"كان شعارهما في المرض، وفي الصحة معًا والى الأبد. هذا الزوج عمره 95
«المـــرض» في بيت الزوجيــة
الدكتور/ خـــالـد سعـــد النجـــار
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
حين يصاب أحد الزوجين بمرض تتأثر حياتهما تأثرًا شديدًا، ويتعرضا للتوتر والقلق، ويقع الغُرم الأكبر على الطرف الآخر السليم، الذي ينبغي أن يتحمَّل أعباء إضافية كبيرة.
ومع تبايُن حالات المرض تتباين درجة الارتباط بين الزوجين ودوام العِشرة بينهما، فهناك المريض النفسي، والمريض العقلي، والمُعاق، والمرض المُزمن، وأخيراً الأمراض المُعدية التي تختلف في ضراوتها من البسيطة إلى الشديدة التي قد تفتك بالمريض وشريكه كالجُزام وغيره ...
ولكن عموماً يبقى لكل حالة لبُوسها ولكل مقام مقاله، ويظل التحمُّل والصبر أو الانفصال متوقفاً علي مقدار الحُب والارتباط بين الزوجين، ومدى الضرر الذي قد يلحق بالطرف الآخر، ولا نستبعد وجود الكثير من النماذج الكريمة كأيوب عليه السلام في صبره، وزوجة مُضحية كزوجته.
الفأل بحياة زوجية طيبة من أروع وسائل نجاحها وبركتها؛ لأن الفأل كله خير، غير أن معرفة الواقع أمر ينبغي ألا نجهله أو نتناساه، حتى تكون النفوس أكثر استعدادًا لتقبُّله والتعامل معه، فإن من الأمور التي قد تغيب عن العروسين أن الحياة التي ينتظرانها بكل الشوق لابد أن يعتريها النقص والتعب، والمرض والنَّصب، ولا يعني هذا أبدًا أن يضع الزوجان هذه الهموم المُلازمة لحياة كل إنسان نصب أعينهما، فتتراجع خطواتهما عن الفرح والحبور .. كلا.. وإنما القصد هو أنه لابد من الاستعداد النفسي لكل طارئ أو عارض.
بصراحة...
لابد أن نصارح أنفسنا بأن هذه الدنيا مهما أسرَّتنا فلابد أن تُحزننا، ومهما أسعدتنا فلابد أن تُشجينا، وأنه لا سعادة تامَّة إلا بلقاء الله تعالى في جنته، هناك تكمُل الفرحة، وتتم البهجة.
• المرض نوع من أنواع البلاء، فمَنْ صبر عليه، ورضيَ به، كُتِبَ له الأجر إن شاء الله تعالى، ومَنْ صبر مع شريكه المُعاق أو صاحب مرض مُزمن -سواء أكان الزوج أم الزوجة- فإنه يشاركه في الأجر، ويكون له نصيبٌ طيبٌ منه يُقَدِّرُهُ اللهُ بحكمته ورحمته.
• المرض ليس اختياراً، أي إن الشخص المُصاب لم يختر بإرادته أن يكون مريضاً، وبذلك لا يكون مَدْعاةً أن يتخلّى عنه شريك حياته ويتركه.. ومن ثَمَّ فإن تخلّي أحد الزوجين عن صاحبه المريض يزيد في ألمه وحُزنه ومُعاناته بلا شك.
• ليسأل المُعافَى من الزوجين نفسه: أمَا كان يُمكن أن أكون أنا المُبتلى بهذا البلاء؟ أفكنت أرضى أن يتركني شريك عُمري؟!
• إن كانت الإصابة بالمرض أو الإعاقة قبل الزواج فقد علم بها الشريك الآخر مُسبقاً، ورضيَ بها، وليس من حُسن العِشرة والوفاء والكَرَم أن يجعلها سبباً للانفصال.
• إن كانت الإصابة بالمرض أو الإعاقة بعد الزواج فليس من حُسن العِشرة والوفاء أن يرضى أحدهما بصاحبه وهو مُعافى، ثم يتخلّى عنه ويتركه وقد ابتُلِيَ بهذا البلاء.
رأي الدين...
يقول د. محمد بن إبراهيم الغامدي (عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد):
الأمراض المُعدية التي تظهر بأحد الزوجين بعد أن عاشا مع بعض فترةً من الزمن لا يخلو من أحد حالين:
«الحالة الأولى»:
أن يكون ذلك المرض من الأمراض التي يمكن الوقاية منها بأخذ التطعيمات التي تقي -بإذن الله عز وجل- من ذلك المرض، فهذا النوع لا تأثير له، ويمكن أن يعيش الزوجان معاً، ويستمتع كل منهما بالآخر، كما كانا قبل ذلك المرض.
«الحالة الثانية»:
أن يكون من الأمراض التي لا يمكن الوقاية منها، وتنتقل عن طريق المُعاشرة الزوجية كالإيدز -عافانا الله، وإخواننا المسلمين- فهذا النوع لا يحل لأحد الزوجين كتمانه عن الآخر؛ لأن ذلك يُفضي إلى الإضرار بالآخر، بل لو تعمَّد أحدهما نقله إلى الآخر كان هذا جريمة قتلٍ عَمْدٍ، ولو أنه لا يقتل في الحال لكنه يُفضي به إلى الهلاك، ولا يَحِلُّ للزوجة إذا كان الزوج هو المُصاب أن تُمَكِنَهُ من نفسها، وكذا الحال بالنسبة للزوج؛ لأنه لا يَحِلُّ لأحدٍ أن يُلْحِقَ الضَّرر بنفسه، ولا بغيره، وقد قال الله تعالى: {ولا تُلقُوا بأيديكمْ إلى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، وقال عز وجل: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً} [النساء: 29]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ضَررَ ولا ضِرَار»[رواه أحمد، صحيح الجامع7517].
المريض النفسي حالة خاصة...
المرض النفسي يختلف عن أي مرضٍ عُضوي في كونه يختلف في صفاته وتطوره وعلاجه باختلاف شخصية المريض ومدى تحمُّله للضغوط النفسية ومستواه التعليمي والثقافي... وغير ذلك؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى خلق كل شخصية مُتفرِّدة بذاتها لها سِمَاتُها وشكلها وقوتها وعاطفتها وسُلُوكِهَا بحيث لا يمكن تقليدها في صفاتها مجتمعة بأي حال من الأحوال.
وعلى العكس من ذلك يبدو المرض العضوي كالسُّكري وضغط الدم مثلاً، فيُمكن أن يبنى قرار علاج المريض على نتائج القياس والتحاليل مثلاً، ولا يختلف الأمر كثيراً من مريض لآخر إذا صادف نفس نتائج التحاليل.
والإبقاء على العلاقة متواصلة مع شريك حياة وهو يُعاني من أمراض عقلية أو نفسية، يُعَدُّ أمراً غاية في الصعوبة.
وعِلَّةُ ذلك هي أن أي شخص يُكابد مرضاً من نوع معين مثل: الاكتئاب، اضطرابات مصدرها قلق ما، أو أي نوع آخر من أنواع الحالات النفسية المَرَضِيَّة.. فإن هؤلاء الأشخاص كثيراً ما يكونون متقوقعين داخل ظلمات آلامهم، الأمر الذي يَحُولُ بينهم وبين التواصل مع الآخرين، ومع مرور الزمن فإن المرض العقلي يمكن أن يطمس معالم العلاقة الحميمة بين الزوجين ويجني عليها، وأن يقضي على كل ما هنالك من ثقة كانت بينهما قائمة، فيمحو كل عاطفة من شأنها أن تجعل الزواج مُجْدِياً فيما لو كانت طبيعية.
أمَّا على المستوى الأسَرِيُّ فاختلال التوازن بنظام الأسرة نتيجة مرض الأب -مثلاً- سيوطد العلاقة بين الأولاد والأم بصورة قوية، ليُعوِّض الأولاد عن فقدانهم لأبيهم وهذا وضع مرضي، فالطفل يقترب للتصرفات الأنثوية التي يتعلمُها من أمِّهِ مع غياب الأب مَثَلُهُ الأعلى للسُّلوك الذُّكُوري.
كما أن وجود التوتر المستمر يجعل الكثير من الأولاد يظنُّون العصبية بالتعامل هي أمر طبيعي، فضلاً عن أن سيطرة الأم على الأسرة ليس أمرًا صِحِيًّا؛ لأن الولد قد يخاف في المستقبل التعامل مع الجنس الآخر، أو يولد لديه شعورًا بالخُمُول تجاه الجنس الآخر، وبالتالي يُصبح غير مؤهل لبناء أسرة وتحمُّل مسئوليتها.
وبالنسبة للفتاة إذا رأت أمَّها تُضْرَبُ ممكن أن تخاف التعامل مع الرجال في المُستقبل، وفي حال رؤيتها الأم مسيطرة على الأسرة قد تجد أنها لابد أن تُمارس ذات السَّيطرة على أسرتها في المستقبل، وهو ما يؤدي إلى مشكلات في التعامل مع زوجها ومع الناس أيضًا، ويأتي هنا دور الأم والزوجة التي لابد أن تكون واعية للطرق التي قد يتأثَّر بها الطفل، وأن تدع درجة مُعينة من الحُبِّ والاحترام للأب المريض، وتُحاول أن تُقدِّمَ لهم القُدوَةَ الصَّالحة بأن تُوَجِّهَ أنظارهم نحو العَمِّ أو الخال أو أستاذ المدرسة، وعن طريق الحوار تقول لهم بأن الوضع استثنائي ناتج عن المرض ليس إلا.
د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com
المصدر:
http://www.saaid.net/mktarat/alzawaj/313.htm