منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 ثلاث صلوات مهجورة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

ثلاث صلوات مهجورة Empty
مُساهمةموضوع: ثلاث صلوات مهجورة   ثلاث صلوات مهجورة Emptyالأربعاء 23 مارس 2011, 8:20 pm

ثلاث صلوات مهجورة Untit384

ثلاث صلوات مهجورة

عدنان بن محمد آل عرعور

غفر الله له ولوالديه وللمسلمين


بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الطبعة الثالثة

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-..


أما بعد:

فقد مضى على انتشار الكتاب أكثر من عقد من الزمن، لم نتلقَّ فيه ردّاً علمياً، سوى أني سمعت بعضهم يُسأل في الإذاعة عن حكم صلاة التسابيح فقال: ((هذه موضوعة، والدليل على ذلك: أنها مهجورة، ولو كانت سُنَّة لما هُجِرَتْ))!!


قلت:

لو صدر هذا الكلام من عامِّيِّ لكان مقبوحاً، فكيف إذا صدر مِمَّنْ تنصَّب للفتوى!!؟ وقباحة الأمر أن يجعل الهجران دليلاً على البطلان، فهل هذا هو الدليل عنده..؟!


وهل هذا جهل بمعنى ((الدليل))…؟! أم زفرة مُتعصِّب، أم نفثة مُقلِّد؟!


أليس هذا هو بعينه دليل المبتدعة الذين إذا قيل لهم: هذه سنة، قالوا: لا أحد يفعلها، وإذا قيل لهم: هذه بدعة، قالوا: كل الناس يفعلونها..؟!


ومتى كان هجران الشيء أو فعله دليلاً على مشروعيته أو بدعيته؟


فكم سنة صحيحة هجرت، وكم من بدعة مقبوحة انتشرت، فهل كان الهجران دليلاً على بطلان السنن الصحيحة؟ وهل كان انتشار البدعة دليلاً على مشروعيتها!؟


ففي أثر ابن مسعود: ((كيف أنتم إذا لبستكم فتنة، يهرم فيها الكبير، ويربو فيها الصغير، إذا ترك منها شيء قيل تركت السنة، قالوا: ومتى ذلك؟ قال: إذا ذهب علماؤكم، وكثر جهلاؤكم، وكثر قراؤكم، وقلت فقهاؤكم، وكثرت أمراؤكم، وقلت أمناؤكم، والتمست الدنيا بعمل الآخرة، وتفقه لغير الدين)).


وقال ابن عباس: ((ما من بدعة تُحيا إلا وسُنَّةٌ تموت)).


واعلم أن سرَّ هذا الانحراف، هو فقدان التأصيل، ومنه فقدان معرفة ((الدليل))، وعدم التزامه، وتقديم  الهوى والتقليد  عليه.


هذا هو أحد أسرار الانحراف، ويضاف إليه في هذه المسألة، جهلٌ بعلم الحديث تصحيحاً وتضعيفاً، الأمر الذي دفعه إلى إلقاء الكلام على عواهنه، وإذا كان هذا هو منهج المفتي المربي!! فما حال المتربين والمستفتين..؟


وفاقد الشيء لا يعطيه… أعان الله أمة هؤلاء  مفتوها، لا يفقهون معنى الدليل، ولا يلتزمون بمقتضاه.


وإن كنت تعجب من هذا فأعجب منه أن هؤلاء الذين فقدوا معنى الدليل، من الذين يرون أن الهجران دليل على البطلان، يرون كذلك أن من الأدلة على انحراف الناس، اتخاذهم حرفة يتكسبون بها رزقهم بعد فضل الله، يرون أن هذا دليل على جهلهم وابتداعهم، وما علم هؤلاء المساكين: أن دليلهم هذا هو دليل على جهلهم هم، بل دليل على كبْرهم، فمن ازدرى الناس بحرفهم كان متكبراً كما بين ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (الكبر غمط الناس وبطر الحق) (أخرجه مسلم).


ثم.. أما علموا أن الأنبياء كانوا أصحاب حرف، وأنهم كانوا يرعون الأغنام، وأن منهم الحداد والنجار؟!


فانظر كيف اجتمع الجهل المركب:

جهل بمعنى الدليل، وجهل بالسنة وسيرة الأنبياء، وفوق ذلك كبر يظهر جلياً بالسخرية من المسلم لمهنته، ورد للحق الذي معه، لأنه ليس من قبيلته أو من بلده؟!


فقاتل الله العصبية، وقاتل الله الجاهلية، كم أعمت أبصاراً، وأضلت أقواماً.. ولا عجب من ذلك فقد قيل: من فقد الدليل ضل السبيل..


هذا وقد أعدت طباعته بعد أن نفدت الطبعة الثانية، سائلاً المولى عز وجل أن يُسَدِّدَ أقوالنا، وأن يُصلح أعمالنا، وأن يتقبَّله منا إنه سميع مجيب.. والحمد لله رب العالمين.

عدنان بن محمد العرعور

شعبان 1422


بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الطبعة الثانية

الحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على رسوله الكريم.

أما بعد:

جلست في غرفة الانتظار بعيادة أحد الأطباء، فلفت نظري وجود كتاب ((ثلاث صلوات مهجورة)) بين مجموعة من الكتب، قد عرضت للمطالعة، وقد كتب أحدهم على غلاف الكتاب: ((لا يُلتفت إلى ما في هذا الكتاب من أن صلاة التسبيح صحيحة، فقد أفتى فلان وفلان بأنها صلاة غير صحيحة)).


فتعجَّبت مما وصل إليه حال المسلمين من ردّ البحث العلمي المبني على الأدلة، بقول فلان! أو بفتوى فلان! مخالفين بذلك الحق الذي أمرنا به ديننا الحنيف، من اتباع الدليل، وطلب البرهان وذلك واضح جلي في مثل قوله تعالى: (اتبعوا ما أنـزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون)  وقوله: (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)


واضطرّرت -ساعتئذ- أن أعلق على كتابة الأخ: بأن ديننا دين دليل.. لا دين: قال ((فلان))، وأفتى ((فلان))! ومن كان عنده ردّ علمي فليتفضل.


وكذلك لما خرج الكتاب أول ما خرج، انهالت العتابات، وقذفت الاستنكارات لتصحيحنا حديث صلاة التسبيح..!! دفعهم إلى ذلك، ما هو مشاع من بطلان هذه الصلاة، لفتوى بعض الأفاضل في ذلك، مقلدين بذلك بعض العلماء الذين قالوا ببدعيتها…!!


وكانت حجة المنكرين… ((الرجال))، وكان بعض إخواننا يطلبون منهم رداً علميا حديثياً،  قائلين لهم: إن عندنا من الرجال الذين صححوا حديث صلاة التسبيح ما هم أعلم بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- صحيحه وسقيمه من الذين ضعفوها، وإذ قابلنا الرجال بالرجال… سقطت الحجة عند الجميع، وعلى المنكرين -حينئذ- أن يردوا رداً علمياً مبنيّا على الأدلة والبراهين، ولما مضى على الكتاب سنوات، ونفدت الطبعة، ولم نتلقَّ أي رد علمي على الإطلاق، أعدنا طباعته، دون تغيير فيه يذكر، غير تصحيح الأخطاء المطبعية الكثيرة التي وقعت في الطبعة الأولى.


والله أسأل أن ينفع به، وأن يجعله خالصاً لوجهه، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً، ويرزقنا  اجتنابه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

كتبه:

عدنان العرعور

صفر 1414 هـ


المقدمـة

الحمد لله الذي شرع لعباده ما ينفعهم، في دينهم ودنياهم وآخرتهم، وأشهد أن لا إله إلا الذي له الخلق والأمر، والصلاة والسلام على معلم الناس الخير، ومرشدهم إلى طريق البر… فما ترك أمراً يقربهم إلى الله تعالى إلا أرشدهم إليه، ولا أمرًا يبعدهم عن الله تعالى إلا حذرهم منه.


أمَّا بعد:

فبين يديك -أخي المسلم- بيان ثلاث صلوات عظيمات مباركات، قد هجرها المسلمون إلا مَنْ رحم الله تعالى.


أمَّا الأولى: فهي صلاة الاستخارة..

التي يستخير فيها العبد ربه، ويستشير خالقه، ويحقق بها العبد لله تعالى عبوديته.. وينبئ عن صدق يقينه، وثقته بربه.


فيا لها من صلاة روحية عظيمة، تهب للمسلم الطمأنينة، وتزيده إيماناً مع إيمانه، بحكمة الله البالغة، وشريعته الباهرة، فضلاً عن منحها الاستقرار، والرضى والتسليم بقضاء الجبار، فما أعظمها من صلاة.. وما أجلّها من عبادة.


وأما الثانية: فهي صلاة التوبة..

التي يمحو الله بها الخطايا، ويكفر بها سبحانه الذنوب.. ومن منا لا يذنب؟ ومن منا لا يخطئ؟ وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((كل بني آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوابُون)).


فبهذه الصلاة المباركة، تظهر العبودية الحقة لله تعالى، وإيمان العبد بربه، وأن مصيره بيده سبحانه، ويظهر فيها خوف العبد من عذاب ربه، وطمعه في غفرانه وجنته.


فلو لم يكن في هذا الصلاة إلا إظهار الذل، والاعتراف بالذنب، والإنابة إلى الرب، لكفى بها خيراً عظيماً، وتوفيقاً كبيراً، فسارع إليها -يا عبد الله- تكن من المُفلحين إن شاء الله تعالى.


وأما الثالثة: فهي صلاة التسابيح..

وإن شئت فسمها صلاة الغفران.. وإن شئت فسمها صلاة التكفير.. أو صلاة التوبة، أو صلاة الإنابة.


ففيها كل هذه المعاني السامية، والثمار اليانعة، فسارع إلى قطافها، فقد أصبحت في زماننا هذا نسياً منسياً، وصلاة مهجورة..!


فاغتنم شبابك قبل هرمك.. وصحتك قبل مرضك.. وفراغك قبل شغلك.. وقدرتك على العبادة قبل العجز.. وقبل أن تندم يوم لا ينفع الندم.


هذا؛ ولم أشأ أن تكون رسالة جامعية مفصلة، أتتبع فيها مذاهب الفقهاء، واختلاف العلماء، إنما أردت أن تكون ميسورة بين يدي كل مسلم، بعيدة عن التحقيقات الحديثية المطولة، والتفريعات الفقهية المستفيضة، والتخريجات المفصلة، إلا ما كان منه ضرورياً، كالتفصيل في طرق أسانيد حديث صلاة التسبيح، للاختلاف الواقع فيها، ومع ذلك لم أتتبع الطرق كافة، إذ الغاية الوصول إلى صحة الحديث من أقرب الطرق، وتقرير الحكم بأسهلها، كيما تكون رسالة سهلة لدى جمهور المسلمين، مفهومة لدى عامتهم، تجيب عن أسئلتهم، وتحل إشكالاتهم.


ولذلك رتبت أبوابها ترتيباً يناسب عموم المسلمين، فموضوعها يخص كل مسلم -متعلم وغير متعلم- فهي صلوات تجمع خير الدنيا والآخرة، فمن منا يستغني عن استخارة ربه؟ ومن منا لا يحتاج إلى توبة من ذنبه؟


هذا؛ والله أسأل أن يجعلنا وإياكم من المستخيرين حقًا، والتائبين صدقًا، والمسبحين حمدًا، والموفقين عملاً وقبولاً، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


كتبه

عدنان  العرعور

رمضان 1410هـ


الصلاة الأولى: صلاة الاستخارة

عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سعادة المَرء: استخارته رَبَّهُ، ورضاه بما قَدَّرَ، ومن شقاوة المَرء تركه الاستخارة، وسخطه بعد القضاء)).


بين يدي الاستخارة:

يتعرض المرء في حياته لكثير من الأمور الغيبية النتائج، ويَقْدُم على أمور مجهولة العواقب.. لا يدري خيرها من شرها.. ولا نفعها من ضرها.


ويُصاب بالتردُّد:

أيقدم على هذه العمل.. أم لا..؟ أيخطب هذه الفتاة.. أم تلك..؟ أيشارك هذا الرجل أم ذاك..؟ أيطلق زوجته أم يبقيها عنده..؟ أيدرس هنا أم هناك..؟ أيسافر.. أم لا..؟.


ماذا يعمل..؟ وماذا يذر..؟ أين الخير..؟ يسأل القريب والبعيد.. والصغير والكبير.. والعالم والجاهل.. لعلهم ينصحونه.. وإلى الخير والصواب يرشدونه.


ويعيش حالة من الصراع الترددي.. والقلق النفسي.. وكثيرًا ما يصيبه الهم، ويغشاه الغم، فتشل حركته.. ويعطل تفكيره.. فلا يدري ماذا  يفعل، ولا يدري ماذا يذر، حتى يقع أسير الخوف والتردد.. وسجين القلق والحيرة، وحبيس الغيب والمجهول.. لهذا كله شرع الله صلاة الاستخارة علاجاً لتردده.. وحلاً لمشكلته حتى ينقلب التردد ثباتاً، والهم فرجاً، والشك يقيناً، والقلق اطمئناناً.. لِمَ لا..؟ وقد استخار العبد ربه  الذي يعلم السر وأخفى، ويعلم ما يضره وما ينفعه، وهو القادر على أن يصرف عنه كل سوء.. ويجلب له كل نفع.


(قل اللهم مالك المُلك تُؤتي المُلك مَنْ تشاء وتنـزع المُلك مِمَّنْ تشاء وتعز من تشاء وتُذل مَنْ تشاء بيدك الخير إنك على كل شئٍ قدير).


فحين تستقر هذه المعاني في نفس المستخير الصادق، يصبح مطمئن النفس، هادئ البال، لما سيكون من أمره.


(قل لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء).


وحين يطمئن بهذا قلبه، يبيت راضياً بما قدر له، ولو كان ظاهر المقدر شراً، ووقع مخالفاً لرغبته، فالمرء لا يعلم حقيقة الأشياء كما يعلمها الله، ولا يدرك كنه الأمور على ما أرادها الله، ولا يعقل تأويل الحوادث وحقيقة نتائجها.


قال تعالى: (والله يعلم وأنتم لا تعلمون)  وقال (يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا).


وها هنا تظهر حقيقة الايمان بأن الله لا يُقدِّر للعبد المؤمن إلا الخير ولا يريد له إلا الخير.


فحريٌ بالمرء العاقل أن يسارع إلى استخارة ربه، وأن لا يغادر أمراً إلا بعد سؤال خالقه.


كيف تكون الاستخارة الشرعية؟

أو كيف يستخير العبد ربه؟

لما كان العبد ضعيفاً في تصوره، جهولاً في غيبه، متردداً في تصرفاته، شرع الله له إذا عَرض له عارض، أو عُرض عليه عمل، أو همَّ بأمر أن يستخير ربه ويشاور فيه خالقه، فهو سبحانه أعلم بحقائق الأمور ونتائجها، ونافعها من ضارها، وخيرها من شرها، في الدنيا والآخرة، وهو أعلم بالغيب.


(وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) (الأنعام 59).


سبحانه هو العليم بما يصلح العباد، وهو الخبير بما ينفع البلاد، وهو اللطيف الخبير.. وهو على كل شيء قدير: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) (الملك 14).


اعلم -رحمني الله وإياك- أن العبد إذا همَّ بأمر، أو عزم على مسألة، أو خطر بباله قضية فأحب فعلها، أو عُرض عليه عمل، فعليه أن يستخير ربه، قبل البدء به.


وذلك على النحو التالي:

أولاً:

أن يأتي بشروط صلاة النافلة، وهي شروط الصلاة ما عدا دخول الوقت.


ثانياً:

يصلي ركعتين نافلة، بنية الاستخارة، ولا يتلفظ بشيء غير التكبير، لأن النية محلها القلب، والتلفظ فيها أمر محدث، لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا صحابته، ولا أحد من الأئمة المعتبرين.


ثم يُقبل على الله تعالى بقلبه -في صلاته- خاشعاً، متضرعاً.


ثالثاً:

يدعو بدعاء الاستخارة، وذلك بعد الانتهاء من الصلاة، وهو: ((اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علاَّم الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر (ثم يسميه) خير لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، عاجله وآجله،  فاقدره لي ويسّره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر (يذكر الأمر ويسميه) شرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، عاجله وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به)).


رابعاً:

يجب أن تكون ثقته بالله كبيرة، وتوكله عليه صادقاً، موقنًا بالهداية، منتظرًا الإجابة، غير مستعجل لها.


خامساً:

أن يكون متجنبًا موانع استجابة الدعاء جميعها.


هل لكم أن تضربوا مثلاً في صفة الدعاء كيف تكون؟


نضرب مثلاً لرجل أراد أن يخطب فتاة..


يصلي ركعتين، بنية الاستخارة...


ثم يدعو بهذا الدعاء:

((اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم: أن زواجي من فلانة بنت فلان، خير لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري عاجله وآجله، فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن زواجي من فلانة بنت فلان، شر لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري عاجله وآجله،  فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به)).


ما الدليل عليها؟

لا يحل لمسلم أن يفعل أي عبادة كانت، مهما صغرت في عينه أو كبرت، وظن أن بها خيرًا، إلا أن تكون تلك العبادة مشروعة، وقد فعلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو أمر بها، أو فعلها أصحابه رضوان الله تعالى عليهم، وما عدا ذلك فهي بدعة، وكل بدعة ضلالة.


قال -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)).


وأما دليل مشروعيتها:

فما رواه البخاري في صحيحه قال، حدثنا مطرف بن عبد الله أبو مصعب حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموال عن محمد بن المنكدر ((عن جابر رضي الله عنه  قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال: في عاجل أمري وآجله- فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال في عاجل أمري وآجله- فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضّني به... ويسمي حاجته)).


ما هي الأمور التي يُستخار فيها؟

الأمور التي تعرض للعبد، تدور مع الأحكام الخمسة:

الواجب والمستحب والمباح والمكروه والمحرم.


فالواجب والمُستحب والمَكروه والمُحَرَّم، لا يُستخار في أصل فعلها أو تركها.


لأن الواجب:

واجب الفعل، محرم الترك، سواء استخار العبد أم لم يستخر.


والمُحَرَّم:

مُحَرَّمُ الفعل، واجب الترك، سواء استخار العبد، أم لم يستخر، فلا يُستخار في صلاة ولا حج ولا شرب خمر ولا في فعل أي معصية أو تركها.


أما المُباح فهو الذي يُستخار فيه:

كالأعمال الدنيوية، والسفر، والأمور المجهولة النتائج، والوسائل، والأمكنة، والأزمنة المخير فيها، والشركات، والتجارات، والزواج، وما شابه ذلك.


وكذلك يُستخار في وسائل الواجب والمُستحب وفي نوعها المُخَيَّر فيه.


فطلب العلم مُستحب، وبعضه واجب، فيُستخار في النوع والوقت والمكان.


لأن العبد مُخَيَّرٌ في المكان، فيستخير فيه، ومُخَيَّرٌ في الجهة، فيستخير فيها، ومُخَيَّرٌ في المدرسة والجامعة، فيستخير في ذلك وهكذا.


ولا يُستخار في طلب العلم الشرعي نفسه.


وأما طلب العلم الدنيوي فمُستحب، لكن العبد مُخَيَّرٌ بين تلك العلوم، فيستخير في نوع العلم، لا في أصله.


والحج واجب، فيُستخار في الرفقة، وفي وسيلة الوصول، وفي زمن الانطلاق.


والجهاد واجب، ولكن يُستخار في الزمن، والخطة، والمكان، والجهة، وتعيين الأمير، وتنظيم الجيش.


والزواج واجب، لكن الرجل مُخَيَّرٌ في النساء، والمرأة مُخَيَّرَةٌ في الرجال، فيستخير الرجل في عين المرأة، والمرأة تستخير في عين الرجل، لا في أصل الزواج وهكذا.


كما يُستخار عند تعارض واجبين، أو تعارض مُستحبَّين، أيهما يفعل، أو أيهما يُقدم، أو يُؤخر..


ومثال تعارض الواجبين:

كالزواج والحج، لمن لا يملك سوى ما يكفي أحدهما.


ومثال تعارض المُستحبَّين:

كتعارض جهاد كفاية مع طلب علم كفائي، أو مع حج تطوع، ويستخير في نوع الصدقة، أيضعها في بئر أو وقف مستثمر وما شابه  ذلك.


وقد تكون الاستخارة في مستحب فيه احتمال وقوع مفسدة، كالتبرع بالدم وما شابه ذلك.


والخلاصة:

أن الاستخارة  تكون في كل أمر مباح، وتكون في الواجب والمستحب المخير، لاختيار الزمان، أو المكان، أو الوقت، أو العين، وفي الوسائل، وعند تعارض مستحبين، أو واجبين.


وبهذا يتضح قول جابر رضي الله عنه: ((كان يُعلمُنا الاستخارة في الأمور كلها)).


قال ابن أبي جمرة:

هو عام أريد به الخصوص، فإن الواجب والمُستحب لا يُستخار في فعلهما، والحرام والمكروه لا يُستخار في تركهما، فانحصر الأمر في المُباح، وفي المُستحب إذا تعارض فيه أمران، أيهما يبدأ به ويقتصر عليه...)).


قال العسقلاني مُعقبًا:

((وتدخل الاستخارة فيما عدا ذلك في الواجب والمستحب المخير، وفيما كان زمنه موسعًا، ويتناول العموم العظيم من الأمور، والحقير، فرب حقير يترتب عليه الأمر العظيم)).


وتكون في جميع هذه الأمور، سواء كان مترددًا فيها أو غير متردد، إذ غاية الاستخارة طلب التوفيق لا مجرد قطع التردد، والعزم على الأمر لا ينافي الاستخارة


ما حُكم الاستخارة..؟

ظاهر الأمر من قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((فليركع ركعتين)) الوجوب، لكن أحداً من أهل العلم لم يقل بذلك، فيما نقل إلينا.


قال العراقي:

((ولم أجد مَنْ قال بوجوب الاستخارة)).


ثم إن القول بالوجوب فيه من المشقة والحرج مالا يعلمه إلا الله، لأن الحديث عام في كل شيء يهم المسلم به.


والمسلم يهم في اليوم بعشرات الأمور، من شراء وبيع، وذهاب وإياب، فإذا كانت الاستخارة واجبة، حصل من الإحراج والعنت، ما نص الشارع على رفعه عن المؤمنين، قال تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) (الحج: 78)، (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) (البقرة: 286).


فليس من وسع الإنسان، إذا ما أراد أن يشتري أي حاجة، وأن يفعل أي أمر أن يجعل له ركعتين ودعاء، وهذا مما تعم به البلوى، ويقع فيها من الإحراج ما لا يقبله يسر الإسلام وسهولته.


ولذلك اتفق العلماء على استحباب الاستخارة، والله أعلم.


قال الحافظ في الفتح (11/185):

ودل على عدم وجوب الاستخارة ما دل على عدم وجوب صلاة زائدة على الخمس.ا هـ


وحسبُ تارك الاستخارة ما فاته من الخير العظيم، أن تَرَكَ الصلاة والدعاء، واستخارة ربه، والله الهادي إلى سواء السبيل.


ما معنى الاستخارة؟

المعنى اللغوي:

استخار: طلب الإرشاد إلى الخير.

خار الأمرُ: صار فيه خيرًا.

وخرتُ الأمرَ: انتقيته لما فيه من الخير.


وعندي:

أن ((اختار)) بمعنى: انتقى، غير أن ((اختار)) لا تستعمل إلا في الخير ((وانتقى)) تستعمل في الخير وفي غيره.


قال تعالى: (وربك يخلق ما يشاء ويختار) (القصص: 68)


وقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث الإسراء: ((فاخترت اللبن)) بدل الخمر.


وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((المدينة كالكير تنقي خبيثها ويَنْصع طيبها)) قال في النهاية (5/ 111): ((الرواية المشهورة بالفاء وقد جاء في رواية بالقاف  فإن كانت مخففة… أي تستخرج خبثها، وإن كانت مشددة فهو من التنقية، وهو إفراد الجيد من الرديء)) ا.هـ.


واستخرت:

طلبت الأمر الذي فيه خير، أو طلبت انتقاء الأمر الخير.


واستخار الرجل الله تعالى:

طلب منه الإرشاد والهداية إلى الخير، أو اختيار ما فيه خير له.


والاستخارة:

اسم لهذا الطلب أو الفعل.


والاستخارة الشرعية:

أن يستخير العبد ربه، على ما وصف له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، من صلاة ركعتين من غير الفريضة، ثم دعاء مخصوص بعدهما، لفعل أمر مباح، أو تركه، أو في الواجب والمستحب المخيّر.


من معاني هذا الدعاء العظيم:

قول جابر بن عبد الله: ((كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها)):

يأتي شرحه في باب ما هي الأمور التي يستخار فيها؟


قوله: ((كالسورة من القرآن)):

أي يعلمهم حفظ دعاء الاستخارة وإتقانه، كما كان يعلمهم سور القرآن وآياته وإتقانها.


ويؤيد هذا المعنى؛ ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تعليمه دعاء النوم، وأمره بالالتزام بنص الدعاء، ويأتي تفصيل الجواب في باب هل يلتزم بالدعاء.


قوله: ((إذا هَمَّ أحدكم بالأمر)):

أي إذا خطر الأمر بباله، ثم عزم عليه، أو إذا عُرض عليه، ثم نوى فعله، أو عرض له عارض لا يدري مخرجه.


قوله: ((اللهم إني أستخيرك بعلمك)):

أي أطلب إليك أن تختار لي ما هو خير لي، وأستعين على حاجتي هذه، وأتوسل إليك بعلمك، الذي لا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء.


والاستعانة بعلم الله الذي هو صفة من صفاته سبحانه، والتوسل إليه بها، من أنسب الاستعانة وأجلها في هذا المقام، لأن حاجة المُستخير متعلقة بالغيب، والغيب من علم الله، لذا كانت صفة علم الله الذي وسع كل شيء، وأحاط بكل شيء، هي الصفة المناسبة للاستعانة بها، والتوسل إلى الله تعالى بها.


قوله: ((وأستقدرك بقدرتك)):

أي: أطلب منك العون على ما تقدره لي، وأتوسل إليك بقدرتك، و ما يقال في التوسل بصفة العلم، يقال هنا بصفة القدرة.. فإن أمر الله وفعله سبحانه لا يكون إلا بعلم وقدرة، ولذلك ناسب بعد توسله إليه بالعلم، أن يتوسل إليه بالقدرة.


والاستقدار بالقدرة، والاستخارة بالعلم، يتضمن الاستعانة والتوسل وهما من أجل أنواع الاستعانة والتوسل المشروعين، والله أعلم.


قوله: ((وأسألك من فضلك العظيم)):

بعد أن استشفع بصفة العلم، وتوسل إليه بصفة القدرة، ناسب أن يسأله من فضله الذي لا ينفد، وكرمه الذي لا يحجب.


فجماع مقام الاستخارة منوطٌ بثلاثة:

- علم الله، لمعرفة ما هو خير.

- تقدير هذا الخير، وقضاؤه الذي يحتاج إلى قدرة.

- فضل الله الذي لا ينفد، وكرمه الذي لا يُرَد.


لذا كان من التوفيق العظيم، والحكمة البالغة، أن يجمع بين هذه الثلاثة في دعائه.



ثلاث صلوات مهجورة 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 03 أغسطس 2019, 1:42 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

ثلاث صلوات مهجورة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ثلاث صلوات مهجورة   ثلاث صلوات مهجورة Emptyالأربعاء 23 مارس 2011, 9:09 pm

فيستفتح دعاءه متوسلاً إلى الله بعلمه، مستعينًا به على اختيار الخير له، ثم أتبع ذلك بما يحتاج إليه بعد الاختيار، من القدرة على الفعل، والإعانة على العمل، لذا استغاث بقدرة الله، وتوسل إليه بهذه الصفة العلية.

ثم ختم ذلك بسؤال الله من فضله وكرمه، كيما يبارك له في  المختار، وينفعه به.

وفي هذا تحقيق للتوحيد، بسؤاله بصفاته سبحانه (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) (الأعراف 180).

قوله: ((فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب)).

هذا إقرار بصفات عظيمة من صفات الله، وبوء بعجز العبد في مقابلها، وفي هذا تحقيق للتوحيد، واستعطاف الضعيف القويَّ، واسترشادُ الجاهلِ العليمَ.

وفي هذا غاية الأدب بالاعتراف بضعف العبد (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) (فاطر: 15)، وإقرار بكمال العرفان بفضله وكرمه (واسألوا الله من فضله) (النساء: 32).

فإن من أدب الدعاء، أن يحقق العبد العبودية فيه، وأن يقر بذلك في نفسه، وينطق بلسانه، بعلم الله الواسع، وقدرته العظيمة، وأنهما صفتان عظيمتان من صفات الرحمن.

وإن من كمال العبودية، أن يتبع ذلك اعتراف العبد بالعجز والجهل، وأنه لا غنى له عن ربه، لذلك قال: ((فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم)).


قوله: ((وأنت علام الغيوب)).
أي أنت الذي يعلم ما غاب من الخير والشر، وأنا جاهل ذلك لا أعلمه، فاختر لي الخير بعلمك، ويسره لي بقدرتك، وبارك لي فيه بفضلك.
فلا أحد يعلم الغيب غيره، إلا بإذن منه سبحانه.

والإذن إذنان:
إذن عن طريق الوحي والكلام، وهو خاص بالرسل والأنبياء.

قال تعالى: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا) (الجن 26 - 27).

وإذن من الله لمعرفة الغيب، بإدراك السنن الكونية، واكتشاف الحقائق العلمية.

وما عرفه البشر وسيعرفه، مؤمنهم  وكافرهم، من الأمور التي كانت غيبًا من قبل، كاكتشاف الكهرباء، ومعرفة الذكر والأنثى في بطن أمه، وغير ذلك مما يعتمد على العلم لا على الخرافة والدجل، فهو من هذا الباب، باب الغيب المؤقت الذي أناطه الله بأسباب، فهو يغيب بغياب أسبابه، ويظهر بظهورها، وليس من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، ولم يأذن باكتشافه ومعرفته.

قوله: ((اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي ….. وإن كنت تعلم…..)).

وبعد أن تم التمهيد للدعاء، بمنتهى الحكمة، وحصلت التوطئة للطلب بالتوسل المشروع، شرع السائل بطلب مقصوده.. ولما كان ذلك متعلقاً بعلم الله لا بعلمه، وباختيار الله لا باختياره، علق السائل الأمر بالله.

أي: لما كنتَ أنت الذي يعلم عواقب الأمور، خيرها من شرها، فقد فوضت الأمر إليك، لتختار لي ما هو خير، وتصرف عني ما هو شر.

ثم لما كان يُخشى من عوائق تعيق هذا الأمر، ولا يزيلها إلا بالله، بادر بسؤاله التيسير، فقال: فاقدره لي ويسره لي.

ثم لما كان العبد قصير النظر، مضطرب الأحوال، لا يرضى بما قُسم له، ولا يقتنع بما قدر له، كان من المناسب جدًا أن يختم دعاءه بطلب الرضى بما سيقدر له، فهبة الرضى من أعظم الهبات، لأن فيها اطمئناناً للقلب، ورضىً عن الرب.

إزالة إشكال:
وقد يشكل على بعضهم قوله: (إن كنت تعلم) إذ كيف يقول العبد لله: إن كنت تعلم، وهو يعتقد أن الله يعلم؟.

قلت: لا إشكال في ذلك:
إذ ليس لها مفهوم أن الله لا يعلم، وليس من مقتضى قوله: إن كنت تعلم، أي: وإن كنت لا تعلم.

وإنما هذا تعليق بما يعلم الله من خير في الأمر فييسره، وما يعلم من شر في الأمر فيصرفه، وعلى هذا فليس الأمر معلقاً بعلم الله وعدمه، وإنما هو معلق بعلم الله بخير الأمر، أو بعلم الله بشره..

فالمقصود: تعليق الأمر بعلم الله بالخير المقابل لعلم الله بالشر، وليس المقصود تعليق الأمر بعلم الله أو عدمه، وهذا النوع من التعليق يحتاج إلى مثل هذا الأسلوب من التعبير، فتنبه.

مثاله: أن يسأل عاملٌ ربَّ عملٍ خبيرٍ صادقٍ عن أمر دنيوي، فيقول له: إن كنت تعلم أن في عملي هذا ربحاً فادفعني إليه، وإن كنت تعلم أن فيه خسارة لي فلا تجعلني عاملاً فيه، أو كمن يقول للطبيب: إن كنت تعلم أن هذا الدواء خير لي من ذاك فالأمر مفوض إليك.

فهذا كله من باب واحد، وهو تعليق الأمر بعلم المسئول بخير الأمر أو شره، لا بعلم المسئول أو عدم العلم.

حقاً إنه دعاء عظيم:
مما سبق يتبين: أن هذا دعاء عظيم، حوى أمورًا جليلة، ودقائق لطيفة، وفوائد ظاهرة وخفية.

ففيه الإقرار بتوحيد ربوبيته، و الخضوع لألوهيته، والإيمان بأسمائه وصفاته ودعائه بها، و في ذلك أداء العبد لعبوديته، من توكل واستعانة، وسؤال واستغاثة، بعلمه وفضله، وقدرته وكرمه، ثم طلب منح الرضى والقناعة، فمن رضي عن ربه ورضي عنه ربه، فقد نال المفازة، وجاوز السور والقنطرة.

ولو لم يكن من الاستخارة إلا تحقيق ما في هذا الدعاء العظيم، من المعاني العظيمة، لكفى بها خيراً عظيمًا، فكيف إذا زاد على ذلك رضىً قلبياً؟! فسبحان من شرع لعباده خيري الدنيا والآخرة.

هل للاستجابة موانع.. وما هي؟
نعم؛ إن لاستجابة الله عز وجل موانع، إذا ما حصلت، كانت حائلاً دون استجابة دعاء العبد، وتلبية طلبه.

والاستخارة دعاء، فعلى المسلم تحقيق شروط الدعاء، والالتزام بآدابه، واجتناب موانع استجابته، كي يستجاب له في استخارته، وتقضى له حاجته.

واعلم أن كثيراً من الناس يدعون فلا يستجاب لهم، وذلك لإخلالهم بالشروط، أو فعلهم بعض الموانع التي تحول دون الاستجابة.

ومن موانع استجابة الدعاء فيما يخص الاستخارة ما يلي:
1ـ أن يكون في كسب الرجل حرام:
من اغتصاب حق أو تعامل بالربا، أو أكل أموال الناس بالباطل، أو ظلم، أو غش، أوعدم وفاء بالعقود التجارية، والصناعية، أو غير ذلك، فيدخل عليه المال الحرام، فيأكل منه، ويشرب منه، ويلبس منه، فلا يستجيب الله له.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أيهَا الناسُ! إن الله طيبٌ لا يقبلُ إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمرَ به المرسلين، فقال: (يا أيهَا الرُّسُلُ كلوا منَ الطيِّبات واعمَلُوا صالحًا إنِّي بما تعملون عليم) (المؤمنون: 51) وقال: (يا أيهَا الذينَ آمنُوا كلوا منْ طيِّبات ما رزقناكُمْ) (البقرة: 172) ثمَّ ذكرَ الرجل يُطيلُ السفر، أشعث أغبر، يَمُدُّ يديه إلى السماء، يا رَبِّ! يا رَبِّ! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّيَ بالحرام، فأنَّى يُستجابُ لذلك؟)).

2ـ أن تكون الاستخارة والدعاء في إثم أو ظلم:
فإن كانت في مثل ذلك فلا يستجاب له، كأن يستخير في أمر يكون فيه أذية مسلم، أو سببًا في ظلم مؤمن.

عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما على الأرض مسلم يدعو بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم)) فقال رجل من القوم: إذن نكثر ؛ قال: ((الله أكثر)).

أي: الله أكثر استجابة وعطاء من العبد مهما دعا وطلب.

3ـ ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
من موانع استجابة الدعاء، هجر المسلم نصيحةَ إخوانه المسلمين، فلا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر!

وكيما يستجيب الله الدعاء، ينبغي على المسلم أن يكون مستقيم الحال، صادق المآل، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر.

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أوسع من أن تكون له هيئة مختصة به، أو جماعة تقوم به، بل هو من واجبات كل مسلم  في بيته وأهله، وفي ماله وإخوانه، وفي من حوله، بشرط العلم والاستطاعة والحكمة، وعدم جر مفسدة أكبر مما ينهى عنه.

عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
((والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله أن يبعثَ عليكم عقابًا منه، ثم تدعونه فلا يُستجاب لكم)).

4ـ أن يعتدي في دعائه:
كأن يرفع صوته، أو يحدث فيه بدعة، أو يشرك في دعائه أحدًا من خلقه، أو يصرف قلبه تلقاء أحد من عبيده.

قال تعالى: (ادعوا ربكم تضرعًا وخفية، إنه لا يحب المعتدين) (الأعراف: 55).

فمن اعتدى لم يحبه الله ولا يستجيب الله لِمَنْ لا يحب.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((سيكون قوم يعتدون في الدعاء)).

5ـ أن يكون الداعي غافلاً عن الله:
معرضًا عن دينه، ناسيًا أوامره، مرتكبًا نواهيه.

حتى إذا ما أصيب بالضراء، وكان من قبل يعصي الله في الرخاء، قال: يا رب يا رب.. فأنى يستجاب له.

ومن نسي الله في الرخاء، نسيه الله في الشدة.. والجزاء من جنس العمل.. ولا يظلم ربك أحدًا.

قال -صلى الله عليه وسلم-: ((من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب، فليكثر الدعاء في الرخاء)).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ)).

6ـ مخالفته لبعض الأحكام الشرعية، ومنها:
1ـ سكوته عن سوء خلق زوجته، وعدم تطليقها.
2ـ إقراضه مالاً دون إشهاد، إلا لمن غلب على الظن أنهم من أهل الوفاء.
3ـ دفْعه مالاً للسفهاء، ولو كانوا أولاده أو إخوانه.


قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ثلاثة يدعون الله عز وجل فلا يُستجابُ لهم: رجلٌ كانت تحته امرأة سيئة الخلق فلم يُطلقها، ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد عليه، ورجل آتى سفيهًا ماله، والله تعالى يقول: ولا تُؤتُوا السُّفهَاءُ أموالكم)).

هل من أسباب يفعلها العبد، تكون سبباً في قبول استخارته؟
لما أشبهت الاستخارة الدعاء، بل هي دعاء على صورة مخصوصة، كان الراجح أن ما يرتجى فيه قبول الدعاء، هو ما يرتجى بسببه قبول الاستخارة.

ويُرتجى قبول الدعاء بما يلي:
أولاً:
أن يكون المسلم موقنًا بالإجابة، واثقًا بالله تعالى، صادقًا في  دعائه.

وقد مر معنا قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة..)) الحديث.

فلا يستجيب الله لمن لا يوقن بالاستجابة ولا يثق بمن يناجيه، ولا يتوكل على من يلبي طلبه، ويقضي له حاجته.

ثانيا:
أن يدعو مخلصًا لله وحده، لا يشرك معه في دعائه أحدًا.

فمن دعا مع الله عز وجل أحدًا، أو أشركه بقول أو عمل، فقد بطل  دعاؤه، وفسد عمله.

قال تعالى:
(وأنَّ المساجدَ لله فلا تدعوا معَ الله أحدًا) (الجن: 18).

وقال تعالى:
(وادعوهُ مخلصينَ له الدينَ) (الأعراف: 29).

وقال تعالى:
(قل إنما أدعو ربي ولا أشركُ بهِ أحدًا) (الجن: 20).

فلا يحل لمسلم أن يعلق قلبه -مجرد التعلق- بأحد غير خالقه، ومدبر شئونه، فهو الوحيد القادر على إنفاذ ما يريد، فلا راد لقدره، ولا مانع لقضائه، إن كان خيرًا، أو كان سوءًا.

قال تعالى:
(قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءًا أو أراد بكم رحمة..) (الأحزاب: 17).

فلا يدع معه أحدًا، كائنًا من كان، ولا ُيشرَك معه رسول أو إمام، ولا شيخ أو ولي، ولا عظيم أو كبير، بل يوجه العبد وجهه وقلبه ودعاءه كله لله وحده.

قال -صلى الله عليه وسلم-: ((وإذا سألتَ فاسأل الله))  الحديث.

فما خلقنا الله تعالى إلا لعبادته، وما أوجَدنا إلا لسؤاله.

(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (الذاريات: 65).

والدعاء والسؤال هما: العبادة.

قال -صلى الله عليه وسلم-: ((الدعاء هو العبادة)).

وما ابتلانا الله إلا للتضرع إليه.

قال تعالى:
(فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون) (الأنعام: 43).

ثالثا:
أن يكون منيبًا إلى الله، تائبًا إليه، متذللاً بين يديه، خائفًا متضرعًا.

قال تعالى:
(إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) (البقرة: 222).

وقال تعالى:
(ادعوا ربكم تضرعًا وخفية إنه لا يحب المعتدين) (الأعراف: 55].

رابعا:
أن يكون راضيًا بقضاء الله وقدره، قبل وقوعه، وبعد وقوعه، كيفما وقع، وعلى أي صورة قُضي.

وأن يعتقد أن الأمر ما قدر له إلا لخير يعلمه الله، وما صرف عنه إلا لخير يعلمه الله.

قال -صلى الله عليه وسلم-: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا المؤمن، إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيراً له).

هل تكون الاستخارة في الأمور المعروفة النتائج؟
نعم تكون في الأمور الدنيوية المعروفة النتائج، لأن معرفة حقائق النتائج، لا يعلمها إلا الله تعالى.

فمهما ظن العبد مِن ظن، فليس كل أمر ظاهره خير، هو في حقيقته خير، وليس كل أمر ظاهره شر، هو في حقيقته شر.

فكم من أمر ظن صاحبه أن فيه خيرًا عظيمًا، فكان فيه هلاكه، وكم من أمر ظن صاحبه أن فيه شرًّا، فكان فيه نجاته، وحسبنا قول الله تعالى:
(وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم، وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لَّكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) (البقرة: 216).

قال ابن القيم في ((الفوائد - 247)):
ومن أسرار هذه الآية:
أنها تقتضي من العبد التفويض إلى من يعلم عواقب الأمور، والرضا بما يختاره له ويقضيه له، لما يرجو فيه من حسن العاقبة.

ومنها:
أنه لا يقترح على ربه ولا يختار عليه ولا يسأله ما ليس له به علم، فلعلَّ مضرَّته و هلاكه فيه وهو لا يعلم، فلا يختار على ربه شيئًا بل يسأله حسن الاختيار له، وأن يرضّيه بما يختاره فلا أنفع له من ذلك)).

ما هي الفائدة أو الحكمة أو الجدوى من الاستخارة؟
للاستخارة فوائد عظيمة، ومنافع جمة، هي أعظم من استجابة دعائها، وتلبية طلب صاحبها.

أولى هذه الفوائد:
تحقيق معنى العبادة لله عز وجل، المتضمن الخضوع له، وإظهار الضعف والذل بين يديه، والحاجة واللجوء إليه، واستعطافه، وطلب الخيرة منه، ولو لم يكن فيها إلا هذا.. لكفى بها خيرًا عظيمًا.

وفي هذا تحقيق لتوحيد الألوهية، الذي هو ركن من أركان التوحيد، وشرط من شروط الإيمان.

(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (الذاريات: 56).

فقد كان أهل الجاهلية، يستقسمون (أي: يستخيرون) بالأزلام، فيقعون في الابتداع والشرك فكان هذا الدعاء رداً على المشركين، وتعويضاً للمؤمنين عن أفعال المشركين، بدعاء كله توحيد وعبودية وطلب ممن بيده المطلوب، وافتقار لمغنٍ رحيم.. وسؤال لمعطٍ كريم، بيده خزائن السماوات والأرض، فشتان بين استخارة المشركين بأعواد أو لأحجار ، وبين استخارة القدير العليم المنان، فسبحان من أبدل بالشرك توحيداً، وبالابتداع اتباعاً، وبالعصيان طاعة، وبالتردد والقلق.. اطمئناناً وسكينة، ولا ينال هذا إلا المتبعون الصادقون.

الفائدة الثانية:
تحقيق معنى الإيمان، بأن الله بيده مقاليد الأمور، ويعلم غيب السموات والأرض، ويحب لعبده الخير، ويختار له ما ينفعه، وفي هذا تحقيق لتوحيد الربوبية،  والأسماء والصفات.

قال تعالى:
(وربك يخلق ما يشاء ويختار) (القصص: 68).

وقال تعالى: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) (الأنعام: 59).

قال ابن القيم رحمه الله:
((فتضمن هذا الدعاء، الإقرار بوجوده  سبحانه، والإقرار بربوبيته،  وتفويض الأمر إليه والاستعانة به، والتوكل عليه، والخروج من عهدة نفسه، والتبري من الحول والقوة إلا به، واعتراف العبد بعجزه عن علمه بمصلحة نفسه، وقدرته عليها، وإرادته لها، وأن ذلك كله بيد وليه وفاطره، وإلهه الحق)).

الفائدة الثالثة:
الثقة بالله، والرضى بقضائه بعد الاستخارة وقبلها، والتوكل عليه، وتفويض الأمر إليه، بدل الحيرة والتردد، والقلق الذي يضعف النفس، وينهك البدن، ويولد الهموم، والاطمئنان للنتائج كيف ما كانت، الأمر الذي يقوي النفس، ويطرد الهم، فتنشرح النفوس ويطمئن القلب، وهو مطلب من المطالب العظيمة.

قال ابن القيم في الفوائد (247):
((إذا فوّض (أمره) إلى ربه ورضي بما يختاره له، أمدَّه فيما يختاره له بالقوة عليه والعزيمة والصبر، وصرف عنه الآفات، التي هي عرضة اختيار العبد لنفسه، وأراه من حسن عواقب اختياره له ما لم يكن ليصل إلى بعضه، بما يختاره هو لنفسه.

ومنها:
أنه يريحه من الأفكار المتعبة في أنواع الاختيارات، ويفرغ قلبه من التقديرات والتدبيرات التي يصعد منها في عقبة وينـزل في أخرى، ومع هذا فلا خروج له عما قدر عليه، فلو رضي باختيار الله، أصابه القدر، وهو محمود مشكور ملطوف به فيه، وإلا جرى عليه القدر)).

ففي الاطمئنان والرضى بقضاء الله تعالى، تحقيق عظيم لركن من أركان الإيمان، وأجر عظيم عند الديان، عدا عن أن فيه جلاء للهموم، واطمئناناً للقلوب، وهدوءاً للنفوس.

ومَنْ رُزِقَ الاطمئنان، والرِّضَا بقضاء الله وقدره، فقد رُزِقَ خيراً  كثيراً، وما يشعر بهذا إلا المؤمنون الموقنون.

ولما وثقت أم موسى بالله عز وجل، واطمأنت بقدره، ألقت فلذة كبدها، وسواد عينها في اليم، تتلاطمه الأمواج، ويسوقه الماء إلى أمر يظن الرائي أن لا رؤية له بعد هذا.. فهو أمر يفطّر الأكباد، ويمزق المهج، ويحرق النفوس.. أن تلقي أمٌّ ولدَها -فيما يظهر- إلى التهلكة، ولما أيقن إبراهيم وزوجه هاجر بالله، ورضيا بقضائه، تركها وابنهما وحدهما في الفلاة، لا طعام ولا ماء ولا شجر يستظلانه، وهذه أفعال تحرق النفوس، وتقطع القلوب.. لا يفعلها إلا من اطمأن قلبه بالإيمان ورضي بقضاء الرحمن، ووثق بالله العظيم، والتوكل عليه، ومن ذاق طعم الرضى بقضاء الله وقدره أيًا كان، وكيف كان، استأنس بالمصيبة وصبر عليها، واستوحش القلق والحيرة وأعرض عنهما.

الفائدة الرابعة: توفيق الله لعبده المُستخير:
إذا ما قدر الله للعبد المُستخير التوفيق، ففي ذلك نعمتان...

الأولى:
استجابة الله دعاء عبده، وفي هذا خير عظيم، ودليل على ما عند العبد من صلاح، إن لم يكن استدراجًا.

الثانية:
توفيق الله لعبده في الأمر المُستخار فيه، واختيار الخير له، وتوجيهه وإرشاده إليه، بدل ضياعه وضلاله عنه.

ماذا يفعل العبد بعد الاستخارة؟
أو كيف يعرف نتيجة الاستخارة؟
بعد أن يستخير المُستخير الاستخارة الشرعية، ما عليه إلا أن يعزم على أي أمر يراه، بعد أن يتوكل على الله حق توكله.

قال تعالى:
(ومَن يتوكَّل على الله فهو حَسْبُهُ) (الطلاق: 3).

وقال تعالى:
(فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) (آل عمران: 159).

وأن لا يغفل عن الإخلاص في النية، والصدق مع الله في العمل المُستخار فيه.

قال تعالى:
(فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرًا لهم) (محمد: 21).

فإذا تحقق ذلك  فليفعل ما بدا له، من غير تردد ولا أسف، ولا تلكؤ ولا وجل، سواء انشرح صدره أم لم ينشرح، وسواء كان هذا الانشراح قبل الاستخارة أو بعدها، لأن الأمر لا يتعلق بانشراح الصدر وعدمه، وإنما يتعلق بتيسير الله عز وجل وتوفيقه وتقديره.

فربما انشرح صدره للأمر، والله لا يريده له، فلا ييسره، ولو أقدم عليه.

وربما لم ينشرح صدره للأمر، وأراده الله له، فيقدره وييسره له.

فمناط المسألة أمران:
الأول:
صدق العبد مع الله ويقينه به، وتحقيقه شروط استجابة الاستخارة.

الثاني:
استجابة الله تعالى للعبد في استخارته.

فإذا تم ذلك ؛ فلا يقدم انشراح الصدر وغمته شيئًا ولا يؤخره، ولا يقدِر مخلوق كائنًا من كان أن يمنع خيرًا أراده الله تعالى له، أو يصرف سوءًا قدره الله تعالى عليه.

قال تعالى:
(وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو. وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم) (يونس: 107).

قال العز بن عبد السلام:
((يفعل ما اتفق)).

وبهذا تعرف عدم صواب ما قاله الحافظ في الفتح:
((والمُعتمد أنه لا يفعل ما ينشرح به صدره، مما كان له فيه هوى قوي قبل الاستخارة)).

قلت:
المسألة لا تتعلق بالعبد ولا بهواه، ولا بانشراح صدره وميل نفسه، وإنما هي متعلقة بما يعلمه الله  ويقدره ويقضيه، سواء كان له فيه هوى  أو لم يكن له فيه هوى، وسواء كرهه أو أحبه.

وقد يكون مما قدره الله له، وكان له فيه هوى ومصلحة وخير، فأي مانع من ذلك؟!

ثم إن أراد أن يفعل ما كان له فيه هوى.. ولم يقدره الله فلا ييسره الله له وإن قدره الله فييسره.. فلم تعد هناك فائدة للقول: لا يفعل ما كان له فيه هوى.. وأما حديث أنس الذي فيه.. ((ثم انظر إلى ما يسبق قلبك،  فإن الخير فيه)) فهو ضعيف جدًا، ويأتي تخريجه إن شاء الله تعالى.

ومراحل الاستخارة هي:
الهمُّ بالأمر، ثم الاستخارة ثم التوكل، ثم العمل بما يراه المُستخير، ولا يخدش ذلك أن يشاور، أو يكون قد شاور أهل الرأي.

إذن ما شأن رؤية منام، أو تبييت استخارة، وغير ذلك من الأمور؟

كما أسلفنا في الجواب السابق:
أن الأمر متعلق بتيسير الله عز وجل وتوفيقه، لا بانشراح صدر، ولا بمنام يراه المرء، ولا غير ذلك، مما لم يثبت في السنة النبوية، ولا عن أحد من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا الأئمة الأعلام.

وعلى المستخير أن يمضي فيما يشاء، ولن يمضي إلا فيما قدر له، ((كل ميسر لما خلق له)). ثم هب أنه رأى منامًا، فما يدريه أن هذا المنام من الرحمن، أو من الشيطان، أو من حديث النفس.

قال عليه الصلاة والسلام:
((الرؤيا ثلاثة: فرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه)) الحديث.

وقال -صلى الله عليه وسلم-:
((الرؤيا ثلاثة: منها تهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم، ومنها ما يهمُّ به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة)).

وعلى أي حال، سواء رأى رؤيا أم لم ير، فالأمر فيها كانشراح الصدر وعدمه سواء، فلا تقدم الرؤيا شيئًا، ولا تؤخره، بل ربما كانت من الأسباب التي قدرها الله لما يريد، من التيسير أو الصرف، والله يقدر ما يشاء كما يشاء.

هل يجوز تكرارها في الأمر الواحد؟
النوافل على أنواع:
إما أن تكون محض تعبد كالوتر وركعتي الفجر.
وإما أن تكون تعبدية، ولكنها مناطة بسبب كتحية المسجد.
وإما أن تكون صلاة حاجة، أي: مناطة بحاجة للعبد عند ربه، لكنها مقرونة بدعاء، كصلاة الاستسقاء والاستخارة.


فإن كانت الصلاة عبادة محضة، فلا يجوز تكرارها البتة، كركعتي الفجر والوتر.

وكذلك إن كانت ذات سبب مخصوص، فلا تكرر إلا مع تكرر السبب.

وأما إن كانت ذات حاجة بصفة مخصوصة، فجمهور أهل العلم يجيزون تكرارها، فقد أجاز الأئمة: مالك والشافعي وأحمد وغيرهم -رضي الله عنهم- تكرار صلاة الاستسقاء.

وصلاة الاستخارة أشبه ما تكون بصلاة الاستسقاء، من حيث إنها صلاة حاجة، وُتشابهها من حيث ارتباط الصلاة بالدعاء، وهذا النوع من الصلاة أشبه أن يكون، دعاء بصورة مخصوصة، فإذا انضم إلى هذا المعنى اللغوي للصلاة، استحباب الإكثار من الدعاء ظهر أن الراجح جواز تكرارها.

وقول بعض الإخوة الأفاضل بعدم التكرار، لعدم ورود التكرار، ولأنه دعاء مخصوص عقب صلاة مخصوصة، لا يكفي لمنع تكرارها، لأنه ليس من باب الابتداع في شيء، وإذ لم يكن كذلك، جاز التكرار لانتفاء المانع.

وكذلك صلاة الاستسقاء:
لم يرد ذكر التكرار، وهي دعاء مخصوص، عقب أو قبل صلاة مخصوصة، ومع ذلك أجاز جماهير أهل العلم تكرارها.

كما يُستأنس لتكرارها، بتكرار صلاة الكسوف والخسوف حتى ينجلي الشمس أو القمر، فهي -أي صلاة الكسوف أو الخسوف- صلاة ذات سبب وحاجة وفيها دعاء، فشابهت صلاتي الاستخارة والاستسقاء.

فعن المغيرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل، لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتموهما، فادعوا الله تعالى، وصلوا حتى ينكشف)) رواه البخاري (996) ومسلم (915).

فقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((حتى ينكشف)) فيه دليل واضح على مشروعية تكرار الصلاة حتى يتم الكشف.

واعتراض المانعين -على تكرار الاستخارة- بأنها صلاة ودعاء مخصوص، فالجواب عنه أن: صلاة الاستسقاء كذلك، وما كان جوابهم عن تكرارها، فهو جوابنا عن تكرار صلاة الاستخارة.

ومهما قيل فيها فهي دعاء، والدعاء يستحب تكراره، والإلحاح فيه، سواء كان مخصوصًا أو غير مخصوص.

نعم لو كانت صلاة الاستخارة، مجرد ذات سبب، لقلنا بمنع التكرار، وأما أن تكون صلاة حاجة، فهي أقرب للدعاء منه إلى غيره، لذلك نرجح قول من قال بالتكرار.
والله أعلم.



ثلاث صلوات مهجورة 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 03 أغسطس 2019, 2:16 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

ثلاث صلوات مهجورة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ثلاث صلوات مهجورة   ثلاث صلوات مهجورة Emptyالأربعاء 23 مارس 2011, 9:14 pm

فممن ذهب إلى جواز تكرار الاستخارة، بل استحبابها الحافظ العراقي.


ومال إلى ذلك الشوكاني في النيل فقال:

((قد يستدل للتكرار بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ((إذا دعا دعا ثلاثًا))، الحديث الصحيح، وهذا وإن كان المراد به تكرار الدعاء في الوقت الواحد، فالدعاء الذي تسن الصلاة له تكرر الصلاة له كالاستسقاء)).


وممن يفتي بذلك -من المعاصرين- شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز، وكذلك شيخنا المحدث الألباني، غير أنه قيد التكرار بقيد: (من لم تطمئن نفسه لصلاته الأولى)..


وأما من استدل على التكرار بحديث أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا أنس إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات..)) الحديث، فهو حديث ضعيف جدًا، قد اتفق الحفاظ على تضعيفه. راجع تخريجه في فصل (تخريج الأحاديث الواردة) من هذا الكتاب.


ثم بعد كتابة ما تقدم، وقفت على قول عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه- في صحيح مسلم، بعدما احترقت الكعبة: ((لو كان أحدكم احترق بيته، ما رضي حتى يُجِدَّه، فكيف ببيت ربكم ، إني مستخير ثلاثًا، ثم عازم على أمري)).


فلما وقفت عليه فرحت به، لما فيه من مرجح قوي، لما ذهبت إليه، من ترجيح قول من قال بالتكرار، والله الهادي إلى سبيل الأبرار.


هل لها وقت معين أو مفضل؟

ليس لها وقت معين، ولا مخصوص، بل يؤتى بها في أي وقت كان.


وإن تحرى أوقات استجابة الدعاء، فلا بأس بذلك، لما قدمنا من أن صلاة الاستخارة هي صلاة حاجة ودعاء.


ومن الأوقات المفضلة للدعاء، والتي يرجى فيها القبول:

1ـ وقت ما بين الأذان والإقامة.

لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((الدعاء لا يُرَدُّ بين الأذان والإقامة)).


2 - ساعة نـزول الغيث.

لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء ووقت المطر)). وفي رواية: ((وتحت المطر)).


3 - الثلث الأخير من الليل.

لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((ينـزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: مَنْ يدعوني فأستجيب  له؟ مَنْ يسألني فأعطيه؟ مَنْ يستغفرني فأغفر له؟)).


4 - الساعة الأخيرة من يوم الجمعة.

لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم قائم، يصلي يسأل الله خيرًا إلا أعطاه إياه)).


وجمهور أهل العلم على أنها آخر ساعة، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((التمسوها آخر ساعة بعد العصر)).


وفسرت الصلاة بانتظار الصلاة.


قلت:

ولا يبعد أن تكون الصلاة هنا بمعناها اللغوي، وهو الدعاء، والله أعلم.


5 - في حالة السفر.

لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((ثلاث دعوات مُستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد على ولده، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم)).


6 - ليلة القدر.

لقوله تعالى: (ليلة القدر خير من ألف شهر) (القدر: 3).


وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((التمسوها في العشر الأواخر من رمضان)) رواه البخاري (1917) عن ابن عباس ومسلم (1165) عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-.


هل تجوز صلاة الاستخارة في أوقات النهي؟ وما هي تلك الأوقات؟

الأصل: منع الصلاة النافلة في أوقات النهي، إلا أن العلماء تنازعوا في صلاة ذوات الأسباب، في أوقات النهي.


والصواب الذي عليه المحققون، جواز تلك الصلوات، كتحية المسجد، وسنة الوضوء، وصلاة الاستخارة، وبخاصة إذا ضاق عليه الوقت، أو كان مضطرًا.


وإن تَرَك الاستخارة في تلك الأوقات، كان ذلك أبعد عن مواطن الخلاف، وأرجى للاطمئنان، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: ((دع ما يريبك إلى مالا يريبك)).


وأوقات النهي هي:

ـ من بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وترتفع.

ـ ووقت استوائها في كبد السماء حتى تميل.

ـ وحين تصفر الشمس حتى تغرب.


عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: ((ثلاث ساعات نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا، حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة، وحين تضيَّف للغروب حتى تغرب)).


وعن أبي سعيد -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس)).


هل هناك زمن محدد قبل الأمر المستخار له؟

لا يوجد زمن محدد قبل الأمر المستخار له، وإنما عليه أن يستخير بعد الهم، وتبييت النية، والقصد له، وقبل البدء بالفعل، وذلك لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا هم أحدكم بالأمر)).


فإن شرع في مقصوده،  كأن خطب أو رأى مخطوبته،  ثم تذكر الاستخارة، استحب له ذلك، ما لم يتم الأمر له.


فإن فاتته الاستخارة، فليدع بخير أن يجعل الله تعالى له في الأمر الحاصل خيرًا، وأن يجنبه شره.


هل من دعاء مأثور بعد حصول المطلوب؟

نعم ؛ إذا كان عينًا، كزواج وشراء بيت، وامتلاك دابة، وما شابه ذلك.. فإنه يدعو بما جاء في الحديث..


قال عليه الصلاة والسلام: ((إذا اشترى أحدكم الجارية، فليقل: اللهمَّ إني أسألكَ خيرَها، وخيرَ ما جبلْتها عليه، وأعوذُ بكَ منْ شرِّها، وشرِّ ما جبلتها عليه، وليدعُ بالبركة، وإذا اشترى أحدكمْ بعيرًا، فليأخذ بذروةِ سنامه، وليدعُ بالبركةِ، وليقل مثل ذلك)).


وفي رواية:((إذا تزوج أحدكم امرأة، أو اشترى خادمًا، فليأخذ بناصيتها وليسم الله عز وجل، وليدع بالبركة)).


لذا يسن وضع اليد على مقدمة الشيء، ثم التسمية، والدعاء بالبركة، وبالدعاء المأثور، ثم قس على ذلك، كالسيارة وغيرها.


هل لصلاة الاستخارة قراءة معينة؟

لا.. ليس لصلاة الاستخارة قراءة مخصوصة من القرآن الكريم، وما استحسنه بعض أهل العلم في قراءة بعض السور مردود، لأن  الاستحباب حكم شرعي يحتاج إلى دليل، وهو هاهنا مجرد استحسان بالعقل والرأي يفتقر إلى دليل، ولم يرد شيء من ذلك في السنة النبوية، وخير الهدي هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما ترك خيرًا إلا أرشدنا إليه.


هل دعاء الاستخارة قبل السلام أم بعده؟

دعاء الاستخارة يكون بعد السلام من الركعتين المخصوصتين، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل..))


ففيه إشارتان:

الأولى: ((ليركع ركعتين)) أي ليتم صلاتهما.

الثانية: ((ثم ليقل)) فإن ((ثم)) تفيد التعقيب والتراخي، وفي هذا المقام تفيد الفعل مع المتابعة، وذهب بعض أهل العلم إلى أن الدعاء قبل السلام، لكن ما قدمنا من ظاهر الرواية  يرد عليهم، والله أعلم.


إذا نسي المستخير دعاء الاستخارة عقب الصلاة، ثم تذكر ذلك فماذا يفعل؟

ينبغي أن يكون دعاء الاستخارة عقب الصلاة مباشرة، دونما فاصل، فإن نسي الدعاء وهو ما يزال جالسًا، ما لم ينصرف أو يحدث  فيدعو به، فإن قام وانصرف، فعليه إعادة الركعتين ثم الدعاء بعدها، إن شاء أن يأتي بالاستخارة على وجهها المشروع.


ففي قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((ثم ليقل)) إفادة الترتيب والتعقيب.


كما يستأنس لهذا بما رواه البخاري ومسلم، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة، وتقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه حتى ينصرف أو يحدث)).


قال الشوكاني:

((قوله ((ثم ليقل)) فيه أنه لا يضر تأخر دعاء الاستخارة عن الصلاة ما لم يطل الفصل)).


هل يشرع دعاء الاستخارة بعد صلاة فرض؟

في قوله عليه الصلاة والسلام في حديث الاستخارة ((فليركع ركعتين من غير الفريضة)) دليل على أن الدعاء ينبغي أن يكون بعد صلاة نافلة لا فرض، وإلا لم يتحقق المقصود من سنة الاستخارة.


فإن دعا به بعد فريضة، كان دعاؤه كأي دعاء آخر، ولا يكون والحال هذه قد أتى بسنة الاستخارة على الوجه المشروع، ولم يحقق الاتباع فيها، وإنما يكون قد أتى بدعاء ليس إلا.


هل تشرع الاستخارة في صلاة نفل راتبة، أو ذات سبب؟

لا شك أن إتيان المستخير بصلاة مستقلة، هو الأولى، وهو أدعى للقبول، وأقرب للاستجابة، وأبعد عن الخلاف. غير أن ظاهر الحديث يفيد جواز ذلك.


قال النووي رحمه الله: ((قال العلماء: تُستحب الاستخارة بالصلاة -أي مستقلة- والدعاء المذكور، وتكون الصلاة ركعتين من النافلة، والظاهر أنها تحصل بركعتين من السنن الرواتب، وبتحية المسجد وغيرها من النوافل)).


قلت:

ولكن يشترط عقد نية الاستخارة قبل الشروع بالصلاة، ثم إن الحافظ اعترض على إطلاق النووي فقال: ((كذا أطلق وفيه نظر)).


قلت:

والنظر، أن صلاة النافلة أنواع بحسب سبب مشروعيتها، فإن كانت ذات سبب مجرد، كتحية المسجد وسنة الوضوء، فينوي المستخير بها الاستخارة، فيحصل المقصود من ذات السبب، إذ المقصود من تحية المسجد عدم الجلوس قبل الصلاة، فيحصل هذا بأي صلاة.. سواء كانت صلاة فرض، أو نافلة راتبة، أو ضحى.


وأما جمع الاستخارة مع الرواتب ففي النفس من ذلك شيء.


قال العراقي:

وإن نوى بالراتبة سنة الصلاة وسنة الاستخارة فيحتمل حصولهما، ويحتمل أن لا يحصل للتشريك)).


قلت:

وأما في غير ذلك من النوافل، كالخسوف والاستسقاء، فلا نرى إجزاء ذلك، والله أعلم.


إذا شرع العبد بصلاة، أو انتهى منها، ثم تذكر أن يستخير، فهل يجزئه ذلك؟

الظاهر لمن شرع بالنافلة دون نية الاستخارة، ثم أراد أن يعقد النية وهو في الصلاة، أن هذا لا يجزئه، وعليه إتمام الصلاة، ثم استئناف صلاة جديدة، بنية معقودة للاستخارة، وذلك لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا هم أحدكم بالأمر)) ففيه دلالة واضحة على أن الهم وبالتالي النية لصلاة الاستخارة، إنما تكون قبل الشروع بالصلاة.


قال العراقي:

((إنما  أمَره -صلى الله عليه وسلم- بذلك  بعد حصول الهم بالأمر.. وقد يُقال: إن لم ينو بالركعتين الاستخارة بعدها، لم تحصل سنتها بذلك)).


وكذلك قال الحافظ في الفتح:

((ويبعد الإجزاء لمن عرض له الطلب بعد فراغ الصلاة، لأن ظاهر الخبر أن تقع الصلاة والدعاء بعد وجود إرادة الأمر)).


قلت:

فإن فعل ذلك، وعقد النية بعد الشروع بالصلاة، ثم دعا فلا حرج، إذ على أقل تقدير، تحسب له دعاء.


لكنه لم يأت بسنة الاستخارة على وجهها المشروع، والأكمل.


هل تجزيء الاستخارة بالدعاء دون الصلاة؟

لا شك أن الأكمل أن يأتي المستخير بالصور الشرعية من الصلاة، ثم الدعاء، فإن اضطر العبد، أو ضاق به الوقت، فلم يقدر على أداء الركعتين، جاز له الدعاء بلا صلاة، على اعتباره دعاء.


قال النووي:

((ولو تعذرت عليه الصلاة استخار بالدعاء)).


ويكون الدعاء والحال هذه كأي دعاء حاجة آخر، حتى ولو كان الدعاء دعاء مخصوصًا بصلاة، فقد استسقى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدعاء دون صلاة، والمسنون الصلاة والدعاء.


وينبغي للمسلم دائمًا، أن يأتي بالعبادة على وجهها الأكمل، وذلك بعدًا عن الخلاف والريبة، وأدعى لاستجابة الدعاء، وقبول العبادة.


وقد تكون ((الحكمة في تقديم الصلاة على الدعاء، أن المراد بالاستخارة، حصول الجمع بين خيري الدنيا والآخرة، فيحتاج إلى قرع باب الملك، ولا شيء لذلك أنجع ولا أنجح من الصلاة، لما فيها من تعظيم الله، والثناء عليه، والافتقار إليه، مآلاً وحالاً)).


هل يجب الالتزام بنص الدعاء؟

نعم، يجب الالتزام بنص الدعاء المخصوص، ودعاء الاستخارة دعاء مخصوص.


ففي الصحيحين: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علَّم البراء بن عازب -رضي الله عنه- دعاء الإيواء إلى الفراش، وفيه: ((آمنت بكتابك الذي أنـزلت، وبنبيك الذي أرسلت))، فلما أعاد البراء الدعاء للاستذكار، قال ((.. وبرسولك الذي أرسلت))، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((لا، وبنبيك الذي أرسلت)).


فدل هذا:

على وجوب الالتزام بنص الدعاء في الأدعية المخصوصة، والله أعلم.


قال النووي:

((فإن ألفاظ الأذكار يحافظ على الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-)).


هل يلقن الدعاء من لا يحفظه أو يقرأه من كتاب.؟

لا نرى مانعًا من تلقين الدعاء من لا يحفظه، ليدعو به، أو قراءته من ورقة أو كتاب، لقوله تعالى (لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها) [البقرة  286).


وقوله:

(فاتقوا الله ما استطعتم) (التغابن 16).


وعلى المسلم، القادر على حفظ الدعاء، أن يحفظه لما في حفظه من خير عظيم، إذ قلما يمر بالمسلم زمن، إلا ويعرض له عارض، أو يهم بأمر، فيستخير بذلك ربه من حفظه.


فربما كان في سفر، أو مكان، وليس بين يديه الدعاء، وهو مُقْدِمُ على أمر عظيم، فيخسر استخارة خالقه، ومن إلى الخير يرشده.


هل يُسَنُّ رفع اليدين في دعاء الاستخارة؟

الأصل في الأدعية، رفع الأيدي إلا ما ثبت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- عدم الرفع فيه وذلك لعموم الأدلة.


مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله حيى كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين))


هل يختم دعاء الاستخارة بشيء، أو يقدم بين يديه شيئاً من الحمدلة، أو الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-؟

أفاد شيخنا العلامة ابن باز، جواز ذلك، فيقدم المستخير بين يدي الدعاء، الحمد والثناء على الله تعالى بما هو أهله، ويختم بالصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وذلك لعموم الأدلة، التي تفيد تقديم الحمد والثناء على الله قبل الدعاء، وختمه بالصلاة والسلام على النبي -صلى الله عليه وسلم-.


وأبى ذلك شيخنا العلامة الألباني، فمنع ذلك، وذلك لأن دعاء الاستخارة دعاء مخصوص، على صورة مخصوصة، لا ينبغي للمسلم أن يضيف عليه شيئًا، تقديمًا كان ذلك أو ختمًا، والذي تميل إليه النفس، عدم إضافة شيء من ذلك، وذلك دفعًا للريبة، وخشية الوقوع في الابتداع، وخوفًا من التقديم بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وحرصًا على التمسك بنص الدعاء، والله أعلم.


هل تشرع الاستخارة لأمرين في صلاة واحدة، ودعاء واحد؟

إن كان هذان الأمران مرتبطين، ومتعلقاً كل واحد منهما بالآخر، فلا شك في جواز ذلك وشرعيته.


كالزواج من فلانة مع قيمة المهر، و كالشراكة مع فلان مع قيمة المبلغ المشارك فيه، وكالسفر إلى بلد مع نوع الوسيلة.


ومثاله أن يقول:

((اللهم إن كنت تعلم أن في سفري  إلى بلاد كذا وكذا بالسيارة خير لي في ديني..)).


مثال آخر:

((اللهم إن كنت تعلم أن  شراكتي مع زيد، وبمبلغ كذا، خير لي في ديني)).


وأما إن كان الأمران مفترقين، ولا يتعلق أحدهما بالآخر، فقد أفتى شيخنا العلامة ابن باز، بجواز ذلك، وقال: لانرى مانعًا. وأبى ذلك شيخنا العلامة الألباني، وقال: لا نرى ذلك، ولعل دليله: قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا هم أحدكم بالأمر..)).


والذي تميل إليه النفس، ويطمئن إليه القلب، أن يكون لكل أمر استخارة خاصة به، فإن كان مضطرًا، أو لا يكفيه الوقت، فأرجو أن لا يكون بذلك بأس إن شاء الله تعالى، فإن فعله بلا عذر، فأرجو أن يجزئه، وقد ترك الأفضل والأكمل، والله أعلم.


إذا كان القلب مائلاً إلى الشيء قبل الاستخارة، فهل يستخير المرء؟

وما فائدة الاستخارة والحال هذه؟

نعم يستخير المسلم، سواء كان قلبه مائلاً إلى الشيء المستخار له، أو لم يكن مائلاً إليه.


لأن الاستخارة هي طلب التيسير من الله لهذا الأمر، أو صرفه عنه بعلمه وقدرته، فييسرها بأسباب، ويصرفها بأخرى، سواء أدركنا هذه  الأسباب، أم لم ندركها.


وليست الاستخارة لانشراح الصدر أو عدمه، وهذا أمر ما يزال غامضًا عندكثير من المسلمين.


وفائدة ذلك واضحة:

وهي أن الإنسان ربما ينشرح صدره للشيء، ويظن أن فيه الخير كله، وليس فيه إلا مضرته، والعكس صحيح، لأن الإنسان طبع على إدراك ظاهر الأمور، وخفي عليه غيبها، ولذلك شرع الله عز وجل له هذه الاستخارة، لييسر له من الخير ما لم يعلمه، ويصرف عنه من الشر ما لم يعلمه، ثم يهبه الرضى والاطمئنان بما قدّره، إن كان مؤمنًا صادقًا، مهما كان هذا الأمر في ظاهره لا يرضيه.


هل يوفق المستخير يقيناً؟

لا شك أن الاستخارة بمنـزلة الدعاء، ومن الأدعية ما يستجاب، ومنها مالا يستجاب.


وقد تكون عدم الاستجابة لمانع من المستخير، كما سبقت الإشارة إليه، فعلى المسلم تجنب موانع استجابة الدعاء، والإلتزام بأحكام الدعاء وآدابه، كيما يستجيب الله دعاءك، ويسّهل لك أمرك، فقد يكون الأمر المستخار فيه، مرتبطًا بك، لا ينفك عنك طوال عمرك، فتخسر التوفيق والسداد.


وقد تكون عدم الاستجابة، لأمر يريده الله سبحانه في تكفير ذنوب أو ابتلاء، فما على العبد العاقل، إلا الصبر والرضى بقضاء الله في جميع الأحوال.


قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:

((ما من على الأرض مسلم يدعو بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم…)) الحديث.


هل يمكن للمستخير أن يعرف أنه وفق أم لا؟

كثيرٌ من الناس يشْكون: إنهم استخاروا ولكن.!


وغفلوا عن أن التوفيق الأكبر، والنعمة العظمى هي: توفيق الله لعبده، بقيامه بهذه الاستخارة، التي فيها ما ذكرنا من الفوائد التعبدية، والرضا بقدر الله تعالى، والتسليم لقضائه، وبخاصة بعد الاستخارة، وعدم الاستكانة للتفكير والهم، وكثرة التردد، الذي يعطل قدرة العبد، ويسلمها للأوهام المهلكة، والعجز المقعد، وهذا من أعظم التوفيق، وأكبر من تحصيل العبد لمصلحة دنيوية، أو منفعة شخصية.


أما فيما يخص الأمر المستخار فيه نفسه: فحقيقة الأمر لا يمكن معرفتها.


وذلك لأن العبد قد يظن أنه لم يوفق، بناء على ظاهر الأمر، ولكن حقيقته قد تكون التوفيق كله، لأن نظر الإنسان غالبًا ما يكون قاصرًا على الأمور الظاهرة، غافلاً عن حقيقة الأمر وغيبه، قال تعالى (يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا) (الروم 7].


فليس كل عطاء يكون ظاهره خيرًا يكون في باطنه كذلك، وليس كل حرمان هو شرًا في حقيقته.


قال ابن القيم في الفوائد (174):

((وكذلك الأب الشفيق على ولده العالم بمصلحته، إذا رأى مصلحته في إخراج الدم الفاسد عنه، بَضَعَ جلده  وقطع عروقه، وأذاقه الألم الشديد، وإن رأى شفاءه في قطع عضو من أعضائه أبانه عنه ، كلُّ ذلك رحمةً به وشفقة عليه، وإن رأى مصلحته في أن يمسك عنه العطاء لم يُعْطِهِ ولم يوسع عليه، لعلمِهِ أن ذلك أكبر الأسباب إلى فساده وهلاكه، وكذلك يمنعه كثيرًا من شهواته، حمية له، ومصلحة لا بخلاً عليه.


فأحكم الحاكمين وأرحم الراحمين وأعلم العالمين، الذي هو أرحم بعباده منهم بأنفسهم، ومن آبائهم وأمهاتهم، إذا أنـزل بهم ما يكرهون كان خيرًا لهم من أن لا ينـزله بهم، نظرًا منه لهم، وإحسانًا إليهم، ولطفًا بهم، ولو مكنوا من الاختيار لأنفسهم لَعَجزوا عن القيام بمصالحهم، علمًا وإرادة وعملاً، لكنه سبحانه تولى تدبير أمورهم، بموجب علمه وحكمته ورحمته، أحبوا أم كرهوا، فعرف ذلك الموقنون بأسمائه وصفاته، فلم يتهموه في شيء من أحكامه، وخفي ذلك على الجهال به وبأسمائه وصفاته، فنازعوه تدبيره، وقدحوا في حكمته، ولم ينقادوا لحكمه، وعارضوا حكمه بعقولهم الفاسدة ، وآرائهم الباطلة، وسياساتهم الجائرة، فلا لربهم عرفوا، ولا لمصالحهم حَصَّلوا، والله الموفق.


ومتى ظفر العبدُ بهذه المعرفة، سكن في الدنيا قبل الآخرة في جنة لا يشبه نعيمها إلا نعيم جنة الآخرة، فإنه لا يزال راضيًا عن ربه، والرضا جنة الدنيا، ومستراح العارفين، فإنه طَيِّبُ النفس بما يجري عليها من المقادير، التي هي عين اختيار الله له، وطمأنينتها إلى أحكامه الدينية، وهذا هو الرضا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولاً -صلى الله عليه وسلم- ، وما ذاق طعم الإيمان من لم يحصل له ذلك)).


قال تعالى:

{وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) [البقرة: 216].


وقال تعالى:

(ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض) (الشورى: 27).


فقد يستخير المرء لتجارة، ثم يخسر فيها، فيظن أنه لم يوفق، ولربما لو لم يستخر، لكان هناك مشكلات أكثر، ومصائب أعظم، فصرف الله عنه تلك التي لم يعلمها، وقدر له ما ظهر له من الخسارة.


وقد يستخير العبد لزواج، ثم يظهر له أنه لم يوفق فيه، بل ربما يطلق، أو تُطلَّق، رغم الاستخارة.


ولربما لولم يستخر، أو تستخر، لكان هناك من البلايا والرزايا ما دفعها الله عز وجل بفضله ورحمته، أن استجاب دعاء الاستخارة.


قال ابن الجوزي:

((فإياك أن تسأل شيئاً إلا وتقرنه بسؤال الخيرة، فرب مطلوب من الدنيا كان حصوله سبباً للهلاك، وإذا كنت قد أمرت بالمشاروة في أمور الدنيا لجليسك، ليبين لك في بعض الآراء ما يعجز رأيك وترى أن ما وقع لك لا يصلح، فكيف لا تسأل الخير ربك وهو أعلم بالمصالح، والاستخارة من حسن المشاورة)).


ويحكى أن رجلا استخار في تجارة، فخسر ماله، فاستغرب ذلك، فقيل له: إن في مالك حرامًا أذهبه الله عنك باستخارتك له، عوضًا عن محاسبتك به يوم القيامة.


ويحكى أن رجلاً طلب الجهاد، فلم يوفق له، فحزن حزنًا شديدًا فقيل له: لو أنك جاهدت لأسرت، ولو أسرت لكفرت.


ويحكى أن امرأة استخارت في زواج، وبعد الزواج طُلقت، فاستنكرت ذلك، فقيل لها: لو لم تستخيري لتزوجت رجلاً كان سببًا في وقوعك في الفواحش، أو قتل نفسك.


قال ابن القيم في الفوائد (172):

((وكذلك يكره المرأة لوصف من أوصافها، وله في إمساكها خير كثير لا يعرفه، ويحب المرأة لوصف من أوصافها، وله في إمساكها شرٌّ كثير لا يعرفه، فالإنسان كما وصفه خالقه ظَلومٌ جهولٌ، فلا ينبغي أن يجعل المعيار على ما يضرّه وينفعه ميله وحبًّه ونَفْرته وبُغضه، بل المعيار على ذلك ما اختاره الله له بأمره ونهيه. فأنفعُ الأشياء له على الإطلاق طاعة ربه بظاهره وباطنه، وأضرُّ الأشياء عليه على الإطلاق معصيته بظاهره وباطنه)).


واحذر يا عبد الله من القنوط من رحمة الله، واليأس من استجابة الدعاء، وعدم الرضا بقضاء الله، فإنه ينافي كمال التوحيد، ويخدش تمام الإيمان.


وإياك أن تستبطئ الإجابة، فتقول: دعوت فلم يستجب لي، فلا يستجاب إذن لك، لأنه اعتراض على قدرة الله، وتقديم بين يديه سبحانه، وقد سبق الحديث ((يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت ربي فلم يستجب لي)).


وربما كان له في ذلك تكفير لذنوبه، وتطهير لنفسه، وفي هذا من الخير مالا يعلمه إلا الله سبحانه.


خلاصة الأمر:

أن الأمر لا يعرف حقيقته إلا الله تعالى، وأن تدبير الخالق لخلقه خير لهم من تدبيرهم لأنفسهم، وتقديره خير لهم من ظنهم، وعلى العبد إحسان الظن بالله تعالى، وصدق اليقين به، والتسليم لأحكامه، وتوطين النفس على الصبر على قدره، والرضا بقضائه، وأنه سبحانه، لا يقدر لعبده المؤمن إلا الخير، فإن بلغ هذه الدرجة من  الإيمان، كان أنفع له من كل غرض دنيوي، ومقصد مادي.


فعن صهيب -رضي الله عنه- قال:

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له)).


وعن أنس -رضي الله عنه- قال:

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عجبت للمؤمن، إن الله تعالى لم يقض له قضاءً إلا كان خيرًا له)).


قال ابن الجوزي:

((فإذا جاء إبليس فقال: كم تدعوه ولا ترى إجابة؟ فقل: أنا أتعبد بالدعاء، وأنا موقن أن الجواب حاصل، غير أنه ربما كان تأخيره لبعض المصالح علي مناسب، ولو لم يحصل حصل التعبد والذل))  الذي هو أعظم منفعة، من تحقيق الغرض الدنيوي.


وليس هناك من محظور، إذا ما شعر العبد أن دعاءه لا يستجاب، وأن أعماله لا توفق، أن يراجع أعماله، ويحاسب نفسه، ويستقيم في دينه، ويكثر من طاعة ربه، بل هذا هو الخليق بالمؤمن، والجدير به، فقد يكون هناك موانع لاستجابة الدعاء، يفعلها العبد من غير علم أو  قصد، كأن يكون غافلاً عن ربه، ضعيف اليقين به، أو يكون في طعامه حرام، وفي دخله شبهة،  أو لظلم يفعله، أو لذنب يرتكبه، فليراجع العبد نفسه، وليتفقد أحواله، فإن في ذلك خيرًا عظيمًا، لنفسه و عاقبته، فإن المعاصي سد في بلوغ الأرب، والغفلة حجاب أمام استجابة الدعاء والطلب.


قال ابن الجوزي:

((فإذا تبت ودعوت ولم تر للإجابة أثراً فتفقد أمرك، فربما كانت التوبة ما صحت، فصححها ثم ادع ولا تمل من الدعاء، فربما كانت المصلحة في تأخير الإجابة، وربما لم تكن المصلحة في الإجابة، فأنت تثاب وتجاب إلى منافعك، ومن منافعك أن لا تعطى ما طلبت بل تعوض غيره)).


فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم، ما لم  يستعجل، قيل يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء)).


هل يستشير المستخير أحدًا.. ومتى؟

وما فائدة الاستشارة مع الاستخارة؟

نعم يستشير المستخير من علم منهم صلاحًا، وسدادًا في الرأي ونصحًا، وسواء كانت الاستشارة قبل الاستخارة، أم بعدها، فلا فرق، وقديمًا قيل: ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار. فالاستخارة لله، والاستشارة للعباد.


والاستخارة عمل إيماني، والاستشارة عمل سببي، ولا تعارض بينهما، تماماً كالتوكل على الله عز وجل بالقلب، ومباشرة الأسباب بالجوارح، التي خلقها الله عز وجل للوصول إلى الغايات، وهذا هو المشروع في دين الإسلام، أما ترك الأسباب، فهو التواكل الذي يأباه الإسلام، وأما الاعتماد عليها دون الله عز وجل، فهو المسمى بشرك بالأسباب.


قال تعالى:

(وشاورهم في الأمر فإذا عزمت  فتوكل على الله إن الله يحب  المتوكلين) (آل عمران: 159).


فجمع الله تعالى -في آية واحدة- بين اتخاذ الأسباب، وهي المشورة، ووجوب التوكل على الله تعالى، الذي هو عمل إيماني، وصفة كمال من صفات المؤمنين.


وهذا من فضل الله علينا، في عظمة هذا الإسلام، أن جمع بين الإيمان والعمل، ووازن بين الروح والمادة.


وفي الحديث المشهور:

أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن دابته أيعقلها ويتوكل؟ أو يطْلقها ويتوكل؟


فكان هذا الجواب الكامل، والكلم الجامع، والبيان الرائع: ((اعقلها وتوكل)).


وكان من سيرته -صلى الله عليه وسلم- مشاورة أصحابه، بل ونسائه  أحيانًا، فشاورهم في أحد، وشاورهم في الخندق، وشاورهم في أسارى بدر، وفي كثير من الأمور.


وأثر عن سلفنا الصالح قولهم للعاطلين عن العمل:

((إن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة)).


والناس في الاستشارة:

كما قال معن بن زائدة: ((إنما نعيش بعقل غيرنا)).


وقال بعضهم: الناس ثلاثة:

فواحد كالغذاء لا يُستغنى عنه.

وواحد: كالدواء، يحتاج إليه في بعض الأوقات.

وواحد: كالداء لا يحتاج إليه أبدًا.


هل هناك طرق للاستخارة غير هذا؟

لا يوجد طريقة شرعية للاستخارة غير ما ذكرنا، من الصلاة والدعاء.


إذن ما حكم هذه الاستخارات التي يفعلها الناس؟

ما يفعله كثير من الناس غير الاستخارة الشرعية، إنما هو من محدثات الأمور، عدا عن أنها كانت سببًا في الإِعراض عن الاستخارة الشرعية، وقمين أن لا يستجاب لصاحبها إلا أن يشاء الله تعالى، الأمر الذي يؤدي به إلى ضعف إيمانه، وشكه في قدرة ربه، وسوء ظنه بالله سبحانه.


قال -صلى الله عليه وسلم-: ((إياكم ومحدثات الأمور)).


وصدق ابن عباس:

((ما من بدعة تحيا إلا وسُنَّةٌ تموت)).



ثلاث صلوات مهجورة 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 03 أغسطس 2019, 2:47 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

ثلاث صلوات مهجورة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ثلاث صلوات مهجورة   ثلاث صلوات مهجورة Emptyالأربعاء 23 مارس 2011, 9:23 pm

ومن الاستخارات البدعية:

1 - فتح المصحف، فإن وقف على آية عذاب لم يفعل، وإن وقف على آية رحمة فعل.

2 - ومنهم من يذهب إلى شيخ ليُبيّت له استخارة، فيخبره الشيخ في اليوم التالي، بما يفعل أو يذر، بناء على منام يراه، أو رأي ارتآه، أو تدجيل دجّله.

3 - ومنهم من يستخير بالسبحة ((المسبحة)) فإن كان نهاية عده وترًا (فردًا) مضى في فعله، وإن كان نهاية عده شفعًا (زوجًا) لم يفعل، أو عكس ذلك.

ومنهم من يستخير بقطف وريقات الزهرة وهو يقول: أفعل.. لا أفعل، فإن انتهت آخر وريقة مع (أفعل) فعل، وإذا انتهت مع (لا أفعل) ترك!

4 - ومنهم من يستخير بالألوان والطيور، والأصوات، والكلمات، أو الأمكنة، والأزمنة والأيام.

وغير ذلك من الاستخارات البدعية التي ما أنـزل الله بها من سلطان.

5 - وأعظم من هذا كله أن يستخير المسلم عند الكهان، والسحرة والعرافين.


واعلم أن كل صفة من صفات الاستخارة غير الصفة المشروعة إنما هي بدعة محدثة محرمة.


قال تعالى: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) (الشورى: 21).


واحذر -يا عبد الله- أن تشرع لنفسك ما لم يأذن الله به، أو يفعله رسول الله، فتفسد عملك، وتبطل أجرك.


واعلم أن أخطر هذه الأنواع الأخيران منها.


أما الرابع: فإنه ضرب من ضروب التشاؤم، الذي هو باب من أبواب الشرك والعياذ بالله، وهو تعليق المستخير أمره بغير الله، وبغير قضاء الله وقدره، وهو عمل من أعمال الشرك والشيطان، الذي كان يتعاطاه أهل الجاهلية الأولى دينًا لهم.


قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس منا من تَطَيّر أو تُطيِّر له، أو تَكهَّن أو تُكهِّن له، أو َسحر أو ُسحر له)).


وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((الطِيرَةُ شرك)).


أي: التشاؤم شرك وهو تعليق الأحداث بغير الله كالألوان والطيور وما شابه ذلك.


وقال ((من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك)).


وأما الأخير منها، وهو الاستخارة بالعرافة والتكهن، فهو شرك بالله العظيم، وكفر بشرعه القويم، فالغيب لا يعلمه إلا الله، ومن ادعى علم الغيب لنفسه، أو لغيره، ارتد عن الإسلام يستتاب و إلا قتل.


فإنه بفعله هذا، قد حادَّ الله تعالى، وزعم -افتراءً وكذبًا- أن أحدًا من خلقه يشاركه في علم الغيب.


قال -صلى الله عليه وسلم- ((من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنـزل على محمد)).


وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)).


وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول، أو أتى امرأة حائضًا، أو أتى امرأة في دبرها، فقد كفر بما أنـزل على محمد)).


فسارع يا عبد الله إلى التوبة والإنابة، فإن صدق هؤلاء الكهنة والعرافون مرة، فقد كذبوا مائة مرة.


واعلم -رحمك الله- أن بعض صور الاستخارة عند بعض الناس كالأزلام التي كان يتعاطاها أهل الجاهلية، والتي هي ضرب من ضروب الاستخارة التي حرمها الإسلام أشد تحريم، وقرنها الله تعالى مع الخمر والقمار فقال: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) (المائدة: 90).


هل تشرع الاستخارة عن الغير؟

كنت أعرضت عن ذكر هذا السؤال والجواب عنه، وذلك لأن الإجابة تحتاج إلى اجتهاد… ثم عزمت على الإجابة لإلحاح الإخوة على ذلك…


فأقول:

الأصل أن لا تشرع الاستخارة عن الغير لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا هم أحدكم)) فالأمر منوط بصاحبه: لكن؛ إذا كان العمل مشتركاً، أو للمرء علاقة - ولو بعيدة - به، كزواج ابن أو ابنة، أو كان الأمر - يخص من هو دون التكليف، كإجراء عملية جراحية لطفل أو سفره، أو ما يتعلق بأموره، فالراجح مشروعيتها في مثل هذه الأحوال، وذلك لأن الأمر وإن كان خاصاً بغيره كالطفل، لكن له علاقة كبيرة بالوالد، إذ أن فشل العملية يعني بالضرورة زيادة مشاق على الوالد.. وكذلك فشل الابن في الزواج، يسبب مشكلات للوالد.. وهكذا ؛ فإن أصبت فمن الله وحده، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.. والله وحده ولي التوفيق.


تحقيق الأحاديث التي وردت في الاستخارة

الحديث الأول:

((من سعادة ابن آدم استخارته لله، ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله، ومن شقوة ابن آدم تركه استخارة الله، ومن شقوة ابن آدم سخطه بما قضى الله عز وجل)).


ـ قلت الحديث حسن لغبره.


رواه أحمد (1/ 168) والترمذي (2151) والحاكم (1/ 518) والبزار (1177 - 1178) والخطيب في (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع) (1714) وابن عساكر (16/ 232/ 1) والبيهقي في الشعب (203) والذهبي في تذكرة الحفاظ 3 / 1170 / (1024) - وعزاه في الترغيب للأصبهاني وأبي الشيخ بن حيان في الثواب - كلهم من طريق محمد بن أبي حميد عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:… فذكره.


قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ في الفتح، وكذا الألوسي، وليس الأمر كذلك، فإن فيه محمدًا بن أبي حميد، قال الذهبي نفسه ((ضعفوه))، وقال ابن عدي ((ضعفه بيّن على ما يرويه، وحديثه مقارب، وهو مع ضعفه يكتب حديثه))، أي للاستشهاد والمتابعة.

قلت: وقد تابع محمد بن أبي حميد عبد الرحمن بن أبي بكر.


قال البزار: ((رواه عن إسماعيل محمد بن أبي حميد وعبد الرحمن بن أبي بكر، فأما حديث عبد الرحمن بن أبي بكر فحدثناه محمد بن المثنى قال نا عمر بن علي قال نا عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الله رجل من قريش عن إسماعيل بن محمد..)) ثم ذكر الحديث، بإسناده ثم قال: وعبد الرحمن بن أبي بكر هذا لين الحديث)).


وقد رواه من هذه الطريق أيضًا اللالكائي في (اعتقاد أهل السنة) (1103) وأبو يعلى (701).


وعبد الرحمن هذا: هو ابن عبيد الله بن أبي مليكة، ضعفوه، وقال ابن عدي: ((هو في جملة من يكتب حديثه)) أي للمتابعة.


فالحديث يرتقي بهذه المتابعة إلى درجة الحسن لولا أن الراوي عن عبد الرحمن عمر بن علي بن عطاء بن مقدم - يدلس تدليسًا شديدًا، قال ابن سعد: ((كان ثقة، وكان يدلس تدليساً شديدًا، يقول: سمعت وحدثنا ثم يسكت فيقول: هشام بن عروة والأعمش)) وقال أبو حاتم: ((محله الصدق، ولولا تدليسه لحكمنا له إذا جاء بزيادة، غير أنا نخاف أن يكون أخذه عن غير ثقة)) ا هـ


قلت:

ومما يؤيد كلام هذين الإمامين هنا: أنه قد جاء في إسناد أبي يعلى: ((.. حدثنا عمر بن علي بن عطاء بن مقدم عن عبد الرحمن…)) فعنعنه، بل وأصرح منه في التدليس المذكور ما جاء في إسناد اللالكائي: ((… ثنا عمرو بن علي قال: ثنا عمر بن علي بن مقدم قال: عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبيد الله يذكر عن إسماعيل بن محمد...)).


ولذلك لا تصلح هذه الطريق لتقوية الطريق الأولى لكن للحديث طريق ثالثة، أخرجها الشاشي في مسنده (185) من طريق عبد الله بن يعقوب المدني نا عتيق بن يعقوب بن أبي فديك عن سعد بن أبي وقاص (كذا) عن أبيه عن سعد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-…)) ولكن هذا الإسناد لا يعتمد عليه إذ جاء في المخطوط فوق كل كلمتين من الإسناد ضبَّة كما نبه على ذلك محققه، وهذا يعني أن في الإسناد إشكالاً ما.


وعبد الله بن يعقوب: مجهول الحال، كما في التقريب.


قال ابن القطان: ((عبد الله بن يعقوب المدني: أجهدت نفسي في معرفته فلم أجد أحدًا ذكره)) نصب الراية 3/17 قال البزار: لا نعلمه بهذا اللفظ إلا عن سعد، ولا رواه عنه إلا ابنه محمد.


قلت:

وللحديث شاهد من طريق عبد الرحمن بن أبي بكر عن عامر بن سعد.


أخرجه البزار (1097) قال: حدثنا محمد بن السكن نا عمران بن أبان الواسطي نا عبد الرحمن بن أبي بكر عن محمد بن المنكدر عن عامر بن سعد عن سعد قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-… وذكر نحوه.


وعبد الرحمن بن أبي بكر ضعيف كما سبق.


وعمران بن أبان ضعيف أيضًا كما في التقريب.


و محمد بن السكن لعله محمد بن سُكين مؤذن بني شقرة، الراوي عن عبيد الله بن بكير، ترجمه العقيلي في الضعفاء (4 /80 –81) وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (7 / 283) وقال: سمعت أبي يقول: هو مجهول. ا هـ وترجمه الذهبي في الميزان (567) وقال: لا يعرف وذكره ابن حبان في الثقات وقال روى عنه أهل العراق.


وانظر لسان الميزان (5 / 181) والمغني (2 / 586).


فبهذا يكون مدار الحديث على ثلاثة محمد بن أبي حميد وهو ضعيف، وعبد الرحمن بن أبي بكر وهو ضعيف، ومحمد بن إسماعيل بن مسلم وهو صدوق.


فهذه ثلاثة طرق يعضد بعضها بعضًا.


وأما عمر بن علي المديني: فقد توبع من عمران بن أبان، فالحديث يقارب الحسن والله أعلم.


والحديث ضعفه شيخنا في ضعيف الترغيب والضعيفة (1906) من الطريق الأولى فقط، ولم يتعرض لبقية الطرق!


تنبيه:

1 - عزا المنذري في الترغيب (1/ 479) والهيثمي في المجمع (2/ 284) الحديث لأبي يعلى وضعفاه بمحمد بن أبي حميد! وقد علمت أنه رواه من غير طريقه!

2 - لم يعز المنذري لأحمد وأبي يعلى إلا الجملة الأولى، والحديث عندهما بتمامه، فجلّ من لا يسهو.


الحديث الثاني:

((ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا عال من اقتصد)).

ـ الحديث ضعيف جدًّا.


رواه الطبراني في الأوسط (6627) والصغير (2 / 175) والقضاعي (2 /7) من طريق عبد القدوس بن عبد السلام بن عبد القدوس عن أبيه عن جده عن الحسن عن أنس مرفوعاً.


وعبد القدوس الحفيد: متهم، قاله ابن حبان.


وعبد القدوس الجد: كان يضع الحديث على الثقات، لا يحل كتابة حديثه، قاله ابن حبان أيضًا.


ولذلك حكم شيخنا الألباني في السلسلة (611) بوضعه، ومن قبله الحافظ في الفتح (11 / 184) قال: إسناده واه جدًّا.


ثم وقفت على طريق آخر، عند الخطيب في تاريخه (3 / 54) من غير طريق هذا الكذاب، ولكنها لا تفيد شيئًا ففيها مجاهيل.


الحديث الثالث:

((اللهم خر لي واختر لي))

- ضعيف.


رواه الترمذي (5 / 535) رقم (3511) وضعفه، والمروزي في سنن أبي بكر رقم (44)، وابن السني في عمل اليوم والليلة برقم (597)، وأبو يعلى (1 / 46)، وابن عدي (3 / 236)، كلهم من طريق زنفل على وزن أحمد.


قال في التقريب: ضعيف، ولذا ضعف الحديث في الفتح.


الحديث الرابع:

((اكتم الخطبة، ثم توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلِّ ما كتب الله لك، ثم احمد ربك ومجِّده ثم قل: اللهم إنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، و أنت علام الغيوب، فإن رأيت لي في فلانة - سمِّها باسمها - خيرًا في دنياي وآخرتي فاقض لي بها، أوقال: فاقدر ها لي)).

ضعيف:


أخرجه أحمد (23644، 23645) وابن خزيمة (1220) وابن حبان من طريقه (4040) والحاكم (1181، 2698) والبيهقي (7 / 147) والطبراني (3901) وفي الدعاء (1307) كلهم من طريق ابن وهب: أخبرني حيوة بن شريح عن الوليد بن أبي الوليد أن أيوب بن خالد بن أبي أيوب حدثه عن أبيه عن جده أبي أيوب الأنصاري مرفوعاً به.


قال شيخنا الألباني رحمه الله:

((خالد بن أيوب: أورده ابن أبي حاتم (1 / 2/ 322) بهذا السند، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلا،ً فهو مجهول العين، وأما ابن حبان فوثقه (4 / 198)!


وابنه أيوب بن خالد: قال الحافظ ((فيه لين))، والوليد بن أبي الوليد - وهو أبو عثمان المدني - وثقه أبو زرعة كما في ((الجرح والتعديل)) (4 / 2 / 20) وقال الحافظ (لين الحديث))) ا هـ من الضعيفة 6/409


وبوجود هؤلاء الرواة الثلاثة تعلم صواب تضعيف شيخنا الألباني للحديث، وأن قول الحافظ في الفتوحات الربانية (3/246): ((هذا حديث حسن من هذا الوجه)) ليس بحسن، وكذلك تصحيح الحاكم وموافقة الذهبي له، والله أعلم.


الحديث الخامس:

ضعيف جدًا


((يا أنس إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات، ثم انظر إلى الذي يسبق إلى قلبك، فإن الخير فيه)).


رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة (598) والديلمي في الفردوس (8451) من طريق إبراهيم بن البراء بن النضر بن أنس بن مالك ثنا أبي عن أبيه عن جده قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:… فذكره.


قال المناري في فيض القدير 1/ 450:

((وفيه إبراهيم بن البراء، قال الذهبي في الضعفاء: اتهموه بالوضع، عن أبيه، وهو ضعيف)) وقال النووي في الأذكار: ((إسناده غريب فيه من لم أعرفهم)) وقال ابن حجر في الفتح  - بعد عزوه لابن السني -: ((هذا الحديث لو ثبت كان هو المعتمد لكن إسناده واهٍ جدًا)) ا هـ


قلت:

وقال العراقي: ((الحديث ساقط لاحجة فيه)).


وقال السيوطي في ((تحفة الأبرار)) (37 / أ - ب) تعقيبًا على قول النووي: هم معروفون لكن فيهم من هو معروف بالضعف الشديد، وهو إبراهيم بن البراء، فقد ذكره في الضعفاء ابن عدي وابن حبان وغيرهم، وقالوا إنه كان يحدث بالبواطل عن الثقات، زاد ابن حبان: لا يحل ذكره إلا سبيل القدح، قال الحافظ ابن حجر: والراوي عنه في هذا السند عبيد الله بن الموصيل الحميري، لم أقف له على ترجمة، والراوي عنه عبيد الله أبو العباس بن قتيبة اسمه محمد بن الحسن وهو ابن أخي بكار بن قتيبة قاضي مصر، وكان ثقة، أكثر عنه ابن حبان في صحيحه)). ا هـ. فالحديث ضعيف جدًا، والله أعلم.


الخلاصـة:

إذا هم العبد بأمر، أو عرض له عارض من أمور الدنيا، أو نوى مستحبًا أو واجبًا مخيرًا فيها، أو تعارض عنده واجبان، أو مستحبان، أيهما يفعل، أو أيهما يقدم، فيصلي ركعتين بنية الاستخارة لهذا الأمر، ثم يدعو بعد الصلاة بالدعاء المذكور.


((اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر (ثم يسميه) خير لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري ، عاجله وآجله، فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه. وإن كنت تعلم أن هذا الأمر (يذكر الأمر ويسميه)شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، عاجله وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به)).


ثم يشاور من عرف منهم صلاح الدين، وسداد الرأي، ثم يعزم على أي وجه شاء، من غير نظر إلى انشراح صدر، أو ضيق نفس أو رؤية منام ، ثم يتوكل على الله حق توكله، ثم يفعل ما بدا له أن يفعله، ثم يرضى بما قُدر له، مهما كان هذا المقدر في ظاهره لا يرضيه، فلربما إن لم يستخر، كانت المصائب أعظم، والرزايا أكبر، وعلى الله قصد السبيل، وهو الهادي سواءه، إنه نعم المستخار، ونعم المستعان، ونعم النصير. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


الصلاة الثانية

صـلاة التـوبة

بين يدي الصلاة

لما كان العبد ضعيف الإرادة.. ((وخلق الإنسان ضعيفاً))، كثير الغفلة.. تنتابه شرور الشياطين.. و يتصف أحيانًا بأخلاق الملائكة المطهرين.. تارة يكبو حتى تراه كأنه شيطان، لا يعرف حرامًا ولاحلالا.. يهيم على وجهه في الظلمات.. ينطلق مستجيبًا لغرائزه.. عابداً لشهواته.. ينقض على المعصية انقضاض الوحش الكاسر على فريسته، لا يرعى حرمة ولا عرضًا، ولا خلقًا ولا شرفًا، كأن لا رب يراقبه، ولا خالق سيحاسبه، ولا عذاب أمامه، قد أمن مكر الله وعقابه.


(أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) (الأعراف: 99).


فما أجهل هذا الإنسان وما أغفله ؟ (وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً) (الأحزاب: 72).


وتارة يصحو.. حتى يخيل إليك أنه من الملائكة المقربين، يحافظ على صلاته، يداوم على طاعة ربه، يفرق بين حلاله وحرامه، يحسب ألف حساب، (ليوم تشخص فيه الأبصار، مهطعين مقنعي رؤوسهم لايرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء) (إبراهيم: 43).


كيف لا يحسب لهذا اليوم ألف حساب، ولا يرتعد من هوله عند ذكره.. ففيه يقرّن المجرمون بالأصفاد… وثيابهم قد قطعت من نار، وفصلت من قطران، وتغطيهم النار من كل مكان.


ولما كان الله سبحانه رحيمًا بعباده، رؤوفًا بخلقه، مطلعًا على أفعالهم، عالمًا بضعفهم، وزلات أنفسهم (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) (الملك: 14) يحب لهم الاستقامة والرشاد، ويكره لهم العوج والفساد.


(يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم) الآية (النساء: 26).


لذلك شرع لهم طريق الإنابة إذا ما اعْوجُّوا.. وفتح لهم باب التوبة، إذا ما أذنبوا، يغسلون بها خطاياهم.. وينظفون بها آثامهم، فيكفر الله بها ذنوبهم.. ويمحوا بها سيئاتهم.


فما أرحمه من رب.. وما أكرمه من خالق.


(يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحًا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم…) الآية (التحريم: 2).


فسارع -يا عبد الله- إلى التوبة، وبادر إلى الإنابة.


فالبقاء على المعصية مهلكة.. والإصرار عليها بريد الفجور، وجهل عظيم بالله سبحانه.. واستهانة بأوامره.


(والذين إذا فعلوا فاحشة أوظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله، ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) (آل عمران: 135).


ومن أدرك عظمة الله تعالى، واستحقاقه للطاعة حق الإدراك، وكان إيمانه كاملاً ما عصاه أبدًا، (وهو القاهر فوق عباده) الآية (الأنعام: 18).


(وما قدروا الله حق قدره، والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه)الآية (الزمر الآية: 67).


ومن استشعر قدرة الله النافذة، وبصره المطلع على كل شيء، وسمعه الذي يسمع كل شيء، وعلمه الذي أحاط بكل شيء، ما عصى عبد ربه أبدًا.


(وهو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم. هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينـزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير) (الحديد: 3-4).


وما أحسن ما قال الشاعر:

يا من يرى مد البعوض جناحها

في ظلمة الليل البهيم الأليل

ويرى مناط عروقها في نحرها

والمخ في تلك العظام النُّحَّل

ويرى ذنوب عباده في ظلمة

من فوق عرش المليك الأول

أمنن علي بتوبة تمحو بها

ما كان مني في الزمان الأول


ولو أدرك العبد ما أعد الله عز وجل للعصاة من العذاب الأليم، والشقاء المستديم، ما أذنب عبد أبدًا.


قال تعالى: (يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مسّ سقر) (القمر: 48).


وقال سبحانه:

(يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثًا) (النساء: 42).


وقال: (وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران، وتغشى وجوههم النار، ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب) (إبراهيم: 49).


فمن ذا الذي يقوى على تحمل هذه النار التلظى.


وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ناركم هذه التي توقد بنو آدم، جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم)).


فسارع يا عبد الله إلى التوبة.. قبل أن لا تنفعك توبتك، أو تفاجئك منيتك، فتعض أصابع الندامة، ولا تنفع وقتئذ ندامة.


قال تعالى: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليمًا حكيمًا) (النساء: 17)

فأدرك نفسك قبل أن يحضرك الموت فتقول: (رب ارجعون لعلي أعمل صالحًا فيما تركت).


فيقال: (كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) (المؤمنون: 99 - 100).


(أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين. أو تقول: لو أن الله هداني لكنت من المتقين. أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين. بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين. ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين. وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولاهم يحزنون) (الزمر: 56 - 60).


فهيا يا عبد الله: شمر عن ساعد التوبة، وترفع عن الذنب، فما هي إلا أيام.. وإذا بك بين يدي مولاك.


(قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يومًا أو بعض يوم فاسأل العادين) (المؤمنون: 112، 113).


بل هي والله ساعات، وإذا بك بين يدي جبار الأرض و السموات.


(كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) (النازعات: 46).


وإن من أعظم الأمور التي تحول دون توبة العبد وإنابته إلى ربه، ما يخيل للعبد، من أن الله عز وجل لا يقبل توبته، ولا يغفر زلته، لكثرة ما تاب وانتكس، ولعظم ما أذنب وارتكس، وهذا وسوسة من وساوس الشيطان، ليصد به المؤمن عن التوبة، ولو علم التائب الصادق في توبته، عظم مغفرة ربه، وشدة فرحه بتوبة عبده، لسارع المذنب إلى التوبة، ولو بلغت ذنوبه عنان السماء، قال تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) (الزمر: 53).


وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:

((لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة)) متفق عليه وفي رواية لمسلم: ((لله أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم، كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح)).


فما عليك -يا عبد الله- إلا أن تُفرح الله بتوبتك، وتسعد نفسك بإنابتها إلى ربها، والمثول بين يدي بارئها.


واعلم - يا عبدالله - أن الله عز وجل يقبل التوبة النصوح من عبده، ولو نقض توبة بعد توبة.. وكرر ذنبًا بعد ذنب، فالسعيد من أسعد نفسه بالتوبة التي لا ذنب بعدها، والشقي من يأس من رحمة ربه، فتمادى في ذنبه، واستمر في غيه.


(إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) (يوسف: 87).


ولو لم يكن للتائبين إلا غفران الذنوب، لكفى به نعمة عظيمة، ومنة كريمة، من رحمن رحيم، كيف وقد وعد الله عز وجل زيادة على العفو والغفران، تبديل السيئات حسنات، ورفع التائبين درجات؟


(يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا، إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحًا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات، وكان الله غفورًا رحيمًا) (الفرقان: 70).


شروط التوبة:

لله الحمد الذي فتح باب توبته على مصراعيه.

لا يرد تائبًا، ولا يصد مستغفرًا.

لم يجعل عليه حاجبًا، يمنع من يشاء، ويقبل من يشاء ، بل يتقبلها بنفسه.


(وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات..) (الشورى: 25).


فسبحانه ما أرحمه بعباده، وما أصبره على خلقه.


يكفرون به ويشتمونه، ومع ذلك يرزقهم ويطعمهم فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (ما أحد أصبر على أذى يسمعه من الله، يدعون له الولد، ثم يعافيهم ويرزقهم) أخرجه البخاري (7378).


يخالفونه ويعصونه، وإذا تاب تائبهم غفر له ما سلف مهما كان، ومهما بلغ.. فلو لم يرحمنا، ويقبل توبتنا لنكونن من الخاسرين، والخسارة الحقيقية ما أخبرنا الله عنها بقوله: (قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة) (الزمر: 15)، ذلك والله هو الخسران المبين.


شروط التوبة:

إن للتوبة شروطاً لابد أن تتحقق حتى تتم:

الإقلاع عن الذنب.

والندم بالقلب.

والعزم على عدم الأوب.

ورد المظالم إلى أهلها فيما يخص حقوق العباد.

وأن يكون في زمن قبول التوبة


فمن عزم على التوبة، وطلب المغفرة، فعليه الإقلاع عن الذنب، وترك معاودته، والندم الصادق على ما بدر منه في حق الله، من انتهاك حرمته، وتجاوز حدوده، وأن يعزم بقلبه على أن لا يعود إليه أبدًا.


أما الإقلاع عن الذنب:

فلقوله تعالى (.. ومن يغفر الذنوب إلا الله ، ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) (آل عمران: 135).


ثم كيف يكون تائباً ، وهو على الذنب ما يزال قائما.


والندم:

تألم القلب عما حصل ، وتحسره مما فعل ، وتمنيه لو لم يكن ما عمل.


فإذا استشعر المذنب بهذا في قلبه، كان في توبته صدق ، وفي ندمه إنابة.


قال -صلى الله عليه وسلم- ((الندم توبة)).


أما العزم على عدم الأوب:

فهو من تمام التوبة ، وصدق صاحبها، فإن كان صادقا في توبته، مستشعرا إثم ذنبه.. عالما بعذاب ربه، لا يفكر بالعود إلى الذنب، بل يكره أن يعود فيه، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ثلاث من كن فيه فقد وجد بهن حلاوة الإيمان.. وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار)).


وكذلك يجب على التائب من الذنوب أن يكره أن يعود إلى الذنب، كما يكره أن يعذبه الله لأجله في النار.


وإن كان الذنب يتعلق بالعباد، فعليه أن يرد المظلمة إلى أهلها، إن كانت مظلمة مادية، كأكل مال، أو اغتصاب حق، فإن لم يقدر، فعليه أن يتصدق بقيمته، ويكثر من الاستغفار لصاحبه، أو يطلب عفوهم.


وإن كانت المظلمة معنوية، كالغيبة والنميمة، وما شابه ذلك، فعليه: أن يطلب صفحهم، فإن لم يقدر على ذلك، أو كان إخبارهم يؤدي إلى مفسدة أكبر، فليكثر من الاستغفار والدعاء لهم.


وأما زمن قبول التوبة:

فهو زمنان: زمن خاص وزمن عام..


أما الزمن الخاص:

فقبل أن تبلغ الروح الحلقوم، قال تعالى (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) (المؤمنون: 99 ، 100).


وقال تعالى: (حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين. آلآن وقد عصيت وكنت من المفسدين. فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون) (يونس: 90-92).


وقال -صلى الله عليه وسلم- (إن الله تعالى يقبل توبة العبد مالم يغرغر) رواه أحمد 3/425 والترمذي (3537) وابن ماجه (4253) عن ابن عمر وحسنه شيخنا الألباني في صحيح الجامع.


وأما الزمن العام:

فقبل أن تطلع الشمس من مغربها، قال تعالى (يوم لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً) (الأنعام: 158).


وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين (لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً)) رواه البخاري (6506) ومسلم (157) عن أبي هريرة رضي الله عنه.


المُعينات على التوبة:

لابد للراغب في التوبة من معينات تقلعه من ذنبه، وتدفعه للتوبة إلى ربه، حتى لا يستوحش الطريق بعد ترك الذنب، ولا ينتابه الحنين بالعود.


المُعين الأول:

مصاحبة خشية الله، واللجوء إليه، واستشعار محبته، فإن ذلك يدفع إلى الطاعات، وينفر من المعصية.


المُعين الثاني:

الأنس بالله، واطمئنان القلب بذلك، ويتحقق ذلك بالإكثار من ذكره، باللسان المتواطئ مع القلب.


(الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ، ألا بذكر الله تطمأن القلوب) (الرعد: 28).


المُعين الثالث:

العلم.


إن زيادة العلم بالله وكتابه وسنة رسوله وسيرة الأنبياء، ومسلك الصالحين، يزيد الإيمان، ويطرد الشيطان، ويعين على الإنابة إلى الرحمن، وكلما ازداد المرء علما ازداد خشية، قال تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء) (فاطر: 28).


المُعين الرابع: استحضار عذاب الله ونعيمه.


إن من استحضر عذاب الله وانتقامه ممن خالفه، واحتسب الأجر عنده لمن تاب إليه وأطاعه، ارتقى في سلم الطاعات، وتنـزه عن دركات القاذورات.


(اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم) (المائدة: 98) وقال سبحانه (إن أخذه أليم شديد) (هود: 102) وقال سبحانه: (غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول) (غافر: 3).


ومن لم يتعظ بهذه الآية، فبأي آية بعدها يتعظ؟!

فقد استفتحها الله بالغفران، وثناها بالقبول، وثلثها بأنه شديد العقاب..


(والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد) (الزمر: 17).


المُعين الخامس:

الإكثار من الطاعات والأعمال الصالحة.


إن من أخطر ما يوسوس به الشيطان للمذنب: كيف تعبد الله وأنت عاص...؟!


فدع الطاعة كي لا تكون منافقا، ويريد الشيطان بذلك أن يترك المذنب العبادة، ويستمر في ذنبه، لكي يقسو حينئذ قلبه، وقد لا يرجى بعد ذلك توبة.


وأما إذا استمر على الطاعات، وأقبل على الأعمال الصالحات، فيرجى له الخير ولو كان مذنباً، فكم من عمل خير كفَّر ذنباً، وكم من عبادة طهرت قلباً، وكم من آية أو حديث أحدث توبة..


قال تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات) (هود: 114).


وقال سبحانه: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) (العنكبوت: 69).


وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحُها، وخالق الناس بخلق حسن)).


فحذار ثم حذار؛ أن تترك الطاعة، لأن عندك ذنباً.


المُعين السادس:

الصحبة الصالحة


من أعظم المعينات على الهداية، والثبات على الحق الصالحون.


وقد مضى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- (الجليس الصالح..)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يُخالل)).


وقد قال بعض العلماء: لقد أصاب كلب أصحاب الكهف خيراً، لصحبته الصالحين.


المُعين السابع:

استحضار عواقب الذنوب في الدنيا والآخرة، وثمار التوبة والإنابة.


قال تعالى (مَن يعمل سوءاً يُجز به..) (النساء: 123).


فلما نـزلت هذه الآية اشتد ذلك على المسلمين، حتى قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: كيف الصلاح بعد هذه الآية.. فكل سوء عملناه جزينا به))؟!


وفي رواية قال: ((ما أشد هذه الآية!)).


وكان جواب النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((المصائب والأمراض والأحزان في الدنيا جزاء)).


فمن الناس من يكفر ذنبه في الدنيا بالابتلاء والمصائب، ومنهم من تؤخر عقوبته إلى الآخرة، ومنهم من يعذب في الدنيا والآخرة.


قال تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره. ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) (الزلزلة: 7).


ثلاث لابد منها للتائب... وثلاث يحذر منها الآيب.
أما الثلاث الأولى التي ينبغي على التائب فعلها والمسارعة إليها كيما يقبل الله توبته، ويغفر زلته فهي:

ـ صلاة التوبة.

ـ الإكثار من الاستغفار.

ـ الإسراع في الطاعات، والإكثار من الصالحات.


أما صلاة التوبة..

 فهي عربون توبتك، ومفتاح خيرك، ومغلاق ذنبك، وكفارة خطيئتك.


أما الإكثار من الاستغفار، فقال تعالى:

(فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا) (نوح: 10).


وقال سبحانه: (ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا) (النساء: 110).


وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحب أن تسره صحيفته، فليكثر فيها من الاستغفار)).


ورأى ابن عمر بن عبد العزيز أباه عمر في المنام بعد موته، فقال: أي أعمالك خير؟ قال: ما رأيت خيرًا من الاستغفار.


أما فعل الصالحات.. فلقوله تعالى:

(وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى) (طه: 82).


وقال سبحانه: (.. ومن يفعل ذلك يلق أثاماً. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً. إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً) (الفرقان: 70).


فقد علق الله تعالى الغفران بالتوبة والإيمان والعمل الصالح.


وأما الثلاث التي يجب على المسلم المنيب اجتنابها:

فهي: التفكير بالذنب.

وارتياد مكان المعصية.

وصحبة قرناء السوء، وأصدقاء الشر.


فالتفكير في الذنب ولو مجرد التفكير فيه، يهون الذنب، ويمهد الإثم.


وهو باب واسع من أبواب الشيطان، إذ يعمد المسلم إلى التفكير في الذنب، معتقدًا أن لا إثم عليه، لأنه لم يتحدث ولم يفعل. غير أن الاسترسال في التصور، والاستمرار في التفكير، يجعل الذنب سهلاً، والمعصية مألوفة.


أما ارتياد مكان المعصية، فكم كان منـزلقًا لها، وفخًا لصاحبها.

وكم من امرئ ارتاد ساحة المعصية، وهو عازم على أن لا يأتيها، فاستُدرج من حيث لا يشعر، فسقط في هواها، وتلطخ بفسادها، فأنى له أن ينجو إلا بحبل من الله، ثم انقطاع عن هذه البيئة الفاسدة.


قال عليه الصلاة والسلام:

((كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه)).


فدل هذا الحديث أن الاقتراب من المكان يسهل دخوله، فمن اقترب من أماكن الخير سهل عليه دخولها، ومن اقترب من أماكن الشر سهل عليه ولوجها..


قال -صلى الله عليه وسلم- ((تحولوا عن المكان الذي أصابكم فيه الغفلة)).


وأما صحبة قرناء السوء:

فهي مفتاح الشر، ومغلاق الخير، وما رأيت أفسد لدين الرجل، ولا أسرع في الرذيلة من صاحب السوء، يستدرجك في المعصية استدراجًا، ويجرك إليها جرًا عجيبًا.. فهو يسهل لك طرقها.. ويمهد لك سُبلها، حتى إذا ما سقطت في مهاويها، ودعك تتخبط في ظلامها.. وتتيه في عجاجها، وقد أنشبت فيك أظفارها.. وعشعش في قلبك حبها، فلا تفارقك إلا بفضل من الله، وتوبة نصوح، تغادر معها مكان المعصية، وتفارق قرناء السوء، قال تعالى (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره. وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) (الأنعام: 68).


وقد أرشدنا إلى ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك ؛ إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير ؛ إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا منتنة)) متفق عليه. (يحذيك): يعطيك.



ثلاث صلوات مهجورة 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 03 أغسطس 2019, 6:11 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

ثلاث صلوات مهجورة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ثلاث صلوات مهجورة   ثلاث صلوات مهجورة Emptyالأربعاء 23 مارس 2011, 9:49 pm

كيفية صلاة التوبة

إذا أذنب العبد ذنبًا، فليبادر إلى الوضوء فيسبغه، ثم يقبل على صلاة ركعتين فيحسنها، ويخشع فيها ويتّبع، تكن كفارة لذنبه، وطهارة لنفسه.


عن علي رضي الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه حدثه:

أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ما من عبد يذنب ذنبًا فيحسن الطهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله، إلا غفر له))، ثم قرأ هذه الآية: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) (آل عمران: 135).


وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال:

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يُحدِث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه)).


فهذان الحديثان: يشترطان لقبول صلاة التوبة شرطين: الأول:

إحسان الوضوء وإسباغه، وأن يكون موافقًا لوضوء الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وفي هذا إشارة عظيمة، إلى طلب العلم، لمعرفة كيفية وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لتحقيق الاتباع، الذي هو ركن في كل عمل، وشرط من شروط قبوله.


الثاني:

أن تكون الركعتان خالصتين لله تعالى، وأن لا يحدِّث فيهما نفسه، ولا يسمح للشيطان أن يوسوس له فيهما، ولا يخطر بباله شيء يسترسل فيه في صلاته، غير ما هو فيه من شغل وعبادة، وإقبال على ربه وتوبة.


موعظـة وذكرى:

حدث المزني -أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى- قال: دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه فقلت: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت من الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقًا، ولكأس المنية شاربًا، وعلى الله جلَّ ذكره واردًا، ولا والله ما أدري روحي تصير إلى الجنة أم إلى النار؟


ثم بكى وأنشأ يقول:

إليك إله الخلق أرفـع رغبتي

وإن كنتُ يا ذا المنِّ والجود مجرمًا

ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي

جعلتُ الرجا مني لعفوك سلما

تعاظمني ذنبي فلما قرنته

بعفوك ربي كان عفوك أعظما

فما زلتَ ذا عفو عن الذنب لم تزل

تجود وتعفو منة وتكرما

عسى من له الإحسان يغفر زلتي

ويستـر أوزاري وما قد تقدمـا

تعاظمني ذنبــي فأقبلـت خاشعًا

ولولا الرضا ما كنتُ يا رب منعَما

فـإن تعف عني تعف عن متمرد

ظلوم غشـوم لا يزايـل مأثمـا

فجرمي عظيم من قديم وحادثٍ

وعفوك يأتي العبدَ أعلى وأجسما

ومن يعتصم بالله يسلم من الورى

ومن يرجه هيهات أن يتندمـا


(وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما تفعلون) (الشورى: 25).
فاللهم اقبل توبتنا، واعف عن زلتنا، وتقبل منا صالح عملنا، إنك أهل ذلك والقادر عليه.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


الصلاة الثالثة

صـلاة التسـابيح

صـلاة الغفـران


قال العلامة عبد العزيز بن أبي رواد: ((من أراد الجنة فعليه بصلاة التسابيح)).


صلاة التسابيح وأقوال بعض أهل العلم فيها:

تنوعت أقوال العلماء الكرام، في تسمية هذه الصلاة المباركة.


فمنهم مَنْ سمَّاها: صلاة التسابيح.

وآخرون سمّوها: صلاة التوبة.

وطائفة أخرى دعوها: صلاة الغفران.


وأيّما كانت التسمية، فهي ذات مدلول واحد، وغاية واحدة.


ألا وهي:

صلاة عظيمة لتكفير الذنوب.. وغفران الخطايا والآثام..


وهي:

غسل لمن أراد الاغتسال.. ومفازة لمن أراد النجاة..


قال العلامة عبد العزيز بن أبي روّاد:

((من أراد الجنة فعليه بصلاة التسابيح)).


وقال أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الحيري:

((ما رأيت للشدائد والغموم مثل صلاة التسابيح)).


وقال السبكي:

((وإنما أطلت في هذا لإنكار النووي لها، واعتماد أهل العصر عليه، فخشيت أن يغتروا بذلك، فينبغي الحرص عليها، وأما من يسمع عظيم الثواب الوارد فيها، ثم يتغافل عنها، فما هو إلا متهاون في الدين، غير مكترث بأعمال الصالحين، لا ينبغي أن يعد من أهل العزم في شيء، نسأل الله السلامة)).


قال ابن عابدين:

((وحديثها حسن لكثرة طرقه، ووهم من زعم وضعه، وفيها ثواب لا يتناهى، ومن ثَمّ قال بعض المحققين: ((لا يسمع بعظيم فضلها ويتركها إلا متهاون بالدين)).


وقال الحافظ ابن حجر في ((أماليه)):

((كان عبد الله بن المبارك يصليها، ويتداولها الصالحون بعضهم عن بعض، وفي هذا تقوية للحديث، وأقدم من روي عن فعله أبو الجوزاء: أوس بن عبد الله البصري… وقد نصّ على استحبابها أئمة الطريقين، من الشافعية كالشيخ أبي حامد، والمحاملي، والجويني، وولده إمام الحرمين، والغزالي، والقاضي حسين، والبغوي، والمتولي، وزاهر بن أحمد الرضي، والرافعي في الروضة)) -ثم ذكر إقرار الإمام أحمد لها- ثم خطّأ من وضَّعها، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى تضعيف حديثها، وبدعية صلاتها، وسيأتي الرد عليهم مفصّلًا.


كيفية الصلاة

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للعباس: ((يا عباس! يا عماه! ألا أعطيك؟ ألا أمنحك؟ ألا أحبوك؟ ألا أفعل بك؟ عشر خصال؛ إذا أنت فعلت ذلك: غفر الله ذنبك، أوَّله وآخره، قديمه، وحديثه، خطأه وعمدَه، صغيره وكبيرَه، سرَّه وعلانيتَه؟ عشر خصال: أن تصلي أربع ركعات: تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة -وأنت قائم- قلت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، خمس عشرة مرة، ثم تركع، فتقولها -وأنت راكع- عشراً، ثم ترفع رأسك من الركوع، فتقولها عشراً، ثم تهوي ساجدًا، فتقولها -وأنت ساجد- عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود، فتقولها عشراً، ثم تسجد، فتقولها عشراً، ثم ترفع رأسك، فتقولها عشراً، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، تفعل ذلك أربع ركعات، فلو كانت ذنوبك مثل زبد البحر، أو رمل عالج، غفرها الله لك، إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تفعل، ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل، ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل، ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل، ففي عمرك مرَّة)).


فهل مِن واصل..؟ فتصله بربه.. وهل من مغتسل! فتغسله من ذنوبه.


وهل من مكروب؟ فتفرج عنه بإذن ربه كربه.


إنها غسل لمن أراد الاغتسال!! وطهر لمن أراد الطهارة!!


وهي درس من دروس الصبر… ومنحة من رؤوف كريم… وإرشاد من رسول رحيم.


وهي مِنّة من رب.. وهدية من محب.. فهل تُرد منحة المليك..؟! وتُعاد هدية المحبوب..؟!


فما لنا عنها إذن معرضين..؟! وعن أدائها متكاسلين..؟!


والكريم يغفر بها الذنب كله، أوله وآخره.. قديمه وحديثه.. خطأه.. وعمده.. صغيره.. وكبيره.. فهل بعد هذا الفضل من فضل..؟ وهل بعد هذا الكرم من كرم..؟


فسارع يا عبد الله إلى كرم الكريم، وفضل المنان.. وشمِّر لها ساعد الجد، وادخل بها في جنة الرحمن.


فالمقربون الحازمون.. لا تفوتهم في اليوم مرة.. والمحسنون العابدون.. لا تفوتهم في الأسبوع مرة.. والمؤمنون المتقون.. لا تفوتهم في الشهر مرة.


ولا يلهينك عنها الشيطان بالدنيا والتسويف.. فما أهلك الناس شيء مثل التسويف.. تقول: سوف أفعل.. سوف أفعل.


كم يمر الزمان.. وتمضي الأيام.. وينقضي الشباب.. ويعجز المرء.. وهو يقول: سوف.. سوف.


ولا يصدنك عنها تضعيف المضعفين، فقد وردت عن أحد عشر صحابيًا، وصححها أكثر من ثلاثين عالماً، وفعلها الكثير من سفلنا الصالح.


هل لصلاة التسبيح أحكام خاصة بها؟

تتبعت أقوال أهل العلم في أحكامها، وأدلتهم على ذلك، مثل: هل لها وقت مفضل؟

هل لها قراءة من القرآن مخصوصة؟ هل هي بتسليمة أو بتسليمتين؟

أي: هل تصلى ركعتين ركعتين - أم أربعًا متصلة؟

هل لها دعاء مخصوص يُدعا به بعد التشهد؟ إلى غير ذلك من الأحكام.


أقول:

تتبعت ذلك فلم أعثر لهم إلا على اجتهادات فردية، ليس لها دليل من كتاب أو سنة، ولذلك: فإن هذه الصلاة: تصلى أربع ركعات متصلة، بجلوسين وبتسليمة واحدة أخيرة، حسب ما ورد في نص الحديث، وفي كل ركعة خمس وسبعون تسبيحة، وليس لها وقت مفضل، ولا قراءة مخصوصة، بل يقرأ فيها بما تيسر، ويؤتى بها في أي وقت كان، وإن سها في عدد التسبيحات فيبني على اليقين، أو على غلبة الظن، وقيل: يعيد الركن الذي سها فيه مع التسبيحات، وقيل يعيد الركعة كلها، وقيل يسجد للسهو ويسبح في سجوده عدد التسبيحات التي سها عنها، ولعل الأخير هو الأقرب للصواب، والله أعلم.


فضل الذكر والتسبيح المجرد عن الصلاة:

إن لذكر الله أثراً بالغاً في تربية المسلم وتزكيته، فهو يطهر النفس من الدنس.. ويرطب اللسان من الفحش.. ويحسن الخلق.. ويجلو القلب من الصدأ، فيزيل همه، ويكشف غمه.. وينفس كربه.. وهو غذاء القلوب.. وقوت النفوس.. وشفاء لها من الأمراض الحسية.. والأدواء النفسية، وبه تعلو الهمم.. وتُشحذ العزائم.. وينتصر على الأعداء.. وهو قربة للرحمن.. وطارد لوسوسة الشيطان.. يحط الله به الخطايا.. ويرفع به الرزايا.. مع ما لصاحبه من الأجر العظيم.. والتوفيق السديد..


قال تعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (الرعد: 28)، وقال سبحانه: (والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا) (الأحزاب: 35).


قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:

((ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوّكم، فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى، قال ذكر الله)).


وقال -صلى الله عليه وسلم-:

((أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة: يسبح الله مائة تسبيحة، فيكتب الله له بها ألف حسنة، أو يحط عنه بها ألف خطيئة))، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لتساقط من ذنوب العبد كما تساقط ورق هذه الشجرة)).


وفي رواية:

((تنفض الخطايا كما تنفض الشجرة ورقها)).


وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:

((من قال: ((سبحان الله وبحمده)) في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)).


قلت:

فإذا كان هذا هو فضل الذكر والتسبيح المجرد عن الصلاة، فكيف إذا جمعا إلى الصلاة..؟! فقد جمع نور على نور.. وأجر على أجر.. ولهذا كان لصلاة التسبيح هذا الشأن العظيم، والأجر الجزيل.


دليلها:

وردت صلاة التسابيح عن أكثر من عشرة من الصحابة -رضوان الله عنهم أجمعين-.


ونذكر هاهنا ثلاثة طرق لها، ومن أراد التفصيل فليراجع الدراسات الحديثية الملحقة بهذا الكتاب.

أولاً: حديث عبد الله بن عباس:

روي عنه من طرق كثيرة، أهمها: ما رواه أبو داود (1297)، وابن ماجه (1387)، والحاكم (1 / 308) وغيرهم من طريق: موسى بن عبد العزيز، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس به وهذا سند حسن. فـموسى بن عبد العزيز، قال ابن معين و النسائي عنه: لا بأس به. وتُكلم فيه من حيث حفظه، ولذا قال الحافظ في التقريب ((صدوق سيء الحفظ)). والحكم بن أبان: اتفق الجمهور على توثيقه، منهم الأئمة: ابن معين وابن المديني وأحمد بن حنبل، وحسبك بهم. وعكرمة: تابعي جليل، ثقة معروف، وكان مولى لابن عباس.


ثانياً: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص:

ورد حديث عبد الله بن عمرو من طرق عن أبي الجوزاء به.

الأولى:

عن مسلم بن إبراهيم، عن المستمر بن الريان، عن أبي الجوزاء، عن عبد الله بن عمرو به. رواه أبو داود (2 / 30).

ورجاله كلهم ثقات عدول.


والثانية:

عن محمد بن سفيان، عن حبان بن هلال، عن مهدي بن ميمون، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا، أخرجه أبو داود (2 / 30)، والبيهقي (3 / 52). وهذا سند رجاله كلهم ثقات إلا محمد بن سفيان، فإنه صدوق.


ثالثًا: حديث الأنصاري:

أخرجه أبو داود (1299)، ومن طريقه البيهقي (3 / 52). ثنا أبو توبة، ثنا محمد بن مهاجر، عن عروة بن رويم، قال: حدثني الأنصاري -فذكر الحديث، وهذا سند رجاله رجال الشيخين غير عروة وهو ثقة. والأنصاري: صحابي. فهذا -إذن- سند صحيح، ومن قبله سندان عن عبد الله بن عمرو، أحدهما: صحيح، والآخر حسن. ومن قبلهما حديث ابن عباس مقارب للحسن في أقل أحواله. فهذه ثلاثة أسانيد يحتج بواحد منها لو انفرد في رواية الصلاة فكيف وقد وردت من عشرة طرق. ومازلت متعجبًا -بعد هذا- ممن ذهب إلى تضعيف هذه الصلاة، ممن لم يبحث المسألة بحثًا مستفيضاً، ولم يتتبع أسانيدها وطرقها، واكتفى بتقليد من ضعفها، رغم أن الأكثر والأعلم من أئمة الحديث والفقه، قد صححها وصلاّها كثير من أئمة الإسلام.


وممن كان يصليها:

أبو الجوزاء وهو تابعي عابد مشهور، وعبد الله بن المبارك الإمام العظيم، والمجاهد الكبير، وغيرهم.


ومِمَّنْ صحَّحها أو حسَّنها:

أحمد بن حنبل، وأبو داود، والحاكم، وأبو موسى المديني، والخطيب البغدادي، وابن الصلاح، و البغوي، والمنذري، والنووي في ((تهذيب الأسماء واللغات)) و ((الأذكار))، وابن حجر العسقلاني، والسيوطي، وأخيرًا محدث زماننا شيخنا الألباني غفر الله لهم جميعًا.


ودعوى بعضهم:

أنها مخالفة لهيئة الصلاة، دعوى غير صحيحة عند التأمل، فهي تمامًا كالصلوات الأخَر، غير أن فيها زيادة تسبيح وتحميد، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة: ((إنما هو التسبيح والتكبير)) فأي شيء فيها مخالف..؟!! قالوا: جلسة الاستراحة. قلت: أقل ما يقال في جلسة الاستراحة: أنها مختلف فيها، والصواب أنها سنة، لثبوتها في حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه في صحيح البخاري وغيره، فمثل هذا لا يكون البتة شبهة لإبطال ثابت.


ثم هل إذا خالفت هيئةُ صلاة صلاة أخرى بطلت إحداهما.؟ أين هذا التأصيل من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وقد خالفت صلاة الكسوف الصلوات فهل تبطل؟!؟


قالوا:

لا يعقل أن يكون بهذه الصلاة - وهي عمل قليل - هذا الأجر العظيم، والغفران الكبير!


قلت:

أتحجير لرحمة الله، وتضييق لغفرانه، وتحكيم للعقل في النصوص الثابتة؟؟!! ألم يغفر لعاهرة -وليس لزانية فحسب- لأنها سقت كلبًا.. ألم يدخل رجل الجنة لإزاحته عودًا من طريق المسلمين!؟ أيليق بطالب علم فضلاً عن عالم أن يرد النصوص بمثل هذه الدعاوى.؟ أليس في هذا فتح باب للعقلانيين الذين يردون النصوص بالعقل.؟ إن هذا ليس بمسلك المتبعين.


ومن أحب التوسع فيراجع الأصل، حيث فصّلنا فيه القول، ورددنا ما أثير حولها من شبهات، والله الموفق لكل خير، وصلّ اللهم على محمد وعلى آله و صحبه وسلم.


بيان صحة صلاة التسابيح مع دراسة حديثية لأسانيدها

قال الحافظ في ((نتائج الأفكار)):

((وردت صلاة التسابيح من حديث عبد الله بن عباس، وأخيه الفضل، وأبيهما العباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وأبي رافع، وعلي بن أبي طالب، وأخيه جعفر، وابنه عبدالله بن جعفر، وأم سلمة، والأنصاري غير مسمى، وقد قيل إنه جابر)) وقد وردت من طرق: صحيحة، وحسنة، وضعيفة، وإليك أهم هذه الطرق.


أما حديث ابن عباس:

فقد روي عنه أكثر من عشر طرق، نتكلم عن أهمها.


الطريق الأولى:

أخرجها أبو داود (1297)، وابن ماجه (1387)، والحاكم (1 / 318)، والبيهقي (3 / 51)، وابن خزيمة (1216)، والطبراني في ((الكبير)) (11622)، وعزاه الحاكم للنسائي، والعسقلاني للدارقطني، وعزاه في ((نتائج الأفكار)) 2 للحسن بن علي المعمري، وابن شاهين. كلهم من طريق: موسى بن عبد العزيز ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعًا به. وموسى بن عبد العزيز: قال النسائي: لا بأس به، وكذا قال ابن معين، وذكره ابن حبان في ((الثقات))، وقال ابن المديني : ضعيف، وقال السليماني: منكر الحديث. وقال الذهبي في ((الميزان)) (4 / 212): ((ولم يذكره أحد في كتب الضعفاء أبدًا، ولكن ما هو بالحجة.. وحديثه من المنكرات)). واقتصر في ((الكاشف)) على قول النسائي وابن معين: ((لا بأس به)). وختم الحافظُ هذه الأقوال في ((التقريب)) بحكمه: ((صدوق سيء الحفظ)).


قلت:

إذا كان ضعفه في مخالفته لسوء حفظه، فهو هنالم يخالف.


والحكم بن أبان:

وثقه ابن معين والنسائي والعجلي، وذكره ابن حبان في ((الثقات)) وقال: ربما أخطأ. قال يوسف بن يعقوب: سيد أهل اليمن. وقال سفيان بن عيينة: لم أر مثله. وحكى ابن خلفون توثيقه عن ابن نمير وابن المديني وأحمد. قال الذهبي في ((الكاشف)) (1 / 180): ((ثقة)). غير أن الحافظ قال في ((تقريبه)): ((صدوق له أوهام)).


قلت:

مازلت متعجبًا من قول الحافظ هذا، فهو غير ما يفهمه الباحث من توثيق هؤلاء الأعلام له، ولعله أخذه من قول ابن المبارك عن بعض الرواة: (ارم بهؤلاء)، ومنهم الحكم، لكن الجرح مقدم على التوثيق إن كان مفسرًا: وهاهنا قول ابن المبارك غير مفسر، مع كثرة الموثقين، وعلو منـزلتهم.


وأغرب من هذا قول ابن الجوزي:

مجهول!! وهو قول لا يلتفت إليه مع توثيق هؤلاء الأئمة له، وسيأتي الرد على ابن الجوزي مفصلاً إن شاء الله تعالى. وعلى كل حال، فإن حديث مثل هذا مقارب درجة الحسن، وبخاصة إذا انعدم المخالف.


كيف وله متابعات تامة وقاصرة وشواهد منها:

متابعة إبراهيم بن الحكم بن أبان: رواها البيهقي (3 / 52)، والحاكم (1 / 319) عن عكرمة مرسلاً، ورواها الحاكم موصولة (1 / 319)، وعزاها الحافظ في ((نتائج الأفكار)) لإسحاق بن راهويه وإبراهيم هذا: قال في ذيل ((الكاشف)): ضعيف. وكذا قال الحافظ في ((التقريب))، غير أن التحقيق العلمي يقتضي أن يكون ضعيفًا جدًا. وقد جاء من طرق كثيرة، كادت تبلغ مبلغ التواتر، كما ستراه مبيناً في هذا التحقيق إن شاء الله تعالى.


الطريق الثانية عن ابن عباس:

رواه الطبراني في ((الأوسط)) (2900) قال: حدثنا إبراهيم قال: حدثنا محرز بن عون قال: حدثنا يحيى بن عقبة بن أبي العَيزار عن محمد بن جحادة عن أبي الجوزاء قال: قال لي ابن العباس: (يا أبا الجوزاء! ألا أخبرك، ألا أتحفك، ألا أعطيك؟! قلت: بلى، فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من صلّى أربع ركعات..)) ثم ذكر هيئة الصلاة. قال في ((مجمع الزوائد)) (2 / 285): فيه يحيى بن عقبة وهو ضعيف.


قلت:

كنت أريد الإعراض عن هذه الطريق، كما أعرضت عن كل طريق فيها متروك أو متهم؛ فإن يحيى هذا ضعيف جدًا، بل متهم، كما في ((الميزان)) (4 / 397) لولا أن توبع متابعة قاصرة.


الطريق الثالثة عن ابن عباس:

قال أبو داود (2/ 30) رقم (1298): رواه المستمر بن ريان عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو موقوفاً: ورواه روح بن المسيب وجعفر بن سليمان عن عمرو بن مالك النّكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قوله، وقال في حديث روح: فقال حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-.


قلت:

هذه من أحسن طرق حديث صلاة التسابيح، فهي من طريقين عن أبي الجوزاء، كل واحدة منهما صحيحة.

أما الأولى:

فالمستمر بن الريان وأبو الجوزاء: تابعيان جليلان ثقتان بالإجماع.وقد أقرّ الإمام أحمد بصحة هذا السند، وقد حكاه عنه الحافظ في ((أماليه)).

وسيأتي الكلام عنه مفصلاً إن شاء الله.


وأما الطريق الثاني عن أبي الجوزاء:

ففيها روح وهو متروك، لكن لا يضر تركه بالكلية، لأنه إنما ذُكر مقرونًا بجعفر بن سليمان، ولم ينفرد بالرواية، وجعفر قال فيه أحمد: ((لا بأس به))، ووثقه ابن معين وابن المديني، وقد غمز به بعضهم لتشيعه، وحسبك توثيق هؤلاء الأئمة الفحول له، فليس كل شيعي مرفوض الرواية، وليس كل شيعي رافضياً، وتفصيل ذلك يراجع في مظانه، ولهذا قبله الإمام أحمد. وعمرو بن مالك النُّكري، قال الذهبي في ((الميزان)) (3 / 286): ((ثقة)). ووهم الحافظ في ((التقريب)) فقال: ((صدوق له أوهام)). كما ستراه مبينًا قريبًا إن شاء الله تعالى.


وأبو الجوزاء:

هو أوس بن عبد الله الربعي: ثقة بالاتفاق. فهذا السند صحيح واضح كالشمس، رواته كلهم ثقات عدول بالاتفاق. والنُّكري: لم أر أحداً وصفه بما وصفُه به الحافظ، غير قول ابن حبان في ((الثقات)) (7 / 228): ((ويعتبر حديثه إلا ما كان من رواية ابنه عنه)).


قلت:

وهذه الرواية ليست من رواية ابنه عنه، فصحّ السند، والحمد لله تعالى.. ثم هب أننا سلمنا للحافظ بتوهيم النُّكري، فإنه لا يضر وهمه هاهنا؛ لأنه لم يتفرد بهذه الصلاة، حتى يتخوف من وهمه؛ بل تابعه على ذلك أكثر من راوٍ مقبول الرواية.. وليس كل من كان عنده وهم، فهو ضعيف، ثم هب النُّكري كان ضعيفاً - ولم يضعفه أحدٌ أبدًا - فإن هذا الضعف اليسير ينجبر بمتابع أو شاهد، فكيف وهناك متابعات وشواهد.. وبهذه الطرق والمتابعات يكون حديث ابن عباس صحيحا، ومن كان عنده طلب في علم الحديث يدرك ذلك.. وقد صححه لغيره شيخنا في صحيح الترغيب (677).


شبهات على طريق ابن عباس وردها:

لم أقف على علّة توجب ترك هذا السند، إلا ما كان من كلام أبي داود السابق، الذي يشير به إلى أن الحديث روي موقوفًا ومرفوعًا، وأن فيه اختلافًا في اسم الصحابي، فتارة يروى عن ابن عباس، وأخرى عن عبد الله بن عمرو.


قلت:

كل هذا لا يضر، وليس هذا من الاضطراب المردود في شيء.. وشبهة الوقف لا محل لها هاهنا، لأن الوقف في مثل هذا المقام له حكم الرفع، لأن هذا لا يقال من قبل الرأي، لأنه تشريع وغيب. أما التشريع: فهو الصلاة. وأما الغيب: فهو الإخبار بغفران الذنوب. وحاش أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقدموا بين يدي الله ورسوله، بل هذا محال على عالم عامل؛ فكيف بأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ وقد تقرر هذا في علم الأصول، ومن ذلك قول السخاوي في ((فتح المغيث)) (1 / 124): ((ومنه - أي من الموقوف الذي له حكم الرفع.. ولا مجال للرأي فيه، كتفسير مغيب عن أمر الدنيا، أو الآخرة، أو الجنة والنار، وتعيين ثواب أو عقاب، ونحو ذلك)) وهذا كله لو كان الحديث موقوفًا لم يرفعه أحد، كيف وقد رفعه الكثير من الثقات؛ بل الأكثر على رفعه! وحكم الرفع حكم زيادة الثقة. وزيادة الثقة مقبولة.


وأما شبهة الخلاف في اسم الصحابي فلا تضر أبدًاً، ماداموا - كلهم - عدولاً وثقاتاً، فأي شيء يضر!.. إن كان الحديث عن ابن عباس، أو عن ابن عمر أو عن أي صحابي آخر، ولو كان مجهول الاسم عندنا؟!!


والحقيقة أن هذه الطريق متابعة جيدة لرجال الطريق السابقة عن أبي الجوزاء، وارتفعت بذلك العهدة عن يحيى بن عقبة.


وللحديث طريق أخرى عن أبي الجوزاء.

أخرجها أبو داود (2 / 30)، ومن طريقه البيهقي (3 / 52) عن محمد بن سفيان الأبلي، ثنا حبان بن مالك، عن أبي الجوزاء قال: حدثني رجل كانت له صحبة -يرون أنه عبد الله بن عمرو- مرفوعاً بنحوه. غير أنه زاد فيه: ((إذا زال النهار فقم فصل أربع ركعات)).


قلت:

إبهام اسم الصحابي لا يضر، ومحمد بن سفيان: صدوق.
وحبان بن هلال: ثقة ثبت.
ومهدي بن ميمون: ثقة.
كذا قال الحافظ عن الجميع.


وعمرو بن مالك هو:

النُّكري سبق الكلام فيه وفي أبي الجوزاء، وهما ثقتان.
فهذا سند جيد بيّن كالشمس.
وهو صحيح لولا وصف محمد بن سفيان بالصدوق.
فينـزل إلى درجة الحسن لذاته.
وهذا ما فعله المنذري، فقد حسن هذه الطريق في ((الترغيب)) (1 / 470).


إجابة صاحب كتاب التوضيح على شبهاته:

غفر الله لصاحب التوضيح، فقد قال عقب هذه الطريق صـ190: -أعني طريق روح وجعفر عن النُّكري عن أبي الجوزاء- قال: ((وفي هذا الطريق اثنان: أحدهما: متروك، وهو روح بن المسيب.. والثاني: ضعيف، وهو عمرو بن مالك.. وفيه راوٍ رابع، وهو أبو الجوزاء، وقد سمعنا ما قاله فيه البخاري وما قاله فيه ابن حجر)).


ولنا على هذا الكلام مؤاخذات.

الأولى:

لا طائلة وراء الطعن بروح بن المسيب؛ لأنه لم يتفرد به، وإنما ذكر مقرونًا بجعفر، وهو متابع له، وما دام جعفر صدوقاً، فما معنى التركيز على روح..؟!


وهبهُ من أكذب خلق الله، ألا يكفينا أن جعفر صدوق!؟


ولو ذهب أهل الحديث مذهب صاحب التوضيح، لما صحّ عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلا النـزر اليسير، إذ ما من رواية رواها ثقة إلا وقد رواها ضعيف أو كذاب، فلا يضر صدق الراوي رواية الكذاب لروايته.


والحقيقة أن هذه غريبة! بل عجيبة! أن تصدر من طالب علم فضلاً عن محقق، لأنها تخالف الفطرة والعقل، فضلاً عن الشرع وإجماع أهل العلم والفهم.


عمرو بن مالك النكري ثقة والرد على من توهم ضعفه:

المؤاخذة الثانية على صاحب ((التوضيح)):


إطلاق الضعف على عمرو بن مالك النُّكري، والأمر ليس كذلك. فقد وثقه الذهبي في ((الميزان)). وقال في ((الكاشف)): ((وثق)). والذي وقع للأخ صاحب التوضيح عدم تمييزه بين عمرو بن مالك النكري، وعمرو بن مالك الراسبي. فهذا الأخير هو الضعيف، وهو الذي كان يسرق الحديث؛ ولم يسبق المؤلفَ أحدٌ على الإطلاق في تضعيف النُّكري. كيف! وقد وثِّق من قبل الإمامين: ابن حبان، والذهبي. وعدّله الحافظ، ولم يذكره أحدّ بضعف!


ثم عجيب أن يقع هذا من الأخ الدكتور! فإن النكري -أبا مالك- تابعي، لم يرو إلا عن أبيه وأبي الجوزاء. ومن الطبقة السابعة، والراسبي من التاسعة.


ثم أدركت سبب وقوع الدكتور في هذا الخطأ:

وهو وهم وقع في ((الكامل في الضعفاء)) لابن عدي في ترجمة عمرو بن مالك وهو الراسبي، فوهم من وهم، وقد نبه الحافظ في التهذيب على وهم ابن عدي فكتب: النكري.


ويتبين هذا من الأمور التالية:

1 - أن أحدًا من الذين ترجموا للنكري، لم يذكروا ما ذكره ابن عدي في الترجمة ولا حرفًا منه، فالله أعلم ممن وقع الوهم.


2 - أن الأحاديث التي سيقت في ترجمتة إنما هي للراسبي، ويتبين هذا من مراجعة ترجمة الاثنين في ((تهذيب الكمال))، فإن النُّكري لم يرو كما سبق إلا عن أبيه وأبي الجوزاء، وهذا قد روى عن الوليد بن مسلم والفضيل بن سليمان وغيرهم.


3 - إن ترجمة الراسبي في ((التهذيب)) توافق ترجمته في ((الكامل))، من أنه كان يسرق الحديث، وأن أبا يعلى ضعفه، وقد كان الراسبي من شيوخه، وأما النُّكري فليس من شيوخ أبي يعلى، وبين أبي يعلى وبينه مفاوز.


4 - في ترجمة الراسبي في ((التهذيب)):

((قال ابن عدي: منكر الحديث عن الثقات، ويسرق الحديث…)) وهذا هو كلام ابن عدي نفسه في ترجمة عمرو بن مالك النُّكري.. مما يدل على وهْم من وَهِم، ثم لما تابعت قراءة ترجمة الراسبي، وجدت الحافظ يقول منبهًا على ترجمة الراسبي عند ابن عدي: ((إلا أنه قال في صدر الترجمة عمرو بن مالك النُّكري، فوهم؛ فإن النُّكري متقدم على هذا)) ففرحت بها لتوفيق الله تعالى إياي، بما توصلت إليه بهذا الشأن، وذلك فضل منه ونعمة، ثم لما راجعت كتاب الثقات لابن حبان (8 / 487)، وجدت الوهم فيه كذلك.


5 - زلة قلم للحافظ في النكري:

لا يسلم للحافظ قوله عن النكري: ((يغرب ويخطئ)) بل هي سبق قلم منه، كما قال الأخ محقق كتاب ((الترجيح))؛ وأنكر هذا صاحب كتاب ((التوضيح))، والصواب عند تتبع المسألة أنها سبق قلم من الحافظ، وذلك لعدم وجودها في ((تهذيب الكمال)) للمزي ولعل سبب هذا الخطأ أنه نقله من ترجمة ابن حبان للراسبي، وهو يلقبه النكري، فتبعه الحافظ هنا دون أن يتنبه.. ولا وجود لها في كتاب الثقات لابن حبان في ترجمة عمرو التي نُقلت منه الترجمة. فدّل ذلك على أنها سبق قلم منه رحمه الله، وإلا فليرشدنا إليها صاحب كتاب ((التوضيح))، من أين أتى بها الحافظ؟


ثم عثرت على الكلمة نفسها ((يغرب ويخطئ)) في ترجمة عمرو بن مالك الراسبي، الأمر الذي أكد وهم الحافظ رحمه الله تعالى: وبناء على وهمه هذا، قال في ((التقريب)) عن النُّكري: ((صدوق له أوهام)). والصواب أنه ثقة، كما قال الأئمة الموثقون، ولم أجد أحدًا وصفه بالوهم غير الحافظ.


6 - أنكر صاحب التوضيح أن يكون الذهبي قد وثق النكري.

والصحيح أن الذهبي قد وثّق النُّكري في ((الميزان)) (3/ 286)، السطر الثالث، الكلمة الثانية! وسر خفاء توثيق الذهبي على صاحب ((التوضيح)): أن الذهبي ذكر عمرو بن مالك النكري، ولم يذكر شيئاً عقبه، ثم أعقبه بعمرو بن مالك الجنبي، ثم قال: ((ثقتان)). فلما راجع الأخ ترجمة النكري في ((الميزان)) لم يجد شيئًا فيها، ولم يتابع كلام الذهبي، فأنكر توثيق الذهبي للنكري! وجلّ مَنْ لا يسهو.


المؤاخذة الثالثة على صاحب ((التوضيح)):

غمْزهُ بأبي الجوزاء، وهو ثقة مشهور...


قلت:

رغم اتفاقهم على ثقته وفضله، وهذا أمر عجيب صدوره من محقق.


فأما قول البخاري:

((في إسناده نظر): فإنما كان عن إسناد بعينه كان في سنده أبو الجوزاء - لا على أبي الجوزاء نفسه - وشتان ما بين الكلام على الإسناد، والكلام على الرجل.


وقد ذكر هذا الحافظ في ((التهذيب)) (1 / 384) قال: ((وقول البخاري: في إسناده نظر.. إنما قاله عقب حديث رواه له لا أنه ضعيف عنده))، وبالرجوع إلى ترجمة أبي الجوزاء في ((التاريخ الكبير)) (2 / 16): (قال لنا مسدد: عن جعفر بن سليمان عن عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء قال: أقمت مع ابن عباس وعائشة اثنتي عشرة سنة ليس في القرآن آية إلا سألتهم عنها، قال محمد: في إسناده نظر) اهـ بلفظه.


وبتتبع ألفاظ البخاري:

 نجد أنه إذا أراد ترجمة الراوي قال: فيه نظر، وإذا أراد الحكم على السند قال: في إسناده نظر. ففي ترجمة أوس بن عبيد الله بن بريدة بن حصيب الأسلمي (2/ 17) قال: فيه نظر. وفي ترجمة بكر بن قرواش (2 / 94) قال أيضًا: وفيه نظر. أو قال: فيه بعض النظر، كما في ترجمة أحمد بن الحارث الغساني (2ـ2). أو قال مفصلاً: في حديثه واسمه وسماعه من أبيه نظر، كما في ترجمة أسامة بن مالك بن قهطم. وإذا أراد الإسناد لا الراوي قال: في إسناده نظر، كما في ترجمة أبي الجوزاء. وبهذا يتبين أن البخاري لم يطعن بأبي الجوزاء كما أشار إلى ذلك صاحب ((التوضيح)).


وإلى هذا ذهب الحافظ ووجّه كلام البخاري.

فقال: ((وقول البخاري: في إسناده نظر، إنما قاله عقب حديث له، لا أنه ضعيف عنده)) كما سبق ذكره. ورغم نقل صاحب التوضيح لكلام الحافظ هذا، ووقوفه على اتفاقهم على توثيقه، قال غامزًا بهذا الراوي الذي لم يسبقه إلى ذلك فيه أحد: ((وقد سمعنا ما قاله فيه البخاري))

ألا ينبغي بعد ذلك أن نقول: غفر الله له.


وأشد من هذا وأغرب؛ أنه أشعر القارئ أن الحافظ نفسه يضعف الرجل إذ قال: ((وما قاله فيه ابن حجر)) ولم يقل الحافظ إلا بتوثيقه بل ودافع عنه، ووجّه كلام البخاري وصرّح بعدم تضعيفه له فكيف يقال بعد هذا ((وما قاله فيه ابن حجر))؟!! نعم قال (يرسل كثيرًا)، وهذا ليس طعناً بالرجل. وكان الواجب على الأخ صاحب ((التوضيح)) أن ينقل تتمة كلام الحافظ الذي وجه به كلام البخاري وهو: ((لا أنه ضعيف عنده))، فهل من الأمانة العلمية، أن تسقط هذه اللفظة، وهي قول الحافظ في توجيه كلام البخاري. وقد سبق الحافظ إلى هذا ابن عدي في ((الكامل)).


خلاصة القول في طريق ابن عباس..

أما بعد: فهذه أربعة طرق عن ابن عباس، اخترتها من أكثر من عشر طرق، و قد أعرضت عن كل رواية فيها متهم أو متروك. ومازلت متعجبًا -بعد هذا البيان- ممن يصرّ على تضعيف هذه الصلاة، بله إنكارها، رغم ورودها بهذه الأسانيد التي ذكرنا!!! ولو لم يكن هناك غير هذين الطريقين، لكان الحديث بهما صحيحًا لغيره، أو حسنًا لغيره على أقل أحواله؛ فكيف إذا انضم إليهما روايتان عن ابن عباس واحدة منهما حسنة؟



ثلاث صلوات مهجورة 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 03 أغسطس 2019, 10:53 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

ثلاث صلوات مهجورة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ثلاث صلوات مهجورة   ثلاث صلوات مهجورة Emptyالأربعاء 23 مارس 2011, 10:00 pm

تناقض الحافظ والتوفيق بين أقواله:
ومنه تعلم غرابة قول الحافظ في ((التلخيص)) (2/ 482): ((.. وإن كان حديث ابن عباس يقرب من شرط الحسن، إلا أنه شاذ لشدة الفردية فيه،وعدم المتابع والشاهد من وجه معتبر)).

قلت:
هذا كلام معتبر لو لم يكن عن ابن عباس تلك الطرق التي ذكرنا، أما وقد ذكرنا من المتابعات ما ذكرنا، فغريب جدًا قول الحافظ: ((وعدم المتابع والشاهد من وجه معتبر))، فإن أراد بالاعتبار، عدم وجود وضاعين وكذابين أو متروكين في الأسانيد، فالأمر كذلك، بشهادته هو وشهادة غيره، كما هو واضح من التحقيق السابق. ثم عجيب قوله: (لشدة الفردية فيه) إذ لم يتفرد بهذه الصلاة أحد على الاطلاق، بشهادة كبار الحفاظ، وبشهادته هو نفسه في كتابه (الخصال المكفرة)، فقد قال عقب الطريق الأول: (رجال إسناده لا بأس بهم) وهذا هو الحق الذي تقتضيه الدراسة الحديثية، فلعل الحافظ لم يقف على هذه الطرق، وهذا بعيد على مثل الحافظ، فهي عند أبي داود والبيهقي والطبراني وغيره، وربما تكون سبق قلم منه -رحمه الله-، أو ذهولاً ووهماً.

وأغلب الظن، أن هذا كان منه قبل أن يطلع على تلك الشواهد والمتابعات التي ساقها، ثم لما اطلع عليها ساقها على كثرتها، وَزَعْم بعضهم أنه تراجع عن هذا، لأن كتاب ((الخصال المكفرة)) ألّفه قبل كتاب ((تلخيص الحبير)): مردود بما قاله الحافظ نفسه في ((نتائج الأفكار)): (وهذا إسناد حسن)، وبإقراره بوجود المتابع الصالح: إذ قال في ((النتائج)) -بعد أن حسّن أكثر من طريق- عن حديث العباس: ((فيصلح في المتابعات)) ففي ((التلخيص)) نفى وجود المتابع الذي يصلح للاعتبار، مما يدل على أنه لم يقف أول الأمر على تلك المتابعات الكثيرة التي ساقها هو نفسه في ((النتائج))، ولما استقرأها، ووقف عليها، صرّح بتحسين بعضها، وبصلاحية بعضها للمتابعة والاستشهاد، فقد قال عن الطريق الأولى: (وهذا إسناد حسن) كما سبقتْ الإشارة إلى ذلك، ومعلوم أن الأمر المُثْبَت مقدم على المنفي، ففي ((التلخيص)) نَفَى، وفي ((النتائج)) أثبت -يعني وجود المتابع- وهذا ما تقتضيه الصناعة الحديثية، فكثير من الطرق والشواهد التي سقنا بعضها، وسنسوق الباقي -إن شاء الله-، صالحة للاعتبار، لخلوها من الرواة المتهمين أو المتروكين.

وقال السيوطي في ((اللآلئ)) (2/38):
((قال الحافظ: رجال إسناده لا بأس بهم وقال النسائي مثل ذلك، وقال ابن المديني: فهذا الإسناد من شرط الحسن فإن له شواهد تقويه)) وهذا هو الحق، الذي يتبين لكل منصف نظر في هذه الأسانيد بعيدًا عن كل تعصب أو تساهل.

والحقيقة:
أني كنت قد حكمت على السند من قبل أن أرى أقوال هؤلاء الأئمة.

فلما وقفت على أقوالهم فرحت بذلك، وبخاصة قول ابن المديني، والنسائي لما اشتهر عنهما من التشدد والتثبت، وكذلك قول الحافظ الذي عرف بسعة الاطلاع والإنصاف. قال الحافظ المنذري (1/ 468): (وقد صححه -أي حديث عكرمة عن ابن عباس- جماعة منهم: الحافظ أبو بكر الآجري، وشيخنا أبو محمد عبد الله المصري، وشيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي -رحمهم الله- وقال أبو بكر ابن أبي داود سمعت أبي يقول: ((ليس في صلاة التسبيح حديث صحيح غير هذا))).

الحديث الثاني في صلاة التسابيح: حديث الأنصاري
أخرجه أبو داود (1299)، ومن طريقه البيهقي (3/ 52) قال: ثنا أبو توبة الربيع بن نافع ثنا محمد بن مهاجر عن عروة بن رويم قال:
حدثني الأنصاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لجعفر.. فذكر نحوه)).

قلت:
وهذا سند رجاله رجال الشيخين غير عروة بن رويم فهو ثقة، وثقه أبو نعيم والنسائي.

وقال الدارقطني:
لابأس به. وقال الحافظ في ((التقريب)): صدوق. وقال في ((النتائج)): ثقة. وقال المزي في ((تهذيب الكمال)) (7 / 179): ((والأنصاري: قيل إنه جابر)).

قلت:
سواء كان جابرًا أو غيره، فإن جهالة الصحابي لا تضر، فكلهم ثقات عدول والحمد لله.

واحتمل الحافظ في ((النتائج)) أن يكون الأنصاري هو الأنماري قال: ((فلعل الميم كبرت قليلاً، فأشبهت الصاد. فإن يكن كذلك، فيكون هذا حديث أبي كبشة الأنماري.

وعلى التقديرين:
فسند الحديث لا ينحط عن درجة الحسن)) ا هـ

شبهات غريبة لصاحب ((التوضيح)) والرد عليها:
على رغم صحة هذا السند، فقد حاول صاحب التوضيح التفلت من التصريح بصحته بأمور غريبة، فبعد أن نقل عن الأئمة توثيقهم لرجال السند كافة قال: ((أما الأنصاري، فقد حقق ابن حجر أنه أبو كبشة الأنماري، وليس الأنصاري، وهذه الطرق فيها من وصف بالصدق، وفي علم الجرح أهل هذه المرتبة لا يحتج بحديثهم، ولكن يكتب للاعتبار فقط)).

قلت:
لنا على هذا الكلام المؤاخذات التالية:
الأولى:
أشعرَ القارئ من قوله: أن ((الأنصاري)) هو ((الأنماري)) أن في الحديث شيئًا ما كالاضطراب أو غيره، أو أن الأنماري راوٍ فيه ضعف، والأنماري -أبو كبشة- صحابي جليل، وقد تقدمت الإشارة إلى أن الاختلاف في اسم الصحابي لا يضر، فسواء كان الأنصاري أو الأنماري، فكلاهما صحابي جليل، فأي فائدة -إذن- من هذه الغمزة؟!

ولذا قال الحافظ:
فعلى التقديرين فسند الحديث لا ينحط عن درجة الحسن)) وهذا هو الإنصاف والعدل.

المؤاخذة الثانية: عدم إتمام كلام الحافظ
كان الواجب أن ينقل كلام الحافظ برمته، حتى لا يقع في نفس القارئ منه شيء، فإن تتمة كلامه: ((فعلى التقديرين.. فسند الحديث لا ينحط عن درجة الحسن، فكيف إذا ضم إلى رواية أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو التي أخرجها أبو داود وحسنها المنذري)).

ففي هذا الكلام المتين أربع فوائد:
الأولى: أن الاختلاف في اسم الصحابي لا يضر، فقوله: ((على التقديرين)) أي: على تقدير أنه الأنصاري، أو على تقدير أنه الأنماري.
الثانية: أن السند المشار إليه، وهو حديث الأنصاري حسن لذاته في أقل الأحوال.
الثالثة: أنه موافق للطرق الأخرى فهو غير شاذ ولا منكر.
الرابعة: إقراره تحسين المنذري لرواية أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو.


المؤاخذة الثالثة: عدم ضبط عباراته، وصفه الثقة بالصدق
إن كافة رجال السند ثقات، بل هم من رجال الشيخين إلا عروة وهو ثقة أيضًا، فأي معنى لقوله: ((فيها من وصف بالصدق، قال صاحب ((التوضيح)): ((وهذه الطرق فيها من وصف بالصدق)).

قلت:
ثم هي طريق واحدة، وليست طرقاً! وقد وصِفوا كلهم بـ ((الثقة)) بما نقله هو نفسه عن الأئمة.

ثم لا يضر الراوي وصفه بالصدق من بعض أهل النقد، مع وصفه بالثقة من آخرين، ولا ينـزل هذا من منـزلته، ولا يحط من قدره؛ بخاصة إذا كان الواصفون له بالثقة أعلى درجة من أولئك وأكثر، ألا يكفي أن يصف النسائي عروة بالثقة، ولا مطعن عليه من أحد؟

المؤاخذة الرابعة: دعواه أن أهل الصدق لا يحتج بحديثهم
إن قواعد مصطلح الحديث تشهد أن هذه الطريق صحيحة السند لأن رواتها موثقون، وقد وصف بعضهم بالصدق مع وصفه بالثقة، فادعى صاحب ((التوضيح)) أن من وصف بالصدق لا يحتج بحديثهم ((ولكن يكتب حديثهم للاعتبار)).

قلت:
هب أننا سلّمنا جدلاً أن فيها رجلاً وصف بالصدق دون وصفه بالثقة، فإن السند لا ينـزل بحال عن درجة الحسن، ولذلك صرّح الحافظ -وهو الذي أطلق صفة الصدق عليه- بحسن إسناده!

والصدوق عند الحافظ:
حديثه حسن، فمن أين لصاحب ((التوضيح)) هذا الادعاء.

ومَنْ أراد التثبت، فليراجع مراتب التعديل عند الحافظ في مقدمة التقريب.

وإذا سلمنا بمسألة الاختبار هذه التي ذكرها صاحب التوضيح، فإن روايته هذه توافق رواية الضابطين المتقنين، فضلاً عن أن أحدًا من الأئمة المختصين لم يصفه بالمخالفة، فضلاً عن النكارة، فكان هذا اختباراً لها.

قال ابن الصلاح في ((مقدمته)) (106):
((يعرف كون الراوي ضابطًا، بأن نعتبر رواياته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان، فإن وجدنا رواياته موافقة ولو من حيث المعنى لرواياتهم، أو موافقة لها في الأغلب والمخالفة نادرة، عرفنا حينئذ كونه ضابطًا ثبتًا)).

خامسًا: هبنا سلمنا أن وصْف الراوي بالصدق يجعل السند للاعتبار لا للاحتجاج.
فقد سبق مثل هذا السند للاعتبار أيضًا، فإذا جمعت هذه الطرق التي نصّ صاحب التوضيح نفسه على أنها صالحة للاعتبار؛ مع ما سبقها من الطرق الصالحة للاعتبار، صار الحديث حسنًا لغيره، كما هو معلوم عند من له أدنى اطلاع على هذا العلم الشريف.

قال ابن الصلاح في مقدمته (34)
((.. إنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت فمنه ضعف يزيله ذلك، بأن يكون ضعفه ناشئاً من ضعف حفظ راويه مع كونه من أهل الصدق والديانة، فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر، عرفنا أنه مما حفظه، ولم يختل ضبطه له، وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك)) ا هـ

الحديث الثالث:
حديث أبي رافع -مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، -رضي الله عنه- رواه الترمذي (482)، وابن ماجه (1386)، وعزاه الحافظ في ((النتائج)) لأبي نعيم في ((القربان)) كلهم من طريق: زيد بن الحباب ثنا موسى بن عبيدة ثنا سعيد بن أبي سعيد مولى أبي بكر بن حزم عن أبي رافع به مرفوعًا، زيد بن الحباب: قال علي بن المديني وابن معين: ثقة، وقال الحافظ: صدوق يخطئ في حديث الثوري.

قلت:
وهذا ليس من حديث الثوري.

وموسى بن عبيدة:
ضعيف لاسيما في عبد الله بن دينار، وسعيد بن أبي سعيد: ذكره ابن حبان في ((الثقات))، وقال الحافظ: مجهول، فهذا السند ضعيف، لكنه يصلح في الشواهد والمتابعات؛ لخلوه من الوضّاعين والمتروكين، وقد صححه لغيره شيخنا في صحيح الترغيب (678)

الحديث الرابع:
حديث العباس -رضي الله عنه- قال الحافظ في ((النتائج)): ((أما حديث العباس فقد أخرجه أبو نعيم في ((القربان))، وابن شاهين في ((الترغيب))، والدارقطني في ((الأفراد))، من طريق موسى بن أعين، عن أبي رجاء، عن صدقة، عن عروة بن رويم، عن ابن الديلمي، عن العباس به مرفوعًا، ورجاله ثقات إلا صدقة الدمشقي كما بينته بعض الروايات.

قال الدارقطني:
صدقة هذا، هو ابن يزيد الخراساني، ونقل كلام الأئمة فيه، ووهم في ذلك، فالدمشقي هذا هو ابن عبد الله ويعرف بالسمين، ضعيف من قبل حفظه، ووثقه جماعة فيصلح في المتابعات)) انتهى كلام الحافظ.

قلت:
لم أجد في شيوخ الاثنين -الخراساني والدمشقي- عروة بن رويم.

والراجح عندي:
أن صدقة هذا هو ابن المنتصر، وهو الذي من شيوخه عروة بن رويم.

ثم وجدت:
أن هذا هو ما ذهب إليه المزي في ((التهذيب)) وسكت عنه الحافظ في ((تهذيبه))، ومن قبلهما ابن أبي حاتم في ((الجرح و التعديل)) (4/ 434/ (1903)، ثم رجعت إلى من روى عن عروة، لأتثبت مما توصلت إليه، فوجدت في ((التهذيب)) (7 / 179) في ترجمة عروة؛ في من روى عنه؛ صدقة بن المنتصر، فزدت يقينًا على يقين، وعجبت من صنيع من لم يتوصل إلى هذا، والله يغفر لي ولهم، وبهذا يكون السند حسنًا، لأجل صدقة هذا.

قال أبو زرعة:
لا بأس به، وذكره ابن حبان في ((الثقات)) والباقون كلهم ثقات، كما صرح بذلك الحافظ، وهو من الأدلة البينة على صحة صلاة التسابيح، حتى ولو لم يكن هناك غيره، فكيف وقد مرَّ بك ما تقدّم من الأسانيد الحسان، ومن الطرق التي تصلح للمتابعات.

وقفات مع صاحب ((التوضيح)):
وقبل مغادرة هذا الطريق، نحب أن نقف بعض الوقفات مع الأخ الفاضل صاحب ((التوضيح)) عند ترجمته لصدقة (203) قال: ((.. والذين أرادوا تصحيح الحديث قالوا: إنه صدقة الدمشقي، فقد جاء مصرحًا به في بعض الروايات)).

الوقفة الأولى: أن في قوله ((الذين أرادوا تصحيح الحديث))
غمز شديد بنية الذين صححوا، وأنهم أرادوا التصحيح قبل التثبت والتحقيق، ولا يليق بمسلم أن يظن بأخيه المسلم ظن السوء بلا دليل ولا برهان، حتى ولا قرينه، ويزداد عجب القارئ؛ إذا علم أن هؤلاء ((الذين يريدون تصحيح الحديث)) هم أئمة أعلام، وعلماء كرام، وهم أبعد منا عن الهوى، وعن إرادة التصحيح والتضعيف، قبل التثبت والتحقيق.

تالله لو كانت هذه الكلمة في المعاصرين لحملت على كره، فكيف وهي تعني أئمة الإسلام: كالثوري والعسقلاني والمنذري وغيرهم ممن ذهبوا إلى صحة الحديث.

أفيليق بمسلم بله محقق، أن يقول عن مثل هؤلاء الأعلام، أنهم أرادوا التصحيح، وعقدوا له النية قبل البحث والتحقيق، ثم جاء بحثهم لإثبات ما عقدوا العزم عليه، كنا نتمنى ألا يقع أخونا الفاضل في أمثال هؤلاء الأعلام، ولعله سبق قلم منه -عفا الله عنا وعنه-.

الوقفة الثانية:
قد جاء هؤلاء ((الذين أرادوا تصحيح الحديث)) بقرينة على أن صدقة هذا هو الدمشقي، وليس الخراساني، وهي أنه جاء ذلك مصرحا في بعض الروايات.. فما هو جواب الأخ الفاضل عما استدل به هؤلاء الأعلام؟

الحديث الخامس:
حديث عبدالله بن عمرو بن العاص
وله عنه طرق: أولاً: طريق أبي الجوزاء: الأولى: قال أبو داود (2 / 30): رواه المستمر بن الريّان عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو موقوفًا.

قلت:
وهذا سند صحيح.

قال الحافظ: المستمر ثقة عابد.
وأبو الجوزاء: ثقة معروف.
ولذلك قال المنذري: ((رواة هذا الحديث ثقات)).


قلت:
لاشك أن قول القائل: ((رواته ثقات))، لا تعني تصحيح السند - كما هو معروف في قواعد هذا العلم الشريف، لكني لم أعثر على علة معتبرة تمنع من القول بصحته، غير أن المنذري نفسه قال: ((لكن اختلف فيه على أبي الجوزاء، فقيل: عنه عن ابن عباس، وقيل: عنه عن عبد الله بن عمرو، وقيل: عنه عن ابن عمر مع الاختلاف عليه في رفعه ووقفه)).

قلت:
كل هذا لا يضر، فالاختلاف في أسماء الصحابة لا يضر؛ فكلهم عدول، وكذلك الوقف والرفع، فإن هذا لا يقال من قبل الرأي، وليس هو من باب الاضطراب المردود، وكم من حديث ثبت موقوفاً ومرفوعاً، وقد سبق الإجابة عن مثل هذا بشيء من التفصيل، ثم إن أحدًا من السابقين واللاحقين لم يطعن بهذا السند إلا ما ذكروه من مسألة الوقف على عبد الله بن عمرو.

وحاشَ أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- الابتداع في الدين؛ بخاصة في مسألة تعبدية كالصلاة، ثم إن الحديث قد روي مرفوعًا من أكثر من طريق، وعن عبد الله بن عمرو كذلك، وزيادة الثقة مقبولة، وأقرّ الإمام أحمد صحة هذا السند، كما سيمر معك مفصلاً، ومما يزيد هذا الطريق قوة على قوة؛ متابعة أبي جناب للمستمر عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا.

وهو الطريق الثانية عن أبي الجوزاء
رواها البيهقي (2 / 52) وأبو جناب: صدوق لكنه كان مدلسًا، فهو يصلح أن يكون متابعًا للمستمر، ولثبوت الحديث عن أبي الجوزاء من غير طريق، فلا تضر عنعنة أبي جناب هاهنا، ولا تدليسه.

الطريق الثالثة: قال المنذري (1 / 470):
ورواه قتيبة بن سعيد عن يحيى بن سليم عن عمران بن مسلم عن أبي الجوزاء قال نـزل عليّ عبد الله بن عمرو بن العاص فذكر الحديث)).
قتيبة بن سعيد: ثقة ثبت.

يحيى بن سليم: صدوق سيء الحفظ.
وعمران: هو القصير، وهو الذي روى عنه يحيى بن سليم، وهو صدوق يهم، كذا قال الحافظ عن الجميع.

قلت:
هذا إسناد جيد في المتابعات والشواهد، وبهذه الطريق الثالثة عن أبي الجوزاء يثبت الحديث عنه، والحمد لله على توفيقه.

الطريق الرابعة:
ما أخرجه أبو داود (2 / 30)، ومن طريقه البيهقي (3 / 52) عن محمد بن سفيان ثنا حبان بن هلال ثنا مهدي بن ميمون أخبرنا عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء قال: حدثني رجل كانت له صحبة يرون أنه عبد الله بن عمرو به، وقد سبق الكلام عن هذه الطريق في حديث ابن عباس ورواتها -كلهم- ثقات غير محمد بن سفيان، فإنه صدوق، فالسند حسن لذاته.

الطريق الخامسة:
قال ابن ناصر الدين الدمشقي في ((الترجيح)) (63): (قال أبو شيبة -داود بن إبراهيم روزبة- حدثنا محمد بن حميد الرازي عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-..) ثم ذكر الحديث.

قلت: هذا سند ضعيف، فيه علتان: الأولى:
محمد بن حميد اختلف فيه أئمة الجرح والتعديل اختلافًا شديداً ما بين مكذب وموثق، والنفس تميل إلى تضعيفه؛ لكثرة المضعفين؛ بل الطاعنين! ولأن معهم حجة، والجرح مقدم على التعديل، إذا كان الجرح مفسراً ولذا قال الحافظ: ((حافظ ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه)).

الثانية:
الانقطاع بين محمد بن حميد وأبي الجوزاء، فإن الأول كان مولده سنة ((160)) هجرية، بينما كانت وفاة أبي الجوزاء ((83 هـ))، ولم أر أحدًا ممن حقق في ذلك أشار إلى هذه العلة، ومع ذلك، فإن هذا الطريق لا ينـزل عن رتبة المتابعات.

قلت:
ثم وقفت على سند الحديث في حاشية الترجيح، نقلاً عن أمالي الأذكار، فتبين أن بين محمد بن حميد وأبي الجوزاء راويين هما: جرير بن عبد الحميد، وأبو جناب الكلبي والظاهر أن في كتاب ((الترجيح)) سقط.

أما جرير: فقد قال الحافظ: ثقة صحيح الكتاب، قيل كان في آخر عمره يهم من حفظه.
وأبو جناب: هو يحيى بن أبي حية، قال الحافظ: ضعفوه لكثرة تدليسه.

ثانيًا:
طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

قال الحافظ في ((النتائج))
((ولحديث ابن عمرو طريق آخر أخرجه الدارقطني عن عبد الله بن سليمان بن الأشعث عن محمود بن خالد عن الثقه عن عمر بن عبد الله الواحد عن ثوبان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده)).

قلت:
عبد الله ومحمود: ثقتان.
عمر بن عبد الله الواحد: تصحيف، و الصواب: عمر بن عبد الواحد.

والتصحيح من ((الجرح والتعديل)) (8 / 292)، (6/122)، و((التهذيب)) (10 / 61) في ترجمة محمود و(7 /479)، وهو ثقة، وثوبان: لم أعرفه، وأخشى أنه تصحيف من ابن ثوبان؛ فإن كتاب الدارقطني ليس بين أيدينا، وكتاب ((الآثار)) للكنوي مليء بالتصحيفات؛ فلا تكاد تجد صفحة بلا أخطاء.

فإن كان ثوبان هذا هو ابن ثوبان، فهو: عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، هو من شيوخ عمر بن عبد الواحد، ومن بلده دمشق، قال الحافظ: صدوق يخطئ، ثم وقفت على السند من كتاب ((الترجيح)) لابن ناصر الدين الدمشقي صـ64 وفيه التصويبات كما توقعت، والحمد لله على توفيقه.

فعمر بن عبد الله: هو: عمر بن عبد الواحد.
وثوبان: هو: ابن ثوبان.

وهذا إسناد جيد، لولا جهالة ((الثقة)) ومع ذلك فهو صالح للمتابعات والشواهد؛ لخلوه من الوضاعين والمتروكين.

مناقشة صاحب ((التوضيح)) في عدم طمأنينته:
أقرّ (صـ197) بصحةً سند رواية المستمر بن الريان عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو موقوفاً.

ثم قال:
((فإن هذه الطريق لا تمنحنا الطمأنينة لإثبات هذه الصلاة))، أي لأنها موقوفة.

قلت:
كيف لا تمنحنا الطمأنينة، وهي عن صحابي أبعد ما يكون عن الابتداع في الدين، أليس في هذا غفلة شديدة عن أن الصحابة لا يُحْدِثُون صلاة مبتدعة، كما أن فيه غفلة عن قاعدة (الحديث الموقوف له حكم الرفع، إذا كان لا يقال من قبل الرأي)، ومسألتنا هذه من هذا الباب قطعًا.
فمحال على عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن يقول هذا من رأيه، وأن يخترع صلاة من عند نفسه.

كل هذا؛ لو لم تُرْوَ هذه الصلاة إلا عنه موقوفة، كيف وقد رويت عنه مرفوعة، ومن طرق حسان!!؟ وقبل أسطر، كان الأخ صاحب ((التوضيح)) قد ساق طريق محمد بن سفيان من طريقه عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا.

وكلهم ثقات إلا محمد بن سفيان، فقد وصف بالصدق، فلا تنـزل هذه الطريق عن رتبة الحسن، أفلا يكون هذا شاهدًا للطريق الموقوفة، سبحان الله! إن أي طالب علم، حتى ولو كان مبتدئًا، يدرك هذا!

طريقان:

 إحداهما صحيحة موقوفة ولها حكم الرفع.
وأخرى حسنة مرفوعة.
أفلا تشهد إحداهما للأخرى؟

تالله، إن إحداهما تكفي لإثبات هذا الأمر، فكيف وقد اجتمعتا.. وكيف بك إذا علمت أن هناك طرقًا أخرى عن اثني عشر من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعضها حسن بذاته، وغالبها يصلح للاعتبار..؟

الحديث السادس: حديث علي -رضي الله عنه-:
وقد روي عنه من أكثر من طريق: الأولى
قال الحافظ في ((النتائج)): وأما حديث علي.. فأخرجه الدارقطني من طريق عمر مولى غفرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعلي بن أبي طالب: ((يا علي ألا أهدي لك.. فذكر الحديث، وفي سنده ضعف وانقطاع)).

قلت:
لم أجد الحديث في ((سنن الدارقطني)) ولعله في كتاب ((الأفراد)).
وعمر هذا: هو ابن عبد الله المدني مولى غفرة، قد اختلفوا فيه.
قال أحمد: لابأس به.
وقال ابن معين: ضعيف.
ومال الحافظ إلى تضعيفه في التقريب
وهو تابعي، وقد أرسله
ثم وقفت على سند الحديث في ((الترجيح)) صـ51،

قال: قال الدارقطني:
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن بن إسحاق؛ حدثنا بشر بن موسى حدثنا إبراهيم بن محمد الأرقمي: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن نسطاس، عن عمر بن عبد الله -مولى غفرة- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعلي بن أبي طالب..)) الحديث، وفيه: إسحاق بن إبراهيم، وهو ضعيف))، وهو طريق لا تنـزل عن رتبة المتابعات، لخلوها من الكذابين والمتروكين.

قلت:
هذه هي أهم طرق هذا الحديث، وقد أعرضت عن أسانيد كثيرة لعدم توفر شرط الصحة فيها أو الحسن أو المتابعة.

مناقشة هذه الطرق
مما لا شك فيه عند كل محقق منصف وقف على ما ذكرنا، وعنده إلمام بمصطلح الحديث، أن يجزم بثبوت صلاة التسابيح، فإن من المقرر في هذا العلم الشريف: أن الحديث الحسن من القسم الذي تقوم به الحجة، وأن الحديث إذا روي من طريقين ضعيفين ضعفًا غير شديد، ارتفع إلى رتبة الحسن لغيره، وصار مما يحتج به، وهذا أمر متفق عليه.

قال ابن كثير في اختصار علوم الحديث صـ33:
((قال أبو عمرو -يعني ابن الصلاح-… ومنه ضعف يزول بالمتابعة، كما إذا كان راويه سيء الحفظ، أو رُوي الحديث مرسلاً، فإن المتابعة تنفع حينئذ، ويرفع الحديث عن حضيض الضعف إلى أوج الحسن أو الصحة والله أعلم))، ثم إن الحسن إذا تعددت طرقه صار صحيحًا لغيره، قال ابن الصلاح في ((مقدمته)) صـ34: ((إذا كان راوي الحديث متأخرًا عن درجة الحفظ والإتقان، غير أنه من المشهورين بالصدق والستر، وروي مع ذلك حديثه من غير وجه فقد اجتمعت له القوة من الجهتين، وذلك يرقي حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصحيح)).

وتسهيلاً للبحث والنظر، واختصاراً لما سبق، فقد رسمت شجرة الأسانيد ثم أعقب عليها:
هذا، وقد أعرضت عند كتابة الشجرة عن ذكر المخرجين، حيث أوردتهم بالتفصيل عند التحقيق، فهذه ثلاث عشرة طريقاً عن خمسة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس في واحد منها كذاب ولا متروك، إلا ما كان من اختلاف شديد بين أهل العلم في يحيى بن عقبة، ومحمد بن حميد الرازي، وهب أننا أسقطنا هذين الروايتين فإن...

الطريق الأولى:
قريبة من الحسن، أو تصلح للاعتبار للكلام في الحكم بن أبان وفي موسى، وقد حسن هذا الطريق كل من: ابن المبارك، وأبو داود -صاحب السنن- وابن منده، والآجري، والخطيب، وأبي سعد السمعاني، وأبي موسى المديني، وأبي الحسن المنذري، وابن الصلاح، والنووي في ((تهذيب الأسماء واللغات))، والديلمي، والحاكم، وابن عابدين، والحافظ ابن حجر في ((النتائج)) و ((الخصال المكفرة))، واللكنوي، نقلاً عن ((الآثار المرفوعة)) (125 - 127) باختصار.

الطريق الثالثة:
رجال سندها -كلهم- ثقات، غير كلام يسير في جعفر لا يضر، فأقل أحواله أن يكون حسنًا.

الطريق الرابعة:
رجال سندها -كلهم- ثقات بالإجماع إلا محمد بن سفيان، فقد وصف بالصدق، فأقل أحواله أن يكون حسنًا، فإن أبى بعضهم؛ فهو من أعلى درجات الحديث المعتبر.

الطريق الخامسة:
رجال سندها -كلهم- ثقات بالإجماع، وليس فيها علة إلا أنها موقوفة، وقد سبق الكلام عن هذا على وجه التفصيل، وأن لها حكم الرفع.

الطريق السادسة:
رجال سندها ثقات، غير أبي جناب: فيه اختلاف شديد لتدليسه، فهو لا ينـزل عن رتبة الاعتبار على كل حال.

الطريق السابعة:
فيه محمد بن حميد الرازي: مختلف فيه اختلافًا شديدًا، ورجّح الحافظ ضعفه، فهو يصلح للمتابعات والشواهد.

الطريق الثامنة:
فيها يحيى بن سليم، وعمران بن مسلم، وقد وصفوا بالصدق مع سوء الحفظ، فحديثهم لا ينـزل عن رتبة المتابعات والشواهد.

الطريق التاسعة:
ليس فيها إلا جهالة الثقة.

الطريق العاشرة:
كلهم ثقات، ليس فيها علة، ولم يذكر أحدٌ من السابقين واللاحقين فيها مقدحاً، غير جهالة ((الأنصاري)) وهو صحابي رضي الله عنه ولا يضر عدم معرفة اسمه شيئاً، واحتمل بعض أهل العلم أنه جابر أو أبو كبشة الأنماري رضي الله عنهم، وأيّاً ما كان، فمن كان يرى أن من الصحابة من كذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فله عذره في رد هذه الصلاة! ومن كان لا يرى ذلك فهذا سند حجة على من أنكر هذه الصلاة، فكل رجاله حجة بالإجماع، وليس فيهم ضعيف ولا ذو وهم أو خطأ.

الطريق الحادية عشرة:
إسناده حسن لذاته، فرجاله -كلهم- ثقات، غير صدقة، فإنه صدوق.

الطريق الثانية عشرة:
إسناده ضعيف لجهالة سعيد، فهي تصلح للمتابعات والشواهد.

الطريق الثالثة عشرة:
فيها إسحاق: ضعيف، وعمر بن عبد الله: مختلف في توثيقه وتضعيفه، وعلى الاحتمال الأسوأ، فإن السند لا ينـزل عن رتبة المتابعات والشواهد؛ لخلوه من الوضاعين والمتروكين.

وأخيراً:
فإن الناظر المنصف في هذه الطرق، لا يتردد أبداً في الحكم بثبوت هذه الصلاة، بل قد ثبتت عبادات وأحكام بأحاديث هي أقل درجة من هذه الطرق، وأقل عدداً.

فهؤلاء خمسة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، رواها عنهم خمسة من كبار التابعين الثقات على رأسهم العابد المشهور أبو الجوزاء.



ثلاث صلوات مهجورة 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 03 أغسطس 2019, 11:57 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

ثلاث صلوات مهجورة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ثلاث صلوات مهجورة   ثلاث صلوات مهجورة Emptyالأربعاء 23 مارس 2011, 10:06 pm

وقد رواها عنه ستة:

ثلاثة منهم ثقات، وثلاثة وصفوا بالصدق، وقد رواها عن أحد هؤلاء الثقات خمسة كل منهم يتابع الآخر؛ ثلاثة منهم ثقات، وصححها من ذكرنا، ومن سنذكر من الأئمة الأعلام، وعمل بها من ذكرنا، ومن سنذكر من علماء الإسلام، فهل يشك مطلع على هذا، بهذه الصلاة؟؟!


فصل في ذكر من صحح الصلاة وضعّفها، وذكر شبهات المضعّفين

اختلف أهل العلم في ثبوت هذه الصلاة اختلافًا شديداً، والمذهب الحق عند الاختلاف، هو الرجوع إلى التحقيق العلمي النـزيه لمعرفة الراجح من أقوالهم، فهو الفيصل في ذلك لا أشخاصهم وذواتهم، وإن ذُكرت أقوال الرجال في التصحيح والتضعيف، وذكرت اجتهاداتهم، فإنما يجب أن تذكر على سبيل التوضيح والاستشهاد، لاعلى أنها دليل بنفسها.


فأما الذين ضعَّفوها فهم:

الترمذي، والعقيلي، وابن الجوزي، وابن العربي، وابن تيمية، والشوكاني وغيرهم.


وأما الذين صحَّحوها:

فمعظم أهل الحديث نذكر منهم: ابن المبارك، وأحمد، وأبا داود، وابن منده، والآجري، والخطيب، والسمعاني، وأبا موسى المديني، والمنذري صاحب الترغيب و الترهيب، وأبا الحسن المنذري، وابن الصلاح، والديلمي، والحاكم، والعلائي، والزركشي، والمحاملي، وأبا الحسن المقدسي، والجويني، وابنه، والبغوي، والرافعي، وابن حجر الهيتمي المكي، والسيوطي، واللكنوي، وابن عابدين، ومحدث العصر شيخنا الألباني وغيرهم.


واختلفت الرواية عن النووي، والعسقلاني، والراجح عندي تصحيحهم لها، وسيأتي هذا تفصيلاً.


قول الإمام أحمد:

أما الإمام أحمد، فكان يضعف سند الحديث من طريق عمرو بن مالك، ولا يخفى على الباحث أن ضعف السند لا يعني ضعف الحديث، لاحتمال ورود الحديث من طريق آخر بسند صحيح، أو بسند عاضد للسند الأول، أو له شاهد فيصير الحديث حسنًا أو صحيحًا لغيره.


وهذا ما كان مع الإمام أحمد فقد قال:

((إسنادها ضعيف؛ كل يروي عن عمرو بن مالك -يعني وفيه مقال-)).


ففي عبارته هذه؛ دلالة على أنه يضعف أحد طرقها، لا أصل الصلاة، ومع أن هذا لايسلم للإمام أحمد في عمرو بن مالك لما أثبتناه من قبل، وقد أجابه علي بن سعيد -وهو أحد تلاميذه- فقال: ((قلت له: قد رواه المستمر بن الريان عن أبي الجوزاء، قال: من حدثك؟ قلت: مسلم (يعني ابن إبراهيم) فقال: المستمر: شيخ ثقة. فكأنه أعجبه)).


قال الحافظ:

((فكأن الإمام أحمد لم يبلغه إلا من طريق عمرو بن مالك -وهو النكري- فلما بلغه متابعة المستمر أعجبه)). نقلاً عن الآثار ((131)).


أقوال الحافظ ابن حجر:

فقد قال في ((تلخيص الحبير)) (2 / 7)، ((والحق أن طرقه -كلها- ضعيفة، وإن كان حديث ابن عباس يقرب من شرط الحسن، إلا أنه شاذ؛ لشدة الفردية فيه، وعدم المتابع والشاهد من وجه معتبر))


وقال في ((الخصال المكفرة)) بعد أن أورد حديث ابن عباس:

((رجاله إسناده لا بأس بهم… فهذا من شرط الحسن، فإن له شواهد تقوّيه)).


قلت:

هذا كلام في ظاهره متناقض! وقد حاول بعض الإخوة أن يثبتوا: أن تحسينه للحديث كان أولاً، ثم كان تضعيفه؛ وذلك من ناحية زمن كتابة النصين.


والواقع:

لا يسلم لهم هذا، وإن جهدوا في إثباته؛ لأن كثيراً من المؤلفين يكتب الكتاب ثم يعدّل فيه بعد عشرات السنين، كما هو حال من عاين ذلك.


من أمعن النظر في النصين، أدرك من الناحية العلمية، أن التضعيف كان أولاً، ثم كان منه التحسين...


وذلك أن النص الأول تضمن:

أولاً: إقراراً بالتحسين ((يقرب من شرط الحسن))

ثانيًا: شذوذه لشدة الفردية فيه.

ثالثًا: إنعدام المتابع والشاهد من وجه معتبر.


فما دام أن الحافظ قد أقرّ بالتحسين فلنبحث مسألة الشذوذ والمتابع والشاهد.


أما الشذوذ فتعريفه:

مخالفة الراوي الثقة لمن هو أوثق منه أو لمن هم أكثر عدداً.


وهذا منتف هاهنا تماماً، فإن حديث ابن عباس لم يخالَف في سنده ولا في متنه، وإلا فمن هم المخالفون..؟؟


وأما دعواه:

شدة الفردية، وانعدام الشاهد والمتابع، فمردود بتلك الروايات المتوافرة وبشهادة أهل هذا الفن؛ بل بشهادة الحافظ نفسه في ((نتائج الأفكار)): ((فإن له شواهد تقوّيه))، فهذا إثبات، والآخر نفي، والإثبات مقدم على النفي كما هو معلوم، ثم إن قوله: ((لشدة الفردية فيه)) غريب!!


إذ كيف يكون هذا، وهناك أكثر من عشرة أسانيد… معظمها حسنة أو قريبة من الحسن، فأين الفردية؟ بل إن الحافظ نفسه قد أورد في ((أماليه)) المسماة بـ ((نتائج الأفكار)) أكثر من عشرين طريقًا، ما بين معتبر وغير معتبر.. فلتراجع، فإن مما قال فيها (نقلاً عن الآثار (127): ((وردت صلاة التسبيح من حديث ابن عباس، وأخيه الفضل، وأبيهما، العباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وأبي رافع، وعلي بن أبي طالب، وأخيه جعفر، وابنه عبدالله بن جعفر، وأم سلمة، والأنصاري، وقيل: إنه جابر؛ وأما حديث ابن عباس -ثم خرجّه وذكر السند ثم قال- إسناد حسن.. ثم ذكر صدقة، وهو أحد الرواة في سند العباس، وقال: ضعيف من قبل حفظه، ووثقه جماعة فيصلح في المتابعات - ثم ذكر سند الأنصاري ثم قال - فسند الحديث لا ينحط عن درجة الحسن، فكيف إذا ضم إلى رواية أبي الجوزاء..)) ثم ذكر الذين صححوا الحديث.. وقد ذكر في النكت الظراف (4 / 367) من تحفة الأشراف عدة متابعات مقبولة فلتراجع.


فهذا -كله- يدل على أن هذا هو كلامه الأخير، لأنه - كله - مثبت مبيّن، وما سبق نافٍ ومجمل.


فتبين أن الحافظ ممن ذهب إلى تحسينه من أكثر من طريق، فضلاً عن الشواهد والمتابعات التي ذكرها، وإقراره أنها جاءت من وجه معتبر.


وهب أننا سلمنا أن كلامه في ((التلخيص)) هو الأخير، فإن كلامه فيه إنما كان عن سند ابن عباس فقط، لا على بقية الأسانيد تفصيلاً، وهذا كلام مفصل مبين في تحسين غير طريق ابن عباس، والله الهادي إلى سواء السبيل.


وقد يقول قائل:

قد أطلتم في ترجيح قول الحافظ -وهو عالم من العلماء- ولم نتعبد بقول الحافظ، ولا بغيره، وإنما تعبدنا الله بما صح.


قلت:

نعم.. كل هذا صحيح، وإنما أردنا الرد على من قال: إن الحافظ ضعّف الحديث، لا على أن قول الحافظ هو القول الفصل، والحجة الدامغة، وإنما القول الفصل، والحجة الدامغة بالحق، والمبني على التحقيق العلمي، الذي يكون الرجال عليه شهودًا، ونوراً يستضاء بهم.


والحق في مثل هذه القضية الهامة -قضية الرجال والدليل- أن لا يكون الرجال بذواتهم حجة، وأن لا يستغنى عنهم في معرفة الطريق، وبيان الحق.


ولقد ضلّ الخوارج عندما استغنوا عن العلماء، وضلّ الصوفيون عندما تعلقوا بالعلماء، واستغنوا بهم عن النصوص وعن التحقيق العلمي.


مناقشة ابن الجوزي :

ابن الجوزي من أكثر المضعفين تفصيلاً لهذه الصلاة، وأشدهم تضعيفًا، فقد أورد الحديث في موضوعاته -وكم من حديث صحيح أورده في موضوعاته- وقد انتقده الأئمة على تضعيفه لها، وإيرادها في الموضوعات، وليس ها هنا مجال للاستقصاء والتتبع، ومن أراد الوقوف على شيء من هذا فليرجع إلى ((اللآلئ المصنوعة)) للسيوطي.


وقد حكم على طريق ابن عباس بالوضع، وليس فيها حتى ولا ضعيف ضعفًا مطلقًا، أو شديداً، وكل رواتها مشهود لهم بالصدق، وغاية ما فيها: راو واحد عنده بعض الأوهام، التي تنجبر وتزول بمجيء الرواية من طرق أخرى، وأكبر دليل على وهم ابن الجوزي، ما قاله في حق موسى بن عبد العزيز: قال: ((موسى بن عبد العزيز مجهول عندنا)).


والحقيقة:

أني مازلت متعجباً من صنيع ابن الجوزي هذا، ولا أدري كيف قال هذا، وقد أطبق الأئمة على معرفته كما مر معك، كابن معين، والنسائي، وابن المديني، والذهبي، وابن حجر.


فهل يعقل أن تترك أقوال هؤلاء الأئمة، وشهاداتهم لكلام ابن الجوزي منفردًا، فضلاً عن أنه نافٍ وهم مثبتون، والمثبت مقدم على النافي، كما هو معلوم ومشهور، ثم هم أقدم منه وأعرف بالرجل، وقد ردّ العلماء على ابن الجوزي، وشنعوا عليه لإيراده هذا الحديث في الموضوعات، غفر الله له.


قال ابن حجر الهيتمي المكي:

((ذكرها ابن الجوزي في ((موضوعاته))، وشنع عليه الحفاظ في ذلك تشنيعًا بليغاً، والحاصل أن أحاديثها حسنة، إن لم تكن صحيحة؛ لكثرة الطرق، وانتفاء القوادح التي ذكرها ابن الجوزي تساهلاً منه، ومن ضعف نظر إلى كثرة الطرق من غير انضمام بعضها إلى بعض.


ومن صحّح أو حسّن نظر إلى كثرة الطرق، واطلع بعضها على مقتضى الصحيح، فكان المعتمد أن حديثها حسن أو صحيح وأنها سنة كما ذكرها مع كيفيتها أئمتنا في كتبهم)).


قال الحافظ:

(أساء ابن الجوزي بذكر هذا الحديث في ((الموضوعات))).


وقال في ((نتائج الأفكار)):

(وأفرط ابن الجوزي فذكر الحديث في الموضوعات).


وقال السيوطي:

(أفرط ابن الجوزي فأورد هذا الحديث في كتاب الموضوعات).


وقال الزركشي في تخريج أحاديث ((الشرح الكبير)):

(غلط ابن الجوزي بلا شك في إخراج حديث صلاة التسبيح في الموضوعات).


قول شيخ الإسلام ابن تيمية:

قال رحمه الله: ((فإن فيها قولين لهم، وأظهر القولين أنها كذب..))، ثم ذكر بعض من أخذ بها وبعض من لم يأخذ بها ((منهاج السنة (7 / 434))).


وهذا كلام عام في معرض تفصيل، ونفيٌ مطلق في مورد إثبات، لا يثبت أمام التحقيق العلمي، ولم يذكر شبهة حتى ترد، ولا علة حتى تُبين، غاية ما قال، هو حكاية ما عليه الناس في هذه الصلاة، وأن الراجح لديه عدم ثبوتها..


لكن؛ ما جوابه عن تلك الأسانيد الحسان، والشواهد والمتابعات، التي تؤكد صحة هذه الصلاة وثبوتها؟ سوى ما ذكره من النفي عن الأئمة لمعارضة ما أثبته غيره عن الأئمة، مثل ثبوتها عن عبد الله بن المبارك وغيره، كما سبق نقله عن الحاكم وغيره.


والحقيقة:

أن كلام شيخ الإسلام فيها مستغرب، وهو مجمل، وكلام المصححين مفسر ومفصل، وقد جاءوا بزيادة علم ينبغي قبولها، والمصير إليها -بخاصة- وأن شيخ الإسلام لم يتعرض لنقدها، ولا لشيء منها، بله لم يحقق المسألة، ولم يتتبع ما ورد فيها!! كما هو ظاهر من كلامه هذا.


مناقشة قول الترمذي:

(وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- غير حديث في صلاة التسابيح، ولا يصح منه كبير شيء) (رقم 481).


قلت:

هذا نفي، والآخرون مثبتون، وحسب قواعد مصطلح هذا العلم الشريف، وبشهادة أئمة حفاظ قد ذكرنا شهاداتهم، يرد هذا القول ولا يقبل، فقد اطلع أولئك الحفاظ على طرق أخرى، وأسانيد لم يقف عليها الترمذي، وهي زيادة علم ينبغي المصير إليها ((وفوق كل ذي علم عليم))، وهكذا معظم أقوال المضعفين لحديث هذه الصلاة، النافين لها، أطلقوا عبارات التَضعيف ولم يجيبوا عن الأسانيد التي حسنها بعض الأئمة.


خلاصة هذا مبحث المصححين والمضعفين:

أولاً: إن التحقيق العلمي الحديثي يؤيد مذهب المثبتين لهذه الصلاة.

ثانياً: إن الذين صححوا، هم أعلى درجة في التخصص بهذا العلم الشريف، والفن العظيم من الذين ضعفوها.

ثالثاً: إن الذين صححوا، إنما صححوا بناءً على تحقيق علمي، واستقصاء للطرق، واستقراء للأسانيد.


ومعظم الذين صححوها جعلوا لها مؤلفًا خاصاً، أو بحثًا مستفيضًا، ثم صححوها بناءً على دراسة وتمحيص، ونتيجة لتحقيق.

ـ فقد ألف فيها الحافظ السمعاني كتابًا سماه ((فضائل صلاة التسبيح)) وصححها.

ـ وألف الحافظ محمد بن عمر المديني كتابًا سماه ((تصحيح صلاة التسبيح)) وصححها.

ـ وألف الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي كتاباً سماه ((الترجيح لصلاة التسبيح)) وأثبتها.

ـ وألف الحافظ السيوطي كتابًا سماه ((تصحيح حديث صلاة التسبيح)) وأثبتها.

ـ وألف الحافظ عبد الوهاب السبكي كتابًا سماه ((الترشيح لصلاة التسبيح)) وصححها

ـ وألف محمد بن طولون كتاباً سماه ((ثمرة الترشيح لصلاة التسبيح)) وصححها.

ـ وفصّل ابن علان الصديقي القول فيها تفصيلاً جيداً في كتابه ((الفتوحات الربانية على الأذكار النووية)) وصححها.

ـ وفصل اللكنوي القول فيها، وتتبع طرقها في كتابة (الآثار المرفوعة) وصححها.

وغير هؤلاء من السابقين واللاحقين ممن ألف فيها أو بحث عنها، كلهم ذهب إلى تصحيحها، والرد على من ضعفها.


رابعًا: الذين ضعفوا، ليس لديهم دراسة مستفيضة، وغاية ما عندهم إطلاقات عامة، وشبه واهية، ولم يبحث أحد منهم المسألة من كل أطرافها، ولم يستقص ذيولها، ويجمع طرقها، ولم يؤلف أحدُ منهم كتابًا خاصاً فيها، ثم إنهم لم يذكروا أمرًا يمكن مناقشته سوى إطلاق التضعيف..!


المبحث الأخير: شبهات المانعين والرد عليها

الأولى: قال الشوكاني:

((وكل من له ممارسة لكلام النبوة لابد أن يجد في نفسه من هذا الحديث ما يجد)).


قلت:

إذا صحّ السند، وثبت الأمر، فلا يصح لمسلم أن يقول: إن في نفسه شيئاً من هذا الأمر.


فإن وجد المسلم في نفسه شيئاً على أمر قد ثبت، وعبادة قد صحّت، فعليه إزالته، والخضوع لأوامر الله تعالى، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- والتسليم لها وإلا؛ فلو فتح هذا الباب، لقال قوم ما قالوا، ولعطلت شرائع الإسلام وأحكامه.


ومن عجيب الأمر، أن الشوكاني نفسه في معرض الرد على أولئك الذين يعترضون على النصوص بآرائهم يقول: ((ونصب مثل هذا الكلام في مقابلة الأدلة الصحيحة الصريحة من الغرائب التي يتعجب منها))!! (نيل الأوطار الجزء الرابع صـ25)، وها نحن نتعجب ممن يردون النصوص بمثل هذا الكلام، كما تعجب هو!!


الشبهة الثانية:

قولهم: ((إن في متن الروايات اختلافاً وزيادات)).


والجواب عن هذا:

أن ليس كل حديث فيه زيادات في بعض رواياته، أو اختلاف في بعض ألفاظه، يكون حديثاً باطلاً مردوداً، وإنما تعامل هذه الروايات، وتناقش هذه الزيادات، حسب علم مصطلح الحديث، وأصوله، ولا يرد الحديث بمجرد وجود اختلاف في بعض ألفاظه، وزيادات في رواياته؛ وإلا لما صحّ من أحاديث المصطفى إلا النـزر اليسير.


فإن كثيراً من الأحاديث فيها زيادات، وفي بعض ألفاظها اختلاف، ولا أحب أن أسهب في تفصيل هذا الأمر، وضرب الأمثلة عليه لوضوحه.

وحسبك أن تعلم أن زيادة الثقة مقبولة، ومخالفته شاذة، ومخالفة الضعيف منكرة.


لكن هذا لا يؤثر في أصل الحديث، إذا صحّ لذاته أو لغيره، فكم من حديث في صحيح البخاري له زيادات منكرة في مستدرك الحاكم وغيره، وكم من حديث في ((صحيح مسلم)) له زيادات باطلة في ((مسند الفردوس)) للديلمي وغيره.


ومع ذلك؛ لم يقل أحد من أهل العلم: إن هذا يؤثر في أصل الحديث وثبوته.


وهكذا صلاة التسبيح:

فما وجد من زيادة من ثقة قبلت، وما وجد من مخالفة من ثقة لمن هو أوثق منه ردّت، وما وجد من مخالفة من ضعيف أُنكرت، والذي فعله بعضهم وبخاصة: ((صاحب التوضيح)) أنه أتى إلى بعض زيادات في الحديث غير صحيحة، فعلّق عليها، وحاول إبطال أصل الحديث لورود زيادة غير صحيحة في بعض الطرق، وهذا أمر غريب وعجيب!!


الشبهة الثالثة:

إن صلاة التسابيح تخالف هيئة الصلاة، فلذلك لا يجوز صلاتها..

وهذه من أعجب الشبه وأغربها.


وذلك لما يلي:

أولاً: هل لدى القائلين بهذا نص من كتاب أو سنة أو إجماع؛ أن كل صلاة تخالف في هيئتها الصلاةَ الأصلية فهي باطلة.. حتى نقول بقولهم..

ثانياً: هب أنهم أتوا بالمحال، وأثبتوا أن كل صلاة تخالف في هيئتها الصلاة الأصلية فهي مردودة.


أقول:

هب..، وإلا فإن دون ذلك خرط القتاد، ولمس السحاب، فإن أتوا -ولن يأتوا- فإن صلاة التسبيح -عند إمعان النظر- لا تخالف هيئتها هيئة الصلاة أبداً.


وغاية ما فيها:

زيادة عدد التسبيحات في أعمال الصلاة نفسها، دون زيادة ركن، أو إنقاص واجب، أو تغيير هيئة.


والتسبيح والذكر هو لب الصلاة وأسّها، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: ((إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح، والتكبير)) الحديث.


فهل يعتبر الإكثار من التسبيح والتحميد مخالفة لهيئة الصلاة؟!؟


وأما الجلسة التي بعد السجود الثاني قبل القيام الثاني، فليست غريبة!


وإنما هي جلسة الاستراحة التي ثبتت بالسنة الصحيحة من فِعْلِ النبي -صلى الله عليه وسلم- في سائر صلاته.. وإذن فأين الهيئة المخالفة..؟!!

هل في صلاة التسبيح ركوعان وقيامان؟

أو قيام من غير ركوع ولا سجود ولا تشهد؟


فالأولى:

الخسوف، والثانية الجنازة.

فهل هي أعظم مخالفة لهيئة الصلاة، من هاتين الصلاتين، وكذلك صلاة العيد، أفلا ردوا -إذن- هذه الصلوات المخالفة لهيئة الصلاة بدعوى المخالفة للهيئة!!


قال صاحب ((التوضيح)):

((إذا بحثنا في الصلوات المفروضة، والمسنونة، فإننا لن نجد واحدة منها تشبه هذه الصلاة)).


قلت:

وكذلك بحثنا في الصلوات المفروضة والمسنونة، فلم نجد صلاة تشبه صلاة الخسوف.. أفنردها إذن؟


إن المسألة ليست مسألة مخالفة هيئة أو عدمها.


إنما هي مسألة صحة هذه العبادة وثبوتها من عدمه، ووجوب الانقياد بعد ذلك لما صحّ، سواء خالف هيئة أم لم يخالف، وسواء وُجد في النفس منه شيء أم لم يوجد.


وخلاصة ردّ هذه الشبهة:

أن صلاة التسبيح لا تخالف هيئة الصلاة، وإن خالفتها فلا تعتبر هذه المخالفة؛ لعدم وجود ما يمنع هذه المخالفة، ولأن الله -تعالى- يشرع ما يشاء، كيف شاء: (إن الله يحكم ما يريد) (المائدة: 1)، فقد شُرعت صلاة التسبيح كما شُرعت، وشُرعت صلاة الجنازة كما شُرعت، وشُرعت سجدتا الشكر والتلاوة كما شرعتا، وما علينا إلا السمع والتسليم.


قال ابن عابدين:

((ما دامت هذه الصلاة قد ثبت حديثها في السنة، فينبغي أن يقبل، ولا يعبأ بأي اعتراض)).


ثم إن الغرابة الحقيقية، والمخالفة الواضحة لهيئة الصلاة، إنما هي في صلاة الخوف والجنازة والكسوف والعيد، لا في صلاة التسابيح التي لا يتعدى أمرها سوى زيادة التسبيحات ضمن أركان الصلاة نفسها كما سبق بيانه.


وما دمنا قبلنا تلك الهيئات المخالفة لأصل الصلاة، لثبوتها بهيئاتها عن المعصوم، فمن باب أولى قبول هذه الصلاة. وما كان جواباً عن تلك الصلوات فهو جوابنا عن صلاة التسبيح، والله الهادي إلى سواء السبيل.


الشبهة الرابعة:

((استعظام الأجر الكبير الذي ورد في الحديث مقابل هذه الصلاة وهي عمل صغير)).


وهذه كذلك من أعجب الشبه وأغربها.

فهل يستقيم لباحث أن يرد عبادة لكثرة أجرها، مع قلة العمل فيها.. يا سبحان الله..!! أفلا استعظموا أجر تفطير الصائم، وتجهيز الغازي.


فردّوا قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ فطّر صائمًا أو جهَّز غازيًا فله مثل أجره)).. رجل يصوم النهار كله، ويعاني ما يعانيه من الجهد والعطش والجوع.. وآخر له الأجر نفسه؛ رغم أنه لم يصم ولم يجع ولم يعطش، سوى أنه فطّر صائماً على تمرة واحدة.. والمجاهد الذي يقطع الفيافي، ويفترش الأرض، ويلتحف السماء، ويعاني ما يعانيه من الجهد، والنصب، ومقابلة أعداء الله، ثم يكون لمجهزه مثل أجره من غير أن ينقص من أجر المجاهد شيء.


أفلا ردوا حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بغية من بغايا بني إسرائيل، غفر الله لها لأنها سقت كلباً.. وعن رجل دخل الجنة، لرفعه عوداً من الطريق، كان يؤذي المسلمين.. ورجل علّم حديثاً واحداً، خمسين مسلماً في مجلس واحد، ثم علّم كل واحد منهم خمسين مسلماً أو أقل أو أكثر.


وهكذا إلى يوم القيامة، فله مثل أجر مئات الألوف من المسلمين، الذي تعلموا هذا الحديث بسببه، دون أن ينقص من أجورهم شيء.. أفلا نستعظم فضل الله وكرمه وأجره.. وهو الذي يجعل سيئات التائب حسنات: (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) الآية (الفرقان: 70).. فهل هناك أغرب من أن يعصي المرء خالقه، ثم يجعل الله تلك الذنوب والآثام حسنات لصاحبها؛ إذا هو تاب وأناب ورجع إلى الله.


شبهة أخرى عجيبة:

يقولون: إن الناظر في الصلوات الأخرى لا يجد أي أثر للعد.


قلت:

إذا أراد الله أن نعد في هذه الصلاة، ولا نعد في غيرها، فماذا يكون..؟


أفنقول له: يا رب، لا نصلي هذه الصلاة لأن فيها عداً، ونصلي بقية الصلوات، لأنه ليس فيها عد.. أيليق بمسلم أن يقول هذا، فضلاً عن طالب علم بله عالم؟!!


وعليهم -إذن- أن يردوا صلاة العيد؛ لأن فيها عداً للتكبيرات، وكذلك صلاة الجنازة.


ثم رأيت أن لا أستطرد في ذكر الشبه كلها، والرد عليها، نظراً لبعدها عن البحث العلمي السليم، ولأن ذكر الشبه - أحياناً - والرد عليها قد يقويها وأحياناً أخرى يكون رد الشبه من البداهة بمكان يعجز العاقل عن صياغة الرد، ومن أصعب الأمور إثبات المسلماًت، والرد على الشبه التي لا تبنى على أسس علمية.


وهذه الشبه من هذا القبيل، فهم يردون هذه الصلاة لا ستعظام أجرها؟ أو لذكر العد فيها! ومن تلك الشبه التي يغني ذكرها عن الرد عليها قولهم: إن هذه الصلاة سهلة ميسورة، فكيف يخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- المؤمنين عن صلاتها (ولو في السنة مرة)!


وقولهم:

إن الصحابة أصحاب عبادة.. فكيف استثقلها العباس، حتى قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم-: في الأسبوع مرة.. في السنة مرة.. في العمر مرة.


قلت:

العباس رضي الله عنه لم يستثقلها، إنما علق النبي -صلى الله عليه وسلم- بالاستطاعة.. ثم هذه غفلة عن أن هذا الإرشاد هو للأمة كلها، وليس خاصاً بالصحابة أو بالعباس.


وفي الأمة من يموت ولا يركع ركعة واحدة، ومراجعة العباس رضي الله عنه الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو من باب التشريع لهذه الأمة، كما أن جبريل جاء يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإسلام والإيمان والإحسان في الحديث المشهور.


وكما كان حذيفة يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الشر ويقول: فإن أدركني فماذا أفعل..؟


وعلى حد قولهم، يمكن لقائل أن يقول: إن حديث جبريل في سؤال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أركان الإسلام غير صحيح، إذ كيف يسأل جبريل وهو يعلم؟!


الخلاصـة:

إن صلاة التسابيح؛ قد ثبتت من أكثر من وجه، وعن أكثر من صحابي، وبشهادة أكثر من إمام مختص، وما أثير حولها من شبه مردود لأنه:

إذا صحت العبادة.. وجب التسليم.. وإذا صح الأثر.. بطل النظر.. هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة.


وليس من مذهبهم تعطيل النصوص بالعقل، ورد العبادات الصحيحة بالشبهات، وإبطال الصلوات الثابتة بالاحتمالات، والله الموفق للخير..

وهو الهادي إلى سواء السبيل..

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..


الفهـرس

مقدمة الطبعة الثالثة

مقدمة الطبعة الثانية:

مقدمة الطبعة الأولى:

الصلاة الأولى: صلاة الاستخارة

بين يدي الاستخارة

ما حكم الاستخارة؟

كيف يستخير العبد ربه؟

دليل الاستخارة ما حكم الاستخارة

موانع قبول الاستخارة

أسباب قبول الاستخارة

مثال عن الاستخارة

المعنى اللغوي لدعاء الاستخارة

من معاني هذا الدعاء العظيم

الأمور التي يستخار فيها

هل تكون الاستخارة في الأمور المعروفة النتائج؟

ما هي الفائدة من الاستخارة…؟

الموضوع الصفحة

كلام قيم لابن القيم في فوائد الاستخارة

ماذا يفعل العبد بعد الاستخارة؟ وكيف يعرف نيتجتها؟

هل يجوز تكرارها في الأمر الواحد؟

ضعف حديث (يا أنس إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات)

هل للاستخارة وقت مفضل؟

هل تجوز صلاة الاستخارة في أوقات النهي؟

هل هناك زمن محدد قبل الأمر المستخار له…؟

هل من دعاء مأثور بعد حصول المطلوب؟

هل لصلاة الاستخارة قراءة معينة…؟

موضع دعاء الاستخارة

ماذا يفعل المستخير إذا نسي دعاء الاستخارة؟

هل يشرع دعاء الاستخارة بعد صلاة فرض؟

هل تشرع الاستخارة في صلاة نفل راتبة؟

إذا شرع العبد بصلاة أو انتهى منها فهل تجزئه النية بعد ذلك؟

حكم الدعاء بدون صلاة

هل يجب الالتزام بنص الدعاء؟

هل يلقن الدعاء من لا يحفظ؟ أو يقرأ من كتاب؟

هل يسن رفع اليدين في الدعاء؟

هل يختم دعاء الاستخارة بشيء؟ أو يقدم بين يديه شيء؟

هل تشرع الاستخارة لأمرين في صلاة واحدة؟

هل يستخير المرء بشيء وقلبه يميل إليه؟

هل يوفق المستخير يقيناً…؟ وكيف يعرف ذلك؟

كلام لابن القيم في شرح هذه الحقيقة

هل يستشار مع الاستخارة؟

أنواع الاستخارة البدعية

هل تشرع الاستخارة عن الغير

تحقيق حديث ((من سعادة ابن آدم استخارته الله))

تحقيق حديث ((ما خاب من استخار ولا ندم من استشار))

تحقيق حديث ((اللهم خر لي واختر لي))

تحقيق حديث ((اكتم الخطبة، ثم توضأ... ثم قل: اللهم إنك تقدر...))

الخلاصـة

الصلاة الثانية.. صلاة التوبة

بين يدي الصلاة

شروط التوبة

المعينات على التوبة

ثلاث لا بد منها للتائب وثلاث يحذر منها الآيب

كيفية صلاة التوبة

قصة المزني مع الشافعي

الصلاة الثالثة.. صلاة التسابيح.. صلاة الغفران..

الموضوع الصفحة

أقوال بعض أهل العلم فيها

كيفية الصلاة

هل لصلاة التسبيح أحكام؟

فضل الذكر والتسبيح المجرد عن الصلاة

أدلة صلاة التسبيح

طرق الأحاديث والحكم عليها علميًا

ذكر من صلاّها من السلف

ذكر من صححها أو حسنها

ورود حديث صلاة التسابيح عن أكثر من عشرة صحابة

طرق حديث ابن عباس

- الطريق الأولى

- الطريق الثانية

- الطريق الثالثة

شبهات على طريق ابن عباس وردها

مؤاخذات على صاحب التوضيح

وهم لابن عدي في الكامل نجا منه الحافظ

ولكنه وقع في وهم آخر..

إنكار صاحب التوضيح توثيق الذهبي للنكري وإثبات توثيقه برقم السطر والكلمة

فائدة هامة في الفرق بين تعبيري البخاري (في إسناده نظر) و (فيه نظر)

الموضوع الصفحة

تناقض الحافظ في نفي المتابع والشاهد لصلاة التسبيح

إثبات تصحيح الحافظ لحديث صلاة التسبيح

حديث الأنصاري في صلاة التسبيح

شبهات غريبة لصاحب ((التوضيح)) والرد عليها

- خطأ صاحب التوضيح في تضعيفه الحديث للاختلاف في اسم الصحابي

- عدم إتمام كلام الحافظ

- لا يضر الراوي وصفه بالصدق مع وصفه بالثقة من الآخرين

- دعوى أن أهل الصدق لا يحتج بحديثهم

كلام ابن الصلاح في طريقة ضبط رواية الرواة

حديث أبي رافع

حديث العباس رضي الله عنه

وقفات مع صاحب ((التوضيح))

أساء صاحب التوضيح الظن بلا دليل بخيرة علماء الحديث

حديث عبد الله بن عمرو وطرقه

مناقشة صاحب ((التوضيح)) في عدم طمأنينته!

حديث علي رضي الله عنه

مناقشة إجمالية لما سبق من الطرق

شجرة الأسانيد من ثلاثة عشر طريقًا

الكلام على شجرة الأسانيد باختصار

الموضوع الصفحة

ذكر من صحح الصلاة ومن ضعفها

تحقيق في كلام الحافظ تفصيلاً والرد عليه في بعضه والموافقة في بعضه الآخر

ترجيح قول المصححين لاعتبارات غير حديثية

أسماء الكتب التي ألفت في صلاة التسبيح مع أسماء مؤلفيها

مناقشة ابن الجوزي في الصلاة وإنكار الأئمة عليه خطأه

مناقشة ابن تيمية في صحة صلاة التسبيح

مناقشة قول الترمذي

شبهات المضعفين والرد عليها

شبهة أن في المتن زيادات والرد عليها

شبهة مخالفة صلاة التسبيح لهيئة الصلاة والرد عليها

شبهة استعظام الأجر والرد عليها

شبهة عجيبة في هذه الصلاة (لأن فيها عدّاً)!

الخلاصـة

الفهرس

تم بحمد الله نقل هذا الكتاب القيم لعل الله ينفع به عامة المسلمين وأن يجعله في ميزان حسنات مؤلفه وكاتبه وناقله وكل مَنْ قرأه.. آمين.



ثلاث صلوات مهجورة 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
ثلاث صلوات مهجورة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سنن مهجورة عند النساء
» سُنَنٌ مهجورة في صلاة التراويح..
» ذكر يوم الرجيع في سنة ثلاث
» ثلاث رسائل ما بعد رمضان
» ثلاث مسائل فقهية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــافـــــــــة والإعـــــــــلام :: الكتابات الإسلامية والعامة-
انتقل الى: