أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: الباب الثالث: فِي التحذير من فتن إبليس ومكايده الأربعاء 19 ديسمبر 2018, 5:18 pm | |
| الباب الثالث: فِي التحذير من فتن إبليس ومكايده قال الشيخ أبو الفرج اعلم أن الآدمي لما خلق ركب فيه الهوى والشهوة ليجتلب بذلك مَا ينفعه ووضع فيه الغضب ليدفع به مَا يؤذيه وأعطى العقل كالمؤدب يأمره بالعدل فيما يجتلب ويجتنب وخلق الشَّيْطَان محرضا لَهُ عَلَى الإسراف فِي اجتلابه واجتنابه فالواجب عَلَى العاقل أن يأخذ حذره من هَذَا العدو الذي قد أبان عدواته من زمن آدم عَلَيْهِ الصلاة والسلام وَقَدْ بذل عمره ونفسه فِي فساد أحوال بني آدم وَقَدْ أمر اللَّه تعالى بالحذر منه فقال سبحانه وتعالى: {لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} وقال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} وقال تعالى: {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} وقال: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} وقال تعالى: {إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} وقال: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} وقال تعالى: {وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} وقال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} وفي القرآن من هَذَا كثير.
التحذير من فتن إبليس ومكايده فصل: قَالَ الشيخ أَبُو الفرج رحمه اللَّه وينبغي أن تعلم أن إبليس شغله التلبيس أول مَا التبس عَلَيْهِ الأمر فأعرض عَنْ النص الصريح عَلَى السجود فأخذ يفاضل بين الأصول فَقَالَ: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} ثم أردف ذلك بالاعتراض عَلَى الملك الحكيم فَقَالَ: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} والمعنى أخبرني لما كرمته علي غرر ذلك الاعتراض أن الذي فعلته ليس بحكمة ثم أتبع ذلك بالكبر فقال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} ثم امتنع عَنْ السجود فأهان نفسه التي أراد تعظيمها باللعنة والعقاب.
فمتى سول للإنسان أمرا فينبغي أن يحذر مِنْهُ أشد الحذر وليقل لَهُ حين أمره إياه بالسوء إنما تريد بما تأمر به نصحي ببلوغي شهوتي وَكَيْفَ يتضح صواب النصح للغير لمن لا ينصح نفسه كيف أثق بنصيحة عدو فانصرف فما فِي لقولك منفذ فلا يبقى إلا أنه يستعين بالنفس لأنه يحث عَلَى هواها فليستحضر العقل إِلَى بيت الفكر فِي عواقب الذنب لعل مدد توفيق يبعث جند عزيمته فيهزم عسكر الهوى والنفس.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَك نا عَاصِم بْن الْحَسَنِ نا أَبُو عُمَر بْن مَهْدِيٍّ ثنا الْحُسَيْن بْن إِسْمَاعِيلَ ثنا زَكَرِيَّا بن يحيى ثنا شامة بْن سَوَّارٍ ثني الْمُغِيرَةُ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أيها النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي فِي يَوْمِي هَذَا إِنَّ كُلَّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدِي فَهُوَ لَهُ حَلالٌ وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ فَأَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَأَمَرْتُهُمْ أَنْ لا يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ".
أَخْبَرَنَا ابْن الْحُصَيْنِ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْن الْمُذْهِبِ نا أَحْمَد بْن جَعْفَر ثنا عَبْد اللَّهِ ابْن أحمد ثنى أبي ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد ثنا هِشَامٌ ثنا قَتَادَةُ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: "إِنَّ رَبِي ..." إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ.
أَخْبَرَنَا ابْن الْحُصَيْنِ نا ابْنُ الْمُذْهِبِ نا أَحْمَد بْن جَعْفَر ثنا عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ ثني أَبِي ثنا أَبُو مُعَاوِيَة ثنا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابُرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ قَالَ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ أَوْ قَالَ فَيَلْتَزِمُهُ وَيَقُولُ نَعَمْ أَنْتَ وَبِهِ قَالَ أَحْمَد وَحَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثنا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْفَعُهُ قَالَ إِنَّ إِبْلِيسَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ1 بَيْنَهُمْ قَالَ الْمُصَنِّفُ انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَالَّذِي قَبْلَهُ مُسْلِمٌ وَفِي لَفْظِ حَدِيثِهِ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ. ------------------------------------------ 1 أي يسعى بينهم بالخصومات والشحناء والفتن. ------------------------------------------ أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ السَّمَرْقَنْدِيُّ نا عَاصِمُ بْنُ الْحَسَنِ نا ابْنُ بِشْرَانَ نا ابْنُ صَفْوَانَ نا أبو بكر الْقُرَشِيُّ ثني الْحُسَيْنُ بْنُ السَّكَنِ ثنا الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ ثنى عَدِيُّ بْنُ أَبِي عُمَارَةَ ثنا زِيَادُ النُّمَيْرِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْفَعُهُ قَالَ إِنَّ الشَّيْطَانَ وَاضِعٌ خَطْمَهُ1 عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ فَإِنْ ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ وَإِنْ نَسِيَ اللَّهَ الْتَقَمَ قَلْبَهُ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي مَنْصُورٍ نا عَبْدُ الْقَادِرِ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ ملك ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ ثنا أُبَيُّ ثنا عَبْد الرَّحْمَنِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِنَّ الشَّيْطَانَ طَافَ بِأَهْلِ مَجْلِسِ الذِّكْرِ لِيَفْتِنَهُمْ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ فَأَتَى حَلْقَةً يَذْكُرُونَ الدُّنْيَا فَأَغْرَى بَيْنَهُمْ حَتَّى اقْتَتَلُوا فَقَامَ أَهْلُ الذِّكْرِ فَحَجَزُوا بَيْنَهُمْ فَتَفَرَّقُوا قال عَبْد اللَّهِ وحدثني عَلِيّ بْن مسلم ثنا سيار ثنا حبان الحريري ثنا سويد القناوي عَنْ قتادة رَضِيَ اللَّهُ عنه قَالَ إن لإبليس شيطانا لَهُ قبقب يجمه2 أربعين سنة فَإِذَا دخل الغلام فِي هَذَا الطريق قَالَ لَهُ دونك إنما كنت أجمك لمثل هَذَا أجلب عَلَيْهِ وأفتنه.
قَالَ سيار وَحَدَّثَنَا جَعْفَر ثنا ثابت البناني رَضِيَ اللَّهُ عنه قَالَ بلغنا أن إبليس ظهر ليحيى بْن زكريا عليهما السلام فرأى عَلَيْهِ معاليق من كل شيء فَقَالَ يَحْيَى يا إبليس مَا هذه المعاليق التي أرى عليك قَالَ هذه الشهوات التي أصيد بِهَا ابْن آدم قَالَ فهل لي فيها من شيء قَالَ ربما شبعت فثقلناك عَن الصلاة وثقلناك عَن الذكر قَالَ فهل غير ذلك قَالَ لا وَاللَّه قَالَ لله علي أن لا أملأ بطني من طعام أبدا قَالَ إبليس ولله علي أن لا أنصح مسلما أبدا قال عَبْد اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ ثنا أُبَيُّ ثنا وكيع ثنا الأعمش عَنْ حثيمة عَنْ الحارث بْن قيس رضي اللَّه عنه قَالَ إذا أتاك الشَّيْطَان وأنت تصلي فَقَالَ إنك ترائي فزدها طولاً.
أَنْبَأَ إِسْمَاعِيلُ السَّمَرْقَنْدِيُّ نا عَاصِمُ بْنُ الْحَسَنِ نا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَبُو عَلِيِّ بْنُ صَفْوَانَ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ عُبَيْدٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ سَمِعَ عمرو بن دينار عُرْوَةَ بْنَ عَامِرٍ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ رِفَاعَةَ يُبَلِّغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول كَانَ رَاهِبٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَخَذَ الشَّيْطَانُ جَارِيَةً فَخَنَقَهَا وَأَلْقَى فِي قُلُوبِ أَهْلِهَا أَنَّ دَوَاءَهَا عِنْدَ الرَّاهِبِ فَأَتَى بِهَا الرَّاهِبَ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا فَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى قَبِلَهَا فَكَانَتْ عِنْدَهُ فَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ فَسَوَّلَ لَهُ إِيقَاعَ الْفِعْلِ بِهَا فَأَحْبَلَهَا ثُمَّ أَتَاهُ فقال له الآنَ تَفْتَضِحُ يَأْتِيكَ أَهْلُهَا فَاقْتُلْهَا فَإِنْ أَتَوْكَ فَقُلْ مَاتَتْ فَقَتَلَهَا وَدَفَنَهَا. ------------------------------------------ 1 الخطم وزان فلس من كل طائر منقاره ومن كل دابة مقدم الأنف والفم فاستعير للشيطان. 2 أي يتركه بدون عمل ليقوى. ------------------------------------------ فَأَتَى الشَّيْطَانُ أَهْلَهَا فَوَسْوَسَ لَهُمْ وَأَلْقَى فِي قُلُوبِهِمْ أَنَّهُ أَحْبَلَهَا ثُمَّ قَتَلَهَا وَدَفَنَهَا فَأَتَاهُ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَهُ عَنْهَا فَقَالَ مَاتَتْ فَأَخَذُوهُ فَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ أَنَا الَّذِي ضَرَبْتُهَا وَخَنَقْتُهَا وَأَنَا الَّذِي أَلْقَيْتُ فِي قُلُوبِ أَهْلِهَا وَأَنَا الَّذِي أَوْقَعْتُكَ فِي هَذَا فَأَطِعْنِي تَنْجُ اسْجُدْ لِي سَجْدَتَيْنِ فَسَجَدَ لَهُ سَجْدَتَيْنِ فَهُوَ الَّذِي قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} وقد روى هَذَا الحديث عَلَى صفة أخرى عَنْ وهب بْن منبه رَضِيَ اللَّهُ عنه أَنَّ عَابِدًا كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَانَ مِنْ أَعْبَدِ أَهْلِ زَمَانِهِ وَكَانَ فِي زَمَانِهِ ثَلاثَةُ أُخْوَةٍ لَهُمْ أُخْتٌ وَكَانَتْ بِكْرًا لَيْسَ لَهُمْ أُخْتٌ غَيْرُهَا فَخَرَجَ الْبَعْثُ عَلَى ثُلاثَتِهِمْ فَلَمْ يَدْرُوا عِنْدَ مَنْ يَخْلُفُونَ أُخْتَهُمْ وَلا مَنْ يَأْمَنُونَ عَلَيْهَا وَلا عِنْدَ مَنْ يَضَعُونَهَا قَالَ فَأَجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ يَخْلُفُوهَا عِنْدَ عَابِدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَانَ ثِقَةً فِي أَنْفُسِهِمْ فَأَتَوْهُ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَخْلُفُوهَا عِنْدَهُ فَتَكُونُ فِي كَنَفِهِ وَجِوَارِهِ إِلَى أن يرجعوا1 مِنْ غَزَاتِهِمْ فَأَبَى ذَلِكَ وَتَعَوَّذَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ وَمِنْ أُخْتِهِمْ قَالَ فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَطَاعَهُمْ فَقَالَ أَنْزِلُوهَا فِي بَيْتٍ حِذَاءَ صَوْمَعَتِي قَالَ فَأَنْزَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ ثُمَّ انْطَلَقُوا وَتَرَكُوهَا فَمَكَثَتْ فِي جِوَارِ ذَلِكَ الْعَابِدِ زَمَانًا يَنْزِلُ إِلَيْهَا بِالطَّعَامِ مِنْ صَوْمَعَتِهِ فَيَضَعُهُ عِنْدَ بَابِ الصَّوْمَعَةِ ثُمَّ يَغْلِفُ بَابَهُ وَيَصْعَدُ إِلَى صَوْمَعَتِهِ ثُمَّ يَأْمُرُهَا فَتَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا فَتَأْخُذُ مَا وَضَعَ لَهَا مِنَ الطَّعَامِ قَالَ فَتَلَطَّفَ لَهُ الشَّيْطَانُ فَلَمْ يَزَلْ يُرَغِّبُهُ فِي الْخَيْرِ وَيُعَظِّمُ عَلَيْهِ خُرُوجَ الْجَارِيَةِ مِنْ بَيْتِهَا نَهَارًا وَيُخَوِّفُهُ أَنْ يَرَاهَا أَحَدٌ فَيُعَلِّقُهَا فَلَوْ مَشَيْتَ بِطَعَامِهَا حَتَّى تَضَعَهُ عَلَى بَابِ بَيْتِهَا كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكَ قَالَ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى مَشَى إِلَيْهَا بِطَعَامِهَا وَوَضَعَهُ عَلَى بَابِ بَيْتِهَا وَلَمْ يُكَلِّمْهَا قَالَ فَلَبِثَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ زَمَانًا ثُمَّ جَاءَ إِبْلِيسُ فَرَغَّبَهُ فِي الْخَيْرِ وَالأَجْرِ وَحَضَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ لَوْ كُنْتَ تَمْشِي إِلَيْهَا بِطَعَامِهَا حَتَّى تَضَعَهُ فِي بَيْتِهَا كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكَ قَالَ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى مَشَى إِلَيْهَا بِالطَّعَامِ ثُمَّ وَضَعَهُ فِي بَيْتِهَا فَلَبِثَ عَلَى ذَلِكَ زَمَانًا ثُمَّ جَاءَهْ إِبْلِيسُ فَرَغَّبَهُ فِي الْخَيْرِ وَحَضَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَوْ كُنْتَ تُكَلِّمُهَا وَتُحَدِّثُهَا فَتَأْنَسُ بِحَدِيثِكَ فَإِنَّهَا قَدِ اسْتَوْحَشَتْ وَحْشَةً شَدِيدَةً قَالَ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى حَدَّثَهَا زَمَانًا يَطْلُعُ إِلَيْهَا مِنْ فَوْقِ صَوْمَعَتِهِ قَالَ ثُمَّ أَتَاهُ إِبْلِيسُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ لَوْ كُنْتَ تَنْزِلُ إِلَيْهَا فَتَقْعُدُ عَلَى بَابِ صَوْمَعَتِكَ وَتُحَدِّثُهَا وَتَقْعُدُ هِيَ عَلَى بَابِ بَيْتِهَا فَتُحَدِّثُكَ كَانَ آنَسَ لَهَا فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَنْزَلَهُ وَأَجْلَسَهُ عَلَى بَابِ صَوْمَعَتِهِ يُحَدِّثُهَا وَتُحَدِّثُهُ وَتَخْرُجُ الْجَارِيَةُ مِنْ بَيْتِهَا حَتَّى تَقْعُدَ عَلَى بَابِ بَيْتِهَا قَالَ فَلَبِثَا زَمَانًا يَتَحَدَّثَانِ. ------------------------------------------ 1 وفي نسخة يقفلوا. ------------------------------------------ ثُمَّ جَاءَهْ إِبْلِيسُ فَرَغَّبَهُ فِي الْخَيْرِ وَالثَّوَابِ فِيمَا يَصْنَعُ بِهَا وَقَالَ لَوْ خَرَجْتَ مِنْ بَابِ صَوْمَعَتِكَ ثُمَّ جَلَسْتَ قَرِيبًا مِنْ بَابِ بَيْتِهَا فَحَدَّثْتَهَا كَانَ آنَسَ لَهَا فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى فَعَلَ قَالَ فَلَبِثَا زَمَانًا ثُمَّ جَاءَهُ إِبْلِيسُ فَرَغَّبَهُ فِي الْخَيْرِ وَفِيمَا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ حُسْنِ الثَّوَابِ فِيمَا يَصْنَعُ بِهَا وَقَالَ لَهُ لَوْ دَنَوْتَ مِنْهَا وَجَلَسْتَ عِنْدَ بَابِ بَيْتِهَا فَحَدَّثْتَهَا وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهَا فَفَعَلَ فَكَانَ يَنْزِلُ مِنْ صَوْمَعَتِهِ فَيَقِفُ عَلَى بَابِ بَيْتِهَا فَيُحَدِّثُهَا فَلَبِثَا عَلَى ذَلِكَ حِينًا ثُمَّ جَاءَهُ إِبْلِيسُ فَقَالَ لَوْ دَخَلْتَ الْبَيْتَ مَعَهَا فَحَدَّثْتَهَا وَلَمْ تَتْرُكْهَا تُبْرِزُ وَجْهَهَا لأَحَدٍ كَانَ أَحْسَنَ بِكَ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ فَجَعَلَ يُحَدِّثُهَا نَهَارَهَا كُلَّهُ فَإِذَا مَضَى النَّهَارُ صَعَدَ إِلَى صَوْمَعَتِهِ قَالَ ثُمَّ أَتَاهُ إِبْلِيسُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ يَزَلْ يُزَيِّنُهَا لَهُ حَتَّى ضَرَبَ الْعَابِدُ عَلَى فَخْذِهَا وَقَبَّلَهَا فَلَمْ يَزَلْ بِهِ إِبْلِيسُ يُحَسِّنُهَا فِي عَيْنَيْهِ وَيُسَوِّلُ لَهُ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا فَأَحْبَلَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ غُلامًا فَجَاءَ إِبْلِيسُ فَقَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ أُخْوَةُ الْجَارِيَةِ وَقَدْ وَلَدَتْ مِنْكَ كَيْفَ تَصْنَعُ لا آمَنُ أَنْ تَفْتَضِحَ أَوْ يَفْضَحُوكَ فَاعْمَدْ إِلَى ابْنِهَا فَاذْبَحْهُ وَادْفِنْهُ فَإِنَّهَا سَتَكْتُمُ ذَلِكَ عَلَيْكَ مَخَافَةَ إِخْوَتِهَا أَنْ يَطَّلِعُوا عَلَى مَا صَنَعْتَ بِهَا فَفَعَلَ فَقَالَ لَهُ أَتُرَاهَا تَكْتُمُ إِخْوَتَهَا مَا صَنَعْتَ بِهَا وَقَتَلْتَ ابْنَهَا قَالَ خُذْهَا وَاذْبَحْهَا وَادْفِنْهَا مَعَ ابْنِهَا فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى ذَبَحَهَا وَأَلْقَاهَا فِي الْحُفْرَةِ مَعَ ابْنِهَا وَأَطْبَقَ عَلَيْهِمَا صَخْرَةً عَظِيمَةً وَسَوَّى عَلَيْهِمَا وَصَعَدَ إِلَى صَوْمَعَتِهِ يَتَعَبَّدُ فِيهَا فَمَكَثَ بِذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ حَتَّى أَقْبَلَ إِخْوَتُهَا مِنَ الْغَزْوِ فَجَاءُوا فَسَأَلُوهُ عَنْهَا فَنَعَا لَهُمْ وَتَرَحَّمَ عَلَيْهَا وَبَكَاهَا وَقَالَ كَانَتْ خَيْرَ امْرَأَةٍ وَهَذَا قَبْرُهَا فَانْظُرُوا إِلَيْهِ فَأَتَى إِخْوَتُهَا الْقَبْرَ فَبَكَوْا أُخْتَهُمْ وَتَرَحَّمُوا عَلَيْهَا فَأَقَامُوا عَلَى قَبْرِهَا أَيَّامًا ثُمَّ انْصَرَفُوا إِلَى أَهَالِيهِمْ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِمُ اللَّيْلُ وَأَخَذُوا مَضَاجِعَهُمْ جَاءَهُمُ الشَّيْطَانُ فِي النَّوْمِ عَلَى صُورَةِ رَجُلٍ مُسَافِرٍ فَبَدَأَ أَكْبَرَهُمْ فَسَأَلُهْ عَنْ أُخْتِهِمْ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ الْعَابِدِ وَمَوْتِهَا وَتَرَحُّمِهِ عَلَيْهَا وَكَيْفَ أَرَاهُمْ مَوْضِعَ قَبْرِهَا فَكَذَّبَهُ الشَّيْطَانُ وَقَالَ لَمْ يَصْدُقْكُمْ أَمْرَ أُخْتِكُمْ إِنَّهُ قَدْ أَحْبَلَ أُخْتَكُمْ وَوَلَدَتْ مِنْهُ غُلامًا فَذَبَحَهُ وَذَبَحَهَا مَعَهُ فَزَعًا مِنْكُمْ وَأَلْقَاهَا فِي حُفَيْرَةٍ احْتَفَرَهَا خَلْفَ بَابِ الْبَيْتِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ عَنْ يَمِينِ مَنْ دَخَلَهُ فَانْطَلِقُوا فَادْخُلُوا الْبَيْتِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ عَنْ يَمِينِ مَنْ دَخَلَهُ فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَهُمَا كَمَا أَخْبَرْتُكُمْ هَنَاكَ جَمِيعًا وَأَتَى الأَوْسَطَ فِي مَنَامِهِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ أَتَى أَصْغَرَهُمْ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ الْقَوْمُ أَصْبَحُوا مُتَعَجِّبِينَ مِمَّا رَأَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَقَدْ رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ عَجَبًا فَأَخْبَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِمَا رَأَى فَقَالَ كَبِيرُهُمْ هَذَا حُلُمٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَامْضُوا بِنَا وَدَعُوا هَذَا عَنْكُمْ قَالَ أَصْغَرُهُمْ وَاللَّهِ لا أَمْضِي حَتَّى آتِيَ إِلَى هَذَا الْمَكَانِ فَأَنْظُرَ فِيهِ قَالَ فَانْطَلَقُوا جَمِيعًا حَتَّى أَتَوُا الْبَيْتَ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ أُخْتُهُمْ فَفَتَحُوا الْبَابَ وَبَحَثُوا الْمَوْضِعَ الَّذِي وُصِفَ لَهُمْ فِي مَنَامِهِمْ فَوَجَدُوا أُخْتَهُمْ وَابْنَهَا مَذْبُوحَيْنِ فِي الْحُفَيْرَةِ كَمَا قِيلَ لَهُمْ فَسَأَلُوا عَنْهَا الْعَابِدَ فَصَدَّقَ قَوْلَ إِبْلِيسَ فِيمَا صَنَعَ بِهِمَا فَاسْتَعْدُوا عَلَيْهِ مَلِكَهُمْ فَأُنْزِلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ وَقُدِّمَ لِيُصْلَبَ فَلَمَّا أَوْثَقُوهُ عَلَى الْخَشَبَةِ أَتَاهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ لَهُ قَدْ عَلِمْتَ أَنِّي أَنَا صَاحِبُكَ الَّذِي فَتَنْتُكَ بِالْمَرْأَةِ حَتَّى أَحْبَلْتَهَا وَذَبَحْتَهَا وَابْنَهَا فَإِنْ أَنْتَ أَطَعْتَنِي الْيَوْمَ وَكَفَرْتَ بِاللَّهِ الَّذِي خَلَقَكَ وَصَوَّرَكَ خَلَّصْتُكَ مِمَّا أَنْتَ فِيهِ قَالَ فَكَفَرَ الْعَابِدُ فَلَمَّا كَفَرَ بِاللَّهِ تَعَالَى خَلَّى الشَّيْطَانُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ فَصَلَبُوهُ قَالَ فَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ} إلى قوله جزاء الظالمين وَقَدْ تقدم ذكرها.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي القاسم نا أَحْمَد بْن أَحْمَدَ نا أَبُو نعيم نا أَبُو بَكْر الآجري ثنا عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد العطيني ثنا إِبْرَاهِيم بْن الجنيد ثنى مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن ثنا بِشْر بْن مُحَمَّد بْن أبان ثنى الْحَسَن بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسلم القرشي عَنْ وهب بْن منبه رَضِيَ اللَّهُ عنه قَالَ كان راهب فِي صومعته فِي زمن المسيح عَلَيْهِ السلام فأراده إبليس فلم يقدر عَلَيْهِ فأتاه بكل رائدة فلم يقدر عَلَيْهِ فأتاه متشبها بالمسيح فناداه أيها الراهب اشرف علي أكلمك قَالَ انطلق لشأنك فلست أرد مَا مضى من عمري فَقَالَ أشرف علي فأنا المسيح فَقَالَ إن كنت المسيح فما لي إليك حاجة ألست قد أمرتنا بالعبادة ووعدتنا القيامة انطلق لشأنك فلا حاجة لي فيك فانطلق اللعين عنه وتركه.
أنبأ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ نا عَاصِمُ بْنُ الْحَسَنِ نا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ نا أَبُو عَلِيٍّ الْبَرْدَعِيُّ ثنا أَبُو بَكْر الْقُرَشِيُّ ثنا أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَرَشِيُّ ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ثنا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا رَكِبَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي السَّفِينَةِ رَأَى فِيهَا شَيْخًا لَمْ يَعْرِفْهُ فَقَالَ لَهُ نُوحٌ مَا أَدْخَلَكَ قَالَ دَخَلْتُ لأُصِيبَ قُلُوبَ أَصْحَابِكَ فَتَكُونُ قُلُوبُهُمْ مَعِي وَأَبْدَانُهُمْ مَعَكَ فَقَالَ لَهُ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ اخْرُجْ يَا عَدُوَّ اللَّه فَقَالَ إِبْلِيسُ خَمْسٌ أُهْلِكُ بِهِنُّ النَّاسَ وَسَأُحَدِّثُكَ مِنْهُنُّ بِثَلاثٍ وَلا أُحَدِّثُكَ بِاثْنَتَيْنِ فَأَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ أَنَّهُ لا حَاجَةَ لَكَ إِلَى الثلاث مرهيحدثك بِالاثْنَتَيْنِ فَقَالَ بِهِمَا أُهْلِكُ النَّاسَ وَهُمَا لا يَكْذِبَانِ الْحَسَدُ1 وَالْحِرْصُ2 فَبِالْحَسَدِ لُعِنْتُ وَجُعِلْتُ شَيْطَانًا رَجِيمًا وبالحرص أبيح لآدم الجنة ------------------------------------------ 1 الحسد أن يرى الرجل لأخيه نعمة فيتمنى أن تزول عنه وتكون له دونه والغبطة أن يتمنى أن يكون له مثلها ولا يتمنى زوالها عنه والأول مذموم والثاني محمود وعليه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا حسد إلا في اثنتين". 2 الحرص شدة الإرادة والشره إلى المطلوب وهو نوعان: حرص فاجع وحرص نافع فالأول حرص المرء على الدنيا وهو مشغول معذب بها فلا يفرغ من محبتها الثاني: حرصه على طاعة الله تعالى خوف أن تفوت. ------------------------------------------ كُلَّهَا فَأَصَبْتُ حَاجَتِي مِنْهُ فَأُخْرِجَ مِنَ الْجَنَّةِ قَالَ وَلَقَى إِبْلِيسُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ يَا مُوسَى أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَكَلَّمَكَ تَكْلِيمًا وَأَنَا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى أَذْنَبْتُ وَأُرِيدُ أَنْ أَتُوبَ فَاشْفَعْ لِي إِلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَتُوبَ عَلَيَّ فَدَعَا مُوسَى رَبَّهُ فَقِيلَ يَا مُوسَى قَدْ قُضِيَتْ حَاجَتُكَ فَلَقِيَ مُوسَى إِبْلِيسَ فَقَالَ لَهُ قَدْ أُمِرْتَ أَنْ تَسْجُدَ لِقَبْرِ آدَمَ وَيُتَابُ عَلَيْكَ فَاسْتَكْبَرَ وَغَضِبَ وَقَالَ لَمْ أَسْجُدْ لَهُ حَيًّا أَأَسْجُدُ لَهُ مَيِّتًا ثُمَّ قَالَ إِبْلِيسُ يَا مُوسَى إِنَّ لَكَ حَقًّا بِمَا شَفَعْتَ إِلَى رَبِّكَ فَاذْكُرْنِي عِنْدَ ثَلاثٍ لا أَهْلَكُ فِيهِنَّ اذْكُرْنِي حِينَ تَغْضَبُ فَأَنَا وَحْيٌ فِي قَلْبِكَ وَعَيْنِي فِي عَيْنِكَ وَأَجْرِي مِنْكَ مَجْرَى الدَّمِ وَاذْكُرْنِي حِينَ تَلْقَى الزَّحْفَ فَإِنِّي آتِي ابْنَ آدَمَ حِينَ يَلْقَى الزَّحْفَ فَأُذَكِّرُهُ وَلَدَهُ وَزَوْجَتَهُ وَأَهْلَهُ حَتَّى يُوَلِّي وَإِيَّاكَ أَنْ تُجَالِسَ امْرَأَةً لَيْسَتْ بِذَاتِ مَحْرَمٍ فَإِنِّي رَسُولُهَا إِلَيْكَ وَرَسُولُكَ إِلَيْهَا قَالَ الْقُرَشِيُّ وَحَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ الصَّفَّارُ ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ثنا شُعْبَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلا لَمْ يَأْمَنْ مِنْ إِبْلِيسَ أَنْ يُهْلِكَهُ بِالنِّسَاءِ قَالَ الْقُرَشِيُّ وثنى الْقَاسِمُ بْنُ هاشم عن إبراهيم بن الأشعت عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ قَالَ حَدَّثَنِي بَعْضُ أَشْيَاخُنَا أَنَّ إِبْلِيسَ لَعَنَهُ اللَّهُ جَاءَ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ وَهُوَ يُنَاجِي رَبَّهُ تَعَالَى فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ وَيْلَكَ مَا تَرْجُو مِنْهُ وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ يُنَاجِي رَبَّهُ قَالَ أَرْجُو مِنْهُ مَا رَجَوْتُ مِنْ أَبِيهِ آدَمَ وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ قَالَ الْقُرَشِيُّ وثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الشَّيْبَانِيُّ ثنا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال بينهما مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ جَالِسٌ فِي بَعْضِ مَجَالِسِهِ إِذْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ إِبْلِيسُ وَعَلَيْهِ بُرْنُسٌ1 لَهُ يَتَلَوَّنُ فِيهِ أَلْوَانًا فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ خَلَعَ الْبُرْنُسَ فَوَضَعَهُ ثُمَّ أَتَاهُ وَقَالَ لَهُ السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مُوسَى فَقَالَ لَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ مَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا إِبْلِيسُ قَالَ فَلا حَيَّاكَ اللَّهُ مَا جَاءَ بِكَ قَالَ جِئْتُ لأُسَلِّمَ عَلَيْكَ لِمَنْزِلَتِكَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَكَانِكَ مِنْهُ قَالَ فَمَا الَّذِي رَأَيْتُهُ عَلَيْكَ قَالَ بِهِ أَخَتَطِفُ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ قَالَ فَمَا الَّذِي إِذَا صَنَعَهُ الإِنْسَانُ اسْتَحْوَذْتَ عَلَيْهِ قَالَ إِذَا أَعْجَبَتْهُ نَفْسَهُ وَاسْتَكْثَرَ عَمَلَهُ وَنَسِيَ ذُنُوبَهُ وَأُحَذِّرُكَ ثَلاثًا: لا تَخْلَوْنَ بِامْرَأَةٍ لا تَحِلُّ لَكَ قَطُّ فَإِنَّهُ مَا خَلا رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لا تَحِلُّ لَهُ إِلا كُنْتُ صَاحِبَهُ دُونَ أَصْحَابِي حَتَّى أُفْتِنَهُ بِهَا.
وَلا تَعَاهَدَ اللَّهَ عَهْدًا إِلا وُفِيتُ بِهِ فَإِنَّهُ مَا عَاهَدَ اللَّهَ أَحَدٌ إِلا كُنْتُ صَاحِبَهُ دُونَ أَصْحَابِي حَتَّى أَحُولَ بَيْنَهُ وبين الوفاء به وَلا تُخْرِجْنَ صَدَقَةً إِلا أَمْضَيْتَهَا فَإِنَّه مَا أَخْرَجَ رَجُلٌ صَدَقَةً فَلَمْ يُمْضِهَا إِلا كُنْتُ صَاحِبَهُ دُونَ أَصْحَابِي حَتَّى أَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِخْرَاجِهَا ثُمَّ وَلَّى وَهُوَ يَقُولُ يَا وَيْلُهُ ثَلاثًا عَلِمَ مُوسَى مَا يُحَذَّرُ بِهِ بَنِي آدَمَ. ------------------------------------------ 1 البرنس هو كل ثوب رأسه منه ملتزق به من دراعة أو جبهة أو غيرهما وقد شاع استعماله في المغرب. ------------------------------------------ قَالَ الْقُرَشِيُّ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ثنا حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ لِلْمَرْأَةِ أَنْتٍ نِصْفُ جُنْدِي وَأَنْتِ سَهْمِي الَّذِي أَرْمِي بِهِ فَلا أخطيء وَأَنْتِ مَوْضِعُ سِرِّي وَأَنْتِ رَسُولِي فِي حَاجَتِي.
قَالَ الْقُرَشِيُّ: وَحَدَّثَنَا إسحق بن إبراهيم ثني هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ عقيل بن معقل بن أَخِي وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ سَمِعْتُ وَهْبًا يَقُولُ قَالَ رَاهِبٌ لِلشَّيْطَانِ وَقَدْ بَدَا لَهُ أَيُّ أَخْلاقِ بَنِي آدَمَ أَعْوَنُ لَكَ عَلَيْهِمْ قَالَ الْحِدَّةُ1 إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ حَدِيدًا قَلَّبْنَاهُ كَمَا يُقَلِّبُ الصِّبْيَانُ الْكُرَةَ.
قَالَ الْقُرَشِيُّ: وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ يُرْسِلُ شَيَاطِينَهُ إِلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيجيئون إِلَيْهِ بِصُحَفِهِمْ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ فَيَقُولُ لَهُمْ مَالَكُمْ لا تُصِيبُونَ مِنْهُمْ شَيْئًا فَقَالُوا مَا صَحِبْنَا قَوْمًا مِثْلَ هَؤُلاءِ فَقَالَ رُوَيْدًا بِهِمْ فَعَسَى أَنْ تُفْتَحَ لَهُمُ الدُّنْيَا هُنَالِكَ تُصِيبُونَ حَاجَتَكُمْ مِنْهُمْ.
قَالَ الْقُرَشِيُّ: وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَمِيلٍ الْمَرْوَزِيُّ نا ابْنُ الْمُبَارَك نا سُفْيَانُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ إِذَا أَصْبَحَ إِبْلِيسُ بَثَّ جُنُودَهُ فِي الأَرْضِ فَيَقُولُ مَنْ أَضَلَّ مُسْلِمًا أَلْبَسْتُهُ التَّاجَ فَيَقُولُ لَهُ الْقَائِلُ لَمْ أَزَلْ بِفُلانٍ حَتَّى طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَالَ يُوشِكُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيَقُولُ آخَرُ لَمْ أَزَلْ بِفُلانٍ حَتَّى عَقَّ قَالَ يُوشِكُ أَنْ يَبَرَّ وَيَقُولُ آخَرُ لَمْ أَزَلْ بِفُلانٍ حَتَّى زَنَى قَالَ أَنْتَ وَيَقُولُ آخَرُ لَمْ أَزَلْ بِفُلانٍ حَتَّى شَرِبَ الْخَمْرَ قَالَ أَنْتَ قَالَ وَيَقُولُ آخَرُ لَمْ أَزَلْ بِفُلانٍ حَتَّى قَتَلَ فَيَقُولُ أنت أَنْتَ.
قَالَ القرشي: وسمعت سَعِيد بْن سُلَيْمَان يحدث عَنْ الْمُبَارَك بْن فضالة عَنْ الْحَسَن قَالَ كانت شجرة تُعبد من دون اللَّه فجاء إليها رجل فَقَالَ لأقطعن هذه الشجرة فجاء ليقطعها غضبا لله فلقيه إبليس فِي صورة إنسان فَقَالَ مَا تريد قَالَ أريد أن أقطع هذه الشجرة التي تعبد من دون اللَّه قَالَ إذا أنت لم تعبدها فما يضرك من عبدها؟ ------------------------------------------ 1 الحدة ما يعتري الإنسان من الغضب. ------------------------------------------ قَالَ لأقطعنها فَقَالَ لَهُ الشَّيْطَان هل لك فيما هو خير لك لا تقطعها ولك ديناران كل يوم إذا أصبحت عند وسادتك قَالَ فمن أين لي ذلك قَالَ أنا لك فرجع فأصبح فوجد دينارين عند وسادته ثم أصبح بعد ذلك فلم يجد شيئا فقام غضبا ليقطعها فتمثل لَهُ الشَّيْطَان فِي صورته وقال ما تريد قالأريد قطع هذه الشجرة التي تعبد من دون اللَّه تعالى قَالَ كذبت مالك إِلَى ذلك من سبيل فذهب ليقطعها فضرب به الأَرْض وخنقه حتى كاد يقتله قال أتدري من أنا أنا الشَّيْطَان جئت أول مرة غضبا فلم يكن لي عليك سبيل فخدعتك بالدينارين فتركتها فلما جئت غضبا للدينارين سلطت عليك.
قَالَ القرشي: وَحَدَّثَنَا بِشْر بْن الوليد الكندي ثنا مُحَمَّدُ بْنُ طلحة عَنْ زيد ابْن مجاهد قَالَ لإبليس خمسة من ولده قد جعل كل واحد منهم على شيء من من أمره ثم سماهم فذكر ثبر والأعور ومسوط وداسم وزكنبور فأما ثبر فهو صاحب المصيبات الذي يأمر بالثبور وشق الجيوب ولطم الخدود ودعوى الجاهلية وأما الأعور فهو صاحب الزنا الذي يأمر به ويزينه وأما مسوط فهو صاحب الكذب الذي يسمع فيلقى الرَّجُل فيخبره بالخبر فيذهب الرَّجُل إِلَى القوم فيقول لهم قد رأيت رجلاً أعرف وجهه ولا أدري مَا اسمه حدثني بكذا وكذا وأما داسم فهو الذي يدخل مَعَ الرَّجُل إِلَى أهله يريه العيب فيهم ويغضبه عليهم وأما زكنبور فهو صاحب السوق الذي يركز رايته فِي السوق.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن القاسم نا أَحْمَد بْن أَحْمَدَ نا أَبُو نعيم ثنا إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّهِ ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاقَ ثنا إِسْمَاعِيل بْن أبي الحارث ثنا سنيد عَنْ مخلد بْن الْحُسَيْن قَالَ مَا ندب اللَّه العباد إِلَى شيء إلا اعترض فيه إبليس بأمرين مَا يبالي بأيهما ظفر إما غلو فيه وإما تقصير عنه وَبِالإِسْنَادِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي قَبِيلٍ سَمِعْتُ حَيَاةَ بْنَ شَرَاحِيلَ يَقُول سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ إِنَّ إِبْلِيسَ مُوَثَّقًا فِي الأَرْضِ السُّفْلَى فَإِذَا هُوَ تَحَرَّكَ كَانَ كُلُّ شَرْقِيّ الأَرْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ تَحَرُّكِهِ.
قال الشيخ أَبُو الفرج رحمه اللَّه: قلت وفتن الشَّيْطَان ومكايده كثيرة فِي غضون هَذَا الْكِتَاب منها مَا يليق بكل موضع مِنْهُ إن شاء اللَّه تعالى ولكثرة فتن الشَّيْطَان وتشبثها بالقلوب عزت السلامة فَإِن من يدع إِلَى مَا يحث عَلَيْهِ الطبع كمداد سفينة منحدرة فيا سرعة انحدارها ولما ركب الهوى فِي هاروت وماروت لم يستمسكا فَإِذَا رأت الملائكة مؤمناً قد مات عَلَى الإيمان تعجبَّت من سلامته.
وأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي مَنْصُورٍ نا جَعْفَر بْن أَحْمَدَ نا الْحَسَن بْن عَلِيٍّ التميمي ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ حَمْدَان ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن أَحْمَدَ ثنى ابْن سريج قَالَ ثنا عتبة بْن عَبْدِ الْوَاحِد عَنْ مالك بْن مغول عَنْ عَبْدِ الْعَزِيز بْن رفيع قَالَ إذا عرج بروح المؤمن إِلَى السماء قالت الملائكة سبحان الذي نجى هَذَا العبد من الشَّيْطَان يا ويحه كيف نجا.
ذكر الإعلام بأن مَعَ كل إنسان شيطاناً: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُصَيْنِ الشَّيْبَانِيُّ نا أَبُو عَلِيٍّ الْمُذْهِبِ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ حَمْدَان ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثني أَبِي ثنا هرون ثنا عَبْد اللَّهِ بْن وهب أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ عَنِ ابْن قُسَيْطٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدَهَا لَيْلا قَالَتْ فَغِرْتُ عَلَيْهِ فَجَاءَ فَرَأَى مَا أَصْنَعُ فَقَالَ: "مَالَكِ يَا عَائِشَةُ أَغَرْتِ"1 فَقُلْتُ وَمَالِي لا يُغَارُ مِثْلِي على مثلك فقال: "أو قد جَاءَكِ شَيْطَانُكِ" قَالَتْ يَا رَسُولَ الله أو معي شَيْطَانٌ قَالَ: "نَعَمْ" قُلْتُ وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ قَالَ: "نَعَمْ" قُلْتُ وَمَعَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "نَعَمْ وَلَكِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ" انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ وَيَجِيُء بَلِفَظْ ٍآخَرَ "أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ" قَالَ الْخَطَّابِيُّ عَامَّةُ الرُّوَاةِ يَقُولُونَ فَأَسْلَمَ عَلَى مَذْهَبِ الْفَعْلِ الْمَاضِي إِلا سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ فَأَسْلَمُ مِنْ شَرِّهِ وَكَانَ يَقُولُ الشَّيْطَانُ لا يُسْلِمُ قال الشيخ وقول ابْن عيينة حسن وَهُوَ يظهر أثر المجاهدة لمخالفة الشَّيْطَان إلا أن حديث ابْن مسعود كأنه يرد قول ابْن عيينة وَهُوَ مَا أَخْبَرَنَا بِهِ ابْنُ الْحُصَيْنِ نا ابْنُ الْمُذْهِبِ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ ثنا عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ ثنا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ ثني مَنْصُورٌ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَرْفَعُهُ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلائِكَةِ" قَالُوا وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "وَإِيَّايَ وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَلا يَأْمُرُنِي إِلا بِحَقٍّ" وَفِي رِوَايَةٍ "فَلا يَأْمُرُنِي إِلا بِخَيْرٍ" قال الشيخ انفرد به مسلم واسم أبي الجعد رافع وظاهره إسلام الشياطين ويحتمل القول الآخر. ------------------------------------------ 1 وهي الحمية والأنفة يقال: رجل غيور وامرأة غيور. ------------------------------------------ بيان أن الشَّيْطَان يجري من ابْن آدم مجرى الدم: أَخْبَرَنَا هِبَة اللَّهِ بْن مُحَمَّدٍ نا الْحَسَن بْن عَلِيّ نا أَحْمَد بْن جَعْفَر نا عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ ثني عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيُّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ زَوْجِ النَّبِيِّ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلا فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ لأَنْقَلِبَ فَقَامَ مَعِي لِيُقَلِّبَنِي1 وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَمَرَّ رَجُلانِ مِنَ الأَنْصَارِ فَلَمَّا رَأَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَلَى رِسْلِكُمَا أَنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ" فَقَالا سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ2 يَجْرِي من ابْن آدم مجرى الدم وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرًّا" أَوْ قَالَ: "شَيْئًا" الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْعِلْمِ اسْتِحْبَابُ أَنْ يَحْذَرَ الإِنْسَانُ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ مِنَ الْمَكْرُوهِ مِمَّا تَجْرِي بِهِ الظُّنُونُ وَيَخْطُرُ بِالْقُلُوبِ وَأَنْ يَطْلُبَ السَّلامَةَ مِنَ النَّاسِ بِإِظْهَارِ الْبَرَاءَةِ مِنَ الرِّيَبِ وَيُحْكَى فِي هَذَا عَنِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ خَافَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقَعَ فِي قُلُوبِهِمَا شَيْءٌ مِنْ أَمْرٍ فَيَكْفُرَا وَإِنَّمَا قَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَفَقَةً مِنْهُ عَلَيْهِمَا لا عَلَى نَفْسِهِ.
ذكر التعوذ من الشَّيْطَان الرجيم3 قَالَ الشيخ أَبُو الفرج رحمه اللَّه قد أمر اللَّه تعالى بالتعوذ من الشَّيْطَان الرجيم عند التلاوة فَقَالَ تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} وعند السحر فَقَالَ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} إِلَى آخر السورة فَإِذَا أمر بالتحرز من شره فِي هذين الأمرين فكيف فِي غيرهما.
أَخْبَرَنَا هِبَة اللَّهِ بْن مُحَمَّدٍ نا الْحَسَن بْن عَلِيّ نا أَحْمَد بْن جَعْفَر نا عَبْد اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ ثنا أُبَيُّ ثنا سَيَّارٌ ثنا جَعْفَرٌ ثنا أَبُو التَّيَّاحِ قَالَ قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُنَيْشٍ أَدْرَكْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ كَيْفَ صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ كَادَتْهُ الشَّيَاطِينُ فَقَالَ إِنَّ الشياطين تحدرت4 تلك الليلة عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ وَفِيهِمْ شَيْطَانٌ بِيَدِهِ شُعْلَةُ نَارٍ يُرِيدُ أَنْ يَحْرِقَ بِهَا وَجْهَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَبِطَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ قُلْ قال ما أقول قَالَ قُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ: قَالَ فَطُفِئَتْ نَارُهُمْ وَهَزَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى. ------------------------------------------ 1 ليقلبني بفتح الياء أي ليردني إلى منزلي. 2 ظاهر الحديث أن الله تعالى جعل للشيطان قوة وقدرة على الجري في باطن الإنسان في مجاري دمه ويحتمل أنه من قبيل الاستعارة لكثرة إغوائه ووسوسته فكأنه لا يفارق الإنسان كما لا يفارقه دمه وقيل: إنه يلقي وسوسته في مسام لطيفة من البدن فتصل إلى القلب. 3 التعوذ التحصن والاعتصام والالتجاء والمعوذتان عوذتا قارئهما أي عصمتاه من كل سوء. 4 من الحدور أي تنزلت. ------------------------------------------ أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ نا عَاصِم بْن الْحَسَنِ نا أَبُو الْحُسَيْن بْنُ بِشْرَانَ نا ابْنُ صَفْوَانَ ثنا أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ ثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَكَ فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَيَقُولُ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ فَإِذَا وَجَدَ أَحَدَكُمْ ذَلِكَ فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُذْهِبُ عَنْهُ" قَالَ الْقُرَشِيُّ ثنا هَنَّادُ بْنُ السِّرِيِّ ثنا أَبُو الأَحْوَصٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ مُرَّةَ الْهَمَذَانِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْفَعُهُ قَالَ إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لُمَّةً1 بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلِكِ لُمَّةً فَأَمَّا لُمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَأَمَّا لُمَّةُ الْمَلِكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ مِنَ الشَّيْطَانِ ثُمَّ قَرَأَ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} الآيَةَ.
قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ رَوَاهُ جَرِيرٌ عن عَطَاءٍ فَوَقَفَهُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ أَخْبَرَنَا هِبَة اللَّهِ بْن مُحَمَّدٍ نا الْحَسَن بْن عَلِيّ نا أَحْمَد بْن جَعْفَر ثنا عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ ثني أَبِي ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فَيَقُولُ أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ ثُمَّ يَقُولُ هَكَذَا كَانَ أَبِي إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ2 وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الأَنْبَارِيِّ الْهَامَّةُ وَاحِدُ الْهَوَامِّ وَيُقَالُ هِيَ كُلُّ نَسَمَةٍ تَهِمُّ بِسُوءٍ وَالْلامَّةُ الْمُلِمَّةُ وَإِنَّمَا قَالَ لامَّةُ لِيُوافِقَ لَفْظَ هَامَّةٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ أخف على اللسان. ------------------------------------------ 1 اللمة الهمة والخطرة تقع في القلب فما كان من خطرات الخير فهو من الملك وما كان من خطوات الشر فهو من الشيطان. 2 هكذا في النسخ التي بأيدينا ولعل بآله زيادة من النساخ. ------------------------------------------ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا الْمُبَارَك بْن عَبْدِ الجبار نا إِبْرَاهِيم بْن عُمَر البرمكي نا أَبُو الْحَسَنِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيم الزينبي ثنا مُحَمَّد بْن خلف ثنا عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّدٍ ثنا فضيل بْن عَبْدِ الْوَهَّاب ثنا جَعْفَر بْن سُلَيْمَان عَنْ ثابت قَالَ قَالَ مطرف نظرت فَإِذَا ابْن آدم ملقى بين يدي اللَّه عز وجل وبين إبليس فمن شاء أن يعصمه عصمه وإن تركه ذهب به إبليس وحكي عَنْ بعض السلف أنه قَالَ لتلميذه مَا تصنع بالشيطان إذا سول لك الخطايا قَالَ أجاهده قَالَ فَإِن عاد قَالَ أجاهده قَالَ فَإِن عاد قَالَ أجاهده قَالَ هَذَا يطول أرأيت إن مررت بغنم فنبحك كلبها أَوْ منعك من العبور مَا تصنع قَالَ أكابده وأرده جهدي قَالَ هَذَا يطول عليك ولكن استعن بصاحب الغنم يكفه عنك.
قال الشيخ رحمه اللَّه: واعلم أن مثل إبليس مَعَ المتقي والمخلط كرجل جالس بين يديه طعام فمر به كلب فَقَالَ لَهُ أخسأ فذهب فمر بآخر بين يديه طعام ولحم فكلما أحساه لم يبرح فالأول مثل المتقي يمر به الشَّيْطَان فيكفيه فِي طرده الذكر والثاني مثل المخلط لا يفارقه الشَّيْطَان لمكان تخليطه نعوذ بالله من الشَّيْطَان. |
|