فرفع الأمر إِلَى الخليفة فرد أمرهم إِلَى قاضي القضاة إسماعيل بْن إسحاق فأمر بتخليتهم وبإسناد إِلَى أبي العباس أَحْمَد بْن عطاء قَالَ كان يسعى بالصوفيه ببغداد غلام الخليل إِلَى الخليفة فَقَالَ ههنا قوم زنادقة فأخذ أَبُو الْحُسَيْن النوري وأبو حمزة الصوفية وأبو بَكْر الدقاق وجماعة من أقران هؤلاء واستتر الجنيد بْن مُحَمَّد بالفقه عَلَى مذهب أبي ثور فأدخلوا إِلَى الخليفة فأمر بضرب أعناقهم فأول من بدر أَبُو الْحُسَيْن النوري فَقَالَ لَهُ السياف لم بادرت أنت من بين أصحابك ولم ترع قَالَ أحببت أن أوثر أصحابي بالحياة مقدار هذه الساعة فرد الخليفة أمرهم إِلَى القاضي فأطلقوا. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب العاشر: فِي ذكر تلبيسه عَلَى الصوفية من جملة الزُّهَّاد الأربعاء 19 ديسمبر 2018, 11:21 pm | |
| قَالَ المصنف: ومن أسباب هذه القصة قول النوري أنا أعشق اللَّه وَاللَّه يعشقني فشهد عَلَيْهِ بهذا ثم تقدم النوري إِلَى السياف ليقتل إعانة عَلَى نفسه فهو خطأ أيضا وبإسناد عَنْ ابن باكويه قَالَ سمعت أبا عمرو تلميذ الرقي قَالَ سمعت الرقي يَقُول كان لنا بيت ضيافة فجاءنا فقير عَلَيْهِ خرقتان يكنى بأبي سُلَيْمَان فَقَالَ الضيافة فقلت لابني امض به إِلَى البيت فأقام عندنا تسعة أيام فأكل فِي كل ثَلاثَة أيام أكلة فسمته المقام فَقَالَ الضيافة ثَلاثَة أيام فقلت لَهُ لا تقطع عنا أخبارك فغاب عنا اثنتي عشرة سنة ثم قدم فقلت من أين فَقَالَ رأيت شيخا يقال لَهُ أَبُو شعيب المقفع مبتلي فأقمت عنده أخدمه سنة فوقع فِي نفسي أن أسأله أي شيء كان أصل بلائه فلما دنوت مِنْهُ ابتدأني قبل أن أسأله فَقَالَ وما سؤالك عما لا يعنيك فصبرت حتى تم لي ثلاث سنين فَقَالَ فِي الثالثة لابد لك فقلت لَهُ إن رأيت فَقَالَ بينما أنا أصلي بالليل إذ لاح لي من المحراب نور فقلت أخسأ يا ملعون فَإِن ربي عز وجل غني عَنْ أن يبرز للخلق ثلاث مرات قَالَ ثم سمعت نداء من المحراب يا أبا شعيب فقلت لبيك فَقَالَ تحب أن أقبضك فِي وقتك أَوْ نجازيك عَلَى مَا مضى لك أَوْ نبتليك ببلاء نرفعك به فِي عليين فاخترت البلاء فسقطت عيناي ويداي ورجلاي قَالَ فمكثت أخدمه تمام اثنتي عشرة سنة فَقَالَ يوما من الأيام ادن مني فدنوت مِنْهُ فسمعت أعضاءه يخاطب بعضها بعضا أبرز حتى برزت أعضاؤه كلها بين يديه وَهُوَ يسبح ويقدس ثم مات.
قَالَ المصنف: وهذه الحكاية توهم أن الرَّجُل رأى اللَّه عز وجل فلما أنكر عوقب وَقَدْ ذكرنا أن قوما يقولون أن اللَّه عز وجل يرى فِي الدنيا وَقَدْ حكى أَبُو القاسم عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ البلخي فِي كتاب المقالات قَالَ قد حكى قوم من المشبهة أنهم يجيزون رؤية اللَّه تعالى بالأبصار فِي الدنيا وأنهم لا ينكرون أن يكون بعض من تلقاهم فِي السكك وإن قوما يجيزون مَعَ ذلك مصافحته وملازمته وملامسته ويدعون أنهم يزورونه ويزورهم وهم يسمون بالعراق أصحاب الباطن وأصحاب الوساوس وأصحاب الخطرات قال المصنف وهذا فوق القبيح نعوذ بالله من الخذلان.
ذكر تلبيس إبليس عَلَى الصوفية فِي الطهارة قال المصنف: قد ذكرنا تلبيسه عَلَى العباد فِي الطهارة إلا أنه قد زاد فِي حق الصوفية عَلَى الحد فقوي وساوسهم فِي استعمال الماء الكثير حتى بلغني أن ابْن عقيل دخل رباطا فتوضأ فضحكوا لقلة استعماله الماء وما علموا أن من أشبع الوضوء برطل من الماء كفاه وبلغنا عَنْ أبي حامد الشيرازي أنه قَالَ لفقير من أين تتوضأ فَقَالَ من النهر بي وسوسة فِي الطهارة قَالَ كان عهدي بالصوفية يسخرون من الشَّيْطَان والآن يسخر بهم الشَّيْطَان ومنهم من يمشي بالمداس عَلَى البواري وهذا لا بأس به إلا أنه ربما نظر المبتدىء إِلَى من يقتدي به فيظن ذلك شريعة وما كان خيار السلف عَلَى هَذَا والعجب ممن يبالغ فِي الاحتراز إِلَى هَذَا الحد متصفا بتنظيف ظاهره وباطنه محشو بالوسخ والكدر وَاللَّه الموفق.
ذكر تلبيس إبليس عليهم فِي الصلاة قال المصنف: وَقَدْ ذكرنا تلبيسه عَلَى العباد فِي الصلاة وَهُوَ بذلك يلبس عَلَى الصوفية ويزيد وَقَدْ ذكر مُحَمَّد بْن طاهر المقدسي أن من سنتهم التي ينفردون بِهَا وينتسبون إليها صلاة ركعتين بعد لبس المرقعة والتوبة واحتج عَلَيْهِ بحديث تمامة بْن أثال أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره حين أسلم أن يغتسل.
قَالَ المصنف: وما أقبح بالجاهل إذا تعاطى مَا ليس من شغله فَإِن ثمامة كان كافرا فاسلم وإذا أسلم الكافر وجب عَلَيْهِ الغسل فِي مذهب جماعة من الفقهاء منهم أَحْمَد بْن حنبل وأما صلاة ركعتين فما أمر بِهَا أحد من العلماء لمن أسلم وليس فِي حديث ثمامة ذكر صلاة فيقاس عليه وهل هذ إلا ابتداع فِي الواقع سموه سنة ثم من أقبح الأشياء قوله أن الصوفية ينفردون بسنن لأنها إن كانت منسوبة إِلَى الشرع فالمسلمون كلهم فيها سواء والفقهاء أعرف بِهَا فما وجه انفراد الصوفية بِهَا وإن كانت بآرائهم فإنما انفردوا بِهَا لأنهم اخترعوها.
ذكر تلبيس إبليس عَلَى الصوفية فِي المساكن قال المصنف: أما بناء الأربطة فان قوما من المتعبدين الماضين اتخذوها للانفراد بالتعبد وهؤلاء إذا صح قصدهم فهم عَلَى الخطأ من ستة أوجه أحدها أنهم ابتدعوا هَذَا البناء وإنما بنيان أهل الإسلام المساجد والثاني أنهم جعلوا للمساجد نظيرا يقلل جمعها والثالث أنهم أفاتوا أنفسهم نقل الخطأ إِلَى المساجد والرابع أنهم تشبهوا بالنصارى بانفرادهم بالأديرة والخامس أنهم تعذبوا وهم شباب وأكثرهم محتاج إِلَى النكاح والسادس أنهم جعلوا لأنفسهم علما ينطق بأنهم زهاد فيوجب ذلك زيارتهم والتبرك بهم وإن كان قصدهم غير صَحِيح فإنهم قد بنوا دكاكين للكوبة1 ومناخا للبطالة وأعلاما لإظهار الزهد وَقَدْ رأينا جمهور المتأخرين منهم مستريحين فِي الأربطة من كد المعاش متشاغلين بالأكل والشرب والغناء والرقص يطلبون الدنيا من كل ظالم ولا يتورعون من عطاء ماكس وأكثر أربطتهم قد بناها الظلمة ووقفوا عليها الأموال الخبيثة. ------------------------------------------ 1 الكوبة: النرد وقيل الطبل. ------------------------------------------ وَقَدْ لبس عليهم إبليس أن مَا يصل إليكم رزقكم فأسقطوا عَنْ أنفسكم كلفة الورع فمهمتهم دوران المطبخ والطعام والماء البارد فأين جوع بِشْر وأين ورع سرى وأين جد الجنيد وهؤلاء أكثر زمانهم ينقضي فِي التفكة بالحديث أَوْ زيارة أبناء الدنيا فَإِذَا أفلح أحدهم أدخل رأسه فِي زرمانقته فغلبت عَلَيْهِ السوداء فيقول حَدَّثَنِي قلبي عَنْ ربي ولقد بلغني أن رجلا قرأ القرآن فِي رباط فمنعوه وأن قوما قرأوا الحديث فِي رباط فقالوا لهم ليس هَذَا موضعه وَاللَّه الموفق.
ذكر تلبيس إبليس عَلَى الصوفية فِي الخروج عَن الأموال والتجرد عنها كان إبليس يلبس عَلَى أوائل الصوفية لصدقهم فِي الزهد فيريهم عيب المال ويخوفهم من شره فيتجردون من الأموال ويجلسون عَلَى بساط الفقر وكانت مقاصدهم صالحة وأفعالهم فِي ذلك خطأ لقلة العلم فأما الآن فقد كفى إبليس هذه المؤنة فان أحدهم إذا كان لَهُ مال أنفقه تبذيرا وضياعا والحديث بإسناد عَنْ مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن السليمي قَالَ سَمِعْتُ أبا نصر الطوسي قَالَ سَمِعْتُ جماعة من مشايخ الري يقولون ورث أَبُو عَبْد اللَّهِ المقري من أبيه خمسين ألف دِينَار سوى الضياع والعقار فخرج عَنْ ذلك كله وأنفقه عَلَى الفقراء.
وقد روى مثل هَذَا عَنْ جماعة كثيرة وهذا الفعل لا ألوم صاحبه إذا كان يرجع إِلَى كفاية قد أدخرها لنفسه أَوْ إن كانت لَهُ صناعة يستغني بِهَا عَن الناس أَوْ كان المال عَنْ شبهة فتصدق به أما إذا أخرج المال الحلال كله ثم احتاج إِلَى مَا فِي أيدي الناس وأفقر عياله فهو إما أن يتعرض لمنن الأخوان أَوْ لصدقاتهمن أَوْ أن يأخذ من أرباب الظلم والشبهات فهذا هو الفعل المذموم المنهي عنه ولست أتعجب من المتزهدين الذين فعلوا هَذَا مَعَ قلة علمهم وإنما العجب من أقوام لهم عقل وعلم وَكَيْفَ حثوا عَلَى هَذَا وأمروا به مَعَ مصادمته للعقل والشرع وَقَدْ ذكر الحارث المحاسبي فِي هَذَا كلاما طويلا وشيده أَبُو حامد الغزالي ونصره والحارث عندي أعذر من أبي حامد لأن أبا حامد كان أفقه غير أن دخوله فِي التصوف أوجب عَلَيْهِ نصرة مَا دخل فيه.
فمن كلام الحارث المحاسبي فِي هَذَا أنه قَالَ أيها المفتون متى زعمت أن جمع المال الحلال أعلى وأفضل من تركه فقد أزريت بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمرسلين وزعمت أن محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينصح الأمة إذ نهاهم عَنْ جمع المال وَقَدْ علم أن جمعة خير لهم وزعمت أن اللَّه لم ينظر لعباده حين نهاهم عَنْ جمع المال وَقَدْ علم أن جمعة خير لهم وما ينفعك الاحتجاج بمال الصحابة وابن عوف فِي القيامة أن لو لم يؤت من الدنيا إلا قوتا قال ولقد بلغني أنه لما توفي عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف قَالَ ناس من أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنا نخاف عَلَى عَبْد الرَّحْمَنِ فيما ترك قَالَ كعب سبحان اللَّه وما تخافون عَلَى عَبْد الرَّحْمَنِ كسب طيبا وأنفق طيبا فبلغ ذلك أبا ذر فخرج مغضبا يريد كعبا فمر بلحى بعير فأخذه بيده ثم انطلق يطلب كعبا فَقِيلَ لكعب إن أبا ذر طلبك فخرج هاربا حتى دخل عَلَى عثمان يستغيث به وأخبره الخبر فأقبل أَبُو ذر يقتص الأثر فِي طلب كعب حتى انتهى إِلَى دار عثمان فلما دخل قَامَ كعب فجلس خلف عثمان هاربا من أبي ذر فَقَالَ لَهُ أَبُو ذر هيه يا ابْن اليهودية تزعم أنه لا بأس بما ترك عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف لقد خرج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوما فَقَالَ: "الأكثرون هم الأقلون يوم القيامة إلا من قَالَ هكذا وهكذا" ثم قَالَ يا أبا ذر وأنت تريد الأكثر وأنا أريد الأقل فرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد هَذَا وأنت تقول يا ابْن اليهودية لا بأس بما ترك عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف كذبت وكذب من قَالَ بقولك فلم يرد عَلَيْهِ حرفا حتى خرج.
قال الحارث: فهذا عَبْد الرَّحْمَنِ مَعَ فضله يوقف فِي عرصة القيامة بسبب مال كسبه من حلال للتعفف ولصنائع المعروف فيمنع من السعي إِلَى الْجَنَّة مَعَ فقراء المهاجرين وصار يحبو فِي آثارهم حبوا وَقَدْ كان الصحابة رَضِيَ اللَّهُ عنهم إذا لم يكن عندهم شيء فرحوا وأنت تدخر المال وتجمعه خوفا من الفقر وذلك من سوء الظن بالله وقلة اليقين بضمانه وكفى به دائما وعساك تجمع المال لنعيم الدنيا وزهرتها ولذاتها وقد بلغنا إِنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ من أسف عَلَى دنيا فاتته قرب من النار مسيرة سنة وأنت تأسف عَلَى مَا فاتك غير مكترث بقربك من عذاب اللَّه عز وجل ويحك هل تجد فِي دهرك من الحلال كَمَا وجدت الصحابة وأين الحلال فتجمعه ويحك إني لك ناصح أرى لك أنك تقنع بالبلغة ولا تجمع المال لأعمال البر فقد سئل بعض أهل العلم عَن الرَّجُل يجمع المال لأعمال البر فَقَالَ تركه أبر مِنْهُ وبلغنا أن بعض خيار التابعين سئل عَنْ رجلين أحدهما طلب الدنيا حلالا فأصابها فوصل بِهَا رحمه وقدم منها لنفسه والآخر جانبها ولم يطلبها ولم يبذلها فأيهما أفضل فَقَالَ بعيد وَاللَّه مَا بينهما الذي جانبها أفضل كَمَا بين مشارق الأَرْض ومغاربها.
قَالَ المصنف: فهذا كله كلام الحارث المحاسبي ذكره أَبُو حامد وشيده وقواه بحديث ثعلبة فانه أعطى المال فمنع الزكاة قَالَ أَبُو حامد فمن راقب أحوال الأنبياء والأولياء وأقوالهم لم يشك فِي أن فقد المال أفضل من وجوده وإن صرف إِلَى الخيرات إذ أقل مَا فيه اشتغالهم بإصلاحه عَنْ ذكر اللَّه عز وجل فينبغي للمريد أن يخرج من ماله حتى لا يبقى لَهُ إلا قدر ضرورته فما بقي لَهُ درهم يلتفت إليه قلبه فهو محجوب عَن اللَّه عز وجل قَالَ المصنف وهذا كله بخلاف الشرع والعقل وسوء فهم للمراد بالمال.
فصل: في رد هَذَا الكلام أما شرف المال فان اللَّه عز وجل عظم قدره وأمر بحفظه إذ جعله قواما للآدمي الشريف فهو شريف فَقَالَ تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} ونهى عز وجل أن يسلم المال إِلَى غير رشيد فَقَالَ: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} وقد صح عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نهى عَنْ إضاعة المال وقال لسعد لأن تترك ورثتك أغنياء خير لك من أن تتركهم عالة يتكففون الناس وقال مَا نفعني مال كمال أبي بَكْر والحديث بإسناد مرفوع عَنْ عمرو بْن العاص قَالَ بعث إلي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "خُذْ عَلَيْكَ ثِيَابَكَ وَسِلاحَكَ ثُمَّ ائْتِنِي" فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ: "إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَكَ عَلَى جَيْشٍ فَيُسَلِّمُكَ اللَّهُ وَيُغْنِمُكَ وَأَرْغَبُ لَكَ مِنَ الْمَالِ رَغْبَةً صَالِحَةً" فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَسْلَمْتُ مِنْ أَجْلِ الْمَالِ وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ رَغْبَةً فِي الإِسْلامِ فَقَالَ: "يَا عَمْرُو نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ" والحديث بإسناد عَنْ أنس بْن مالك أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا لَهُ بكل خير وكان فِي آخر دعائه أن قَالَ: "اللهم أكثر ماله وولده وبارك لَهُ" وبإسناد عَنْ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن كعب بْن مالك أن عُبَيْد اللَّه بْن كعب بْن مالك قَالَ سمعت كعب بْن مالك يحدث حديث توبته قَالَ فقلت يا رَسُول اللَّهِ أن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إِلَى اللَّه عز وجل وإلى رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "أَمْسِكْ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ".
قال المصنف: فهذه الأحاديث مخرجة فِي الصحاح وهي عَلَى خلاف مَا تعتقده المتصوفة من أن إكثار المال حجاب وعقوبة وأن حبسه ينافي التوكل ولا ينكر أنه يخاف من فتنة وأن خلقا كثيرا اجتنبوبه لخوف ذلك وأن جمعه من وجهة يعز وسلامة القلب من الافتنان به يبعد واشتغال القلب مَعَ وجوده بذكر الآخرة يندر ولهذا خيف فتنة فأما كسب المال فان من اقتصر عَلَى كسب البلغة من حلها فذلك أمر لا بد مِنْهُ وأما من قصد جمعه والاستكثار مِنْهُ من الحلال نظرنا فِي مقصوده فان قصد نفس المفاخرة والمباهاة فبئس المقصود وإن قصد إعفاف نفسه وعائلته وادخر لحوادث زمانه وزمانهم وقصد التوسعة عَلَى الإخوان وإغناء الفقراء وفعل المصالح أثيب عَلَى قصده وكان جمعه بهذه النية أفضل من كثير من الطاعات وَقَدْ كان نيات خلق كثير من الصحابة رَضِيَ اللَّهُ عنهم أجمعين فِي جمع المال سليمة لحسن مقاصدهم لجمعه فحرصوا عَلَيْهِ وسألوا زيادته وبإسناد عَنِ ابْنِ عُمَرَ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقطع الزبير حضر1 فرسه بأرض يقال لها ثرثر فأجرى فرسه حتى قَامَ ثم رمى سوطه فَقَالَ أعطوه حيث بلغ السوط وكان سَعْد بْن عبادة يدعو فيقول اللهم وسع علي.
قَالَ المصنف: وأبلغ من هَذَا أن يعقوب عَلَيْهِ الصلاة والسلام لما قَالَ لَهُ بنوه {وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ} مال إِلَى هَذَا وأرسل ابنه بنيامين معهم وأن شعيبا طمع فِي زيادة مَا يناله فَقَالَ: {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ} وأن أيوب عَلَيْهِ السلام لما عوفي نثر عَلَيْهِ رجل2 جراد من ذهب فأخذ يحثو فِي ثوبه يستكثر مِنْهُ فَقِيلَ لَهُ أما شبعت قَالَ يا رب من يشبع من فضلك وهذا أمر مركوز فِي الطباع فَإِذَا قصد به الخير كان خيراً محضاً.
وأما كلام المحاسبي فخطأ يدل عَلَى الجهل بالعلم وقوله إن اللَّه عز وجل نهى عباده عَنْ جمع المال وأن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أمته عَنْ جمع المال فهذا محال إنما النهي عَنْ سوء القصد بالجمع أَوْ عَنْ جمعه من غير حله وما ذكره من حديث كعب وأبي ذر فمحال من وضع الجهال وخفاء صحته عنه ألحقه بالقوم وَقَدْ روي بعض هَذَا وإن كان طريقه لا يثبت وبإسناد عَنْ مالك بْن عَبْدِ اللَّهِ الزيادي عَنْ أبي ذر أنه جاء يستأذن عَلَى عثمان فأذن لَهُ وبيده عصاه فَقَالَ عثمان يا كعب إن عَبْد الرَّحْمَنِ توفي وترك مالا فما ترى فيه فَقَالَ إن كان يصل فيه حق اللَّه تعالى فلا بأس فرفع أبوذر عصاه فضرب كعبا وقال سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: " مَا أُحِبُّ لَوْ أَنَّ لِي هَذَا الْجَبَلَ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ وَيُتَقَبَّلُ مِنِّي أَذَرُ خَلْفِي سِتَّ أَوَاقِيَ" أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ يَا عُثْمَانُ أَسَمِعْتَ هَذَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ قَالَ نَعَمْ".
قَالَ المصنف: وهذا الحديث لا يثبت وابن لهيعة مطعون فيه قَالَ يَحْيَى لا يحتج بحديثه والصحيح فِي التاريخ أن أبا ذر توفي سنة خمس وعشرين وعبد الرَّحْمَن توفي سنة اثنتي وثلاثين فقد عاش بعد أبي ذر سبع سنين ثم لفظ مَا ذكروه من حديثهم يدل عَلَى أن حديثهم موضوع ثم كيف تقول الصحابة رَضِيَ اللَّهُ عنهم إنا نخاف عَلَى عَبْد الرَّحْمَنِ أَوْ ليس الإجماع منعقدا عَلَى إباحة جمع المال من حله فما وجه الخوف مَعَ الإباحة أَوْ يأذن الشرع فِي شيء ثم يعاقب عليه. ------------------------------------------ 1 الحضر بضم المعجمة عدو الفرس. 2 هو الجراد الكثير. ------------------------------------------ هَذَا قلة فهم وفقه ثم تعلقه بعبد الرَّحْمَن وحده دليل عَلَى أنه لم يسير سير الصحابة فإنه قد خلف طلحة ثلاثمائة بهار فِي كل بهار ثَلاثَة قناطير والبهار الحمل وكان مال الزبير خمسين ألف ألف ومائتي ألف وخلف ابْن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عنه تسعين ألفا وأكثر الصحابة كسبوا الأموال وخلفوها ولم ينكر أحد منهم عَلَى أحد.
وأما قوله: أن عَبْد الرَّحْمَنِ يحبوا حبواً يوم القيامة فهذا دليل عَلَى أنه لا يعرف الحديث أَوْ كان هَذَا مناماً وليس هو فِي اليقظة أعوذ بالله من أن يحبو عَبْد الرَّحْمَنِ فِي القيامة أفترى من يسبق إذا حبا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف وَهُوَ من العشرة المشهود لهم بالجنة ومن أهل بدر المغفور لهم ومن أصحاب الشورى ثم الحديث يرويه عمارة بْن ذاذان وقال البخاري ربما اضطرب حديثه وقال أَحْمَد يروى عَنْ أنس أحاديث مناكير وقال أَبُو حاتم الرازي لا يحتج به وقال الدَّارَقُطْنِيّ ضعيف أَخْبَرَنَا ابْن الحصين مرفوعاً إِلَى عمارة عَنْ ثابت عَنْ أنس رَضِيَ اللَّهُ عنه قَالَ بينما عائشة رَضِيَ اللَّهُ عنها فِي بيتها سمعت صوت فِي المدينة فقالت مَا هَذَا فقالوا عير لعبد الرَّحْمَن بْن عوف قدمت من الشام تحمل من كل شيء قال وكانت سبعمائه بعير فارتجت المدينة من الصوت فقالت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عنها سَمِعْتُ رَسُولَ الَّلهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: "قَدْ رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَبْوًا" فبلغ ذلك عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف فَقَالَ إن استطعت لأدخلنها قائما فجعلها بأقتابها وأحمالها فِي سبيل اللَّه عز وجل.
وقوله: ترك المال الحلال أفضل من جمعه ليس كذلك بل متى صح القصد فجمعه أفضل بلا خلاف عند العلماء والحديث الذي ذكره عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أسف عَلَى دنيا فاتته الخ محال مَا قاله رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله هل تجد فِي دهرك حلالا فيقال لَهُ وما الذي أصاب الحلال والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: "الحلال بين والحرام بين" أترى يريد بالحلال وجود حبة مذ خرجت من المعدن مَا تقلبت فِي شبهة هَذَا يبعد وما طولبنا به بل لو باع المسلم يهوديا كان الثمن حلالا بلا شك هَذَا مذهب الفقهاء وأعجب لسكوت أبي حامد بل لنصرته مَا حكى وَكَيْفَ يَقُول أن فقد المال أفضل من وجوده وإن صرف إِلَى الخيرات ولو أدعى الإجماع عَلَى خلاف هَذَا لصح ولكن تصوفه غير فتواه وعن المرزوي قَالَ سَمِعْتُ رجلا يَقُول لأبي عُبَيْد اللَّه إني فِي كفاية فَقَالَ الزم السوق تصل به الرحم وتعود المرضى.
وقوله: ينبغي للمريد أن يخرج من ماله قد بينا أنه إن كان حراما أَوْ فيه شبهة أَوْ إن يقنع هو باليسير أَوْ بالكسب جاز لَهُ أن يخرج مِنْهُ وإلا فلا وجه لذلك وأما ثعلبة فما ضره المال إنما ضره البخل بالواجب. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب العاشر: فِي ذكر تلبيسه عَلَى الصوفية من جملة الزُّهَّاد الأربعاء 19 ديسمبر 2018, 11:30 pm | |
| وأما الأنبياء: فقد كان لإبراهيم عَلَيْهِ الصلاة والسلام زرع ومال ولشعيب ولغيره وكان سَعِيد بْنِ الْمُسَيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُول لا خير فيمن لا يطلب المال يقضي به دينه ويصون به عرضه ويصل به رحمه فان مات تركه ميراثا لمن بعده وخلف ابْن المسيب أربعمائة دِينَار وَقَدْ ذكرنا مَا خلفت الصحابة وَقَدْ خلف سفيان الثوري رَضِيَ اللَّهُ عنه مائتين وكان يَقُول المال فِي هَذَا الزمان سلاح وما زال السلف يمدحون المال ويجمعونه للنوائب وإعانة الفقراء وإنما تجافاه قوم منهم إيثارا للتشاغل بالعبادات وجمع الهمم فقنعوا باليسير ولو قَالَ هَذَا القائل أن التقلل مِنْهُ أولى قرب الأمر ولكنه زاحم به مرتبة الاثم.
فصل: واعلم أن الفقر مرض فمن ابتلى به وصبر أثيب عَلَى صبره ولهذا يدخل الفقراء الْجَنَّة قبل الاغنياء بخمسمائة عام لمكان صبرهم عَلَى البلاء والمال نعمة والنعمة تحتاج إِلَى شكر والغني وإن تعب وخاطر كالمفتي والمجاهد والفقير كالمعتزل فِي زاوية وَقَدْ ذكر أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي فِي كتاب سنن الصوفية باب كراهية أن يخلف الفقير شيئا فذكر حديث الذي مات من أهل الصفة وخلف دينارين فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كيتان".
قال المصنف: وهذا احتجاج من لا يفهم الحال فان ذلك الفقير كان يزاحم الفقراء فِي أخذ الصدقة وحبس مَا معه فلذلك قَالَ كيتان ولو كان المكروه نفس ترك المال لما قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسعد: "إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس" ولما كان أحد من الصحابة يخلف شيئا وَقَدْ قَالَ عُمَر بْن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عنه حث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصدقة فجئت بنصف مالي فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وما أبقيت لأهلك" فقلت مثله فلم ينكر عَلَيْهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْن جرير الطَّبَرِيّ وفي هَذَا الحديث دليل عَلَى بطلان مَا يقوله جهلة المتصوفة أن ليس للإنسان ادخار شيء فِي يومه لغده وإن فاعل ذلك قد أساء الظن بربه ولم يتوكل عَلَيْهِ حق توكله قَالَ ابْن جرير وكذلك قوله عَلَيْهِ الصلاة السلام: "اتخذوا الغنم فإنها بركة" فيه دلالة عَلَى فساد قول من زعم من المتصوفة أنه لا يصح لعبد التوكل عَلَى ربه إلا بأن يصبح ولا شيء عنده من عين ولا عرض ويمسي كذلك ألا ترى كيف ادخر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأزواجه قوت سنة؟.
فصل: وقد خرج أقوام من أموالهم الطيبة ثم عادوا يتعرضون للأوساخ ويطلبون وهذا لأن حاجة الإنسان لا تنقطع والعاقل يعد للمستقبل وهؤلاء مثلهم فِي إخراج المال عند بداية تزهدهم مثل من روي فِي طريق مكة فبدد المال الذي معه والحديث بإسناد عَنْ جابر بْن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قدم أَبُو حصين السلمي بذهب من معدنهم فقضى دينا كان عَلَيْهِ وفضل معه مثل بيضة الحمامة فأتى بِهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يا رَسُول اللَّهِ ضع هذه حيث أراك اللَّه أَوْ حيث رأيت قَالَ فجاءه عَنْ يمينه فأعرض عنه ثم جاءه عَنْ يساره فأعرض عنه ثم جاءه من بين يديه فنكس رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه فلما أكثر عَلَيْهِ أخذها من يديه فحذفه بِهَا لو أصابته لعقرته ثم أقبل عَلَيْهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى مَالِهِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَتَكَفَّفُ النَّاسَ وَإِنَّمَا الصَّدَقَةُ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ" وَقَدْ رواه أَبُو داود فِي سننه من حديث محمود بْن لبيد عَنْ جابر بْن عَبْدِ اللَّهِ قال كنا عند رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ جاءه رجل بمثل البيضة من ذهب فَقَالَ يا رَسُول اللَّهِ أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة مَا أملك غيرها فأعرض عنه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم أتاه من قبل ركنه الأيمن فَقَالَ مثل ذلك فأعرض عنه ثم أتاه من قبل ركنه الأيسر فأعرض عنه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم أتاه من خلفه فآخذها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحذفه بِهَا فلو أصابته لأقصعته أَوْ لعقرته فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقة ثم يقعد يتكفف الناس خير الصدقة مَا كان عَنْ ظهر غنى" وفي رواية أخرى خذ عنا مالك لا حاجة لنا به وروى أَبُو داود من حديث أبي سَعِيد الخدري رَضِيَ اللَّهُ عنه قَالَ دخل رجل المسجد فأمر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يطرحوا ثيابا فطرحوا فأمر لَهُ منها بثوبين ثم حث عَلَى الصدقة فجاء فطرح أحد الثوبين فصاح به: "خذ ثوبك".
قَالَ المصنف: ونقلت من خط أبي الوفاء بْن عقيل قَالَ قَالَ ابْن شاذان دخل جماعة من الصوفية عَلَى الشبلي فأنفذ إِلَى بعض المياسير يسأله مَا لا ينفقه عليهم فرد الرسول وقال يا أبا بَكْر أنت تعرف الحق فهلا طلبت مِنْهُ فَقَالَ للرسول ارجع إليه وقل لَهُ الدنيا سفلة أطلبها من سفلة مثلك وأطلب الحق من الحق فبعث إليه بمائة دِينَار قَالَ ابْن عقيل إن كان أنفذ إليه المائة دِينَار للافتداء من هَذَا الكلام القبيح وأمثاله فقد أكف الشبلي الخبيث من الرزق وأطعم أضيافه مِنْهُ.
فصل: وقد كان لبعضهم بضاعة فأنفقها وقال مَا أريد أن تكون ثقتي إلا بالله وهذا قلة فهم لأنهم يظنون أن التوكل قطع الأسباب وإخراج الأموال.
أَخْبَرَنَا القزاز قَالَ أَخْبَرَنَا الخطيب قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الْحَافِظ قَالَ أَنْبَأَنَا جَعْفَر الخلدي فِي كتابه قَالَ سمعت الجنيد يَقُول دققت عَلَى أبي يعقوب الزيات بابه فِي جماعة من أصحابنا فَقَالَ مَا كان لكم شغل فِي اللَّه عز وجل يشغلكم عَن المجيء إلي فقلت لَهُ إذا كان مجيئا إليك من شغلنا به فلم ننقطع عنه فسألته عَنْ مسألة فِي التوكل فأخرج درهما كان عنده ثم أجابني فأعطى التوكل حقه ثم قَالَ استحييت من اللَّه أن أجيبك وعندي شيء.
قَالَ المصنف: لو فهم هؤلاء معنى التوكل وأنه ثقة القلب بالله عز وجل لا إخراج صور المال مَا قَالَ هؤلاء هَذَا الكلام ولكن قل فهمهم وَقَدْ كان سادات الصحابة والتابعين يتجرون ويجمعون الأموال وما قَالَ مثل هَذَا أحد منهم وَقَدْ روينا عَنْ أبي بَكْر الصديق رَضِيَ اللَّهُ عنه قَالَ حين أمر بترك الكسب لأجل شغله بالخلافة فمن أين أطعم عيالي وهذا القول منكر عند الصوفية يخرجون قائله من التوكل وكذلك ينكرون عَلَى من قَالَ هَذَا الطعام يضرني وَقَدْ رووا فِي ذلك حكاية عَنْ أبي طالب الرازي قَالَ حضرت مَعَ أصحابنا فِي موضع فقدموا اللبن وقال لي كل فقلت لا آكله فانه يضرني فلما كان بعد أربعين سنة صليت يوما خلف المقام ودعوت اللَّه عز وجل وقلت اللهم إنك تعلم أني مَا أشركت بك طرفة عين فسمعت هاتفا يهتف بي ويقول ولا يوم اللبن.
قَالَ المصنف: وهذه الحكاية اللَّه أعلم بصحتها واعلم أن من يَقُول هَذَا يضرني لا يريد أن يفعل ذلك الضرر بنفسه وإنما يريد أنه سبب الضرر كَمَا قَالَ الخليل صلوات اللَّه وسلامه عَلَيْهِ {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ} وقد صح عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَا نفعني مال كمال أبي بَكْر" وقوله مَا نفعي مقابل لقول القائل مَا ضرني ويصح عنه أنه قَالَ: "مَا زالت أكلة خيبر تعادني فهذا أَوْ أن قطعت أبهري1" وقد ثبت أنه لا رتبة أولى من رتبة النبوة وَقَدْ نسب النفع إِلَى المال والضرر إِلَى الطعام فالتحاشي عَنْ سلوك طريقه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعاط عَلَى الشريعة فلا يلتفت إِلَى هذيان من هذى فِي مثل هذا. ------------------------------------------ 1 الأبهر عرق في الظهر فإذا انقطع لم تبق معه حياة وتعادني بالدال المشددة تأتيني المرة بعد المرة. ------------------------------------------ فصل: قَالَ المصنف: وَقَدْ بيَّنا أنه كان أوائل الصوفية يخرجون من أموالهم زهدا فيها وذكرنا أنهم قصدوا بذلك الخير إلا أنهم غلطوا فِي هَذَا الفعل كَمَا ذكرناه من مخالفتهم بذلك الشرع والعقل فأما متأخروهم فقد مالوا إِلَى الدنيا وجمع المال من أي وجه كان إيثارا للراحة وحبا للشهوات فمنهم من يقدر عَلَى الكسب ولا يعمل ويجلس فِي الرباط أَوِ المسجد ويعتمد عَلَى صدقات الناس وقلبه معلق بطرق الباب ومعلوم أن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرة1 سوى ولا يبالون من بعث إليهم فربما بعث الظالم والماكس فلم يردوه وَقَدْ وضعوا فِي ذلك بينهم كلمات منها تسمية ذلك بالفتوح ومنها أن رزقنا لا بد أن يصل إلينا ومنها أنه من اللَّه فلا يرد عَلَيْهِ ولا نشكر سواه وهذا كله خلاف الشريعة وجهل بِهَا وعكس مَا كان السلف الصالح عَلَيْهِ فإن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْر الصديق رَضِيَ اللَّهُ عنه من أكل الشبهة وكان الصالحون لا يقبلون عطاء ظالم ولا ممن فِي ماله شبهة وكثير من السلف لم يقبل صلة الإخوان عفافا وتنزها وعن أبي بَكْر المرزوي قَالَ ذكرت لأبي عَبْد اللَّهِ رجلا من المحدثين فَقَالَ رحمه اللَّه أي رجل كان لولا خلة واحدة ثم سكت ثم قَالَ ليس كل الخلال يكملها الرَّجُل فقلت لَهُ أليس كان صاحب سنة فَقَالَ لعمري لقد كتبت عنه وله خلة واحدة كان لا يبالي ممن أخذ.
قَالَ المصنف: ولقد بلغنا أن بعض الصوفية دخل عَلَى بعض الأمراء الظلمة فوعظه فأعطاه شيئا فقبله فَقَالَ الأمير كلنا صيادون وإنما الشباك تختلف ثم أين هؤلاء من الأنفة من الميل للدنيا فان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اليد العليا خير من اليد السفلى" واليد العليا هي المعطية هكذا فسره العلماء وَهُوَ الحقيقة وَقَدْ تأوله بعض القوم فَقَالَ العليا هي الآخذة قَالَ ابْن قتيبة ولا أرى هَذَا إلا تأويل قوم استطابوا السؤال.
فصل: قال المصنف: ولقد كان أوائل الصوفية ينظرون فِي حصول الأموال من أي وجه ويفتشون عَنْ مطاعمهم وسئل أحمد بْن حنبل عَنْ السرى السقطى فَقَالَ الشيخ المعروف بطيب المطعم وقال السري صحبت جماعة إِلَى الغزو فاكترينا دارا فنصبت فيها تنورا فتورعوا أن يأكلوا من خبز ذلك التنور فأما من يرى مَا قد تجدد من صوفية زماننا من كونهم لا يبالون من أين أخذوا فإنه يعجب. ------------------------------------------ 1 المرة بكسر الميم القوة. ------------------------------------------ ولقد دخلت بعض الأربطة فسألت عَنْ شيخه فَقِيلَ لي قد مضى إِلَى الأمير فلان يهنئه بخلعة قد خلعت عَلَيْهِ وكان ذلك الأمير من كبار الظلمة فقلت ويحكم مَا كفاكم أن فتحتم الدكن حتى تطوفون عَلَى رءوسكم بالسلع يقعد أحدكم عَنْ الكسب مَعَ قدرته عَلَيْهِ معولاً عَلَى الصدقات والصلات ثم لا يكفيه حتى يأخذ فمن كان ثم لا يكفيه حتى يدور عَلَى الظلمة فيستعطي منهم ويهنئهم بملبوس لا يحل وولاية لا عدل فيها وَاللَّه إنكم أضر عَلَى الإسلام من كل مضر.
فصل: قال المصنف وَقَدْ صار جماعة من أشياخهم يجمعون المال من الشبهات ثم ينقسمون فمنهم من يدعي الزهد مَعَ كثرة المال وحرصه عَلَى الجمع وهذه الدعوى مضادة للحال ومنهم من يظهر الفقر مَعَ جمعه المال وأكثر هؤلاء يضيقون عَلَى الفقراء بأخذهم الزكاة ولا يجوز لهم ذلك وَقَدْ كان أَبُو الْحَسَنِ البسطامي شيخ رباط بْن المجيان1 يلبس الصوف صيفا وشتاء وتقصده الناس يتبركون به فمات فخلف أربعة آلاف دِينَار.
قَالَ المصنف: وهذا فوق القبيح وَقَدْ صح عَنْ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ رجلا من أهل الصفة مات فخلف دينارين فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كيتان". ------------------------------------------ 1 وفي النسخة الثانية المحليان وفي نسخة اخرى الملحيان. ------------------------------------------ ذكر تلبيس إبليس عَلَى الصوفية فِي لباسهم. قال المصنف: لما سمع أوائل القوم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يرقع ثوبه وأنه قَالَ لعائشة رَضِيَ اللَّهُ عنها لا تخلعي ثوبا حتى ترقعيه وأن عُمَر بْن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عنه كان فِي ثوبه رقاع وأن أويسا القرني كان يلتقط الرقاع من المزابل فيغسلها فِي الفرات ثم يخيطها فيلبسها اختاروا المرقعات وَقَدْ أبعدوا فِي القياس فإن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه كانوا يؤثرون البذاذة ويعرضون عَن الدنيا زاهدا وكان أكثرهم يفعل هَذَا لأجل الفقر كَمَا روينا عَنْ مسلمة بْن عَبْدِ الملك إنه دخل عَلَى عُمَر بْن عَبْدِ الْعَزِيز وعليه قميص وسخ فَقَالَ لامرأته فاطمة اغسلي قميص أمير المؤمنين فقالت وَاللَّه ماله قميص غيره فأما إذا لم يكن هَذَا لفقر وقصد البذاذة فلما لَهُ من معنى.
فصل: قَالَ المصنف: فأما صوفية زماننا فإنهم يعمدون إِلَى ثوبين أَوْ ثَلاثَة كل واحد منها عَلَى لون فيجعلوها خرقا ويلفقونها فيجمع ذلك الثوب وصفين الشهرة والشهوة فإن لبس مثل هذه المرقعات أشهى عند خلق كثير من الديباج وبها يشتهر صاحبها أنه من الزهاد افتراهم يصيرون بصورة الرقاع كالسلف كذا قد ظنوا وإن إبليس قد لبس عليهم وقال أنتم صوفية لأن الصوفية كانوا يلبسون المرقعات وأنتم كذلك أتراهم مَا علموا أن التصوف معنى لا صورة وهؤلاء قد فاتهم التشبيه فِي الصورة والمعنى أما الصورة فإن القدماء كانوا يرقعون ضرورة ولا يقصدون التحسن بالمرقع ولا يأخذون أثوابا جددا مختلفة الألوان فيقطعون من كل ثوب قطعة ويلفقونها عَلَى أحسن التوقيع ويخيطونها ويسمونها مرقعة وأما عُمَر رَضِيَ اللَّهُ لما قدم بيت المقدس حين سأل القسيسون والرهبان عَنْ أمير المسلمين فعرضوا عليهم أمراء العساكر مثل أبي عبيدة وخالد بْن الوليد وغيرهما فقالوا ليس هَذَا المصور عندنا ألكم أمير أولا فقالوا لنا أمير غير هؤلاء فقالوا هو أمير هؤلاء قالوا نعم هو عُمَر بْن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عنه فقالوا أرسلوا إليه ننظره فإن كان هو سلمنا إليكم من غير قتال وإن لم يكن هو فلا فلو حاصرتمونا مَا تقدرون علينا فأرسل المسلمين إِلَى عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عنه وأعلموه بذلك فقدم عليهم وعليه ثوب مرقع سبع عشرة رقعة بينها رقعة من أديم فلما رأوه الروحانية والقسوس عَلَى هذه الصفة سلموا بيت المقدس إليه من غير قتال فأين هَذَا مما يفعله جهال الصوفية فِي زماننا فنسأل اللَّه العفو والعافية وأما المعنى فإن أولئك كانوا أصحاب رياضة وزهد.
فصل: قال المصنف: ومن هؤلاء المذمومين من يلبس الصوف تحت الثياب ويلوح بكمه حتى يرى لباسه وهذا لص ليلي ومنهم من يلبس الثياب اللينة عَلَى جسده ثم يلبس الصوف فوقها وهذا لص نهاري مكشوف وجاء آخرون فأرادوا التشبه بالصوفية وصعب عليهم البذاذة وأحبوا التنعم ولم يروا الخروج من صورة التصوف لئلا يتعطل المعاش فلبسوا الفوط الرفيعة واعتموا بالرومي الرفيع إلا أنه بغير طراز فالقميص والعمامة عَلَى أحدهم بثمن خمسة أثواب من الحرير.
وقد لبس إبليس عليهم أنكم صوفية بنفيس النفس وإنما أرادوا أن يجمعوا بين رسوم التصوف وتنعم أهل الدنيا ومن علاماتهم مصادفة الأمراء ومفارقة الفقراء كبرا وتعظيما وَقَدْ كان عِيسَى بْن مريم صلوات اللَّه وسلامه عَلَيْهِ يَقُول يا بني إسرائيل مَا لكم تأتونني وعليكم ثياب الرهبان ولوبكم قلوب الذئاب الضواري البسوا لباس الملوك وألينوا قلوبكم بالخشية.
وأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي القاسم قَالَ أَخْبَرَنَا حمد بْن أَحْمَدَ الحداد قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الْحَافِظ ثنا أَحْمَد بْن جَعْفَر بْن معبد ثنا يَحْيَى بْن مطرف ثنا أَبُو ظفر ثنا جَعْفَر بْن سُلَيْمَان عَنْ مالك دِينَار قَالَ إن من الناس ناسا إذا لقوا القراء ضربوا معهم بسهم وإذا لقوا الجبابرة وأبناء الدنيا أخذوا معهم بسهم فكونوا من قراء الرَّحْمَن بارك اللَّه فيكم.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد نا حمد نا أَبُو نعيم ثنا الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن العباس الفقيه ثنا أحمد بْن مُحَمَّد اللالي ثنا أَبُو حاتم ثنا هدبة ثنا حزم قَالَ سمعت مالك بْن دِينَار يَقُول إنكم فِي زمان أشهب لا يبصر زمانكم إلا البصير إنكم فِي زمان كثير تفاحشهم قد انتفخت ألسنتهم فِي أفواههم فطلبوا الدنيا بعمل الآخرة فاحذروهم عَلَى أنفسكم لا يوقعكم فِي شباكهم.
أَخْبَرَنَا المحمدان بْن ناصر وابن عَبْد الباقي قالا أَخْبَرَنَا حمد بْن أَحْمَدَ نا أَحْمَد بْن عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظ ثنا أَحْمَد بْن جَعْفَر بْن حَمْدَان ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن أَحْمَدَ ثنى مهنى الشامي ثنا ضمرة عَنْ سَعِيد بْن شبل قَالَ نظر مالك بْن دِينَار إِلَى شاب ملازم للمسجد فجلس إليه فَقَالَ لَهُ هل لك أن أكلم بعض العشارين يجرون عليك شيئا وتكون معهم قَالَ مَا شئت يا أبا يَحْيَى قَالَ فأخذ كفا من تراب فجعله عَلَى رأسه.
أَخْبَرَنَا المحمدان قالا نا حمد نا أَحْمَد ثنا قارون بْن عَبْدِ الكبير الخطابي ثنا هشام بْن عَلِيٍّ السيرافي ثنا قطن بْن حماد بْن واقد ثنا أبي ثنا مالك بْن دِينَار قال كان فتى يتفرى فكان يأتيني فابتلي فولى الجسر فبينما هو يصلي إذ مرت سفينة فيها بط فنادى بعض أعوانه قرب لنأخذ لعامل بطة فأشار بيده سبحان اللَّه أي بطتين قَالَ فكان أبي إذا حدث بهذا الحديث بكى وأضحك الجلساء.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حبيب نا أَبُو سَعِيد بْن أبي صَادِق أنا ابْنُ باكويه قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّد بْن خفيف يَقُول قلت لرويم أوصني فَقَالَ هو بذل الروح وإلا فلا تشتغل بترهات الصوفية أخبرنا بْن ناصر نا أَبُو عَبْد اللَّهِ الحميدي نا أَبُو بَكْر أحمد بْن مُحَمَّد الأردستاني ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ السلمي قَالَ سمعت أبي يَقُول بلغني أن رجلا قَالَ للشبلي قد ورد جماعة من أصحابك وهم فِي الجامع فمضى فرأى عليهم المرقعات والفوط فأنشأ يَقُول: أما الخيام فإنها كخيامهم ... وأرى نساء الحي غير نسائها
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت واعلم أن هذه البهرجة فِي تشبيه هؤلاء بأولئك لا تخفي إلا عَلَى كل غبي فِي الغاية فأما أهل الفطنة فيعلمون أنه تنميس بارد والأمر فِي ذلك عَلَى نحو قول الشاعر: تشبهت حور الظباء بهم ... إن سكنت فيك ولا مثل سكن أصامت بناطق ونافر ... بآنس وذو خلا بذي شجن مشتبه أعرفه وإنما ... مغالطا قلت لصحبي دار من
فصل: قال المصنف: لبس الفوط المرقعات قَالَ المصنف وإنما أكراه لبس الفوط المرقعات لأربعة أوجه أحدها انه ليس من لباس السلف وإنما كان السلف يرقعون ضرورة والثاني أنه يتضمن ادعاء الفقر وَقَدْ أمر الإنسان أن يظهر نعمة اللَّه عَلَيْهِ والثالث انه إظهار للزهد وَقَدْ أمرنا بستره والرابع انه تشبه بهؤلاء المتزحزحين عَن الشريعة ومن تشبه بقوم فهو منهم.
وقد أَخْبَرَنَا ابْن الْحُسَيْن نا بن الْمُذْهِبِ نا أَحْمَد بْن جَعْفَر ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن أَحْمَدَ ثنى أبي ثنا أبو النصر ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن ثابت بْن ثوبان ثنا حسان بْن عطية عن أبي منيب الحرسي عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ منهم" وقد أنبأ نا أَبُو زرعة طاهر بْن مُحَمَّد بْن طاهر قَالَ أخبرني أبي قَالَ لما دخلت بغداد فِي رحلتي الثانية قصدت الشيخ أبا مُحَمَّد عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ السكري لأقرأ عَلَيْهِ أحاديث وكان من المنكرين عَلَى هذه الطائفة فأخذت فِي القراءة فَقَالَ أيها الشيخ أنك لو كنت من هؤلاء الجهال الصوفية لعذرتك أنت رجل من أهل العلم تشتغل بحديث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتسعى فِي طلبه فقلت أيها الشيخ وأي شيخ أنكرت علي حتى أنظر فان كان لَهُ أصل فِي الشريعة لزمته وان لم يكن لَهُ أصل فِي الشريعة تركته فَقَالَ مَا هذه الشوازك1 التي فِي مرقعتك فقلت أيها الشيخ هذه أسماء بنت أبي بَكْر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تخبر أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لَهُ جبة مكفوفة الجيب والكمين والفرجين بالديباج وإنما وقع الإنكار لأن هذه الشوازك ليست من جنس الثوب والديباج ليس من الجبة فاستدللنا بذلك عَلَى أن لهذا أصلا فِي الشرع يجوز مثله. ------------------------------------------ 1 نوع من الشريط معمول من الحرير المصبغ. ------------------------------------------ قَالَ المصنف: قلت لقد أصاب السكري فِي إنكاره وقل فقه ابْن طاهر فِي الرد عَلَيْهِ فَإِن الجبة المكفوفة الجيب والكمين قد جرت العادة بلبسها كذلك فلا شهرة فِي لبسها فأما الشوازك فتجمع شهرة الصورة وشهرة دعوى الزهد وَقَدْ أخبرتك أنهم يقطعون الثياب الصحاح ليجعلوها اشوازك لا عَنْ ضرورة يقصدون الشهرة لحسن ذلك والشهرة بالزهد ولهذا وقعت الكراهية وَقَدْ كرهها جماعة من مشايخهم كَمَا بيَّنا. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب العاشر: فِي ذكر تلبيسه عَلَى الصوفية من جملة الزُّهَّاد الأربعاء 19 ديسمبر 2018, 11:34 pm | |
| أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حبيب العامري نا أَبُو سَعْد بْن أبي صَادِق ثنا أَبُو عَبْد اللَّهِ بْن باكويه قَالَ سمعت الْحُسَيْن بْن أحمد الْفَارِسِيّ يَقُول سمعت الْحُسَيْن ابْن هند يَقُول سمعت جَعْفَر الحذاء يَقُول لما فقد القوم الفوائد من القلوب اشتغلوا بالظواهر وتزيينها يعني بذلك أصحاب المصبغات والفوط أَخْبَرَنَا ابْن حبيب نا ابن صادق ثنا بن باكويه أَخْبَرَنَا أَبُو يعقوب الخراط قَالَ سمعت الثوري يَقُول كانت المرقعات غطاء عَلَى الدر فصارت جيفا عَلَى مزابل قَالَ ابْن باكويه وأخبرني أَبُو الْحَسَنِ الحنظلي قَالَ نظر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد ابْن علي الكتاني إِلَى أصحاب المرقعات فَقَالَ إخواني إن كان لباسكم موافقا لسرائركم لقد أحببتم أن يطلع الناس عليها وان كانت مخالفة لسرائركم فقد هلكتم ورب الكعبة أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خلف ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْن السلمي قَالَ سمعت نصر بْن أبي نصر يَقُول قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن عَبْدِ الخالق الدينوري لبعض أصحابه لا يعجبنك مَا ترى من هذه اللبسة الظاهرة عليهم فما زينوا الظواهر إلا بعد أن خربوا البواطن وقال ابْن عقيل دخلت يوما الحمام فرأيت عَلَى بعض أوتاد السلخ جبة مشوزكة مرقعة بفوط فقلت للحمامي أرى سلخ الحية فمن داخل فذكر لي بعض من يتصفف للبلاء حوشا للأموال.
فصل: قال المصنف: وفي الصوفية من يرقع المرقعة حتى تصير كثيفة خارجة عَن الحد أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن ثابت نا القاضي أَبُو مُحَمَّد الْحَسَن بْن رامين الأسد آبادى نا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْن مُحَمَّد الشيرازي نا جَعْفَر الخالدي ثنا بن خباب أَبُو الْحُسَيْن صاحب ابْن الكريني قَالَ أوصى لي ابْن الكريني بمرقعته فوزنت فردة كم من أكمامها فَإِذَا فيه أحد عشر رطلا قَالَ جَعْفَر وكانت المرقعات تسمى فِي ذلك الوقت الكيل1.
فصل: وقد قرروا أن هذه المرقعة لا تلبس إلا من يد شيخ وجعلوا لها إسناداً متصلاً كله كذب ومحال وَقَدْ ذكر مُحَمَّد بْن طاهر فِي كتابه فَقَالَ باب السنة فِي لبس الخرقة من يد الشيخ. ------------------------------------------ 1 في النسخة الثانية الكبل بالباء الموحدة. ------------------------------------------ فجعل هَذَا من السَّنة واحتج بحديث أم خالد أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى بثياب فيها خميصة1 سوداء فَقَالَ من ترون أكسو هذه فسكت القوم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ائتوني بأم خالد: قالت فأتى بي فألبسنيها بيده وقال: "أبلى وأخلقي".
قَالَ المصنف: وإنما ألبسها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكونها صبية وكان أبوها خالد بْن سَعِيد بْن العاص وأمها همينة بنت خلف قد هاجروا إِلَى أرض الحبشة فولدت لهما هناك أم خالد وأسمها أمة ثم قدموا فأكرمها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لصغر سنها وكما اتفق فلا يصير هَذَا سنة وما كان من عادة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلباس الناس ولا فعل هَذَا أحد من أصحابه ولا تابعيهم.
ثم ليس من السنة عند الصوفية أن يلبس الصغير دون الكبير ولا أن تكون الخرقة سوداء بل مرقعة أَوْ فوطة فهلا جعلوا السنة لبس الخرق السود كَمَا جاء فِي حديث أم خالد وذكر مُحَمَّد بْن طاهر فِي كتابه فَقَالَ باب السنة فيما شرط الشيخ عَلَى المريد فِي لبس المرقعة واحتج بحديث عبادة بايعنا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السمع والطاعة فِي العسر واليسر قَالَ المصنف فانظر إِلَى هَذَا الفقه الدقيق وأين اشتراط الشيخ عَلَى المريد من اشتراط رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الواجب الطاعة عَلَى البيعة الإسلامية اللازمة.
فصل: وأما لبسهم المصبغات فإنها إن كانت زرقاء فقد فاتهم فضيلة البياض وإن كانت فوطا فهو ثوب شهرة وشهرته أكثر من شهرة الأزرق وإن كانت مرقعة فهي أكثر شهرة وَقَدْ أمر الشرع بالثياب البيض ونهى عَنْ لباس الشهرة فأما أمره بالثياب البيض فأَخْبَرَنَا هِبَة اللَّهِ بْن مُحَمَّدٍ نا الْحَسَنُ بْن عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ نا أَحْمَد بْن جَعْفَر ثنا عَبْد اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثني أبي ثنا عَلِيّ بْن عَاصِم نا عَبْدُ اللَّهِ بْن عثمان بن حثيم عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبِيضَ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ" قال عَبْد اللَّهِ وحدثني أبي ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ سفيان ثني حبيب بْن أبي ثابت عَنْ ميمون بْن أبي شبيب عَنْ سمرة بْن جندب عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْبَسُوا الثِّيَابَ الْبِيضَ فَإِنَّهَا أَظْهَرُ وَأَطْيَبُ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ". ------------------------------------------ 1 كذا في النسختين. ------------------------------------------ قَالَ التِّرْمِذِيّ هذان حديثان صحيحان وفي الباب عَن ابْن عُمَر قَالَ وهذا الذي يستحبه أهل العلم وقال أَحْمَد بْن حنبل واسحاق أحب الثياب الينا أن نكفن فيها البياض وَقَدْ ذكر مُحَمَّد بْن طاهر فِي كتابه فَقَالَ باب السنة فِي لبسهم المصبغات واحتج بأن النبي صلوات اللَّه عَلَيْهِ وسلامه لبس حلة حمراء وإنه دخل يوم الفتح وعليه عمامة سوداء.
قال المصنف: قلت ولا ينكر أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبس هَذَا ولا أن لبسه غير جائز وَقَدْ روى إنه كان يعجبه الحبرة وإنما المسنون الذي يأمر به ويداوم عَلَيْهِ وَقَدْ كانوا يلبسون الأسود والأحمر فأما الفوط والمرقع فإنه لبس شهرة.
فصل: وأما النهي عَنْ لباس الشهرة وكراهته فأخبر أَبُو منصور بْن خيرون أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْر الخطيب نا ابْنُ زرقويه ثنا جَعْفَر بْن مُحَمَّد الخلدي ثنا مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ أَبُو جَعْفَر الحضرمي ثنا روح بْن عَبْدِ المؤمن ثنا وكيع بْن محرز الشامي ثنا عثمان بْن جهم عَنْ زِرّ بْن حبيش عَنْ أبي ذر عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى يَضَعَهُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحق بْن عَبْدِ الخالق قَالَ أَنْبَأَنَا الْمُبَارَك بْن عَبْدِ الجبار نا أَبُو الفرج الْحُسَيْن بْن عَلِيٍّ الطناجيري وأنبأنا هِبَة اللَّهِ بْن مُحَمَّدٍ أَنْبَأَنَا الْحُسَيْن بْن عَلِيٍّ التميمي قالا أَخْبَرَنَا أَبُو حفص بْن شاهين ثنا خثيمة بْن سُلَيْمَان بْن حيدرة ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الهيثم ثنا أَحْمَد بْن أبي شعيب الحراني ثنا مجلد بْن يَزِيد عَنْ أبي نعيم عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن بْن حرملة عَنْ سَعِيد بْن المسيب عَنْ أبي هريرة وزيد بْن ثابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الشُّهْرَتَيْنِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشُّهْرَتَانِ؟ قَالَ: "رِقَّةُ الثِّيَابِ وَغِلَظُهَا وَلِينُهَا وَخُشُونَتُهَا وَطُولُهَا وَقِصَرُهَا وَلَكِنْ سَدَادٌ بَيْنَ ذَلِكَ وَاقْتِصَادٌ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن ميمون نا عَبْد الْوَهَّاب بْن مُحَمَّد الغندجاني نا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدَان مُحَمَّد بْن سَهْل ثنا مُحَمَّد بْن إسماعيل البخاري قَالَ قَالَ مُوسَى بْن حماد بْن سلمة عَنْ ليث عَنْ مهاجر عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا مَشْهُورًا أَذَلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ المصنف وَقَدْ روى لنا مرفوعا قَالَ أَخْبَرَنَا ابْن الحصين نا ابْنُ الْمُذْهِبِ نا أَحْمَد بْن جَعْفَر ثنا عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ ثنى أبي ثنا حجاج ثنا شريك عَنْ عثمان بْن أبي راشد عَنْ مهاجر الشامي عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ الْمَذَلَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا الْمُبَارَك بْن عَبْدِ الجبار وعبد القادر بْن مُحَمَّد بْن يوسف قالا أَخْبَرَنَا أَبُو إسحاق البرمكي نا أَبُو بَكْرِ بْنُ نجيب ثنا أَبُو جَعْفَر بْن ذريح ثنا هناد ثنا أَبُو مُعَاوِيَة عَنْ ليث عَنْ مهاجر بْن أبي الْحَسَن عَنِ ابْنِ عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عنه قَالَ مَنْ لَبِسَ شُهْرَةً مِنَ الثِّيَابِ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ ذِلَّةٍ وعن ليث عَنْ شهر بْن أبي الدرداء رَضِيَ اللَّهُ عنه قَالَ مَنْ ركب مشهورا من الدواب أعرض اللَّه عنه مَا دام عَلَيْهِ وإن كان كريما.
قَالَ المصنف: وَقَدْ روينا أن ابْن عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رأى عَلَى ولده ثوبا قبيحا دونا فَقَالَ لا تلبس هَذَا فَإِن هَذَا ثوب شهرة أَخْبَرَنَا إسماعيل بْن أَحْمَدَ نا إسماعيل بْن مسعدة نا حمزة بْن يوسف نا أَبُو أَحْمَد بْن عدي ثنا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الهيثم الدوري ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيّ بْن الْحَسَنِ بْن شقيق قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مزاحم ثنا بكير بْن معروف عَنْ مقاتل بْن بريدة عَنْ أبيه بريدة قَالَ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتْحَ خَيْبَرَ وَكُنْتُ فِيمَنْ صَعَدَ الثُّلْمَةَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى رَأَى مَكَانِي وَأَتَيْتُ وَعَلَيَّ ثَوْبٌ أَحْمَرُ فَمَا عَلِمْتُ أَنِّي رَكِبْتُ فِي الإِسْلامِ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْهُ لِلشُّهْرَةِ وقال سفيان الثوري كانوا يكرهون الشهرتين الثياب الجياد التي يشتهر بِهَا ويرفع الناس إليه فيها أبصارهم والثياب الرديئة التي يحتقر فيها ويستبذل وقال معمر عاتبت أيوب عَلَى طول قميصه فَقَالَ إن الشهرة فيما مضى كانت فِي طوله وهي اليوم في تشميره.
فصل: قال المصنف: ومن الصوفية من يلبس الصوف ويحتج بأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبس الصوف وبما روى فِي فضيلة لبس الصوف فأما لبس رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصوف فقد كان يلبسه فِي بعض الأوقات لم يكن لبسه شهرة عند العرب وأما مَا يروى فِي فضل لبسه فمن الموضوعات التي لا يثبت منها شيء ولا يخلو لابس الصوف من أحد أمرين إما أن يكون متعودا لبس الصوف وما يجانسه من غليظ الثياب فلا يكره ذلك لَهُ لأنه لا يشهر به وأما أن يكون مترفا لم يتعوده فلا ينبغي لَهُ لبسه من وجهين أحدهما أنه يحمل بذلك عَلَى نفسه مَا لا تطيق ولا يجوز لَهُ ذلك والثاني أنه يجمع بلبسه بين الشهرة وإظهار الزهد وقد أَخْبَرَنَا حمد بْن منصور الهمداني نا أَبُو علي أَحْمَد بْن سَعْد بْن عَلِيٍّ العجلي نا أَبُو ثابت هجير بْن منصور بْن عَلِيٍّ الصوفي إجازة ثنا أَبُو مُحَمَّد جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَنِ بْن إسماعيل الأبهري ثنا روز به ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل بْن مُحَمَّد الطائي ثنا بَكْر بْن سَهْل الدمياطي ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُ اللَّهِ بْن سُلَيْمَان ثنا داود ثنا عباد بْن العوام عَنْ عباد بْن كثير عَنْ أنس قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ لَبِسَ الصُّوفَ لِيَعْرِفَهُ النَّاسُ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكْسُوَهُ ثَوْبًا مِنْ جَرَبٍ حَتَّى تَتَسَاقَطَ عُرُوقُهُ" أنبأنا زاهر بْن طاهر قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو عثمان الصابوني وأبو بَكْر البيهقي قالا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ الحاكم ثنا أَبُو إسحاق إبراهيم بْن مُحَمَّد بْن يَحْيَى ثنا العباس بْن منصور ثنا سَهْل بْن عمار ثنا نوح بْن عَبْدِ الرَّحْمَن الصيرفي ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْد الهمداني ثنى عباد بْن منصور عَنْ عِكْرِمَة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الأَرْضَ لَتَعِجُّ إِلَى رَبِّهَا مِنَ الَّذِينَ يَلْبَسُونَ الصُّوفَ رِيَاءً".
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا جَعْفَر بْن أَحْمَدَ نا الْحَسَن بْن عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ ثنا أحمد أَحْمَد بْن جَعْفَر ثنا عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ ثني أَبِي ثنا عَبْدُ الصَّمَد ثنا خالد بْن شوذب قَالَ شهدت الْحَسَن وأتاه فرقد فأخف الْحَسَن بكسائه فمده إليه وقال يا فريقديا ابْن أم فريقد إن البر ليس فِي هَذَا الكساء وإنما البر مَا وقر فِي الصدر وصدقه العمل أنبأنا مُحَمَّد بْن عَبْدِ الباقي نا أَبُو مُحَمَّد الْجَوْهَرِيّ نا أَبُو عُمَر بْن حياة نا أَحْمَد بْن معروف ثنا الْحُسَيْن بْن الفهم ثنا مُحَمَّد بْن سَعْد قَالَ حَدَّثَنَا عمرو بْن عَاصِم ثنا يَزِيد بْن عوانه ثنى أَبُو شداد المجاشعي قَالَ سمعت الْحَسَن وذكر عنده الذين يلبسون الصوف فَقَالَ مَا لهم تعاقدوا ثلاثا أكنوا الكبر فِي قلوبهم وأظهروا التواضع فِي لباسهم وَاللَّه لأحدهم أشد عجبا بكسائه من صاحب المطرف بمطرفة أنبأنا ابْن الْحُسَيْن أَنْبَأَنَا أَبُو علي التميمي نا أَبُو حفص بْن شاهين ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيد بْن يَحْيَى البزوري ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن أيوب المخرمي قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ المجيد يعني ابْن أبي رواد عَنِ ابْن طهمان يعني إِبْرَاهِيم عَنْ أبي مالك الكوفي عَنْ الْحَسَن أنه جاءه رجل ممن يلبس الصوف وعليه جبة صوف وعمامة صوف ورداء صوف فجلس فوضع بصره فِي الأَرْض فجعل لا يرفع رأسه وكأن الْحَسَن خال فيه العجب فَقَالَ الْحَسَن ها إن قوما جعلوا كبرهم فِي صدورهم شنعوا وَاللَّه دينهم بهذا الصوف ثم قَالَ إن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ زِيِّ الْمُنَافِقِينَ قَالُوا يَا أَبَا سَعِيدٍ وَمَا زِيُّ الْمُنَافِقِينَ قَالَ خُشُوعُ اللِّبَاسِ بِغَيْرِ خُشُوعِ الْقَلْبِ قال ابْن عقيل هَذَا كلام رجل قد عرف الناس ولم يعره اللباس ولقد رأيت الْوَاحِد من هؤلاء يلبس الجبة الصوف فَإِذَا قَالَ لَهُ القائل يا أبا فلان ظهر مِنْهُ ومن أوباشه الإنكار فعلم أن الصوف قد عمل عند هؤلاء مَا لا يعمله الديباح عند الأوباش أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْدِ الباقي بْن أَحْمَدَ نا حمد بْن أَحْمَدَ الحداد نا أَبُو نعيم الْحَافِظ ثنا أَبُو حامد بْن جبلة ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا إِسْمَاعِيل بْن أبي الحارث ثنا هارون بْن معروف عَنْ ضمرة قَالَ سمعت رجلا يَقُول قدم حماد بْن أبي سُلَيْمَان البصرة فجاءه فرقد السنجي وعليه ثوب صوف فَقَالَ لَهُ حماد ضع عنك نصرانيتك هذه فلقد رأيتنا ننتظر إبراهيم يعني النخعي فيخرج علينا وعليه معصفرة أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن القاسم نا حمد بْن أَحْمَدَ نا أَبُو نعيم الْحَافِظ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مُحَمَّد ثنا إبراهيم بْن شريك الأسدي ثنا شهاب بْن عباد ثنا حماد عَنْ خالد الحذاء أن أبا قلابة قَالَ إِيَّاكُمْ وَأَصْحَابَ الأَكْسِيَةِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد ابْن ناصر وعمر بْن طفر قالا نا مُحَمَّد بْن الْحَسَنِ الباقلاوي نا القاضي أَبُو العلاء الواسطي ثنا أَبُو نصر أَحْمَد بْن مُحَمَّد السازكي نا أَبُو الخير أَحْمَد بْن حمد البزار ثنا مُحَمَّد بْن إسماعيل البخاري ثنا عَلِيّ بْن حجر ثنا صالح بْن عُمَر الواسطي عَنْ أبي خالد قَالَ جاء عَبْد الكريم أَبُو أمية إِلَى أبي العالية وعليه ثياب صوف فَقَالَ لَهُ أَبُو العالية إنما هذه ثياب الرهابن إن كان المسلمون إذا تزاوروا تجملوا أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي القاسم نا حمد بْن نا أحمد بْن عَبْدِ اللَّهِ الأصبهاني ثنا أَبُو مُحَمَّد بْن حبان ثنا أحمد بْن الْحُسَيْن الحذاء ثنا أحمد بْن إبراهيم الدورقي ثنا العيص بْن إسحاق قَالَ سمعت الفضيل يَقُول تزينت لهم بالصوف فلم ترهم يرفعوك بك رأسا تزينت لهم بالقرآن فلم ترهم يرفعون بك رأسا تزينت لهم بشيء يعد شيء كل ذلك إنما هو لحب الدنيا أنبأ نا ابْن الحصين قَالَ نا أَبُو عَلِيّ بْن المذهب قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو حفص بْن شاهين قَالَ ثنا إسماعيل بْن عَلِيّ قَالَ ثنا الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن شبيب قَالَ ثنا أحمد بْن أبي الحواري قَالَ قَالَ أَبُو سُلَيْمَان يلبس أحدهم عباءة بثلاثة دراهم ونصف وشهوته فِي قلبه بخمسة دراهم أما يستحي أن يجاوز شهوته لباسه ولو ستر زهده بثوبين أبيضين من أبصار الناس كان أسلم لَهُ قال أَحْمَد بْن أبي الحواري قَالَ لي سُلَيْمَان بْن أبي سُلَيْمَان وكان يعدل بأبيه أي شيء أرادوا بلباس الصوف قلت التواضع قَالَ لا يتكبر أحدهم إلا إذا لبس الصوف أَخْبَرَنَا الْمُبَارَك بْن أَحْمَدَ الأنصاري نا عَبْد اللَّهِ بْن أحمد السمرقندي ثنا أَبُو بَكْر الخطيب نا الْحَسَن بْن الْحُسَيْن العالي1 نا أَبُو سَعِيد أحمد بْن مُحَمَّد بْن رميح ثنا روح بْن عَبْدِ المجيب ثنا أحمد بْن عُمَر بْن يُونُس قَالَ أبصر الثوري رجلا صوفيا فَقَالَ لَهُ الثوري هذابدعة أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْدِ الباقي نا حمد بْن أَحْمَدَ نا أَبُو نعيم الْحَافِظ ثنا عَبْدُ المنعم بْن عُمَر ثنا أحمد بْن مُحَمَّد بْن زِيَاد قَالَ سمعت أبا داود يَقُول قَالَ سفيان الثوري لرجل عَلَيْهِ صوف لباسك هَذَا بدعة أنبأنا زاهر بْن طاهر أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْر أحمد بْن الْحُسَيْن البيهقي نا أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ الحاكم قَالَ أخبرني مُحَمَّد بْن عُمَر ثنا مُحَمَّدُ بْنُ المنذر قَالَ سمعت أحمد بْن شداد يَقُول سمعت الْحَسَن بْن الربيع يَقُول سمعت عَبْد اللَّهِ بْن الْمُبَارَك يَقُول لرجل رأى عَلَيْهِ صوفا مشهورا أكره هَذَا أكره هَذَا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حبيب نا أَبُو سَعْد بْن أبي صَادِق نا ابْنُ باكويه نا عَبْدُ الْوَاحِد بْن بَكْر ثنا عَلِيّ بْن أبي عثمان بْن زهير ثنا عثمان بْن أَحْمَدَ ثنا الْحَسَن بْن عمرو قَالَ سمعت بِشْر بْن الحارس يَقُول دخل علي الموصلي عَلَى المعافي وعليه جبة صوف فَقَالَ لَهُ مَا هذه الشهرة يا أبا الْحَسَن فَقَالَ يا أبا مسعود أخرج أنا وأنت فانظر أينا أشهر فَقَالَ له المعافي ليس شهرة البدن كشهرة اللباس. ------------------------------------------ 1 كذا بالمهملة. ------------------------------------------ أَخْبَرَنَا إسماعيل بْن أبي بَكْر المقري نا ظاهر بْن أَحْمَدَ نا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن بشران عثمان بْن أحمد الدقاق ثنا الْحَسَن بْن عمرو قَالَ سَمِعْتُ بِشْر بْن الحارث يَقُول دخل بديل عَلَى أيوب السختياني وَقَدْ مد عَلَى فراشه سبنية1 حمراء تدفع التراب فَقَالَ بدليل مَا هَذَا فَقَالَ أيوب هَذَا خير من الصوف الذي عليك أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حبيب نا أَبُو سَعْد بْن أبي صَادِق قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ بْن باكويه ثنا علان بْن أحمد ثنا حبيب بْن الْحَسَنِ ثنا الفضل بْن أحمد ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يسار قَالَ سَمِعْتُ بِشْر بْن الحارث وسئل عَنْ لبس الصوف فشق عَلَيْهِ وتبين الكراهة فِي وجهه ثم قَالَ لبس الخز والمعصفر أحب إلي من لبس الصوف فِي الأمصار أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن ثابت بْن بندار قَالَ أَخْبَرَنَا أبي نا الْحُسَيْن بْن عَلِيٍّ الطناجيري نا أَحْمَد بْن منصور البرسري ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مخلد ثنا أحمد بْن منصور ثني يَزِيد السقا رفيق مُحَمَّد بْن إدريس الأنباري قَالَ رأيت فتى عَلَيْهِ مسوح قَالَ فقلت لَهُ من لبس هَذَا من العلماء من فعل هَذَا من العلماء قَالَ قد رآني بِشْر بْن الحارث فلم ينكر علي قَالَ يَزِيد فذهبت إِلَى بِشْر فقلت لَهُ يا أبا نصر رأيت فلانا عَلَيْهِ جبة مسوح فأنكرت عَلَيْهِ فَقَالَ قد رآني أَبُو نصر فلم ينكر علي قَالَ فَقَالَ لي بِشْر لم تستشرني يا أبا خالد لو قلت لَهُ لقال لي لبس فلان ولبس فلان أَخْبَرَنَا أحمد بْن منصور الهمداني نا أَبُو علي أَحْمَد بْن سَعْد بْن عَلِيٍّ العجلي نا أَبُو ثابت هجير بْن منصور بْن عَلِيٍّ الصوفي إجازة نا أَبُو مُحَمَّد جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن إسماعيل الصوفي ثنا ابْنُ روزبه ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن أَحْمَدَ بْن نصر القنطري ثنا إبراهيم بْن مُحَمَّد الإمام ثنا هشام بْن خالد قَالَ سمعت أبا سُلَيْمَان الداراني يَقُول لرجل لبس الصوف إنك قد أظهرت آلة الزاهدين فماذا أورثك هَذَا الصوف فسكت الرَّجُل فَقَالَ لَهُ يكون ظاهرك قطنيا وباطنك صوفيا أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن عَلِيٍّ المدبر نا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عَلِيٍّ الخياط نا الْحَسَن بْن الْحُسَيْن بْن حمكان سمعت أبا مُحَمَّد الْحَسَن بْن عثمان بْن عَبْدِ ربه البزار يَقُول سمعت أبا بَكْر بْن الزيات البغدادي يَقُول سمعت ابْن سيرويه يَقُول دخل أَبُو مُحَمَّد بْن أخي معروف الكرخي علي أبي الْحَسَن ابْن بشار وعليه جبة صوف فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ يا أبا مُحَمَّد صوفت قلبك أَوْ جسمك صوف قلبك والبس القوهي عَلَى القوهي2 أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّاب ابْن الْمُبَارَك الْحَافِظ نا جَعْفَر بْن أَحْمَدَ بْن السواح نا عَبْدُ الْعَزِيز بْن حسن الضراب قَالَ حَدَّثَنَا أبي ثنا أَحْمَد بْن مروان ثنا أبو بَكْرِ بْنُ أبي الدنيا ثنا أَحْمَد بْن سَعِيد قَالَ سمعت النَّضْر بْن شميل يَقُول قلت لبعض الصوفية تبيع جبتك الصوف فَقَالَ إذا باع الصياد شبكته بأي شيء يصطاد. ------------------------------------------ 1 في النسخة الثانية شبينة حمراء تدفع الرياء والسبنية أزر النساء. 2 القوهي الثياب البيض. ------------------------------------------ قال أَبُو جَعْفَر بْن جرير الطَّبَرِيّ ولقد أخطأ من آثر لباس الشعر والصوف عَلَى لباس القطن والكتان مَعَ وجود السبيل إليه من حله ومن أكل البقول والعدس واختاره عَلَى خبز البر ومن ترك أكل اللحم خوفا من عارض شهوة النساء.
فصل: قال المصنف: وَقَدْ كان السلف يلبسون الثياب المتوسطة لا المرتفعة ولا الدون ويتخيرون أجودها للجمعة والعيدين ولقاء الإخوان ولم يكن غير الأجود عندهم قبيحا وَقَدْ أخرج مسلم فِي صحيحه من حديث عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنه رأى حلة سيراء تباع عند باب المسجد فَقَالَ لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو اشتريتها ليوم الجمعة وللوفود إذا قدموا عليك فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنما يلبس هذه من لا خلاق لَهُ فِي الآخرة" فما أنكر عَلَيْهِ ذكر التجمل بِهَا وإنما أنكر عَلَيْهِ لكونها حريراً.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وَقَدْ ذكرنا عَنْ أبي العالية أنه قَالَ كان المسلمون إذا تزاوروا تجملوا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بن عبد الباقي أنبأ نا الْحَسَن بْن عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيّ نا أَبُو عُمَر بْن حياة نا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ نا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفهم ثنا مُحَمَّدُ بْن سَعْد نا إسماعيل بْن إِبْرَاهِيم الأسدي عَنِ ابْن عون عَنْ مُحَمَّد قَالَ كان المهاجرون والأنصار يلبسون لباسا مرتفعا وَقَد اشترى تميم الداري حلة بألف ولكنه كان يصلي بِهَا قال ابْن سَعْد وأَخْبَرَنَا عفان ثنا حماد بْن زيد ثنا أيوب عَنْ مُحَمَّد ابْن سيرين أن تميما الداري اشترى حلة بألف درهم وكان يقوم فيها بالليل إِلَى صلاته قَالَ وَحَدَّثَنَا عفان قَالَ حَدَّثَنَا حماد بْن سلمة عَنْ ثابت أن تميما الداري كانت لَهُ حلة قد ابتاعها بألف كان يلبسها الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر وأَخْبَرَنَا الفضل بْن دكين ثنا همام عَنْ قتادة أن ابْن سيرين أخبره أن تميما الداري اشترى رداء بألف فكان يصلي بأصحابه فيه.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه قلت: وَقَدْ كان ابْن مسعود من أجود الناس ثوبا وأطيبهم ريحا وكان الْحَسَن البصري يلبس الثياب الجياد قَالَ كلثوم بْن جوشن خرج الْحَسَن وعليه جبة يمنية ورداء يمني فنظر إليه فرقد فَقَالَ يا أستاذ لا ينبغي لمثلك أن يكون هكذا فَقَالَ الْحَسَن يا ابْن أم فرقد أما علمت أن أكثر أصحاب النار أصحاب الأكسية وكان مالك بْن أنس يلبس الثياب العدنية الجياد وكان ثوب أَحْمَد بْن حنبل يشتري بنحو الدينار وَقَدْ كانوا يؤثرون البذاذة إِلَى حد وربما لبسوا خلقان الثياب فِي بيوتهم1 فَإِذَا خرجوا تجملوا ولبسوا ما لا يشتهرون به من الدون ولا من الأعلى أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن منصور الهمداني نا أَبُو علي أَحْمَد بْن سَعْد علي العجلي ثنا أَبُو ثابت هجير بْن منصور بْن عَلِيٍّ الصوفي إجازة نا أَبُو مُحَمَّد جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الصوفي ثنا ابْنُ روزبه ثنا أَبُو سُلَيْمَان مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن إبراهيم الحراني ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْن قتيبة ثنا مُحَمَّدُ بْنُ خلف ثنا عِيسَى بْن حازم قَالَ كان لباس إِبْرَاهِيم بْن أدهم كتانا قطنا فروة لم أر عَلَيْهِ ثياب صوف ولا ثياب شهرة أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي القاسم نا حمد بْن أَحْمَدَ نا أَبُو نعيم أَحْمَد بْن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سمعت مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم يَقُول سَمِعْتُ مُحَمَّد بْن رَيَّان يَقُول رأى علي ذو النون خُفًّا أَحْمَرَ فَقَالَ انْزَعْ هَذَا يَا بُنَيَّ فَإِنَّهُ شُهْرَةٌ مَا لَبِسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا لَبِسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُفَّيْنِ أَسْوَدَيْنِ سَاذَجَيْنِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن ميمون نا عَبْدُ الكريم بْن مُحَمَّد المحاملي نا عَلِيّ بْن عُمَر الدَّارَقُطْنِيّ نا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن سالم نا أَبُو سَعِيد عَبْد اللَّهِ بْن شبيب المدني ثني الزبير عَنْ أبي عرنة الأنصاري عَنْ فليح بْن سُلَيْمَان عَنْ الربيع بْن يُونُس قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَر المنصور العري الفادح خير من الزي الفاضح.
فصل: قَالَ المصنف: واعلم أن اللباس الذي يزري بصاحبه يتضمن إظهار الزهد وإظهار الفقر وكأنه لسان شكوى من اللَّه عز وجل ويوجب احتقار اللابس وكل ذلك مكروه ومنهي عنه أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا عَلِيّ بْن الحصين بْن أيوب نا أَبُو عَلِيّ بْن شاذان ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ سُلَيْمَان النجاد ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّد القرشي ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن عُمَر القواريري ثنا هشام بْن عَبْدِ الملك ثنا شعبة عن ابن اسحاق عن الأحوص عَنْ أبيه قَالَ أتيت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا قشف الهيئة فَقَالَ: "هَلْ لَكَ مَالٌ" قُلْتُ نَعَمْ قَالَ: "مِنْ أَيِّ الْمَالِ" قُلْتُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ قَدْ آتَانِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ وَالْغَنَمِ قَالَ: "فَإِذَا آتَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَالا فَلْيُرَ عَلَيْكَ" أَخْبَرَنَا ابْن الحصين نا ابْنُ الْمُذْهِبِ نا أَحْمَد بْن جَعْفَر ثنا عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ ثني أَبِي ثنا مسكين بْن بكير ثني الأوزاعي عَنْ حسان بْن عطية عَنْ مُحَمَّد بْن المنكدر عَنْ جابر قَالَ أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَائِرًا فِي مَنْزِلِي فَرَأَى رَجُلا شَعِثًا فَقَالَ: "أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ رَأْسَهُ". ------------------------------------------ 1 كذا في النسختين ولعله الملاءة وكان لبسها من عاداتهم. ------------------------------------------ وَرَأَى رَجُلا عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ فَقَالَ: "أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يَغْسِلُ بِهِ ثِيَابَهُ" أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَك ومحمد بْن ناصر قالا نا أبو الْحُسَيْن بْن عَبْدِ الجبار نا أَبُو مُحَمَّد الْحَسَن بْن عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيّ وأبو القاسم عَلِيّ بْن المحسن التنوخي قالا نا أَبُو عُمَر مُحَمَّد بْن العباس بْن حياة ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ الأنباري ثني أبي ثنا أَبُو عِكْرِمَة الضبي ثنا مسعود بْن بِشْر عَنْ أبي عبيدة معمر بْن المثنى قَالَ مضى عَلِيّ بْن أبي طالب إِلَى الربيع بْن زِيَاد يعوده فَقَالَ لَهُ يا أمير المؤمنين أشكو إليك عاصما أخي قَالَ مَا شأنه قَالَ ترك الملاذ ولبس العباءة فغم أهله وأحزن ولده فَقَالَ علي عاصما فلما حضر بش فِي وجهه وقال أترى اللَّه أحل لك الدنيا وَهُوَ يكره أخذك منها أنت وَاللَّه أهون عَلَى اللَّه من ذلك فوالله لابتذالك نعم اللَّه بالفعال أحب إليه من ابتذالك بالمقال فَقَالَ يا أمير المؤمنين إني أراك تؤثر لبس الخشن وأكل الشعير فتنفس الصعداءثم قَالَ ويحك يا عَاصِم إن اللَّه افترض عَلَى أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بالعوام لئلا يتبع بالفقير فقره قَالَ أَبُو بَكْر الأنباري المعنى لئلا يَزِيد ويغلو يقال تبيع به الدم إذا زاد وجاوز الحد. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب العاشر: فِي ذكر تلبيسه عَلَى الصوفية من جملة الزُّهَّاد الأربعاء 19 ديسمبر 2018, 11:41 pm | |
| فصل: قال المصنف: فان قَالَ قائل تجويد اللباس هوى للنفس وَقَدْ أمرنا بمعاهدتها وتزين للخلق وَقَدْ أمرنا أن تكون أفعالنا لله لا للخلق فالجواب انه ليس كل مَا تهواه النفس يذم ولا كل التزين للناس يكره وإنما ينهي عَنْ ذلك إذا كان الشرع قد نهى عنه أَوْ كان عَلَى وجه الرياء فِي باب الدين فَإِن الإنسان يجب أن يرى جميلا وذلك حظ النفس ولا يلام فيه ولهذا يسرح شعره وينظر فِي المرآة ويسوي عمامته ويلبس بطانة الثوب الخشن إِلَى داخل وظهارته الحسنة إِلَى خارج وليس فِي شيء من هَذَا مَا يكره ولا يذم أَخْبَرَنَا الْمُبَارَك بْن عَلِيٍّ الصيرفي نا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن العلاف نا عَبْدُ الملك بْن مُحَمَّد بْن بشران نا أَحْمَد بْن إبراهيم الكندي نا مُحَمَّد بْن جَعْفَر الخرائطي ثنا بنان بْن سُلَيْمَان ثنا عبد الرحمن بن هانيء عَنْ العلاء بْن كثير عَنْ مكحول عَنْ عائشة قالت كان نفر من أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينتظرونه عَلَى الباب فخرج يريدهم وفي الدار ركوة فيها ماء فجعل ينظر فِي الماء ويسوي شعره ولحيته فقلت يا رَسُول اللَّهِ وأنت تفعل هَذَا قَالَ: "نَعَمْ، إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى إِخْوَانِهِ فليهيء مِنْ نَفْسِهِ فَإِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر أَنْبَأَنَا عَبْد المحسن بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ ثنا مسعود بْن ناصر بْن أبي زيد نا أَبُو إِسْحَاق بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ نا أَبُو القاسم عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ الفقيه نا الْحَسَن بْن سفيان ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ العرزمي عَنْ أبيه عَنْ أم كلثوم عَنْ عائشة قالت خرج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمر بركوة لنا فيها ماء فنظر إِلَى ظله فيها ثم سوى لحيته ورأسه ثم مضى فلما رجع قلت يا رَسُول اللَّهِ تفعل هَذَا قَالَ: "وَأَيَّ شَيْءٍ فَعَلْتُ؟ نَظَرْتُ فِي ظِلِّ الْمَاءِ فَهَيَّأْتُ مِنْ لِحْيَتِي وَرَأْسِي إِنَّهُ لا بَأْسَ أَنْ يَفْعَلَهُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ إِذَا خَرَجَ إِلَى إِخْوَانِهِ أَنْ يهيىء مِنْ نَفْسِهِ".
قال المصنف رحمه اللَّه: فَإِن قيل فما وجه مَا رويتم عَنْ سري السقطي أنه قَالَ لو أحسست بإنسان يدخل علي فقلت كذا بلحيتي وأمر يده عَلَى لحيته كأنه يريد أن يسويها من أجل دخول الداخل عَلَيْهِ لخشيت أن يعذبني اللَّه عَلَى ذلك بالنار فالجواب إن هَذَا محمول مِنْهُ عَلَى انه كان يقصد بذلك الرياء فِي باب الدين من إظهار التخشع وغيره فأما إذا قصد تحسين صورته لئلا يرى مِنْهُ مَا لا يستحسن فَإِن ذلك غير مذموم فمن اعتقده مذموما فما عرف الرياء ولا فهم المذموم أَخْبَرَنَا سَعْد الخير بْن مُحَمَّد الأنصاري نا عَلِيّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّد النيسابوري نا أَبُو الْحُسَيْن عَبْد الغافر بْن مُحَمَّد الْفَارِسِيّ نا مُحَمَّد بْن عِيسَى بْن عمرويه ثنا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن سفيان ثنا مسلم بْن الحجاج ثنا مُحَمَّدُ بْنُ المثنى ثني يَحْيَى بْن حماد قَالَ أَخْبَرَنَا شعبة عَنْ أبان بْن تغلب عَنْ فضيل الفقيمي عَنْ إِبْرَاهِيم النخعي عَنْ علقمة عَنِ ابْنِ مسعود عَنِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ" فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ أَحَدَنَا يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ" انفرد به مسلم ومعناه الكبر كبر من بطر الحق وغمط بمعنى ازدرى واحتقر.
فصل: وقال المصنف رحمه اللَّه: وَقَدْ كان فِي الصوفية من يلبس الثياب المرتفعة أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا أَبُو طاهر مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْن أبي الصقر نا عَلِيّ بْن الْحَسَنِ بْن جحاف قَالَ أبو عَبْد اللَّهِ أحمد بْن عطاء كان أَبُو العباس بْن عطاء يلبس المرتفع من البز كالديبقي ويسبح بسبح الؤلؤ ويؤثر مَا طال من الثياب.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت وهذا فِي الشهرة كالمرقعات وإنما ينبغي أن تكون ثياب أهل الخير وسطا فانظر إِلَى الشَّيْطَان كيف يتلاعب بهؤلاء بين طرفي نقيض.
فصل: قال المصنف رحمه اللَّه: وَقَدْ كان فِي الصوفية من إذا لبس ثوبا خرق بعضه وربما أفسد الثوب الرفيع القدر أَخْبَرَنَا أَبُو منصور عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد القزاز نا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن ثابت نا الْحَسَن بْن غالب المقري قَالَ سمعت عِيسَى بْن عَلِيٍّ الوزير يَقُول كان ابْن مجاهد يوما عند أبي فَقِيلَ لَهُ الشبلي فَقَالَ يدخل فَقَالَ ابْن مجاهد سأسكته الساعة بين يديك وكان من عادة الشبلي إذا لبس شيئا خرق فيه موضعا فلما جلس قَالَ لَهُ ابْن مجاهد يا أبا بكر أين فِي العلم فساد مَا ينتفع به فقال له الشبلي اين فِي العلم {فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} قَالَ فسكت ابْن مجاهد فَقَالَ لَهُ أبي أردت أن تسكته فأسكتك ثم قَالَ لَهُ قد أجمع الناس إنك مقرىء الوقت فأين فِي القرآن إن الحبيب لا يعذب حبيبه قَالَ فسكت ابْن مجاهد فَقَالَ لَهُ أبي قل يا أبا بَكْر فَقَالَ قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} فَقَالَ ابْن مجاهد كأنني مَا سمعتها قط.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت هذه الحكاية أنا مرتاب بصحتها لأن الْحَسَن بْن غالب كان لا يوثق به أَخْبَرَنَا القزاز نا أَبُو بَكْر الخطيب قَالَ ادعى الْحَسَن بْن غالب أشياء تبين لنا فيها كذبه واختلاقه فَإِن كانت صحيحة فقد أبانت عَنْ قلة فهم الشبلي حين احتج بهذه الآية وقلة فهم ابْن مجاهد حين سكت عَنْ جوابه وذلك أن قوله: {فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} لأنه لا يجوز أن ينسب إِلَى نبي معصوم أنه فعل فساد والمفسرون قد اختلفوا فِي معنى الآية فمنهم من قَالَ مسح عَلَى أعناقها وسوقها وقال أنت فِي سبيل اللَّه فهذا إصلاح ومنهم من قَالَ عقرها وذبح الخيل وأكل لحمها جائز فما فعل شيئا فيه جناح فأما إفساد ثوب صَحِيح لا لغرض صَحِيح فإنه لا يجوز ومن الجائز أن يكون فِي شريعة سُلَيْمَان جواز مَا فعل ولا يكون فِي شرعنا أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر الْحَافِظ أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْن أبي الصقر ثنا عَلِيّ بْن الْحَسَنِ بْن جحاف الدمشقي قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ أحمد بْن عطاء كان مذهب أبي علي الروزباري تخريق أكمامه وتفتيق قميصه قَالَ فكان يخرق الثوب المثمن فيرتدي بنصفه ويأتزر بنصفه حتى أنه دخل الحمام يوما وعليه ثوب ولم يكن مَعَ أصحابه مَا يتأزرون به فقطعه عَلَى عددهم فاتزروا به وتقدم إليهم أن يدفعوا الخرق إذا خرجوا للحمامي قال ابْن عطاء قَالَ لي أَبُو سَعِيد الكازروني كنت معه فِي هَذَا الْيَوْم وكان الرداء الذي قطعه يقوم بنحو ثلاثين دينارا.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: ونظير هَذَا التفريط ما أَنْبَأَنَا به زاهر بْن طاهر قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْر البيهقي نا أَبُو عَبْد اللَّهِ الحاكم قَالَ سمعت عَبْد اللَّهِ بْن يوسف يَقُول سمعت أبا الْحَسَن البوشنجي يَقُول كانت لي قبجة1 طلبت بمائة درهم فحظرني ليلة غريبان فقلت للوالدة عندك شيء لضيفي قالت لا إلا الخبز فذبحت القبجة وقدمتها إليهما. ------------------------------------------ 1 القبجة واحد القبج للذكر والأنثى وهو الحجل طائر معروف. ------------------------------------------ قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قد كان يمكنه أن يستقرض ثم يبيعها ويعطي فلقد فرط أخبرنا مُحَمَّد بْن عَبْدِ الباقي بْن أَحْمَدَ قَالَ أَنْبَأَنَا رزق اللَّه بْن عَبْدِ الْوَهَّاب قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي قَالَ سمعت جدي يَقُول دخل أَبُو الْحَسَنِ الدراج البغدادي الري وكان يحتاج إِلَى لفاف لرجله فدفع إليه رجل منديلا ديبقيا فشقه نصفين وتلفف به فَقِيلَ لَهُ لو بعته واشتريت مِنْهُ لفافا وأنفقت الباقي فَقَالَ رحمه اللَّه أنا لا أخون المذهب.
قَالَ المصنف: وَقَدْ كان أحمد الغزالي ببغداد فخرج إِلَى المحول فوقف عَلَى ناعورة تأن فرمي طيلسانه عليها فدارت فتقطع الطيلسان قَالَ المصنف رحمه اللَّه قلت فانظر إِلَى هَذَا الجهل والتفريط والبعد من العلم فإنه قد صح عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى عَنْ إضاعة المال ولو أن رجلا قطع دينارا صحيحا وأنفقه كان عند الفقهاء مفرطا فكيف بهذا التبذير المحرم ونظير هَذَا تمزيقهم الثياب المطروحة عند الوجد عَلَى مَا سيأتي ذكره إن شاء اللَّه ثم يدعون أن هذه الحالة لا خير فِي حالة تنافي الشرع أفتراهم عُبَيْد نفوسهم أم أمروا أن يعملوا بآرائهم فَإِن كانوا عرفوا أنهم يخالفون الشرع بفعلهم هَذَا ثم فعلوه أنه لعناد وإن كانوا لا يعرفوا فلعمري إِنَّهُ لجهل شديد أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي القاسم نا حمد بْن أَحْمَدَ نا أَبُو نعيم أَحْمَد بْن عَبْدِ ربه الْحَافِظ قَالَ سمعت مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول سمعت عَبْد اللَّهِ الرازي يَقُول لما تغير الحال عَلَى أبي عثمان وقت وفاته مزق ابنه أَبُو بَكْر قميصا كان عَلَيْهِ ففتح أَبُو عثمان عينه وقال يا بني خلاف السنة فِي الظاهر ورياء باطن في القلب.
فصل: قال المصنف: وفي الصوفية من يبالغ فِي تقصير ثوبه وذلك شهرة أيضا أَخْبَرَنَا ابْن الحصين نا ابْن المذهب ثنا أَحْمَد بْن جَعْفَر ثنا عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ ثني أَبِي ثنا مُحَمَّد بْن أبي عدي عَنِ العلاء عَنْ أبيه أنه سمع أبا سعيد سئلى عَنِ الإزار فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: "إِزَارُ الْمُسْلِمِ إِلَى أَنْصَافِ السَّاقَيْنِ لا جُنَاحَ أَوْ لا حَرَجَ عَلَيْهِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ النَّارُ" أَخْبَرَنَا المحمدان بْن ناصر وابن عَبْد الباقي قالا نا حمد بْن أَحْمَدَ نا أَبُو نعيم أَحْمَد بْن عَبْدِ اللَّهِ ثنا أَبُو حامد بْن جبلة ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسحاق ثنا إبراهيم بن بْن سَعِيد الْجَوْهَرِيّ قَالَ كتب إلي عَبْد الرزاق عَنْ معمر قَالَ كان فِي قميص أيوب بعض التذبيل فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ الشهرة اليوم في التشمير وقد روى إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بن هانيء قَالَ دخلت يوما عَلَى أبي عَبْد اللَّهِ أحمد بْن حنبل وعلي قميص أسفل من الركبة وفوق الساق فَقَالَ أي شيء هَذَا وأنكره وقال هَذَا بالمرة لا ينبغي.
فصل: قال المصنف: وَقَدْ كان فِي الصوفية من يجعل عَلَى رأسه خرقة مكان العمامة وهذا أيضا شهرة لأنه عَلَى خلاف لباس أهل البلد وكل مَا فيه شهرة فهو مكروه أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن ثابت بْن بندار نا أبي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ نا أَحْمَد بْن منصور البوسري ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مخلد ثني مُحَمَّد بْن يوسف قَالَ قَالَ عَبَّاس بْن عَبْدِ العظيم العنبري قَالَ بِشْر بْن الحارث إن ابْن الْمُبَارَك دخل المسجد يوم جمعة وعليه قلنسوة فنظر الناس ليس عليهم قلانس فأخذها فوضعها في كمه.
فصل: قال المصنف: وَقَدْ كان فِي الصوفية من استكثر من الثياب وسوسة فيجعل للخلاء ثوبا وللصلاة ثوبا وَقَدْ روى هَذَا عَنْ جماعة منهم أَبُو يَزِيد وهذا لا بأس به إلا أنه ينبغي خشية أَوْ يتخذ سنة أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي القاسم نا حمد بْن أَحْمَدَ نا أَبُو نعيم أَحْمَد بْن عَبْدِ اللَّهِ ثنا أَبُو حامد أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ الْوَهَّاب ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ النيسابوري ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصباح ثنا حاتم يعني ابْن إسماعيل ثني جَعْفَر عَنْ أبيه أن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن قَالَ: يا بني لو اتخذت ثوبا للغائط رأيت الذباب يقع عَلَى الشيء ثم يقع عَلَى الثوب ثم أتيته فَقَالَ: مَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا لأصحابه الا ثوب فرفض.
فصل قال المصنف: وَقَدْ كان فيهم من لا يكون لَهُ سوى ثوب واحد زاهدا فِي الدنيا وهذا أحسن إلا أنه إذا أمكن اتخاذ ثوب للجمعة والعيد كان أصلح وأحسن أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّل بْن عِيسَى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن المظفر نا عَبْدُ اللَّهِ بْن أَحْمَدَ بْن حياة نا إبراهيم بْن حريم بْن حميد ثني ابْن أبي شيبة ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَر عَنْ عَبْدِ الحميد بْن جَعْفَر عَنْ مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن حبان عَنْ يوسف بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سلام عَنْ أبيه قَالَ خطبنا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يوم جمعة فَقَالَ: "مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوِ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ جُمُعَةٍ سِوَى ثَوْبِ مِهْنَتِهِ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْدِ الباقي نا مُحَمَّد الْجَوْهَرِيّ نا أَبُو عُمَر بْن حياة نا أَحْمَد بْن معروف الحساب نا الحارث بْن أبي أسامة ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن بْن أبي الزناد عَنْ عَبْد المجيد بْن سهيل عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هريرة قَالَ مُحَمَّد بْن عُمَر وحدثني غير مُحَمَّد بْن عَبْدِ الرَّحْمَن أيضا ببعض ذلك قالوا كان لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برد يمينه وَإِزَارٌ مِنْ نَسْجِ عُمَانَ فَكَانَ يُلْبِسُهُمَا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَيَوْمِ الْعِيدِ ثُمَّ يَطْوِيَانِ. ------------------------------------------ 1 في الأصل وملابسهم وهو تحريف من الناسخ. ------------------------------------------ ذكر تلبيس إبليس عَلَى الصوفية فِي مطاعمهم ومشاربهم1 قال المصنف رحمه اللَّه: قد بالغ إبليس فِي تلبيسه عَلَى قدماء الصوفية فأمرهم بتقليل المطعم وخشونته ومنعهم شرب الماء البارد فلما بلغ إِلَى المتأخرين استراح من التعب واشتغل بالتعجب من كثرة أكلهم ورفاهية عيشهم.
ذكر طرف مما فعله قدماؤهم قال المصنف رحمه اللَّه: كان فِي القوم من يبقى الأيام لا يأكل إلا أن تضعف قوته وفيهم من يتناول كل يوم الشيء اليسير الذي لا يقيم البدن فروي لنا عَنْ سَهْل بْن عَبْدِ اللَّهِ أنه كان فِي بدايته يشتري بدرهم دبسا وبدرهمين سمنا وبدرهم دقيق الأرز فيخلطه ويجعله ثلاثمائة وستين كرة فيفطر كل ليلة عَلَى واحدة وحكى عنه أَبُو حامد الطوسي قَالَ كان سَهْل يقتات ورق النبق مدة وأكل دقاق التبين مدة ثلاث سنين واقتات بثلاث دراهم فِي ثلاث سنين أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حبيب العامري نا أَبُو سَعْد بْن أبي صَادِق نا أَبُو باكويه ثني أَبُو الفرج بْن حمزة التكريتي ثني أَبُو عَبْد اللَّهِ الحصري قَالَ سمعت أبا جعفر الحداد يَقُول أشرف علي أَبُو تراب يوما وأنا عَلَى بكرة ماء ولي ستة عشر يوما ولم آكل شيئا ولم أشرب فيها ماء فَقَالَ مَا جلوسك ههنا فقلت أنا بين العلم واليقين وأنا أنظر من يغلب فأكون معه فَقَالَ سيكون لك شأن أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر ابْن حبيب نا ابْن أبي صَادِق ثنا ابْنُ باكويه نا عَبْدُ الْعَزِيز بْن الفضل ثنا عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ العمري ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فليح ثني إِبْرَاهِيم بْن البنا البغدادي قَالَ صحبت ذا النون من أخميم إِلَى الإسكندرية فلما كان وقت إفطاره أخرجت قرصا وملحا كان معي وقلت هلم فَقَالَ لي ملحك مدقوق قلت نعم قَالَ لست تفلح فنظرت إِلَى مزوده فَإِذَا فيه قليل سويق شعير يستف مِنْهُ أَخْبَرَنَا ابْن ظفر نا ابْن السراج نا عَبْدُ العزيز ابن علي الأزجي نا ابْنُ جهضم ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْن هارون الدقاق ثنا أَحْمَد بْن أنس بْن أبي الحواري سمعت أبا سُلَيْمَان يَقُول الزبد بالعسل إسراف قال ابْن جهضم وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يوسف البصري قَالَ سمعت أبا سَعِيد صاحب سَهْل يَقُول بلغ أبا عَبْد اللَّهِ الزبيري وزكريا الساجي وابن أبي أوفى أن سَهْل بْن عَبْدِ اللَّهِ يَقُول أَنَا حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى الْخَلْقِ فَاجْتَمَعُوا عِنْدَهُ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ الزُّبَيْرِيُّ فَقَالَ لَهُ بَلَغَنَا أَنَّكَ قُلْتَ أَنَا حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى الْخَلْقِ فَبِمَاذَا أَنَبِيٌّ أَنْتَ أَصِدِّيقٌ أَنْتَ قَالَ سَهْلٌ لَمْ أَذْهَبْ حَيْثُ تَظُنُّ وَلَكِنْ إِنَّمَا قلت هذا هذا لأخدي الْحَلالَ فَتَعَالَوْا كُلُّكُمْ حَتَّى نُصَحِّحَ الْحَلالَ قَالُوا فَأَنْتَ قَدْ صَحَحَّتَهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَكَيْفَ قَالَ سَهْلٌ قَسَمْتُ عَقْلِي وَمَعْرِفَتِي وَقُوتِي عَلَى سَبْعَةِ أَجْزَاءَ فَأَتْرُكْهُ حَتَّى يَذْهَبَ مِنْهَا سِتَّةُ أَجْزَاءٍ وَيَبْقَى جُزْءٌ وَاحِدٌ فَإِذَا خِفْتَ أَنْ يَذْهَبَ ذَلِكَ الْجُزْءُ وَيَتْلَفَ مَعَهُ نَفْسِي خِفْت أَنْ أَكُونَ قَدْ أَعَنْتُ عَلَيْهَا وَقَتَلْتُهَا دَفَعْتُ إِلَيْهَا مِنَ الْبُلْغَةِ مَا يَرُدُّ السِّتَّةَ الأَجْزَاءَ.
أَخْبَرَنَا ابْن حبيب نا ابْن أبي صَادِق نا ابْنُ باكويه قَالَ أخبرني أَبُو عَبْد اللَّهِ ابن مفلح قال خبرني أبي أخبرني أَبُو عَبْد اللَّهِ بْن زيد1 قَالَ لي منذ أربعين سنة مَا أطعمت نفسي طعاما إلا فِي وقت مَا أحل اللَّه لها الميتة أَخْبَرَنَا ابْن ناصر نا أَبُو الفضل مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أحمد السهلكي ثنى أَبُو الْحَسَنِ عَلِيّ بْن مُحَمَّد القوهي ثنا عِيسَى بْن آدم ابْن أخي أبي يَزِيد قَالَ جاء رجل إِلَى أبي يَزِيد قَالَ أريد أن أجلس فِي مسجدك الذي أنت فيه قَالَ لا تطيق ذلك فَقَالَ إن رأيت أن توسع لي فِي ذلك فأذن لَهُ فجلس يوما لا يطعم فصبر فلما كان فِي الْيَوْم الثاني قَالَ لَهُ يا أستاذ لا بد مما لا بد مِنْهُ فَقَالَ يا غلام لا بد من اللَّه قَالَ يا أستاذ نريد القوت قَالَ يا غلام القوت عندنا إطاعة اللَّه فَقَالَ يا أستاذ أريد شيئا يقيم جسدي فِي طاعته عز وجل فَقَالَ يا غلام إن الأجسام لا تقوم إلا بالله عز وجل.
أَخْبَرَنَا المحمدان بْن ناصر وابن عَبْد الباقي قالا نا حمد بْن أَحْمَدَ نا أَبُو نعيم الْحَافِظ قَالَ سمعت مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول سمعت مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شاذان يَقُول سمعت أبا عثمان الآدمي يَقُول سمعت إبراهيم الخواص يَقُول حَدَّثَنِي أخ لي كان يصحب أبا تراب نظر إِلَى صوفي مد يده إِلَى قشر البطيخ وكان قد طوى ثَلاثَة أيام فَقَالَ لَهُ تمد يدك إِلَى قشر البطيخ أنت لا يصلح لك التصوف الزم السوق أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي القاسم أَنْبَأَنَا رزق اللَّه بْن عَبْدِ الْوَهَّاب نا أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي قَالَ سمعت أبا القاسم القيرواني يَقُول سمعت بعض أصحابنا يَقُول أقام أَبُو الْحَسَنِ النصيبي بالحرم أياما مَعَ أصحاب لهم سبعة لم يأكلوا فخرج بعض أصحابه ليتطهر فرأى قشر بطيخ فأخذه فأكله فرآه انسان فاتبعه بشيء وجاء برفق فوضعه بين يدي القوم فَقَالَ الشيخ من جنى مِنْكُمْ هذه الجناية فَقَالَ الرَّجُل أنا وجدت قشر بطيخ فأكلته فَقَالَ كن مَعَ جنايتك ومع هَذَا الرفق وخرج من الحرم ومعه أصحابه وتبعه الرَّجُل فَقَالَ ألم أقل لك كن مَعَ جنايتك فَقَالَ الرَّجُل أنا تائب إِلَى اللَّه تعالى مما جرى مني فَقَالَ الشيخ لا كلام بعد التوبة. ------------------------------------------ 1 في النسخة الثانية ابن وتد. ------------------------------------------ أَخْبَرَنَا عُمَر بْن ظفر نا ابْن السراج نا أَبُو القاسم الأزجي نا أَبُو الْحَسَنِ بْن جهضم ثنا إبراهيم بْن مُحَمَّد الشنوزي قَالَ سمعت بنان بْن مُحَمَّدٍ يَقُول كنت بمكة مجاورا فرأيت بِهَا إبراهيم الخواص وأتى علي أيام لم يفتح علي بشيء وكان بمكة مزين يحب الفقراء وكان من أخلاقه إذا جاءه الفقير يحتجم اشترى لَهُ لحما فطبخه فأطعمه فقصدته وقلت أريد أن أحتجم فأرسل من يشتري لحما وأمر بأصلاحه وجلست بين يديه فجعلت نفسي تقول ترى يكون فراغ القدر مَعَ فراغ الحجامة؟ ثم استيقظت وقلت يا نفس إنما جئت تحتجمين لتطمعي عاهدت اللَّه تعالى ألا ذقت من طعامه شيئا فلما فرغ انصرفت فَقَالَ سبحان اللَّه أنت تعرف الشرط فقلت ثم عقد فسكت وجئت إِلَى المسجد الحرام ولم يقدر لي شيء آكله فلما كان من الغد بقيت إِلَى آخر النهار ولم يتفق أيضا فلما قمت لصلاة العصر سقطت وغشي علي واجتمع حولي ناس وحسبوا أني مجنون فقام إبراهيم وفرق الناس وجلس عندي يحدثني ثم قَالَ تأكل شيئا قلت قرب الليل فَقَالَ أحسنتم يا مبتدئون اثبتوا عَلَى هَذَا تفلحوا ثم قَامَ فلما صلينا العشاء الآخرة إذا هو قد جاءني ومعه قصعة فيها عدس ورغيفان ودورق ماء فوضعه بين يدي وقال كل ذلك فأكلت الرغيفين والعدس فَقَالَ فيك فضل تأكل شيئا آخر قلت نعم فمضى وجاء بقصعة عدس ورغيفين فأكلتهما وقلت قد اكتفيت فاضطجعت فما قمت ليلتي ونمت إِلَى الصباح مَا صليت ولا طفت.
أنبأنا أَبُو المظفر عَبْد المنعم بْن عَبْدِ الكريم ثنا أبي قَالَ سمعت مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ الصوفي يَقُول سمعت منصور بْن عَبْدِ اللَّهِ الأصفهاني يَقُول سمعت أبا علي الروزباري يَقُول إذا قَالَ الصوفي بعد خمسة أيام أنا جائع فألزموه السوق وأمروه بالكسب أنبأنا عَبْد المنعم ثنا أبي قَالَ سمعت ابْن باكويه يَقُول سمعت أبا أحمد الصغير يَقُول أمرني أَبُو عَبْد اللَّهِ بْن خفيف أن أقدم إليه كل ليلة عشر حبات زبيب لإفطاره فأشفقت عَلَيْهِ ليلة فحملت إليه خمسة عشر حبة فنظر إلي وقال من أمرك بهذا وأكل عشر حبات وترك الباقي؟
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حبيب نا عَلِيّ بْن أبي صَادِق نا ابْنُ باكويه قَالَ سمعت عَبْد اللَّهِ بْن خفيف يَقُول كنت فِي ابتدائي بقيت أربعين شهرا أفطر كل ليلة بكف باقلاء فمضيت يوما فاقتصدت فخرج من عرقي شبه ماء اللحم وغشي علي فتحير الفصاد وقال مَا رأيت جسدا لأدم فيه إلا هذا.
فصل: قال المصنف: وَقَدْ كان فيهم قوم لا يأكلون اللحم حتى قَالَ بعضهم أكل درهم من اللحم يقسي القلب أربعين صباحا وكان فيهم من يمتنع من الطيبات كلها ويحتج بما أَخْبَرَنَا به عَلِيّ بْن عَبْدِ الْوَاحِد الدينوري نا أَبُو الْحَسَنِ القزويني نا أَبُو حفص بْن الزيات ثنا ابْنُ ماجه ثنا أزهر بْن جميل ثنا بزيغ عَنْ هشام عَنْ أبيه عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "احْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ طَيِّبَ الطَّعَامِ فَإِنَّمَا قَوِيَ الشَّيْطَانُ أَنْ يَجْرِيَ فِي الْعُرُوقِ بِهَا" وفيهم من كان يمتنع من شرب الماء الصافي وفيهم من يمتنع من شرب الماء البارد فيشرب الحار ومنهم من كان يجعل ماءه فِي دن مدفون فِي الأَرْض فيصير حارا ومنهم من يعاقب نفسه بترك الماء مدة وأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر أَنْبَأَنَا أَبُو الفضل مُحَمَّد بْن عَلِيٍّ السهلكي قَالَ سمعت عَبْد الْوَاحِد بْن بَكْر الورياني ثني مُحَمَّد بْن سعدان ثني عِيسَى بْن مُوسَى البسطامي قَالَ سمعت أبي يَقُول قَالَ سمعت عمي خادم أبي يَزِيد يَقُول مَا أكلت شيئا مما يأكله بنو آدم أربعين سنة قَالَ وأسهل مَا لاقت نفسي مني أني سألتها أمرا من الأمور فأبت فعزمت أن لا أشرب الماء سنة فما شربت الماء سنة وحكى أَبُو حامد الغزالي عَنْ أبي يَزِيد أنه قَالَ دعوت نفسي إِلَى اللَّه عز وجل فجمحت فعزمت عليها أن لا أشرب الماء سنة ولا أذوق النوم سنة فوفت لي بذلك.
فصل: قال المصنف: وَقَدْ رتب أَبُو طالب المكي للقوم ترتيبات فِي المطاعم فَقَالَ استحب للمريد ألا يَزِيد عَلَى رغيفين فِي يوم وليلة قَالَ ومن الناس من كان يعمل فِي الأقوات فيقلها وكان بعضهم يزن قوته بكربة من كرب النخل وهي تجف كل يوم قليلا فينقص من قوته بمقدار ذلك قَالَ ومنهم من كان يعمل فِي الأوقات فيأكل كل يوم ثم يتدرج إِلَى يومين وثلاثة قَالَ والجوع ينقص دم الفؤاد فيبيضه وفي بياضه نوره ويذيب شحم الفؤاد وفي ذوبانه رقته وفي رقته مفتاح المكاشفة.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه تعالى: وَقَدْ صنف لهم أَبُو عَبْد اللَّهِ محمد بن علي الترمذي كتاباسماه رياضة النفوس قَالَ فيه فينبغي للمبتدىء فِي هَذَا الأمر أن يصوم شهرين متتابعين توبة من اللَّه ثم يفطر فيطعم اليسير ويأكل كسرة كسرة ويقطع الأدام والفواكه واللذة ومجالسة الإخوان والنظر فِي الكتب وهذه كلها أفراح للنفس فيمنع النفس لذتها حتى تملىء غما.
قَالَ المصنف وَقَدْ أخرج لهم بعض المتأخرين الأربعينية يبقى أحدهم أربعين يوما لا يأكل الخبز ولكنه يشرب الزيوتات ويأكل الفواكه الكثيرة اللذيذة فهذه نبذة من ذكر أفعالهم فِي مطاعمهم يدل مذكورها عَلَى مغفلها.
فصل: في بيان تلبيس إبليس عليهم فِي هذه الأفعال وإيضاح الخطأ فيها.
قال المصنف رحمه اللَّه: أما مَا نقل عَنْ سَهْل ففعل لا يجوز لأنه حمل عَلَى النفس مَا لا تطيق ثم إن اللَّه عز وجل أكرم الآدميين بالحنطة وجعل قشورها لبهائمهم فلا تصلح مزاحمة البهائم فِي أكل التبن وأي غذاء فِي التبن ومثل هذه الأشياء أشهر من أن تحتاج إِلَى رد وَقَدْ حكى أَبُو حامد عَنْ سَهْل أنه كان يرى أن صلاة الجائع الذي قد أضعفه الجوع قاعدا أفضل من صلاته قائما إذا قواه الأكل.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وهذا خطأ بل إذا تقوى عَلَى القيام كان أكله عبادة لأنه يعين عَلَى العبادة وإذا تجوع إِلَى أن يصلي قاعدا فقد تسبب إِلَى ترك الفرائض فلم يجز لَهُ ولو كان التناول ميتة مَا جاز هَذَا فكيف وَهُوَ حلال ثم أي قربة فِي هَذَا الجوع المعطل أدوات العبادة وأما قول الحداد وأنا أنظر أن يغلب العلم أم اليقين فإنه جهل محض لأنه ليس بين العلم واليقين تضاد إنما اليقين أعلى مراتب العلم وأين من العلم واليقين ترك مَا تحتاج إليه النفس من المطعم والمشرب وإنما أشار بالعلم إِلَى مَا أمره الشرع وأشار باليقين إِلَى قوة الصبر وهذا تخليط قبيح وهؤلاء قوم شددوا فيما ابتدعوا وكانوا كقريش فِي تشددهم حتى سموا بالحمس فجحدوا الأصل وشددوا فِي الفرع وقول الآخر ملحك مدقوق لست تفلح من أقبح الأشياء وَكَيْفَ يقال عمن استعمل مَا أبيح لَهُ لست تفلح وأما سويق الشعير فإنه يورث القولنج وقول الآخر الزبد بالعسل إسراف قول مرذول لأن الإسراف ممنوع مِنْهُ شرعا وهذا مأذون فيه وَقَدْ صح عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يأكل القثاء بالرطب وكان يحب الحلوى والعسل وأما مَا روينا عَنْ سَهْل أنه قَالَ قسمت قوتي وعقلي سبعة أجزاء ففعل يذم به ولا يمدح عَلَيْهِ إذ لم يأمر الشرع بمثله وَهُوَ إِلَى التحريم أقرب لأنه ظلم للنفس وترك لحقها وكذلك قول الذي قَالَ مَا أكلت إِلَى وقت أن يباح لي أكل الميتة فإنه فعل برأيه المرذول وحمل عَلَى النفس مَعَ وجود الحلال وقول أبي يَزِيد القوت عندنا اللَّه كلام ركيك فَإِن البدن قد بني عَلَى الحاجة إِلَى الطعام حتى إن أهل النار فِي النار يحتاجون إِلَى الطعام وأما التقبيح عَلَى من أخذ قشر البطيخ بعد الجوع الطويل فلا وجه لَهُ والذي طوى ثلاثا لم يسلم من لوم الشرع وكذلك الذي عاهد أن لا يأكل حين احتجم حتى وقع فِي الضعف فإنه فعل مَا لا يحل لَهُ وقول إِبْرَاهِيم لَهُ أحسنتم يا مبتدئون خطأ أيضا فإنه كان ينبغي أن يلزمه بالفطر ولو كان فِي رمضان إذ من لَهُ أيام لم يأكل وَقَد احتجم وغشي عَلَيْهِ لا يجوز لَهُ أن يصوم.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز نا أَبُو بَكْرِ بْنُ ثابت ثني الأزهري ثنا عَلِيّ بْن عُمَر ثنا أَبُو حامد الحضرمي ثنا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن يُونُس السواح ثنا بقية بْن الوليد عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ نافع عَنِ ابْنِ عُمَر قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَصَابَهُ جُهْدٌ فِي رَمَضَانَ فَلَمْ يُفْطِرْ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب العاشر: فِي ذكر تلبيسه عَلَى الصوفية من جملة الزُّهَّاد الأربعاء 19 ديسمبر 2018, 11:49 pm | |
| قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت كل رجاله ثقات وَقَدْ أَخْبَرَنَا به عاليا محمد ابن عَبْد الباقي نا أَبُو يَعْلَى مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن نا عَلِيّ بْن عُمَر السكري ثنا أحمد بْن مُحَمَّد الأسدي ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن يُونُس فذكره وقال مَنْ أَصَابَهُ جُهْدٌ فِي رَمَضَانَ فلم يفطر دخل النار.
قال المصنف رحمه اللَّه: وأما تقليل ابْن خفيف ففعل قبيح لا يستحسن وما يورد هَذَا الأخبار عنهم إيرادا مستحسنا لها إلا جاهل بأصول الشرع فأما العالم المتمكن فإنه لا يهوله قول معظم كيف بفعل جاهل مبرسم وأما كونهم لا يأكلون اللحم فهذا مذهب البراهمة الذين لا يرون ذبح الحيوان وَاللَّه عز وجل أعلم بمصالح الأبدان فأباح اللحم لتقويتها فأكل اللحم يقوي القوة وتركه يضعفها ويسيء الخلق وَقَدْ كان رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل اللحم ويحب الذارع من الشاة ودخليوما فقدم إليه طعام من طعام البيت فَقَالَ لم أر لكم برمة تفور وكان الْحَسَن البصري يشتري كل يوم لحما وعلى هَذَا كان السلف إلا أن يكون فيهم فقير فيبعد عهده باللحم لأجل الفقر وأما من منع نفسه الشهوات فَإِن هَذَا عَلَى الإطلاق لا يصلح لأن اللَّه عز وجل لما خلق بني آدم عَلَى الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة وجعل صحته موقوفة عَلَى تعادل الأخلاط الدم والبلغم والمرة الصفراء والمرة السوداء فتارة يَزِيد بعض الأخلاط فتميل الطبيعة إِلَى مَا ينقصه مثل أن تزيد الصفراء فيميل الطبع إِلَى الحموضة أَوْ ينقص البلغم فتميل النفس إِلَى المرطبات فقد ركب فِي الطبع الميل إِلَى مَا تميل إليه النفس وتوافقه فَإِذَا مالت النفس إِلَى مَا يصلحها فمنعت فقد قوبلت حكمة الباري سبحانه وتعالى يردها ثم يؤثر ذلك فِي البدن فكان هَذَا الفعل مخالفا للشرع والعقل ومعلوم أن البدن مطية الآدمي ومتى لم يرفق بالمطية لم تبلغ وإنما قلت علوم هؤلاء فتكلموا بآرائهم الفاسدة فَإِن أسندوا فإلى حديث ضعيف أَوْ موضوع أَوْ يكون فهمهم مِنْهُ رديئا ولقد عجبت لأبي حامد الغزالي الفقيه كيف نزل مَعَ القوم من رتبة الفقه إِلَى مذاهبهم حتى إِنَّهُ قَالَ لا ينبغي للمريد إذا تاقت نفسه إِلَى الجماع أن يأكل ويجامع فيعطي نفسه شهوتين فتقوى عَلَيْهِ.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه وهذا قبيح فِي الغاية فَإِن الإدام شهوة فوق الطعام فينبغي أن لا يأكل إداما والماء شهوة أخرى أَوْ ليس فِي الصحيح أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف عَلَى نسائه بغسل واحد فهلا اقتصر عَلَى شهوة واحدة أَوْ ليس فِي الصحيحين أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأكل القثاء بالرطب وهاتان شهوتان أَوْ مَا أكل عند أبي الهيتم بْن التيهان خبزا وشواء وبسرا وشرب ماء باردا أَوْ مَا كان الثوري يأكل اللحم والعنب والفالوذج ثم يقوم فيصلي أَوْ مَا تعلف الفرس.
الشعير والتبن والقت وتطعم الناقة الخبط والحمض وهل البدن الاناقة وإنما نهى بعض القدماء عَنِ الجمع بين إدامين عَلَى الدوام لئلا يتخذ ذلك عادة فيحوج إِلَى كلفة وإنما تجتنب فضول الشهوات لئلا يكون سببا لكثرة الأكل وجلب النوم ولئلا تتعود فيقل الصبر عنها فيحتاج الانسان إِلَى تضييع العمر فِي كسبها وربما تناولها من غير وجهها وهذا طريق السلف فِي ترك فضول الشهوات والحديث الذي احتجوا به احرموا أنفسكم طيب الطعام حديث موضوع عملته يدا بزيغ الراوي وأما إذا أقتصر الإنسان عَلَى خبز الشعير والملح الجريش فإنه ينحرف مزاجه لأن خبز الشعير يابس مجفف والملح يابس قابض يضر الدماغ والبصر وتقليل المطعم يوجب تنشيف المعدة وضيقها وَقَدْ حكى يوسف الهمداني عَنْ شيخه عَبْد اللَّهِ الحوفي أنه كان يأكل خبز البلوط بغير إدام وكان أصحابه يسألونه أن يأكل شيئا من الدهن والدسومات فلا يفعل.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وهذا يورث القولنج الشديد واعلم أن المذموم من الأكل إنما هو فرط الشبع وأحسن الآداب فِي المطعم أدب الشارع صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ نا ابْنُ الْمُذْهِبِ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ حمكان ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن أَحْمَدَ ثني أبي ثنا أَبُو المغيرة ثنا سُلَيْمَان بْن سليم الكناني ثنا يَحْيَى بْن جابر الطائي قَالَ سمعت المقدام بْن معدي كرب يَقُول سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: "مَا مَلأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ حَسْبُ ابْنُ آدَمَ أُكُلاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِن كان لا بد فَثُلُثٌ طَعَامٌ وَثُلُثٌ شَرَابٌ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ".
قال المصنف رحمه اللَّه: قلت فقد أمر الشرع بما يقيم النفس حفظا لها وسعيا فِي مصلحتها ولو سمع أبقراط هذه القسمة فِي قوله ثلث وثلث وثث لدهش من هذه الحكمة لأن الطعام والشراب يربوان فِي المعدة فيتقارب ملئها فيبقى للنفس من الثلث قريب فهذا أعدل الأمور فَإِن نقص مِنْهُ قليلا لم يضر وإن زاد النقصان أضعف القوة وضيق المجاري عَلَى الطعام.
فصل: قال المصنف رحمه اللَّه: واعلم أن الصوفية إنما يأمرون بالتقلل شبانهم ومبتدئيهم ومن أضر الأشياء عَلَى الشاب الجوع فَإِن المشايخ يصبرون عَلَيْهِ والكهول أيضا فأما الشبان فلا صبر لهم عَلَى الجوع وسبب ذلك أن حرارة الشباب شديدة فلذلك يجود هضمه ويكثر تحلل بدنه فيحتاج إِلَى كثرة الطعام كَمَا يحتاج السراج الجديد إِلَى كثرة الزيت فَإِذَا صابر الشاب الجوع وتئبته فِي أول النشوء قمع نشوء نفسه فكان كمن يعرقب أصول الحيطان ثم تمتد يد المعدة لعدم الغذاء إِلَى أخذ الفضول المجتمعة فِي البدن فتغذيه بالأخلاط فيفسد الدهن والجسم وهذا أصل عظيم يحتاج إِلَى تأمل.
فصل: قال المصنف رحمه اللَّه: وذكر العلماء التقلل الذي يضعف البدن أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر الْحَافِظ نا أَبُو الْحُسَيْن بْن عَبْدِ الجبار نا عَبْدُ الْعَزِيز بْن عَلِيٍّ الأزجي نا إبراهيم بْن جَعْفَر الساجي نا أَبُو بَكْر عَبْد الْعَزِيز بْن جَعْفَر نا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن هارون الخلال نا عَبْدُ اللَّهِ بْن إبراهيم بْن يعقوب الجيلي قَالَ سمعت أبا عَبْد اللَّهِ أحمد بْن حنبل قَالَ لَهُ عقبة بْن مكرم هؤلاء الذين يأكلون قليلا ويقللون من مطعمهم فَقَالَ مَا يعجبني سمعت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مهدي يَقُول فعل قوم هَذَا فقطعهم عَنِ الفرض قَالَ الخلال وأخبرني أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صدقة ثنا اسحق بْن داود بْن صبيح قَالَ قلت لعبد الرَّحْمَن بْن مهدي يا أبا سَعِيد إن ببلدنا قوما من هؤلاء الصوفية فَقَالَ لا تقرب هؤلاء فإنا قد رأينا من هؤلاء قوما أخرجهم الأمر إِلَى الجنون وبعضهم أخرجهم إِلَى الزندقة ثم قَالَ خرج سفيان الثوري فِي سفر فشيعته وكان معه سفرة فيها فالوذج وكان فيها حمل قَالَ الخلال وأخبرني المروزي قَالَ سمعت أبا عَبْد اللَّهِ أحمد بْن حنبل وقال لَهُ رجل إني منذ خمس عشرة سنة قد ولع بي إبليس وربما وجدت وسوسة أتفكر فِي اللَّه عز وجل فَقَالَ لعلك كنت تذمن الصوم أفطر وكل دسما وجالس القصاص.
قال المصنف رحمه اللَّه: وفي هؤلاء القوم من يتناول المطاعم الرديئة ويهجر الدسم فيجتمع فِي معدته أخلاط فجة فتغذي المعدة منها مدة لأن المعدة لا بد لها من شيء تهضمه فَإِذَا هضمت مَا عندها من الطعام ولم تجد شيئا تناولت الأخلاط فهضمتها وجعلتها غذاء وذلك الغذاء الرديء يخرج إِلَى الوساوس والجنون وسوء الأخلاق وهؤلاء المتقللون يتناولون مَعَ التقلل أردأ المأكولات فتكثر أخلاطهم فتشتغل المعدة بهضم الأخلاط ويتفق لهم تعود التقلل بالتدريج فتضيق المعدة فيمكنهم الصبر عَلَى الطعام أياما ويعينهم عَلَى هَذَا قوة الشباب فيعتقدون الصبر عَنِ الطعام كرامة وإنما السبب مَعَ عرفتك وقد أَنْبَأَنَا عَبْد المنعم بْن عَبْدِ الكريم قَالَ حَدَّثَنِي أبي قَالَ كانت امرأة قد طعنت فِي السن فسئلت عَنْ حالها فقالت كنت فِي حال الشباب أجد من نفسي أحوالا أظنها قوة الحال فلما كبرت زالت عني فعلمت أن ذلك كان قوة الشباب فتوهمتها أحوالا قَالَ سَمِعْتُ أبا علي الدقاق يَقُول مَا سمع أحد هذه الحكاية من الشيوخ إلا رق لهذه العجوز وقال أنها كانت منصفة.
وقال المصنف: فَإِن قيل كيف تمنعون من التقلل وَقَدْ رويتم أن عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عنه كان يأكل كل يوم إحدى عشر لقمة وإن ابْن الزبير كان يبقى أسبوعا لا يأكل وإن إِبْرَاهِيم التميمي بقي شهرين قلنا قد يجري للانسان من هَذَا الفن فِي بعض الأوقات غير أنه لا يدوم عَلَيْهِ ولا يقصد الترقي إليه وَقَدْ كان فِي السلف من يجوع عوزا وفيهم من كان الصبر لَهُ عادة لا يضر بدنه وفي العرب من يبقى أياما لا يَزِيد عَلَى شرب اللبن ونحن لا نأمر بالشبع إنما ننهي عَنْ جوع يضعف القوة ويؤذي البدن وإذا ضعف البدن قلت العبادة فَإِن حملت البدن قوة الشباب جاء الشيب فأقذع بالراكب وقد أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر الْحَافِظ نا عَبْدُ القادر بن يوسف نا أبو إسحق البرمكي ثنا أَبُو يعقوب بْن سَعْد النسائي ثنا جدي الْحَسَن بْن سفيان ثنا حرملة بْن يَحْيَى ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن وهب ثنا سفيان بْن عيينة عَنْ مالك بْن أنس عَنْ إسحق بْن عُبَيْد اللَّه بْن أبي طلحة عَنْ أنس رَضِيَ اللَّهُ عنه قَالَ كان يَطْرَحُ لِعُمَرَ بْن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عنه الصَّاعَ مِنَ التَّمْرِ فَيَأْكُلُهُ حَتَّى حَشْفِهِ وَقَدْ روينا عَنْ إبراهيم بْن أدهم انه اشترى زبدا وعسلا وخبزا حوارى فَقِيلَ لَهُ هَذَا كله تأكله فَقَالَ إذا وجدنا أكلنا أكل الرجال واذا عدمنا صبرنا صبر الرجال.
فصل: قال المصنف رحمه اللَّه: وأما الشرب من الماء الصافي فقد تخيره رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا ابْن الْحُصَيْنِ نا ابْنُ الْمُذْهِبِ نا أحمد بْن جَعْفَر ثنا فليح بْن سُلَيْمَان عَنْ سَعِيد بْن الحارث عَنْ جابر بْن عَبْدِ اللَّهِ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى قوما من الأنصار يعود مريضا فاستسقى وجدول قريب مِنْهُ فَقَالَ إِنَّ عِنْدَكُمْ مَاءً بَاتَ فِي شَنٍّ وَإِلا كَرَعْنَا أخرجه البخاري وأَخْبَرَنَا منصور القزاز نا أَبُو بَكْرِ الخطيب نا أَبُو عُمَر بْن مَهْدِيٍّ ثنا الْحُسَيْن بْن إِسْمَاعِيلَ المحاملي ثنا مُحَمَّد بْن عمرو بْن أبي مدعور ثنا عَبْدُ الْعَزِيز بْن مُحَمَّد نا هشام بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يَسْتَقِي لَهُ الْمَاءَ الْعَذْبَ مِنْ بِئْرِ السُّقْيَا.
قال المصنف: وينبغي أن يعلم أن الماء الكدر يولد الحصا فِي الكلى والسدد فِي الكبد وأما الماء البارد فإنه إذا كانت برودته معتدلة فإنه يشد المعدة ويقوي الشهوة ويحسن اللون ويمنع عفن الدم وصعود البخارات إِلَى الدماغ ويحفظ الصحة واذا كان الماء حارا أفسد الهضم وأحدث الترهل وأذبل البدن وأدى إِلَى الاستسقاء والدق فَإِن سخن بالشمس خيف مِنْهُ البرص وَقَدْ كان بعض الزهاد يَقُول إذا أكلت الطيب وشربت الماء البارد متى تحب الموت وكذلك قَالَ أَبُو حامد الغزالي إذا أكل الانسان مَا يستلذه قسا قلبه وكره الموت واذا منع نفسه شهواتها وحرمها لذاتها اشتهت نفسه الإفلات من الدنيا بالموت.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: واعجبا كيف يصدر هَذَا الكلام من فقيه أترى لو تقلبت النفس فِي أي فن كان من التعذيب مَا أحبت الموت ثم كيف يجوز لنا تعذيبها وَقَدْ قَالَ عز وجل: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} ورضي منا بالإفطار فِي السفر رفقا بِهَا وقال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} أَوْ ليست مطيتنا التي عليها وصولنا: وكيف لا نأوي لها وهي التي ... بِهَا قطعنا السهل والحزونا
وأما معاقبة أبي يَزِيد نفسه بترك الماء سنة فإنها حالة مذمومة لا يراها مستحسنة إلا الجُهَّال ووجه ذمها أن للنفس حقا ومنع الحق مستحقه ظلم ولا يحل للإنسان أن يؤذي نفسه ولا أن يقعد فِي الشمس فِي الصيف بقدر مَا يتأذى ولا فِي الثلج فِي الشتاء والماء يحفظ الرطوبات الأصلية فِي البدن وينفذ الأغذية وقوام النفس بالأغذية فَإِذَا منعها أغذية الآدميين ومنعها الماء فقد أعان عليها وهذا من أفحش الخطأ وكذلك منعه إياها النوم قَالَ ابْن عقيل وليس للناس إقامة العقوبات ولا استيفاؤها من أنفسهم يدل عَلَيْهِ أن إقامة الإنسان الحد عَلَى نفسه لا يجزي فَإِن فعله أعاده الإمام وهذه النفوس ودائع اللَّه عز وجل حتى أن التصرف فِي الأموال لم يطلق لأربابها إلا عَلَى وجوه مخصوصة.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت وَقَدْ روينا فِي حديث الهجرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزود طعاماً وشراباً وأن أبا بَكْر فرش لَهُ فِي ظل صخرة وحلب لَهُ لبناً فِي قدح ثم صب ماء عَلَى القدح حتى برد أسفله وكل ذلك من الرفق بالنفس وأما مَا رتبه أَبُو طالب المكي فحمل عَلَى النفس بما يضعفها وإنما يمدح الجوع إذا كان بمقدار وذكر المكاشفة من الحديث الفارغ وأما مَا صنفه التِّرْمِذِيّ فكأن ابتداء شرع برأيه الفاسد وما وجه صيام شهرين متتابعين عند التوبة وما فائدة قطع الفواكه المباحة وإذا لم ينظر فِي الكتب فبأي سيرة يقتدي وأما الأربعينية فحديث فارغ رتبوه عَلَى حديث لا أصل لَهُ من أخلص لله أربعين صباحاً لم يجب الإخلاص1 أبداً فما وجه تقديره بأربعين صباحاً ثم لو قدرنا ذلك فالإخلاص عمل القلب فما بال المطعم؟. ------------------------------------------ 1 من جب الشيء إذا قطع. ------------------------------------------ ثم مَا الذي حَسَّنَ منع الفاكهة ومنع الخبز وهل هَذَا كله إلا جهل وقد أَنْبَأَنَا عَبْد المنعم بْن عَبْدِ الكريم القشيري قَالَ حَدَّثَنَا أبي قال حجج السوفية أظهر من حجج كل أحد وقواعد مذهبهم أقوى من قواعد كل مذهب لأن الناس إما أصحاب نقل وأثر وأما أرباب عقل وفكر وشيوخ هذه الطائفة ارتقوا عَنْ هذه الجملة والذي للناس غيب فلهم ظهور فهم أهل الوصال والناس أهل الاستدلال فينبغي لمريدهم أن يقطع العلائق وأولها الخروج من المال ثم الخروج من الجاه وأن لا ينام إلا غلبة وأن يقلل غذاءه بالتدريج. قَالَ المصنف رحمه اللَّه قلت من لَهُ أدنى فهم يعرف أن هَذَا الكلام تخليط فَإِن من خرج عَنِ النقل والعقل فليس بمعدود فِي الناس وليس أحد من الخلق إلا وَهُوَ مستدل وذكر الوصال حديث فارغ فنسأل اللَّه عز وجل العصمة من تخليط المريدين والأشياخ وَاللَّه الموفق.
فصل في ذكر أحاديث تبين خطأهم فِي أفعالهم أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن عَلِيٍّ المدبر نا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عَلِيٍّ الخياط ثنا الْحَسَن بْن الْحُسَيْن بْن حمكان ثنا عَبْدَان بْن يَزِيد العطار وأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي منصور أَنْبَأَنَا الْحَسَن بْن أَحْمَدَ الفقيه ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَافِظ ثنا أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن عيسى البرورجردي ثنا عمير بْن مرداس قالا حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بكير الحضرمي ثنا القاسم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْن حفص بْن عَاصِم العمري عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ عَلِيّ بْن زيد بْن جدعان عَنْ سَعِيد بْن المسيب قَالَ جاء عثمان بْن مظعون إِلَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يا رَسُول اللَّهِ غلبني حديث النفس فلم أحب أن أحدث شيئا حتى أذكر لك ذلك فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَمَا تُحَدِّثُكَ نَفْسُكَ يَا عُثْمَانُ" قَالَ تُحَدِّثُنِي نَفْسِي بِأَنْ أَخْتَصِي فَقَالَ: "مَهْلا يَا عُثْمَانُ فَإِنَّ خَصْيَ أُمَّتِي الصِّيَامُ" قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ نَفْسِي تُحَدِّثُنِي أَنْ أَتَرَهَّبَ فِي الْجِبَالِ قَالَ: "مَهْلا يَا عُثْمَانُ فَإِن تَرَهُّبَ أُمَّتِي الْجُلُوسُ فِي الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ" قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ نَفْسِي تُحَدِّثُنِي بِأَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ قَالَ: "مَهْلا يَا عُثْمَانُ فَإِن سِيَاحَةَ أُمَّتِي الْغَزْوُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ" قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ نَفْسِي تُحَدِّثُنِي بِأَنْ أَخْرُجَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ قَالَ: "مَهْلا يَا عُثْمَانُ فَإِن صَدَقَتَكَ يَوْمًا بِيَوْمٍ وَتَكُفُّ نَفْسَكَ وَعِيَالَكَ وَتَرْحَمُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَتُطْعِمُهُ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ" قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ نَفْسِي تُحَدِّثُنِي بِأَنْ أُطَلِّقَ خَوْلَةَ امْرَأَتِي قَالَ: "مَهْلا يَا عُثْمَانُ فَإِنَّ هَجَرَةَ أُمَّتِي مَنْ هَجَرَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَوْ هَاجَرَ إِلَيَّ فِي حَيَاتِي أَوْ زَارَ قَبْرِي بَعْدَ مَوْتِي أَوْ مَاتَ وَلَهُ امْرَأَةٌ أَوِ امْرَأَتَانِ أَوْ ثَلاثٌ أَوْ أَرْبَعٌ" قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ نَفْسِي تُحَدِّثُنِي أَنْ لا أَغْشَاهَا قَالَ: "مَهْلا يَا عُثْمَانُ فَإِنَّ الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ إِذَا غَشِيَ أَهْلَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَقْعَتِهِ تِلْكَ وَلَدٌ كَانَ لَهُ وَصِيفٌ فِي الْجَنَّةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ وَقْعَتِهِ تِلْكَ وَلَدٌ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ كَانَ لَهُ فَرَطًا وَشَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ كَانَ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ نَفْسِي تُحَدِّثُنِي أَنْ لا آكُلَ اللَّحْمَ قَالَ: "مَهْلا يَا عُثْمَانُ فَإِنِّي أُحِبُّ اللَّحْمَ وَآكُلُهُ إِذَا وَجَدْتُهُ وَلَوْ سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُطْعِمَنِي إِيَّاهُ كُلَّ يَوْمٍ لأَطْعَمَنِي" قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ نَفْسِي تُحَدِّثُنِي أَنْ لا أَمَسَّ طِيبًا قَالَ: "مَهْلا يَا عُثْمَانُ فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَنِي بِالطِّيبِ غِبًّا وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ لا مَتْرَكَ لَهُ يَا عُثْمَانُ لا تَرْغَبْ عَنْ سُنَّتِي فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ صَرَفَتِ الْمَلائِكَةُ وَجْهَهُ عَنْ حَوْضِي" قال المصنف رحمه اللَّه هَذَا حَدِيثٌ عمير بْن مرداس.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي طاهر الْجَوْهَرِيّ نا أَبُو عُمَر بْن حياة نا أَحْمَد بْن معروف نا الْحَسَن بْن الفهم ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْد نا الفضل بْن دكين ثنا إسرائيل ثنا أَبُو إِسْحَاق عَنْ أبي بردة قَالَ دخلت امرأة عثمان بْن مظعون عَلَى نساء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأينها سيئة الهيئة فقلن لها مالك فما فِي قريش رجل أغنى من بعلك قالت مَا لنا مِنْهُ شيء أما ليلة فقائم وأما نهاره فصائم فدخلن إِلَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرن ذلك لَهُ فلقيه فَقَالَ: "يا عثمان أمالك بِي أُسْوَةٌ" فَقَالَ بِأَبِي وَأُمِّي أَنْتَ وَمَا ذَاكَ قَالَ: "تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ" قَالَ إِنِّي لأَفْعَلُ قَالَ: " لا تَفْعَلْ إِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لأَهْلِكَ عَلْيَك حَقًّا فَصَلِّ وَنَمْ وَصُمْ وَأَفْطِرْ" قال ابْن سَعْد وأَخْبَرَنَا عارم بْن الفضل ثنا حماد بْن زيد ثنا مُعَاوِيَة بْن عَبَّاس الحرمي عَنْ أبي قلابة أن عثمان بْن مظعون اتخذ بيتا فقعد يتعبد فيه فبلغ ذلك النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأتاه فأخذ بعضادتي باب البيت الذي هو فيه وقال: "يا عثمان إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَبْعَثْنِي بِالرَّهْبَانِيَّةِ -مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا- وَإِنَّ خَيْرَ الدِّينِ عِنْدَ اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ".
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن ميمون نا عَبْد الْوَهَّاب بْن مُحَمَّد الغندجاني نا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدَان نا مُحَمَّد بْن سَهْل ثنا البخاري قال قال موسى ابن اسماعيل بن حماد بْن زيد مسلم ثنا أَبُو مُعَاوِيَة بْن قرة عَنْ كهمس الهلالي قَالَ أسلمت وأتيت النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته بإسلامي فمكثت حولا ثم أتيته وَقَدْ ضمرت ونحل جسمي فخفض فِي البصر ثم صعده قلت أما تعرفني قَالَ: "وَمَنْ" أَنْتَ قُلْتُ أَنَا كَهْمَسٌ الْهِلالِيُّ قَالَ: "فَمَا بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى" قُلْتُ مَا أَفْطَرْتُ بَعْدَكَ نَهَارًا وَلا نِمْتُ لَيْلا قَالَ: "وَمَنْ أَمَرَكَ أَنْ تُعَذِّبَ نَفْسَكَ صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ وَمِنْ كُلِّ شَهْرٍ يَوْمًا" قُلْتُ زِدْنِي قَالَ: " صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ وَمِنْ كُلِّ شَهْرٍ يَوْمَيْنِ" قُلْتُ زِدْنِي قَالَ: "صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ وَمِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ" أنبأنا مُحَمَّد بْن عَبْدِ الملك بْن خيرون أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن ثابت ثنا أَبُو حازم عُمَر بْن أَحْمَدَ العبدوري نا أَبُو أَحْمَد مُحَمَّد بْن الغطريف ثنا أَبُو بَكْر الذهبي ثنا حميد بْن الربيع ثنا عبده بْن حميد عَنْ الأعمش عَنْ جرير بْن حازم عَنْ أيوب عَنْ أبي قلابة بلغ به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ناسا من أصحابه أحتموا النساء واللحم اجتمعوا فذكرنا ترك النساء واللحم فأوعدوا فيه وعيدا شديدا وقال: "لو كنت تقدمت فيه لفعلت" ثم قَالَ: "إِنِّي لَمْ أُرْسَلْ بِالرَّهْبَانِيَّةِ إِنَّ خَيْرَ الدِّينِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ".
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وَقَدْ روينا فِي حديث آخر عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: "إن اللَّه عز وجل يحب أن يرى آثار نعمته عَلَى عبده فِي مأكله ومشربه" وقال بَكْر بْن عَبْدِ اللَّهِ من أعطى خيرا فرؤي عَلَيْهِ سمي حبيب اللَّه محدثا بنعمة اللَّه عز وجل ومن أعطى خيرا فلم ير عَلَيْهِ سمي بغيض اللَّه عز وجل معاديا لنعمة اللَّه عز وجل.
فصل: قال المصنف رحمه اللَّه: وهذا الذي نهينا عنه من التقلل الزائد فِي الحد قد انعكس فِي صوفية زماننا فصارت همتهم فِي المأكل كَمَا كانت همة متقدميهم فِي الجوع لهم الغداء والعشاء والحلوى وكل ذلك أَوْ أكثره حاصل من أموال وسخة وَقَدْ تركوا كسب الدنيا وأعرضوا عَنِ التعبد وافترشوا فراش البطالة فلا همة لأكثرهم إلا الأكل واللعب فَإِن أحسن محسن منهم قالوا طرح شكرا وإن أساء مسيء قالوا استغفر ويسمون مَا يلزمه إياه واجبا وتسمية مَا لم يسمه الشرع واجبا جناية عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد القزاز نا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن ثابت نا مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّد الْحَافِظ النيسابوري ثنا أَبُو زكريا يَحْيَى بْن مُحَمَّد العنبري ثنا أَحْمَد بْن سلمة ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عبدوس السراج البغدادي قَالَ قَامَ أَبُو مرحوم القاضي بالبصرة يقص عَلَى الناس فأبكى فلما فرغ من قصصه قَالَ من يطعمنا أرزة فِي اللَّه فقام شاب من المجلس فَقَالَ أنا فَقَالَ اجلس يرحمك اللَّه فقد عرفنا موضعك ثم قَامَ الثانية ذلك الشاب فَقَالَ اجلس فقد عرفنا موضعك فقام الثالثة فَقَالَ أَبُو مرحوم لأصحابه قوموا بنا إليه فقاموا معه فأتوا منزله قَالَ فأتينا بقدر من باقلاء فأكلنا بلا ملح ثم قَالَ أَبُو مرحوم علي بخوان خماسي وخمس مكاكيك أرز وخمسة أمنان سمن وعشرة أمنان سكر وخمسة أمنان صنوبر وخمسة أمنان فستق فجيء بِهَا كلها فَقَالَ أَبُو مرحوم لأصحابه يا إخواني كيف أصبحت الدنيا قالوا مَشْرِق لونها مبيضة شمسها أخرقوا فيها أنهارها قَالَ فأتى بذلك السمن فأجرى فيها ثم أقبل أَبُو مرحوم عَلَى أصحابه فَقَالَ يا إخواني كيف أصبحت الدنيا قالوا مَشْرِق لونها مبيضة شمسه مجراة فيها أنهارها فَقَالَ يا إخواني اغرسوا فيها أشجارها قَالَ فأتى بذلك الفستق والصنوبر فألقى فيها ثم أقبل أَبُو مرحوم عَلَى أصحابه فَقَالَ يا إخواني كيف أصبحت الدنيا قالوا مَشْرِق لونها مبيض شمسها مجرى فيها أنهارها وَقَدْ غرست فيها أشجارها وَقَدْ تدلت لنا ثمارها قَالَ يا إخواني ارموا الدنيا بحجارتها قَالَ فأتى بذلك السكر فألقى فيها ثم أقبل أَبُو مرحوم عَلَى أصحابه فَقَالَ يا إخواني كيف أصبحت الدنيا قالوا مَشْرِق لونها مبيضة شمسها وَقَدْ أجريت فيها أنهارها وَقَدْ غرست فيها أشجارها وَقَدْ تدلت لنا ثمارها فَقَالَ يا إخواني مَا لنا وللدنيا اضربوا فيها براحتها قَالَ فجعل الرَّجُل يضرب فيها براحته ويدفعه بالخمس قَالَ أَبُو الفضل أَحْمَد بْن سلمة ذكرته لأبي حاتم الرازي فَقَالَ أمله علي فأمليته عَلَيْهِ فَقَالَ هَذَا شأن الصوفية.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت وَقَدْ رأيت منهم من إذا حضر دعوة بالغ فِي الأكل ثم اختار من الطعام فربما ملأ كمية من غير إذن صاحب الدار وذلك حرام بالإجماع ولقد رأيت شيخا منهم قد أخذ شيئا من الطعام ليحمله معه فوثب صاحب الدار فأخذه مِنْهُ.
ذكر تلبيس إبليس عَلَى الصوفية فِي السماع والرقص والوجد قال المصنف رحمه اللَّه: اعلم أن سماع الغناء يجمع شيئين أحدهما أنه يلهي القلب عَنِ التفكر فِي عظمة اللَّه سبحانه والقيام بخدمته والثاني أنه يميله إِلَى اللذات العاجلة التي تدعو إِلَى استيفائها من جميع الشهوات الحسية ومعظمها النكاح وليس تمام لذته إلا فِي المتجددات ولا سبيل إِلَى كثرة المتجددات من الحل فلذلك يحث عَلَى الزنا فبين الغناء والزنا تناسب من جهة أن الغناء لذة الروح والزنا أكبر لذات النفس ولهذا جاء فِي الحديث الغناء رقية الزنا وَقَدْ ذكر أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ أن الذي أتخذ الملاهي رجل من ولد قابيل يقال لَهُ ثوبال اتخذ فِي زمان مهلائيل بْن قينان آلات اللهو من المزامير والطبول والعيدان فانهمك ولد قابيل فِي اللهو وتناهى خبرهم إِلَى من بالجبل من نسل شيث فنزل منهم قوم وفشت الفاحشة وشرب الخمور.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وهذا لأن الالتذاذ بشيء يدعو إِلَى التذاذه بغيره خصوصا مَا يناسبه ولما يئس إبليس أن يسمع من المتعبدين شيئا من الأصوات المحرمة كالعود نظر إِلَى المغنى الحاصل بالعود فدرجه فِي ضمن الغناء بغير العود وحسنه لهم وإنما مراده التدريج من شيء إِلَى شيء والفقيه من نظر فِي الأسباب والنتائج وتأمل المقاصد فَإِن النظر إِلَى الأمرد مباح إن أمن ثوران الشهوة فَإِن لم يؤمن لم يجز وتقبيل الصبية التي لها من العمر ثلاث سنين جائزا إذ لا شهوة تقع هناك فِي الأغلب فَإِن وجد شهوة حرم ذلك وكذلك الخلوة بذوات المحارم فَإِن خيف من ذلك حرم فتأمل هذه القاعدة.
فصل: قال المصنف رحمه اللَّه: وَقَدْ تكلم الناس فِي الغناء فأطالوا فمنهم من حرمه ومنهم من أباحه من غير كراهة ومنهم من كرهه مَعَ الإباحة وفصل الخطاب أن نقول ينبغي أن ينظر فِي ماهية الشيء ثم يطلق عَلَيْهِ التحريم أَوِ الكراهة أَوْ غير ذلك والغناء اسم يطلق عَلَى أشياء منها غناء الحجيج فِي الطرقات فَإِن أقواما من الأعاجم يقدمون للحج فينشدون فِي الطرقات أشعارا يصفون فيها الكعبة وزمزم والمقام وربما ضربوا مَعَ إنشادهم بطبل فسماع تلك الأشعار مباح وليس إنشادهم إياها مما يطرب ويخرج عَنِ الاعتدال وفي معنى هؤلاء الغزاة فإنهم ينشدون أشعارا يحرضون بِهَا عَلَى الغزو وفي معنى هَذَا إنشاد المبارزين للقتال للأشعار تفاخرا عند النزال وفي معنى هَذَا أشعار الحداة فِي طريق مكة كقول قائلهم: بشرها دليلها وقالا ... غدا ترين الطلح والجبالا
وهذا يحرك الإبل والآدمي إلا أن ذلك التحريك لا يوجب الطرب المخرج عَنْ حد الاعتدال وأصل الحداء ما أَنْبَأَنَا به يَحْيَى بْن الْحَسَنِ بْن البنا نا أَبُو جَعْفَر بْن المسلمة نا المخلص نا أَحْمَد بْن سُلَيْمَان الطوسي ثنا الزبير بْن بكار ثني إِبْرَاهِيم بْن المنذر ثنا أَبُو البحتري وهب عَنْ طلحة المكي عَنْ بعض علمائهم أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مال ذات ليلة بطريق مكة إِلَى حاد مَعَ قوم فسلم عليهم فَقَالَ إِنَّ حَادِيَنَا نَامَ1 فَسَمِعْنَا حَادِيَكُمْ فَمِلْتُ إِلَيْكُمْ فَهَلْ تَدْرُونَ أَنَّى كَانَ الْحَدَّاءُ قَالُوا لا وَاللَّهِ قَالَ إِنَّ أَبَاهُمْ مُضَرَ خَرَجَ إِلَى بَعْضِ رُعَاتِهِ فَوَجَدَ إِبِلَهُ قَدْ تَفَرَّقَتْ فَأَخَذَ عَصَا فَضَرَبَ بِهَا كَفَّ غُلامِهِ فَعَدَا الْغُلامُ فِي الْوَادِي وَهُوَ يَصِيحُ يَا يَدَاهُ يَا يَدَاهُ2 فَسَمِعَتِ الإِبِلُ ذَلِكَ فَعَطَفَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ مضر لو اشتق مثل هَذَا لانتفعت به الإبل واجتمعت فاشتقت الحداء.
قال المصنف رحمه اللَّه: وَقَدْ كان لرسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاد يقال لَهُ أنجشة يحدو فتعنق3 الابل. ------------------------------------------ 1 في النسخة الثانية: أن حادينا ونا أي تعب. 2 في النسخة الثانية: وايداه مرة فقط. 3 العنق بفتحتين: نوع من السير سريع فسيح. ------------------------------------------ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا أنجشة رويدك سوقاً بالقوارير" وفي حديث سلمة بْن الأكوع قَالَ خرجنا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خيبر فسرنا ليلاً فَقَالَ رجل من القوم لعامر بْن الأكوع ألا تُسمعنا من هنياتك وكان عامر رجلاً شاعراً فنزل يحدوا بالقول يَقُول: اللهم لولا أنت مَا اهتدينا ... ولا تصدَّقنا ولا صلّينا فألقيـــن سكينـــة علينــا ... وثبِّت الأقـدام إذ لاقينا
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ هَذَا السَّائق؟" قالوا: عامر بْن الأكوع فَقَالَ: "يرحمه اللَّه".
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وَقَدْ روينا عَنِ الشافعي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أما استماع الحداء ونشيد الأعراب فلا بأس به.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: ومن إنشاد العرب قول أهل المدينة عند قدوم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهم: طلــع البـــدر علينا ... من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ... مـا دعــا لله داعى
ومن هَذَا الجنس كانوا ينشدون أشعارهم بالمدينة وربما ضربوا عَلَيْهِ بالدف عند إنشاده ومنه مَا أَخْبَرَنَا بِهِ ابْنُ الْحُصَيْنِ نا ابْنُ الْمُذْهِبِ نا أَحْمَد بْن جَعْفَر ثنا عَبْد اللَّهِ بْن أحمد ثنا أَبُو المغيرة ثنا الأوزاعي ثني الزهري عَنْ عروة عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أن أبا بَكْر دخل عليها وعندها جاريتان فِي أيام منى تضربان بدفين ورسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسجي عَلَيْهِ بثوبه فانتهرهما أَبُو بَكْر فكشف رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وجهه وقال: "دَعْهُنَّ يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ" أخرجاه فِي الصحيحين.
قال المصنف رحمه اللَّه: والظاهر من هاتين الجاريتين صغر السن لأن عائشة كانت صغيرة وكان رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسرب1 إليها الجواري فيلعبن معها. ------------------------------------------ 1 في الثانية: وهو تفسير يسرب. ------------------------------------------ وقد أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا أَبُو الْحُسَيْن بْن عَبْدِ الجبار نا أَبُو إِسْحَاق البرمكي أَنْبَأَنَا عَبْد الْعَزِيز بْن جَعْفَر ثنا أَبُو بَكْر الخلال أَخْبَرَنَا منصور بْن الوليد بْن جَعْفَر بْن مُحَمَّد حدثهم قَالَ: قلت لأبي عَبْد اللَّهِ أحمد بْن حنبل حديث الزهري عَنْ عروة عَنْ عائشة عَنْ جَوَارٍ يُغَنِّينَ أَيَّ شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْغِنَاءِ قَالَ غِنَاءُ الرَّكْبِ أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ قَالَ الخلال وحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن فرج الحمصي ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد ثنا أَبُو عقيل عَنْ نهبة عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت كانت عندنا جارية يتيمة من الأنصار فزوجناها رجلا من الأنصار فكنت فيمن أهداها إِلَى زوجها فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَائِشَةُ: "إِنَّ الأَنْصَارَ أُنَاسٌ فِيهِمْ غَزَلٌ" فَمَا قُلْتِ قَالَتْ دَعَوْنَا بِالْبَرَكَةِ قَالَ أَفَلا قُلْتُمْ: أَتَيْنَــــــــاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ ... فحيـــــونا نحييـــكم ولولا الذهب الأحم ... ر مَا حَلَّتْ بِوَادِيـــكُمْ وَلْوَلا الْحَبَّةُ السَّمْرَاءُ ... لَمْ تَسْمَنْ عَذَارِيكُمْ"
أَخْبَرَنَا أَبُو الحصين نا ابْن المذهب نا أَحْمَد بْن جَعْفَر ثنا عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ ثني أبي ثنا أسود بْن عامر نا أَبُو بَكْر عَنْ أجلح عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة رَضِيَ اللَّهُ عنها أَهَدَيْتُمُ الْجَارِيَةَ إِلَى بَيْتِهَا قَالَتْ نَعَمْ قَالَ: "فَهَلا بَعَثْتُمْ مَعَهَا مَنْ يُغَنِّيهِمْ يَقُولُ: أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ ... فَحَيُّونَا نُحَيِّيكُمْ فَإِنَّ الأَنْصَارَ قَوْمٌ فِيهِمْ غَزَلٌ". |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب العاشر: فِي ذكر تلبيسه عَلَى الصوفية من جملة الزُّهَّاد الخميس 20 ديسمبر 2018, 5:56 am | |
| قال المصنف رحمه اللَّه: فقد بان بما ذكرنا مَا كانوا يغنون به وليس مما يطرب ولا كانت دفوفهن عَلَى مَا يعرف الْيَوْم ومن ذلك أشعار ينشدها المتزهدون بتطريب وتلحين تزعج القلوب إِلَى ذكر الآخرة ويسمونها الزهديات. كقول بعضهم: يا غاديا فِي غفلة ورائحا ... إِلَى متى تستحسن القبـــــائحا وكم إِلَى كم لا تخاف موقفا ... يستنطق اللَّه به الجـــــوارحا يا عجبا منك وأنت مبصر ... كيف تجنبت الطريق الواضحا
فهذا مُباحٌ أيضاً وإلى مثله أشار أَحْمَد بْن حنبل فِي الإباحة فيما أَنْبَأَنَا به أَبُو عَبْد الْعَزِيز كاوس نا المظفر بْن الْحَسَنِ الهمداني نا أَبُو بَكْرِ بْنُ لالي ثنا الفضل الكندي قَالَ سمعت عبدوس يَقُول سمعت أبا حامد الخلفاني يَقُول لأحمد بْن حنبل يا أبا عَبْد اللَّهِ هذه القصائد الرقاق التي فِي ذكر الْجَنَّة والنار أي شيء تقول فيها فَقَالَ مثل أي شيء؟
قلت يقولون: إذا مَا قَـــــــــالَ لي ربي ... أما استحييت تعصيني وتخفي الذنب من خلقي ... وبالعصيـــــــان تأتيني
فقال أعد علي فأعدت عَلَيْهِ فقام ودخل بيته ورَدَّ الباب فسمعت نحيبه من داخل البيت وَهُوَ يَقُول: إذا مَا قَـــــــــالَ لي ربي ... أما استحييت تعصيني وتُخفي الذَّنب من خلقي ... وبالعصيـــــــان تأتيني
ومن الأشعار أشعار تنشدها النُّوَّاح يثيرون بِهَا الأحزان والبكاء فينهي عنها لما فِي ضمنها1.
فأما الأشعار التي ينشدها المغنون المتهيئون للغناء ويصفون فيها المستحسنات والخمر وغير ذلك مما يحرك الطباع ويخرجها عَنِ الاعتدال ويثير كامنها من حب اللهو وَهُوَ الغناء المعروف فِي هَذَا الزمان. مثل قول الشاعر: ذهبي اللون تحسب من ... وجنتيه النار تقتدح خوفــوني من فضيحته ... ليتـه وافى وأفتضح
وقد أخرجوا لهذه الأغاني ألحانا مختلفة كلها تخرج سامعها عَنْ حيز الاعتدال وتثير حب الهوى ولهم شيء يسمونه البسيط يزعج القلوب عَنْ مهل ثم يأتون بالنشيد بعده فيعجعج القلوب وَقَدْ أضافوا إِلَى ذلك ضرب القضيب والإيقاع به عَلَى وفق الإنشاد والدف بالجلاجل والشبابة النائبة عَنِ الزمر فهذا الغناء المعروف الْيَوْم.
فصل: قال المصنف رحمه اللَّه: وقبل أن نتكلم فِي إباحته أَوْ تحريمه أَوْ كراهته نقول ينبغي للعاقل أن ينصح نفسه وإخوانه ويحذر تلبيس إبليس فِي إجراء هَذَا الغناء مجرى الأقسام المتقدمة التي يطلق عليها اسم الغناء فلا يحمل الكل محملا واحدا فيقول قد أباحه فلان وكرهه فلان فنبدأ بالكلام فِي النصيحة للنفس والاخوان فنقول. ------------------------------------------ 1 كذا في النسختين: وقد سقط ذكر العلة. ------------------------------------------ معلوم أن طباع الآدميين تتقارب ولا تكاد تتفاوت فَإِذَا ادعى الشاب السليم البدن الصحيح المزاج أن رؤية المستحسنات لا تزعجه ولا تؤثر عنده ولا تضره فِي دينه كذبناه لما نعلم من استواء الطباع فَإِن ثبت صدقه عرفنا أن به مرضا خرج به عَنْ حيز الاعتدال فَإِن تعلل فَقَالَ إنما أنظر إِلَى هذه المستحسنات معتبرا فأتعجب من حسن الصنعة فِي دعج العينين ورقة الأنف ونقاء البياض قلنا لَهُ فِي أنواع المباحات مَا يكفي فِي العبرة وههنا ميل طبعك يشغلك عَنْ الفكرة ولا يدع لبلوغ شهوتك وجود فكرة فَإِن ميل الطبع شاغل عَنْ ذلك وكذا من قَالَ إن هَذَا الغناء المطرب المزعج للطباع المحرك لها إِلَى العشق وحب الدنيا لا يؤثر عندي ولا يلفت قلبي إِلَى حب الدنيا الموصوفة فيه فإنا نكذبه لموضع اشتراك الطباع ثم إن كان قلبه بالخوف من اللَّه عز وجل غائبا عَنْ الهوى لأحضر هَذَا المسموع الطبع وإن كانت قد طالت غيبته فِي سفر الخوف وأقبح القبيح البهرجة ثم كيف تمر البهرجة عَلَى من يعلم السر وأخفى ثم إن كان الأمر كَمَا زعم هَذَا المتصوف فينبغي أن لا نبيحه إلا لمن هذه صفته والقوم قد أباحوه على الأطلاق للشاب المبتدىء والصبي الجاهل حتى قَالَ أَبُو حامد الغزالي إن التشبيب بوصف الخدود والأصداغ وحسن القد والقامة وسائر أوصاف النساء الصحيح أنه لا يحرم.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: فأما من قَالَ إني لا أسمع الغناء للدنيا وإنما آخذ منه إشارات فهو يخطىء من وجهين أحدهما أن الطبع يسبق إِلَى مقصوده قبل أخذ الإشارات فيكون كمن قَالَ إني أنظر إِلَى هذه المرأة المستحسنة لا تفكر فِي الصنعة والثاني إنه يقل فيه وجود شيء يشار به إِلَى الخالق وَقَدْ جل الخالق تبارك وتعالى أن يقال فِي حقه أنه يعشق ويقع الهيمان به وإنما نصيبنا من معرفته الهيبة والتعظيم فقط وإذ قد انْتَهَتِ النصيحة فنذكر ما قيل في الغناء.
فصل: أما مذهب أَحْمَد رحمه اللَّه فإنه كان الغناء فِي زمانه إنشاد قصائد الزهد إلا أنهم لما كانوا يلحنونها اختلفت الرواية عنه فروى عنه ابنه عَبْد اللَّهِ أنه قَالَ الغناء ينبت النفاق فِي القلب لا يعجبني وروى عنه إسماعيل بْن إسحاق الثقفي أنه سئل عَنِ استماع القصائد فَقَالَ أكرهه هو بدعة ولا يجالسون وروى عنه أَبُو الحارث أنه قَالَ التغيير1 بدعة فَقِيلَ لَهُ أنه يرقق القلب فَقَالَ هو بدعة وروى عنه يعقوب الهاشمي التغيير بدعة محدث وروى عنه يعقوب بْن غياث2 أكره التغيير وأنه نهى عَنِ استماعه. ------------------------------------------ 1 في النسخة الثانية يعقوب بن محيان ولفظ التغيير هو تغيير الذكر بدعاء وتضرع كما ذكره المصنف بعد في صحيفة 230. 2 في نسخة الطباخ. ------------------------------------------ قَالَ المصنف: فهذه الروايات كلها دليل عَلَى كراهية الغناء قَالَ أَبُو بَكْر الخلال كره أَحْمَد القصائد لما قيل لَهُ إنهم يتماجنون ثم روى عنه مَا يدل عَلَى أنه لا بأس بِهَا قَالَ المرزوي سألت أبا عُبَيْد اللَّه عَنِ القصائد فَقَالَ بدعة فقلت لَهُ إنهم يهجرون فَقَالَ لا يبلغ بهم هَذَا كله.
قال المصنف: وَقَدْ روينا أن أَحْمَد سمع قوالا عند ابنه صالح فم ينكر عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ صالح يا أبت أليس كنت تنكر هَذَا فَقَالَ إنما قيل لي انهم يستعملون المنكر فكرهته فأما هَذَا فأني لا أكرهه قال المصنف رحمه اللَّه قلت وَقَدْ ذكر أصحابنا عَنْ أبي بَكْر الخلال وصاحبه عَبْد الْعَزِيز إباحة الغناء وإنما أشار إِلَى مَا كان فِي زمانهما من القصائد الزهديات وعلى هَذَا يحمل مَا لم يكرهه أَحْمَد ويدل عَلَى مَا قلت أن أَحْمَد بْن حنبل سئل عَنْ رجل مات وترك ولدا وجارية مغنية فاحتاج الصبي إِلَى بيعها فَقَالَ لا تباع عَلَى أنها مغنية فَقِيلَ لَهُ أنها تساوي ثلاثين ألف درهم ولعلها إذا بيعت ساذجة تساوي عشرين دينارا فَقَالَ لا تباع إلا عَلَى أنها ساذجة.
قَالَ المصنف: وإنما قَالَ هَذَا لأن الجارية المغنية لا تغني بقصائد الزهديات بل بالأشعار المطربة المثيرة للطبع إِلَى العشق وهذا دليل عَلَى أن الغناء محظور إذ لو لم يكن محظورا مَا أجاز تفويت المال عَلَى اليتيم وصار هَذَا كقول أبي طلحة للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندي خمر لأيتام فَقَالَ أرقها فلو جاز استصلاحها لما أمره بتضييع أموال اليتامى وروى المرزوي عَنْ أَحْمَد بْن حنبل أنه قَالَ كسب المخنث خبيث يكسبه بالغناء وهذا لأن المخنث لا يغني بالقصائد الزهدية إنما يغنى بالغزل والنوح فبان من هذه الجملة أن الروايتين عَنْ أَحْمَد فِي الكراهة وعدمها تتعلق بالزهديات الملحنة فأما الغناء المعروف الْيَوْم فمحظور عنده كيف ولو علم مَا أحدث الناس من الزيادات.
فصل: قال المصنف: وأما مذهب مالك بْن أنس رحمه اللَّه فأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا أَبُو الْحُسَيْن بْن عَبْدِ الجبار نا أَبُو إسحاق البرمكي نا عَبْدُ الْعَزِيز بْن جَعْفَر ثنا أَبُو بَكْر الخلال وأَخْبَرَنَا عاليا سَعِيد بْن الْحَسَنِ بْن البنا نا أَبُو نصر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الدبيثي نا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عُمَر الوراق نا مُحَمَّد بْن السري بْن عثمان التمار قالا أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ عَنْ أبيه عَنْ إسحاق بْن عِيسَى الطباع1 قَالَ سألت مالك بْن مالك بْن أنس عَنْ مَا يترخص فيه أهل المدينة من الغناء فَقَالَ إنما يفعله الفساق أَخْبَرَنَا هِبَة اللَّهِ بْن أَحْمَدَ الحريري قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو الطيب الطَّبَرِيّ قَالَ أما مالك بن أنس فإنه نهى عَنِ الغناء وعن استماعه وقال إذا اشترى جارية فوجدها مغنية كان لَهُ ردها بالعيب وَهُوَ مذهب سائر أهل المدينة إلا إبراهيم بْن سَعْد وحده فإنه قد حكى زكريا الساجي أنه كان لا يرى به بأساً. ------------------------------------------ 1 في نسخة الطباخ. ------------------------------------------ فصل: وأما مذهب أبي حنيفة رَضِيَ اللَّهُ عنه أَخْبَرَنَا هِبَة اللَّهِ بْن أَحْمَدَ الحريري عَنْ أبي الطيب الطَّبَرِيّ قَالَ كان أَبُو حنيفة يكره الغناء مَعَ إباحته شرب النبيذ ويجعل سماع الغناء من الذنوب قَالَ وكذلك مذهب سائر أهل الكوفة إِبْرَاهِيم والشعبي وحماد وسفيان الثوري وغيرهم لا اختلاف بينهم فِي ذلك قَالَ ولا يعرف بين أهل البصرة خلاف فِي كراهة ذلك والمنع مِنْهُ إلا مَا روى عُبَيْد اللَّه بْن الْحَسَنِ العنبري أنه كان لا يرى به بأسا.
فصل: وأما مذهب الشافعي رحمة اللَّه عَلَيْهِ قَالَ حَدَّثَنَا إسماعيل بْن أَحْمَدَ نا أَحْمَد بْن أَحْمَدَ الحداد نا أَبُو نعيم الأصفهاني ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن ثنا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الحارث ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيم بْن جياد ثنا الْحَسَن بْن عَبْدِ الْعَزِيز الحروي قَالَ سمعت مُحَمَّد بْن إدريس الشافعي يَقُول خلفت بالعراق شيئا أحدثته الزنادقة يسمونه التغيير يشغلون به الناس عَنِ القرآن.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وَقَدْ ذكر أَبُو منصور الأزهري المغيرة قوم يغيرون بذكر اللَّه بدعاء وتضرع وَقَدْ سموا مَا يطربون فيه من الشعر فِي ذكر اللَّه عز وجل تغييرا كأنهم إذا شاهدوها بالألحان طربوا ورقصوا فسموا مغيرة لهذا المعنى وقال الزجاج سموا مغيرين لتزهيدهم الناس فِي الفاني من الدنيا وترغيبهم فِي الآخرة وحَدَّثَنَا هِبَة اللَّهِ بْن أَحْمَدَ الحريري عَنْ أبي الطيب طاهر بْن عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيّ قَالَ قَالَ الشافعي الغناء لهو مكروه يشبه الباطل ومن استكثر مِنْهُ فهو سفيه شهادته قَالَ وكان الشافعي يكره التعبير قَالَ الطَّبَرِيّ فقد أجمع علماء الأمصار عَلَى كراهية الغناء والمنع مِنْهُ وإنما فارق الْجَمَاعَة إِبْرَاهِيم بْن سَعْد1 وعبيد اللَّه العنبري وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الأَعْظَمِ فَإِنَّهُ مَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ" وَقَالَ: "مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً". ------------------------------------------ 1 في النسخة الثانية: سعيد هنا وفيما تقدم عنه. ------------------------------------------ قال المصنف: قلت وَقَدْ كان رؤساء أصحاب الشافعي رَضِيَ اللَّهُ عنهم ينكرون السماع وأما قدماؤهم فلا يعرف بينهم خلال وأما أكابر المتأخرين فعلى الإنكار منهم أَبُو الطيب الطَّبَرِيّ وله فِي ذم الغناء والمنع كتاب مصنف حَدَّثَنَا به عنه أَبُو القاسم الحريري ومنهم القاضي أبو بَكْر مُحَمَّد بْن مظفر الشامي أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ الانماطي عنه قَالَ لا يجوز الغناء ولا سماعه ولا الضرب بالقضيب قَالَ ومن أضاف إِلَى الشافعي هَذَا فقد كذب عَلَيْهِ وَقَدْ نص الشافعي فِي كتاب أدب القضاء عَلَى أن الرَّجُل إذا دام عَلَى سماع الغناء ردت شهادته وبطلت عدالته.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت فهذا قول علماء الشافعية وأهل التدين منهم وإنما رخص فِي ذلك من متأخريهم من قل علمه وغلبه هواه وقال الفقهاء من أصحابنا لا تقبل شهادة المغني والرقاص وَاللَّه الموفق.
فصل في ذكر الأدلة عَلَى كراهية الغناء والنوح والمنع منهما. قال المصنف: وَقَد استدل أصحابنا بالقرآن والسنة والمعنى فأما الاستدلال من القرآن فثلاث آيات.
الآية الأولى قوله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَك وَيَحْيَى بْن عَلِيّ قالا نا أَبُو مُحَمَّد الصَّرِيفِينِيّ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدَان ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن منيع ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن عُمَر ثنا صفوان بْن عِيسَى قَالَ قَالَ حميد الخياط أَخْبَرَنَا عَنْ عمار بْن أبي مُعَاوِيَة عَنْ سَعِيد بْن جبير عَنْ أبي الصهباء قَالَ سألت ابْن مسعود عَنْ قول اللَّه عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} قَالَ هُوَ وَاللَّهِ الْغِنَاءُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن عَلِيٍّ المقري ومحمد بْن ناصر الْحَافِظ قالا نا طراد بْن مُحَمَّد نا أبي بشران نا ابْنُ صفوان ثنا أَبُو بَكْر الْقُرَشِيُّ ثنا زهير بْن حرب ثنا جرير عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاس: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} قَالَ هُوَ الْغِنَاءُ وَأَشْبَاهُهُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن مُحَمَّد الحاكم وَيَحْيَى بْن عَلِيٍّ المدبر قالا نا أَبُو الْحُسَيْن بْن النقور نا ابْنُ حياة ثنا البغوي ثنا هدبة ثنا حماد بْن سلمة عَنْ حميد عَنْ الْحَسَن بْن مسلم عَنْ مجاهد: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} قَالَ الغناء أَخْبَرَنَا ابْن ناصر نا الْمُبَارَك بْن عَبْدِ الجبار نا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ نا أحمد بْن جَعْفَر بْن مسلم نا أحمد بْن مُحَمَّد الخالق ثنا أَبُو بَكْر المرزوي ثنا أحمد بْن حنبل ثنا عبده ثنا إِسْمَاعِيل عَنْ سَعِيد بْن يسار قَالَ سألت عِكْرِمَة عَنْ لهو الحديث قَالَ الغناء وكذلك قَالَ الْحَسَن وسعيد بْن جبير وقتادة وإبراهيم النخعي.
الآية الثانية قوله عز وجل: {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن عَلِيٍّ نا طراد بْن مُحَمَّد نا ابْنُ بِشْرَانَ نا ابْنُ صَفْوَانَ ثنا أَبُو بَكْر الْقُرَشِيُّ ثنا عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر ثنا يَحْيَى بْن سَعْد عَنْ سفيان عَنْ أبيه عَنْ عِكْرِمَة عَنِ ابن عباس: {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} قَالَ هُوَ الْغِنَاءُ بِالْحِمْيَرِيَّةِ سَمَدَ لَنَا غَنَّى لَنَا وقال مجاهد هو الغناء يَقُول أهل اليمن سمد فلان إذا غنى.
الآية الثالثة قوله عز وجل: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ} أَخْبَرَنَا مَوْهُوبُ بْن أَحْمَدَ نا ثابت بْن بندار نا عُمَر بْن إِبْرَاهِيم الزهري نا عَبْدُ اللَّهِ بْن إِبْرَاهِيم بْن ماسي ثنا الْحُسَيْن بْن الكميت ثنا مُحَمَّدُ بْنُ نعيم بْن القاسم الجرمي عَنْ سفيان الثوري عَنْ ليث عَنْ مجاهد: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} قَالَ هو الغناء والمزامير.
أمَّا السُّنَّة: أَخْبَرَنَا ابْن الحصين نا ابْنُ الْمُذْهِبِ نا أَحْمَد بْن جَعْفَر نا عَبْد اللَّهِ ابْن أحمد ثنى أبي ثنا الوليد بْن مسلم ثنا سَعِيد بْن عَبْدِ الْعَزِيز عَنْ سُلَيْمَان بْن مُوسَى عَنْ نافع عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنه أَنَّهُ سَمِعَ صَوْتَ زَمَّارَةِ رَاعٍ فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَعَدَلَ رَاحِلَتَهُ عَنِ الطَّرِيقِ وَهُوَ يَقُولُ يَا نَافِعُ أَتَسْمَعُ فَأَقُولُ نَعَمْ فَيَمْضِي حَتَّى قُلْتُ لا فَوَضَعَ يَدَيْهِ وَأَعَادَ رَاحِلَتَهُ إِلَى الطَّرِيقِ وَقَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ زَمَّارَةَ رَاعٍ فَصَنَعَ مِثْلَ هَذَا.
قال المصنف رحمه اللَّه: إذا كان هَذَا فعلهم فِي حق صوت لا يخرج عَنِ الاعتدال فكيف بغناء أهل الزمان وزمورهم أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا الْمُبَارَك ابْن عَبْد الجبار نا الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد النصيبي ثنا إِسْمَاعِيل بْن سَعِيد بْن سويد ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ الأنباري ثنا عُبَيْد بْن عَبْدِ الْوَاحِد بْن شريك البزار ثنا ابْن أبي مريم ثنا يَحْيَى بْن أيوب عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ عَلِيّ بْن زيد عَنْ القاسم عَنْ أبي أمامة قَالَ نَهَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شِرَاءِ الْمُغَنِّيَاتِ وَبَيْعِهِنَّ وَتَعْلِيمِهِنَّ وَقَالَ ثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ وَقَرَأَ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن عَلِيٍّ المقري نا أَبُو منصور مُحَمَّد بْن مُحَمَّد المقرى نا أَبُو القاسم عَبْدُ الملك بْن مُحَمَّد بْن بشران نا عُمَر بْن أحمد بْن عَبْدِ الرَّحْمَن الجمحي ثنا منصور بْن أبي الأسود عَنْ أبي الملهب عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ عَلِيّ بْن زيد عَنْ القاسم عَنْ أبي أمامة قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ بَيْعِ الْمُغَنِيَّاتِ وَعَنِ التِّجَارَةِ فِيهِنَّ وَعَنْ تَعْلِيمِهِنَّ الْغِنَاءَ وَقَالَ: "ثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ" وَقَالَ فِي هَذَا أَوْ نَحْوِهِ أَوْ وَقَالَ شِبْهُهُ نَزَلَتْ عَلَيَّ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} وَقَالَ مَا مِنْ رَجُلٍ يَرْفَعُ عَقِيرَةَ صَوْتِهِ لِلْغِنَاءِ إِلا بَعَثَ اللَّهُ لَهُ شَيْطَانَيْنِ يَرْتَدُّ فَإِنَّهُ أَعْنَى هَذَا مِنْ ذَا الْجَانِبِ وَهَذَا مِنْ ذَا الْجَانِبِ وَلا يَزَالانِ يَضْرِبَانِ بِأَرْجُلِهِمَا فِي صَدْرِهِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْكُتُ وروت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عنها عَنِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إن اللَّه عز وجل حرم المغنية وبيعها وثمنها وتعليمها والاستماع إليها" ثم قرأ {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} وروى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: "إنما نهيت عَنْ صوتين أحمقين فاجرين صوت عند نغمة وصوت عند مصيبة".
أَخْبَرَنَا ظفر بْن عَلِيّ نا أَبُو علي الْحَسَن بْن أحمد المقتدي نا أَبُو نعيم الْحَافِظ نا حبيب بن الْحَسَنِ بْن عَلِيّ بْن الوليد ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كليب ثنا خلف بْن خليفة عَنْ إبان المكتب عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْدِ الرَّحْمَن عَنْ عطاء بْن أبي رباح عن بن عُمَر قَالَ دخلت مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا ابنه إِبْرَاهِيم يجود نفسه فأخذه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوضعه فِي حجره ففاضت عيناه فقلت يا رَسُول اللَّهِ أتبكي وتنهانا عَنِ البكاء فَقَالَ: "لَسْتُ أَنْهَى عَنِ الْبُكَاءِ إنما نهيت عَنْ صوتين أحمقين فَاجِرَيْنِ صَوْتٍ عِنْدَ نَغَمَةِ لَعِبٍ وَلَهْوٍ وَمَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ وَصَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ ضَرْبُ وَجْهٍ وَشَقُّ جُيُوبٍ وَرَنَّةُ شَيْطَانٍ".
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن عَلِيٍّ المقري نا جدي أَبُو منصور مُحَمَّد بْن أحمد الخياط نا عَبْدُ الملك بْن مُحَمَّد بْن بشران ثنا أَبُو علي أحمد بْن الفضل بْن خزيمة ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سويد الطحان ثنا عَاصِم بْن عَلِيّ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن ثابت عَنْ أبيه عَنْ مكحول عَنْ جبير بْن نفير عَنْ مالك بْن نحام الثقة عَنْ عِكْرِمَة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بُعِثْتُ بِهَدْمِ الْمِزْمَارِ وَالطَّبْلِ".
أَخْبَرَنَا ابْن الحصين نا أَبُو طالب بْن عيلان نا أَبُو بَكْر الشافعي ثنا عبد الله ابن مُحَمَّد بْن ناجية ثنا عباد بْن يعوق ثنا مُوسَى بْن عمير عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنْ أبيه عَنْ جده عَنْ علي قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بعثت بِكَسْرِ الْمَزَامِيرِ" أَخْبَرَنَا أَبُو الفتح الكروجي نا أَبُو عامر الأزدي وأبو بَكْر العورجي قالا نا الجراحي ثنا المحبوبي ثنا التِّرْمِذِيّ ثنا صالح بْن عَبْدِ اللَّهِ ثنا الفرج بْن فضالة عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ مُحَمَّد بْن عُمَر بْن عَلِيّ بْن أبي طالب عَنْ عَلِيّ بْن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا فَعَلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خِصْلَةً حَلَّ بِهَا الْبَلاءُ" فَذَكَرَ مِنْهَا " إِذَا اتُّخِذَتِ الْقِيَانُ وَالْمَعَازِفُ" قال التِّرْمِذِيّ وَحَدَّثَنَا عَلِيّ بْن حجر نا مُحَمَّد بْن يَزِيد عَنْ المستلم بْن سَعِيد عَنْ رميح الجذامي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا اتخذ اتُّخِذَ الْفَيءُ دُوَلا وَالأَمَانَةُ مَغْنَمًا وَالزَّكَاةُ مَغْرَمًا وَتُعُلِّمَ لِغَيْرِ الدِّينِ وَأَطَاعُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَعَقَّ أُمَّهُ وَأَدْنَى صَدِيقَهُ وَأَقْصَى أَبَاهُ وَظَهَرَتِ الأَصْوَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ وَسَادَ الْقَبِيلَةَ فَاسِقُهُمْ وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ شَرِّهِ وَظَهَرَتِ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتِ الْخُمُورُ وَلَعَنَ آخَرُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَوَّلَهَا فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ وَزَلْزَلَةً وَخَسْفًا وَمَسْخًا وَقَذْفًا وَآيَاتٍ تَتَابَعُ كَنِظَامٍ بَالٍ قُطِعَ سِلْكُهُ فَتَتَابَعَ" وقد روي عَنْ سَهْل بْن سَعْد عَنِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: "يَكُونُ فِي أُمَّتِي خَسْفٌ وَقَذْفٌ وَمَسْخٌ" قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى قَالَ: "إِذَا ظَهَرِت الْمَعَازِفُ وَالْقَيْنَاتُ وَاسْتُحِلَّتِ الْخَمْرُ" أنبأنا أَبُو الْحَسَنِ سَعْد الخير بْن مُحَمَّد الأنصاري فِي كتاب السنن لابن ماجه قَالَ نا أَبُو العباس أَحْمَد بن محمد الأسدابادي نا أَبُو منصور المقومي نا أَبُو طلحة القاسم بْن المنذر نا أَبُو الْحَسَنِ بْن إبراهيم القطان ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيد بْن ماجه ثنا الْحُسَيْن بْن أبي الربيع الجرجاني ثنا عَبْدُ الرزاق أخبرني يَحْيَى بْن العلاء أنه سمع مكحولا يَقُول أنه سمع يَزِيد بْن عَبْدِ اللَّهِ يَقُول أنه سمع صفوان بْن أمية قَالَ كنا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاء عمرو بْن قرة فَقَالَ يا رَسُول اللَّهِ إن اللَّه عز وجل قد كتب عَلَى الشفوة فما أراني أرزق إلا من دفي بكفي فأذن لي فِي الغناء فِي غير فاحشة فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا آذَنُ لَكَ وَلا كَرَامَةَ وَلا نِعْمَةَ عَيْنٍ كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ لَقَدْ رَزَقَكَ اللَّهُ حَلالا طَيِّبًا فَاخْتَرْتَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنْ رِزْقِهِ مَكَانَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ مِنْ حَلالِهِ وَلَوْ كُنْتَ تَقَدَّمْتُ إِلَيْكَ لَفَعَلْتُ بِكَ وَفَعَلْتُ قُمْ عَنِّي وَتُبْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَمَا إِنَّكَ لَوْ قُلْتَ بَعْدَ التَّقْدِمَةِ إِلَيْكَ ضَرَبْتُكَ ضَرْبًا وَجِيعًا وَحَلَقْتُ رَأْسَكَ مِثْلَهُ وَنَفَيْتُكَ مِنْ أَهْلِكَ وَأَحْلَلْتُ سَلَبَكَ نَهْبَةً لِفِتْيَانِ الْمَدِينَةِ" فَقَامَ عَمْرٌو وَبِهِ مِنَ الشَّرِّ وَالْخِزْيِ مَالا يَعْلَمُهُ إِلا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَؤُلاءِ الْعُصَاةُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بِغَيْرِ تَوْبَةٍ حَشَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عُرْيَانًا لا يَسْتَتِرُ بِهُدْبَةٍ كُلَّمَا قَامَ صُرِعَ".
وأما الآثار: فَقَالَ ابْن مسعود الغناء ينبت النفاق فِي القلب كَمَا ينبت الماء البقل وقال إذا ركب الرَّجُل الدابة ولم يسم ردفه الشَّيْطَان وقال تغنه فَإِن لم يحسن قَالَ لَهُ تمنه ومر ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنه بقوم محرمين وفيهم رجل يتغنى قَالَ ألا لا سمع اللَّه لكم ومر بجارية صغيرة تغني فَقَالَ لو ترك الشَّيْطَان أحد لترك هذه وسأل رجل القاسم بْن مُحَمَّد عَنِ الغناء فَقَالَ أنهاك عنه وأكرهه لك قَالَ أحرام هو قَالَ أنظر يا ابْن أخي إذا ميز اللَّه الحق من الباطل ففي أيهما يجعل الغناء وعن الشعبي قَالَ لعن المغني والمغنى لَهُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن عَلِيٍّ المقري ومحمد بْن ناصر قالا نا طراد بْن مُحَمَّد نا أَبُو الْحُسَيْن بْن بشران نا أَبُو عَلِيّ بْن صفوان ثنا أَبُو بَكْر الْقُرَشِيُّ ثني الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن ثني عَبْد اللَّهِ بْن الْوَهَّاب قَالَ أخبرني أَبُو حفص عُمَر بْن عُبَيْد اللَّه الأرموي قَالَ كتب عُمَر بْن عَبْدِ الْعَزِيز إِلَى مؤدب ولده ليكن أول مَا يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي بدؤها من الشَّيْطَان وعاقبتها سخط الرحمان جل وعز فإنه بلغني عَنِ الثقات من حملة العلم أن حضور المعازف واستماع الأغاني واللهج بِهَا ينبت النفاق فِي القلب كَمَا ينبت الماء العشب ولعمري لتوقي ذلك بترك حضور تلك المواطن أيسر عَلَى ذي الذهن من الثبوت عَلَى النفاق فِي قلبه وقال فضيل بْن عياض الغناء رقية الزنا وقال الضحاك الغناء مفسدة للقلب مسخطة للرب وقال يَزِيد بْن الوليد يا بني أمية إياكم والغناء فإنه يَزِيد الشهوة ويهدم المروءة وأنه لينوب عَنِ الخمر ويفعل مَا يفعل السكر فَإِن كنتم لا بد فاعلين فجنبوه النساء فَإِن الغناء داعية الزنا.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت وكم قد فتنت الأصوات بالغناء من عابد وزاهد وَقَدْ ذكرنا جملة من أخبارهم فِي كتابنا المسمى بذم الهوى أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا ثابت بْن بندار نا أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ الْوَاحِد بْن رزمة أَبُو سَعِيد الْحَسَن بْن عَبْدِ اللَّهِ السيرافي ثني مُحَمَّد بْن يَحْيَى عَنْ معن بْن عَبْدِ الرَّحْمَن بْن أبي الزناد عَنْ أبيه قَالَ كان سُلَيْمَان بْن عَبْدِ الملك فِي بادية لَهُ فسمر ليلة عَلَى ظهر سطح ثم تفرق عنه جلساؤه فدعا بوضوء فجاءت به جارية لَهُ فبينما هي تصب عَلَيْهِ إذا استمدها بيده وأشار إليها فَإِذَا هي ساهية مصغية بسمعها مائلة بجسدها كله إِلَى صوت غناء تسمعه فِي ناحية العسكر فأمرها فتنحت واستمع هو الصوت فَإِذَا صوت رجل يغني فأنصت لَهُ حتى فهم مَا يغني به من الشعر ثم دعا جارية من جواريه غيرها فتوضأ فلما أصبح أذن للناس إذنا عاما فلما أخذوا مجالسهم أجرى ذكر الغناء ومن كان يسمعه ولين فيه حتى ظن القوم أنه يشتهيه فأفاضوا فِي التليين والتحليل والتسهيل فَقَالَ هل بقي أحد يسمع مِنْهُ فقام رجل من القوم فَقَالَ يا أمير المؤمنين عندي رجلان من أهل أيلة حاذقان قَالَ وأين منزلك من العسكر فأومى إِلَى الناحية التي كان الغناء منها فَقَالَ سُلَيْمَان يبعث إليهما فوجد الرسول أحدهما فأقبل به حتى أدخله عَلَى سُلَيْمَان فَقَالَ لَهُ مَا اسمك قَالَ سمير فسأله عَنِ الغناء كيف هو فيه فَقَالَ حاذق محكم قَالَ ومتى عهدك به قَالَ فِي ليلتي هذه الماضية قَالَ وفي أي نواحي العسكر كنت فذكر لَهُ الناحية التي سمع منها الصوت قَالَ فما غنيت فذكر الشعر الذي سمعه سُلَيْمَان فأقبل سُلَيْمَان فَقَالَ هدر الجمل فضبعت الناقة وهب التيس فشكرت الشاة وهدل الحمام فزافت الحمامة وغنى الرَّجُل فطربت المرأة ثم أمر به فخصي وسأل عَنِ الغناء أين أصله وأكثر مَا يكون قالوا بالمدينة وَهُوَ فِي المخنثين وهم الحذاق به والأئمة فيه فكتب إِلَى عامله عَلَى المدينة وَهُوَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّد بْن عمرو بْن حزم أن أخصي من قبلك من المخنثين المغنين.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وأما المعنى فقد بينا أن الغناء يخرج الإنسان عَنِ الاعتدال ويغير العقل وبيان هَذَا أن الإنسان إذا طرب فعل مَا يستقبحه فِي حال صمته من غيره من تحريك رأسه وتصفيق يديه ودق الأَرْض برجليه إِلَى غير ذلك مما يفعله أصحاب العقول السخيفة والغناء يوجب ذلك بل يقارب فعله فعل الخمر فِي تغطية العقل فينبغي أن يقع المنع مِنْهُ أَخْبَرَنَا عُمَر بْن ظفر نا جَعْفَر بْن أَحْمَدَ نا عَبْد الْعَزِيز بْن عَلِيٍّ الأزجي نا ابْنُ جهضم نا يَحْيَى بْن المؤمل ثنا أَبُو بَكْر السفاف ثنا أَبُو سَعِيد الخراز قَالَ ذكر عند مُحَمَّد بْن منصور أصحاب القصائد فَقَالَ هؤلاء الفرارون من اللَّه عز وجل لو ناصحوا اللَّه ورسوله وصدقوه لأفادهم فِي سرائرهم مَا يشغلهم عَنْ كثرة التلاقي أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أبي الْحُسَيْن بْن يوسف نا مُحَمَّد بْن عَلِيٍّ العبادي قَالَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ بْن بطة العكبري سألني سائل عَنِ استماع الغناء فنهيته عَنْ ذلك وأعلمته أنه مما أنكرته العلماء واستحسنه السفهاء وإنما تفعله طائفة سموا بالصوفية وسماهم المحققون الجبرية أهل همم دنيئة وشرائع بدعية يظهرون الزهد وكل أسبابهم ظلمة يدعون الشوق والمحبة بإسقاط الخوف والرجاء يسمعونه من الأحداث والنساء ويطربون ويصعقون ويتغاشون ويتماوتون ويزعمون أن ذلك من شدة حبهم لربهم وشوقهم إليه تعالى اللَّهُ عَمَّا يقوله الجاهلون عُلُواً كبيراً. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب العاشر: فِي ذكر تلبيسه عَلَى الصوفية من جملة الزُّهَّاد الخميس 20 ديسمبر 2018, 6:08 am | |
| فصل في ذكر الشُّبَه التي تعلّق بِهَا مَنْ أجاز سماع الغناء فمنها حديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ عنها أن الجاريتين كانتا تضربان عندها بدفين وفي بعض ألفاظه دخل علي أَبُو بَكْر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث فَقَالَ أَبُو بَكْر أمزمور الشَّيْطَان فِي بيت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "دعهما يا أبا بَكْر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا" وقد سبق ذكر الحديث ومنها حديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ عنها أنها زفت امرأة إِلَى رجل من الأنصار فَقَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا عائشة مَا كان معهم من اللهو فَإِن الأنصار يعجبهم اللهو" وَقَدْ سبق ومنها حديث فضالة بْن عُبَيْد عَنِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "اللَّه أشد أذناً إِلَى الرَّجُل الْحَسَن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إِلَى قينته" قَالَ ابْن طاهر وجه الحجة أنه أثبت تحليل استماع الغناء إذ لا يجوز أن يقاس عَلَى مُحَرَّم ومنها حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَا أذن اللَّه عز وجل لشيء مَا أذن لنبي يتغنى بالقرآن" ومنها حديث حاطب عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ فصل مَا بين الحلال والحرام الضرب بالدف.
والجواب: أما حديثا عائشة رَضِيَ اللَّهُ عنها فقد سبق الكلام عليهما وبيَّنَّا أنهم كانوا ينشدون الشعر وسمي بذلك غناء لنوع يثبت فِي الإنشاد وترجيع ومثل ذلك لا يخرج الطباع عَنِ الاعتدال وَكَيْفَ يحتج بذلك الواقع فِي الزمان السليم عند قلوب صافية عَلَى هذه الأصوات المطربة الواقعة فِي زمان كدر عند نفوس قد تملكها الهوى مَا هَذَا إلا مغالطة للفهم أَوْ ليس قد صح فِي الحديث عَنْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عنها أنها قالت لو رأى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أحدث النساء لمنعهن المساجد وإنما ينبغي للمفتي أن يزن الأحوال كَمَا ينبغي للطبيب أن يزن الزمان والسن والبلد ثم يصف عَلَى مقدار ذلك وأين الغناء بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث من غناء أمرد مستحسن بآلات مستطابة وصناعة تجذب إليها النفس وغزليات يذكر فيه الغزال والغزالة والخال والخد والقد والاعتدال فهل يثبت هناك طبع هيهات بل ينزعج شوقا إِلَى المستلذ ولا يدعي أنه لا يجد ذلك إلا كاذب أَوْ خارج عَنْ حد الآدمية ومن أدعى أخذ الإشارة من ذلك إِلَى الخالق فقد استعمل فِي حقه مَا لا يليق به عَلَى أن الطبع يسبقه إِلَى مَا يجد من الهوى وَقَدْ أجاب أَبُو الطيب الطَّبَرِيّ عَنْ هَذَا الحديث بجواب آخر فأَخْبَرَنَا أَبُو القاسم الحريري عنه أنه قال هذ الحديث حجتنا لأن أبا بَكْر سمي ذلك مزمور الشَّيْطَان ولم ينكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أبي بَكْر قوله وإنما منعه من التغليظ فِي الإنكار لحسن رفعته ولا سيما فِي يوم العيد وَقَدْ كانت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عنها صغيرة فِي ذلك الوقت ولم ينقل عنها بعد بلوغها وتحصيلها إلا ذم الغناء وَقَدْ كان ابْن أخيها القاسم بْن مُحَمَّد يذم الغناء ويمنع من سماعه وَقَدْ أخذ العلم عنها.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه:
وأما اللهو المذكور فِي الحديث الآخر فليس بصريح فِي الغناء فيجوز أن يكون إنشاد الشعر أَوْ غيره وأما التشبيه بالاستماع إِلَى القينة فلا يمتنع أن يكون المشبه حراما فَإِن الإنسان لو قَالَ وجدت للعسل لذة أكثر من لذة الخمر كان كلاما صحيحا وإنما وقع التشبيه بالاصغاء فِي الحالتين فيكون أحدهما حلالا أَوْ حراما لا يمنع من التشبيه وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصلاة والسلام: "أنكم لترون ربكم كَمَا ترون القمر" فشبه أيضا الرؤية بإيضاح الرؤية وإن كان وقع الفرق بأن القمر فِي جهة يحيط به نظر الناظر والحق منزه عَنْ ذلك والفقهاء يقولون فِي ماء الوضوء لا ننشف الأعضاء مِنْهُ لأنه أثر عبادة فلا يسن مسحه كدم الشهيد فقد جمعوا بينهما من جهة اتفاقهما فِي كونهما عبادة وإن افترقا فِي الطهارة والنجاسة واستدلال ابْن طاهر بأن القياس لا يكون إلا عَلَى مباح فقيه الصوفية لا علم الفقهاء وأما قوله يتغنى بالقرآن فقد فسره سفيان بْن عيينة فَقَالَ معناه يستغني به وفسره الشافعي فَقَالَ معناه يتحزن به ويترنم وقال غيرهما يجعله مكان غناء الركبان إذا ساروا وأما الضرب بالدف فقد كان جماعة من التابعين يكسرون الدفوف وما كانت هكذا فكيف لو رأوا هذه وكان الْحَسَن البصري يَقُول ليس الدف من سنة المرسلين في شيء وقال أَبُو عُبَيْد القاسم بْن سلام من ذهب به إِلَى الصوفية فهو خطأ فِي التأويل عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنما معناه عندنا إعلان النكاح واضطراب الصوت والذكر فِي الناس.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت ولو حمل عَلَى الدف حقيقة عَلَى أنه قد قَالَ أحمد بن جنبل أرجو أن لا يكون بالدف بأس فِي العرس ونحوه وأكره الطبل أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن عَلِيٍّ المقري نا نصر بْن أحمد بْن النظر نا أَبُو مُحَمَّد عَبْد اللَّهِ بْن عُبَيْد اللَّه المؤدب ثنا الْحُسَيْن بْن إِسْمَاعِيلَ المحاملي ثنا عُبَيْد اللَّه بْن جرير بْن جبلة ثنا عُمَر بْن مرزوق ثنا زهير عن أبي اسحق عَنْ عامر بْن سَعْد الجبلي قَالَ طلبت ثابت بْن سَعْد وكان بدريا فوجدته فِي عرس لَهُ قَالَ وإذا جوار يغنين ويضربن بالدفوف فقلت ألا تنهي عَنْ هَذَا قَالَ لا إن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لَنَا فِي هَذَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن عَلِيٍّ نا جدي أَبُو منصور مُحَمَّد بْن أحمد الخياط نا عَبْدُ الملك بْن بشران ثنا أَبُو علي أحمد بْن الفضل بْن خزيمة ثنا أَحْمَد بْن القاسم الطائي ثنا ابْنُ سهم ثنا عِيسَى بْن يُونُس عَنْ خالد بْن إلياس عَنْ ربيعة بْن أبي عَبْد الرَّحْمَنِ عَنْ القاسم عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَظْهِرُوا النِّكَاحَ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالْغرْبَالِ يَعْنِي الدُّفَّ.
قال المصنف رحمه اللَّه: وكل مَا احتجوا به لا يجوز أن يستدل به عَلَى جواز هَذَا الغناء المعروف المؤثر فِي الطباع وَقَد احتج لهن أقوام مفتونون بحب التصوف بما لا حجة فيه فمنهم أَبُو نعيم الأصفهاني فانه قَالَ كان البراء بْن مالك يميل إِلَى السماع ويستلذ بالترنم.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وإنما ذكر أَبُو نعيم هَذَا عَنِ البراء لأنه روى عنه أنه استلقى يوما فترنم فانظر إِلَى هَذَا الاحتجاج البارد فَإِن الإنسان لا يخلو من أن يترنم فأين الترنم من السماع للغناء المطرب وقد استدل لهم مُحَمَّد بْن طاهر بأشياء لولا أن يعثر عَلَى مثلها جاهل فيغتر لم يصلح ذكرها لأنها ليست بشيء فمنها أنه قَالَ فِي كتابه باب الاقتراح عَلَى القوال والسنة فيه فجعل الاقتراح عَلَى القوال سنة واستدل بما روى عمرو بْن الشريد عَنْ أبيه قَالَ استنشدني رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من شعر أمية فأخذ يقول هي هي حتى أنشدته مائة قافية وقال ابْن طاهر باب الدليل عَلَى استماع الغزل قَالَ العجاج سألت أبا هريرة رَضِيَ اللَّهُ عنه طاف الخيالات فهاجا سقما فَقَالَ أَبُو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عنه كان ينشد مثل هَذَا بين يدي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال المصنف رحمه اللَّه: فانظر إِلَى احتجاج ابْن طاهر مَا أعجبه كيف يحتج عَلَى جواز الغناء بإنشاد الشعر وما مثله إلا كمثل من قَالَ يجوز أن يضرب بالكف عَلَى ظهر العود فجاز أن يضرب بأوتاره أَوْ قَالَ يجوز أن يعصر العنب ويشرب مِنْهُ فِي يومه فجاز أن يشرب مِنْهُ بعد أيام وَقَدْ نسي أن إنشاد الشعر لا يطرب كَمَا يطرب الغناء وقد أَنْبَأَنَا أَبُو زرعة بْن مُحَمَّد بْن طاهر عَنْ أبيه قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد التميمي قَالَ سألت الشريف أبا عَلِيّ بْن أبي مُوسَى الهاشمي عَنْ السماع فَقَالَ مَا أدري مَا أقول فيه غير أني حضرت ذات يوم شيخنا أبا الْحَسَن عَبْد الْعَزِيز بْن الحارث التميمي سنة سبعين وثلاثمائة فِي دعوة عملها لأصحابه حضرها أَبُو بَكْر الأبهري شيخ المالكيين وأبو القاسم الداركي شيخ الشافعيين وأبو الْحَسَن طاهر بْن الْحُسَيْن شيخ أصحاب الحديث وأبو الْحُسَيْن ابْن شمعون شيخ الوعاظ والزهاد وأبو عَبْد اللَّهِ بْن مجاهد شيخ المتكلمين وصاحبه أَبُو بَكْرِ بْنُ الباقلاني فِي دار شيخنا أبي الْحَسَن التميمي شيخ الحنابلة فَقَالَ أَبُو علي لو سقط السقف عليهم لم يبق بالعراق من يفتي فِي حادثة بسنة ومعهم أَبُو عَبْد اللَّهِ غلام وكان يقرأ القرآن بصوت حسن فَقِيلَ لَهُ قل شيئا فَقَالَ وهم يسمعون: خطت أناملهـــا فِي بطــن قرطاس ... رسالـــة بعبيـــر لا بأنفـــــــاس أن زِرّ فديتك قف لي غير محتشم ... فَإِن حبـك لي قد شاع فِي النـاس فكان قولي لمن أدى رسالتها ... قف لي لأمشي عَلَى العينين والراس
قال أَبُو علي: فبعدما رأيت هَذَا لا يمكنني أن أفتي فِي هذه المسألة بحظر ولا إباحة.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وهذه الحكاية إن صدق فيها مُحَمَّد بْن طاهر فَإِن شيخنا ابْن ناصر الْحَافِظ كان يَقُول ليس مُحَمَّد بْن طاهر بثقة حملت هذه الأبيات عَلَى أنه أنشدها لا أنه غنى بِهَا بقضيب ومخدة إذ لو كان كذلك لذكره ثم فيها كلام مجمل قوله لا يمكنني أن أقول فيها بحظر ولا أباحة لأنه ان كان إن كان مقلدا لهم فينبغي أن يفتي بالإباحة وإن كان ينظر فِي الدليل فيلزمه مَعَ حضورهم أن يفتي بالحظر ثم بتقدير صحتها أفلا يكون إتباع المذهب أولى من إتباع أرباب المذاهب وقد ذكرنا عَنْ أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رضوان اللَّه عليهم أجمعين مَا يكفي فِي هَذَا وشيدنا ذلك بالأدلة وقال ابْن طاهر فِي كتابه باب إكرامهم للقوال وإفرادهم الموضع لَهُ واحتج بأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رمى بردة كانت عَلَيْهِ إِلَى كعب بْن زهير لما أنشده بانت سعاد وإنما ذكرت هَذَا ليعرف قد رفقه هذ الرجل واستباطه وإلا فالزمان أشرف من أن يضيع بمثل هَذَا التخليط وأنبأنا أَبُو زرعة عَنْ أبيه مُحَمَّد بْن طاهر نا أَبُو سَعِيد إسماعيل بْن مُحَمَّد الحجاجي ثنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ المقري ثنا أبي ثنا عَلِيّ بْن أَحْمَدَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ العباس بْن بلال قَالَ سمعت سَعِيد بْن مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي إبراهيم بْن عَبْدِ اللَّهِ وكان الناس يتبركون به قَالَ حَدَّثَنَا المزني قَالَ مررنا مَعَ الشافعي وإبراهيم بْن إسماعيلي عَلَى دار قوم وجارية تغنيهم: خليلي مَا بال المطايا كأننا ... نراها عَلَى الأعقاب بالقوم تنكص
فقال الشافعي: ميلوا بنا نسمع فلما فرغت قَالَ الشافعي لإبراهيم أيطربك هَذَا قَالَ لا قَالَ فما لك حس.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه قلت: وهذا محال عَلَى الشافعي رَضِيَ اللَّهُ عنه وفي الرواية مجهولون وابن طاهر لا يوثق به وَقَدْ كان الشافعي أجل من هَذَا كله ويدل عَلَى صحة مَا ذكرناه ما أَخْبَرَنَا به أَبُو القاسم الحريري عَنْ أبي الطيب الطَّبَرِيّ قَالَ أما سماع الغناء من المرأة التي ليست بمحرم فَإِن أصحاب الشافعي قالوا لا يجوز سواء كانت حرة أَوْ مملوكة قَالَ وقال الشافعي وصاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيه ترد شهادته ثم غلظ القول فيه فَقَالَ وَهُوَ دياثة.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وإنما جعل صاحبها سفيهاً فاسقاً لأنه دعا الناس إِلَى الباطل ومَنْ دعا إِلَى الباطل كان سفيهاً فاسقاً.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت وَقَدْ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن القاسم البغدادي عَنْ أبي مُحَمَّد التميمي عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ اشترى سَعْد بْن عَبْدِ اللَّهِ الدمشقي جارية قوالة للفقراء وكانت تقول لهم القصائد.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت وَقَدْ ذكر أَبُو طالب المكي فِي كتابه قَالَ أدركنا مروان القاضي وله جوار يسمعن التلحين قد أعدهن للصوفية قَالَ وكانت لعطاء جاريتان تلحنان وكان إخوانه يسمعون التلحين منهما.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت أما سَعْد الدمشقي فرجل جاهل والحكاية عَنْ عطاء مُحالٌ وكذبٌ وإن صحَّت الحكاية عَنْ مروان1 فهو فاسق. ------------------------------------------ 1 في النسخة الثانية أبي مروان. ------------------------------------------ والدليل عَلَى مَا قلنا مَا ذكرنا عن الشافعي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وهؤلاء القوم جهلوا العلم فمالوا إِلَى الهوى وقد أَنْبَأَنَا زاهر بْن طاهر قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو عثمان الصابوني وأبو بَكْر البيهقي قالا أَنْبَأَنَا الحاكم أَبُو عَبْد اللَّهِ النيسابوري قَالَ أكثر مَا التقيت أنا وفارس بْن عِيسَى الصوفي فِي دار أبي بَكْر الأبريسمي للسماع من هزارة رحمها اللَّه فإنها كانت من مستورات القوالات.
قَالَ المصنف: قلت وهذا أقبح شيء من مثل الحاكم كيف خفي عَلَيْهِ أنه لا يحل لَهُ أن يسمع من امرأة ليست بمحرم ثم يذكر هَذَا فِي كتاب تاريخ نيسابور وَهُوَ كتاب علم من غير تحاش عَنْ ذكر مثله لقد كفاه هذا قد حافى عدالته.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: فَإِن قيل مَا تقول فيما أخبركم به إسماعيل بْن أحمد السمرقندي نا عُمَر بْن عَبْدِ اللَّه نا أَبُو الْحُسَيْن بْن بشران نا عثمان بْن أَحْمَدَ نا حنبل بْن إسحاق ثنا هرون بْن معروف ثنا جرير عَنْ مغيرة قَالَ كان عون بْن عَبْدِ اللَّهِ يقص فَإِذَا فرغ أمر جارية لَهُ تقص وتطرب قَالَ المغيرة فأرسلت إليه أَوْ أردت أن أرسل إليه إنك من أهل بيت صدق وأن اللَّه عز وجل لم يبعث نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحمق وإن صنيعك هَذَا صنيع أحمق فالجواب أنا لا نظن بعون أنه أمر الجارية أن تقص عَلَى الرجال بل أحب أن يسمعها منفردا وهي ملكه فَقَالَ لَهُ مغيرة الفقيه هَذَا القول وكره أن تطرب الجارية لَهُ فما ظنك بمن يسمعن الرجال ويرقصهن ويطربهن وَقَدْ ذكر أَبُو طالب المكي أن عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر كان يسمع الغناء. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب العاشر: فِي ذكر تلبيسه عَلَى الصوفية من جملة الزُّهَّاد الخميس 20 ديسمبر 2018, 6:11 am | |
| قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وإنما كان يسمع إنشاد جواريه وَقَدْ أردف ابْن طاهر الحكاية التي ذكرها عَنِ الشافعي وَقَدْ ذكرناها آنفا بحكاية عَنْ أَحْمَد بْن حنبل رواها من طريق عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي قَالَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن أحمد قَالَ سمعت أبا العباس الفرغاني يَقُول سمعت صالح بْن أحمد بْن حنبل يَقُول كنت أحب السماع وكان أبي أَحْمَد يكره ذلك فوعدت ليلة ابْن الخبازة فمكث عندي إِلَى أن علمت أن أبي قد نام وأخذ يغني فسمعت حس أبي فوق السطح فصعدت فرأيت أبي فوق السطح يسمع وذيله تحت إبطه يتبخطر عَلَى السطح كأنه يرقص.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: هذه الحكاية قد بلفتنا من طرق ففي بعض الطرق عَنْ صالح قَالَ كنت أدعو ابْن الخبازة القصائدي وكان يَقُول ويلحن وكان أبي فِي الزقاق يذهب ويجيء ويسمع إليه وكان بيننا وبينه باب وكان يقف من وراء الباب يستمع وقد أَخْبَرَنَا بِهَا أَبُو منصور القزاز نا أَبُو بَكْرِ أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن ثابت نا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن النوري ثنا يوسف بْن عُمَر القواس قَالَ سمعت أبا بَكْر بْن مالك القطيعي يحكي أظنه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أحمد قَالَ كنت أدعو ابْن الخبازة القصائدي وكان يَقُول ويلحن وكان أبي ينهاني عَنِ التغني فكنت إذا كان ابْن الخبازة عندي أكتمه عَنْ أبي لئلا يسمع فكان ذات ليلة عندي وكان يغني1 فعرضت لأبي عندنا حاجة وكنا فِي زقاق فجاء فسمعه يغني فتسمع فوقع فِي سمعه شيء من قوله فخرجت لأنظر فَإِذَا بأبي ذاهبا وجائيا فرددت الباب فدخلت فلما كان من الغد قَالَ لي يا بني إذا كان هَذَا نعم الكلام أَوْ معناه.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وهذا ابْن الخبازة كان ينشد القصائد الزهديات التي فيها ذكر الآخرة ولذلك استمع إليه أحمد وقول من قَالَ ينزعج فَإِن الإنسان قد يزعجه الطرب فيميل يمينا وشمالا وأما رواية ابْن طاهر التي فيها فرأيته وذيله تحت إبطه يتبختر عَلَى السطح كأنه يرقص فإنما هو من تغيير الرواة وتغييرهم لا يظنونه المعنى2 تصحيحا لمذهبهم فِي الرقص وقد ذكرنا القدح فِي السلمي وفي ابْن طاهر الراويين لهذه اللفظات وَقَدِ احتج لهم أَبُو طالب المكي عَلَى جواز السماع بمنامات وقسم السماع إِلَى أنواع وَهُوَ تقسيم صوفي لا أصل لَهُ وَقَدْ ذكرنا أن من ادعى أنه يسمع الغناء ولا يؤثر عنده تحريك النفس إِلَى لهوى فهو كاذب وقد أَخْبَرَنَا أَبُو القاسم الحريري عَنْ أبي طالب الطَّبَرِيّ قَالَ قَالَ بعضهم إنا لا نسمع الغناء بالطبع الذي يشترك فيه الخاص والعام قَالَ وهذا تجاهل مِنْهُ عظيم لأمرين أحدهما أنه يلزمه عَلَى هَذَا أن يستبيح العود والطنبور وسائر الملاهي لأنه يسمعه بالطبع الذي لا يشاركه فيه أحد من الناس فَإِن لم يستبح ذلك فقد نقض قوله وإن استباح فقد فسق والثاني أن هَذَا المدعي لا يخلو من أن يدعي أنه فارق طبع البشر وصار بمنزلة الملائكة فَإِن قَالَ هَذَا فقد تخرص عَلَى طبعه وعلم كل عاقل كذبه إذا رجع إِلَى نفسه ووجب أن لا يكون مجاهدا لنفسه ولا مخالفا لهواه ولا يكون لَهُ ثواب عَلَى ترك اللذات والشهوات وهذا لا يقوله عاقل وإن قَالَ أنا عَلَى طبع البشر المجبول عَلَى الهوى والشهوة قلنا لَهُ فكيف تسمع الغناء المطرب بغير طبعك أَوْ تطرب لسماعه لغير مَا غرس فِي نفسك؟ ------------------------------------------ 1 في النسخة الثانية وكان يقول أي ينشد بدل قوله ويغني في المكانين. 2 كذا في النسختين وفي العبارة نقص أو تصحيف بالمعنى اهـ. ------------------------------------------ أَخْبَرَنَا ابْن ناصر نا أحمد بْن عَلِيّ بْن خلف ثنا أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي قَالَ سمعت أبا القاسم الدمشقي يَقُول سئل أَبُو علي الرودباري عمن سمع الملاهي ويقول هي لي حلال لأني قد وصلت إِلَى درجة لا تؤثر فِي اختلاف الأحوال فَقَالَ نعم قد وصل لعمري ولكن إِلَى سقر.
قال المصنف رحمه اللَّه: فَإِن قيل قد بلغنا عَنْ جماعة أنهم سمعوا عَنِ المنشد شيئا فأخذوه عَلَى مقصودهم فانتفعوا به قلنا لا ينكر أن يسمع الإنسان بيتا من الشعر أَوْ حكمة فيأخذها إشارة فتزعجه بمعناها لا لأن الصوت مطرب كَمَا سمع بعض المريدين صوت مغنية تقول: كل يوم تتلون ... غير هَذَا بك أجمل
فصاح ومات فهذا لم يقصد سماع المرأة ولم يلتفت إِلَى التلحين وإنما قتله المعنى ثم ليس سماع كلمة أَوْ بيت لم يقصد سماعة كالاستعداد لسماع الأبيات المذكورة الكثيرة المطربة مَعَ انضمام الضرب بالقضيب والتصفيق إِلَى غير ذلك ثم إن ذلك السامع لم يقصد السماع ولو سألنا هل يجوز لي أن أقصد سماع ذلك منعناه.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وَقَدِ احتج لهم أَبُو حامد الطوسي بأشياء نزل فيها عَنْ رتبته عَنِ الفهم مجموعها أنه قَالَ مَا يدل عَلَى تحريم السماع نص ولا قياس وجواب هَذَا مَا قد أسلفناه وقال لا وجه لتحريم سماع صوت طيب فَإِذَا كان موزونا فلا يحرم أيضا وإذا لم يحرم الآحاد فلا يحرم المجموع فَإِن أفراد المباحات إذا اجتمعت كان المجموع مباحا قَالَ ولكن ينظر فيما يفهم من ذلك فَإِن كان فيه شيء محظور حرم نثره ونظمه وحرم التصويت به.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت وإني لأتعجب من مثل هَذَا الكلام فَإِن الوتر بمفردة أَوِ العود وحده من غير وتر لو ضرب لم يحرم ولم يطرب فَإِذَا اجتمعا وضرب بهما عَلَى وجه مخصوص حرم وأزعج وكذلك ماء العنب جائز شربه وإذا حدثت فيه شدة مطربة حرم.
وكذلك هَذَا المجموع يوجب طربا يخرج عَنِ الاعتدال فيمنع مِنْهُ ذلك وقال ابْن عقيل الأصوات عَلَى ثَلاثَة أضرب محرم ومكروه ومباح فالمحرم الزمر والناي والسرنا والطنبور والمعزفة والرباب وما ماثلها نص الإمام أَحْمَد بْن حنبل عَلَى تحريم ذلك ويلحق به الجرافة1 والجنك لأن هذه تطرب فتخرج عَنْ حد الاعتدال وتفعل فِي طباع الغالب من الناس مَا يفعله المسكر. ------------------------------------------ 1 في الثانية: الحراية وهذه كلها أسماء لآلات الملاهي وفي نسخة الجرانة. ------------------------------------------ وسواء استعمل عَلَى حزن يهيجه أَوْ سرور لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عَن صوتين أحمقين صوت عند نغمة وصوت عند مصيبة والمكروه القضيب لكنه ليس بمطرب فِي نفسه وإنما يطرب بما يتبعه وَهُوَ تابع للقول والقول مكروه ومن أصحابنا من يحرم القضيب كَمَا يحرم آلات اللهو فيكون فيه وجهان كالقول1 نفسه والمباح الدف وَقَدْ ذكرنا عَنْ أَحْمَد أنه قَالَ أرجوا أن لا يكون بالدف بأس فِي العرس ونحوه وأكره الطبل وَقَدْ قَالَ أَبُو حامد من أحب اللَّه وعشقه واشتاق إِلَى لقائه فالسماع فِي حقه مؤكد لعشقه.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت وهذا قبيح أن يقال عَنِ اللَّه عز وجل يعشق وَقَدْ بينا فيما تقدم خطأ هَذَا القول ثم أي توكيد لعشقه فِي قول المغنى: ذهبي اللون تحسب من ... وجنتيه النار تقتدح
قَالَ المصنف رحمه اللَّه قلت: وسمع ابْن عقيل بعض الصوفية يَقُول أن مشايخ هذه الطائفة كلما وقفت طباعهم حداها الحادي إِلَى اللَّه بالأناشيد فَقَالَ ابْن عقيل لا كرامة لهذا القائل إنما تحدى القلوب بوعد اللَّه فِي القرآن ووعيده وسنة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأن اللَّه سبحانه وتعالى قَالَ: "وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا" وما قَالَ وإذا أنشدت عَلَيْهِ القصائد طربت فأما تحريك الطباع بالألحان فقاطع عَنِ اللَّه والشعر يتضمن صفة المخلوق والمعشوق مما يتعدد عنه فتنه ومن سولت لَهُ نفسه التقاط العبر من محاسن البشر وحسن الصوت فمفتون بل ينبغي النظر إِلَى المحال التي أحالنا عليها الإبل والخيل والرياح ونحو ذلك فإنها منظورات لا تهيج طبعا بل تورث استعظاما للفاعل وإنما خدعكم الشَّيْطَان فصرتم عُبَيْد شهواتكم ولم تقفوا حتى قلتم هذه الحقيقة وأنتم زنادقة فِي زي عباد شرهين فِي زي زهاد مشبهة تعتقدون أن اللَّه عز وجل يعشق ويهام فيه ويؤلف ويؤنس به وبئس التوهم لأن اللَّه عز وجل خلق الذوات مشاكلة لأن أصولها مشاكلة فهي تتوانس وتتألم بأصولها العنصرية وتراكيبها المثلية فِي الأشكال الحديثة فمن ههنا جاء التلاوم والميل وعشق بعضهم بعضاً وعلى قدر التقارب فِي الصورة يتأكد الأنس والواحد منا يأنس بالماء لأن فيه ماء وَهُوَ بالنبات آنس لقربه من الحيوانية بالقوة النمائية وَهُوَ بالحيوان آنس لمشاركته فِي أخص النوع به أَوْ أقربه إليه. ------------------------------------------ 1 وفي نسخة كالعود. ------------------------------------------ فأين المشاركة للخالق والمخلوق حتى يحصل الميل إليه والعشق والشوق وما الذي بين الطين والماء وبين خالق السماء من المناسبة وإنما هؤلاء يصورون الباري سبحانه وتعالى صورة تثبت فِي القلوب وما ذاك اللَّه عز وجل ذاك صنم شكله الطبع وَالشَّيْطَان وليس لله وصف تميل إليه الطباع ولا تشتاق إليه الأنفس وإنما مباينة الإلهية للمحدث أوجبت فِي الأنفس هيبة وحشمة فما يدعيه عشاق الصوفية لله فِي محبة اللَّه إنما هو وهم اعترض وصورة شكلت فِي نفوس فحجبت عَنْ عبادة القديم فتجدد بتلك الصورة أنس فَإِذَا غابت بحكم مَا يقتضيه العقل أقلقهم الشوق إليها فنالهم من الوجد وتحرك الطبع والهيمان مَا ينال الهائم فِي العشق فنعوذ بالله من الهواجس الرديئة والعوارض الطبيعية التي يجب بحكم الشرع محوها عَنِ القلوب كَمَا يجب كسر الأصنام.
فصل: قال المصنف رحمه اللَّه: وَقَدْ كان جماعة من قدماء الصوفية ينكرون على المبتدىء السماع لعلمهم بما يثير من قلبه أَخْبَرَنَا عُمَر بْن ظفر المقري نا جَعْفَر بْن أَحْمَدَ نا عَبْد الْعَزِيز بْن عَلِيٍّ الأزجي ثنا بن جهضم ثني أَبُو عَبْد اللَّهِ المقري ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن صالح قَالَ قَالَ لي جنيد إذا رأيت المريد يسمع السماع فاعلم أن فيه بقايا من اللعب أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حبيب نا أَبُو سَعِيد بْن أبي صَادِق نا أَبُو عَبْد اللَّهِ بْن باكويه قَالَ سمعت أحمد بْن مُحَمَّد البردعي يَقُول سمعت أبا الْحُسَيْن النوري يَقُول لبعض أصحابه إذا رأيت المريد يسمع القصائد ويميل إِلَى الرفاهية فلا ترج خيره.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: هَذَا قول مشايخ القوم وإنما ترخص المتأخرون حب اللهو فتعدى شرهم من وجهين أحدهما سوء ظن العوام بقدمائهم لأنهم يظنون أن الكل كانوا هكذا والثاني أنهم جرأوا العوام عَلَى اللعب فليس للعامي حجة فِي لعبه إلا أن يَقُول فلان يفعل كذا ويفعل كذا.
فصل: قال المصنف رحمه اللَّه: وَقَدْ نشب السماع بقلوب خلق منهم فآثروه عَلَى قراءة القرآن ورقت قلوبهم عنده بما لا ترق عند القرآن وما ذاك إلا لتمكن هوى باطن تمكن مِنْهُ وغلبه طبع وهم يظنون غير هَذَا أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز نا أَبُو بَكْر الخطيب نا عَبْدُ الكريم بْن هوزان وأنبأنا عَبْدُ المنعم بْن عَبْدِ الكريم ثنا أبي وقال سمعت أبا حاتم مُحَمَّد بْن أحمد بْن يَحْيَى السجستاني قَالَ سمعت أبا نصر السراج يَقُول حكى لي بعض إخواني عَنْ أبي الْحُسَيْن الدراج قَالَ قصدت يوسف بْن الْحُسَيْن الرازي من بغداد فلما دخلت الري سألت عَنْ منزله وكل من أساله عنه يَقُول إيش تفعل بذلك الزنديق فضيقوا صدري حتى عزمت عَلَى الانصراف فبت تلك الليلة فِي مسجد ثم قلت جئت إِلَى هذه البلدة فلا أقل من زيارته فلم أزل أسأل عنه حتى دفعت إِلَى مسجده وَهُوَ قاعد فِي المحراب بين يديه رجل عَلَى يديه مصحف وَهُوَ يقرأ فدنوت فسلمت فرد السلام وقال من أين قلت من بغداد قصدت زيارة الشيخ فَقَالَ تحسن أن تقول شيئا فقلت نعم وقلت: رأيتك تبني دائما فِي قطيعتي ... ولو كنت ذا حزم لهدمت مَا تبني
فأطبق المصحف ولم يزل يبكي حتى ابتلت لحيته وثوبه حتى رحمته من كثرة بكائه ثم قَالَ لي يا بني تلوم أهل الري عَلَى قولهم يوسف بْن الْحُسَيْن زنديق ومن وقت الصلاة هوذا أقرأ القرآن لم تقطر من عيني قطرة وَقَدْ قامت علي القيامة بهذا البيت وأنبأنا عَبْد المنعم بْن عَبْدِ الكريم بْن هوازن نا أبي قَالَ سمعت أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول فأخرجت إِلَى مرو فِي حياة الأستاذ أبي سهيل الصعلوكي وكان لَهُ قبل خروجي أيام الجمع بالغدوات مجلس درس القرآن والختمات فوجدته عند خروجي قد رفع ذلك المجلس وعقد لابن الفرعاني فِي ذلك الوقت مجلس القوال يعني المغني فتداخلني من ذلك شيء فكنت أقول قد استبدل مجلس الختمات بمجلس القوال فَقَالَ لي يوما أي شيء تقول الناس فقلت يقولون رفع مجلس القرآن ووضع مجلس القوال فَقَالَ من قَالَ لأستاذه لم لم يفلح.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: هذه دعاة الصوفية يقولون الشيخ يسلم لَهُ حاله وما لنا أحد يسلم إليه حاله فَإِن الآدمي يرد عَنْ مراداته بالشرع والعقل والبهائم بالسوط.
فصل: وقد اعتقد قوم من الصوفية أن هَذَا الغناء الذي ذكرنا عَنْ قوم تحريمه وعن آخر كراهته مستحب فِي حق قوم وأنبأنا عَبْدُ المنعم بْن عَبْدِ الكريم بْن هوازن القشيري قَالَ حَدَّثَنَا أبي قَالَ سمعت أبا علي الدقاق يَقُول السماع حرام عَلَى العوام لبقاء نفوسهم مباح الزهاد لحصول مجاهداتهم مستحب لأصحابنا لحياة قلوبهم.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه قلت: وهذا غلط من خمسة أوجه أحدها أنا قد ذكرنا عَنْ أبي حامد الغزالي أنه يباح سماعه لكل أحد وأبو حامد كان أعرف من هَذَا القائل والثاني أن طباع النفوس لا تتغير وإنما المجاهدة تكف عملها فمن ادعى تغير الطباع ادعى المحال فَإِذَا جاء مَا يحرك الطباع واندفع الذي كان يكفها عنه عادت العادة والثالث أن العلماء اختلفوا فِي تحريمه وإباحته وليس فيهم من نظر فِي السامع لعلمهم أن الطباع تتساوى فمن ادعى خروج طبعه عَنْ طباع الآدميين ادعى المحال والرابع أن الإجماع انعقد عَلَى انه ليس بمستحب وإنما غايته الإباحة فادعاء الاستحباب خروج عَنِ الإجماع والخامس انه يلزم من هَذَا أن يكون سماع العود مباحا أَوْ مستحبا عند من لا يغير طبعه لأنه إنما حرم لأنه يؤثر فِي الطباع ويدعوها إِلَى الهوى فَإِذَا أمن ذلك فينبغي أن يباح وَقَدْ ذكرنا هَذَا عَنْ أبي الطيب الطَّبَرِيّ.
فصل: قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وَقَدِ ادعى قوم منهم أن هَذَا السماع قربة إِلَى اللَّه عز وجل قال أَبُو طالب المكي حَدَّثَنِي بعض أشياخنا عَنْ الجنيد أنه قَالَ تنزل الرحمة عَلَى هذه الطائفة فِي ثَلاثَة مواطن عند الأكل لأنهم لا يأكلون إلا عَنْ فاقة وعند المذاكرة لأنهم يتجاوزون فِي مقامات الصديقين وأحوال النبيين وعند السماع لأنهم يسمعون بوجد ويشهدون حقا.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه قلت: وهذا إن صح عَنِ الجنيد وأحسنا به الظن كان محمولا عَلَى مَا يسمعونه من القصائد الزهدية فإنها توجب الرقة والبكاء فأما أن تنزل الرحمة عند وصف سعدى وليلى ويحمل ذلك عَلَى صفات الباري سبحانه وتعالى فلا يجوز اعتقاد هَذَا ولو صح أخذ الإشارة من ذلك كانت الإشارة مستغرقة فِي جنب غلبة الطباع ويدل عَلَى مَا حملنا الأمر عَلَيْهِ أنه لم يكن ينشد فِي زمان الجنيد مثل مَا ينشد الْيَوْم إلا أن بعض المتأخرين قد حمل كلام الجنيد عَلَى كل مَا يقال فحدثني أَبُو جَعْفَر أَحْمَد بْن أزهر بْن عَبْدِ الْوَهَّاب السباك عَنْ شيخنا عَبْد الْوَهَّاب بْن الْمُبَارَك الْحَافِظ قَالَ كان أَبُو الوفا الفيروزبادي شيخ رباط الزوزني صديقا لي فكان يَقُول لي وَاللَّه إني لأدعو لك وأذكرك وقت وضع المخدة والقول قَالَ فكان الشيخ عَبْد الْوَهَّاب يتعجب ويقول أترون هَذَا يعتقد أن ذلك وقت إجاية إن هَذَا لعظيم وقال ابْن عقيل قد سمعنا منهم أن الدعاء عند حدو الحادي وعند حضور المخدة مجاب وذلك أنهم يعتقدون أنه قربة يتقرب بِهَا إِلَى اللَّه تعالى قَالَ وهذا كفر لأن من اعتقد الحرام أَوِ المكروه قربة كان بهذا الاعتقاد كافرا قَالَ والناس بين تحريمه وكراهيته أَخْبَرَنَا أَبُو منصور عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد القزاز نا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن ثابت قَالَ أخبرني عَلِيّ بْن أيوب قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عمران بْن مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أحمد الكاتب قَالَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن فهم قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو همام قَالَ حَدَّثَنِي إبراهيم بْن أعين قَالَ قَالَ صالح المري أبطأ الصرعي نهضة صريع هوى يدعيه إِلَى اللَّه قربة وأثبت الناس قدما يوم القيامة آخذهم بكتاب اللَّه وسنة نبيه مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنبأنا أَبُو المظفر عَبْد المنعم بْن عَبْدِ الكريم القشيري قَالَ حَدَّثَنَا أبي قَالَ سمعت أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول سمعت مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شاذان يَقُول سمعت أبا بَكْر النهاوندي يَقُول سمعت عليا السائح يَقُول سمعت أبا الحارث الأولاسي يَقُول رأيت إبليس فِي المنام عَلَى بعض سطوح أولاس وأنا عَلَى سطح وعلى يمينه جماعة وعلى يساره جماعة وعليهم ثياب لطاف فَقَالَ لطائفة منهم قولوا وغنوا فاستغرقني طيبة حتى هممت أن أطرح نفسي من السطح ثم قَالَ أرقصوا فرقصوا أطيب مَا يكون ثم قَالَ لي يا أبا الحارث مَا أصبت مِنْكُمْ شيئا أدخل به عليكم إلا هَذَا. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب العاشر: فِي ذكر تلبيسه عَلَى الصوفية من جملة الزُّهَّاد الخميس 20 ديسمبر 2018, 6:23 am | |
| ذكر تلبيس إبليس عَلَى الصوفية فِي الوجد قال المصنف رحمه اللَّه: هذه الطائفة إذا سمعت الغناء تواجدت وصفقت وصاحت ومزقت الثياب وَقَدْ لبس عليهم إبليس فِي ذلك وبالغ وقد احتجوا بما أَخْبَرَنَا به أَبُو الفتح مُحَمَّد بْن عَبْدِ الباقي قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو علي الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الفضل الكرماني قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ سَهْل بْن عَلِيٍّ الخشاب قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو نصر عَبْد اللَّهِ بْن عَلِيٍّ السراج الطوسي قَالَ وَقَدْ قيل لَهُ أنه لما نزلت: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} صاح سلمان الْفَارِسِيّ صيحة ووقع عَلَى رأسه ثم خرج هاربا ثَلاثَة أيام واحتجوا بما أَخْبَرَنَا به عَبْد الْوَهَّاب بْن الْمُبَارَك الْحَافِظ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن بْن عَبْدِ الجبار قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عَلِيٍّ الخياط قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن يوسف بْن دوست قَالَ أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْن صفوان قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد القرشي قَالَ وأَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن الجعد قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاش عَنْ عِيسَى بْن سليم عَنْ أبي وائل قَالَ خرجنا مَعَ عَبْد اللَّهِ ينظر إِلَى حديدة فِي النار فنظر الربيع إليها فمال ليسقط ثم أن عَبْد اللَّهِ مضى حتى أتينا عَلَى أنون على شاطىء الفرات فلما رآه عَبْد اللَّهِ والنار تلتهب فِي جوفه قرأ هذه الآية: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} إِلَى قوله {ثُبُوراً كَثِيراً} فصعق الربيع واحتملناه إِلَى أهله ورابطه عَبْد اللَّهِ حتى يصلي الظهر فلم يفق ثم رابطه إِلَى العصر فلم يفق ثم رابطه إِلَى المغرب فأفاق فرجع عَبْد اللَّهِ إِلَى أهله قالوا وَقَدِ اشتهر عَنْ خلق كثير من العباد أنهم كانوا إذا سمعوا القرآن فمنهم من يموت ومنهم من يصعق ويغشى عَلَيْهِ ومنهم من يصيح وهذا كثير فِي كتب الزهد والجواب أما مَا ذكره عَنْ سلمان فمحال وكذب ثم ليس لَهُ إسناد والآية نزلت بمكة وسلمان إنما أسلم بالمدينة ولم ينقل عَنْ أحد من الصحابة مثل هَذَا أصلا وأما حكاية الربيع بْن خثيم فَإِن راويها عِيسَى بْن سليم وفيه معمر أنبأنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَك الْحَافِظ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد المظفر الشامي قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أحمد بْن مُحَمَّد العتيقي قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو يعقوب يوسف بْن أحمد الصيدلاني قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن عمرو بْن مُوسَى العقيلي قَالَ قَالَ أحمد بْن حنبل عِيسَى بْن سليم عَنْ أبي وائل لا أعرفه قَالَ العقيلي وَحَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنِي أبي قال حدثني بن آدم قَالَ سمعت حمزة الزيات قَالَ لسفيان إنهم يروون عَنِ الربيع بْن خثيم أنه صعق قَالَ ومن يروي هَذَا إنما كان يرويه ذاك القاص يعني عِيسَى بْن سليم فلقيته فقلت عمن تروي أنت ذا منكرا عَلَيْهِ.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت فهذا سفيان الثوري ينكر أن يكون الربيع ابْن خثيم جرى لَهُ هَذَا لأن الرَّجُل كان عَلَى السمت الأَوَّل وما كان فِي الصحابة من يجري لَهُ مثل هَذَا ولا التابعين ثم نقول عَلَى تقدير الصحة أن الإنسان قد يخشى عَلَيْهِ من الخوف فيسكنه الخوف ويسكته فيبقى كالميت.
وعلامة الصادق أنه لو كان عَلَى حائط لوقع لأنه غائب فأما من يدعي الوجد ويتحفظ من أن تزل قدمه ثم يتعدى إِلَى تخريق الثياب وفعل المنكرات فِي الشرع فإنا نعلم قطعا أن الشَّيْطَان يلعب به.
وأَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن ثابت قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الفتح قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن النيسابوري قَالَ سمعت أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن زكريا يَقُول سمعت أَحْمَد بْن عطاء يَقُول كان للشبلي يوم الجمعة نظرة ومن بعدها صيحة فصاح يوما صيحة تشوش من حوله من الخلق وكان بجنب حلقته حلقة أبي عمران الأشيب فحرد أَبُو عمران وأهل حلقته.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: واعلم وفقك اللَّه أن قلوب الصحابة كانت أصفى القلوب وما كانوا يزيدون عند الوجد عَلَى البكاء والخشوع فجرى من بعض غرائبهم نحو مَا أنكرناه فبالغ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الإنكار عَلَيْهِ فأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر الْحَافِظ قَالَ أَنْبَأَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن خلف قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظ وأنبأنا ابْنُ الحصين قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيّ بْن المذهب قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو حفص بْن شاهين قَالَ حَدَّثَنَا عثمان بْن أَحْمَدَ بْن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ الحميد الجعفي قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ المتعال بْن طالب قَالَ حَدَّثَنَا يوسف بْن عطية عَنْ ثابت عَنْ أنس قَالَ وعظ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوما فَإِذَا رجل قد صعق فَقَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ ذَا الْمُلْبِسُ عَلَيْنَا دِينَنَا إِنْ كَانَ صَادِقًا فَقَدْ شَهَرَ نَفْسَهَ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَمَحَقَهُ اللَّهُ" قَالَ ابْن شاهين وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن سليمان بن الأشعت قَالَ حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن يوسف الجبيري قَالَ حَدَّثَنَا روح بْن عطاء بْن أبي ميمون عَنْ أبيه عَنْ أنس بْن مالك قَالَ ذكر عنده هؤلاء الذين يصعقون عند القراءة فَقَالَ أنس لقد رأيتنا ووعظنا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم حتى سمعنا للقوم حنينا حين أخذتم الموعظة وما سقط منهم أحد.
قال المصنف رحمه الله: وهذا حديث العرياض بْن سارية وعظنا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موعظة ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا القلوب قَالَ أَبُو بَكْر الآجري ولم يقل صرخنا ولا ضربنا صدورنا كَمَا يفعل كثير من الجهال الذين يتلاعب بهم الشَّيْطَان أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن عَلِيٍّ المقري قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو ياسر أَحْمَد بْن بندار بْن إِبْرَاهِيم قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عُمَر بْن بكير النجار قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن جَعْفَر بْن حَمْدَان قَالَ أَخْبَرَنَا إبراهيم بْن عَبْدِ اللَّهِ البصري قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عُمَر حفص بْن عَبْدِ اللَّهِ الضرير قَالَ أَخْبَرَنَا خالد بْن عَبْدِ اللَّهِ الواسطي قَالَ حَدَّثَنَا حصين بْن عَبْدِ الرَّحْمَن قَالَ قلت لأسماء بنت أبي بَكْر كيف كان أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآله عند قراءة القرآن قالت كَانُوا كَمَا ذَكَرَهُمُ اللَّهُ أَوْ كَمَا وَصَفَهُمْ عَزَّ وَجَلَّ تَدْمَعُ عُيُونُهُمْ وَتَقْشَعِرُّ جُلُودُهُمْ فَقُلْتُ لَهَا إِنَّ ههنا رجالا إذا قرىء عَلَى أَحْدِهِمُ الْقُرْآنُ غُشِيَ عَلَيْهِ فَقَالَتْ أَعُوذُ بِاللِّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا جَعْفَر بْن مُحَمَّد السراج نا الْحَسَن بْن عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن أَحْمَدَ بْن حنبل ثنا الوليد بْن شجاع ثنا إسحاق الحلبي ثنا فرات عَنْ عَبْدِ الكريم عَنْ عِكْرِمَة قَالَ سَأَلْتُ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ هَلْ كَانَ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْخَوْفِ قَالَتْ لا وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يبكون.
أَخْبَرَنَا بْن ناصر نا جَعْفَر بْن أَحْمَدَ نا الْحَسَن بْن عَلِيٍّ التميمي وأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْدِ الباقي بْن أَحْمَدَ نا حمد بْن أَحْمَدَ الحداد نا أَبُو نعيم الْحَافِظ قالا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ ثنا سريح بْن يُونُس ثنا سَعِيد بْن عَبْدِ الرَّحْمَن الجمحي عَنْ أبي حازم قَالَ مَرَّ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِرَجُلٍ سَاقِطٍ مِنَ الْعِرِاقِ فَقَالَ مَا شأنه فقالوا إذا قرىء عَلَيْهِ الْقُرْآنَ يُصِيبُهُ هَذَا قَالَ إِنَّا لَنَخْشَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا نَسْقُطُ.
أَخْبَرَنَا سَعِيد بْن أَحْمَدَ بْن البنا نا أَبُو سَعْد مُحَمَّد بْن عَلِيٍّ الرستمي نا أَبُو الْحُسَيْن بْن بشران ثنا إسماعيل بْن مُحَمَّد الصفار ثنا سعدان بْن نصر ثنا سفيان ابْن عيينه عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن أبي بردة عَنِ ابْنِ عَبَّاس أنه ذكر الخوارج وما يلقون عند تلاوة القرآن فَقَالَ إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَهُمْ مُضِلُّونَ.
أنبأنا ابْن الحصين نا أَبُو عَلِيّ بْن المذهب نا أَبُو حفص بْن شاهين ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْر بْن عَبْدِ الرزاق نا إبراهيم بْن فهد عَنْ إبراهيم بْن الحجاج الشامي ثنا شبيب بْن مهران عَنْ قتادة قَالَ قيل لأنس بْن مالك إِنَّ نَاسًا إذا قرىء عَلَيْهِمِ الْقُرْآنَ يُصْعَقُونَ فَقَالَ ذَاكَ فِعْلُ الْخَوَارِجِ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أبي الْحُسَيْن بْن يوسف نا عُمَر بْن عَلِيّ بْن الفتح نا أَحْمَد بْن مُحَمَّد الكاتب ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن المغيرة ثنا أَحْمَد بْن سَعِيد الدمشقي قَالَ بلغ عَبْد اللَّهِ بْن الزبير أن ابنه عامرا صَحِبَ قَوْمًا يَتَصَعَّقُونَ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَقَالَ لَهُ يَا عَامِرُ لأَعْرِفَنَّ مَا صَحِبْتَ الَّذيْنِ يَصَّعَّقُونَ عِنْدَ الْقُرْآنِ لأُوسِعَكَ جَلْدًا.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْدِ الباقي بْن أَحْمَدَ نا حمد بْن أَحْمَدَ الحداد نا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ ثنا سُلَيْمَان بْن أَحْمَدَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ العباس ثنا الزبير بْن بكارثني عَبْد اللَّهِ بْن مصعب بْن ثابت عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير قَالَ ثني أبي عَنْ عامر بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير قَالَ جئت إِلَى أبي فَقَالَ لي أين كنت فقلت وجدت أقواما مَا رأيت خيرا منهم يذكرون اللَّه عز وجل فيرعد أحدهم حتى يخشى عَلَيْهِ من خشية اللَّه عز وجل فقعدت معهم قَالَ لا تقعد معهم بعدها فرآني كأني لم يأخذ ذلك فِي فَقَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْلُو الْقُرْآنَ وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَتْلُوَانِ الْقُرْآنَ وَلا يُصِيبُهُمْ هَذَا أفتراهم أخشع الله مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَرَأَيْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَتَرَكْتُهُمْ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْدِ الباقي نا حمد بْن أَحْمَدَ نا أَبُو نعيم الْحَافِظ نا مُحَمَّد بْن أحمد فِي كتابه ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أيوب ثنا حفص بْن عُمَر النميري ثنا حماد بْن زيد ثنا عمرو بْن مالك قَالَ بينا نحن عند أبي الجوزاء يحَدَّثَنَا إذا خر رجل فاضطرب فوثب أَبُو الجوزاء يسعى قبله فَقِيلَ لَهُ يا أبا الجوزاء انه رجل به الموتة فَقَالَ إنما كنت أراه من هؤلاء القفازين ولو كان منهم لأمرت به فأخرج من المسجد إنما ذكرهم اللَّه تعالى فَقَالَ: {أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} أَوْ قَالَ: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ}.
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد بْن عَلِيٍّ المقري نا أحمد بْن بندار بْن إبراهيم نا مُحَمَّد بْن عُمَر بْن بكير النجار نا أحمد بْن جَعْفَر بْن حَمْدَان ثنا إبراهيم بْن عَبْدِ اللَّهِ البصري ثنا أَبُو عُمَر حفص بْن عُمَر الضرير نا حماد بْن زيدني عُمَر بْن مالك البكري قَالَ قرأ قارىء عند أبي الجوزاء قَالَ فصاح رجل من أخريات القوم أَوْ قَالَ من القوم فقام إليه أَبُو الجوزاء فَقِيلَ لَهُ يا أبا الجوزاء انه رجل به شيء فَقَالَ طبيب انه من هؤلاء النفارين فلو كان منهم لوضعت رجلي عَلَى عنقه وقال أَبُو عُمَر أَخْبَرَنَا جرير بْن حازم انه شهد مُحَمَّد بْن سيرين وقيل لَهُ أن ههنا رجالا إذا قرىء عَلَى أَحْدِهِمُ الْقُرْآنُ غُشِيَ عَلَيْهِ فَقَالَ مُحَمَّد بْن سيرين يقعد أحدهم عَلَى جدار ثم يقرأ عَلَيْهِ القرآن1 من أوله إِلَى آخره فَإِن وقع فهو صَادِق قَالَ أَبُو عمرو وكان مُحَمَّد بْن سيرين يذهب إِلَى أن تصنع وليس بحق من قلوبهم.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْدِ الباقي ثنا حمد بْن أحمد نا أَبُو نعيم الْحَافِظ ثنا أَبُو مُحَمَّد بْن حبان ثنا مُحَمَّدُ بْنُ العباس ثنا زِيَاد عَنْ يَحْيَى عَنْ عمران بْن عَبْدِ الْعَزِيز قَالَ سمعت مُحَمَّد بْن سيرين وسئل عَنْ من يستمع القرآن فيصعق فَقَالَ ميعاد مَا بيننا وبينهم أن يجلسوا عَلَى حائط فيقرأ عليهم القرآن من أوله إِلَى آخره فَإِن سقطوا فهم كَمَا يقولون.
أَخْبَرَنَا ابْن ناصر نا أَبُو طاهر عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أبي الْحُسَيْن بْن يوسف نا مُحَمَّد بْن عَلِيٍّ العشاري نا مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ الدقاق نا الْحُسَيْن بْن صَفْوَانَ ثنا أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيّ عَنْ ابراهيم بن الأشعت قَالَ سمعت أبا عصام الرمل عَنْ رجل عَنْ الْحَسَن أنه وعظ يوما فتنفس رجل فِي مجلسه فَقَالَ الْحَسَن إن كان لله تعالى شهرت نفسك وإن كان لغير اللَّه فقد هلكت.
أَخْبَرَنَا بْن ناصر نا جَعْفَر بْن أَحْمَدَ نا الْحَسَن بْن عَلِيّ نا أَحْمَد بْن جَعْفَر ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن أَحْمَدَ ثني أبي ثنا روح ثنا السري بْن يَحْيَى ثنا عَبْدُ الكريم بْن رشيد قَالَ كنت فِي حلقة الْحَسَن فجعل رجل يبكي وارتفع صوته فَقَالَ الْحَسَن إن الشَّيْطَان ليبكي هَذَا الآن.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا أَبُو غالب عُمَر بْن الْحُسَيْن الباقلاني نا أَبُو العلاء الواسطي نا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الأزدي ثنا إبراهيم بْن رحمون ثنا اسحق بْن إبراهيم البغدادي قَالَ سمعت أبا صفوان يَقُول قَالَ الفضيل بْن عياض لأبنه وَقَدْ سقط يا بني إن كنت صادقا لقد فضحت نفسك وإن كنت كاذبا فقد أهلكت نفسك. ------------------------------------------ 1 في الثانية: المصحف بدل القرآن. ------------------------------------------ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حبيب نا أَبُو سَعْد بْن أبي صَادِق نا ابْنُ باكويه ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أحمد النجار ثنا المرتعش قَالَ رأيت أبا عثمان سَعِيد بْن عثمان الواعظ وَقَدْ تواجد إنسان بين يديه فَقَالَ لَهُ يا بني إن كنت صادقاً فقد أظهرت كل مالك وإن كنت كاذبا فقد أشركت بالله.
فصل قال المصنف رحمه اللَّه: فَإِن قَالَ قائل إنما يفرض الكلام فِي الصادقين لا فِي أهل الرياء فما تقول فمن أدركه الوجد ولم يقدر عَلَى دفعه فالجواب إن أول الوجد انزعاج فِي الباطن فَإِن كف الإنسان نفسه كيلا يطلع عَلَى حاله يئس الشَّيْطَان مِنْهُ فبعد عنه كَمَا كان أيوب السختياني إذا تحدث فرق قلبه مسح أنفه وقال مَا أشد الزكام وان أهمل الإنسان ولم يبال بظهور وجده أَوْ أحب إطلاع الناس عَلَى نفسه نفخ فيه الشَّيْطَان فانزعج عَلَى قدر نفخه كما أَخْبَرَنَا هِبَة اللَّهِ بْن مُحَمَّدٍ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نا أَحْمَد بْن جَعْفَر ثنا عَبْد اللَّهِ ثني أبي ثنا أَبُو مُعَاوِيَة ثنا الأَعْمَشُ عَنْ عمرو بْن مرة عَنْ يَحْيَى بْن الخراز عَنِ ابْن أخي زينب عَنْ امرأة عَبْد اللَّهِ قالت جاء عَبْد اللَّهِ ذات يوم وعندي عجوز ترقيني من الحموة فأدخلتها تحت السرير قالت فدخل فجلس إِلَى جنبي فرأى فِي عنقي خيطا فَقَالَ مَا هَذَا الخيط قلت خيط رقي لي فيه رقية فأخذه وقطعه ثم قَالَ إن آل عَبْد اللَّهِ لأغنياء عَنِ الشرك سمعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول إِنَّ فِي الرُّقَى وَالتَّمَائِمِ وَالتَّوَلَّةِ شِرْكًا قَالَتْ فَقُلْتُ لَهُ لِمَ تَقُولُ هَذَا وَقَدْ كَانَتْ عَيْنِي تَقْذِفُ وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى فُلانٍ الْيَهُودِيُّ يَرْقِيهَا فَكَانَ إِذَا رَقَاهَا سَكَنَتْ قَالَ إِنَّمَا ذَاكَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ كَانَ يَنْخُسُهَا بِيَدِهِ فَإِذَا رَقَيْتُهَا كَفَّ عَنْهَا إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تقولي كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذْهِبِ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا.
قال المصنف رحمه اللَّه: التولة ضرب من السحر يحبب المرأة إِلَى زوجها أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْدِ الباقي بْن أَحْمَدَ نا الْحَسَن بْن عَبْدِ الملك بْن يوسف نا أَبُو مُحَمَّد الخلال ثنا أَبُو عُمَر بْن حياة ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي داود ثنا هارون بْن زيد عَنْ أبي الزرقاء ثنا أبي قَالَ ثنا سفيان عَنْ عِكْرِمَة بْن عمار عَنْ شعيب بْن أبي السني عَنْ أبي عِيسَى أَوْ عِيسَى قَالَ ذهبت إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر فَقَالَ أَبُو السوار يا أبا عَبْد الرَّحْمَنِ إن قوما عندنا إذا قرىء عليهم القرآن يركض أحدهم من خشية اللَّه قَالَ كذبت قَالَ بلى ورب هذه البنية قَالَ ويحك إن كنت صادقا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ليدخل جوف أحدهم وَاللَّه مَا هكذا كان أصحاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فصل: فإن قَالَ قائل فنفرض أن الكلام فيمن اجتهد فِي دفع الوجد فلم يقدر عَلَيْهِ وغلبه الأمر فمن أين يدخل الشَّيْطَان فالجواب إنا لا ننكر ضعف بعض الطباع عَنِ الدفع إلا أن علامة الصادق أنه لا يقدر عَلَى أن يدفع ولا يدري مَا يجري عَلَيْهِ فهو من جنس قوله عز وجل: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً}.
وقد أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْدِ الباقي نا حمد بْن أحمد نا أَحْمَد بْن عَبْدِ اللَّهِ ثنا إِبْرَاهِيم بْن عَبْدِ اللَّهِ ثنا محمد بن إسحق الثقفي ثني حاتم بْن الليث الْجَوْهَرِيّ ثنا خالد بْن خداش قال قرىء عَلَى عَبْد اللَّهِ بْن وهب كتاب أهوال القيامة فخر مغشيا عَلَيْهِ فلم يتكلم بكلمة حتى مات بعد ذلك بأيام. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب العاشر: فِي ذكر تلبيسه عَلَى الصوفية من جملة الزُّهَّاد الخميس 20 ديسمبر 2018, 6:25 am | |
| قال المصنف رحمه اللَّه: قلت وَقَدْ مات خلق كثير من سماع الموعظة وغشي عليهم قلنا هَذَا التواجد الذي يتضمن حركات المتواجدين وقوة صياحهم وتخبطهم فظاهره أنه متعمل وَالشَّيْطَان معين عَلَيْهِ.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: فَإِن قيل فهل فِي حق المخلص نقص بهذه الحالة الطارئة عَلَيْهِ قيل نعم من جهتين أحدهما أنه لو قوى العلم أمسك والثاني أنه قد خولف به طريق الصحابة والتابعين ويكفي هَذَا نقصا.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن عَلِيٍّ المقري نا هِبَة اللَّهِ بْن عَبْدِ الرزاق السني وأَخْبَرَنَا سَعِيد بْن أَحْمَدَ بْن البنا نا أَبُو سَعْد مُحَمَّد بْن عَلِيٍّ ارستمي قالا نا أَبُو الْحُسَيْن بْن بشران نا أَبُو علي إسماعيل بْن مُحَمَّد الصفار ثنا سعدان بْن نصر ثنا سفيان بْن عيينة قَالَ سمعت خلف بْن حوشب يَقُول كان خوات يرعد عند الذكر فَقَالَ لَهُ إبراهيم إن كنت تملكه فلا أبالي أن لا أعتد بك وإن كنت لا تملكه فقد خالفت من كان قبلك وفي رواية فقد خالفت من هو خير منك.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه قلت: إِبْرَاهِيم هو النخعي الفقيه وكان متمسكا بالسنة شديد الاتباع للأثر وَقَدْ كان خوات من الصالحين البعداء عَنِ التصنع وهذا خطاب إبراهيم لَهُ فكيف بمن لا يخفي حاله فِي التصنع.
فصل: فإذا طرب أهل التصوف صفقوا فَإِذَا طرب أهل التصوف لسماع الغناء صفقوا أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْدِ الباقي نا رزق اللَّه بْن عَبْدِ الْوَهَّاب التميمي نا أَبُو عَبْدُ الرَّحْمَنِ السلمي قَالَ سمعت أبا سُلَيْمَان المغربي يَقُول سمعت أبا عَلِيّ بْن الكاتب يَقُول كان ابْن بنان يتواجد وكان أَبُو سَعِيد الخراز يصفق لَهُ.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه قلت: والتصفيق منكر يطرب ويخرج عَنِ الاعتدال وتتنزه عَنْ مثله العقلاء ويتشبه فاعله بالمشركين فيما كانوا يفعلونه عند البيت من التصدية وهي التي ذمهم اللَّه عز وجل بِهَا فَقَالَ: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} فالمكاء الصفير والتصدية التصفيق أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّاب الْحَافِظ نا أَبُو الفضل بْن حيرون نا أَبُو عَلِيّ بْن شاذان نا أحمد بْن كامل ثنى مُحَمَّد بْن سَعْد ثنى أبي ثني عمى عَنْ أبيه عَنْ جده عَنْ ابْنِ عَبَّاس الإِمْكَاءُ يَعْنِي التَّصْفِيرَ وَتَصْدِيَةً يَقُولُ التَّصْفِيقَ. قال المصنف رحمه اللَّه قلت وفيه أيضا تشبه بالنساء والعاقل يأنف من أن يخرج عَنِ الوقار إِلَى أفعال الكفار والنسوة.
فصل فإذا قوي طربهم رقصوا فَإِذَا قوي طربهم رقصوا وَقَدِ احتج بعضهم بقوله تعالى لأيوب: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ}.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت وهذا الاحتجاج بارد لأنه لو كان أمر بضرب الرَّجُل فرحا كان لهم فيه شبهة وإنما أمر بضرب الرَّجُل لينبع الماء قَالَ ابْن عقيل أين الدلالة فِي مبتلى أمر عند كشف البلاء بأن يضرب برجله الأَرْض لينبع الماء إعجازا من الرقص ولئن جاز أن يكون تحريك رجل قد أنحلها تحكم الهوام دلالة عَلَى جواز الرقص فِي الإسلام جاز أن يجعل قوله تعالى لموسى اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ دلالة عَلَى ضرب الجماد بالقضبان نعوذ بالله من التلاعب بالشرع واحتج بعض ناصريهم بأن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لعلي أنت مني وأنا منك فحجل وقال لجعفر أشبهت خلقي وخلقي فحجل وقال لزيد أنت أخونا ومولانا فحجل ومنهم من احتج بأن الحبشة زفنت والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظر اليهم فالجواب أما الحجل فهو نوع من المشي يفعل عند الفرح فأين هو من الرقص وكذلك زفن الحبشة نوع من المشي بتشبيب يفعل عند اللقاء بالحرب.
واحتج لهم أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي عَلَى جواز الرقص بما أَخْبَرَنَا به أَبُو نصر مُحَمَّد بْن منصور الهمداني نا إسماعيل بْن أحمد بْن عَبْدِ الملك المؤذن نا أَبُو صالح أحمد بْن عَبْدِ الملك وأبو سَعِيد مُحَمَّد بْن عَبْدِ الْعَزِيز وأبو محمد عبد الحميد بن عبد الرحمن قالوا ثنا أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي ثنا أَبُو العباس أحمد بْن سَعِيد المعداني ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيد المروزي ثنا عَبَّاس الرقيقي ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن عُمَر الوراق ثنا الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن منصور ثنا أَبُو عتاب المصري عَنْ إبراهيم بْن مُحَمَّد الشافعي أن سَعِيد بْن المسيب مر فِي بعض أزقة مكة فسمع الأخضر الحداء يتغنى فِي دار العاص بْن وائل بهذا: تضوع مسكا بطن نعمان أن مشت ... به زينب فِي نسوة عطرات فلما رأت ركب النميري أعرضت ... وهــن مــن أن يلقينه حذرات
قَالَ فضرب برجله الأَرْض زمانا وقال هَذَا مما يلذ سماعه وكانوا يروون الشعر لسعيد بْن المسيب.
قال المصنف قلت: هَذَا إسناده مقطوع مظلم لا يصح عَنِ ابْن المسيب ولا هَذَا شعره كان ابْن المسيب أوقر من هَذَا وهذه الأبيات مشهورة لمحمد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نمير النميري الشاعر ولم يكن نمريا وإنما نسب إِلَى اسم جده وَهُوَ ثقفي وزينب التي يشبب بِهَا هي ابنة يوسف أخت الحجاج وسأله عَبْد الملك بْن مروان عَنِ الركب مَا كان فَقَالَ كانت أحمرة عجافا حملت عليها قطرانا من الطائف فضحك وأمر الحجاج أن لا يؤذيه.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: ثم لو قدرنا أن ابْن المسيب ضرب برجله الأَرْض فليس فِي ذلك حجة عَلَى جواز الرقص فَإِن الإنسان قد يضرب الأَرْض برجله أَوْ يدقها بيده لشيء يسمعه ولا يسمى ذلك رقصا فما أقبح هَذَا التعلق وأين ضرب الأَرْض بالقدم مرة أَوْ مرتين من رقصهم الذي يخرجون به عَنْ سمت العقلاء ثم دعونا من الاحتجاج تعالوا نتقاضى إِلَى العقول أي معنى فِي الرقص إلا اللعب الذي يليق بالأطفال وما الذي فيه من تحريك القلوب إِلَى الآخرة هذه وَاللَّه مكبر باردة ولقد حَدَّثَنِي بعض المشايخ عَنِ الغزالي أنه قَالَ الرقص حماقة بين الكتفين لا تزول إلا بالتعب وقال أَبُو الوفاء بْن عقيل قد نص القرآن علىالنهي عَنِ الرقص فَقَالَ عز وجل {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً} وذم المختال فَقَالَ اللَّه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} والرقص أشد المرح والبطر أَوْ لسنا الذين قسنا النبيذ عَلَى الخمر لاتفاقهما فِي الإطراب والسكر فما بالنا لا نقيس القضيب وتلحين الشعر معه عَلَى الطنبور والمزمار والطبل لاجتماعهما فِي الإطراب وهل شيء يزري بالعقل والوقار ويخرج عَنْ سمت الحلم والأدب أقبح من ذي لحية يرقص فكيف إذا كانت شيبة ترقص وتصفق عَلَى وقاع الألحان والقضبان خصوصا إذا كانت أصوات نسوان ومردان وهل يحسن بمن بين يديه الموت السؤال والحشر والصراط ثم هو إِلَى إحدى الدارين صائران يشمس بالرقص شمس البهائم ويصفق تصفيق النسوة وَاللَّه لقد رأيت مشايخ فِي عصري مَا بان لهم سن فِي تبسم فضلا عَنْ ضحك مَعَ إدمان مخالطتي لهم كالشيخ أبي القاسم بْن زيدان وعبد الملك بْن بشران وأبي طاهر بن العلاف والجنيد والدينوري.
فصل: فَإِذَا تمكن الطرب من الصوفية فِي رحال رقصهم جذب أحدهم بعض الجلوس ليقوم معه ولا يجوز عَلَى مذهبهم للمجذوب أن يقعد فَإِذَا قَامَ قام الباقون تبعا لَهُ فَإِذَا كشف أحدهم رأسه كشف الباقون رؤوسهم موافقة لَهُ ولا يخفى عَلَى عاقل أن كشف الرأس مستقبح وفيه إسقاط مروءة وترك أدب وإنما يقع فِي المناسك تعبداً لله وذُلّاً لَهُ.
فصل: فإذا اشتد طربهم رموا ثيابهم عَلَى المغني فمنهم من يرمي بِهَا صحاحا ومنهم من يخرقها ثم يرمي بِهَا وَقَدِ احتج لهم بعض الجهال فَقَالَ هؤلاء فِي غيبة فلان يلامون فَإِن مُوسَى عَلَيْهِ السلام لما غلب عَلَيْهِ الغم بعبادة قومه العجل رمى الألواح فكسرها ولم يدر مَا صنع.
والجواب أن نقول: لم يصح عَنْ مُوسَى بأنه رماها رمي الكاسر والذي ذكر فِي القرآن إلقاءها فحسب فمن أين لنا أنها تكسَّرت ثم لو قيل تكسَّرت فمن أين لنا انه قصد كسرها ثم لو صحَّحنا ذلك عنه قلنا كان فِي غيبة حتى لو كان بين يديه حينئذ بحر من نار لخاضه ومن يصحح لهؤلاء غيبتهم وهم يعرفون المغني من غيره ويحذرون من بئر إن كانت عندهم ثم كيف يقاس أحوال الأنبياء عَلَى أحوال هؤلاء السفهاء ولقد رأيت شاباً من الصوفية يمشي فِي الأسواق ويصيح والغلمان يمشون خلفه وَهُوَ يبربر ويخرج إِلَى الجمعة فيصيح صيحات وَهُوَ يصلي الجمعة فسئلت عَنْ صلاته فقلت إن كان وقت صياحه غائباً فقد بطل وضوءه وإن كان حاضراً فهو متصنِّع وكان هَذَا الرَّجُل جلداً لا يعمل شيئاً بل يُدار لَهُ بزنبيل فِي كل يوم فيُجمع لَهُ مَا يأكل هو وأصحابه فهذه حالة المُتأكلين لا المتوكلين ثم لو قدَّرنا أن القوم يصيحون عَنْ غيبة فَإِن تعرضهم لما يغطي عَلَى العقول من سماع مَا يُطرب منهي عنه كالتعرض لكل مَا غلبه الأذى وَقَدْ سئل ابْن عقيل عَنْ تواجدهم وتخريق ثيابهم فَقَالَ خطأ وحرام وقد نهى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إضاعة المال وعن شق الجيوب فَقَالَ لَهُ قائل فإنهم لا يعقلون مَا يفعلون قَالَ إن حضروا هذه الأمكنة مَعَ علمهم أن الطرب يغلب عليهم فيزيل عقولهم أثموا بما يدخل عليهم من التخريق وغيره مما يفسد ولا يسقط عنهم خطاب الشرع لأنهم مخاطبون قبل الحضور بتجنب هذه المواضع التي تفضي إِلَى ذلك كَمَا هم منهيون عَنْ شرب المسكر فَإِذَا سكروا وجرى منهم إفساد الأموال لم يسقط الخطاب لسكرهم كذلك هَذَا الطرب الذي يسميه أهل التصوف وجدا إن صدقوا فيه فسكر طبع وإن كذبوا فنبيذ ومع الصحو فلا سلامة فيه مَعَ الحالين وتجنب مواضع الريب واجب واحتج لهم ابْن طاهر فِي تريفهم الثياب بحديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ عنها قالت نصبت حجلة لي فيها رقم فمدها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فشقها.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: فانظر إِلَى فقه هَذَا الرَّجُل المسكين كيف يقيس حال من يمزق ثيابه فيفسدها وقد نهى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إضاعة المال عَلَى مد ستر ليحط فانشق لا عَنْ قصد أَوْ كان عَنْ قصد لأجل الصور التي كانت فيه وهذا من التشديد فِي حق الشارع عَنِ المنهيات كَمَا أمر بكسر الدنان فِي الخمور فَإِن ادعى مخرق ثيابه أنه غائب قلنا الشَّيْطَان غيبك لأنك لو كنت مَعَ الحق لحفظك فَإِن الحق لا يفسد.
وَقَدْ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي القاسم نا حمد بْن أحمد نا أَبُو نعيم الحاف ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيّ بْن حشيش ثنا عَبْد اللَّهِ بْن الصقر ثنا الصلت بْن مسعود ثنا جَعْفَر بْن سُلَيْمَان قَالَ سمعت أبا عمران الجوني يَقُول وعظ مُوسَى بْن عمران عَلَيْهِ السلام يوما فشق رجل منهم قميصه فأوحى اللَّه عز وجل لموسى قل لصاحب القميص لا يشق قميصه أيشرح لي عَنْ قلبه.
فصل وقد تكلم مشايخ الصوفية فِي الخرق المرمية فَقَالَ مُحَمَّد بْن طاهر الدليل عَلَى أن الخرقة إذا طرحت صارت ملكاً لِمَنْ طُرحت بسببه حديث جرير جاء قوم مجتابي النمار فحَضَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصدقة فجاء رجل من الأنصار بِصُرَّةٍ فتتابع الناس حتى رأيت كومتين من ثياب وطعام قَالَ والدليل عَلَى أن الْجَمَاعَة إذا قدموا عند تفريق الخرقة أسهم لهم حديث أبي مُوسَى قدم عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغنيمة وسلب فأسهم لنا.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: لقد تلاعب هَذَا الرَّجُل بالشريعة واستخرج بسوء فهمه مَا يظنه يوافق مذهب المتأخرين من الصوفية فَإِذَا مَا عرفنا هَذَا فِي أوائلهم وبيان فساد استخراجه أن هَذَا الذي خرق الثوب ورمى به إن كان حاضرا فما جاز لَهُ تخريقه وإن كان غائبا فليس لَهُ تصرف جائز شرعا لا هِبَة ولا تمليكا وكذلك يزعمون بأن ثوبه كان كالشيء الذي يقع من الإنسان ولا يدري به فلا يجوز لأحد أن يتملكه وإن كان رماه فِي حال حضوره لا عَلَى أحد فلا وجه لتملكه ولو رماه عَلَى المغني لم يتملكه لأن التملك يكون إلا بعقد شرعي والرمي ليس بعقد ثم نقدر أنه ملك للمغني فما وجه تصرف الباقين فيه ثم إذا انصرفوا فيه خرقوه خرقاً.
وذلك لا يجوز لوجهين: أحدهما: انه تصرف فيما لا يملكونه.
والثاني: أنه إضاعة للمال.
ثم مَا وجه أسهام مَنْ لم يحضر؟ فأما حديث أبي مُوسَى فَقَالَ العلماء منهم الخطابي يحتمل أن يكون رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجازه عن رضى مِمَّنْ شهد الواقعة أَوْ من الخُمْسِ الذي هو حقه وعلى مذهب الصوفية تعطى هذه الخرقة لمن جاء وهذا مذهب خارج عَنْ إجماع المسلمين وما أشبه مَا وضع هؤلاء بآرائهم الفاسدة إلا بما وضعت الجاهلية من أحكام البحيرة والسائبة والوصيلة والحام قَالَ ابْن طاهر أجمع مشايخنا عَلَى أن الخرقة المخرقة وما انبعث من الخرق الصحاح الموافقة لها إن ذلك كله يكون بحكم الجمع يفعلون فيه مَا يراه المشايخ واحتجوا بقول عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عنه الغنيمة لمن شهد الواقعة وخالفهم شيخنا أَبُو إِسْمَاعِيل الأنصاري فجعل الخرقة عَلَى ضربين مَا كان مجروحا قسم عَلَى الجميع وما كان سليما دفع إِلَى القوال واحتج بحديث سلمة من قتل الرَّجُل قالوا سلمة بْن الأكوع قَالَ لَهُ سلبه أجمع فاقتل إنما وجد من جهة القوال فالسلب لَهُ.
قَالَ المصنف رحمه: اللَّه أنظروا إخواني عصمنا اللَّه وإياكم من تلبيس إبليس إِلَى تلاعب هؤلاء الجهلة بالشريعة وإجماع مشايخهم الذي لا يساوي إجماعهم بعرة فَإِن مشايخ الفقهاء أجمعوا عَلَى أن الموهوب لمن وهب لَهُ سواء كان مخرقا أَوْ سليما ولا يجوز لغيره التصرف فيه ثم إن سلب القتيل كل مَا عَلَيْهِ فما بالهم جعلوه مَا رمي به ثم ينبغي أن يكون الأمر عَلَى عكس مَا قاله الأنصاري لأن المجروح من الثياب مَا كان بسبب الوجد فينبغي أن يكون المجروح المغني دون الصحيح وكل أقوالهم فِي هَذَا محال وهذيان وقد حكى لي أَبُو عَبْد اللَّهِ التكريتي الصوفي عَنْ أبي الفتوح الاسفرايني وكنت أنا قد رأيته وأنا صغير السن وَقَدْ حضر فِي جمع كثير فِي رباط وهناك المخاد والقضبان ودف بجلاجل فقام يرقص حتى وقعت عمامته فبقي مكشوف الرأس قَالَ التكريتي إِنَّهُ رقص يوما فِي خف لَهُ ثم ذكر أن الرقص فِي الخف خطأ عند القوم فانفرد وخلعه ثم نزع مطرفا كان عَلَيْهِ فوضعه بين أيديهم كفارة لتلك الجناية فاقتسموه خرقا قال ابْن طاهر والدليل عَلَى أن الذي يطرح الخرقة لا يجوز أن يشتريها من الجمع حديث عمر "لا تعودن فِي صدقتك" قَالَ المصنف أنظر إلي بعد هَذَا الرَّجُل عَنْ فهم معاني الأحاديث فَإِن الخرقة المطروحة باقية عَلَى ملك صاحبها فلا يحتاج إِلَى أن يشتريها.
فصل: وأما تقطيعهم الثياب المطروحة خرقاً وتفريقها فقد بيَّنا أنه إن كان صاحب الثوب رماه إِلَى المغني لم يملكه بنفس الرمي حتى يملكه إياه فَإِذَا ملكه إياه فما وجه تصرف الغير فيه ولقد شهدت بعض فقهائهم يخرق الثياب ويقسمها ويقول هذه الخرق ينتفع بِهَا وليس هَذَا بتفريط فقلت وهل التفريط إلا هَذَا ورأيت شيخا آخر منهم يَقُول خرقت خرقا فِي بلدنا فأصاب رجل منها خريقة فعملها كفنا فباعه بخمسة دنانير فقلت لَهُ إن الشرع لا يحيز هذه الرعونات لمثل هذه النوادر وأعجب من هذين الرجلين أَبُو حامد الطوسي فإنه قَالَ يباح لهم تمزيق الثياب إذا خرقت قطعا مربعة تصلح لترقيع الثياب والسجادات فَإِن الثوب يمزق حتى يخاط مِنْهُ قميص ولا يكون ذلك تضييعا ولقد عجبت من هَذَا الرَّجُل كيف سلبه حب مذهب التصوف عَنْ أصول الفقه ومذهب الشافعي فنظر إِلَى انتفاع خاص ثم مَا معنى قوله مربعة فَإِن المطاولة ينتفع بِهَا أيضا ثم لو مزق الثوب قرامل1 لانتفع بِهَا ولو كسر السيف نصفين لانتفع بالنصف غير أنالشرع يتلمح الفوائد العامة ويسمي مَا نقص منه للانتفاع إتلافا ولهذ ينهي عَنْ كسر الدرهم الصحيح لأنه يذهب مِنْهُ قيمه بالإضافة إِلَى المكسور وليس العجب من تلبيس إبليس عَلَى الجهال منهم بل عَلَى الفقهاء الذين اختاروا بدع الصوفية عَلَى حكم أبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد رضوان اللَّه عليهم أجمعين.
فصل: ولقد أغربوا فيما ابتدعوا وأقام لهم الأعذار من إِلَى هواهم مال ولقد ذكر مُحَمَّد بْن طاهر فِي كتابه باب السنة فِي أخذ شيء من المستغفر واحتج بحديث كعب بْن مالك فِي توبته يجزئك الثلث ثم قَالَ باب الدليل عَلَى أن من وجبت عَلَيْهِ غرامة فلم يؤدها ألزموه أكثر منها واستدل بحديث مُعَاوِيَة بْن جعدة عَنِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الزكاة: "من منعها فأنا آخذها وشطر ماله". |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب العاشر: فِي ذكر تلبيسه عَلَى الصوفية من جملة الزُّهَّاد الخميس 20 ديسمبر 2018, 8:08 am | |
| فصل: وفي هؤلاء من قويت مجاهدته مدة ثم ضعفت فدعته نفسه إِلَى الفاحشة فامتنع حينئذ من صحبة المرد أخبرتنا شهدة الكاتبة عَنْ عُمَر بْن يوسف الباقلاني قَالَ قَالَ أَبُو حمزة قلت لمحمد بْن العلاء الدمشقي وكان سيد الصوفية وَقَدْ رأيته يماشي غلاما وضيئا مدة ثم فارقه فقلت لَهُ لم هجرت ذلك الفتى الذي كنت أراه معك بعد أن كنت لَهُ مواصلا وإليه مائلا فَقَالَ وَاللَّه لقد فارقته عَنْ غير قلا ولا ملل قلت ولم فعلت ذلك قَالَ رأيت قلبي يدعوني إِلَى أمر إذا خلوت به وقرب مني لو أتيته سقطت من عين اللَّه عز وجل فهجرته لذلك تنزيها لله تعالى ولنفسي من مصارع الفتن.
فصل: ومنهم من تاب وأطال البكاء عَنْ إطلاق نظره أَخْبَرَنَا المحمدان بْن ناصر وابن عَبْد الباقي بإسناد عَنْ عُبَيْد اللَّه قَالَ سمعت أخي أبا عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن مُحَمَّدٍ يَقُول سمعت خيرا النساج يَقُول كنت مَعَ أمية بْن الصامت الصوفي إذ نظر إِلَى غلام فقرأ: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ثم قَالَ وأين الفرار من سجن اللَّه وَقَدْ حصنه بملائكة غلاظ شداد تبارك اللَّه فما أعظم مَا امتحنني به من نظري إِلَى هَذَا الغلام مَا شبهت نظري إليه إلا بنار وقعت عَلَى قصب فِي يوم ريح فما أبقت ولا تركت ثم قَالَ استغفر اللَّه من بلاء جنته عيناي عَلَى قلبي لقد خفت ألا أنجوا من معرته ولا أتخلص من أثمه ولو وافيت القيامة بعمل سبعين صديقا ثم بكى حتى كاد يقضي نحبه فسمعته يَقُول فِي بكائه يا طرف لأشغلنك بالبكاء عن النظر إلى البلاء.
فصل: ومنهم من تلاعب به المرض من شدة الحبة أخبرتنا شهدة الكاتبة بإسناد عَنْ أبي حمزة الصوفي قَالَ كان عَبْد اللَّهِ بْن مُوسَى من رؤساء الصوفية ووجوههم فنظر إِلَى غلام حسن فِي بعض الأسواق فبلى به وكاد يذهب عقله عَلَيْهِ صبابة وحبا وكان يقف كل يوم فِي طريقه حتى يراه إذا أقبل وإذا أنصرف فطال به البلاء وأقعده عَنِ الحركة الضنا وكان لا يقدر أن يمشي خطوة فأتيته يوما لأعوده فقلت يا أبا مُحَمَّد مَا قصتك وما هَذَا الأمر الذي بلغ بك مَا أرى؟
فَقَالَ: أمور أمتحنني اللَّه بِهَا فلم أصبر عَلَى البلاء فيها ولم يكن لي بِهَا طاقة ورب ذنب يستصغره الانسان هو عند اللَّه أعظم من كبير وحقيق بمن تعرض للنظر الحرام أن تطول به الأسقام ثم بكى قلت مَا يبكيك قَالَ أخاف أن يطول فِي النار شقائي فانصرفت عنه وأنا راحم لَهُ لما رأيت به من سوء الحال قال أَبُو حمزة ونظر مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بن الأشعت الدمشقي وكان من خيار عباد اللَّه إِلَى غلام جميل فغشي عَلَيْهِ فحمل إِلَى منزله واعتاده السقم حتى أقعد من رجليه وكان لا يقوم عليهما زمانا طويلا فكنا نأتيه نعوده ونسأله عَنْ حاله وأمره وكان لا يخبرنا بقصته ولا سبب مرضه وكان الناس يتحدثون بحديث نظره فبلغ ذلك الغلام فأتاه عائدا فهش إليه وتحرك وضحك فِي وجهه واستبشر برؤيته فما زال يعوده حتى قَامَ عَلَى رجليه وعاد إِلَى حالته فسأله الغلام يوما أن يسير معه إِلَى منزله فأبى أن يفعل ذلك فسألني أن أسأله أن يتحول إليه فسألته فأبى أن يفعل فقلت للشيخ وما الذي تكره من ذلك فَقَالَ لست بمعصوم من البلاء ولا آمن من الفتنة وأخاف أن يقع علي الشَّيْطَان محنة فتجري بيني وبينه معصية فأكون من الخاسرين.
فصل: وفيهم من همت نفسه إِلَى الفاحشة فقتل نفسه حدثني أَبُو عَبْد اللَّهِ الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد الدامغاني قَالَ كان ببلاد فارس صوفي كبير فابتلى بحدث فلم يملك نفسه أن دعته إِلَى فاحشة فراقب اللَّه عز وجل ثم ندم عَلَى هذه الهمة وكان منزله عَلَى مكان عال ووراء منزله بحر من الماء فلما أخذته الندامة صعد السطح ورمى نفسه إِلَى الماء وتلى قوله تعالى: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} فغرق فِي البحر.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: أنظر إِلَى إبليس كيف درج هَذَا المسكين من رؤية هَذَا الأمرد وإلى إدمان النظر إليه إِلَى أن مكن المحبة من قلبه إِلَى أن حرضه عَلَى الفاحشة فلما رأى استعصامه حسن لَهُ بالجهل قتل نفسه فقتل نفسه ولعله هم بالفاحشة ولم يعزم والهمة معفو عنها لقوله عَلَيْهِ السلام: "عفي لأمتي عما حدثت به نفوسها" ثم إِنَّهُ ندم عَلَى همته والندم توبة فأراه إبليس أن من تمام الندم قتل نفسه كَمَا فعل بنو إسرائيل فأولئك أمروا بذلك بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} ونحن نهينا عنه بقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} فلقد أتى بكبيرة عظيمة وفي الصحيحين عَنِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى فِي نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا.
فصل: وفيهم من فرق بينه وبين حبيبه فقتل حبيبه بلغني عَنْ بعض الصوفية أنه كان فِي رباط عندنا ببغداد ومعه صبي فِي البيت الذي هو فيه فشنعوا عَلَيْهِ وفرقوا بينهما فدخل الصوفي إِلَى الصبي ومعه سكين فقتله وجلس عنده يبكي فجاء أهل الرباط فرأوه فسألوه عَنِ الحال فأقر بقتل الصبي فرفعوه إِلَى صاحب الشرطة فأقر فجاء والد الصبي يبكي فجلس الصوفي يبكي ويقول لَهُ بالله عليك إلا مَا أقدتني به فَقَالَ الآن قد عفوت عنك فقام الصوفي إِلَى قبر الصبي فجعل يبكي عَلَيْهِ ثم لم يزل يحج عَنِ الصبي ويهدي لَهُ الثواب.
فصل: ومن هؤلاء من قارب الفتنة فوقع فيها ولم تنفعه دعوى الصبر والمجاهدة والحديث بإسناد عَنْ إدريس بْن إدريس قَالَ حضرت بمصر قوما من الصوفية ولهم غلام أمرد يغنيهم قَالَ فغلب عَلَى رجل منهم أمره فلم يدر مَا يصنع فَقَالَ يا هَذَا قل لا إله إلا اللَّه فَقَالَ الغلام لا إله إلا اللَّه فَقَالَ أقبل الفم الذي قَالَ لا إله إلا اللَّه.
القسم السادس: قوم لم يقصدوا صحبة المردان وإنما يتوب الصبي ويتزهد ويصحبهم عَلَى طريق الإرادة فلبس إبليس عليهم ويقول لا تمنعوه من الخير ثم يتكرر نظرهم إليه لا عَنْ قصد فيثير فِي القلب الفتنة إِلَى أن ينال الشَّيْطَان منهم قدر مَا يمكنه وربما وثقوا بدينهم فاستفزهم الشَّيْطَان فرماهم إِلَى أقصى المعاصي كَمَا فعل ببرصيصا.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وَقَدْ ذكرنا قصته فِي أول الْكِتَاب وغلطهم من جهة تعرضهم بالفتن وصحبة من لا يؤمن الفتنة فِي صحبته.
القسم السابع: قوم علموا أن صحبة المردان والنظر إليهم لا يجوز غير أنهم لم يصبروا عَنْ ذلك والحديث بإسناد عَنِ الرازي يَقُول قَالَ يوسف بْن الْحُسَيْن كل مَا رأيتموني أفعله فأفعلوه إلا صحبة الأحداث فإنها أفتن الفتن ولقد عاهدت ربي أكثر من مائة مرة أن لا أصحب حدثا ففسخها علي حسن الخدود وقوام القدود وغنج العيون وما سألني اللَّه معهم عَنْ معصية وأنشد صريع الغواني فِي معنى ذلك شعرا: إن ورد الخــدود والحــدق النجـل ... وما فِي الثغور من أقحوان واعوجاج الأصداع فِي ظاهر الخد ... وما فِي الصدور من رمان تركتني بيـــن الغـــواني صريعــــا ... فلهذا أدعى صريع الغواني
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت هَذَا الرَّجُل قد فضح نفسه فِي شيء ستره اللَّه عَلَيْهِ وأخبر أنه كلما رأى فتنة نقض التوبة فأين عزائم التصوف فِي حمل النفس عَلَى المشاق ثم ظن بجهله أن المعصية هي الفاحشة فقط ولو كان لَهُ علم لعلم أن صحبتهم والنظر إليهم معصية فانظر إِلَى الجهل كيف يصنع بأربابه والحديث بإسناد عَنْ مُحَمَّد بْن عُمَر أنه قَالَ حكي لي عن أبي مسلم الخمشوعي أنه نظر إِلَى غلام جميل فأطال ثم قَالَ سبحان اللَّه مَا أهجم طرفي عَنْ مكروه نفسه وأدمنه عَلَى سخط سيده وأغراه بما قد نهى عنه وأبهجه بالأمر الذي قد حزر مِنْهُ لقد نظرت إِلَى هَذَا نظرا لا أحسب إلا أنه سيفضحني عند جميع من عرفني فِي عرصات القيامة ولقد تركني نظري هَذَا وأنا أستحي من اللَّه تعالى وإن غفر لي ثم صعق وبإسناد عَنْ أبي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْدِ يَقُول سمعت أبا الْحُسَيْن النوري يَقُول رأيت غلاما جميلا ببغداد فنظرت إليه ثم أردت أن أردد النظر فقلت لَهُ تلبسون النعال الصرارة وتمشون فِي الطرقات فَقَالَ أحسنت الحشر بالعلم.
فصل: وكل من فاته العلم تخبط فَإِن حصل لَهُ وفاته العلم به كان أشد تخبيطا ومن استعمل أدب الشرع فِي قوله عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} سلم فِي البداية بما صعب أمره فِي النهاية وَقَدْ ورد الشرع بالنهي عَنْ مجالسة المردان وأوصى العلماء بذلك والحديث بإسناده عَنْ أنس رَضِيَ اللَّهُ عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تُجَالِسُوا أَبْنَاءَ الْمُلُوكِ فَإِنَّ النُّفُوسَ تَشْتَاقُ إِلَيْهِمْ مَا لا تَشْتَاقُ إِلَى الْجَوَارِي الْعَوَاتِقِ" والحديث بإسناده عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا تملأوا أَعْيُنَكُمْ مِنْ أَوْلَادِ الْمُلُوكِ فَإِنَّ لَهُمْ فِتْنَةٌ أَشَدُّ مِنْ فِتْنَةِ الْعَذَارَى". والحديث بإسناد عَنِ الشعبي قَالَ قدم وفد عَبْد القيس عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفيهم غلام أمرد ظاهر الوضأة فأجلسه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وراء ظهره وقال: "كَانَتْ خَطِيئَةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السلام النطر" وعن أبي هرير قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يحد الرَّجُل النظر إِلَى الغلام الأمرد وقال عُمَر بْن الخطاب مَا أتى عَلَى عالم من سبع ضار أخوف عَلَيْهِ من غلام أمرد وبإسناد عَنِ الْحَسَن بْن ذكوان أنه قَالَ لا تجالسوا أولاد الأغنياء فَإِن لهم صورا كصور النساء وهم أشد فتنة من العذارى.
وبإسناد عَنْ مُحَمَّد بْن حمير عَنِ النجيب السري قَالَ كان يقال لا يبيت الرَّجُل فِي بيت مَعَ المرد وبإسناد عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن أبي السائب عَنْ أبيه قَالَ لأنا أخوف عَلَى عابد من غلام من سبعين عذراء وعن أبي علي الروزباري قَالَ سَمِعْتُ جنيدا يَقُول جاء رجل إِلَى أَحْمَد بْن حنبل ومعه غلام حسن الوجه فَقَالَ لَهُ من هَذَا قَالَ ابني فَقَالَ أَحْمَد لا تجىء به معك مرة أخرى فلما قَامَ قَالَ لَهُ مُحَمَّد بْن عَبْدِ الرَّحْمَن الْحَافِظ وفي رواية الخطيب فَقِيلَ لَهُ أيد اللَّه الشيخ أنه رجل مستور وأبنه أفضل مِنْهُ فَقَالَ أَحْمَد الذي قصدنا إليه من هَذَا الباب ليس يمنع مِنْهُ سترهما عَلَى هَذَا رأينا أشياخنا وبه أخبرونا عَنْ أسلافهم وبإسناد عَنْ أبي بَكْر المرزوي قَالَ جاء حسن الْبَزَّاز إِلَى أَحْمَد بْن حنبل ومعه غلام حسن الوجه فتحدث معه فلما أراد أن ينصرف قَالَ لَهُ أَبُو عَبْد اللَّهِ يا أبا علي لا تمش مَعَ هَذَا الغلام فِي طريق فَقَالَ لَهُ إِنَّهُ ابْن أختي قَالَ وإن كان لا يهلك الناس فيك وبإسناد من شجاع بْن مخلد أنه سمع بِشْر بْن الحارث يَقُول أحذروا هؤلاء الأحداث وبإسناد عَنْ فتح الموصلي أنه قَالَ صحبت ثلاثين شيخا كانوا يعدون من الأبدال كلهم أوصوني عند فراقي لهم اتقي معاشرة الأحداث وبإسناد عَنِ الحلبي أنه يَقُول نظر سلام الأسود إِلَى رجل ينظر إِلَى حدث فَقَالَ لَهُ يا هَذَا ابق عَلَى جاهك عند اللَّه فإنك لا تزال ذا جاه مَا دمت لَهُ معظما وبإسناد عَنْ أبي منصور بْن عَبْدِ القادر بْن طاهر يَقُول من صحب الأحداث وقع فِي الأحداث وعن أبي عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي قَالَ قَالَ مظفر القرميسيني من صحب الأحداث عَلَى شرط السلامة والنصيحة أداه ذلك إِلَى البلاء فكيف بمن يصحبهم عَلَى غير وجه السلامة؟
فصل: وقد كان السلف يبالغون فِي الأعراض عَنِ المرد وَقَدْ روينا عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أجلس الشاب الْحَسَن الوجه وراء ظهره والحديث بإسناد عَنْ عطاء بْن مسلم قَالَ كان سفيان لا يدع أمردا يجالسه وروى إِبْرَاهِيم بْن هانيء عَنْ يَحْيَى بْن معين قَالَ مَا طمع أمرد بصحبتي ولأحمد بْن حنبل قَالَ فِي طريق وبإسناد عَنْ أبي يعقوب قَالَ كنا مَعَ أبي نصر بْن الحرث فوقفت عَلَيْهِ جارية مَا رأينا أحسن منها فقالت يا شيخ أين مكان باب حرب فَقَالَ لها هَذَا الباب الذي يقال لَهُ باب حرب ثم جاء بعدها غلام مَا رأينا أحسن مِنْهُ فسأله فَقَالَ يا شيخ أين مكان باب حرب فأطرق الشيخ رأسه فردد عَلَيْهِ الغلام السؤال وغمض عينيه فقلنا للغلام تعال أيش تريد فَقَالَ باب حرب فقلنا لَهُ ها هو بين يديك فلما غاب قلن للشيخ يا أبا نصر جاءتك جارية فأجبتها وكلمتها وجاءك غلام فلم تكلمه فَقَالَ نعم يروى عَنْ سفيان الثوري أنه قَالَ مَعَ الجارية شيطان ومع الغلام شيطانان فخشيت عَلَى نفسي من شيطانيه وبإسناد عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن الْمُبَارَك يَقُول دخل سفيان الثوري الحمام فدخل عَلَيْهِ غلام صبيح فَقَالَ أخرجوه أخرجوه فإني أرى مَعَ كل امرأة شيطانا ومع كل غلام عشرة شياطين وبإسناد عَنْ مُحَمَّد بْن أحمد بْن أبي القسم قَالَ دخلنا عَلَى مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن صاحب يَحْيَى بْن معين وكان يقال أنه مَا رفع رأسه إِلَى السماء من منذ أربعين سنة وكان معنا غلام حدث فِي المجلس بين يديه فَقَالَ لَهُ قم من حذائي فأجلسه من خلفه وبإسناد عَنْ أبي إمامة قَالَ وكنا عند شيخ يقرىء فبقي عنده غلام يقرأ عَلَيْهِ فردت الانصراف فأخذ بثوبي وقال أصبر حتى يفرغ هَذَا الغلام وكره أن يخلو مَعَ هَذَا الغلام وبإسناد عَنْ أبي الروزباري قَالَ قَالَ لي أَبُو العباس أَحْمَد المؤدب يا أبا علي من أين أخذ صوفية عصرنا هَذَا الأنس بالأحداث فقلت لَهُ يا سيدي أنت بهم أعرف وَقَدْ تصحبهم السلامة لي كثير من الأمور فَقَالَ هيهات قد رأينا من كان أقوى إيمانا منهم إذا رأى الحدث قد أقبل فر كفرارة من الزحف وإنما ذلك حسب الأوقات التي تغلب الأحوال عَلَى أهلها فتأخذها عَنْ تصرف الطباع مَا أكثر الخطر ما أكثر الغلط.
فصل: وصحبة الأحداث وصحبة الأحداث أقوى حبائل إبليس التي يصيد بِهَا الصوفية أَخْبَرَنَا ابْن ناصر عَنْ أبي عَبْدُ الرَّحْمَنِ السلمي قَالَ سمعت أبا بَكْر الرازي يَقُول قَالَ يوسف بْن الْحُسَيْن نظرت فِي آفات الخلق فعرفت من أين أتوا ورأيت آفة الصوفية فِي صحبة الأحداث ومعاشرة الأضداد والرفاق والنسوان وبإسناد عَنْ ابْن الفرج الرستمي الصوفي يَقُول رأيت إبليس فِي النوم فقلت لَهُ كيف رأيتنا أعرضنا عَنْ الدنيا ولذاتها وأموالها فليس لك إلينا طريق فَقَالَ كيف رأيت مَا اشتملت به قلوبكم باستماع الغناء ومعاشرة الأحداث وبإسناد عَنِ ابْن سَعِيد الخراز يَقُول رأيت إبليس فِي النوم يمرغني ناحية فقلت تعال فَقَالَ أيش أعمل بكم أنتم طرحتم عَنْ نفوسكم مَا أخادع به الناس قلت مَا هو قَالَ الدنيا فلما ولى التفت إلي فَقَالَ غير أن فيكم لطيفة قلت وما هي قَالَ صحبة الأحداث قَالَ أَبُو سَعِيد وقل من يتخلص منها من الصوفية.
فصل: في عقوبة النظر إِلَى المردان عَنْ أبي عَبْد اللَّهِ بْن الجلاء قَالَ كنت أنظر إِلَى غلام نصراني حسن الوجه فمر بي أَبُو عَبْد اللَّهِ البلخي فَقَالَ أيش وقوفك فقلت يا عم أما ترى هذه الصورة كيف تعذب بالنار فضرب بيده بين كتفي وقال لتجدن غبها ولو بعد حين قَالَ فوجدت غبها بعد أربعين سنة أن أنسيت القرآن وبإسناد عَنْ أبي الأديان وقال كنت مَعَ أستاذي وأبي بَكْر الدقاق فمر حدث فنظرت إليه فرآني أستاذي وأنا أنظر إليه فَقَالَ يا بني لتجدن غبة ولو بعد حين فبقيت عشرين سنة وأنا أراعي فما أجد ذلك الغب فنمت ذات ليلة وأنا مفكر فيه فأصبحت وَقَدْ أنسيت القرآن كله وعن أبي بَكْر الكتاني قَالَ رأيت بعض أصحابنا فِي المنام فقلت مَا فعل اللَّه بك قَالَ عرض علي سيئاتي وقال فعلت كذا وكذا فقلت نعم ثم قَالَ وفعلت كذا وكذا فاستحييت أن أقره فقلت إني أستحي أن أقر فَقَالَ إني غفرت لك بما أقررت فكيف بما استحييت فقلت لَهُ مَا كان ذلك الذنب فَقَالَ مر بي غلام حسن الوجه فنظرت إليه وقد روى نحو هذه الحكاية عَنْ أبي عَبْد اللَّهِ الزراد أنه رؤي فِي المنام فَقِيلَ لَهُ مَا فعل اللَّه بك قَالَ غفر لي كل ذنب أقررت به فِي الدنيا إلا واحدا فاستحييت أن أقر به فوقفني فِي العرق حتى سقط لحم وجهي فَقِيلَ لَهُ مَا الذنب فَقَالَ نظرت إِلَى شخص جميل وقد بلغنا عَنْ أبي يعقوب الطَّبَرِيّ أنه قَالَ كان معي شاب حسن الوجه يخدمني فجاءني إنسان من بغداد صوفي فكان كثير الالتفات إِلَى ذلك الشاب فكنت أجد عَلَيْهِ لذلك فنمت ليلة من الليالي فرأيت رب العزة فِي المنام فَقَالَ يا أبا يعقوب لم لم تنهه وأشار إِلَى البغدادي عَنِ النظر إِلَى الأحداث فوعزتي أني لا أشغل بالأحداث إلا من باعدته عَنْ قربي قَالَ أَبُو يعقوب فانتبهت وأنا أضطرب فحكيت الرؤيا للبغدادي فصاح صيحة ومات فغسلناه ودفناه واشتغل عَلَيْهِ قلبي فرأيته بعد شهر فِي النوم فقلت لَهُ مَا فعل اللَّه بك قَالَ وبخني حتى خفت أن لا أنجوا ثم عفا عني قلت إنما مددت النفس يسيرا فِي هَذَا الباب لأنه مَا تعم به البلوى عند الأكثرين فمن أراد الزيادة فيه وفيما يتعلق بإطلاق البصر وجميع أسباب الهوى فلينظر فِي كتابنا المسمى بذم الهوى ففيه غاية المراد من جميع ذلك.
ذكر تلبيس إبليس عَلَى الصوفية فِي ادعاء التوكل وقطع الأسباب وترك الاحتراز فِي الأموال: أَخْبَرَنَا المحمدان بْن ناصر وابن عَبْد الباقي بإسناد عَنْ أحمد بْن أبي الحواري قَالَ سمعت أبا سُلَيْمَان الداراني يَقُول لو توكلنا عَلَى اللَّه تعالى مَا بنينا الحيطان ولا جعلنا لباب الدار غلقا مخافة اللصوص وبإسناد عَنْ ذي النون المصري أنه قَالَ سافرت سنين وما صح لي التوكل إلا وقتا واحدا ركبت البحر فكسر المركب فتعلقت بخشبة من خشب المركب فقالت لي نفسي إن حكم اللَّه عليك بالغرق فما تنفعك هذه الخشبة فخليت الخشبة فطفت عَلَى الماء فوقعت عَلَى الساحل.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد قَالَ سألت أبا يعقوب الزيات عَنْ مسألة فِي التوكل فأخرج درهما كان عنده ثم أجابني فأعطى التوكل حقه ثم قَالَ استحييت أن أجيبك وعندي شيء وذكر أَبُو نصر السراج فِي كتاب اللمع قَالَ جاء رجل إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن الجلاء فسأله عَنْ مسألة فِي التوكل وعنده جماعته فلم يجبه ودخل البيت فأخرج اليهم صرة فيها أربعة دوانق فَقَالَ اشتروا بهذه شيئا ثم أجاب الرَّجُل عَنْ سؤاله فَقِيلَ لَهُ فِي ذلك فَقَالَ استحييت من اللَّه تعالى أن أتكلم فِي التوكل وعندي أربعة دوانق وقال سَهْل بْن عَبْدِ اللَّهِ من طعن فِي الاكتساب فقد طعن عَلَى السنة ومن طعن عَلَى التوكل فقد طعن عَلَى الإيمان. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب العاشر: فِي ذكر تلبيسه عَلَى الصوفية من جملة الزُّهَّاد الخميس 20 ديسمبر 2018, 8:11 am | |
| قَالَ المصنف قلت: قلة العلم أوجبت هَذَا التخطيط ولو عرفوا ماهية التوكل لعلموا أنه ليس بينه وبين الأسباب تضاد وذلك أن التوكل اعتماد القلب عَلَى الوكيل وحده وذلك لا يناقض حركة البدن فِي التعلق بالأسباب ولا أدخار المال فقد قَالَ تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} أي قواما لأبدانكم وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نعم المال الصالح مَعَ الرَّجُل الصالح" وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنك تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس" واعلم أن الذي أمر بالوكل أمر بأخذ الحذر فَقَالَ: {خُذُوا حِذْرَكُمْ} وقال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} وقال: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً} وقد ظاهر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين درعين وشاور طبيبين واختفى فِي الغار وقال من يحرسني الليلة وأمر بغلق الباب وفي الصحيحين من حديث جابر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اغلق بابك" وَقَدْ أَخْبَرَنَا أن التوكل لا ينافي الاحتراز.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن أحمد السمرقندي نا عَبْد اللَّهِ بْن يَحْيَى الموصلي ونصر بْن أَحْمَدَ قالا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن بْن بشران ثنا الْحُسَيْن بْن صفوان ثنا أَبُو بَكْر القرشي ثنى أَبُو جَعْفَر الصيرفي ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد ثنا المغيرة بْن أبي قرة السدوسي قَالَ سمعت أنس بْن مالك رَضِيَ اللَّهُ عنه يَقُول جاء رجل إِلَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وترك ناقته بباب المسجد فسأله رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنها فَقَالَ أطلقتها وتوكلت عَلَى اللَّه قَالَ اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ.
أَخْبَرَنَا أبن ناصر نا أَبُو الْحُسَيْن بْن عَبْدِ الجبار نا عَبْدُ الْعَزِيز بْن عَلِيٍّ الأزجي نا إبراهيم بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر نا أَبُو بَكْر عَبْد الْعَزِيز بْن جَعْفَر ثنا أَبُو بَكْر الخلال أخبرني حرب بْن إِسْمَاعِيلَ الكرماني ثني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن سلام ثنا الْحُسَيْن بْن زِيَاد المروزي قَالَ سمعت سفيان بْن عيينة يَقُول تفسير التوكل أن يرضى بما يفعل به وقال ابْن عقيل يظن أقوام أن الاحتياط والاحتراز ينافي التوكل وإن التوكل هو إهمال العواقب وإطراح التحفظ وذلك عند العلماء هو العجز والتفريط الذي يقتضي من العقلاء التوبيخ والتهجين ولم يأمر اللَّه بالتوكل إلا بعد التحرز واستفراغ الوسع فِي التحفظ فَقَالَ تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} فلو كان التعلق بالاحتياط قادحا فِي التوكل لما خص اللَّه به نبيه حين قَالَ لَهُ: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} وهل المشاورة الا استفادة الرأي الذي مِنْهُ يؤخذ التحفظ والتحرز من العدو ولم يقنع فِي الاحتياط بأن يكله إِلَى رأيهم واجتهادهم حتى نص عَلَيْهِ وجعله عملا فِي نفس الصلاة وهي أخص العبادات فَقَالَ: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} وبين علة ذلك بقوله تعالى: {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً} ومن علم أن الاحتياط هكذا لا يقال أن التوكل عَلَيْهِ ترك مَا علم لكن التوكل التفويض فيما لا وسع فيه ولا طاقة قَالَ عَلَيْهِ الصلاة والسلام: "اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ" ولو كان التوكل ترك التحرز لخص به خير الخلق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خير الأحوال وهي حالة الصلاة وَقَدْ ذهب الشافعي رحمه اللَّه إِلَى وجوب حمل السلاح حينئذ بقوله: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} فالتوكل لا يمنع من الاحتياط والاحتراز فَإِن مُوسَى عَلَيْهِ السلام لما قيل لَهُ: {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} خرج ونبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ من مكة لخوفه من المتآمرين عَلَيْهِ ووقاه أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّهُ عنه بسد أثقاب الغار وأعطى القوم التحرز حقه ثم توكلوا وقال عز وجل فِي باب الاحتياط: {لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} وقال: {لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ} وقال: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} وهذا لأن الحركة للذب عَنِ النفس استعمال لنعمة اللَّه تعالى وكما أن اللَّه تعالى يريد إظهار نعمة المبدأة يريد إظهار وداعه فلا وجه لتعطيل مَا أودع اعتمادا عَلَى مَا جاد به لكن يجب استعمال مَا عندك ثم أطلب مَا عنده وَقَدْ جعل اللَّه تعالى للطير والبهائم عدة وأسلحة تدفع عنها الشرور كالمخلب والظفر والناب وخلق للآدمي عقلا يقوده إِلَى حمل والأسلحة ويهديه إِلَى التحصين بالأبنية والدروع ومن عطل نعمة اللَّه بترك الاحتراز فقد عطل حكمته كمن يترك الأغذية والأدوية ثم يموت جوعا أَوْ مرضا ولا أبله ممن يدعي العقل والعلم ويستسلم للبلاء إنما ينبغي أن تكون أعضاء المتوكل فِي الكسب وقلبه ساكن مفوض إِلَى الحق منع أَوْ أعطى لأن لا يرى إلا أن الحق سبحانه وتعالى لا يتصرف إلا بحكمة ومصلحة فمنعه عطاء فِي المعنى وكم زين للعجزة عجوزهم وسولت لهم أنفسهم أن التفريط توكل فصاروا فِي غرورهم بمثابة من اعتقد التهور شجاعة والخور حزما ومتى وضعت أسباب فأهملت كان ذلك جهلا بحكمة الواضع مثل وضع الطعام سببا للشبع والماء للري والدواء للمرض فَإِذَا ترك الإنسان ذلك إهوانا بالسبب ثم دعا وسأل فربما قيل لَهُ قد جعلنا لعافيتك سببا فَإِذَا لم تتناوله كان إهوانا لعطائنا فربما لم نعافك بغير سبب لإهوانك للسبب وما هَذَا إِلَى بمثابة من بين قراحة وماء الساقية رفسه بمسحاة فأخذ يصلي صلاة الاستسقاء طلبا للمطر فإنه لا يستحسن مِنْهُ ذلك شرعا ولا عقلا.
قال المصنف رحمه اللَّه: فَإِن قَالَ قائل كيف أحترز مَعَ القدر قيل لَهُ وَكَيْفَ لا تحترز مَعَ الأوامر من المقدر فالذي قدر هو الذي أمر وَقَدْ قَالَ تعالى: {وَخُذُوا حِذْرَكُمْ} أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ نا عَاصِم بْن الْحُسَيْن نا ابْنُ بشران ثنا أَبُو صفوان نا أَبُو بَكْر القرشي ثني شُرَيْح بْن يُونُس نا عَلِيّ بْن ثابت عَنْ خطاب بْن القاسم عَنْ أبي عثمان قَالَ كان عِيسَى عَلَيْهِ السلام يصلي عَلَى رأس جبل فأتاه إبليس فَقَالَ أنت الذي تزعم أن كل شيء بقضاء وقدر قَالَ نعم قَالَ فألق نفسك من الجبل وقل قدر علي فَقَالَ يا لعين اللَّه يختبر العباد وليس للعباد أن يختبروا اللَّه تعالى.
فصل: وفي معنى مَا ذكرنا من تلبيسه عليهم فِي ترك الأسباب أنه قد لبس عَلَى خلق كثير منهم بأن التوكل ينافي الكسب أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي القاسم نا حمد بْن أَحْمَدَ نا أَبُو نعيم أَحْمَد بْن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سمعت أبا الْحَسَن بْن مقسم يَقُول سمعت مُحَمَّد بْن المنذر يَقُول سمعت سَهْل بْن عَبْدِ اللَّهِ التستري يَقُول من طعن فِي التوكل فقد طعن فِي الإيمان ومن طعن عَلَى الكسب فقد طعن عَلَى السنة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن خلف نا أَبُو عَبْدُ الرَّحْمَنِ السلمي قَالَ سمعت مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ الرازي يَقُول سأل رجل أبا عَبْد اللَّهِ بْن سالم وأنا أسمع أنحن مستعبدون بالكسب أم بالتوكل فَقَالَ التَّوَكُّلُ حَالُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْكَسْبُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا سُنَّ الْكَسْبُ لِمَنْ ضَعُفَ عَنِ التَّوَكُّلِ وَسَقَطَ عَنْ دَرَجَةِ الْكَمَالِ الَّتِي هِيَ حَالُهُ فَمَنْ أَطَاقَ التَّوَكُّلَ فَالْكَسْبُ غَيْرُ مُبَاحٍ لَهُ بِحَالٍ إِلا كَسْبَ مُعَاوَنَةٍ لا كَسْبَ اعْتِمَادٍ عَلَيْهِ وَمَنْ ضَعُفَ عَنْ حَالِ التَّوَكُّلِ الَّتِي هِيَ حَالُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُبِيحَ لَهُ طَلَبُ الْمَعَاشِ فِي الْكَسْبِ لِئَلا يَسْقُطُ عَنْ دَرَجَةِ سُنَّتِهِ حِينَ سَقَطَ عَنْ دَرَجَةِ حَالِهِ.
أنبأنا عَبْد المنعم بْن عَبْدِ الكريم نا أبي قَالَ سمعت مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن قَالَ سمعت أبا القاسم الرازي يَقُول سمعت يوسف بْن الْحُسَيْن قَالَ إذا رأيت المريد يشتغل بالرخص والكسب فليس يجيء مِنْهُ شيء.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت هَذَا كلام قوم مَا فهموا معنى التوكل وظنوا أنه ترك الكسب وتعطيل الجوارح عَنِ العمل وَقَدْ بينا أن التوكل فعل القلب فلا ينافي حركة الجوارح ولو كان كل كاسب ليس بمتوكل لكان الأنبياء غير متوكلين فقد كان آدم عَلَيْهِ السلام حراثا ونوح وزكريا نجارين وإدريس خياطا وإبراهيم ولوط زراعين وصالح تاجرا وكان سُلَيْمَان يعمل الخوص وداود يصنع الدرع ويأكل من ثمنه وكان مُوسَى وشعيب ومحمد رعاة صلوات اللَّه عليهم أجمعين.
وقال نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كنت أرعى غنماً لأهل مكة بالقراريط" فلما أغناه اللَّه عز وجل بما فرض لَهُ من الفيء لم يحتج إِلَى الكسب وَقَدْ كان أَبُو بَكْر وعثمان وعبد الرَّحْمَن بْن عوف وطلحة رضوان اللَّه تعالى عليهم بزازين وكذلك مُحَمَّد بْن سيرين وميمون بْن مهران بزازين وكان الزبير بْن العوام وعمرو بْن العاص وعامر بْن كريز خزازين1 وكذلك أَبُو حنيفة وكان سَعْد بْن أبي وقاص يبري النبل وكان عثمان بْن طلحة خياطا وما زال التابعون ومن بعدهم يكتسبون ويأمرون بالكسب. أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْنُ أَبِي طَاهِرٍ نا أَبُو مُحَمَّد الْجَوْهَرِيّ نا ابْنُ حياة نا أَبُو الْحَسَنِ ابْن معروف نا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفهم ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْد نا مسلم بْن إِبْرَاهِيم نا هشام الدستوائي قَالَ حَدَّثَنَا عطاء بْن السائب قَالَ لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَصْبَحَ غَادِيًا إِلَى السُّوقِ وَعَلَى رَقَبَتِهِ أَثْوَابٌ يَتَّجِرُ بِهَا فَلَقِيَهُ عُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ فَقَالا أَيْنَ تُرِيدُ فَقَالَ السُّوقَ قَالا تَصْنَعُ مَاذَا وَقَدْ وُلِّيتَ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ فَمِنْ أَيْنَ أُطْعِمُ عِيَالِي قال ابْن سَعْد وأَخْبَرَنَا أحمد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُس ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاش عَنْ عمرو بْن ميمون عَنْ أبيه قَالَ لما استخلف أَبُو بَكْر جعلوا لَهُ ألفين فَقَالَ زيدوني فَإِن لي عيالا وَقَدْ شغلتموني عَنِ التجارة فزادوه خمسمائة.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت لو قَالَ رجل للصوفية من أين أطعم عيالي لقالوا قد أشركت ولو سئلوا عمن يخرج إِلَى التجارة لقالوا ليس بمتوكل ولا موقن وكل هَذَا لجهلهم بمعنى التوكل واليقين ولو كان أحد يغلق عَلَيْهِ الباب ويتوكل لقرب أمر دعواهم لكنهم بين أمرين أما الغالب من الناس فمنهم من يسعى إِلَى الدنيا مستجديا ومنهم من يبعث غلامه فيدور بالزنبيل فيجمع لَهُ وإما الجلوس فِي الرباط فِي هيئة المساكين وَقَدْ علم أن الرباط لا يخلو من فتوح كَمَا لا تخلو الدكان من أن يقصد للبيع والشراء. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّاب الْحَافِظ نا أَبُو الْحُسَيْن بْن عَبْدِ الجبار نا أَبُو طالب العشاري نا مُحَمَّد بْن عَبْدِ الرَّحْمَن المخلص نا عُبَيْد اللَّه بْن عَبْدِ الرَّحْمَن السكري ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عُبَيْد قَالَ حدثت عَنْ الهيثم بْن خارجة ثنا سَهْل بْن هشام عَنْ إِبْرَاهِيم بْن أدهم قَالَ كان سَعِيد بْن المسيب يَقُول من لزم المسجد وترك الحرفة وقبل مَا يأتيه فقد ألحف في السؤال. ------------------------------------------ 1 أي يعملون الخز وهي ثياب تنسج من صوف وإبريسم. ------------------------------------------ أَخْبَرَنَا المحمدان بْن ناصر وابن عَبْد الباقي قالا نا حمد بْن أَحْمَدَ نا أَبُو نعيم الحافظ قال سمعت مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول سمعت جدي إِسْمَاعِيل بْن نجيدي يَقُول كان أَبُو تراب يَقُول لأصحابه من لبس مِنْكُمْ مرقعة فقد سأل ومن قعد فِي خانقاه أَوْ مسجد فقد سأل.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه قلت: وَقَدْ كان السلف ينهون عَنْ التعرض لهذه الأشياء ويأمرون بالكسب أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَك نا أَبُو الْحُسَيْن بْن عَبْدِ الجبار نا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الفتح نا مُحَمَّد بْن عَبْدِ الرَّحْمَن المخلص نا عُبَيْد الله ابن عَبْد الرَّحْمَنِ السكري نا أَبُو بَكْرِ بْنُ عُبَيْد القرشي نا عُبَيْد بْن الجعد نا المسعودي عَنْ خوات التيمي قَالَ قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه يا معشر الفقراء ارْفَعُوا رؤسكم فَقَدْ وَضُحَ الطَّرِيقُ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ وَلا تَكُونُوا عِيَالا عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
أَخْبَرَنَا ابْن ناصر نا أَبُو الْحُسَيْن بْن عَبْدِ الجبار نا أَبُو القاسم التنوخي وأبو مُحَمَّد الجوهري وأبو الخير القزويني قالوا نا أَبُو عُمَر بْن حياة نا مُحَمَّد بْن خلف ثنا أَبُو جَعْفَر اليماني نا أَبُو الْحَسَنِ المدايني عَنْ مُحَمَّد بْن عَاصِم قَالَ بلغني أن عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه كان إذا رأى غلاما فأعجبه سأل عنه هل لَهُ حرفة فَإِن قيل لا قَالَ سَقَطَ مِنْ عَيْنِي.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَحْمَدَ نا عُمَر بْن عَبْدِ اللَّهِ النقال نا أَبُو الْحُسَيْن بْن بشران نا عثمان بْن أَحْمَدَ الدقاق نا حنبل ثنى أَبُو عَبْد اللَّهِ نا معاذ بْن هشام ثني أبي عَنْ قتادة عَنْ سَعِيد بْن المسيب قَالَ كان أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتجرون فِي تجر الشام منهم طلحة بْن عُبَيْد اللَّه وسعيد بْن زيد. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَك نا جَعْفَر بْن أَحْمَدَ السراج نا عَبْدُ الْعَزِيز بْن الْحَسَنِ بْن إِسْمَاعِيلَ الضراب نا أبي نا أَحْمَد بْن مروان المالكي نا أَبُو القاسم بْن الختلي سألت أَحْمَد بْن حنبل وقلت مَا تقول فِي رجل جلس فِي بيته أَوْ فِي مسجده وقال لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي فَقَالَ أَحْمَد هَذَا رجل جهل العلم أما سمعت قول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ اللَّهُ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وحديث الآخر فِي ذكر الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصا فذكر أنها تغدو فِي طلب الرزق قَالَ تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} وقال: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} وكان أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتجرون فِي البر والبحر ويعملون فِي نخيلهم ولنا القدوة بهم وَقَدْ ذكرنا فيما مضى عَنِ أحمد أن رجلا قَالَ لَهُ أريد الحج عَلَى التوكل فَقَالَ لَهُ فأخرج فِي غير القافلة قَالَ لا قَالَ فعلى جراب الناس توكلت.
أَخْبَرَنَا ابْن ناصر نا أَبُو الْحُسَيْن بْن عَبْدِ الجبار نا عَبْد الْعَزِيز بْن عَلِيٍّ الأزجي نا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر الناجي نا أَبُو بَكْر عَبْد الْعَزِيز بْن جَعْفَر نا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد الخلال نا أَبُو بَكْر المروزي قَالَ قلت لأبي عَبْد اللَّهِ هؤلاء المتوكلة يقولون نقعد وأرزاقنا عَلَى اللَّه عز وجل فَقَالَ هَذَا قول رديء أليس قد قَالَ اللَّه تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} ثم قَالَ إذا قَالَ لا أعمل وجيء إليه بشيء قد عمل وأكتسب لأي شيء يقبله من غيره قَالَ الخلال وأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن أَحْمَدَ قَالَ سألت أبي عَنْ قوم يقولون نتوكل عَلَى اللَّه ولا نكتسب فَقَالَ ينبغي للناس كلهم يتوكلون عَلَى اللَّه ولكن يعودون عَلَى أنفسهم بالكسب هَذَا قول انسان أحمق.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب العاشر: فِي ذكر تلبيسه عَلَى الصوفية من جملة الزُّهَّاد الخميس 20 ديسمبر 2018, 8:14 am | |
| قَالَ الخلال: وأخبرني مُحَمَّد بْن عَلِيّ قَالَ ثنا صالح أنه سأل أباه يعني أَحْمَد ابْن حنبل عَنِ التوكل فَقَالَ التوكل حسن ولكن ينبغي أن يكتسب ويعمل حتى يغني نفسه وعياله ولا يترك العمل قَالَ وسئل أبي وأنا شاهد عَنْ قوم لا يعملون ويقولون نحن المتوكلون فَقَالَ هؤلاء مبتدعون قال الخلال وأَخْبَرَنَا المروزي أنه قَالَ لأبي عَبْد اللَّهِ أن ابْن عيينة كان يَقُول هم مبتدعة فَقَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ هؤلاء قوم سوء يريدون تعطيل الدنيا وقال الخلال وأَخْبَرَنَا المروزي قَالَ سألت أبا عَبْد اللَّهِ عَنْ رجل جلس فِي بيته وقال اجلس واصبر واقعد فِي البيت ولا أطلع عَلَى ذلك أحدا فَقَالَ لو خرج فاحترف كان أحب إلي فَإِذَا جلس خفت أن يخرجه جلوسه إِلَى غير هَذَا قلت إِلَى أي شيء يخرجه قَالَ يخرجه إِلَى أن يكون يتوقع أن يرسل إليه قَالَ الخلال وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر المروزي قَالَ سَمِعْتُ رجلا يَقُول لأبي عَبْد اللَّهِ أحمد بْن حنبل إني فِي كفاية قَالَ الزم السوق تصل به الرحم وتعود به عَلَى عيالك وقال لرجل آخر اعمل وتصدق بالفضل عَلَى قرابتك وقال أحمد بْن حنبل قد أمرتهم يعني أولاده أن يختلفوا إِلَى السوق وأن يتعرضوا للتجارة.
قال الخلال: وأخبرني مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن أن الفضل بْن مُحَمَّد بْن زِيَاد حدثهم قَالَ سمعت أبا عَبْد اللَّهِ يأمر بالسوق ويقول مَا أحسن الاستغناء عَنِ الناس وقال الخلال وأخبرني يعقوب بْن يوسف المطوعي قَالَ سمعت أبا بَكْر بْن جناد يَقُول الجصاصي قَالَ سَمِعْتُ أحمد بْن حنبل يَقُول أحب الدراهم إلي درهم من تجارة وأكرهها عندي الذي من صلة الإخوان.
قال المصنف رحمه اللَّه: قلت وكان إبراهيم بْن أدهم يحصد وسلمان الخواص يلقط وحذيفة المرعشي يضرب اللبن وقال ابْن عقيل التسبب لا يقدح فِي التوكل لأن تعاطى رتبة ترقى عَلَى رتبة الأنبياء نقص فِي الدين ولما قيل لموسى عَلَيْهِ السلام: {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} خرج ولما جاع واحتاج إِلَى عفة نفسه أجر نفسه ثمان سنين وقال اللَّه تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} وهذا لأن الحركة استعمال بنعمة اللَّه وهي القوى فاستعمل مَا عندك ثم أطلب مَا عنده وَقَدْ يطلب الإنسان من ربه وينسى مَا لَهُ عنده من الذخائر فَإِذَا تأخر عنه مَا يطلبه يسخط فترى بعضهم يملك عقارا وأثاثا فَإِذَا ضاق به القوت واجتمع عَلَيْهِ دين فَقِيلَ لَهُ لو بعت عقارك قَالَ كيف أفرط فِي عقاري وأسقط جاهي عند الناس وإنما يفعل هذه الحماقات العادات وإنما قعد أقوام عَنْ الكسب استثقالا لَهُ فكانوا بين أمرين قبيحين إما تضييع العيال فتركوا الفرائض أَوِ التزين باسم أنه متوكل فيحن عليهم المكتسبون فضيقوا عَلَى عيالهم لأجلهم وأعطوهم وهذه الرذيلة لم تدخل قط إلا عَلَى دنيء النفس الرذيلة وإلا فالرجل كل الرَّجُل من لم يضيع جوهرة الذي أودعه اللَّه إيثارا للكسل أَوْ لاسم يتزين به بين الجهال فَإِن اللَّه تعالى قد يحرم الإنسان المال ويرزقه جوهرًا يتسبب به إِلَى تحصيل الدنيا بقبول الناس عَلَيْهِ.
فصل: وقد تشبث القاعدون عَنْ التكسب بتعللات قبيحة منا أنهم قالوا لا بد من أن يصل إلينا رزقنا وهذا فِي غاية القبح فَإِن الإنسان لو ترك الطاعة وقال لا أقدر بطاعتي أن أغير مَا قضى اللَّه علي فَإِن كنت من أهل الْجَنَّة فأنا إِلَى الْجَنَّة أَوْ من أهل النار فأنا من أهل النار قلنا لَهُ هَذَا يرد الأوامر كلها ولو صح لأحد ذلك لم يخرج آدم من الْجَنَّة لأنه كان يَقُول مَا فعلت إلا مَا قضى علي ومعلوم أننا مطالبون بالأمر لا بالقدر ومنها أنهم يقولون أين الحلال حتى نطلب وهذا قول جاهل لأن الحلال لا ينقطع أبدا لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الحلال بين والحرام بين" ومعلوم أن الحلال مَا أذن الشرع فِي تناوله وإنما قولهم هَذَا احتجاج للكسل ومنها أنهم قالوا إذا كسبنا أعنا الظلمة والعصاة مثل مَا أَخْبَرَنَا به عُمَر بْن ظفر نا جَعْفَر بْن أَحْمَدَ نا عَبْد الْعَزِيز بْن عَلِيّ نا ابْن جهضم نا عَلِيّ بْن مُحَمَّد السيرواني قَالَ سَمِعْتُ إبراهيم الخواص يَقُول طلبت الحلال فِي كل شيء حتى طلبته فِي صيد السمك فأخذت قصبة وجعلت فيها شعرا وجلست عَلَى الماء فألقيت الشص فخرجت سمكة فطرحتها عَلَى الأَرْض وألقيت الثانية فخرجت لي سمكة فأنا اطرحها ثالثة إذا من ورائي لطمة لا أدري من يد من هي ولا رأيت أحدا وسمعت قائلا يَقُول أنت لم تصب رزقا فِي شيء إلا أن تعمد إِلَى من يذكرنا فتقتله قَالَ فقطعت الشعر وكسرت القصبة وانصرفت أنبأنا أَبُو المظفر عَبْد المنعم بْن عَبْدِ الكريم القشيري ثنا أبي قَالَ سمعت مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول سمعت أبا بَكْر الرازي يَقُول سمعت أبا عثمان بْن الآدمي قَالَ سمعت إبراهيم الخواص يَقُول طلبت فقصدت الخ مَا تقدم.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت وهذه القصة إن صحت فَإِن فِي الروايتين بعض من يتهم فَإِن اللاطم إبليس وَهُوَ الذي هتف به لأن اللَّه تعال أباح الصيد فلا يعاقب عَلَى مَا أباحه وَكَيْفَ يقال لَهُ تعمد إِلَى من يذكرنا فتقتله وَهُوَ الذي أباح لَهُ قتله وكسب الحلال ممدوح ولو تركنا الصيد وذبح الأنعام لأنها تذكر اللَّه تعالى لم يكن لنا مَا يقيم قوى الأبدان لأنه لا يقيمها إلا اللحم فالتحري من أخذ السمك وذبح الحيوان مذهب البراهمة فانظر إِلَى الجهل مَا يصنع وإلى إبليس كيف يفعل أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز نا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن ثابت نا عَبْد الْعَزِيز بْن عَلِيٍّ الأزجي ثنا عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ الهمداني ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَر ثنا أحمد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الملك قَالَ سمعت شيخا يكنى أبا تراب يَقُول قيل لفتح الموصلي أنت صياد بالشبكة ولم تصد شيئا إلا وتطعمه لعيالك فلم تصد وتبيع ذلك الناس فَقَالَ أخاف أن أصطاد مطيعا لله تعالى فِي جوف الماء فأطعمه عاصيا لله عَلَى وجه الأَرْض.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت أن صحت هذه الحكاية عَنْ فتح الموصلي فهو من التعلل البارد المخالف للشرع والعقل لأن اللَّه تعال أباح الكسب وندب إليه فَإِذَا قَالَ قائل ربما خبزت خبزا فأكله عاص كان حديثا فارغا لأنه لا يجوز لنا إذا أن نبيع الخبز لليهود والنصارى.
ذكر تلبيس إبليس عَلَى الصوفية فِي ترك التداوي. قال المصنف رحمه اللَّه: لا يختلف العلماء أن التداوي مباح وإنما رأى بعضهم أن العزيمة تركه وَقَدْ ذكرنا كلام الناس فِي هَذَا وبينا بما اخترناه فِي كتابنا لقط المنافع فِي الطب والمقصود ههنا إنا نقول إذا ثبت أن التداوي مباح بالإجماع مندوب إليه عند بعض العلماء فلا يلتفت إِلَى قول قوم قد رأوا أن التداوي خارج من التوكل لأن الإجماع عَلَى أنه لا يخرج من التوكل وَقَدْ صح عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه تداوى وأمر بالتداوي ولم يخرج بذلك من التوكل ولا أخرج من أمره أن يتداوى من التوكل وفي الصحيح من حديث عثمان بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخص إذا اشتكى المحرم عينه أن يضمدها بالصبر قَالَ ابْن جرير الطَّبَرِيّ وفي هَذَا الحديث دليل عَلَى فساد مَا يقوله ذوو الغباوة من أهل التصوف والعباد من أن التوكل لا يصح لأحد عالج علة به فِي جسده بدواء إذ ذاك عندهم طلب العافية من غير من بيده العافية والضر والنفع وفي إطلاق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمحرم علاج عينه بالصبر لدفع المكروه أدل دليل عَلَى أن معنى التوكل غير مَا قاله الذين ذكرنا قولهم وأن ذلك غير مخرج فاعله من الرضا بقضاء اللَّه كَمَا أن من عرض لَهُ كلب الجوع لا يخرجه فزعه إِلَى الغذاء من التوكل والرضا بالقضاء لأن اللَّه تعالى لم ينزل داء إلا أنزل لَهُ دواء إلا الموت وجعل أسبابا لدفع الأدواء كَمَا جعل الأكل سببا لدفع الجوع وَقَدْ كان قادرا أن يَحْيَى خلقه بغير هَذَا ولكنه خلقهم ذوي حاجة فلا يندفع عنهم أذى الجوع إلا بما جعل سببا لدفعه عنهم فكذا الداء العارض وَاللَّه الهادي.
ذكر تلبيس إبليس عَلَى الصوفية فِي ترك الجمعة والجماعة بالوحدة والعزلة. قَالَ المصنف: كان خيار السلف يؤثرون الوحدة والعزلة عَنِ الناس اشتغالا بالعلم والتعبد إلا أن عزلة القوم لم تقطعهم عَنْ جمعة ولا جماعة ولا عيادة مريض ولا شهود جنازة ولا قيام بحق وإنما هي عزلة عَنِ الشر وأهله مخالطة البطالين وَقَدْ لبس إبليس عَلَى جماعة من المتصوفة فمنهم من أعتزل فِي جبل كالرهبان يبيت وحده ويصبح وحده ففاتته الجمعة وصلاة الْجَمَاعَة ومخالطة أهل العلم وعمومهم اعتزل فِي الأربطة ففاتهم السعي إِلَى المساجد وتوطنوا عَلَى فراش الراحة وتركوا الكسب وَقَدْ قَالَ أَبُو حامد الغزالي فِي كتاب الأحياء مقصودة الرياضة تفريغ القلب وليس ذلك إلا بخلوة فِي مكان مظلم وقال فَإِن لم يكن مكان مظلم فيلف رأسه فِي جبته أَوْ يتدثر بكساء أَوْ أزار ففي مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق ويشاهد جلال حضرة الربوبية.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت أنظر إِلَى هذه الترتيبات والعجب كيف تصدر من فقيه عالم ومن أين لَهُ أن الذي يسمعه نداء الحق وأن الذي يشاهده جلال الربوبية وما يؤمنه أن يكون مَا يجده من الوساوس والخيالات الفاسدة وهذا الظاهر ممن يستعمل التقلل فِي المطعم فإنه يغلب عَلَيْهِ الماليخوليا وقد يسلم الإنسان فِي مثل هذه الحالة من الوساوس إلا أنه إذا تغشى بثوبه وغمض عينيه تخايل هذه الأشياء لأن فِي الدماغ ثلاث قوى قوة يكون بِهَا التخيل وقوة يكون بِهَا الفكرة وقوة يكون بِهَا الذكر وموضع التخيل البطنان المقدمان من بطون الدماغ وموضع التفكر البطن الأوسط من بطون الدماغ وموضع الحفظ الموضع المؤخر فَإِن أطرق الإنسان وغمض عينيه جال الفكر والتخيل فيرى خيالات فيظنها مَا ذكر من حضرة جلال الربوبية إِلَى غير ذلك نعوذ بالله من هذه الوساوس والخيالات الفاسدة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي القاسم نا رزق اللَّه بْن عَبْدِ الْوَهَّاب نا أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي قَالَ سمعت أبا بَكْر البجلي يَقُول سمعت أبا عثمان بْن الآدمي قَالَ كان أَبُو عُبَيْد التستري إذا كان أول يوم من شهر رمضان يدخل البيت ويقول لامرأته طيني باب البيت وألق إلي كل ليلة من الكوة رغيفا فَإِذَا كان يوم العيد دخلت فوجدت ثلاثين رغيفا فِي الزاوية ولا أكل ولا شرب ولا يتهيأ لصلاة ويبقى عَلَى طهر واحد إِلَى آخر الشهر.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: هذه الحكاية عندي بعيدة عَنِ الصحة من وجهين أحدها بقاء الآدمي شهرا لا يحدث بنوم ولا بول ولا غائط ولا ريح والثاني ترك المسلم صلاة الجمعة والجماعة وهي واجبة لا يحل تركها فَإِن صحت هذه الحكاية فما أبقى إبليس لهذا فِي التلبيس بقية قَالَ أَنْبَأَنَا زاهر بْن طاهر نا أحمد بْن الْحُسَيْن البيهقي ثنا الحاكم أَبُو عَبْد اللَّهِ النيسابوري وسمعت أبا الْحَسَن البوشنجي الصوفي غير مرة يعاتب فِي ترك الجمعة والجماعة والتخلف عنها فيقول إن كانت البركة فِي الْجَمَاعَة فَإِن السلامة في العزلة.
فصل: وقد جاء النهي عَنِ الانفراد الموجب للبعد عَنِ العلم والجهاد للعدو أَخْبَرَنَا ابْن الحصين نا أَبُو عَلِيّ بْن المذهب نا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنِي أبي ثنا أَبُو المغيرة ثنا معان بْن رفاعة ثني عَلِيّ بْن زيد عَنْ القاسم عَنْ أبي أمامة قَالَ خرجنا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سرية من سراياه قَالَ فمر رجل بغار فيه شيء من ماء قَالَ فحدث نفسه بأن يقيم فِي ذلك الغار فيقوته مَا كان فيه وفيه شيء من ماء ويصيب مَا حوله من البقل ويتخلى عَنِ الدنيا ثم قَالَ لو أني أتيت نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرت ذلك لَهُ فَإِن أذن لي فعلت وإلا لم أفعل فأتاه فَقَالَ يا نبي اللَّه إني مررت بغار فيه مَا يقوتني من الماء والبقل فحدثتني نفسي بأن أقيم فيه وأتخلى عَنِ الدنيا قَالَ فَقَالَ نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي لَنْ أُبْعَثَ بِالْيَهُودِيَّةِ وَلا بِالنَّصْرَانِيَّةِ وَلَكِنِّي بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَلَمَقَامُ أَحَدِكُمْ فِي الصَّفِّ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِهِ سِتِّينَ سَنَةً".
ذكر تلبيس إبليس عَلَى الصوفية فِي التخشع ومطأطأة الرأس وإقامة الناموس. قال المصنف رحمه اللَّه: إذا سكن الخوف القلب أوجب خشوع الظاهر ولا يملك صاحبه دفعه فتراه مطرقا متأدبا متذللا وَقَدْ كانوا يجتهدون فِي ستر مَا يظهر منهم من ذلك وكان مُحَمَّد بْن سيرين يضحك بالنهار ويبكي بالليل ولسنا نأمر العالم بالانبساط بين العوام فَإِن ذلك يؤذيهم.
فقد روي عَنْ علي رَضِيَ اللَّهُ عنه إذا ذكرتم العلم فاكظموا عَلَيْهِ ولا تخلطوه بضحك فتمجه القلوب ومثل هَذَا لا يسمى رياء لأن قلوب العوام تضيق عَنِ التأويل للعالم إذا تفسح فِي المباح فينبغي أن يتلقاهم بالصمت والأدب وإنما المذموم تكلف التخشع والتباكي ومطأطأة الرأس ليرى الإنسان بعين الزهد والتهيؤ للمصافحة وتقبيل اليد وربما قيل لَهُ ادع لنا فيتهيأ للدعاء كأنه يستنزل الإجابة وَقَدْ ذكرنا عَنْ إِبْرَاهِيم النخعي أنه قيل لَهُ ادع لنا فكره ذلك واشتد عَلَيْهِ وَقَدْ كان من الخائفين من حملة الخوف عَلَى شدة الذل والحياء فلم يرفع رأسه إِلَى السماء وليس هَذَا بفضيلة لأنه لا خشوع فوق خشوع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي صَحِيح مسلم من حديث أبي مُوسَى قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيرا مَا يرفع رأسه إِلَى السماء وفي هَذَا الحديث دليل عَلَى استحباب النظر إِلَى السماء لأجل الاعتبار بآياتها وقد قال الله تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا} وقال {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وفي هَذَا رد عَلَى المتصوفين فَإِن أحدهم يبقى سنين لا ينظر إِلَى السماء وَقَدْ ضم هؤلاء إِلَى ابتداعهم الرمز إِلَى التشبيه ولو علموا أن إطراقهم كرفعهم فِي باب الحياء من اللَّه تعالى لم يفعلوا ذلك غير أن مَا شغل إبليس إلا التلاعب بالجهلة فأما العلماء فهو بعيد عنهم شديد الخوف منهم لأنهم يعرفون جميع أمره ويحترزون من فنون مكره.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر وعمر بْن ظفر قالا أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَنِ الباقلاني نا القاضي أَبُو العلاء الواسطي نا أَبُو نصر أَحْمَد بْن مُحَمَّد نا أَبُو الخير أحمد بْن مُحَمَّد الْبَزَّاز ثنا البخاري ثنا إِسْحَاق ثنا مُحَمَّدُ بْنُ المفضل ثنا الوليد بْن جميع عَنْ أبي سلمة بْن عَبْدِ الرَّحْمَن قَالَ لم يكن أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منحرفين ولا متماوتين وكانوا يتناشدون الشعر فِي مجالسهم ويذكرون أمر جاهليتهم فَإِذَا أريد احد منهم عَلَى شيء من أمر دينه دارت حماليق عينيه كأنه مجنون أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّاب الْحَافِظ ثنا جَعْفَر بْن أحمد نا عَبْدُ الْعَزِيز الْحَسَن بْن إِسْمَاعِيلَ الضراب نا أبي ثنا أَحْمَد بْن مروان ثنا إِبْرَاهِيم الحربي ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الحارث عَنْ المدايني عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ القرشي عَنْ أبيه قَالَ نظر عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه إِلَى شاب قد نكس رأسه فَقَالَ لَهُ يَا هَذَا ارْفَعْ رَأْسَكَ فَإِنَّ الْخُشُوعَ لا يَزِيدُ عَلَى مَا فِي الْقَلْبِ فَمَنْ أَظْهَرَ لِلنِّاسِ خُشُوعًا فَوْقَ مَا فِي قَلْبِهِ فَإِنَّمَا أَظْهَرَ نِفَاقًا عَلَى نِفَاقٍ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّاب نا الْمُبَارَك بْن عَبْدِ الجبار نا عَلِيّ بْن أحمد الملطي ثنا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن يوسف ثنا ابْنُ صفوان نا أَبُو بَكْر القرشي ثنى يعقوب بْن إِسْمَاعِيلَ قَالَ قَالَ عَبْد اللَّهِ أَخْبَرَنَا المعتمر عَنْ كهمس بْن الْحُسَيْن أن رَجُلا تَنَفَّسَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَأَنَّهُ يَتَحَازَنُ فَلَكَزَهُ عُمَرُ أَوْ قَالَ لَكَمَهُ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا جَعْفَر بْن أَحْمَدَ نا الْحَسَن بْن عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ ثنا عَبْد اللَّهِ بْن أحمد ثني أبي ثنا أسود بْن عامر نا أَبُو بَكْر عَنْ عَاصِم بْن كليب الجرمي قَالَ لقى أبي عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الأسود وَهُوَ يمشي وكان إذا مشى يمشي جنب الحائط متخشعا هكذا وأمال أَبُو بَكْر عنقه شيئا فَقَالَ أبي مالك إذا مشيت مشيت إِلَى جنب الحائط أما وَاللَّه إن عُمَر إذا مشى لشديد الوطء عَلَى الأَرْض جهوري الصوت. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب العاشر: فِي ذكر تلبيسه عَلَى الصوفية من جملة الزُّهَّاد الخميس 20 ديسمبر 2018, 2:35 pm | |
| أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْنُ أَبِي طَاهِرٍ نا أَبُو مُحَمَّد الْجَوْهَرِيّ نا ابْنُ حياة نا أَبُو الْحَسَنِ ابْن معروف ثنا الْحُسَيْن بْن الفهم ثنا مُحَمَّد بْن سَعْد يرفعه إِلَى سُلَيْمَان بْن أبي خيثمة عَنْ أبيه قَالَ قالت الشفا بنت عَبْد اللَّهِ ورأت فتيانا يقصرون فِي المشي ويتكلمون رويدا فقالت مَا هَذَا قالوا نساك قالت كان وَاللَّه عُمَر إذا تكلم أسمع وإذا مشى أسرع وإذا ضرب أوجع وَهُوَ الناسك حقا.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت وَقَدْ كان السلف يسترون أحوالهم ويتصنعون بترك التصنع وَقَدْ ذكرنا عَنْ أيوب السختياني أنه كان فِي ثوبه بعض الطول ليستر حاله وكان سفيان الثوري يَقُول لا أعتد بما ظهر من عملي وقال لصاحب لَهُ ورآه يصلي مَا أجرأك تصلي والناس يرونك قال حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن ناصر ثنا عَبْدُ القادر بْن يوسف نا ابْنُ المذهب نا القطيعي ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن أحمد ثنا أَبُو عَبْد اللَّهِ يعني السلمي ثنا بقية عَنْ مُحَمَّد بْن زِيَاد قَالَ مر أَبُو أمامة برجل ساجد فَقَالَ يا لها من سجدة لو كانت فِي بيتك. أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز نا أَبُو بَكْرِ بْنُ ثابت نا الْجَوْهَرِيّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ العباس ثنا مُحَمَّدُ بْنُ القاسم الأنباري ثنا الحارث بْن مُحَمَّد ثنا يَحْيَى بْن أيوب ثنا شعيب بْن حرب ثنا الْحُسَيْن بْن عمار قَالَ رجل فِي مجلس الْحَسَن بْن عمارة آه قَالَ فجعل يتبصره ويقول من هَذَا حتى ظننا أنه لو عرفه أمر به أَخْبَرَنَا إسماعيل بْن أحمد المقري نا أَحْمَد بْن أَحْمَدَ الحداد ثناأبو نعيم الْحَافِظ نا أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن جَعْفَر ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن يعقوب ثنا أَبُو حاتم ثنا حرملة قَالَ سمعت الشافعي رَضِيَ اللَّهُ عنه يَقُول: ودع الذين إذا أتوك تنسكوا ... واذا خلوا فهم ذئاب خفاف
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد القزاز نا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن ثابت نا أَبُو عُمَر الْحَسَن بْن عثمان الواعظ نا جَعْفَر بْن مُحَمَّد الواسطي نا الْحُسَيْن بْن عَبْدِ اللَّهِ الأبزاري قَالَ سمعت إبراهيم بْن سَعِيد يَقُول كنت واقفا عَلَى رأس الْمَأْمُون فَقَالَ لي يا إبراهيم قلت لبيك قَالَ عشرة من أعمال البر لا يصعد إِلَى اللَّه وَاللَّه لا يقبل منها شيء قلت مَا هي يا أمير المؤمنين فَقَالَ بكاء إبراهيم عَلَى المنبر وخشوع عَبْد الرَّحْمَنِ بْن إسحاق وتقشف ابْن سماعة وصلاة خيعويه بالليل وصلاة عَبَّاس الضحى وصيام ابْن السندي الاثْنَيْنِ والخميس وحديث أبي رجاء وقصص الحاجبي وصدقة حفصويه وكتاب الشامي ليعلى بْن قريش.
ذكر تلبيس إبليس عَلَى الصوفية فِي ترك النكاح. قال المصنف: النكاح مَعَ خوف العنت واجب ومن غير خوف العنت سنة مؤكدة عند جمهور الفقهاء ومذهب أبي حنيفة واحمد ابْن حنبل انه حينئذ أفضل من جميع النوافل لأنه سبب فِي وجود الولد قَالَ عَلَيْهِ الصلاة والسلام: "تناكحوا تناسلوا" وقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "النكاح من سنتي فمن رغب عَنْ سنتي فليس مني".
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي طاهر نا الْجَوْهَرِيّ نا أَبُو عُمَر بْن حياة نا أَحْمَد بْن معروف ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفهم ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْد نا سُلَيْمَان بْن داود الطيالسي نا إِبْرَاهِيم بْن سَعْد عَنْ الزهري عَنْ سَعِيد بْن المسيب عَنْ سَعْد بْن أبي وقاص قَالَ لَقَدْ رَدَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ وَلَوْ أَذَّنَ لَهُ فِي ذَلِكَ لاخْتَصَيْنَا قال ابْن سَعْد وأَخْبَرَنَا ابْن عفان نا حماد بْن سلمة عَنْ ثابت عَنْ أنس بْن مالك أن نفرا من أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سألوا أزواج النبي عَلَيْهِ السلام عَنْ عمله فِي السر فأخبروهم فَقَالَ بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا أنام الليل عَلَى فراش وقال بعضهم أصوم ولا أفطر فحمد اللَّه النبي عَلَيْهِ الصلاة والسلام وأثنى عَلَيْهِ ثم قَالَ: "ما بال أقوم قَالُوا كَذَا وَكَذَا لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فمن رغب عَنْ سنتي فليس مِنِّي" قَالَ ابْن سَعْد وأَخْبَرَنَا سَعِيد بْن منصور نا أَبُو عوانة عَنْ عطاء بْن السايب عَنْ سَعِيد بْن عُبَيْد قَالَ قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عنه إِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ كَانَ أَكْثَرُهَا نِسَاءً قال ابن سَعْد وأَخْبَرَنَا أحمد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قيس ثنا ميذل عَنْ أبي رجاء الجزري عَنْ عثمان بن خالد بن مُحَمَّد بْن مسلم قَالَ قَالَ شداد بْن أوس زوجوني فَإِنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَانِي أَنْ لا أَلْقَى اللَّهَ عَزَبًا وأَخْبَرَنَا ابْن الحصين نا ابْنُ الْمُذْهِبِ نا أَحْمَد بْن جَعْفَر ثنا عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ ثني أَبِي ثنا عَبْدُ الرزاق نا مُحَمَّد بْن راشد عَنْ مكحول عَنْ رجل عَنْ أبي ذر قَالَ دخل عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل يقال لَهُ عكاف بْن بِشْر التميمي الهلالي فَقَالَ لَهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا عكاف هل لك من زوجة قَالَ لا قَالَ ولا جارية قَالَ لا قَالَ وَأَنْتَ مُوسِرٌ بِخَيْرٍ قَالَ وَأَنَا مُوسِرٌ قَالَ أَنْتَ إِذًا مِنْ إِخْوَانِ الشَّيَاطِينِ لَوْ كُنْتَ مِنَ النَّصَارَى لَكُنْتُ مِنْ رُهْبَانِهِمْ إِنَّ سُنَّتَنَا النِّكَاحُ شِرَارُكُمْ عُزَّابُكُمْ وَأَرَاذِلُ مَوْتَاكُمْ عُزَّابُكُمْ فَمَا لِلشَّيَاطِينِ مِنْ سِلاحٍ أَبْلَغُ فِي الصَّالِحِينَ مِنْ تَرْكِ النِّسَاءِ".
أَخْبَرَنَا ابْن الحصين نا ابْنُ الْمُذْهِبِ نا أَحْمَد بْن جَعْفَر نا عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثني أَبِي ثني أيوب بْن النجار عَنْ طيب بْن مُحَمَّد عَنْ عطاء بْن أبي رباح عَنْ أبي هريرة قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَنَّثِي الرِّجَالِ الَّذِينَ يَتَشَبَّهُونَ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَرَجِّلاتُ مِنَ النِّسَاءِ الْمُتَشَبِّهَاتُ بِالرِّجَالِ وَالْمُتَبَتِّلِينَ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا نَتَزَوَّجُ وَالْمُتَبَتِّلاتُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي يَقُلْنَ ذَلِكَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا عَبْد القادر بْن مُحَمَّد قَالَ نا أَبُو بَكْر الخياط نا أَبُو الفتح بْن أبي الفوارس نا أحمد بْن جَعْفَر الجيلي ثنا أحمد بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ الخالق ثنا أَبُو بَكْر المروزي قَالَ سَمِعْتُ أبا عَبْد اللَّهِ أحمد بْن حنبل يَقُول ليس العزوبة من أمر الإسلام فِي شيء النبي عَلَيْهِ الصلاة والسلام تزوج أربع عشرة امرأة ومات عَنْ تسع ثم قَالَ لو كان بِشْر بْن الحارث تزوج كان قد تم أمره كله لو ترك الناس النكاح لم يغزوا ولم يحجوا ولم يكن كذا ولم يكن كذا وَقَدْ كان النبي عَلَيْهِ الصلاة والسلام يصبح وما عندهم شيء وكان يختار النكاح ويحث عَلَيْهِ وينهى عَنِ التبتل فمن رغب عَنْ فعل النبي عَلَيْهِ الصلاة والسلام فهو عَلَى غير الحق ويعقوب عَلَيْهِ السلام فِي حزنه قد تزوج وولد لَهُ والنبي عَلَيْهِ الصلاة والسلام قَالَ حبب إلي النساء قلت فَإِن إبراهيم بْن آدم يحكى عنه بأنه قَالَ لروعة صاحب عيال فما قدرت أن أتم الحديث حتى صاح بي وقال وقعنا فِي بنيات الطريق أنظر عافاك اللَّه مَا كان عَلَيْهِ نبينا مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه ثم قَالَ لبكاء الصبي بين يدي أبيه يطلب مِنْهُ خبزا أفضل من كذا وكذا أنى يلحق المتعبد المتعزب المتزوج.
فصل: وقد لَبَّسَ إبليس عَلَى كثير من الصوفية فمنعهم من النكاح فقدماؤهم تركوا ذلك تشاغلا بالتعبد ورأوا النكاح شاغلا عَنْ طاعة اللَّه عز وجل وهؤلاء وإن كانت بهم حاجة إِلَى النكاح أَوْ بهم نوع تشوق إليه فقد خاطروا بأبدانهم وأديانهم وإن لم يكن بهم حاجة إليه فأتتهم الفضيلة وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عنه عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "وفي بضع أحدكم صدقة" قالوا يأتي أحدنا شهوته ويكون لَهُ فيها أجر قَالَ: "أرأيتم لو وضعها فِي حرام أكان عَلَيْهِ وزر" قالوا نعم قَالَ: "وكذلك إذا وضعها فِي الحلال كان لَهُ أجر" ثم قَالَ: "أفتحتسبون الشر ولا تحتسبون الخير" ومنهم من قَالَ النكاح يوجب النفقة والكسب صعب وهذه حجة للترفه عَنْ تعب الكسب وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "دِينَار أنفقته فِي سبيل اللَّه ودينار أنفقته فِي رقبة ودينار أنفقته فِي الصدقة ودينار أنفقته عَلَى عيالك أفضلها الدينار الذي أنفقته عَلَى عيالك" ومنهم من قَالَ النكاح يوجب الميل إِلَى الدنيا فروينا عَنْ أبي سُلَيْمَان الداراني أنه قَالَ إذا طلب الرَّجُل الحديث أَوْ سافر فِي طلب المعاش أَوْ تزوج فقد ركن إِلَى الدنيا.
قال المصنف رحمه اللَّه: قلت وهذا كله مخالف للشرع وَكَيْفَ لا يطلب الحديث والملائكة تضع أجنحتها لطلب العلم وَكَيْفَ لا يطلب المعاش وَقَدْ قَالَ عُمَر بْن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عنه لأن أموت من سعي عَلَى رجلي أطلب كفاف وجهي أحب إلي من أن أموت غازيا فِي سبيل اللَّه وَكَيْفَ لا يتزوج وصاحب الشرع يَقُول: "تناكحوا تناسلوا" فما أرى هذه الأوضاع إلا عَلَى خلاف الشرع فأما جماعة من متأخري الصوفية فإنهم تركوا النكاح ليقال زاهد والعوام تعظم الصوفي إذا لم تكن لَهُ زوجة فيقولون مَا عرف امرأة قط فهذه رهبانية تخالف شرعنا قال أَبُو حامد ينبغي أن لا يشغل المريد نفسه بالتزويج فإنه يشغله عَنِ السلوك ويأنس بالزوجة ومن أنس بغير اللَّه شغل عَنِ اللَّه تعالى.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وإني لأعجب من كلامه أتراه مَا علم أن من قصد عفاف نفسه ووجود ولد أَوْ عفاف زوجته فإنه لم يخرج عَنْ جادة السلوك أَوْ يرى الأنس الطبيعي بالزوجة ينافي أنس القلوب بطاعة اللَّه تعالى وَاللَّه تعالى قد من على الخلق بقوله وجعل لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً وفي الحديث الصحيح عَنْ جابر رَضِيَ اللَّهُ عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك" وما كان بالذي ليدله عَلَى مَا يقطع أنسه بالله تعالى أترى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما كان ينبسط إِلَى نسائه ويسابق عائشة رضي اله عنها أكان خارجا عَنِ الأنس بالله هذه كلها جهالات بالعلم.
محاذير ترك النكاح: واعلم أنه إذا دام ترك النكاح عَلَى شبان الصوفية أخرجهم إِلَى ثَلاثَة أنواع.
النوع الأَوَّل: المرض بحبس الماء فَإِن المرء إذا طال احتقانه تصاعد إِلَى الدماغ مِنْهُ منيه قَالَ أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن زكريا الرازي أعرف قوما كانوا كثيري المنى فلما منعوا أنفسهم من الجماع لضرب من التفلسف بردت أبدانهم وعسرت حركاتهم ووقعت عليهم الكآبة بلا سبب وعرضت لهم أعراض الماليخوليا وقلت شهواتهم وهضمهم قَالَ ورأيت رجلا ترك الجماع ففقد شهوة الطعام وصار أن أكل القليل لم يستمره وتقايأه فلما عاد إِلَى عادته من الجماع سكنت عنه هذه الأعراض سريعا.
النوع الثاني: الفرار إِلَى المتروك فَإِن منهم خلقا كثيرا صابروا عَلَى ترك الجماع فاجتمع الماء فأقلقوا جعوا فلامسوا النساء ولابسوا من الدنيا أضعاف مَا فروا مِنْهُ فكانوا كمن أطال الجوع ثم أكل مَا ترك فِي زمن الصبر.
النوع الثالث: الانحراف إِلَى صحبة الصبيان فَإِن قوما منهم أيسوا أنفسهم من النكاح فأقلقهم مَا اجتمع عندهم فصاروا يرتاحون إِلَى صحبة المرد.
فصل: وقد لبس عَلَى قوم منهم تزوجوا وقالوا أنا لا ننكح شهوة فَإِن أرادوا أن الأغلب فِي طلب النكاح إرادة السنة جاز وإن زعموا انه لا شهوة لهم فِي نفس النكاح فمحال ظاهر.
فصل: وقد حمل الجهل أقواما فجبوا أنفسهم وزعموا أنهم فعلوا ذلك حياء من اللَّه تعالى وهذه غاية الحماقة لأن اللَّه تعالى شرف الذكر عَلَى الأنثى بهذه الآلة وخلفها لتكون سببا للتناسل والذي يجب نفسه يَقُول بلسان الحال الصواب ضد هَذَا ثم قطعهم الآلة لا تزيل شهوة النكاح من النفس فما حصل لهم مقصودهم. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب العاشر: فِي ذكر تلبيسه عَلَى الصوفية من جملة الزُّهَّاد الخميس 20 ديسمبر 2018, 2:38 pm | |
| ذكر تلبيس إبليس عَلَى الصوفية فِي ترك طلب الأولاد. أَخْبَرَنَا المحمدان ابْن ناصر وابن عَبْد الباقي قالا نا حمد بْن أَحْمَدَ نا أَبُو نعيم أَحْمَد بْن عَبْدِ اللَّهِ ثنا إِسْحَاق بْن أحمد ثنا إبراهيم بْن يوسف ثنا أحمد بْن أبي الحواري قَالَ سمعت أبا سُلَيْمَان الداراني يَقُول الذي يريد الولد أحمق لا للدنيا ولا للآخرة إن أراد أن يأكل أَوْ ينام أَوْ يجامع نغص عَلَيْهِ وإن أراد أن يتعبد شغله.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه قلت: وهذا غلط عظيم وبيانه أنه لما كان مراد اللَّه تعالى من إيجاد الدنيا اتصال دوامها إِلَى أن ينقضي أجلها وكان الآدمي غير ممتد البقاء فيها إلا إِلَى أمد يسير أخلف اللَّه تعالى مِنْهُ مثله فحثه عَلَى سببه فِي ذلك تارة من حيث الطبع بإيقاد نار الشهوة وتارة من باب الشرع بقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ} وقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تناكحوا تناسلوا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة ولو بالسقط" وقد طلب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الأولاد فَقَالَ تعالى حكاية عنهم: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} إِلَى غير ذلك من الآيات وتسبب الصالحون إِلَى وجودهم ورب جماع حدث مِنْهُ ولد مثل الشافعي واحمد بْن حنبل فكان خيرا من عبادة ألف سنة وَقَدْ جاءت الأخبار بإثابة المباضعة والإنفاق عَلَى الأولاد والعيال ومن يموت لَهُ ولد ومن يخلف ولدا بعده فمن أعرض عَنْ طلب الأولاد والتزوج فقد خالف المسنون والأفضل وحرم أجرا جسيما ومن فعل ذلك فإنما يطلب الراحة أَخْبَرَنَا عُمَر بْن ظفر نا جَعْفَر بْن أحمد بْن السراج نا أَبُو القاسم الأزجي ثنا ابْنُ جهضم ثنا الخلدي قَالَ سمعت الجنيد يَقُول الأولاد عقوبة شهوة الحلال فما ظنكم بعقوبة شهوة الحرام؟.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وهذا غلط فان تسمية المباح عقوبة لا يحسن لأنه لا يباح شيء ثم يكون مَا تجدد مِنْهُ عقوبة ولا يندب إِلَى شيء إلا وحاصله مثوبة.
ذكر تلبيس إبليس عَلَى الصوفية فِي الأسفار والسياحة. قد لَبَّسَ إبليس عَلَى خلق كثير منهم فأخرجهم إِلَى السياحة لا إِلَى مكان معروف ولا إِلَى طلب علم وأكثرهم يخرج عَلَى الوحدة ولا يستصحب زادا ويدعي بذلك الفعل التوكل فكم تفوته من فضيلة وفريضة وَهُوَ يرى أنه فِي ذلك عَلَى طاعة وأنه يقرب بذلك من الولاية وَهُوَ من العصاة المخالفين لسنة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأما السياحة والخروج لا إِلَى مكان مقصود فقد نهى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السعي فِي الأَرْض فِي غير أرب حاجة أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا الْمُبَارَك بْن عَبْدِ الجبار نا إِبْرَاهِيم بْن عُمَر البرمكي نا ابْن حياة نا عُبَيْد اللَّه بْن عَبْدِ الرَّحْمَن السكري قَالَ سَمِعْتُ أبا مُحَمَّد بْن قتيبة يَقُول ثني مُحَمَّد بْن عُبَيْد عَنْ مُعَاوِيَة عن عمرو عَنْ أبي إِسْحَاق عَنْ سفيان عَنِ ابْن جريج عَنْ مسلم عَنْ طاوس أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا زِمَامَ وَلا خِزَامَ وَلا رَهْبَانِيَةَ وَلا تَبَتُّلَ وَلا سِيَاحَةَ فِي الإِسْلامِ قال ابْن قتيبة الزمام فِي الأنف والخزام حلقة من شعر يجعل فِي أحد جانبي المنخرين وأراد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كان عباد بني إسرائيل يفعلونه من خزم التراقي وزم الأنوف والتبتل وترك النكاح والسياحة مفارقة الأمصار والذهاب فِي الأَرْض وروى أَبُو داود فِي سننه من حديث أبي أمامة أن رجلا قَالَ يا رَسُول اللَّهِ ائذن لي فِي السياحة فَقَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن سياحة أمتي الجهاد فِي سبيل اللَّه".
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وَقَدْ ذكرنا فيما تقدم من حديث ابْن مظعون أنه قَالَ يا رَسُول اللَّهِ إن نفسي تحدثني بأن أسيح فِي الأَرْض فَقَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ: "مهلا يا عثمان فَإِن سِيَاحَةَ أُمَّتِي الْغَزْوُ فِي سَبِيلِ اللَّه والحج والعمرة" وقد روى إسحاق بن إبراهيم بن هانىء عَن أحمد بْن حنبل أنه سئل عَنِ الرَّجُل يسيح يتعبد أحب إليك أَوِ المقيم فِي الأمصار قَالَ مَا السياحة من الإسلام فِي شيء ولا من فعل النبيين ولا الصالحين.
فصل: وأما الخروج عَلَى الوحدة فقد نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسافر الرَّجُل وحده فأَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَن بْن مُحَمَّدٍ نا أحمد بْن عَلِيّ بْن ثابت نا مُحَمَّد بْن الطيب الصباغ نا أحمد بْن سُلَيْمَان النجاد ثنا يَحْيَى بْن جَعْفَر بْن أبي طالب ثنا عَلِيّ بْن عَاصِم ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن يَزِيد ثنا عمرو بْن شعيب عَنْ أبيه عَنْ جده أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالاثْنَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلاثَةُ رَكْبٌ" أَخْبَرَنَا هِبَة اللَّهِ بْن مُحَمَّدٍ نا الْحَسَن بْن عَلِيّ نا أَحْمَد بْن جَعْفَر ثنا عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ ثني أَبِي ثنا أيوب بْن النجار عَنْ طيب بْن مُحَمَّد عَنْ عطاء بْن أبي رباح عَنْ أبي هريرة قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِبَ الْفَلاةِ وحده.
فصل: وقد يمشون بالليل أيضا عَلَى الوحدة وَقَدْ نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذلك وأَخْبَرَنَا ابْن الحصين نا ابْن الْمُذْهِبِ نا أَحْمَد بْن جَعْفَر ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن أَحْمَدَ ثنى أبي ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْد ثنا عَاصِم عَنْ أبيه عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا سَارَ أَحَدٌ وَحْدَهُ بِلَيْلٍ أَبَدًا" قال عَبْد اللَّهِ وحدثني أبي ثنا مُحَمَّد بْن أبي عدي ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم عَنْ عطاء بْن يسار عَنْ جابر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أقلو الْخُرُوجَ إِذَا هَدَأَتِ الرِّجْلُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبُثُّ فِي خَلْقِهِ مَا شَاءَ".
قال المصنف رحمه اللَّه: وفيهم من جعل دأبة السفر والسفر لا يراد لنفسه قَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "السفر قطعة من العذاب فَإِذَا قضى أحدكم نهمته من سفره فليعجل إِلَى أهله" فمن جعل دأبة السفر فقد جمع بين تضييع العمر وتعذيب النفس وكلاهما مقصود فاسد" أنبأنا عَبْد المنعم بْن عَبْدِ الكريم ثنا أبي قَالَ سمعت مُحَمَّد بْن أبي الطيب العكي يَقُول سمعت أبا الْحَسَن المصري يَقُول سمعت أبا حمزة الخراساني يَقُول كنت قد بقيت محرما فِي عباء أسافر كل سنة ألف فرسخ تطلع الشمس علي وتغرب كلما أحللت أحرمت.
ذكر تلبيسه عليهم فِي دخول الفلاة بغير زاد. قال المصنف رحمه اللَّه: قد لبس عَلَى خلق كثير منهم فأوهمهم أن التوكل ترك الزاد وَقَدْ بينا فساد هَذَا فيما تقدم إلا أنه قد شاع هَذَا فِي جهلة القوم وجاء حمقى القصاص يحكون ذلك عنهم عَلَى سبيل المدح لهم به فيتضمن ذلك تحريض الناس عَلَى مثل ذلك وبأفعال أولئك ومدح هؤلاء لهؤلاء فسدت الأحوال وخفيت عَلَى العوام طرق الصواب والأخبار عنهم بذلك كثيرة وأنا أذكر منها نبذة أنبأنا مُحَمَّد بْن عَبْدِ الملك نا أَبُو بَكْر نا رضوان بْن مُحَمَّد الدينوري ثنا طاهر بْن عَبْدِ اللَّهِ ثنا الفضل بْن الفضل الكندي ثنى أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْدِ الْوَاحِد بْن جَعْفَر الواسطي ثنا مُحَمَّدُ بْنُ السفاح عَنْ عَلِيّ بْن سَهْل المصري قَالَ أخبرني فتح الموصلي قَالَ خرجت حاجا فلما توسطت البادية إذا أنا بغلام صغير فقلت يا عجبا بادية بيداء وأرض قفراء وغلام صغير فأسرعت فلحقته فسلمت عَلَيْهِ ثم قلت يا بني إنك غلام صغير لم تجر عليك الأحكام قَالَ يا عم قد مات من كان أصغر سنا مني فقلت وسع خطاك فَإِن الطرق بعيد حتى تلحق المنزل فَقَالَ يا عُمَر علي المشي وعلى اللَّه البلاغ أما قرأت قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} فقلت لَهُ مالي لا أرى معك لا زادا ولا راحلة فَقَالَ يا عم زادي يقيني وراحلتي رجائي قلت سألتك عَنِ الخبز والماء قَالَ يا عم أخبرني لو أن أخا من إخوانك أَوْ صديقا من أصدقائك دعاك إِلَى منزله أكنت تستحسن أن تحمل معك طعاما فتأكله فِي منزله فقلت أزودك فَقَالَ إليك عني يا بطال هو يطعمنا ويسقينا قَالَ فتح فما رأيت صغيرا أشد توكلا مِنْهُ ولا رأيت كبيرا أشد زهدا مِنْهُ.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: بمثل هذه الحكاية تفسد الأمور ويظن أن هَذَا هو الصواب ويقول الكبير إذا كان الصغير فقد فعل هَذَا فأنا أحق بفعله مِنْهُ وليس العجب من الصبي بل من الذي لقيه كيف لم يعرفه أن هَذَا الذي يفعله منكر وأن الذي استدعاك أمرك بالتزود من ماله يتزود ولكن مضى عَلَى هَذَا كبار القوم فكيف الصغار أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز نا أَبُو بَكْر أحمد بْن عَلِيٍّ الْحَافِظ نا أَبُو نعيم الأصفهاني قَالَ سمعت مُحَمَّد بْن الْحَسَنِ بْن عَلِيٍّ اليعيظي يَقُول حضرت أبا عَبْد اللَّهِ الجلاء وقيل لَهُ عَنْ هؤلاء الذين يدخلون البادية بلا زاد ولا عدة يزعمون أنهم متوكلون فيموتون فِي البراري فَقَالَ هَذَا فعل رجال الحق فَإِن ماتوا فالدية عَلَى القاتل أَخْبَرَنَا ابْن ناصر أَنْبَأَنَا أحمد بْن عَلِيّ بْن خلف نا أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي قَالَ سمعت أبا الْحُسَيْن الْفَارِسِيّ يَقُول سمعت أحمد بْن عَلِيّ يَقُول قَالَ رجل لأبي عَبْد اللَّهِ بْن الجلاء مَا تقول فِي الرَّجُل يدخل البادية بلا زاد قَالَ هَذَا من فعل رجال اللَّه قَالَ فَإِن مات قَالَ الدية عَلَى القاتل.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت هذه فتوى جاهل بحكم الشرع إذ لا خلاف بين فقهاء الإسلام أنه لا يجوز دخول البادية بغير زاد وإن من فعل ذلك فمات بالجوع فإنه عاص لله تعالى مستحق لدخول النار وكذلك إذا تعرض بما غالبه العطب فَإِن اللَّه جعل النفوس وديعة عندنا فَقَالَ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ وَقَدْ تكلمنا فيما تقدم فِي وجوب الاحتراز من المؤذي ولو لم يكن المسافر بغير زاد إلا أنه خالف أمر اللَّه في قوله وتزودوا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حبيب نا أَبُو سَعْد بْن أبي صَادِق نا ابْن باكويه قَالَ سمعت أبا أحمد الكبير يَقُول سمعت أبا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خفيف قَالَ خرجت من شيراز فِي السفرة الثالثة فتهت فِي البادية وحدي وأصابني من الجوع والعطش مَا أسقط من أسناني ثمانية وانتثر شعري كله.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت هَذَا قد حكى عَنْ نفسه مَا ظاهره طلب المدح عَلَى مَا فعل والذم لا حق به أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز نا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن ثابت نا عَبْدُ الكريم بْن هوازن قَالَ سمعت أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول سمعت مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ الواعظ وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حبيب نا أَبُو سَعْد بْن أبي صَادِق نا أَبُو عَبْد اللَّهِ بْن باكويه واللفظ لَهُ ثنا أَبُو الفضل يوسف بْن عَلِيٍّ البلخي ثنا مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ أَبُو حمزة الصوفي قَالَ إني لا أستحي من اللَّه أن أدخل البادية وأنا شعبان وَقَدِ اعتقدت التوكل لئلا يكون شبعي زادا تزودته قال المصنف رحمه اللَّه قلت وَقَدْ سبق الكلام عَلَى مثل هَذَا وإن هؤلاء القوم ظنوا أن التوكل ترك الأسباب ولو كان هكذا لكان رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين تزود لما خرج إِلَى الغار قد خرج من التوكل وكذلك مُوسَى لما طلب الخضر تزود حوتا وأهل الكهف حين خرجوا فاستصحبوا دراهم واستخفوا مَا معهم وإنما خفي عَلَى هؤلاء معنى التوكل لجهلهم وَقَدْ أعتذر لهم أَبُو حامد فَقَالَ لا يجوز دخول المفازة بغير زاد إلا بشرطين أحدهما أن يكون الإنسان قد راض نفسه حيث يمكنه الصبر عَلَى الطعام أسبوعا ونحوه والثاني أن يمكنه التقوت بالحشيش ولا تخلوا البادية من أن يلقاه آدمي بعد أسبوع أَوْ ينتهي إِلَى حلة أَوْ حشيش يرجى به وقته.
قال المصنف رحمه اللَّه: قلت أقبح مَا فِي هَذَا القول أنه صدر من فقيه فإنه قد لا يلقى أحدا وَقَدْ يضل وَقَدْ يمرض فلا يصلح لَهُ الحشيش وَقَدْ يلقى من لا يطعمه ويتعرض بمن لا يضيقه وتفوته الْجَمَاعَة قطعا وَقَدْ يكون ولا يلبه أحد ثم قد ذكرنا مَا جاء فِي الوحدة ثم مَا المخرج إِلَى هذه المحن إن كان يعتمد فيها عَلَى عادة أَوْ لقاء شخص والاجتزاء بحشيش وأي فضيلة فِي هذه الحال حتى يخاطر فيها بالنفس وأين أمر الإنسان أن يتقوت بحشيش ومن فعل هَذَا من السلف وكأن هؤلاء القوم يجزمون عَلَى اللَّه سبحانه هل يرزقهم فِي البادية ومن طلب الطعام فِي البرية فقد طلب مَا لم تجر به العادة ألا ترى أن قوم مُوسَى عَلَيْهِ السلام لما سألوا من بقلها وقثائها وفولها وعدسها وبصلها أوحى اللَّه إِلَى مُوسَى أن {اهْبِطُوا مِصْراً} وذلك لأن الذي طلبوه فِي الأمصار فهؤلاء القوم عَلَى غاية الخطأ فِي مخالفة الشرع والعقل والعمل بموافقات النفس.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا الْمُبَارَك بْن عَبْدِ الجبار نا عَبْد الْعَزِيز بْن عَلِيٍّ الأزجي نا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر الساجي نا أَبُو بَكْر عَبْد الْعَزِيز بْن جَعْفَر ثنا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد الخلال نا الْحَسَن بْن أحمد الكرماني ثنا أَبُو بَكْر ثنا شبابة ثنا ورقاء عَنْ عمرو بْن دِينَار عَنْ عِكْرِمَة عَنِ ابْنِ عَبَّاس قَالَ كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ وَلا يَتَزَوَّدُونَ وَيَقُولُونَ نَحْنُ مُتَوَكِّلُونَ فَيَحُجُّونَ فَيَأْتُونَ إِلَى مَكَّةَ فَيَسْأَلُونَ النَّاسَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} أَخْبَرَنَا أَبُو المعمر الأنصاري نا يَحْيَى بْن عَبْدِ الْوَهَّاب بْن منده نا أَبُو طاهر مُحَمَّد بْن أحمد بْن عَبْدِ الرحيم نا مُحَمَّد بْن حسان ثنا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن هارون المردنجي ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن الأزهر ثنا أسباط ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الجرجاني قَالَ سألت مُحَمَّد بْن كثير الصنعاني عَنِ الزهاد الذين لا يتزودون ولا ينتعلون ولا ولا يلبسون الخفاف فقال سألتني عَنْ أولاد الشياطين ولم تسألني عَنِ الزهاد فقلت لَهُ فأي شيء الزهد قَالَ التمسك بالسنة والتشبيه فأصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا أَبُو الْحُسَيْن بْن عَبْدِ الجبار نا عَبْدُ الْعَزِيز بْن عَلِيٍّ الأزجي نا إبراهيم بْن مُحَمَّد الساجي نا أَبُو بَكْر عَبْد الْعَزِيز بْن جَعْفَر نا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد الخلال نا أحمد بْن الْحُسَيْن بْن حسان أن أبا عَبْد اللَّهِ أحمد بْن حنبل سئل عَنْ الرَّجُل يريد المفازة بغير زاد فأنكره إنكارا شديدا وقال أف أف لالا ومد بِهَا صوته إلا بزاد ورفقاء وقافلة قَالَ الخلال وقال أَبُو بَكْر المروزي وجاء رجل إِلَى أبي عَبْد اللَّهِ فَقَالَ رجل يريد سفرا أيما أحب إليك يحمل معه زادا أَوْ يتوكل فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْد اللَّهِ يحمل معه زادا ويتوكل حتى لا يتشرف للناس قَالَ الحلال وأخبرني إِبْرَاهِيم بْن الخليل أن أحمد بْن نصر حدثهم أن رجلا سأل أبا عَبْد اللَّهِ أيخرج الرَّجُل إِلَى مكة متوكلا لا يحمل معه شيئا قَالَ لا يعجبني فمن أين يأكل قَالَ فيتوكل فيعطيه الناس قَالَ فَإِذَا لم يعطوه أليس يتشرف لهم حتى يعطوه لا يعجبني هَذَا لم يبلغني أن أحدا من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتابعين فعل هَذَا قَالَ الخلال وأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيٍّ السمسار أن مُحَمَّد بْن مُوسَى بْن مسبس حدثهم أن أبا عَبْد اللَّهِ سأله رجل فَقَالَ أحج بلا زاد فَقَالَ لا اعمل واحترف وأخرج النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زود أصحابه فَقَالَ فهؤلاء الذين يعرفون ويحجون بلا زادهم عَلَى الخطأ قَالَ نعم هم عَلَى الخطأ قال الخلال وأخبرني مُحَمَّد بْن أحمد بْن جامع الرازي قَالَ سمعت الْحُسَيْن الرازي قَالَ شهدت أحمد بْن حنبل وجاءه رجل من أهل خراسان فَقَالَ لَهُ يا أبا عَبْد اللَّهِ معي درهم أحج بهذا الدرهم فَقَالَ لَهُ أحمد اذهب إِلَى باب الكرخ فاشتر بهذا الدرهم حبا واحمل عَلَى رأسك حتى يصير عندك ثلثمائة درهم فحج قَالَ يا أبا عَبْد اللَّهِ أما ترى مكاسب الناس قَالَ أحمد لا تنظر إِلَى هَذَا فإنه من رغب فِي هَذَا يريد أن يفسد عَلَى الناس معايشهم قَالَ يا أبا عَبْد اللَّهِ أنا متوكل قَالَ فتدخل البادية وحدك أَوْ مَعَ الناس قَالَ لا مَعَ الناس قَالَ كذبت إذن لست بمتوكل فادخل وحدك وإلا فأنت متوكل عَلَى جراب الناس.
سياق مَا جرى للصوفية فِي أسفارهم وسياحاتهم من الأفعال المخالفة للشرع. أَخْبَرَنَا أَبُو منصور عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد القزاز نا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن ثابت نا مُحَمَّد بْن عَبْدِ الباقي نا حمد بْن أَحْمَدَ نا أَبُو نعيم الْحَافِظ ثنا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مقسم ثني أَبُو بدر الخياط الصوفي قَالَ سمعت أبا حمزة يَقُول سافرت سفرة عَلَى التوكل فبينما أنا أسير ذات ليلة والنوم فِي عيني إذ وقعت فِي بئر فرأيتني قد حصلت فيها فلم أقدر عَلَى الخروج لبعد مرتقاها فجلست فيها فبينما أنا جالس إذ وقف عَلَى رأس البئر رجلان فَقَالَ أحدهما لصاحبه نجوز ونترك هذه البئر فِي طريق المسلمين السابلة والمارة فَقَالَ الآخر فما نصنع قَالَ فبدرت نفسي أن أناديهما فنوديت تتوكل علينا وتشكو بلاءنا إِلَى سوانا فسكت فمضيا ثم رجعا ومعهما شيء فجعلاه عَلَى رأسها غطوها به فقالت لي نفسي أمنت طمها ولكن حصلت فيها مسجونا فمكثت يومي وليلتي فلما كان الغد ناداني شيء يهتف بي ولا أراه تمسك بي شديدا فمددت يدي فوقعت عَلَى شيء خشن فتمسكت به فعلاها وطرحني فوق الأَرْض فَإِذَا هو سبع فلما رأيته لحق نفسي من ذلك مَا يلحق من مثله فهتف بي هاتف وَهُوَ يَقُول يا أبا حمزة استنقذناك من البلاء بالبلاء وكفيناك مَا تخاف بما تخاف أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر مُحَمَّد بْن أبي نصر الحميدي نا أَبُو بَكْر مُحَمَّد ابْن أَحْمَد الأردستاني ثنا أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي قَالَ سمعت مُحَمَّد بْن حسن المحرمي سمعت ابْن المالكي يَقُول قَالَ أَبُو حمزة الخراساني حججت سنة من السنين فبينا أنا أمشي فِي الطريق وقعت فِي بئر فنازعتني نفسي أن أستغيث فقلت لا وَاللَّه لا أستغيث فما أتممت هَذَا الخاطر حتى مر برأس البئر رجلان فَقَالَ أحدهما للآخر تعال نسد رأس هَذَا البئر فِي هَذَا الطريق فأتوا بقصب وبارية فهمهمت فقلت إِلَى من هو أقرب إليك منهما وسكت حتى طموا رأس البئر فَإِذَا بشيء قد جاء فكشف عَنْ رأس البئر ودلي رجليه وكان يَقُول فِي همهمة لَهُ تعلق بي فتعلقت به فأخرجني فنظرت فَإِذَا هو سبع فهتف بي هاتف وَهُوَ يَقُول يا أبا حمزة أليس ذا حسن نجيناك من التلف بالتلف أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز نا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن ثابت نا أَبُو القاسم رضوان بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَنِ الدينوري قَالَ سمعت أحمد بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ النيسابوري يَقُول سمعت أبا عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن نعيم يحكي عَنْ أبي حمزة الصوفي الدمشقي أنه لما خرج من البئر أنشد يَقُول: نهائي حيائي منك أن أكشف الهوى ... فأغنيتني بالقرب منك عَنِ الكشف ترأيت لــــي بالغيب حتــــــى كأنني ... تبشـــــرني بالغــــيب إنك فِي الكف أراك وبي من هيبتي لك وحشــــــة ... وتؤنسني بالعطـــف منك وباللطف وتحيىء محبا أنت فِي الحب حتفه ... وذا عجب كون الحيــــاة مَعَ الحتف |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب العاشر: فِي ذكر تلبيسه عَلَى الصوفية من جملة الزُّهَّاد الخميس 20 ديسمبر 2018, 3:53 pm | |
| قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت اختلفوا فِي أبي حمزة هَذَا الواقع فِي البئر فَقَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي هو أَبُو حمزة الخراساني وكان من أقران الجنيد وَقَدْ ذكرنا فِي رواية أخرى أنه دمشقي وقال أَبُو نعيم الْحَافِظ هو أَبُو حمزة البغدادي واسمه مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم وذكره الخطيب فِي تاريخه وذكر لَهُ هذه الحكاية وأيهم كان فهو مخطىء فِي فعله مخالف للشرع بسكوته معين بصمته عَلَى نفسه وَقَدْ كان يجب عَلَيْهِ أن يصيح ويمنع من طم البئر كَمَا يجب عَلَيْهِ أن يدفع عَنْ نفسه من يقصد قتله وقوله لا أستغيث كقول القائل لا آكل الطعام ولا أشرب الماء وهذا جهل من فاعله ومخالفة الحكمة فِي وضع الدنيا فَإِن اللَّه تعالى وضع الأشياء عَلَى حكمة فوضع للآدمي يدا يدافع بِهَا ولسانا ينطق به وعقلا يهديه إِلَى دفع المضار واجتلاب المصالح وجعل الأغذية والأدوية لمصلحة الآدميين فمن أعرض عَنِ استعمال مَا خلق لَهُ وأرشد إليه فقد رفض أمر الشرع وعطل حكمة الصانع فَإِن قَالَ جاهل فكيف أحترز مَعَ أمر القدر قلنا وَكَيْفَ لا يحترز مَعَ أمر المقدر وَقَدْ قَالَ اللَّه تعالى: {خُذُوا حِذْرَكُمْ} وَقَدِ اختفى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الغار وقال لسراقة: "اخف عنا" واستأجر دليلا إِلَى المدينة ولم يقل اخرج عَلَى التوكل وما زال ببدنه مَعَ الأسباب وبقلبه مَعَ المسبب وَقَدْ أحكمنا هَذَا الأصل فيما تقدم وقول أبي حمزة فنوديت من باطني هَذَا من حديث النفس الجاهلة التي قد استقر عندها بالجهل أن التوكل ترك التمسك بالأسباب لأن الشرع لا يطلب من الإنسان مَا نهاه عنه وهلا نافره باطنه فِي مديده وتعليقه بذلك المتدلي إليه وتمسكه به فَإِن ذلك أيضا نقض لما ادعاه من ترك الأسباب الذي يسميه التوكل لأنه أي فرق بين قوله أنا فِي البئر وبين تمسكه بما تدلى عَلَيْهِ لا بل هَذَا آكد لأن الفعل آكد من القول فهلا سكت حتى يحمل بلا سبب فَإِن قَالَ هَذَا بعثه اللَّه لي قلنا والذي جاز عَلَى البئر من بعثه واللسان المستغيث من خلقه فإنه لو استغاث كان مستعملا للأسباب التي خلقها اللَّه تعالى لينتفع بِهَا للدفع عنه فلم يستعملها وإنما بسكوته عطل الأسباب التي خلقها اللَّه تعالى لَهُ ودفع الحكمة فصح لومه عَلَى ترك السبب وأما تخليصه بالأسد فَإِن صح هَذَا فقد يتفق مثله ثم لا ينكر أن اللَّه تعالى يلطف بعبده وإنما ينكر فعله المخالف للشرع.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز نا أَبُو بَكْرِ أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن ثابت ثنا عَبْدُ الْعَزِيز ابْن أبي الْحَسَن قَالَ سمعت عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جهضم المكي يَقُول ثنا الخلدي قَالَ قَالَ الجنيد قَالَ لي مُحَمَّد السمين كنت فِي طريق الكوفة بقرب الصحراء التي بين قباء والصخرة التي تفريقنا منها والطريق منقطع فرأيت علي الطريق جملا قد سقط ومات وعليه سبعة أَوْ ثمانية من السباع تتناهش لحمه يحمل بعضها عَلَى بعض فلما أن رأيتهم كأن نفسي اضطربت وكانوا عَلَى قارعة الطريق فقالت لي نفسي تميل يمينا أَوْ شمالا فأبيت عليها إلا أن آخذ عَلَى قارعة الطريق فحملتها عَلَى أن مشيت حتى وقفت عليهم بالقرب منهم كأحدهم ثم رجعت إِلَى نفسي لأنظر كيف فَإِذَا هي الروع معي قائم فأبيت أن أبرح وهذه صفتي فقعدت بينهم ثم نظرت بعد قعودي فَإِذَا الروع معي فأبيت أن أبرح وهذه صفتي فوضعت جنبي فنمت مضطجعا فتغاشاني النوم فنمت وأنا عَلَى تلك الهيئة والسباع فِي المكان الذي كانوا عَلَيْهِ فمضى بي وقت وأنا نائم فاستيقظت فَإِذَا السباع قد تفرقت ولم يبق منها شيء واذا الذي كنت أجده قد زال فقمت وأنا عَلَى تلك الهيئة فانصرفت.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت فهذا الرَّجُل قد خالف الشرع فِي تعرضه للسباع ولا يحل لأحد أن يتعرض لسبع أَوْ لحية بل يجب عَلَيْهِ أن يفر مما يؤذيه أَوْ يهلكه وفي الصحيحين أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إذا وقع الطاعون وأنتم بأرض فلا تقدموا عَلَيْهِ وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فر من المجذوم فرارك من الأسد" ومر عَلَيْهِ الصلاة والسلام بحائط مائل فأسرع وهذا الرَّجُل قد أراد من طبعه أن لا ينزعج وهذا شيء مَا سلم مِنْهُ مُوسَى عَلَيْهِ السلام فإنه لما رأى الحية خاف وولى مدبرا فَإِن صح مَا ذكره وَهُوَ بعيد الصحة لأن طباع الآدمين تتساوى فمن قَالَ لا أخاف السبع بطبعي كذبناه كَمَا لو قَالَ أنا لا أشتهي النظر إِلَى المستحسن وكأنه قهر نفسه حتى نام بينهم استسلاما للهلاك لظنه أن هَذَا هو التوكل وهذا خطأ لأنه لو كان هَذَا هو التوكل مَا نهى عَنْ مقاربة مَا يخاف شره ولعل السباع اشتغلت عنه وشبعت من الجمل والسبع إذا شبع لا يفترس ولقد كان أَبُو تراب النخشبي من كبار القوم فلقيته السباع البرية فنهشته فمات ثم لا ينكر أن يكون اللَّه تعالى لطف به ونجاه بحسن ظنه فيه غير أنا نبين خطأ فعله للعامي الذي إذا سمع هذه الحكاية ظن أنها عزيمة عظيمة ويقين قوي وربما فضل حالته عَلَى حالة مُوسَى عَلَيْهِ السلام إذ هرب من الحية وعلى حالة نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ مر بجدار مائل فهرول وعلى لبسه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدرع فِي غزواته كلها وقت الحرب حتى قَالَ عَلَيْهِ الصلاة والسلام فِي غزوة الخندق ليس لنبي أن يلبس لأمة حربة ثم ينزعها من غير قتال وعلى حالة أبي بَكْر رَضِيَ اللَّهُ عنه إذ سد خروق الغار اتقاء ذي الحيات وهيهات أن تعلو مرتبة هَذَا المخالف للشرع عَلَى مرتبة النبيين والصديقين بما يخايل لَهُ ظنه الفاسد من أن هَذَا الفعل هو التوكل.
وقد أَخْبَرَنَا عنه أَبُو منصور القزاز نا أَبُو بَكْرِ الخطيب نا إِسْمَاعِيل بْن أحمد الجبري ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْن السلمي قَالَ سمعت مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن البغدادي يَقُول سمعت مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ الفرغاني قَالَ سمعت مؤملا المغابي يَقُول كنت أصحب مُحَمَّد بْن السمين فسافرت معه مَا بين تكريت والموصل فبينا نحن فِي برية نسير إذ زأر السبع من قريب منا فجزعت وتغيرت وظهر ذلك عَلَى وجهي وهممت أن أبادر فأفر فضبطني وقال يا مؤمل التوكل ههنا ليس فِي المسجد الجامع.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت لا أشك فِي أن التوكل يظهر أثره فِي المتوكل عند الشدائد ولكن ليس من شروطه الاستسلام للسبع فإنه لا يجوز.
أَخْبَرَنَا عُمَر بْن ظفر نا ابْن السراج نا عَبْدُ الْعَزِيز بْن عَلِيٍّ الأزجي نا ابْن جهضم ثنا إِبْرَاهِيم بْن أحمد بْن عَلِيٍّ العطار قَالَ لَهُ الخواص حَدَّثَنِي بعض المشايخ أنه قيل لعلي الرازي مَا لنا لا نراك مَعَ أبي طالب الجرجاني قَالَ خرجنا فِي سياحة فنمنا فِي موضع فيه سباع فلما نظر إلي رآني لم أنم طردني وقال لا تصحبني بعد هَذَا الْيَوْم.
قال المصنف رحمه اللَّه: لقد تعدَّى هَذَا الرَّجُل إذ أراد من صاحبه أن يُغَيِّر مَا طُبِعَ عَلَيْهِ وليس ذلك فِي قدرته ولا فِي وسعه ولا يُطالبه بمثله الشرع وما قدر عَلَى هذه الحالة مُوسَى عَلَيْهِ السلام حين هرب من الحيَّة فهذا كله مبناه عَلَى الجهل.
أَخْبَرَنَا ابْن ظفر نا ابْن السراج نا الأزجي ثنا بن جهضم قَالَ سمعت الخلدي يَقُول سمعت إِبْرَاهِيم الخواص يَقُول سمعت حسنا أخا سنان يَقُول كنت أسلك طريق مكة فتدخل فِي رجلي الشوكة فيمنعني مَا أعتقده من التوكل أن أخرجها من رجلي فأدلك رجلي عَلَى الأَرْض وامشي. أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْدِ الباقي بْن أحمد أَنْبَأَنَا أَبُو علي الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الفضل الكرماني نا سَهْل بْن عَلَى الحساب نا عَبْدُ اللَّهِ بْن عَلِيٍّ السراج قَالَ سمعت أحمد بْن عَلِيٍّ الوجدي يَقُول حج الدينوري اثنتي عشرة حجة حافيا مكشوف الرأس وكان إذا دخل فِي رجله شوك يمسح رجله فِي الأَرْض ويمشي ولا يتطاطىء إِلَى الأَرْض من صحة توكله.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت انظروا إِلَى مَا يصنع الجهل بأهله وليس من طاعة اللَّه تعالى أن يقطع الإنسان تلك البادية حافيا لأنه يؤذي نفسه غاية الأذى ولا مكشوف الرأس وأي قربة تحصل بهذا ولولا وجوب كشف الرأس فِي مدة الإحرام لم يكن لكشفه معنى فمن ذا الذي أمره ألا يخرج الشوك من رجله وأي طاعة تقع بهذا ولو أن رجله انتفخت بما يبقى فيها من الشوك وهلك كان قد أعان عَلَى نفسه وهل ذلك الرَّجُل بالأرض إلا دفع بعض شر الشوك فهلا دفع الباقي بالإخراج وأين التوكل من هذه الأفعال المخالفة للعقل والشرع لأنهما يقضيان بجلب المنافع للنفس ودفع المضار عنها ولذلك أجاز الشرع لمن أدركه ضرر فِي إحرامه أن يخرق حرمة الإحرام ويلبس ويغطي رأسه ويفدي ولقد سمعت أبا عُبَيْد يَقُول إني لأتبين عقل الرَّجُل بأن يدع الشمس ويمشي فِي الظل.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز نا أَبُو بَكْرِ الخطيب ثنا عَبْدُ الْعَزِيز بْن أبي الْحَسَن القرميسيني قَالَ سمعت عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جهضم قَالَ سمعت أبا بَكْر الرقي يَقُول حَدَّثَنِي أَبُو بَكْر الدقاق قَالَ خرجت فِي وسط السنة إِلَى مكة وأنا حدث السن فِي وسطي نصف جل وعلى كتفي نصف جل فرمدت عيني فِي الطريق وكنت أمسح دموعي بالجل فأقرح الجل الموضع فكان يخرج الدم مَعَ الدموع فمن شدة الإرادة وقوة سروري بحالي لم أفرق بين الدموع والدم وذهبت عيني فِي تلك الحجة وكانت الشمس إذا أثرت فِي بدني قبلت يدي ووضعتها عَلَى عيني سرورا مني بالبلاء أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي القاسم نا أَحْمَد بْن أَحْمَدَ الحداد نا أَبُو نعيم الْحَافِظ قَالَ سمعت أبا الفضل أحمد بْن أبي عمران يَقُول سمعت مُحَمَّد بْن داود الرقي يَقُول سمعت أبا بَكْر الدقاق يَقُول كان سبب ذهاب بصري أني خرجت فِي وسط السنة أريد مكة وفي وسطي نصف جل وعلى وسطي نصف جل فرمدت إحدى عيني فمسحت الدموع بالجل فقرح المكان وكانت الدموع والدم تسيلان من عيني أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي القاسم أنا أَبُو مُحَمَّد التميمي أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ السلمي قَالَ سمعت أبا بَكْر الرازي يَقُول قلت لأبي بَكْر الدقاق وكان بفرد عين مَا سبب ذهاب عينك قَالَ كنت أدخل البادية عَلَى التوكل فجعلت عَلَى نفسي أن لا آكل لأهل المنازل شيئا تورعا فسالت إحدى عيني عَلَى خدي من الجوع.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: إذا سمع مبتدىء حالة هَذَا الرَّجُل ظن أن هذه مجاهدات وَقَدْ جمعت هذه السفرة التي أفتخر فيها فنونا من المعاصي والمخالفات منها خروجه فِي تنصيف السنة عَلَى الوحدة ومشيه بلا زاد ولا راحلة ولباسه الجل ومسح عينيه به وظنه أن ذلك يقربه إِلَى اللَّه تعالى وإنما يتقرب إِلَى اللَّه تعالى بما أمره به وشرعه لا بما نهى وكف عنه فلو أن إنسانا قَالَ أريد أن أضرب نفسي بعصا لأنها عصت أتقرب بذلك إِلَى اللَّه كان عاصيا وسرور هَذَا الرَّجُل بهذا خطأ قبيح لأنه إنما يفرح بالبلاء إذا كان بغير تسبب مِنْهُ لنفسه فلو أن إنسانا كسر رجل نفسه ثم فرح بهذه المصيبة كان نهاية فِي الحماقة ثم تركه السؤال وقت الاضطرار وحمله عَلَى النفس فِي شدة المجاعه حتى سالت عينه ثم يسمي هَذَا تورعا حماقات زهاد أكبرها الجهل والبعد عَنِ العلم وقد أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي القاسم نا حمد بْن أَحْمَدَ نا أَبُو نعيم الْحَافِظ ثنا سُلَيْمَان بْن أَحْمَدَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ العباس بْن أيوب الأصفهاني ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن يوسف الرقي ثنا مطرف بْن مازن عَنْ سفيان الثوري قَالَ من جاع فلم يسأل حتى مات دخل النار.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: فانظر إِلَى كلام الفقهاء مَا أحسنه ووجهه أن اللَّه تعالى قد جعل للجائع مكنة التسبب فَإِذَا عدم الأسباب الظاهرة فله قدرة السؤال التي هي كسب مثله فِي تلك الحال فَإِذَا تركه فقد فرط فِي حق نفسه التي هي وديعة عنده فاستحق العقاب وقد روي لنا فِي ذهاب عين هَذَا الرَّجُل مَا هو أظرف مما ذكرنا فأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْدِ الباقي بْن أَحْمَدَ ثنا حمد بْن أحمد الحداد ثنا أَبُو نعيم قَالَ سمعت أبا أحمد القلانسي يَقُول قَالَ أَبُو علي الروزباري يحكى عَنْ أبي بَكْر الدقاق قَالَ استضفت حيا من العرب فرأيت جارية حسناء فنظرت إليها فقلعت عيني التي نظرت بِهَا إليها وقلت مثلك من نظر لله.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب العاشر: فِي ذكر تلبيسه عَلَى الصوفية من جملة الزُّهَّاد الخميس 20 ديسمبر 2018, 3:58 pm | |
| قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت فانظروا إِلَى جهل هَذَا المسكين بالشريعة والبعد عنها لأنه إن كان نظر إليها عَنْ غير تعمد فلا إثم عَلَيْهِ وأن تعمد فقد أتى صغيرة قد كان يكفيه منها الندم فضم إليها كبيرة وهي قلع عينه ولم يتب عنها لأنه اعتقد قلعها قربة إِلَى اللَّه سبحانه ومن اعتقد المحظور قربة فقد انتهى خطؤه إِلَى الغاية ولعله سمع تلك الحكاية عَنْ بعض بني إسرائيل أنه نظر إِلَى امرأة فقلع عينه وتلك مَعَ بعد صحتها ربما جازت فِي شريعتهم فأما شريعتنا فقد حرَّمت هَذَا وكأن هؤلاء القوم ابتكروا شريعة سمُّوها بالتصوف وتركوا شريعة نبيهم مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعوذ بالله من تلبيس إبليس وَقَدْ روي عَنْ بعض عابدات الصوفية مثل هَذَا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حبيب العامري نا أَبُو سَعْد بْن أبي صَادِق نا ابْنُ باكويه قَالَ أخبرني أَبُو الْحَسَنِ عَلِيّ بْن أحمد البصري غلام شعوانة قَالَ أخبرتني شعوانة أنه كان فِي جيرانها امرأة صالحة فخرجت ذات يوم إِلَى السوق فرآها بعض الناس فافتتن بِهَا وتبعها إِلَى باب دارها فقالت لَهُ المرأة أي شيء تريد مني قَالَ فُتِنْتُ بكِ فقالت مَا الذي استحسنت مني قال عيناك فدخلت إِلَى دارها فقلعت عينيها وخرجت إِلَى خلف الباب ورمت بِهَا إليه وقالت لَهُ خذهما فلا بارك اللَّه فيك.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: فانظروا إخواني كيف يتلاعب إبليس بالجهلة فَإِن ذلك الرَّجُل أتى صغيرة بالنظر وأتت هي بكبيرة ثم ظنَّت أنها فعلت طاعة وكان ينبغي أنها لا تكلم رجلاً أجنبياً وَقَدْ وجد من القوم ضد هَذَا كَمَا يروى عَنْ ذي النون المصري وغيره أنه قَالَ لقيت امرأةً فِي البرية فقلت لها وقالت لي وهذا لا يحل لَهُ وَقَدْ أنكرت عَلَيْهِ امرأة متيقظة فأَخْبَرَنَا عَبْدُ الملك بْن عَبْدِ اللَّهِ الطروحي نا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عُمَر نا أَبُو الفضل مُحَمَّد بْن مُحَمَّد العامي نا أَبُو سَعِيد مُحَمَّد بْن أحمد بْن يوسف ثني سكر ثني مُحَمَّد بْن يعقوب العرجي قَالَ سمعت ذي النون يَقُول رأيت امرأة بنحو أرض البجة فناديتها فقالت وما للرجال أن يُكلّموا النساء لولا نقص عقلك لرميتك بشيء.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَن بْن مُحَمَّدٍ نا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن ثابت ثنا عَبْدُ الْعَزِيز الأزجي ثنا عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ الهمداني ثني علي بن اسماعيل الطلاثني مُحَمَّد بْن الهيثم قَالَ قَالَ لي أَبُو جَعْفَر الحداد دخلت البادية بعض السنين عَلَى التوكل فبقيت سبعة عشر يوماً لا آكل فيها شيئاً وضعفت عَنِ المشي فبقيت أياماً أخر لم أذق فيها شيئاً فسقطت عَلَى وجهي وغشي علي وغلب علي من القمل شيء مَا رأيت مثله ولا سمعت به فبينا أنا كذلك إذ مر بي ركب فرأوني عَلَى تلك الحالة فنزل أحدهم عَنْ راحلته فحلق رأسي ولحيتي وشق ثوبي وتركني فِي الرمضاء وسار فمر بي ركب آخر فحملوني إِلَى حيِّهم وأنا مغلوب فطرحوني ناحية فجاءتني امرأة فجلست عَلَى رأسي وصبَّت اللبن فِي حلقي ففتحت عيني قليلاً وقلت لهم أقرب المواضع مِنْكُمْ أين قالوا جبل الشراة فحملوني إِلَى الشراة.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت لو يحكى أن رجلاً من المجانين أنحل من السلسة فأخذ سكيناً وجعل يشرح لحم نفسه ويقول أنا مَا رأيت مثل هَذَا الجنون لصدق عَلَى هَذَا وإلا فانظروا إِلَى حال هَذَا المسكين وبما فعل بنفسه ثم يعتقد أن هَذَا قربة نسأل اللَّه العافية أَخْبَرَنَا أحمد بْن ناصر نا أحمد بْن عَلِيّ بْن خلف نا أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي قَالَ سمعت أبا بَكْر الداري يَقُول سمعت أبا الْحُسَيْن الريحاني يَقُول سمعت إبراهيم الخواص يَقُول رأيت شيخا من أهل المعرفة عرج بعد سبعة عشر يوما عَلَى سبب فِي البرية فنهاه شيخ كان معه فأبى أن يقبل فسقط ولم يرتفع عَنْ حدود الأسباب قلت هَذَا قد أراد أن يصبر عَنِ القوت أكثر من هَذَا وليس الصبر إِلَى هَذَا الحد وأن أطيق بفضيلة أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي القاسم نا رزق اللَّه بْن عَبْدِ الْوَهَّاب نا أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن قَالَ سمعت جدي إسماعيل بْن نجيد يَقُول دخل إبراهيم الهروي مَعَ شبة البرية فَقَالَ يا شبه اطرح مَا معك من العلائق قَالَ فطرحتها كلها وأبقيت دينارا فخطا خطوات ثم قَالَ اطرح كل مَا معك لا تشغل سري قَالَ فأخرجت الدينار ودفعته إليه فطرحه ثم خطا خطوات وقال تطرح مَا معك قلت ليس معي شيء قَالَ بعد سري مشتغل ثم ذكرت أن معي دستجة شسوع فقلت ليس معي إلا هذه قَالَ فأخذها فطرحها ثم قَالَ امشي فمشينا فما احتجت إِلَى شبع فِي البادية إلا وجدته مطروحا بين يدي فَقَالَ لي كذا من عامل اللَّه بالصدق.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت كل هذه الأفعال خطأ ورمي المال حرام والعجب ممن يرمي مَا يملكه ويأخذ مالا يدري من أين هو وهل يحل لَهُ أخذه أم لا.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حبيب أَبُو سَعْد بْن أبي صَادِق نا ابْن باكويه قَالَ سمعت نصر بْن أبي نصر العطار يَقُول سمعت عَلِيّ بْن مُحَمَّد المصري قَالَ سمعت أبا سَعِيد الخراز يَقُول دخلت البادية مرة بغير زاد فأصابتني فاقة فرأيت المرحلة من بعد فسررت بوصولي ثم فكرت فِي نفسي أني شكيت وأني توكلت عَلَى غيره فآليت أن لا أدخل المرحلة إلا أن حملت إليها فحفرت لنفسي فِي الرمل حفرة وواريت جسدي فيها إِلَى صدري فسمعت صوتا فِي نصف الليل عاليا يا أهل المرحلة إن لله وليا حبس نفسه فِي هَذَا الرمل فالحقوه فجاء جماعة فأخرجوني وحملوني إِلَى المرحلة.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت لقد تنطع هَذَا الرَّجُل عَلَى طبعه فأراد مِنْهُ مَا لم يوضع عَلَيْهِ لأن طبع ابْن آدم أن يهش إِلَى مَا يحب ولا لوم عَلَى العطشان إذا هش إِلَى الماء ولا عَلَى الجائع إذا هش إِلَى الطعام فكذلك كل من هش إِلَى محبوب لَهُ وَقَدْ كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قدم من سفر فلاحت لَهُ المدينة أسرع السير حبا للوطن ولما خرج من مكة تلفت إليها شوقا وكان بلال يَقُول لعن اللَّه عتبة وشيبة إذا أخرجونا من مكة ويقول: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل
فنعوذ بالله من الإقبال عَلَى العمل بغير مقتضى العلم والعقل ثم حبسه نفسه عَنْ صلاة الْجَمَاعَة قبيح وأي شيء فِي هَذَا من التقرب إِلَى اللَّه سبحانه إنما هو محض جهل أنبأنا ابْن ناصر نا جَعْفَر بْن أَحْمَدَ السراج نا عَبْد الْعَزِيز بْن عَلِيٍّ بْن أحمد ثنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيّ بْن جهضم ثنا بَكْر بْن مُحَمَّد قَالَ كنت عند أبي الخير النيسابوري فبسطني بمحادثته لي بذكر باديته إِلَى أن سألته عَنْ سبب قطع يده فَقَالَ يد جنت فقطعت ثم اجتمعت به مَعَ جماعة فسألوه عَنْ ذلك فَقَالَ سافرت حتى بلغت اسندرية فأقمت بِهَا اثنتي عشرة سنة وكنت قد بنيت بِهَا كوخا فكنت أجىء إليه من ليل إِلَى ليل وأفطر عَلَى مَا ينفضه المرابطون وإذا حم الكلام عَلَى قمامة السفر وآكل من البردي فِي الشتاء فنوديت فِي سري يا أبا الخير تزعم أنك لا تشارك الخلق فِي أقواتهم وتشير إِلَى التوكل وأنت فِي وسط القوم جالس فقلت إلهي وسيدي وعزتك لا مددت يدي إِلَى شيء مما تنبته الأَرْض حتى تكون الموصل إِلَى رزقي من حيث لا أكون فيه فأقمت اثنى عشر يوما أصلي الفرض وأتنفل ثم عجزت عَنِ النافلة فأقمت اثنى عشر يوما أصلي الفرض والسنة ثم عجزت عَنِ السنة فأقمت اثني عشر يوما أصلي الفرض لا غير ثم عجزت عَنِ القيام فأقمت اثني عشر يوما أصلي جالسا لا غير ثم عجزت عَنِ الجلوس فرأيت أن طرحت نفسي ذهب فرضي فلجأت إِلَى اللَّه بسري وقلت إلهي وسيدي افترضت علي فرضا تسألني عنه وقسمت لي رزقا وضمنته لي فتفضل علي برزقي ولا تؤاخذني بما عقدته معك فوعزتك لأجتهدن أن لا حللت عقدا عقدته معك فَإِذَا بين يدي قرصان بينهما شيء فكنت أجده عَلَى الدوام من الليل إِلَى الليل ثم طولبت بالمسير إِلَى الثغر فسرت حتى دخلت الفرما فوجدت فِي الجامع قاصا يذكر قصة زكريا والمنشار وأن اللَّه تعالى أوحى إليه حين نشر فَقَالَ إن صعدت إِلَى منك أَنَّة لأمحونك من ديوان النبوة فصبر حتى قطع شطرين فقلت لقد كان زكريا صبارا إلهي وسيدي لئن ابتليتني لاصبرن وسرت حتى دخلت أنطاكية فرآني بعض إخواني وعلم أني أريد الثغر فدفع إلي سيفا وترسا وحربة فدخلت الثغر وكنت حينئذ أحتشم من اللَّه تعالى أن أتوارى وراء السور خيفة من العدو فجعلت مَقَامِي فِي غابة أكون فيها بالنهار وأخرج بالليل إلى شاطىء البحر فأغرز الحربة عَلَى الساحل وأسند الترس إليها محرابا وأتقلد سيفي وأصلي إِلَى الغداة فَإِذَا صليت الصبح غدوت إِلَى الغابة فكنت فيها نهاري اجمع فبدوت فِي بعض الأيام فعثرت بشجرة فاستحسنت ثمرها ونسيت عقدي مَعَ اللَّه وقسمي به إني لا أمد يدي إِلَى شيء مما تنبت الأَرْض فمددت يدي فأخذت بعض الثمرة فبينا أنا أمضغها ذكرت العقد فرميت بِهَا من فِي وجلست ويدي عَلَى رأسي فدار بي فرسان وقالوا لي قم فأخرجوني إِلَى الساحل فَإِذَا أمير وحوله خيل ورجالة وبين يدية جماعة سودان كانوا يقطعون الخيل فِي طلب من هرب منهم فوجدوني أسود معي سيف وترس وحربة فلما قدمت إِلَى الأمير قَالَ أيش أنت قلت عَبْد من عُبَيْد اللَّه فَقَالَ للسودان تعرفونه قالوا لا قَالَ بل هو رئيسكم وإنما تفدونه بأنفسكم لأقطعن أيديكم وأرجلكم فقدموهم ولم يزل يقدم رجلا رجلا ويقطع يده ورجله حتى انتهى إلي فَقَالَ تقدم مد يدك فمددتها فقطعت ثم قَالَ مد رجلك فمددتها ورفعت رأسي إِلَى السماء وقلت إلهي وسيدي يدي جنت ورجلي أيش عملت فَإِذَا بفارس قد وقف عَلَى الحلقة ورمى بنفسه إِلَى الأَرْض وصاح أيش تعملون تريدون أن تنطبق الخضراء عَلَى الغبراء هَذَا رجل صالح يعرف بأبي الخير فرمى الأمير نفسه وأخذ يدي المقطوعة من الأَرْض وقبلها وتعلق بي يقبل صدري ويبكي ويقول سألتك بالله أن تجعلني فِي حل فقلت قد جعلتك فِي حل من أول مَا قطعتها هذه يد قد جنت فقطعت.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: فانظروا رحمكم اللَّه إِلَى عدم العلم كيف صنع بهذا الرَّجُل وَقَدْ كان من أهل الخير ولو كان عنده علم لعلم أن مَا فعله حرام عَلَيْهِ وليس لإبليس عون عَلَى العباد والزهاد أكثر من الجهل أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر ابْن حبيب نا أَبُو سَعِيد بْن أبي صَادِق نا أبي باكويه قَالَ سمعت الْحُسَيْن بْن أحمد الْفَارِسِيّ قَالَ سمعت مُحَمَّد بْن داود الدينوري يَقُول سمعت ابْن حديق يَقُول دخلنا المصيصة مَعَ حاتم الأصم فعقد أنه لا يأكل فيها شيئا إلا حتى يفتح فمه ويوضع فِي فيه وإلا مَا يأكل فَقَالَ لأصحابه تفرقوا وجلس فأقام تسعة أيام لا يأكل فيها شيئا فلما كان فِي الْيَوْم العاشر جاء إليه إنسان فوضع بين يديه شيئا يؤكل فَقَالَ كل فلم يجبه فَقَالَ لَهُ ثلاثا فلم يجبه فَقَالَ هَذَا مجنون فأصلح لقمة وأشار بِهَا إِلَى فمه فلم يفتح فمه ولم يتكلم فأخرج مفتاحا كان معه فَقَالَ كل وفتح فمه بالمفتاح ودس اللقمة فِي فمه فأكل ثم قَالَ لَهُ إن أحببت أن ينفعك الله به فأطعم أولئك وأشار إِلَى أصحابه أنبأنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ نا عَلِيّ بْن المحسن التنوخي عَنْ أبيه ثني مُحَمَّد بْن هلال بْن عَبْدِ اللَّهِ ثني القاضي أَحْمَد بْن سيار قَالَ حَدَّثَنِي رجل من الصوفية قَالَ صحبت شيخا من الصوفية أنا وجماعة فِي سفر فجرى حديث التوكل والأرزاق وضعف اليقين فيها وقوته فَقَالَ الشيخ وحلف عَلَى إيمانا عظيمة لا ذقت مأكولا أَوْ يبعث لي بجام فالوذج حالا لا آكله إلا بعد أن يحلف علي قَالَ وكنا نمشي فِي الصحراء فقالت لَهُ الْجَمَاعَة إلا إنك غير جاهد ومشى ومشينا فانتهينا إِلَى قرية وَقَدْ مضى يوم وليلتان لم يطعم فيها شيء ففارقته الْجَمَاعَة غيري فطرح نفسه فِي مسجد القرية مستسلما للموت ضعفا فأقمت عَلَيْهِ فلما كان فِي ليلة الْيَوْم الرابع وَقَدِ انتصف الليل وكاد الشيخ يتلف إذا بباب المسجد قد فتح وإذا بجارية سوداء معها طبق مغطى فلما رأتنا قالت أنتم غرباء أَوْ من أهل القرية فقلت غرباء فكشفت الطبق وإذا بحمام فالوذج يفور لحرارته فقدمت لنا الطبق وقالت كلوا فقلت لَهُ كل فَقَالَ لا أفعل فرفعت الجارية يدها فصفعته صفعة عظيمة وقالت وَاللَّه لئن لم تأكل لأصفعنك هكذا إِلَى أن تأكل فَقَالَ كل معي فأكلنا حتى فرغ الجام وهمت الجارية بالانصراف فقلت للجارية مَا خبرك وخبر هَذَا الجام فقالت أنا جارية لرئيس هذه القرية وَهُوَ رجل حاد طلب منا منذ ساعة فالوذج فقمنا نصلحه لَهُ فطال الأمر عَلَيْهِ فاستعجلنا فقلنا نعم فعاد فاستعجل فقلنا نعم فحلف بالطلاق لا أكله هو ولا أحد ممن هو من داره ولا أحد من أهل القرية ولا يأكله إلا رجل غريب فخرجنا نطلب فِي المساجد رجلا غريبا فلم نجد إِلَى أن انتهينا إليكم ولو لم يأكل هَذَا الشيخ لقتلته ضربا إِلَى أن يأكل لئلا تطلق سيدتي من زوجها قَالَ فَقَالَ الشيخ كيف تراه إذا أراد أن يرزق.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: ربما سمع هَذَا جاهل فاعتقده كرامة وما فعله الرَّجُل من أقبح القبيح فإنه يجرب عَلَى اللَّه ويتألى عَلَيْهِ ويحمل عَلَى نفسه من الجوع مَا لا يجوز لَهُ وهذا لا يجوز لَهُ ولا ينكر أن يكون لطف به إلا أنه فعل ضد الصواب وربما كان إنفاذ ذلك رديئا لأنه يعتقد أنه قد أكرم وإن ذلك منزلة وكذلك حكاية حاتم التي قبلها فإنها إن صحت دلت عَلَى جهل بالعلم وفعل لما لا يجوز لأنه ظن أن التوكل إنما هو ترك التسبب فلو عمل بمقتضى واقعته لم يمضغ الطعام ولم يبلعه فإنه تسبب وهل هَذَا إلا من تلاعب إبليس بالجهال لقلة علمهم بالشرع ثم أي قربة فِي هَذَا الفعل البارد وما أظن غالبه إلا من الماليخوليا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد القزاز نا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن المحسن قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَدَ الطَّبَرِيّ قَالَ قَالَ لي جَعْفَر الخلدي وقفت بعرفة ستا وخمسين وقفة منها إحدى وعشرون عَلَى المذهب فقلت لأبي إسحق وأي شيء أراد بقوله عَلَى المذهب فَقَالَ يصعد إِلَى قنطرة الناشرية فينفض كمية حتى يعلم أنه ليس معه زاد ولا ماء ويلبى ويسير. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب العاشر: فِي ذكر تلبيسه عَلَى الصوفية من جملة الزُّهَّاد الجمعة 21 ديسمبر 2018, 7:44 am | |
| قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وهذا مخالف للشرع فَإِن اللَّه تعالى يقول وتزوَّدوا ورسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد تزوَّد ولا يمكن أن يُقال إن هَذَا الآدمي لا يحتاج إِلَى شيء فِي مدة أشهر فَإِن احتاج ولم يتزود فعطب أثم وإن سأل الناس أَوْ تعرض لهم لم يف ذلك بدعوى التوكل وإن أدعى أنه يكرم ويرزق بلا سبب فنظره إِلَى أنه مستحق لذلك محنة ولو تبع أمر الشرع وحمل الزاد كان أصلح لَهُ عَلَى كل حال وأنبأنا أَبُو زرعة طاهر بْن مُحَمَّد بْن طاهر قَالَ أخبرني أبي عَنْ بعض الصوفية أنه قدم عَلَيْهِ من مكة جماعة من المتصوفة فَقَالَ لهم من صحبتم فقالوا حاج اليمن فَقَالَ أوه التصوف قد صار إِلَى هَذَا أَوِ التوكل قد ذهب أنتم مَا جئتم عَلَى الطريقة والتصوف وإنما جئتم من مائدة اليمن إِلَى مائدة الحرم ثم قَالَ وحق الأحباب والفتيان لقد كنا أربعة نفر مصطحبين فِي هَذَا الطريق نخرج إِلَى زيارة قبر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التجريد ونتعاهد بيننا أن لا نلتفت إِلَى مخلوق ولا نستند إِلَى معلوم فجئنا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومكثنا ثَلاثَة أيام لم يفتح لنا بشيء فخرجنا حتى بلغنا الجحفة ونزلنا وبحذائنا نفر من الأعراب فبعثوا إلينا بسويق فأخذ بعضنا ينظر إِلَى بعض ويقول لو كنا من أهل هَذَا الشأن لم يفتح لنا بشيء حتى ندخل الحرم فشربناه عَلَى الماء وكان طعامنا حتى دخلنا مكة.
قلت اسمعوا إخواني إلي توكل هؤلاء كيف منعهم من التزود المأمور به فأحوجهم إِلَى أخذ صدقات الناس ثم ظنهم أن مَا فعلوه مرتبة جهل بمعرفة المراتب ومن عجب مَا بلغني عنهم فِي أسفارهم ما أَخْبَرَنَا به مُحَمَّد بْن أبي القاسم البغدادي نا أَبُو مُحَمَّد التميمي عَنْ أبي عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي قَالَ بلغني أن أبا شعيب المقفع وكان قد حج سبعين حجة راجلا أحرم فِي كل حجة بعمرة وحجة من عند صخرة بيت المقدس ودخل بادية تبوك عَلَى التوكل فلما كان فِي حجته الأخيرة رأى كلبا فِي البادية يلهث عطشا فَقَالَ من يشتري حجة بشربة ماء قَالَ فدفع إليه إنسان شربة ماء فسقى الكلب ثم قَالَ هَذَا خير لي من حجي لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ حَرَّاءَ أَجْرٌ" أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّل بْن عِيسَى نا ابْن أبي الكوفاني ثنا أَبُو مُحَمَّد الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن موري الحبوساني نا أَبُو نصر عَبْد اللَّهِ بْن عَلِيٍّ الطوسي المعروف بابن السراج قَالَ سمعت الوجهي يَقُول سمعت أبا علي الروزباري يَقُول كان فِي البادية جماعة ومعنا أَبُو الْحُسَيْن العطوفي فربما كانت تلحقنا القافلة ويظلم علينا الطريق وكان أَبُو الْحُسَيْن يصعد تلا فيصيح صياح الذئب حتى تسمع كلاب الحي فينبحون فيمر عَلَى بيوتهم ويحمل إلينا من عندهم معونة قلت وإنما ذكرت مثل هذه الأشياء ليتنزه العاقل فِي مبلغ علم هؤلاء وفهمهم للتوكل وغيره ويرى مخالفتهم لأوامر الشرع وليت شعري كيف يصنع من يخرج منهم ولا شيء معه بالوضوء والصلاة وإن تخرق ثوبه ولا إبرة معه فكيف يفعل وَقَدْ كان بعض مشايخهم يأمر المسافر بأخذ العدة قبل السفر فأَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز نا أَبُو بَكْر الخطيب نا أَبُو القاسم عَبْدِ الكريم بْن هوازن القشيري قَالَ سمعنا أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول سمعت أبا العباس البغدادي يَقُول سمعت الفرغاني يَقُول كان إِبْرَاهِيم الخواص مجردا فِي التوكل يدقق فيه وكان لا تفارقه إبرة وخيوط وركوة ومقراض فَقِيلَ لَهُ يا أبا إِسْحَاق لم تجمع هَذَا وأنت من كل شيء فَقَالَ مثل هَذَا لا ينقض التوكل لأن اللَّه تعالى فرض علينا فرائض والفقير لا يكون عَلَيْهِ إلا ثوب واحد فربما يتخرق ثوبه وإن لم يكن معه إبرة وخيوط تبدو عورته فتفسد عَلَيْهِ صلواته وإن لم يكن معه ركوة تفسد عَلَيْهِ طهارته وإذا رأيت الفقير بلا ركوة ولا إبرة ولا خيوط فاتهمه فِي صلاته.
ذكر تلبيس إبليس عَلَى الصوفية إذا اقدموا من السفر. قال المصنف رحمه اللَّه: من مذهب القوم أن المسافر إذا قدم فدخل الرباط وفيه جماعة لم يسلم عليهم حتى يدخل الميضة فَإِذَا توضأ جاء وصلى ركعتين ثم سلم عَلَى الشيخ ثم سلم عَلَى الْجَمَاعَة وهذا مَا ابتدعه متأخرهم عَلَى خلاف الشريعة لأن فقهاء الإسلام أجمعوا عَلَى أن من دخل عَلَى قوم سن لَهُ أن يسلم عليهم سواء كان عَلَى طهارة أَوْ لم يكن إلا أن يكونوا أخذوا هَذَا من مذهب الأطفال فإنه إذا قيل للطفل لم لا تسلم علينا قَالَ مَا غسلت وجهي بعد أَوْ لعل الأطفال علموه من هؤلاء المبتدعين أَخْبَرَنَا ابْن الحصين نا أَبُو عَلِيّ بْن الْمُذْهِبِ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ ثنا عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ ثني أَبِي ثنا عَبْدُ الرزاق ثنا معمر عَنْ همام بْن منبه ثنا أَبُو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِيُسَلِّمِ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ" أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَمِنْ مَذْهَبِ الْقَوْمِ تَغْمِيزُ الْقَادِمِ مِنَ السَّفَرِ مَسَاءٍ أنبأنا أَبُو زرعة طاهر بْن مُحَمَّد عَنْ أبيه قَالَ باب السنة فِي تغميزهم القادم من السفر أول ليلة لتعبه واحتج بحديث عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عنه دخلت عَلَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغلام لَهُ حبشي يغمز ظهره فقلت مَا شأنك يا رَسُول اللَّهِ قَالَ: "إن الناقة قد اقتحمتني".
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: أنظروا إخواني إِلَى فقه هَذَا المحتج فإنه كان ينبغي أن يَقُول باب السنة فِي تغميز من رمت به ناقته وتكون السنة تغميز الظهر لا القدم ومن أين لَهُ أنه كان فِي سفر وأنه غمز أول ليلة ثم يجعل تغميز النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا اتفق لأجل ألم ظهره سنة لقد كان ترك استخراج هَذَا الفقه الدقيق أحسن من ذكره ومن مذهبهم عمل دعوة للقادم قَالَ ابْن طاهر باب اتخاذهم العتيرة1 للقادم واحتج بحديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سافر سفرا فنذرت جارية من قريش إن اللَّه تعالى رده أن تضرب فِي بيت عائشة رضي اللَّه عنها بدف فلما رجع فَقَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن كنت نذرت فأضربي".
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قد بيَّنا أن الدُّف مباح ولما نذرت هذه المرأة مباحا أمرها أن تفي فكيف يحتج بهذا عَلَى الغناء والرقص عند قدوم المسافر. ------------------------------------------ 1 العتيرة بوزن الذبيحة وكانت الجاهلية تذبح للأصنام فيصب دمها على رأسها نهى الشرع عن ذلك ففيه تشبيه بالمشركين أيضاً. ------------------------------------------ ذكر تلبيس إبليس عَلَى الصوفية إذا مات لهم ميت. له فِي ذلك تلبيسان الأَوَّل أنهم يقولون لا يبكي عَلَى هالك ومن بكى عَلَى هالك خرج عَنْ طريق أهل المعارف قَالَ ابْن عقيل وهذه دعوى تزيد عَلَى الشرع فهي حديث خرافة وتخرج عَنِ العادات والطباع فهي انحراف عَنِ المزاج المعتدل فينبغي أن يطالب لها بالعلاج بالأدوية المعدلة للمزاج فَإِن اللَّه تعالى أخبر عَنْ نبي كريم فَقَالَ: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} وقال: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} وبكى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند موت ولده وقال: "إن العين لتدمع" وقال: "واكرباه" وقالت فاطمة رضي اللَّه عنها وأكرب أبتاه فلم ينكر وسمع عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه متمما يندب أخاه ويقول: وكنا كندماني جزيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فقال عُمَر رضي اللَّه عنه ليتني كنت أقول الشعر فأندب أخي زيدا فَقَالَ متمم لو مات أخي كَمَا مات أخوك مَا رثيته وكان مالك مات عَلَى الكفر وزيد قتل شهيدا فَقَالَ عُمَر مَا عزائي أحد فِي أخي كمثل تعزيتك ثم لا تزال الإبل الغليظة الأكباد تحن إِلَى مآلفها من الأعطان والأشخاص وترغو للفصلان وحمام الطير ترجع وكل مأخوذ من البلاء فلا بد أن يتضرع ومن لم تحركه المسار والمطربات وتزعجه المخزيات فهو إِلَى الجماد به أقرب وقد أبان النبي عَلَيْهِ الصلاة السلام عَنِ العيب فِي الخروج عَنْ سمت الطبع فَقَالَ للذي قَالَ لم أقبل أحدا من ولدي وكان لَهُ عشرة من الولد فَقَالَ أَوْ أملك لك أن نزع اللَّه الرحمة من قلبك وجعل يلتفت إِلَى مكة لما خرج فالمطالب لما يخرج عَنِ الشرائع وينبو عَنِ الطباع جاهل يطالب بجهل وَقَدْ قنع الشرع منا أن لا نلطم خذا ولا نشق جيبا فأما دمعة سائلة وقلب حزين فلا عيب فِي ذلك التلبيس الثاني أنهم يعملون عند موت الميت دعوة ويسمونها عرسا ويغنون فيها ويرقصون ويلعبون ويقولون نفرح للميت إذ وصل إِلَى ربه والتلبيس فِي هَذَا عليهم من ثَلاثَة أوجه أحدها أن المسنون أن يتخذ لأهل الميت طعاما لاشتغالهم بالمصيبة عَنْ إعداد الطعام لأنفسهم وليس من السنة أن يتخذه أهل الميت ويطعمونه إِلَى غيرهم والأصل فِي اتخاذ الطعام لأجل الميت ما أَخْبَرَنَا به أَبُو الفتح الكروخي نا أَبُو عَامِرٍ الأَزْدِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ العورجي قَالَ أَخْبَرَنَا الجراحي ثنا المحبوبي ثنا التِّرْمِذِيّ ثنا أحمد بْن منيع وعلي بْن حجر قالا حَدَّثَنَا سفيان بْن عيينة عَنْ جَعْفَر بْن خالد عَنْ أبيه عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر قَالَ لما جاء نعي جَعْفَر فَقَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اصَنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ" قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ والثاني أنهم يفرحون للميت ويقولون وصل إِلَى ربه ولا وجه للفرح لأنا لا نتيقن أنه غفر لَهُ وما يؤمنا أن نفرح لَهُ وَهُوَ فِي المعذبين وَقَدْ قَالَ عُمَر بْن زِرّ لما مات ابنه لقد شغلني الحزن لك عَنِ الحزن عليك أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّل نا ابْن المظفر نا ابْنُ عين ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أَبُو اليماني نا شعيب عَنْ الزهري ثني خارجة بْن زيد الأنصاري عَنْ أم العلاء قالت لما مات عثمان بْن مظعون دخل علينا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت رحمة اللَّه عليك أبا السايب فشهادتي عليك لقد أكرمك اللَّه فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ" والثالث أنهم يرقصون ويلعبون فِي تلك الدعوة فيخرجون بهذا عَنِ الطباع السليمة التي يؤثر عندها الفراق ثم إن كان ميتهم قد غفر لَهُ فما الرقص واللعب بشكرهم وإن كان معذبا فأين أثر الحزن.
ذكر تلبيس إبليس عَلَى الصوفية فِي ترك التشاغل بالعلم. قال المصنف رحمه اللَّه: اعلم أن أول تلبيس إبليس عَلَى الناس صدهم عَنِ العلم لأن العلم نور فَإِذَا أطفا مصابيحهم خبطهم فِي الظلم كيف شاء وَقَدْ دخل عَلَى الصوفية فِي هَذَا الفن من أبواب أحدها أنه منع جمهورهم من العلم أصلا وأراهم أنه يحتاج إِلَى تعب وكلف فحسن عندهم الراحة فلبسوا المراقع وجلسوا عَلَى بساط البطالة أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَحْمَدَ السمرقندي نا حمد بْن أَحْمَدَ الحداد نا أَبُو نعيم الأصفهاني ثنا أَبُو حامد بْن حيان ثنا أَبُو الْحَسَنِ البغدادي ثنا ابْنُ صَاعِد قَالَ سمعت الشافعي رَضِيَ اللَّهُ عنه يَقُول أسس التصوف عَلَى الكسل وبيان مَا قاله الشافعي أن مقصود النفس أما الولايات وأما استجلاب الدنيا بالعلوم يطول ويتعب البدن وهل يحصل المقصود أَوْ لا يحصل والصوفية قد تعجلوا الولايات فإنهم يرون بعين الزهد واستجلاب الدنيا فإنها اليهم سريعة.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحق نا الْمُبَارَك بْن عَبْدِ الجبار نا أَبُو الفرج الطناجيري ثنا أَبُو حفص بْن شاهين قَالَ ومن الصوفية من ذم العلماء ورأى أن الاشتغال بالعلم بطالة وقالوا إن علومنا بلا واسطة وإنما رأوا بعد الطريق فِي طلب العلم فقصروا الثياب ورقعوا الجباب وحملوا الركاء وأظهروا الزهد.
والثاني أنه قنع قوم منهم باليسير مِنْهُ ففاتهم الفضل الكثير فِي كثرته فاقتنعوا بأطراف الأحاديث وأوهمهم أن علو الإسناد والجلوس للحديث كله رياسة ودنيا وان للنفس فِي ذلك لذة وكشف هَذَا التلبيس أنه مَا من مقام عال إلا وله فضيلة وفيه مخاطرة فَإِن الإمارة والقضاء والفتوى كله مخاطرة وللنفس فيه لذة ولكن فضيلة عظيمة كالشوك فِي جوار الورد فينبغي أن تطلب الفضائل ويتقي مَا فِي ضمنها من الآفات فأما مَا فِي الطبع من حب الرياسة فإنه إنما وضع لتجتلب هذه الفضيلة كَمَا وضع حب النكاح ليحصل الولد وبالعلم يتقوم قصد العلم كَمَا قَالَ يَزِيد بْن هرون طلبنا العلم لغير اللَّه فأبى إلا أن يكون لله ومعناه أنه دلنا عَلَى الإخلاص ومن طالب نفسه بقطع مَا فِي طبعه لم يمكنه والثالث أنه أوهم قوما منهم أن المقصود العمل وما فهموا أن التشاغل بالعلم من أوفى الأعمال ثم أن العالم وأن قصر سير عمله فإنه عَلَى الجادة والعابد بغير علم عَلَى غير الطريق والرابع أنه أرى خلقا كثيرا منهم أن العالم مَا اكتسب من البواطن حتى أن أحدهم يتخايل لَهُ وسوسة فيقول حَدَّثَنِي قلبي عَنْ ربي وكان الشبلي يَقُول: إذا طالبوني بعلم الورق ... برزت عليهم بعلم الخرق
وقد سموا علم الشريعة علم الظاهر وسموا هواجس النفوس العلم الباطن واحتجوا لَهُ بما أَخْبَرَنَا به عَبْد الحق بْن عَبْدِ الخالق نا الْحُسَيْن بْن عَلِيٍّ الطناجيري نا أَبُو حفص بْن شاهين ثنا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن أحمد بْن عنبسة العسكري ثني دارم بْن قبيصة بْن بهشل الصنعاني قَالَ سمعت يَحْيَى بْن الْحُسَيْن بْن زيد بْن عَلِيّ قَالَ سمعت يَحْيَى بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حسين عَنْ يَحْيَى بْن زيد بْن عَلِيّ عَنْ أبيه عَنْ جده عَنْ الْحَسَن بْن عَلِيّ عَنْ عَلِيّ بْن أبي طالب كرم اللَّه وجهه عَنِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "عِلْمُ الْبَاطِنِ سَرٌّ مِنْ سِرِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى يَقْذِفُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قُلُوبِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ أَوْلِيَائِهِ".
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت وهذا حديث لا أصل لَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي إسناده مجاهيل لا يعرفون أنبأنا مُحَمَّد بْن ناصر نا أَبُو الفضل مُحَمَّد بْن عَلِيٍّ السهلكي نا أَبُو علي عَبْد اللَّهِ بْن إبراهيم النيسابوري ثنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جهضم ثنا أَبُو الفتح أَحْمَد بْن الْحَسَنِ ثنا عَلِيّ بْن جَعْفَر عَنْ أبي مُوسَى قَالَ كان فِي ناحية أبي يَزِيد رجل فقيه عالم تلك الناحية فقصد أبا يَزِيد وقال لَهُ قد حكى لي عنك عجايب فَقَالَ أَبُو يَزِيد وما لم تسمع من عجايبي أكثر فَقَالَ لَهُ علمك هَذَا يا أبا يَزِيد عَنْ من ومن ومن من فَقَالَ أَبُو يَزِيد علمي من عطاء اللَّه تعالى ومن حيث قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ عَمِلَ بِمَا يَعْلَمُ وَرَّثَهُ اللَّهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلِمُ" ومن حيث قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "العلم علمان علم ظاهر وَهُوَ حجة اللَّه تعالى عَلَى خلقه وعلم باطن وَهُوَ العلم النافع" وعلمك يا شيخ نقل من لسان عَنْ لسان التعليم وعلمي من اللَّه إلهام من عنده فَقَالَ لَهُ الشيخ علمي عَنِ الثقات عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جبريل عَنْ ربه عز وجل فَقَالَ لَهُ أَبُو يَزِيد يا شيخ كان للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علم عَنِ اللَّه لم يطلع عَلَيْهِ جبريل ولا ميكائيل قَالَ نعم ولكن أريد أن يصح لي علمك الذي تقول هو من عند اللَّه قَالَ نعم أبينه لك قدر مَا يستقر فِي قلبك معرفته ثم قَالَ يا شيخ علمت أن اللَّه تعالى كلم مُوسَى تكليما وكلم محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورآه كفاحا وأن حلم الأنبياء وحي قَالَ نعم قَالَ أما علمت أن كلام الصديقين والأولياء بالهام مِنْهُ وفوائده من من قلوبهم حتى أنطقهم بالحكمة ونفع بهم الأمة ومما يؤكد مَا قلت مَا ألهم اللَّه تعالى أم مُوسَى أن تلقي مُوسَى فِي التابوت فألقته وألهم الخضر فِي السفينة والغلام والحائط قوله مُوسَى {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} وكما قَالَ أَبُو بَكْر لعائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إن ابنة خارجة حاملة ببنت وألهم عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عنه فنادى يا سارية الجبل أنبأنا ابْن ناصر أَنْبَأَنَا أَبُو الفضل السهلكي قَالَ سمعت أبا عَبْد اللَّهِ الشيرازي يَقُول سمعت يوسف بْن الْحُسَيْن يَقُول سمعت إِبْرَاهِيم سبتية يَقُول حضرت مجلس أبي يَزِيد والناس يقولون فلان لقي فلانا وأخذ من علمه وكتب مِنْهُ الكثير وفلان لقي فلانا فَقَالَ أَبُو يَزِيد مساكين أخذوا علمهم ميتا عَنْ ميت وأخذنا علمنا عَنِ الحي الذي لا يموت.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: هَذَا الفقه فِي الحكاية الأولى من قلة العلم إذ لو كان عالما لعلم أن الإلهام للشيء لا ينافي العلم ولا يتسع به عنه ولا ينكر أن اللَّه عز وجل يلهم الإنسان الشيء كَمَا قَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن فِي الأمم محدثين وإن يكن فِي أمتي فعمر" والمراد بالتحديث إلهام الخير إلا أن الملهم لو ألهم مَا يخالف العلم لم يجز لَهُ أن يعمل عَلَيْهِ وأما الخضر فقد قيل أنه نبي ولا ينكر للأنبياء الإطلاع بالوحي على العواقب وليس الإلهام من العلم فِي شيء إنما هو ثمرة لعلم والتقوى.
فيوفق صاحبهما للخير ويلهم الرشد فأما أن يترك العلم ويقول أنه يعتمد عَلَى الإلهام والخواطر فليس هَذَا بشيء إذ لولا العلم النقلي مَا عرفنا مَا يقع فِي النفس أمن الإلهام للخير أَوِ الوسوسة من الشَّيْطَان واعلم أن العلم الإلهامي الملقى فِي القلوب لا يكفي عَنِ العلم المنقول كَمَا أن العلوم العقلية لا تكفي عَنِ العلوم الشرعية فَإِن العقلية كالأغذية والشرعية كالأدوية ولا ينوب هَذَا عَنْ هَذَا وأما قوله أخذوا علمهم ميتا عَنْ ميت أصلح مَا ينسب إليه هَذَا القائل أنه مَا يدري مَا فِي ضمن هَذَا القول وإلا فهذا طعن عَلَى الشريعة أنبأنا ابْن الحصين نا ابْنُ الْمُذْهِبِ نا أَبُو حفص بْن شاهين قَالَ من الصوفية من رأى الاشتغال بالعلم بطالة وقالوا نحن علومنا بلا واسطة قَالَ وما كان المتقدمون في التصوف إلا رؤسا فِي القرآن والفقه والحديث والتفسير ولكن هؤلاء أحبوا البطالة وقال أَبُو حامد الطوسي اعلم أن ميل أهل التصوف إِلَى الالهيه دون التعليمية ولذلك لم يتعلموا ولم يحرصوا عَلَى دراسة العلم وتحصيل مَا صنفه المصنفون بل قالوا الطريق تقديم المجاهدات بمحو الصفات المذمومة وقطع العلائق كلها والإقبال عَلَى اللَّه تعالى بكنه الهمة وذلك بأن يقطع الإنسان همه عَنْ الأهل والمال والولد والعلم ويخلو نفسه فِي زاوية ويقتصر عَلَى الفرائض والرواتب ولا يقرن همه بقراءة قرآن ولا بالتأمل فِي نفسه ولا يكتب حديثا ولا غيره ولا يزال يقول الله الله اللَّه إِلَى أن ينتهي إِلَى حال يترك تحريك اللسان ثم يمحي عَنْ القلب صورة اللفظ.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت عزيز علي أن يصدر هَذَا الكلام من فقيه فإنه لا يخفى قبحه إِنَّهُ عَلَى الحقيقة طي لبساط الشريعة التي حثت عَلَى تلاوة القرآن وطلب العلم وعلى هَذَا المذهب فقد رأيت الفضلاء من علماء الأمصار فإنهم مَا سلكوا هذه الطريق وإنما تشاغلوا بالعلم أولا وعلى مَا قد رتب أَبُو حامد تخلو النفس بوساوسها وخيالاتها ولا يكون عندها من العلم مَا يطرد ذلك فيلعب بِهَا إبليس أي ملعب فيريها الوسوسة محادثة ومناجاة ولا ننكر أنه إذا طهر القلب انصبت عَلَيْهِ أنوار الهدى فينظر بنور اللَّه إلا أنه ينبغي أن يكون تطهيره بمقتضى العلم لا بما ينافيه فَإِن الجوع الشديد والسهر وتضييع الزمان فِي التخيلات أمور ينهي الشرع عنها فلا يستفاد من صاحب الشرع شيء ينسب1 إِلَى مَا نهى عنه كَمَا لا تستباح الرخص فِي سفر قد نهى عنه ثم لا تنافي بين العلم والرياضة بل العلم يعلم كيفية الرياضة ويعين عَلَى تصحيحها. ------------------------------------------ 1 في النسخة الثانية بسبب قد نهى عنه إلخ. ------------------------------------------ وإنما تلاعب الشَّيْطَان بأقوام أبعدوا العلم وأقبلوا عَلَى الرياضة بما ينهي عنه العلم والعلم بعيد عنهم فتارة يفعلون الفعل المنهي عنه وتارة يؤثرون مَا غيره أولى مِنْهُ وإنما كان يفتي فِي هذه الحوادث العلم وَقَدْ عزلوه فنعوذ بالله من الخذلان أَنْبَأَنَا ابْن ناصر عَنْ أبي عَلِيّ بْن البنا قَالَ كان عندنا بسوق السلاح رجل كان يَقُول القرآن حجاب والرسول حجاب ليس إلا عَبْد رب فافتتن جماعة به فأهملوا العبادات واختفى مخافة القتل أنبأنا مُحَمَّد بْن عَبْدِ الملك نا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن ثابت نا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن مُحَمَّد الجبائي ثنا أحمد بْن سُلَيْمَان النجاد ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَان ثنا هشام بْن يُونُس ثنا المحاربي عَنْ بَكْر بْن حنش عَنْ ضرار بْن عمرو قَالَ إن قوما تركوا العلم ومجالسة أهل العلم واتخذوا محاريب فصلوا وصاموا حتى يبس جلد أحدهم عَلَى عظمه وخالفوا السنة فهلكوا فوالله الذي لا إله غيره مَا عمل عامل قط عَلَى جهل إلا كان مَا يفسد أكثر مما يصلح.
فصل: وَقَدْ فرق كثير من الصوفية بين الشريعة والحقيقة وهذا جهل من قائله لأن الشريعة كلها حقائق فَإِن كانوا يريدون بذلك الرخصة والعزيمة فكلاهما شريعة وَقَدْ أنكر عليهم جماعة من قدمائهم فِي إعراضهم عَنْ ظواهر الشرع وعن أبي الْحَسَن غلام شعوانه بالبصرة يَقُول سمعت أبا الْحَسَن بْن سالم يَقُول جاء رجل إِلَى سَهْل بْن عَبْدِ اللَّهِ وبيده محبرة وكتاب فَقَالَ لسهل جئت أن أكتب شيئا ينفعني اللَّه به فَقَالَ اكتب إن استطعت أن تلقى اللَّه وبيدك المحبرة والكتاب فأفعل قَالَ يا أبا مُحَمَّد أفدني فائدة فَقَالَ الدنيا كلها جهل إلا مَا كان علما والعلم كله حجة إلا مَا كان عملا والعمل كله موقوف إلا مَا كان مِنْهُ عَلَى الكتب والسنة وتقوم السنة علىالتقوى وعن سَهْل بْن عَبْدِ اللَّهِ أنه قَالَ احفظوا السواد عَلَى البياض فما أحد ترك الظاهر إلا تزندق وعن سَهْل بْن عَبْدِ اللَّهِ أنه قَالَ مَا من طريق إِلَى اللَّه أفضل من العلم فَإِن عدلت عَنْ طريق العلم خطوة تهت فِي الظلام أربعين صباحا وعن أبي بَكْر الدقاق قَالَ سَمِعْتُ أبا سَعِيد الخراز يَقُول كل باطن يخالف ظاهرا فهو باطل وعن أبي بَكْر الدقاق أنه قَالَ كنت مارا فِي تيه بني إسرائيل فخطر ببالي أن علم الحقيقة مباين للشريعة فهتف بي هاتف من تحت شجرة كل حقيقة لا تتبعها الشريعة فهي كفر.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وَقَدْ نبه الإمام أَبُو حامد الغزالي فِي كتاب الأحياء فَقَالَ من قَالَ إن الحقيقة تخالف الشريعة أَوِ الباطن يخالف الظاهر فهو إِلَى الكفر أقرب مِنْهُ إِلَى الإيمان وقال ابْن عقيل جعلت الصوفية الشريعة اسما وقالوا المراد منها الحقيقة قَالَ وهذا قبيح لأن الشريعة وضعها الحق لمصالح الخلق وتعبداتهم فما الحقيقة بعد هَذَا سوى شيء واقع فِي النفس من إلقاء الشياطين وكل من رام الحقيقة فِي غير الشريعة فمغرور مخدوع.
ذكر تلبيس إبليس عَلَى جماعة من القوم فِي دفنهم كتب العلم وإلقائها فِي الماء. قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قد كان جماعة منهم تشاغلوا بكتابة العلم ثم لبس عليهم إبليس وقال مَا المقصود إلا العمل ودفنوا كتبهم فقد روى أن أَحْمَد بْن أبي الحواري رمى كتبه فِي البحر وقال نعم الدليل كنت والاشتغال بالدليل بعد الوصول محال ولقد طلب أحمد بْن أبي الحواري الحديث ثلاثين سنة فلما بلغ مِنْهُ الغاية حمل كتبه إِلَى البحر فغرقها وقال يا علم لم أفعل بك هَذَا تهاونا ولا استخفافا بحقك ولكني كنت أطلبك لأهتدي بك إِلَى ربي فلما أهتديت بك أستغنيت عنك أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حبيب نا أَبُو سَعْد بْن أبي صَادِق نا ابْنُ باكويه قَالَ سمعت أبا الْحَسَن غلام شعوانه بالبصرة يَقُول سمعت أبا الْحَسَن بْن سالم عَنْ أبي عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظ قَالَ أحمد بْن مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيلَ أَبُو الْحُسَيْن بْن الخلال كان حسن الفهم لَهُ صبر عَلَى الحديث وانه كان يتصوف ويرمي بالحديث مدة ثم يرجع ويكتب ولقد أخبرت انه رمى بجملة من سماعاته القديمة فِي دجلة فأول مَا سمع عَلَى أبي العباس الأصم وطبقته وكتب الكثير أنبأنا زاهر بْن طاهر نا أحمد بْن الْحُسَيْن البيهقي قَالَ سمعت أبا عمرو بْن أبي جَعْفَر يَقُول سمعت أبا طاهر الجنايدي يَقُول لقد كان مُوسَى بْن هرون يقرأ علينا فَإِذَا فرغ من الجزء رمى بأصله فِي دجلة ويقول لقد أديته.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن خلف نا أَبُو عَبْدُ الرَّحْمَنِ السلمي قَالَ سمعت أبا نصر الطوسي يَقُول سمعت جماعة من مشايخ الري يقولون ورث أَبُو عَبْد اللَّهِ المقري عَنْ أبيه خمسين ألف دِينَار سوى الضياع والعقار فخرج عَنْ جميع ذلك وأنفقها عَلَى الفقراء قَالَ فسألت أبا عَبْد اللَّهِ عَنْ ذلك فَقَالَ أحرمت وأنا غلام حدث وخرجت إِلَى مكة عَلَى الوحدة حين لم يبق لي شيء أرجع أليه وكان اجتهادي أن أزهد فِي الكتب وما جمعت من العلم والحديث أشد علي من الخروج إِلَى مكة والتقطع فِي الأسفار والخروج عَنْ ملكي أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز نا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن ثابت نا إِسْمَاعِيل الحيري ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْن السلمي قَالَ سمعت أبا العباس بْن الْحُسَيْن البغدادي يَقُول سمعت الشبلي يَقُول أعرف من لم يدخل فِي هَذَا الشأن حتى أنفق جميع ملكه وغرق فِي هذه الدجلة سبعين قمطرا مكتوبا بخطه وحفظ وقرأ بكذا وكذا رواية يعني بذلك نفسه.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قد سبق القول بأن العلم نور وأن إبليس يحسن للإنسان إطفاء النور ليتمكن مِنْهُ فِي الظلمة ولا ظلمة كظلمة الجهل ولما خاف إبليس أن يعاود هؤلاء مطالعة الكتب فربما استدلوا بذلك عَلَى مكايده حسن لَهُ دفن الكتب وإتلافها وهذا فعل قبيح محظور وجهل بالمقصود بالكتب وبيان هَذَا أن أصل العلوم القرآن والسنة فلما علم الشرع أن حفظهما يصعب أمر بكتابة المصحف وكتابة الحديث فأما القرآن فَإِن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا نزلت عَلَيْهِ آية دعى بالكاتب فأثبتها وكانوا يكتبونها فيء العسب والحجارة وعظام الكتف ثم جمع القرآن بعده فِي المصحف أَبُو بَكْر صوتا عَلَيْهِ ثم نسخ من ذلك عثمان بْن عفان رَضِيَ اللَّهُ عنه وبقية الصحابة وكل ذلك لحفظ القرآن لئلا يشذ مِنْهُ شيء وأما السنة فَإِن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قصر الناس فِي بداية الإسلام عَلَى القرآن وقال: "لا تكتبوا عني سوى القرآن" فلما كثرت الأحاديث ورأى قلة ضبطهم أذن لهم فِي الكتابة فروي عَنْ أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عنه أنه شكى إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلة الحفظ فَقَالَ: "ابسط دراءك" فبسط رداءه وحدثه النبي عَلَيْهِ الصلاة والسلام وقال: "ضمه إليك" فَقَالَ أَبُو هريرة فلم أنس بعد ذلك شيئا بما حدثنيه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي رواية أنه قَالَ: "استعن عَلَى حفظك بيمينك" يعني بالكتابة وروى عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد اللَّهِ بْن عمرو أنه قَالَ: "قيدوا العلم" فقلت يا رَسُول اللَّهِ وما تقييده قَالَ: "الكتابة" وروى عنه أيضا رافع بْن خديج قَالَ قلنا يا رَسُول اللَّهِ إنا نسمع منك أشياء أفنكتبها قَالَ: "اكتبوا ولا حرج".
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: واعلم أن الصحابة ضبطت ألفاظ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحركاته وأفعاله واجتمعت الشريعة من رواية هَذَا ورواية هَذَا وقد قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بلغو عني" وقال: "نضر اللَّه أمرا سمع مقالتي فوعاها فأداها كَمَا سمعها" وتأدية الحديث كَمَا يسمع لا يكاد يحصل إلا من الكتابة لأن الحفظ خوان وَقَدْ كان أَحْمَد بْن حنبل رَضِيَ اللَّهُ عنه يحدث بالحديث فيقال لَهُ أمله علينا فيقول لا بل من الْكِتَاب وقد قَالَ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ أمرني سيدي أَحْمَد بْن حنبل أن لا أحدث إلا من الْكِتَاب فَإِذَا كانت الصحابة قد روت السنة وتلقتها التابعون وسافر المحدثون وقطعوا شرق الأَرْض وغربها لتحصيل كلمة من ههنا وكلمة من هنا وصححوا مَا صح وزيفوا مَا لم يصح وجرحوا الرواة وعدلوا وهذبوا السنن وصنفوا ثم من يغسل ذلك فيضيع التعب ولا يعرف حكم اللَّه فِي حادثة فما عوندت الشريعة بمثل هَذَا فهل لشريعة من الشرائع قبلنا إسناد إِلَى نبيهم وإنما هذه خصيصة لهذه الأمة وَقَدْ روينا عَنِ الإمام أَحْمَد بْن حنبل مَعَ كونه طاف الشرق والغرب فِي طلب الحديث أنه قَالَ لأبنه مَا كتبت عَنْ فلان فذكر لَهُ أن النبي عَلَيْهِ الصلاة والسلام كان يخرج يوم العيد من طريق ويرجع من أخرى فَقَالَ الأمام أحمد بْن حنبل إنا لله سنة من سنن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم تبلغني وهذا قوله مَعَ إكثاره وجمعه فكيف بمن لم يكتب واذا كتب غسل أفترى إذا غسلت الكتب ودفنت عَلَى مَا يعتمد فِي الفتاوى والحوادث عَلَى فلان الزاهد أَوْ فلان الصوفي أَوْ عَلَى الخواطر فيما يقع لها نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى. |
|
| |
| الباب العاشر: فِي ذكر تلبيسه عَلَى الصوفية من جملة الزُّهَّاد | |
|