القسم الثالث من أسباب العُنُوسَة (الخاصة بالأسرة):
1 – غلاء المهور:
وهو مشترك بين الوالد والوالدة والفتاة وبقية العائلة، فكل واحد من هؤلاء له كفل منه وإن كان الوالد عليه الكفل الأكبر وهو المتهم بذلك غالباً.
فأقول له:
إن بعض الآباء يغالي في المهور ويعتقد بأن له حق فيه والوالدة لها حق فيه وربما الأولاد والبنات لهم حق (وخاصة بعض القرى والهجر البعيدة) ولذلك تجد أن العائلة بكاملها يتفقون على المغالاة في المهر، وربما أن بعض الآباء فكر في سداد دينه من مهر ابنته أو بناء منزله، وبعض الآباء جعل ابنته سلعة يبيعها على الزوج بيعاً بسبعين ألف (70.000)ريال أو أكثر.
ومن كانت هذه نيته فربما عجل الله له العقوبة في الدنيا قبل الآخرة فاشترى ابنته من الزوج مثلما باعها عليه (قصة حقيقية).
أعرف شخصاً بتصرفاته لا بلسانه باع ابنته على زوج بثمانين ألف ريال فلما تم الزواج ساءت العشرة بين الزوجين وبدأ الزوج يضغط على الزوجة وينكد عليها حتى طلبت المسكينة الطلاق فقال الزوج: ليس هناك طلاق إلا بثمانين ألف ريال.
فاضطر الوالد أن يشتري ابنته من المحكمة بثمانين ألف ريال مثلما باعها عليه اشتراها منه "والجزاء من جنس العمل".
العلاج:
ما هي حقيقة المهر؟!
حقيقة المهر أنه ملك للزوجة مقابل استحلال فرجها ولا يجوز لأحد أن يأخذ منه شيئاً إلا بأذنها.
والمهر كلما كان قليلاً كان الزواج مباركاً كما جاء في الحديث أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: " أقلهن مهراً أعظمهن بركة".
بعض الآباء يقول:
"نزيد المهر على الزوج حتى تكون ابنتنا غالية عنده ويعرف قدرها ولا يتساهل في طلاقها...
هذا فهم خاطئ... وأرى أن زيادة المهر هو السبب في كثرة المشاكل أو الطلاق لأن الزوج قد ركب ديوناً وأسلافاً وقروضاً من أجل المهر فهو يفكر فيها في الليل والنهار، وإذا افترضنا أن الزوج أراد الطلاق فلن يطلق في الغالب إلا بحقه أو نصفه خاصة في هذا الزمن الذي انتشرت فيه الاحتيال والخداع والكذب.
لكن الكلام المنطقي والعقلي والموافق للسنة هو تخفيف المهر فتكون الزوجة عنده معززة لأنها جاءته كالهدية فيعرف قدرها وقدر والديها ويجازي أهلها بالإحسان والكرامة وصدق من قال: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمرداً.
حتى وإن لم يكتب الله المحبة والألفة بين الزوجين فإنه سوف يصير عليها يتحملها ويحسن عشرتها وكرامة لأهلها وتقديراً لهم.
وهل للفتاة موقف من غلاء المهور؟
نعم: يجب على الفتاة أن تقنع والديها بتخفيف المهر وتقليله وتخبرهم بحديث الرسول (صلى الهه عليه وسلم): "أقلهن مهراً أعظمهن بركة"، وتقول لهم أيضاً: إن كثرة المهر تجعل الزوج مهموماً حزيناً ضائق الصدر كثير السرحان والتفكير بهذه الديون والأسلاف والقروض والأقساط كيف يسددها؟!
وتقول لهم بأن أثقال كاهل الزوج بالديون قد يكون سبباً في كراهيته لزوجته وعند أدنى مشكلة ينفعل ويكبر المشكلة وربما خطط لذلك حتى يجبر الزوجة على طلب الطلاق بعوض ليسدد ديونه، فإن رفض الوالد والوالدة في تقليل المهر فعليها أن ترسل العقلاء من أقاربها لإقناع الوالد والوالدة في تقليل المهر.
القسم الثالث من أسباب العُنُوسَة (الخاصة بالأسرة):
2 – المهر الثاني: (الشبكة + قصر أفراح + طبالات + ....):
وهي تكليف الزوج بأشياء ثانوية مجاراة للناس وتقليداً لهم مثل (إلزام الزوج بالشبكة وضرورة الزواج بقصر أفراح وأن يكون القصر على رغبتهم وأن يذبح من الغنم كذا وكذا ويقدم من العشاء والخضروات كذا وكذا ولابد من وجود المطبلين والمطبلات والمغنيين والمغنيات أو إحضار الشعراء وغيرها مما يفرض على الزوج ويلحون على الزوج لتنفيذها ولا يفكرون هل فيها إسراف وتبذير أم لا؟ هل ترضي الله أم تغضبه؟ هل هي حرام أم حلال؟ هل هي بدعة أو سنة هل الزوج يستطيعها أم لا؟ كل هذا لا يهمهم ولا يعنيهم.
لماذا؟
لأنهم يجارون العادات والتقاليد.. ولأن الذي يتصرف بهذه الأمور إما النساء وإما السفهاء من الأولاد والبنات، حجتهم أن الناس يفعلون هذا ويقولون هل ابنتنا فيها نقص عن بنات أقاربها فإن هؤلاء فعلوا ذلك ونحن مثلهم.
وما هو موقف الآباء، والرجال القوامون عليهم:
بعضهم في موقف لا يحسد عليه (صفر على الشمال) يتفرج على تصرفات النساء والأولاد ولا يأمر ولا ينهي ولا يعترض لقلة دينه وضعف خوفه من الله وبعض الآباء لو أمر أو نهي أو اعترض فلن ينفذ أمره ولن يجتنب نهيه ولن يسمع أصلاً لكلامه، لماذا؟ لأن هذا الوالد قد فرَّط في تربية الأسرة فهو لا يأمرهم بطاعة الله ولا ينهاهم عن معصية الله وربما أنه جلب المعصية لهم في البيت فعجل الله له العقوبة في الدنيا قبل الآخرة بأن نزع الله هيبته من أسرته فليس له أمر ولا نهي، وبعض الآباء ربما أنه شجع الأسرة على المهر الثاني (الشروط الثانوية) وطالب الزوج بتنفيذها.
علماً بأن بعض العلماء تكلم عن الأمور السابقة وهي:
(الشبكة، المطبلات، الإسراف في الولائم) وأنها لا تجوز.
العلاج:
أناس بأمس الحاجة إلى من يقتدون به في عاداتهم وتقاليدهم ومناسبتهم، فهنيئاً لمن أحتسب الأجر على الله وأصبح قدوة حسنة للناس يفتح لهم أبواب الخير هنيئاً لمن كان مفتاح للخير مغلاقاً للشر، أني أخاطب القدوات قائلاً لهم نور على نور أن يكون تغيير العادات والتقاليد على أيديكم فتفتحون للناس هذه الأمور ويقتدون بكم وتكسبون أجرهم فغن الدال على الخير كفاعله.
أيها القدوة المبارك:
ما المانع أن يفاتح الزوج في البداية بهذه الأمور ويقال لـه: نحن لا نريد العادات المستوردة، فلا نريد الشبكة يكفينا ما تشتريه من الذهب أو تدفعه لنا من المهر، وسوف يكون زواج ابنتنا في منزلنا الواسع وفيه فناء وسوف نختصر المدعوين فيكفينا منك أيها الزوج أسرتك وأعمامك وأخوالك ونحن كذلك مع دعوة الجيران، وسوف لا نزيد في العشاء على أربع ذبائح (زواج عائلي) وإن كان البيت ضيقاً ففي استراحة كذا وكذا وانتبه أيها الزوج فلن يكون في الزواج مطبلات تؤذي الملائكة بأصواتها وتؤذي الجيران، بمكبرات الصوت فربما يدعون علينا بسبب هذه الأشياء فيجعل الله العقوبة لنا بفشل الزواج.
أيها القدوة المبارك:
إني على يقين أن هذه الأمور إذا طبقت وسمع الناس بها فأولاً سوف يدعون لمن فعلها وثانياً سوف يقتدون بهم وإن طال الزمان، فعلينا نحن القدوات أن ندعو الناس بأفعالنا وتصرفاتنا وتطبيقنا لأمور ديننا قبل أن ندعوهم بألسنتنا وأقوالنا...
أيها القدوة المبارك:
نريدك أن ترفع صوتك قائلاً أنا لهذه الأمور، أنا لها، وسوف توفق في الدنيا وفي القبر وتوفق في زواج بناتك وأولادك.
القسم الثالث من أسباب العُنُوسَة (الخاصة بالأسرة):
3 – قولهم: هذه عادتنا تأخير زواج بناتنا
لقد شاع وانتشر عند بعض القبائل أو فخذ أو عائلة منها تأخير زواج بناتهم نشأ هذا شيئاً فشيئاً حتى أصبح عندهم عادة، وربما ورثوا هذه العادة السيئة عن بعض الآباء والأجداد ثم تعارف عليها الصغار والكبار والرجال والنساء حتى أصبح الأمر عندهم طبيعي ولا يسمحون بأن ابنتهم عانس أو كبيرة، وربما أنهم لم يفكروا بزواجها أصلاً إلا إذا بلغت سبعاً وعشرين سنة أو أكثر، وقد تكون هذه العائلة متعلمة ومثقفة وبعض أفرادها ملتزمين بالشريعة الإسلامية، ومع ذلك كله تجدهم مستسلمون لهذه العادة، مكتوفي الأيدي أمامها.. فينال الناس من عرضهم وهم يعلمون أو لا يعلمون وفي الحديث: "رَحِمَ اللهُ امرئ كَفَّ الغيبة عن نفسه".
ويخشى على هؤلاء أن يكون فيهم عرق الجاهلية لتمسكهم بهذه العادة القبيحة يقول الرب تبارك وتعالى: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون}.
ولا شك أن من تعصب لهذه العادة وأعمى عينه وفكره عنها أنه أناني لا يعرف العدل والإنصاف... أين العدل والإنصاف من والد أو أخ إذا جاء وقت النوم ذهب إلى فراشه واستأنس مع زوجته وهذه البنت العانس المسكينة يطول عليها الليل وتطالع نجوم السماء وتتقلب على الفراش تشكو حالها إلى الله؟! العدل والإنصاف أن تجعلوا أنفسكم مكان ابنتكم العانس وتحسوا بآلامها وتحبون لها مثلما تحبونه لأنفسكم.
فتوبوا إلى الله من هذا الظلم الشنيع واطلبوا السماح والعفو من بناتكم وأخواتكم العوانس وسارعوا في تزويجهن.
وعلى الأقارب والأرحام أن يبذلوا قصارى جهدهم في النصيحة للوالد والوالدة والأخوة والأولياء في ترك هذه العادة السيئة فإنها لا تبرأ الذمة بالسكون والله يقول: {وأنذر عشيرتك الأقربين} والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: "مَنْ رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه..." الحديث وقوله: "الدين النصيحة... قالها ثلاثاً.." الحديث.
ولعل الله جل وعلا بالنصيحة لهؤلاء أن يلطف بالجميع ولا يعجل بالعقوبة للفاعل أو الساكت عن النصيحة، وأن يعفوا عن الجميع، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
القسم الثالث من أسباب العُنُوسَة (الخاصة بالأسرة):
4 – سوء سمعة الأسرة:
فقد يكون الوالد مشهوراً مجاهراً ببعض الجرائم والمعاصي أو قد يكون مِمَّنْ يتعاطى المخدرات والمسكرات وقد يكون سكنه في السجن أكثر من سكنه في منزله أو يكون أحد الأولاد مشهوراً بذلك أو بفعل اللواط والزنا وأشد من ذلك كله أن تكون الأم تتعامل بالغدر والخيانة معروفة بالمغازلات وكثرة الخروج من المنزل لهذا الشيء أو قد تكون الأم بذيئة اللسان سيئة الطباع معروفة بسوء الأخلاق والمعاملة مع الناس فقد تتأثر بناتها لأن البنت أكثر احتكاكاً بأمها، والناس يسألون عن طباع الأم وسمعتها وأخلاقها وكيفية تربيتها لبناتها ولذلك انتشر عند الناس قولهم: "قبل أن تضمها أسأل عن أمها".
فلاشك أن هذه الأمور السابقة تؤثر في سمعة الأسرة لها ومن ثم فإن الخُطاب يحرصون على نزاهة سمعتهم فلا يقتربون من هذه الأسرة محافظة على سمعتهم.
أضرار العُنُوسَة
إذا كان في البيت عانس أو عوانس فلابد من وجود الضرر شئنا أم أبينا، والضرر على حسب حالة الفتاة.
فقد تكون ضعيفة الإيمان قليلة الحياء وقد تكون قوية الإيمان كثيرة الحياء فكلا الفتاتين السابقتين سوف ينالهما الضرر.. كيف؟!
1 – الفتاة الأولى:
ضعيفة الإيمان وقليلة الحياء فإنها سوف تكثر الخروج من المنزل متجملة وتستعرض في مشيتها كأنها تقول أنا فلانة بنت فلان والدي لم يزوجني حتى الآن أخطبوني منه... وإن كانت الفاحشة لا تخطر على بالها في البداية ولكنها مع كثرة الخروج من المنزل متجملة متعطرة ومع ضعف الإيمان وقلة الحياء قد تفتن نفسها أو تفتن غيرها...
ومع مرور الأيام قد تقع في فاحشة الزنا فيكون عليها وزر هذه الفاحشة التي قرنها الله بالشرك وقد يكون على والديها وزراً أيضاً من هذا الزنا لأنهما تسببا في عنوستها ويعلمان بخروجها من المنزل على تلك الحالة وساكتان على ذلك.
2 – الفتاة الثانية:
قوية الإيمان كثيرة الحياء، من الطبيعي أنها لن تتصرف مثل الفتاة السابقة إذا ما هو الضرر عليها؟!
نظراً لقوة إيمانها وكثرة حيائها سوف تكتم ما بقلبها من الهم والغم والأضرار فهي في الصباح والمساء ترى من قريباتها أو صديقاتها من هي في سنها ومعها أربعة أطفال أو طفلين وهي حتى الآن لم تتزوج ومن الطبيعي سوف يمنعها حياؤها من الكلام بهذا الموضوع لأن البنت عندنا في السعودية لن تطلب من والدها أو تطالبه بالزواج، فقد جرت عادة النساء بذلك.
فتصاب هذه المقهورة المظلومة بالعقد النفسية وبالأمراض البدنية وربما لزمت الفراش مريضة وما بيدها إلا أن ترفع أكف الضراعة إلى الله قائلة: (حسبي الله ونعم الوكيل) وربما تدعو على والدها حتى وإن قدمت له الطعام والشراب تدعو عليه سراً أو تدعوا عليه جهراً والقصص للعوانس من هذا النوع كثيرة ومنها قصة ذكرها الشيخ محمد بن عثيمين (غفر الله له وللمسلمين) وذكرها غيره من المشايخ والعلماء.
والقصة معناها:
"ذكر أن رجلاً أخَّرَ زواج ابنته حتى بلغ عمرها سبعاً وعشرين فأصيبت البنت بالأمراض النفسية والبدنية حتى لزمت الفراش فلما قدَّر اللهُ عليها الموت قالت هذه المظلومة: أين والدي؟ فجاء الوالد ثم قالت له: يا والدي قل آمين، فقال: آمين، فقالت: قل آمين، فقال: آمين، فقالت: قل آمين، فقال: آمين، قالت: حرمك الله الجنة كما حرمتني الزواج، ثم ماتت" وبعض الفتيات العوانس قالت لوالدها عند الوفاة: يا والدي إن لي ولك موقفاً عند الله ولن أسامحك فيه لأنك ما زوجتني.
ألا يخاف بعض الآباء من دعوة المظلوم وقد حذرنا منها النبي (صلى الله عليه وسلم) بقوله: (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب).
نعوذ بالله من غضب الله ونعوذ به من الظلم ومن دعوات المظلومين، ونستغفر الله العظيم على ما فعلنا في أنفسنا وأخطأنا فيه على أولادنا ذكوراً وإناثاً، ونسأل الله براءة الذمة في هذه الأمانات إنه سميع مجيب الدعاء.
سبحانك اللهم وبحمدك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
تأليف:
حمد بن عبد الله إبراهيم الدوسري
القصيم – بريدة
الاثنين 7/11/1422هـ