قصة إيمان (جيفري لنك)
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
http://www.nabulsi.com/

الفصل الرابع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

حديث ممتع عن رسول الله بقلم رجل كان ملحداً فصار مؤمناً:
أيها الأخوة الكرام، لازلنا مع تجربةٍ ممتعة مؤثرةٍ لهذا الرجل الذي كان ملحداً ثم وصل إلى الإسلام الحقيقي، في دروس سابقة تحدثت عن قصة إسلامه وعن فهمه لكتاب الله عز وجل، واليوم ننتقل إلى حديث ممتع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلم رجل كان ملحداً فصار مؤمناً، يقول هذا المؤلف: يقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً﴾ [سورة الأحزاب: 6].

جعل هذه الآية في صدر فصل رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا بدأ، قال: انتشر الخبر بسرعة كبيرة وبدأت الحشود في الساحة تزدحم وتضج، على الرغم من الدلائل الكثيرة التي ظهرت أخيراً، والتي كانت تنذر بدنو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أصيبت الحشود بالصدمة وكانت على حافة من الهلع، ربما كانت هذه محنتهم الكبرى والتي كانت أشد مما كابدوا من الآلام، ومن الهجرات، ومن الموت، أي أن أكبر محنة عاناها المسلمون هي هذه المحنة، ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام كان دوماً بينهم بقيادته الوطيدة الواثقة، برحمته، بروحانيته العظيمة، بابتسامته المطمئنة، بروح دعابته الوادعة هكذا كان النبي بينهم، هاجروا، وقاتلوا، ومرضوا، وتركوا أوطانهم، وقاتلوا أعداءهم، كل هذا يهون عليهم لأن النبي بينهم بقيادته الحكيمة، بقيادته الوطيدة الواثقة، برحمته، بروحانيته العظيمة، بابتسامته المطمئنة، بروح دعابته الوادعة.

مواقف لبعض الصحابة من موت النبي عليه الصلاة والسلام:
لقد قال مرة لعلي بن أبي طالب وهو يمازحه: انهض يا أبا تراب، كان عليه الصلاة والسلام يمزح مع أصحابه، ومما يدل على تواضعه واحترامه الشديدين أنه بسط ملاءته مرةً لعجوز فقيرة كي تجلس عليها، قال لزوجته عائشة: إنها كانت تأتينا أيام خديجة، لشدة وفائه صلى الله عليه وسلم، وكان حفيده الحسن يركب كتفه وهو يصلي، وقد كان الله معه دوماً في الغار، في ساحة القتال، في يوم أحد، في المحراب، حتى أن هؤلاء الصحابة الكرام ظنوا أن موته لا يمكن أن يكون حقيقةً مستحيل، وماذا عساهم أن يفعلوا الآن وقد مات عليه الصلاة والسلام؟ أرأيتم إلى هذا الأسلوب، إلى هذه العبارات الحارة، إلى هذا الوصف الدقيق، انطلق عمر من مسكنه واندفع بين الحشد في الساحة ثم صعد المنبر وصرخ قائلاً: إن أناساً من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه قد مات، إنهم يكذبون وهدد أن يضرب عنق كل من يقول هذا الكلام، لقد كان أكثر عنفاً من أي وقت مضى، وكانت عيناه تؤكدان شدة غضبه وتوعده.

كان عليه الصلاة والسلام يقول:
إن الشيطان إذا ما صادف عمر غيَّر اتجاهه وولّى هارباً، طبعاً هو لا يحفظ نص الحديث يقول معنى الحديث، قال: في البداية ارتاح الناس لهذا الكلام، كلام مريح معنى هذا أنه ما مات، ذلك أن عمر قد رأى النبي لتوه في البيت، ولكن الناس كانوا لا يزالون يسمعون بكاء زوجاته في داخل الحجرات، وكان هناك شيء ما غريب حقيقي في احتجاجات عمر، لقد كان أشبه بالولد الذي يرفض أن يصدق وفاة أبيه، وتنهد الجميع بأساً يا الله إنها الحقيقة، ربنا أعنا إن محمداً قد ذهب، هكذا يبدأ فصل محمد عليه الصلاة والسلام.

ثم حضر أبو بكر إلى ساحة المسجد وحصانه يلهث ويتصبَّب عرقاً من الجري، ونزل على حصانه بسرعة، وانطلق حتى دخل حجرة ابنته فزاح الستارة مستأذناً، فأجابت ابنته أن لا حاجة للاستئذان، ثم مشى إلى الحصيرة حيث كان يرقد صهره رسول الله، وقد غطى وجهه بعباءة، إن صداقتهما تعود إلى سنين عديدة، إلى ما قبل عهد النبوة، إلى ما قبل زواجه من خديجة، كان صديقه الحميم، بل إلى الوقت الذي كانا فيه شابين لامعين في المجتمع المكي، انحنى أبو بكر وقبل وجه حبيبه قائلاً: طبت حياً وميتاً، ثم رفع رأس النبي برفق بين يديه وكانت الدموع تنهمر من عينيه فوق وجه النبي، وقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أما الموتة التي كتب الله عليك فلقد ذقتها ثم لم يصيبك بعدها موت أبداً، إلى سعادة أبدية، وبرقة بالغة أعاد رأس النبي إلى وسادته وانحنى ثانياً وقبله، ثم أعاد الغطاء على وجهه، ثم غادر الحجرة، إن أبا بكر ـ هكذا يقول المؤلف ـ كان قصير القامة ونحيلها ولقد اشتهر برقة القلب ورقة المشاعر، لم يظهر على أنه الخليفة الطبيعي للرسول، في الحقيقة كانت ابنته عائشة خشيت أن لا يكون أبيها قادراً على أن يؤم المسلمين في الصلاة بسبب طبيعته العاطفية، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام كان يرى فيه ما هو أعمق من ذلك.

موقف الصّدّيق من موت النبي الكريم:
بعد خروجه من حجرة ابنته، دخل أبو بكر إلى الساحة ثانيةً واتجه إلى مقدمة الحشد، وحاول أن يجذب انتباه الناس، لكن عمر الذي كان ما يزال يخطب بالناس، لم يكن ليسمح لأحد أن يقاطعه، إلا أن الناس أرادوا أن يسمعوا ماذا يقول أبو بكر، لذلك حولوا انتباههم حوله، قال أبو بكر بصوت مرتفع: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.

تعليقي على هذا القول أنه فيما أعتقد ما من رجل أحب رجلاً كما أحب الصديق رسول الله، ومع كل هذا الحب ما حمله على أن يشرك، أبداً لم يقل رسول الله، قال: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، هذا الدين دين التوحيد، فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.

عندها التفت عمر إليه وصمت الجميع إصغاءً، من كان يعبد محمداً ثم أضاف ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم إن حدة صوته ارتفعت وهو يتلو قوله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [سورة آل عمران: 144].

صعق عمر حينما أدرك أن النبي قد مات حقاً، فجثا على ركبتيه يبكي ما كان قد رفض تصديقه لتوه، ثم يبكي الخبر الذي لم يصدقه قبل قليل، ثم إن عمر قال بعدها: كأنما الآية ما نزلت إلا يومئذ، وكأنما لم يقرأها من قبل، وهكذا أصبح موت النبي عليه الصلاة والسلام حقيقةً واقعة.

دور أبي بكر قيادة الأمة الإسلامية عبر إحدى أصعب حقب تطورها:
يقول هذا المؤلف: أنا أقول لكم لعل أحدكم يتساءل ما الذي جعل الأستاذ يقرأ من هذا الكتاب مثلاً، أريد أن لا تنسوا أبداً أن في الكون حقيقةً واحدة هي الله، وأن كل إنسان عرف الله، واستقام على أمره، وأقبل عليه، يصبح أقرب الناس إليك مهما كان بعيداً، مهما كان بعيداً بعرقه، وجنسه، وديانته، وثقافته، واختصاصه، وعمله، لو أن إنساناً من طرف الدنيا الآخر وصل إلى الله لرأيته أقرب الناس إليك، هذا كلام إنسان كان ملحداً قبل سنوات.

أيها الأخوة، يقول هذا المؤلف: لقد كان دور أبي بكر محدداً فقد توفي بعد عامين من موت النبي عليه الصلاة والسلام، لكن هذا الوقت كان أشد الأوقات حساسيةً، على هذا الخليفة العظيم أن يقود الأمة الإسلامية الجديدة عبر إحدى أصعب حقب تطورها، أصعب فترة، وقد كان نزول الوحي قد اكتمل، وقد تم تطبيق ما أنزل على نحو عملي، وقد آن الأوان لهذه الأمة أن تنطلق بمفردها بعد أن فقدت أمن الحياة بصحبة النبي، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [سورة الأنفال: 33].

وجود النبي بين أظهرهم، هم في بحبوحة من عذاب الله، هم في مأمن من عذاب الله لأن النبي بشخصه كان بين أظهرهم، بقيادته الحكيمة، برحمته الواسعة، بحكمته الدقيقة، بدعابته اللطيفة، بأنسه، بروحانيته العظيمة، كان بينهم، الآن أمة بلا نبي تجربة جديدة.

الآن هذه الأمة تطبق الرسالة في أقاليم مترامية الأطراف، ويوجد روح قبلية في هؤلاء الذين آمنوا حديثاً، ما كل ما دخل في دين الله كان إيمانه عميق، طبعاً هؤلاء الصحابة الكرام الذين عرفوا الله في وقت مبكر، ودافعوا عن النبي ونصروه، وبذلوا الغالي والرخيص، والنفس والنفيس هؤلاء كانوا مثل عليا، لكن حينما دخل الناس في دين الله أفواجاً، هؤلاء الناس ليسوا على المستوى الذي ينبغي أن يكونوا عليه، لذلك ما إن توفي النبي عليه الصلاة والسلام حتى ارتد معظم العرب عن دين الله، وصار هناك دعوات إلى النبوة، ومسيلمة الكذاب، وشرك، وفتن، وهذا الخليفة الذي كان رفيق النبي عليه الصلاة والسلام عليه أن يقود هذه الأمة في أصعب مراحلها، في أدق الظروف.

ما من علاقة على وجه الأرض أشد من علاقة الأخوة الإيمانية:
أيها الأخوة، هكذا بدأ فصل النبي عليه الصلاة والسلام، يقول هذا المؤلف: إن التصوير القرآني لرسل الله جل جلاله هو في الوسط بين الفهم اليهودي والفهم المسيحي، رسل الله عز وجل في القرآن الكريم مبرؤون من المعاصي المنسوبة إليهم في العهد القديم، ولكنهم لا يرقون إلى درجة الألوهية، الأنبياء في القرآن معصومون كمل لكنهم ليسوا آلهة، كتب العهد القديم اتهمت الأنبياء بالانحراف، والزنا، والعربدة، والخمر، وبكتب العهد الجديد صاروا آلهة، كلا الطرفين وقع في الغلو، الأنبياء في القرآن الكريم بحجمها الحقيقي، قمم البشر لكنهم عبيد لله عز وجل، قمم البشر في الكمال لكنهم عبيد لله ما يفعلون إلا ما يأمرهم الله عز وجل به.

يقول هذا المؤلف الذي كان ملحداً: مضى عام تقريباً على إسلامي ومنذ أن نطقت بالشهادة وأصبحت أنا وصديقي فلان سمى اسمه أكثر من أصدقاء، لقد كنا أخوة في الإسلام، الآن يوجد شيء جديد أدرك معنى الأخوة في الإسلام، والله أيها الأخوة فيما أتصور ما من علاقة على وجه الأرض أشد من علاقة الأخوة الإيمانية، والدليل قاله تعالى: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [سورة الأنفال: 63].

هذه الأخوة بين المؤمنين هي أثمن ما في الحياة، أجمل ما في الحياة، والله أيها الأخوة إن قلبي ليمتلئ سروراً واطمئناناً حينما أرى أخوة الإيمان متحابين، متعاونين، متباذلين، متزاورين، متناصحين، متكاتفين، متضامنين، هذه علامة طيبة، علامة أن إيمانهم في المستوى الذي يرضي الله عز وجل، أما حينما يتنافسون، يتراشقون التهم، حينما يطعن بعضهم ببعض، حينما يزري بعضهم ببعض، حينما يحتقر الإنسان أخاه، حينما يأخذ ما ليس له، اقرأ على الدنيا السلام، الإسلام ليس معلومات بل سلوك، ومواقف، حب، تعاون، تكاتف.

إذا دعوت إلى الله فابق في الحقائق وفي الواقع فالواقع ينطق بوجود الله:
قال: مضى عام تقريباً منذ أن نطقت بالشهادة وأصبحت أنا وفلان أكثر من أصدقاء فقد كنا أخوة في الإسلام، لقد ذهبنا معاً في السيارة إلى فنلندا لنستمع إلى محاضرة مولتها إحدى جماعات الطلبة المسلمين في المسجد، والتي كان عبارة عن بيت صغير تمّ تحويله مؤخراً إلى مكان للعبادة، كنا مختلفين عن باقي الحضور ليس فقط لأني كنت الأمريكي الوحيد بينهم بل لأنا كنا عملياً الشخصين الوحيدين الذين يرتدون ثياباً غربية، وبعد أن عثرنا على مكان للجلوس بدأ أحد المتكلمين بسرد القصة التالية كي يذكر في بحثه المستمعين بعقم إيمانهم إذا ما قرن بأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام.

 القصة التي سمعها في المحاضرة وذهب من أجلها من ولاية إلى ولاية وجلس في غرفة صغيرة يستمع إلى هذه المحاضرة هي كما يلي:
قال: قابل النبي بدوياً في الصحراء فدعاه إلى الإسلام، ولكن البدوي أبى ذلك وطلب من النبي أن يثبت صدق نبوته، ثم إن محمداً أخبر البدوي إن كان يرضى بشاهد على ذلك، فقال الرجل: لا يوجد من أحد هنا، ولا يقطن هنا أحد من حولنا فمَنْ عسى أن يكون شاهدك؟ فأشار النبي إلى شجرة مجاورة قائلاً: هذه سوف تشهد لي وفي تلك اللحظة انفلق جانب من تلك الشجرة ومشى نحو الرجلين، ثم انسلخ الجزء الآخر من الشجرة وتقدم نحوهما.

شاهد الرجل هذا بهلع شديد فصرخ قائلاً: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، انتهت القصة، قال: لاحظ صديقي علامات عدم الارتياح على وجهي، وبعد المحاضرة حاول أن يصلح الضرر وبالطبع كان محقاً بقوله: إن الحضور لم يكونوا ليمثلوا جميع المسلمين، أي أن هذا الذي قال هذه القصة لا يمثل الإسلام، وإن قيمة مثل هذه القصة لا تكمن في تاريخها بل في قدرتها على خلق مزيد من الخشية والشعور بالله، وبالحقيقة أن الكثير ممن كان حاضراً كان يصغي مشدوهاً إلى تلك القصة وإلى قصص أخرى أمثالها وردت في المحاضرة، وفي نهاية كل قصة كانوا ينطلقون في المديح على نحو انفعالي، ولكني شعرت أن اعتذار صديقي لي كان اعتذاراً غريباً أكثر من كونه اعتذاراً إسلامياً.

وفي رأيي وهذا رأي المؤلف: أن مثل هذه القصص تضعف من مخاطبة القرآن للعقل، إذا دعيت إلى الله عز وجل فابق في الحقائق، الشيء المألوف، المعروف، المنطقي، المؤكد بالدليل، ابق في الواقع فالواقع ينطق بوجود الله، ينطق بوحدانيته، وينطق بكماله، ولا تحتاج إلى قصة مهتزة ضعيفةٍ، ضعيفة السند.

 صديقه بعد أن اعتذر، قال له: ومن نحن حتى ننكر شرعية منظور آخر لأنه ببساطة لا يتوافق مع منظورنا، اعتذار نوعاً ما، عندها أدرك وهو أدرك أن القصة غير حقيقية وردت في الأحاديث، لعل القصة غير حقيقية، فقال: عندها أدركت أنه من أجل مصلحتي كمسلم علي أن أقوم بدراسةٍ أفضل لمعرفة وفهم مكانة الحديث، التراث النبوي في حياة مجتمعي الجديد.

من لوازم حفظ القرآن حفظ السنة لأنها بيان للقرآن:
أخوانا الكرام، لأن الدين بالأصل نقل، إن أخطر ما في النقل صحة النقل، تصوروا لو هذبنا ديننا من كل قصة خرافية، ومن كل حديث موضوع، ومن كل حديث ضعيف لاجتمعنا، أساساً هذه التفرقة بين المسلمين أساسها النصوص الضعيفة فرقتهم ومزقتهم، وحينما ينصرف المثقف عن الدين لأنه سمع في الخطبة إلى قصة خرافية لا أصل لها، هناك أدلة كثيرةٍ جداً على صدق رسالة النبي، وأدلة كثيرة جداً على عظمة هذا الدين، الحق لا يحتاج إلى قصة مهزوزة تعززه بها، لا يحتاج إلى قصة لم تثبت تؤكدها له.

 أيها الأخوة، الإنسان حينما يصل إلى الله عز وجل قصة غير صحيحة لا تصرفه عن الدين بالعكس يحللها وينهيها.

يقول: إن عمل هؤلاء المحدثين العظام، وهو درس علم الحديث، وعرف هذه الجهود الجبارة التي بذلها علماء الحديث كي ينقوا السنة مما ليس منها، قال: إن عمل هؤلاء المحدثين العظام قد تحتم وذلك بسبب المكانة البارزة التي اكتسبتها الأحاديث النبوية، وكان بسبب الحقيقة التي لا مفر منها وهي أن آلافاً من الأحاديث قد تم تلفيقها وتمت نسبتها إلى النبي عليه الصلاة والسلام، لأغراض سياسية، وحزبية، ودينية، وعصبيةٍ، وتحريضيةٍ، رجل وضاع قال: وضعت فيكم مئة ألف حديث، حللت فيها الحرام وحرمت فيها الحلال، قضية تنقية السنة المطهرة من كل ما ليس منها هذا عمل عظيم وقد قام به المحدثون الأوائل، ولعل حفظ الحديث الشريف هو من لوازم حفظ القرآن الكريم، ألم يقل الله عز وجل: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [سورة الحجر: 9].

من لوازم حفظ القرآن حفظ السنة لأنها بيان للقرآن، قال: ويمكن التحقق إلى الدرجة التي وصل إليها التلفيق في الحديث من خلال البخاري الذي أحصى ستمئة ألف حديث وقام بفحصها جميعاً فلم يبق منها سوى ألفين وستمئة من الأحاديث، دون التكرار في مجموعته المعروفة بصحيح البخاري، أي ألفين وستمئة عدا التكرار من ستمئة ألف حديث لذلك أصح كتاب بعد كتاب الله صحيح البخاري، ثم صحيح مسلم، هذه الكتب الستة.

صور عن عطف النبي الكريم وحنانه:
ويشيد هذا المؤلف صاحب التجربة الإيمانية، قال: ومن خلال القرن الإيماني الثاني أدت الحاجة لتثبيت صحة الإسناد إلى جمع وتصنيف المجلدات من البيانات حول تراجم رواة الحديث وانتقاداتهم ومصداقيتهم وفكرهم، إن هذا العلم المعروف بأسماء الرجال قد تطور إلى علم مستقل تقريباً قائم بذاته، له أهميته وغناه لدرجة أنها دفعت عالماً كبيراً ليقول: إنها فخر الأمة الإسلامية.

علم الرجال، علم الجرح والتعديل، وقال بعضهم: ليس إلا الأمة الإسلامية عندها هذا العلم بشكل دقيق جداً، أنا أقرأ لكم مختارات من هذا الكتاب، قال: من بين العديد من القصص التي توضح رقة ولطافة مشاعر النبي هناك البعض على الأقل مما هو جدير بالتصديق، فأرملة ابن عمه جعفر بن أبي طالب نفسها قصت على حفيدتها كيف أفضى لهم بخبر استشهاد جعفر، جعفر ابن عمه استشهد في مؤتة، النبي عليه الصلاة والسلام ليخفف وقع هذا الخبر على أهل جعفر وأولاده ذهب بنفسه إليهم.

يوجد أشخاص لهم كهنوت لا يتحرك، يرى مكانته أكبر من أن يذهب إلى مكان، فسيد الخلق وحبيب الحق ذهب بنفسه إلى بيت أهل جعفر ليبلغهم نبأ استشهاده بشكل مخفف، لقد كانت زوجته منشغلة ذات صباح بأعبائها المنزلية والذي من بينها دباغة أربعين جلداً وعجن العجين، وعندما زارهم محمد صلى الله عليه وسلم جمعت أولادها وكان لها ثلاثة أولاد من جعفر فغسلت وجوههم ودهنتها بالزيت، وعندما دخل محمد طلب رؤية أولاد جعفر ثم فاضت عيناه بالدموع وبكى، فسألته المرأة: هل هناك أخبار عن جعفر؟ فأخبرها بأنه قد قتل، ثم بعد ذلك أمر بعضاً من قومه أن يحضروا الطعام لآل جعفر لأنهم قد جاءهم ما يشغلهم، هذا من كماله أنه تولى بنفسه إبلاغ الخبر المؤلم لأهل بيت جعفر.

قال: كان قادراً على أن يجاري الأطفال بألعابهم، وكان يلاعب الصبية الذين رجعوا من الحبشة، وفي أحد بيوت المدينة كان هناك غلام صغير وكان من عادة النبي أن يمازحه، وفي أحد الأيام وجد ذلك الصبي حزيناً جداً، سأله عما جرى له، وحينما أخبره أن عصفوره المدلل قد مات، قام بعمل أرضى فيه الغلام، يا عمير ماذا فعل النغير، إن عطفه وحنانه امتد حتى إلى الحيوان وهذا يعد شيئاً عظيماً بالنسبة لعصر محمد صلى الله عليه وسلم.

كل مظهر إسلامي لو أردت أن تعرفه بصدق لهداك الله إلى حكمته:
قال: إننا في أمريكا نعد الرق أحد الأعراق الكريهة جداً، في حين بحثوا القضاة المسلمون في اعتمادهم على القرآن الكريم وأحاديث النبي في تشريع قوانين من شأنها أن تضمن معاملةً كريمة وعادلةً للأرقاء، ففي مواضع عدة من القرآن الكريم آيات تأمر بتحرير الرقيق، بعضها أمر بتخصيص صندوق تكافل اجتماعي من أجل شراء حريات هؤلاء الأرقاء.

أنا تأثرت من هذا الكتاب أن الإنسان إذا كان صادقاً في طلب الحقيقة يهتدي إليها أولاً، ويستطيع أن يرد كل شبهة ثانياً، هو كأي إنسان يوجد أشياء كثيرة جداً فيما قرأ ليست في صالح المسلمين ولا الإسلام، لكن بحكمته وصدقه في طلب الحقيقة استطاع أن ينفيها عن الإسلام، حتى أن مرة سأله شخص -أنت تصلي والجو حار- لماذا يقف المسلمون متراصين؟ ما الحكمة من ذلك تباعدوا؟ قال: من أجل أن يشعر المسلم أنه مع الله ومع أخيه في آن واحد، يجب أن يشعر المسلم وهو في الصلاة أن أخاه إلى جانبه، أحياناً يوجد تعبير رمزي، أن يتجه المسلمون في العالم كله إلى الكعبة المكرمة هذا له معنى كبير، هذه تؤكد وحدة المسلمين في العالم، أن يأكل المسلمون في رمضان في وقت واحد هذا شيء يعلم النظام، كل مظهر إسلامي لو أردت أن تعرفه بصدق لهداك الله إلى حكمته.

يقول هذا المؤلف: عندما تصل الأمور إلى التأريخ فإن علماء المسلمين والمستشرقين على حد سواء يجمعون على أن القرآن يمثل الكلام الموثق الذي رواه محمد من وحي ربه، هذا هو الإيمان الصحيح أن القرآن كلام الله عز وجل أوحاه إلى محمد، لذلك أكثر الأجانب والمستشرقين يروه من صياغة محمد عليه الصلاة والسلام.

أيها الأخوة، لعلي قرأت لكم بعض الأشياء التي رأيت أنها تقرب هذه الحقيقة وهي أن الإيمان الصحيح يوحد كل المؤمنين، فعلى اختلاف البيئات، والعادات، والتقاليد، والعقليات، والمنطلقات، والثقافات، والترسبات، والعصبيات في العالم، هذا الدين يجمع كل المؤمنين في العالم لأن الله واحد والاتصال بالله يصدر عنه شعور واحد الطمأنينة، شعور بالحب إلى كل المخلوقات، فالذي يلفت النظر أن هذا الإنسان الذي يعيش في بيئة بعيدة كل البعد عن بيئتنا، وعقلية بعيدة كل البعد عن عقليتنا، وثقافة بعيدة كل البعد عن ثقافتنا، ومع كل هذه الفوارق الكبيرة والحادة تجد أن هذا الإنسان في هذا الكتاب كأحد المسلمين الذين وصلوا إلى الحقيقة، وعلى كلٍ هذا حجة: يقول لك أحدهم كلاماً مضحكاً: ما ذنب هذا الذي نشأ في بلاد الغرب؟ الإسلام ما وصله، قال تعالى: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [سورة الأنفال: 23].

إلزام الله عز وجل نفسه بهداية خلقه:
الله عز وجل قال: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾ [سورة الليل: 12].

الهدى، كلمة (على) إذا أضيفت إلى لفظ الجلالة تفيد الإلزام الذاتي، أي أن الله عز وجل ألزم نفسه بهداية خلقه، فلو علم من واحدٍ بأقصى الدنيا، في ألاسكا، في أستراليا، في الأرجنتين، في سيبيريا، لو علم أن إنساناً يبحث عن الحقيقة يوصله الله إليها لأن الله عز وجل ألزم نفسه بهداية العباد، ولا يشرد عن الله عز وجل ولا يخلد في النار إلا من شرد عن الله عز وجل شرود البعير.

أرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الكلمات التي قرأتها لكم من هذا الكتاب ولعل هذا الكتاب في المستقبل يطبع طبعات كثيرة جداً، ولعل هذا الكتاب يكون دليلاً للحيارى من أهل الغرب إلى الإسلام، يوجد نقطة دقيقة بذهني أن المسلمين مكلفون في نشر هذا الدين وهؤلاء الذين يعيشون في أوربا وأمريكا أناس لهم عقليات معينة، لهم أسلوب في الحياة معين، لا تستطيع أن تصل إليهم إلا إذا جئت وفق نمط تفكيرهم وأساسيات حياتهم، فحينما يعين الله إنساناً من بني جلدتهم، منهم، من تفكيرهم، أن يكون مسلماً حقاً، مؤمناً حقاً فلعل هذا الكتاب له أثر أكبر بكثير من أي كتاب ألفه مسلم في الشرق، هذا مسلم في الغرب، فالإنسان حينما يشكك أن هذا الدين لا يصح في هذه البلاد، وإنسان ملحد أستاذ رياضيات يعيش في بلد متفلّت إباحي وصل إلى مشاعر وإلى قناعات لا تختلف عن قناعات المؤمنين حقاً، فهذا الكتاب حُجة على هؤلاء الذين يقولون أن البيئة هي التي تحرك الإنسان، لا صدق الإنسان في طلب الحقيقة هو الذي يهديه، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [سورة العنكبوت: 69].

أرجو الله سبحانه وتعالى أن نصل إلى الحقيقة في وقت مبكر وأن ننتفع بها لأن الأحقية التي نبحث عنها هي أس سعادتنا وأس سلامتنا، والسعادة والسلامة مطلبان ثابتان لكل إنسان في كل زمان ومكان.
والحمد لله رب العالمين.