أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الذبائح في مناسك الحج مصادرها ومصارفها الإثنين 20 أغسطس 2018, 7:07 am | |
| مكان النَّحر وزمانه: قال تعالى في شأن المكان الذي يجب أن تنتهي إليه الهدايا {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} 2.
وقال عَزَّ مَنْ قائل المكان الذي يجب أن ينتهي إليه جزاء الصيد: {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ}.
فصارت الآية الأولى أصلاً في كل هَدي.
والثانية أصلاً في كل دم وجب كفارة.
وقد جاءت السُّنَّةُ فأوضحت ما أجملته الآيتان السابقتان: فقد ورد في صحيح البخاري عن نافع رحمه الله: "أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يبعث بهديه من جمع __________ 2 سورة الحج الآية 33.
من آخر الليل حتى يدخل به منحر النبي صلى الله عليه وسلم مع حُجَّاج فيهم الحُرُّ والمملوك" 1.
وفي سنن ابن ماجه عن جابر رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مِنَى كلها منحر وكل فِجَاج مكة طريق ومنحر.." 2..
وفي الموطأ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بمنى: "هذا المنحر وكل منى منحر" وقال في العُمرة: "هذا المنحر" يعنى: المروة وكل فجاج مكة وطرقها منحر" 3.
يتضح من هذا النصوص مجتمعة عدة أمور: الأول: أن النحر يختص بالحرم ولا يُجزىء إذا تم خارجه سواء في نسك الحج أو العمرة.
ويُستثنى من ذلك الهدى للمحصر إذا كان إحصاره قبل الوصول إلى الحرم كما يستثنى أيضاً الهدي إذا عطب في الحل.
فإن النحر في الحالين يتم في المكان الذي حدث به الاحصار أو العطب.
الثاني: أن أي جزء من مكة أو من منى يصلح مكاناً للنحر سواء كان الهدي مسوقاً في الحج أو العمرة.
الثالث: الأفضل أن يكون النحر في الهدايا التي تساق في الحج: بمنى.
أما الهدايا التي تكون لمخالفة ارتكبها المحرم في أثناء أداء العمرة، فالأفضل أن تكون بمكة 4.
ويرى بعض العلماء: أن هذا التخصيص واجب وليس فضيلة فقط 5.
أما زمان النَّحر: فيبدأ من وقت طلوع الفجر من يوم النحر، وهذا على رأي بعض العلماء الذين تمسَّكوا بمدلول قوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ __________ 1 صحيح البخاري جـ2 ص200 طبعة صبيح- القاهرة. 2 جـ2 ص236. 3 جـ1 ص278 طبعة مصطفى الحلبي الأخيرة والإشارة في قوله عليه الصلاة والسلام بمنى: "هذا المنحر": إيماء إلى المكان الذي اتخذه صلى الله عليه وسلم منحراً لهداياه في حجة الوداع: وهو عند الجمرة الأولى التي تلي مسجد منى. انظر نيل الأوطار جـ5 ص69. 4 فتح القدير جـ3 ص163. زاد المعاد جـ1 ص246. القرطبي جـ12 ص63 طبعة دار الكتب المصرية. 5حاشية الدسوقي جـ2 ص86.
عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَام} 1، حيث أضاف سبحانه النحر المذكور عليه اسم الله إلى الأيام.
واليوم يبدأ من طلوع الفجر على أحد القولين.
والقول الآخر أنه يبدأ بطلوع الشمس 2.
ويرى فريق آخر من العلماء أن وقت نحر الهدايا مثل وقت الأضاحي: أي أنه يبدأ بعد طلوع الشمس بمقدار وقت صلاة العيد وذلك لعموم حديث: ".. مَنْ ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه ومَنْ ذبح بعد الصلاة فقد تَمَّ نُسُكُهُ وأصاب سُنَّةَ المُسلمين" 3.
والأخذ بالرأي الثاني: عمل بالأحوط: للخروج من الخلاف.
وهناك عدة آراء في الوقت الذي يمتد إليه النحر، وأقواها رأيان؟ الأول: أنه ينتهي بغروب الشمس من اليوم الرابع من أيام النحر وذلك لما رواه سليمان بن موسى عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل أيام التشريق ذبح"، رواه أحمد وهو للدارقطني من حديث سليمان بن موسى عن عمرو بن دينار 4، فهذا الحديث وإن أعلّه بعض العلماء بانقطاع سنده 5، لكن رُوى من وجه آخر أنه صلى الله عليه وسلم: قال: "كل مِنَى منحر وكل أيام التشريق ذبح"، والحديث المروي من وجهين مختلفين من شأنهما أن يقوي أحدهما الآخر، كما أنه جاء من حديث أسامة بن زيد عن عطاء عن جابر.
قال يعقوب بن سفيان: "أسامة بن زيد عند أهل المدينة ثقة مأمون" 6.
وقد نقل ابن القيم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله: "أيام النحر: يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده".
ثم قال: "وهو مذهب إمام أهل البصرة: الحسن وإمام أهل مكة عطاء بن أبي رباح وإمام أهل الشام الأوزاعي وإمام فقهاء أهل الحديث الشافعي رحمه الله واختاره ابن المنذر، ولأن الثلاثة تختص بكونها أيام منى وأيام الرمي وأيام التشريق ويحرم صيامها فهي أخوة في هذه الأحكام فكيف __________ 1سورة الحج من الآية رقم 28. 2تفسير القرطبي جـ12 ص63 والموطأ جـ1 ص278. 3 نيل الأوطار جـ5 ص140. 4نيل الأوطار جـ5 ص142. 5 زاد المعاد جـ1 ص 246. 6 نيل الأوطار جـ5 ص142.
تفترق في جواز الذبح بغير نص ولا إجماع" 1.
القول الثاني: ينتهي بغروب الشمس من اليوم الثالث من أيام النحر وبهذا قال مالك وأبو حنيفة والثوري وأحمد بن حنبل وروي ذلك عن أبي هريرة وأنس بن مالك رضي الله عنهما من غير اختلاف عنهما واستدل هذا الفريق بمدلول قوله تعالى: {فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَات} الآية.
وهذا جمع قلة لكن المتيقن منه الثلاثة وما بعد الثلاثة غير متيقن فلا يعمل به 2.
وأقول: العمل بالأول: أيسر إذ يُمنح الناس فرصة أوسع للحصول على الهَدى لِمَنْ لم يكن لديه هَدى - وللعثور على الجزَّار الذي يقوم بالذبح بالإنابة لِمَنْ لم تكن لديه المعرفة به.
قال ابن عبد البر: "ولا يصح عندي في هذا -إشارة إلى أقوال العلماء في نهاية النحر- إلا قولان: أحدهما: قول مالك والكوفيين والآخر: قول الشافعي والشاميين، وهذان القولان، مرويان عن الصحابة فلا معنى للاشتغال بما خالفهما..".
هل يُجزئُ الذَّبحُ ليلاً: يرى بعض العلماء أن الذبح بالليل لا يجوز لقوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} فذكر الأيام.
وذكر الأيام دليل على أن الذبح في الليل لا يجوز.
ويرى أكثر أهل العلم جوازه لأن الليالي داخلة في الأيام ونقول في هذين الرأيين، ما قلناه في المسألة السابقة.
كيفية النَّحر المشروع: كان هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في إراقة الدماء: نحر الإبل قياماً مُقيَّدة معقولة اليُسرى على ثلاث وكان يُسمِّي اللهَ عند النَّحر ويُكبِّر ويقول: لا إله إلا الله: اللهم منك ولك، وكان إذا ذبح البقر والغنم وضع قدمه على صفائحها ثم سمَّى وكبَّر.
وكان صلى الله عليه وسلم يذبح نُسُكه بيده وربما وكّل في بعضها كما ورد أنه __________ 1اد المعاد جـ1 ص246. 2 تفسير القرطبي جـ12 ص 43.
صلى الله عليه وسلم وكَّلَ عليًّا رضي الله عنه في ذبح ما بقي من المائة بدنة.
ويُسَنُّ في حق الأمة الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في الكيفية السابقة لكن إن ضعف إنسان أو تخوَّف أن تنفلت بدنته فلا بأس أن ينحرها معقولة وفي هذه الحالة يكون نحرها باركة أفضل له من أن تُعرقب 1، قوائمها.
مصارف الدماء في المناسك: الأصل في هذا قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} 2.
وقوله جل علاه: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} 3.
وقد تُراق في المناسك هاتان الآيتان بجلاء عن المصارف التي ينبغي أن تتجه إليها الدماء التي تراق في المناسك أو بسببها...
وقد انحصرت هذه المصارف إجمالاً في جهتين: الجهة الأولى: أكل صاحب النُّسُك من نُسُكِهِ، تأسياً برسول الله - صلى الله عليه وسلم.
الجهة الأخرى: إطعام البائسين: من ذوي الفاقة والحاجة...
وسنحاول فيما يلي بيان الأحكام المتعلقة بكل جهة، ثم نعقب ذلك بالبحث عن الطريقة المثلي في كيفية وصول هذه الذبائح إلى مستحقيها الحقيقيين.
مدى حق صاحب النُّسُك في الأكل من نُسُكِهِ: أقول بادئ ذي بدء: إن هناك اتفاقاً بين العلماء على أن الأمر بالأكل في الآيتين السابقتين ناسخ لما كان عليه أهل الجاهلية من الامتناع عن أكل شيء من نُسُكِهِمْ فأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم وأمته، من خلال هاتين الآيتين بمخالفتهم وقد بدأ صلى الله عليه وسلم تنفيذ هذا الأمر بنفسه حيث أمر -صلى الله عليه وسلم- من كل بدنة ببضعة فجُعلت في قدر فطُبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها 4. __________ 1 الجامع لأحكام القرآن جـ12 ص63. 2 سورة الحج من الآية رقم 28. 3 سورة الحج من الآية رقم: 36. 4 نيل الأوطار جـ5 ص119. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الذبائح في مناسك الحج مصادرها ومصارفها الإثنين 20 أغسطس 2018, 7:11 am | |
| الدماء التي لا يجوز لصاحبها الأكل منها: 1- هدي التطوع: الذي يعطب قبل وصوله إلى المحل الذي سيق إليه وهو البيت الحرام، لما رواه أبو قبيصة: ذؤيب بن حلحلة قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث معه بالبدن ثم يقول: وإن عطب منها شيء فخشيت عليها موتاً فانحرها ثم اغمس نعلها في دمها ثم اضرب به صفحتها ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك" رواه أحمد ومسلم وابن ماجه 1.
فهذا الحديث واضح في إفادة عدم جواز أكل صاحب الهدي أو مَنْ يُرافق سائق الهدي منه، إذا نحر أو ذبح قبل محله بسبب عطبه.
وهل يمنع أيضاً إذا كان الهدي الذي عطب قبل محله هَدي فرض كدم المُتعة أو القِرَان؟.
يرى بعض العلماء: أن المنع عام: أي في التطوع والفرض لعموم حديث قبيصة وما ورد في معناه.
إذ ليس فيه ما يشير إلى أن هذا الحكم خاص بهَدي التطوع دون الفرض.
ويرى فريق آخر: أن المنع خاص بهدى التطوع لأن الهدايا التي ورد بشأنها الحديث كانت للتطوع فيقتصر الحكم المستفاد منها على ما يماثلها.
أما هَدى الفرض وكذلك جزاء الصيد وفدية الأذى ونذر المساكين، فهو مضمون من صاحبه أي يلزمه بدله إذا عطب قبل محله لذلك يجوز له الأكل منه وأن يطعم الأغنياء والفقراء ومَنْ أحب 2.
وهذا هو المختار: لأن الهدايا التي ورد بشأنها حديث قبيصة وما في معناه لم تكن كلها للتطوع بل منها ما هو فرض لأنه صلى الله عليه وسلم كان قارناً في أرجح الأقوال.
ولأن صاحب الهَدى العاطب لما أغرم بدله صار الحيوان العاطب كأن لم يخرج عن ملكه.
وبناءً عليه: فإنه يجوز له أن يتصرَّف فيه تصرف المالك في ملكه من الأكل أو إطعام الغير.
إلا أنه مُنِعَ من البيع منه لما فيه من معنى العبادة والله أعلم. __________ 1 المرجع السابق جـ5 ص118. 2 انظر نيل الأوطار جـ5ص119. وتفسير القرطبي جـ12 ص45.
كما أن الظاهر من قوله: لا تطعمها أنت ولا أحد من رفقتك ليس خاصاً بصاحب الهَدى وسائقه بل عموم الرفقة الذين يرافقون الهدايا سواء كانوا من أتباع صاحب الهدايا أو لا لظاهر النهي، ولأن الحكمة من هذا النهي هو سد الذريعة حتى يجتهد الرفقة في المحافظة على الهدايا ولا يتركوها حتى تُشرف على العطب لعلمهم أنهم لن يستفيدوا منها شيئاً إذا أشرفت على العطب ونحروها، بل سيستفيد بها غيرهم من الناس.
2- دماء النَّذر. فإذا نذر الحاج شيئاً للمساكين وعيَّنه بلفظ أو نيَّة بأنه قال بلسانه: هذا نذر للمساكين، أو نواه بقلبه، فلا يحل له تناول شيء منه وهو ما يشير إليه قوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} 1، إذ معنى الأمر بوفاء النذر: هو إخراجه كاملاً سواء كان هدياً أو غيره والأكل منه يتنافى مع الكمال المطلوب في وفاء النذر 2.
3- جزاء الصيد لأن الله سبحانه وتعالى جعله للمساكين بقوله عز وجل: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} 3 وهذا على قراءة طعام بكسر الميم على قراءة نافع 4.
ويُستدل على هذا وما قبله أيضاً بما أخرجه البخاري عن عبيد الله ابن عمر العمري عن نافع ابن عمر انه قال: "لا يؤكل من جزاء الصيد والنذر ويؤكل مما سوى ذلك" 5.
4- فدية الأذى: لأن المطلوب أن يأتي بها كاملة من غير نقص سواء كانت لحماً أو غيره 6.
وقد روى سعيد بن منصور في سنته عن عطاء: "لا يؤكل من جزاء الصيد ولا مما يجعل للمساكين من النذر غير ذلك ولا من الفدية ويؤكل مما سوى ذلك" 7.
وإذا حدث تَعَدٍّ من صاحب الهَدي فأكل من الهدايا التي منع من الأكل منها، فهل يغرم هَدياً كاملاً، أو يغرم قيمة ما أكل، رَجَّحَ ابن العربي القول الثاني، __________ 1 سورة الحج من الآية رقم 29. 2 تفسر القرطبي جـ12 ص45. 3سورة المائدة الآية 95. 4 تفسير القرطبي جـ12 ص 46. 5 انظر فتح الباري جـ4 ص305. 6تفسير القرطبي جـ12 ص45. 7 انظر فتح الباري جـ4 ص 305.
لأن النحر قد وقع، والتَّعَدِّي إنما حدث على اللحم فقط فيغرم قدر ما تَعَدَّى 1.
أما هدايا المُتعة والقِرَان والتطوع فيجوز لأصحابها الأكل منها لأنهما دماء نُسُك فهي بمنزلة الأضاحي، وقد أشرنا فيما سبق إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل من لحمها وحسا من مرقها، كما أنها باقية على العموم المُستفاد من قوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} 2.
وكذلك الآثار المروية عن السَّلف فيما سبق تدل على بقاء حلها لأصحابها ودخولها في عموم الآية السابقة وقد جاء في آخرها: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}.
حكم أكل صاحب الهَدي من هَديه: الأمر الموجه لصاحب الهَدي بالأكل من هَديه المُستفاد من قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا} الآية: هو للندب عند جمهور العلماء خلافاً لمن أوجب ذلك منهم، لظاهر قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا} وأيضاً لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: "كلوا وتزودوا" 3.
ويُرَدُّ عليهم بأن أسلوب الأمر كما يأتي للطلب المقتضى للوجوب قد يأتي للندب بل قد يأتي للإباحة كقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} 4.
ومعلوم أن الصيد بعد انتهاء الإحرام مباح وليس واجباً.
قال ابن جرير الطبري: تعليقاً على الأمر بالأكل في قوله تعالى: "{فَكُلُوا مِنْهَا} وهذا الأمر من الله جل ثناؤه أمر إباحة لا أمر إيجاب وذلك أنه لا خلاف بين جميع الأئمة: أن ذابح هَديه أو بدنته هنالك إن لم يأكل من هَديه أو بدنته أنه لم يضيع له فرضاً كان واجباً عليه فكان معلوماً بذلك أنه غير واجب" 5.
ثم نقل بسنده عن عطاء ومجاهد أنهما قالا: "إن الأكل رخصة إن شاء أكل وإن شاء لم يأكل، وهي كقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}.
وقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ}" 6.. __________ 1 تفسير القرطبى جـ12 ص 305. 2سورة الحج الآية رقم 36. 3 نيل الأوطار جـ5 ص 144. 4 سورة المائدة رقم 2. 5 جامع البيان في تفسير القرآن للطبري جـ17 ص 109 دار المعرفة -بيروت- لبنان. 6 سورة الجمعة الآية رقم 10.
السؤال: هل لصاحب الهَدي، الذي يندب له الأكل من هَديه مقدار مُعَيَّن يلتزم بأكله كثلث الهَدي أو نصفه مثلاً بحيث لا يحوز له الزيادة عليه أو النقص منه؟.
الجواب: ليس هناك نص صريح من الكتاب أو السُّنَّةِ يلزم صاحب الهَدي بأكل مقدار مُعَيَّن من هَديه.
أما ما قيل من أنه يأكل النصف ويتصدَّق بالنصف تمسكاً بظاهر قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} فإنه يُرَدُّ عليه بأن هذه الآية أفادت أفضلية الجمع بين الأمرين: الأكل والإطعام بدون تحديد لمقدار ما يخص كل واحد منها.
وهذا يقال أيضاً في الرد على مَنْ قال: يأكل الثلث ويُهدي الثلث ويتصدَّق بالثلث لظاهر قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرّ}.
نعم يُستحب له أن يجمع بين الثلاثة ولكن ليس بلازم، لأن هذا الالتزام يتعارض مع النصوص الصحيحة الواردة في هذا الموضوع فقد ورد أن الرسول عليه الصلاة والسلام ضحَّى بشاةٍ ثم قال: "يا ثوبان أصلح لي لحم هذه، قال فما زلت أطعمه منه حتى قدم المدينة".. رواه أحمد ومسلم 1.
وقد سلفت الإشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام أمر بأخذ جزء غير محدد من كل بدنة فطُبخت له فأكل منها وشرب من مرقها, ومعلوم أن هذا الجزء كان يسيراً جداً بالنسبة لعدد البُدن التي نُحِرَت.
كما ورد أيضاً أنه نحر هَدياً وتركه نُهبة للناس دون أن يأكل منه شيئاً؟ فقد ورد في حديث عبد الله بن قرط: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعد أن نحر خمس أو ست بدنات..: "مَنْ شاء ليقتطع" 2.
مدى حق الفقراء في الأكل من الهدايا: المُراد بالبائس الفقير في قوله تعالى: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}، من واقع أقوال السلف رضي الله تعالى عنهم: نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أنه الزَّمِن الفقير" 3. __________ 1 نيل الأوطار جـ5 ص114. 2 نيل الأوطار جـ5 ص114. 3 جامع البيان جـ17ت ص109.
وقال مجاهد: "البائس: الذي يمد إليك يديه "1.
وقال عكرمة: "البائس المضطر الذي عليه البؤس، والفقير المتعفف " 2.
وقال ابن جرير: "البائس: هو الذي به ضر الجوع والزمانة والحاجة والفقير الذي لا شيء له" 3.
فابن جرير رحمه الله: "لا يرى مانعاً من أن تكون هذه المعاني كلها مرادة من قوله تعالى: {الْبَائِسَ} كما يرى: أن البائس غير الفقير وإن كان مشتركاً معه في الحاجة، لكن مع وجود التفاوت في المدى بين المحتاجين فالزمن المحتاج أولى من غيره، والمتعفّف أولى من السائل والذي أضربه الجوع أولى من غيره ممن لم تصل به الحاجة إلى ذلك وهكذا..".
وعلى ذلك فينبغي: أن يُراعي هذا التفاوت الظاهر في مدى الحاجة من جهة صاحب الهدي، أو الذي يتولى الإطعام، أو تقسيم اللحم أو توزيعه، بحيث يعطي كلاً بقدر حاجته.
وأما المراد بقوله تعالى: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَر}: فأكثر الأقوال على أن القانع: هو السائل.
والمعتر الذي يأتيك معتراً بك يعنى عارضاً لك نفسه - لتعطيه وتطعمه 4.
والوصفان وإن كانا يشتركان في وصف الحاجة لكن ينبغي أن يُراعي حال كل منهما بحيث يعطى قدر حاجته. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الذبائح في مناسك الحج مصادرها ومصارفها الإثنين 20 أغسطس 2018, 7:14 am | |
| هل لحوم الهدايا من حق فقراء عامة المسلمين في كل أرض؟ هل المراد بالمحتاجين في الآيتين: هم محتاجوا الحرم خاصة أم هم المحتاجون من عامة المسلمين في جميع أمصارهم؟
يرى الحنابلة: أن الهدايا توزع على المساكين من أهل الحرم خاصة والمُراد بأهل الحرم هنا: كل مَنْ كان بالحرم وقت الذبح سواء كان مقيماً به أم لا 5. __________ 1 المرجع السابق. 2 المرجع السابق. 3 المرجع السابق جـ 17 ص 121. 4 المرجع السابق. 5 المغني جـ3 ص385.
ولم أجد أحداً غيرهم من الفقهاء قد خَصَّ أهل الحرم بالهدايا دون بقية المسلمين.
بل ظاهر النصوص يفيد العموم، دون تفرقة بين مساكين الحرم وغيرهم.
من ذلك ما يلي: 1- جاء في حديث عبد الله بن أرقط المتقدم وفيه: "مَنْ شاء اقتطع".
2- ما جاء في حديث ناجية الخزاعي وكان صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "قلت: كيف أصنع بما عطب من البدن قال: انحره واغمس نعله في دمه واضرب صفحته1، وخَلِّ بين الناس وبينه فليأكلوه.." رواه الخمسة إلا النسائي 2.
ومعلوم أن العطب قد يكون بالحرم وقد يكون في الحِلِّ، وفيه إباحة لكل موجود في ذلك الموضع أن يأكل منه.
3- جاء في حديث عُمْرَة الحُديبية والصُّلح: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا فرغ من قضية الكتاب قال لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا.." رواه أحمد والبخاري وأبو داود 3، قال الإمام البخاري في صحيحه: "والحديبية خارج من الحرم"4.
هذه الأحاديث وما ورد في معناها، بالإضافة إلى صيغة العموم المُستفادة من الآيتين في قوله تعالى: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}، وقوله عز شأنه: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرّ}، كلها تفيد: أن الهدايا ليست قاصرة على مساكين الحرم وحدهم بل هي من حق المساكين من عامة المسلمين سواء كانوا في الحرم أو خارجه.
نعم: أهل الحرم إن كانوا في حاجة إليها فهم أولى من غيرهم مِمَّنْ هم خارج الحرم.
وحتى على رأى مَنْ يرى أنها خاصة بأهل الحرم فإنها تتعدَّاهم إلى غيرهم إذا عدم المستحقون لها داخل الحرم.
وإذا كانت النصوص من الكتاب والسُّنَّةِ تفيد أن هذه اللحوم من حق فقراء __________ 1 أي صفحة سنامه ليعلم أنه هدى. 2 نيل الأوطار جـ5 ص118. 3 المرجع السابق. 4 جـ3 ص11 طبعة صبيح.
المسلمين، في كل أرض، فإن الواقع اليوم يُحَتِّم علينا العمل بموجب هذه النصوص بحيث تصل هذه المستحقات إلى أصحابها الحقيقيين مِمَّنْ هم في حاجةٍ إليها فعلاً.
وأنه يجب على الحكومات الإسلامية أن تتعاون مع المسئولين في المملكة العربية السعودية في البحث عن الطريقة المُثلى التي يمكن سُلوكها لتوصيل هذه الحقوق إلى مستحقيها.
إن تحقيق هذا الأمر لم يكن ملحاً وعاجلاً في يوم من الأيام منذ أن فرض الله الحج على الناس، مثل ما هو ملح وعاجل اليوم..
وذلك بسبب الظروف الطارئة الآتية: 1- ازدياد عدد المسلمين الذين يؤدون فريضة الحج أو العمرة كل عام في السنوات الأخيرة زيادة كبيرة، مما أدى إلى زيادة الذبائح التي تذبح كل عام بكميات تفوق كثيراً حاجة الحجيج في أيام التشريق.
2- التطور الكبير الذي حدث في وسائل المواصلات في العصر الحديث أدى إلى اختصار الوقت الذي كان يقضيه الحجاج في الأماكن المقدسة وبالتالي قلت حاجتهم إلى التزود مما يذبح في أيام التشريق.
3- ارتفاع نفقات الحج والعمرة في السنوات الأخيرة -تبعاً لموجات التضخم العالمي- أدَّى إلى احتجاب الفقراء نسبياً - عن أداء هذه الشعائر وكان هذا العنصر يكاد يعتمد اعتماداً كلياً على ما يتزوَّد به من لحوم أيام التشريق، في إعاشته حتى يقضي بقية أيامه في مكة وبهذا السبب نفسه صار الأداء لهذه الشعائر قاصراً على الطبقات القادرة وهذه لديها إمكانات الإعاشة التي تعتمد عليها أثناء إقامتها في موسم الحج مما يجعلها لا تفكر في الاستفادة بلحوم الهدايا التي تتوفر في المجازر أيام التشريق.
4- تعاون بعض الحكومات الإسلامية مع حجاجها في تحمل بعض النفقات وتنظيمها لإقامتهم وتوفيرها لوسائل إعاشتهم مسبقاً، أدى إلى انصراف تفكير كثير من الأفراد عن الذهاب إلى المجازر وحمل بعض لحوم الهدايا منها.
5- يُضاف إلى هذه الأسباب سبب هام كان له أثر كبير في ظهور هذه المشكلة وتفاقمها في السنوات الأخيرة، هذا السبب هو تحسن الأحوال الاقتصادية في المملكة العربية السعودية تحسُّناً كبيراً في السنوات الأخيرة، مما أدَّى إلى زيادة دخول الأفراد فيها زيادة كبيرة جعلتهم لا يقبلون على الاستفادة مما يُذبح في المناسك كما كان عليه الحال من قبل.
هذه الأسباب مجتمعة - إلى جانب بعض أساب أخرى أقل أهمية أدَّت إلى كثرة ما يُنحر في المناسك في الوقت الذي ضاقت فيه أوجه تصريفها نظراً لانصراف الأفراد عنها من جهة ولقلة وجود مستحقين بالقرب منها من جهة أخرى.
الحل: سنحاول فيما يلي البحث عن أفضل الطرق لاستفادة المسلمين بهذه الثروة الحيوانية تجنب الأخطار المترتبة على استمرار الوضع الحالي: عن طريق عرض بعض الأفكار التي لها أصل في الدين وارتباط بمصلحة المسلمين.
البدائل الثلاث: الفكرة الأولى. أو البديل الأول: هل يمكن الاستعاضة عن ذبحها في الحرم: وذلك بدفع قيمتها نقداً لجهة معينة تتخصص لهذا الغرض ثم بعد نهاية الموسم ترسل هذه المبالغ إلى الجهات التي تكون في حاجة ماسَّة إليها من جهات المسلمين، توزع عليهم نقداً أو يُعمل لها مشروعات خيرية علاجية أو تعليمية.
وهذه الفكرة وإن لم تكن لها أصل في باب الهدايا لكن يمكن قياسها على الزكاة حينما لا يوجد لها مستحقون في موضع الوجوب فيرى كثير من الفقهاء أنه يمكن الاستعاضة بالقيمة وترسل هذه القيمة إلى الجهات التي تكون في حاجة إليها وقد استند هذا الفريق لما أخرجه البخاري عن طريق طاووس: "قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن: ائتوني بقرض: ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة: أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة" 1.
ولِمَا أخرجه البخاري أيضاً بسنده عن ثمامة أن أنساً رضي الله عنه حدَّثه أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له: "التي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم: ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده، وعنده بنت لبون فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق __________ 1 فتح الباري جـ4 ص54 والخميص ثوب طوله خمسة أذرع.
عشرين درهماً أو شاتين، فإن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها وعنده ابن لبون فإنه يقبل منه وليس معه شيء" 1.
الفكرة الثانية: أو البديل الثاني: أن تذبح الهدايا في مواضعها التي شرعت للذبح فيها ثم تُباع هذه الذبائح عن طريق هيئة خاصة تتولى تسويقها ثم بعد انتهاء الموسم ترسل هذه المبالغ إلى الجهات التي تكون في حاجة ماسَّة إليها من جهات المسلمين.
وقد أجاز عدد من الفقهاء كالإمام الأوزاعي والإمام أحمد وإسحاق وأبو ثور: "بيع جلود النعم وجلالها التي تذبح في الهدايا وهو وجه عند الشافعية، وقالوا: تصرف الثمن في مصرف الأضحية" 2.
أي أن مبدأ البيع نفسه وارد عند فقهاء الشريعة في وقت لم تكن هناك حاجة للبيع.
أما الآن ووسط الظروف المحيطة بالموقف في مِنَى وبحاجة المسلمين في الخارج فإن هذا المبدأ يجب أن يأخذ طريقه إلى البحث الجاد من قبل علماء الشريعة والقائمين على تنفيذها وأن يجدوا مجالاً للتوفيق بين بعض النصوص التي وردت في النهي عن البيع وبين هذا الموقف الذي يزداد خطورة عاماً بعد عام.
الفكرة الثالثة: أو البديل الثالث: إنشاء مصنع لحفظ اللحوم وتعليبها ثم توزيعها على الجهات التي تكون في حاجة إليها.
قد يُثار إشكال: وهو أن هذا المصنع لن يعمل أكثر من ثلاثة أشهر ثم يتوقف عن العمل بقية السنة مما يعرض آلاته للتلف.
أقول: إن بعض مصانع السكر في مصر تعمل مثل هذه المدة من السنة، وهناك مصانع تعمل أقل منها، ومصانع تعمل أكثر منها، وجميع هذه المصانع تتوقف بقية العام ولم يقل أحد: إن هذا المصانع قد تلفت أو معرضة للتلف. __________ 1المرجع السابق جـ4ص55. 2 نيل الأوطار جـ5 ص147.
وعلى أي حال، يمكن حل هذا الإشكال -على فرض وجوده- وهو أن يعمل المصنع بعد انتهائه من حفظ وتعليب لحوم الهدايا، في حفظ وتعليب لحوم الحيوانات التي يمكن أن تستوردها الحكومة أو المؤسسات أو الأفراد بقية العام.
وهذا المبدأ موجود في كثير من البلدان الأجنبية، وهو أن تقوم الدولة بإنشاء المصانع على أن تستورد خاماتها من الخارج وتصنعها، ثم تقوم بإعادة تصديرها إلى الخارج مواد مصنعة.
وأقول في نهاية حديثي: إن هذا الموقف يجب أن يُعالج بسرعة وبحسم وأن تشترك في علاجه كل الحُكُومات الإسلامية مع المملكة العربية السعودية، لأن فائدته ستعمُّ معظم بلاد المسلمين، كما أن أضراره ليست قاصرة على رعايا المملكة وحدهم.
وأقول أيضاً: إن هذه الأفكار التي عرضتها ليست هي كل الحلول التي يمكن تنفيذها، بل هي مجرد نماذج يمكن وضعها على بساط البحث والمناقشة.
ومن خلال ذلك سيتوصل العلماء إلى وضع حلول مناسبة، ترعى لهذه الأماكن قدسيتها ولهذه المشاعر تعظيمها ولفقراء المسلمين حاجتهم. والله ولي التوفيق..
دكتور: أحمد علي طه ريان أستاذ مساعد بكلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية.
المصدر: المكتبة الشاملة. |
|