نوع الهَدْي:
فهو من الإبل أو البقر أو الغنم الضأن والمعز لقوله تعالى:
«وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الاٌّنْعَـمِ فَإِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ».
وبهيمة الأنعام هي الإبل والبقر والغنم.
وتجزئ الواحدة من الغنم في الهَدْي عن شخص واحد.
وتُجزئ الواحدة من الإبل أو البقر عن سبعة أشخاص لحديث جابر -رضي الله عنه- قال: “أَمَرَنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نشتركَ في الإبل والبقر، كلُّ سبعةٍ منا في بَدَنة» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وأما ما يجبُ أن يتوافر فيه:
فيجب أن يتوافر فيه شيئان:
1 ـ بلوغ السن الواجب وهو خمس سنين في الإبل، وسنتان في البقر، وسنة في المعز، وستة أشهر في الضأن، فما دون ذلك لا يُجزئ لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “لا تذبحوا إلا مُسنة إلا أن يَعسر عليكم فتذبحوا جذعةً من الضأن» رواه الجماعةُ إلا البخاري.
2 ـ السلامة من العيوب الأربعة التي أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- باتقائها وهي:
ـ العوراء البيِّن عورها والعمياء أشد فلا تُجزىء.
ـ المريضة البيِّن مرضها بجرب أو غيره.
ـ العرجاء البيِّن ضلعها، والزمنى التي لا تمشي، ومقطوعة إحدى القوائم أشدُّ.
ـ الهزيلة التي لا مُخَّ فيها.
لما روى مالك في “الموطأ» عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئل: ماذا يُتقى من الضحايا، فأشار بيده وقال: أربعاً، وكان البراء يُشيُر بيده ويقولُ: يدي أقصر من يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، العرجاء البيِّن ضلعها، والعوراء البيِّن عَورها، والمريضة البيِّن مرضها، والعجفاء التي لا تُنقى.
فأما العيوب التي دون ذلك كعيب الأذن والقرن فإنها تُكره، ولا تمنع الإجزاء على القولِ الراجح.
وأما ما ينبغي أن يتوافر في الهَدْي، فينبغي أن يتوافر فيه السِّمَنُ والقوة وكبر الجسم وجمال المنظر، فكلما كان أطيب فهو أحب إلى الله عز وجل، وإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.
وأما مكان ذبح الهَدْي:
ففي منى، ويجوز في مكة -حرسها الله- وفي بقية الحرَم، لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “كل فجاج مكة -حرسها الله- منحرٌ وطريقٌ» رواه أبو داود.
وقال الشافعي رحمه الله:
الحرَم كله منحر؛ حيث نحر منه أجزأه في الحج والعمرة.
وعلى هذا فإذا كان ذبحُ الهَدْي بمكة -حرسها الله- أَفيد وأنفع للفقراء فإنه يذبح في مكة -حرسها الله-، إما في يوم العيد، أو في الأيام الثلاثة بعده.
ومَنْ ذبح الهَدْي خارج حدود الحرم في عرفة أو غيرها من الحِلِّ لم يُجزِئه على المشهور.
وأما وقت الذبح:
فهو يوم العيد إذا مضى قدر فعل الصلاة بعد ارتفاع الشمس قدرَ رُمحٍ إلى آخرِ أيام التشريق، لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحر هديه ضحى يوم العيد، ويُروى عنه صلى الله عليه وسلّم أنه قال: “كل أيام التشريق ذبح».
فلا يجوز تقديم ذبح هدي التمتع والقِرَان على يوم العيد ومن ذبح قبله فلا يجزئ، لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يذبح قبل يوم العيد وقال: «خُذوا عني مناسككم»، وكذلك لا يجوز تأخير الذبح عن أيام التشريق لخروج ذلك عن أيام النحر. ويجوز الذبح في هذه الأيام الأربعة ليلاً ونهاراً، ولكن النهار أفضل ويوم العيد أفضل وهكذا.
وأما كيفية توزيع الهَدْي:
فقد قال الله تعالى: «فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ»، (وأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجته من كل بدنة بقطعة فجُمعت في قدر فطبخت، فأكل من لحمها وشرب من مرقها) رواه مسلم.
فالسُّنَّة أن يأكل من هديه ويُطعم منه غيره ومال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم إلى وجوب الأكل منه وصرح به الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمهما الله-، ولا يجزئ أن يذبح الهَدْي ويرمي به بدون أن يتصدَّق منه وينتفع به، ولا يحصل به الإطعام الذي أمر الله به، إلا أن يكونَ الفقراء حوله فيذبحه ثم يُسلمه لهم، فحينئذ يبرأ منه.
في محظورات الإحرام
1. مالا يجب فيها شيء:
• عقد النكاح، لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«لا يَنكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب» رواه مسلم.
فلا يجوز للمُحرم أن يتزوج امرأةً ولا أن يعقدَ لها النكاحَ بولايةٍ ولا بوكالةٍ، ولا يخطبُ امرأةً حتى يُحِلَّ من إحرامه.
• ولا تُزوَّج المرأةُ وهي محرمةٌ.
وعقدُ النكاح حالَ الإحرام فاسدٌ غير صحيح، لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَن عمل عملاً ليس عليه أمُرنا فهو رد».
2. ما يجب فيها المثل:
• الصيد، قتل الصيد، والصيد:
كل حيوان بري حلال متوحش طبعاً كالظباء والأرانب والحمام، لقوله تعالى: «وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ»، وقوله: «يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَـلِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَـكِينَ أَو عَدْلُ ذلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ» .
فلا يجوز للمُحْرِم اصطياد الصيد المذكور، ولا قتلُه بمباشرةٍ أو تسبب أو إعانةٍ على قتلهِ بدلالةٍ أو إشارةٍ أو مناولةِ سلاحٍ أو نحو ذلك.
وأما قطع الشجر فليس حراماً على المُحرم من أجل الإحرام، لأنه لا تأثير للإحرام فيه، وإنما يَحرمُ على من كان داخل حدود الحرَمِ سواءٌ أكان محرِماً أم غيرَ محرم، وعلى هذا يجوز قطع الشجر في عرفة للمُحرِم وغير المُحرِم، ويحرَّم في مزدلفة ومنى على المحرم وغير المحرم لأن عرفة خارجُ حدودِ الحرم، ومزدلفة ومنى داخل حدودِ الحرمِ.
3. ما يجب فيها بدنة:
الجماع:
وهو ايلاج الحشفة أو مقدارها في فرج أصلي في قبل أو دبر من انسان أو حيوان أو جني عند من يقول بإمكانية ذلك (11)، «فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يأُوْلِي الأَلْبَـبِ».
والرفث الجماع ومقدماته، والجماع أشد محظورات الإحرام تأثيراً على الحج وله حالان:
الحال الأولى:
أن يكون قبلَ التحللِ الأول فيترتب عليه شيئان:
أ ـ وجوب الفدية وهي بَدنَة أو بقرة تُجزئ في الأضحية يذبحها ويُفرقها كلها على الفقراء، ولا يأكل منها شيئاً.
ب ـ فساد الحج الذي حصل فيه الجماع، لكن يلزم إتمامه وقضاؤه من السُّنَّة القادمة بدون تأخير.
قال مالك في “الموطأ»:
بلغني أن عمر وعلياً وأبا هريرة سُئلوا عن رجلٍ أصاب أهله وهو مُحرم؟ فقالوا: يَنفذان لوجههما حتى يقضيا حَجهما، ثم عليهما حجٌّ قابل والهَدْي.
قال:
وقال عليٌّ: وإذا أهلا بالحج من عامٍ قابلٍ تفرقا حتى يقضيا حَجّهما.
ولا يفسدُ النُّسُكُ في باقي المحظورات.
الحال الثانية:
أن يكونَ الجماع بعد التحلل الأول، أي بعد رمي جمرةِ العقبة والحلق، وقبل طواف الإفاضة...
فالحج صحيح، لكن يلزمه شيئان على المشهور من المذهب:
أ ـ فديةٌ شاة يذبحها ويُفرقها جميعاً على الفقراء، ولا يأكل منها شيئاً.
ب ـ أن يخرج إلى الحل، أي: إلى ما وراء حدود الحرم فَيُجدد إحرامه، ويلبس إزاراً ورداءً ليطوف للإفاضة مُحرماً.
4. ما يجب فيها دم على التخيير:
مَنْ فعل شيئاً منها فيُخيَّر بين ذبح شاة والذبح والتوزيع في الحرم ولا يأكل منها شيئاً، أو إطعام ستة مساكين توزع في الحرم، أو صوم ثلاثة أيام في أي مكان.
وهي:
• تغطية رأس الرجل بملاصق
لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المُحرِم الذي وقصته راحلته بعرفة: «اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تُخَمِّروا رأسَه -أي لا تُغطوه-»، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فلا يجوز للرجل أن يُغطي رأسَه بما يلاصقه كالعمامة -والقُبع والطاقية والغُترة ونحوها-، فأما غير الملاصق كالشمسية وسقف السيارة والخيمة ونحوها فلا بأسَ به لقول أم حصين -رضي الله عنها-: “حجَجنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته ومعه بلالٌ وأسامة أحدُهما يقود راحلته والآخر رافعٌ ثوبه على رأس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُظلله من الشمس» رواه مسلم.
ولا بأس أن يحمل متاعه على رأسه وإن تغطى بعض الرأس لأن ذلك لا يُقصد به الستر غالباً، ولا بأسَ أن يغوص في الماء ولو تغطى رأسه بالماء.
• مس الطيب:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المُحرم الذي وقَصَتْهُ راحلته وهو واقف بعرفة: «لا تُقربوه طيباً» وعلل ذلك بكونه يُبعث يوم القيامة مُلبياً، والحديث صحيح، فدل هذا على أن المُحرِم ممنوع من قُربان الطيب.
ولا يجوز للمحرم شمُّ الطيب عمداً إلا إن كان يريد شراء طيب فلا مانع والعبرة بالنيَّات، ولا يستعمل الصابون المُمَسك إذا ظهرت فيه رائحة الطيب، ويجوز استعمال الشانمبو والصابون والدهون ذوات الروائح الكيماوية.
وأما الطيب الذي تطيب به قبل إحرامه فلا يضُرُّ بقاؤه -سواء على جسده أو على إحرامه- بعد الإحرام لقول عائشة -رضي الله عنها-: “كنت أنظرُ إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وهو مُحرم» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
• لبس ما خيط على هيئة عضوا للرجل
وهو أن يلبس ما يلبس عادةً على الهيئة المُعتادة، سواء كان شاملاً للجسم كله، كالبرنس والقميص، أو لجزء منه كالسراويل والفنايل والخفاف والجوارب وشراب اليدين والرجلين، لحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئل: ما يلبس المُحرِم من الثياب؟ قال: “لا يلبسُ القميص ولا العمامة ولا البرانس ولا السراويل ولا الخفاف ولا ثوباً مسّه زعفرانٌ ولا ورس» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وإن لم يجد الإزار يلبس السراويل ولا يقطعهما وكذا إن لم يجد النعال يلبس الخفاف ولا يقطعهما أيضا لأن الأمر بالقطع منسوخ كما رجحه شيخ الإسلام.
• تقليم الأظافر
(يجوز تقليم الظفر المكسور لأنه يؤذي).
• مباشرة الزوجة
لشهوةٍ بتقبيل أو لمسٍّ أو ضمٍّ أو نحوه لقوله تعالى: «فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يأُوْلِي الأَلْبَـبِ».
ويدخل في الرّفث مقدمات الجماع كالتقبيل والغمز والمُداعبة لشهوة.
فلا يحل للمحرم أن يُقبّل زوجَته لشهوة، أو يمسها لشهوة، أو يغمزها لشهوة، أو يداعبها لشهوة.
ولا يحلُّ لها أن تمكنه من ذلك وهي مُحرمة، وإن أنزل أحدهما فدى.