أخطاؤنا في رمضان...
الأخـطــاء الخـاصـــة بالنســاء
فضيــلة الشيــخ: ندا أبــو أحمد
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
(أخطاء النساء في رمضان)
تمهيد
إنَّ الحمد لله تعالى، نَحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يَهْد الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحْده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [سورة آل عمران: 102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [سورة النساء: 1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أعمالكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [سورة الأحزاب:70 - 71].
أمَّا بعدُ:
فإن أصْدَق الحديث كتاب الله تعالى، وخَيْر الهَدْي هَدْي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشَر الأمور مُحدثاتها، وكل مُحدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
1- جَهْل كثير من النساء بأحكام الصيام:
تصوم المرأة كما يصوم غيرها على سبيل العادة، فلا تَعرِف واجبات الصيام، ولا سُننه، ولا آدابه، ولا مُفْسِداته، وهذا يَجعلها تقع في كثيرٍ من الأخطاء وهي لا تدري.
يقول ابن القَيِّم -رحمه الله-: "إنَّ الإيمان فرْضٌ على كلِّ واحد، وهو ماهيَّة مُركَّبة من علم وعملٍ، فلا يُتَصَوَّر وجود الإيمان إلا بالعلم والعمل، ثم شرائع الإسلام واجبة على كلِّ مسلم، ولا يُمكن أداؤها إلا بعد معرفتها والعلم بها"؛ مفتاح دار السعادة.
والله أخرَج عباده من بطون أُمَّهاتهم لا يعلمون شيئًا، فطَلَبُ العلم فريضة على كلِّ مسلم، ولو عَلِمت المرأة ما في طلب العلم ما تكاسَلَت عنه؛ فقد أخرَج الإمام أحمد وأبو داود عن أبي الدَّرداء -رضي الله عنه- قال: سَمِعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((مَن سلَك طريقًا يَلْتمس فيه عِلمًا، سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإنَّ الملائكة لتَضَع أجنحتها لطالب العلم؛ رضًا بما يصنع))؛ الحديث.
فعلى كلِّ مسلمة أن تسعى لطلب العلم وتحصيله؛ لأن مَن أعرَض عن طلب العلم الشرعي، رُبَّما وقَع في أخطاءٍ جسيمة تَقْدح في عبادته، ورُبَّما في عقيدته، والنجاة من هذا بطلبِ العلم الشرعي.
2 - صوم الحائض أو النُّفساء:
بعض النساء إذا حاضَت في رمضان تصوم طوال اليوم حتى قُبيل المغرب، فيَشْرَبْنَ شربة ماءٍ أو يَطْعَمْنَ لُقمة -يَجْرَحْنَ صيامَهُنَّ كما يَقُلْنَ- وهذا تنطُّع، فالحائض لا يجوز لها الصوم، وإن صامَت فهي آثمة وغير مَأْجورة، ولكن عليها أن تأكل وتشربَ، وتقضي ما فاتَها بعد رمضان، وهذا عليه إجماع المسلمين؛ فقد أخرَج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أليس إذا حاضَت لَم تُصلِّ ولَم تَصُم؟ فذلك نُقصان دينها)).
ورُبَّما كانت المرأة حائضًا ثم تَطْهُر أثناء النهار، فتُمسِك بقيَّة اليوم، وهذا غير لازمٍ؛ فقد أخرَج عبدالرزاق في "مُصَنفه" عن ابن جُريج -رحمه الله- قال: "قلتُ لعطاء: المرأة تُصبح حائضًا، ثم تَطْهُر في بعض النهار أَتُتِمُّه؟ قال: لا؛ هي قاضية".
3 - تَرْك الذِّكر عند الحَيْض أو النِّفاس:
فالحائض أو النُّفساء لها أن تَذْكُر الله -عز وجل- وكذا تقرأ القرآن على الراجح، أو تَستمع إليه، وقراءة الكتب المفيدة، وغير ذلك من ألوان الطاعات، ومما يدلُّ على جواز الذِّكر والتسبيح ما أخرَجه البخاري ومسلم: "أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر الحُيَّض بالخروج يوم العيد، فيَكُنَّ خلف الناس فيُكَبِّرْنَ بتكبيرهم، ويَدْعُونَ بدعائهم".
ففي الحديث:
أنَّ الحائض تُكبِّر وتَذكر الله تعالى، وأيضًا يجوز لها قراءة كُتب الحديث، والفقه، والدعاء، والتأمين عليه، واستماع القرآن، فهذا كله لا خلافَ فيه؛ إنما الخلاف في قراءة الحائض للقرآن، والراجح جواز ذلك؛ لأن أحاديث المنْع لا تَصِحُّ.
وقد ذَهب إلى الجواز:
أبو حنيفة، والمشهور من مذهب أحمد، وقد ذهَب البخاري وابن جرير وابن المُنذر إلى جوازه، وحُكِي عن مالك والشافعي في القديم أيضًا جوازُ ذلك؛ حكاه عنهما ابن حجر في "فتح الباري".
يقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه الله-:
"ليس في مَنْعها من القرآن سُنة أصلاً؛ فإن قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تَقرأ الحائض ولا الجُنب شيئًا من القرآن)) حديث ضعيف باتِّفاق أهل المعرفة بالحديث، وقد كان النساء يَحِضْنَ في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فلو كانت القراءة مُحرَّمة عليهنَّ كالصلاة؛ لكان هذا مما بيَّنه النبي -صلى الله عليه وسلم- لأُمَّته وتَعْلَمه أُمَّهات المؤمنين، وكان ذلك مما ينقلونه في الناس، فلمَّا لَم يَنقُل أحدٌ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك نَهيًا، لَم يَجُز أن تُجعلَ حرامًا؛ للعلم أنه لَم يَنْهَ عن ذلك، وإذا لَم يَنْهَ عنه مع كثرة الحَيْض في زمنه، عُلِم أنه ليس بمحرَّم"؛ ا .هـ.
4 - تعاطي أدوية تمنع الحَيْض لإتمام الصيام في رمضان:
وإن كان هذا الأمر جائزًا، لكن بشروط بيَّنها أهل العلم، إلاَّ أنَّ الأَوْلَى تَرْكُه؛ يقول الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "يجوز أن تستعملَ المرأة أدويةً في رمضان لمَنْع الحَيْض إذا قرَّر أهل الخِبرة الأُمناء من الأطباء ومَن في حُكمهم أنَّ ذلك لا يَضرُّها، ولا يؤثِّر على جهاز حَمْلها، وخيرٌ لها أن تَكُفَّ عن ذلك، وقد حلَّل الله لها رُخصة في الفطر إذا جاءها الحَيْض في رمضان، وشَرَع لها قضاء الأيام التي أفْطَرتْها، ورَضِي لها بذلك دينًا"؛ا.هـ.
- استعمال المرأة حبوبَ مَنْع الحَيْض إذا لَم يكن عليها ضَرَرٌ من الناحية الصِّحية، فإنه لا بأْسَ به، بشرط أن يأذَن الزوج بذلك، ولكن حسَب ما عَلِمته أنَّ هذه الحبوب تضرُّ المرأة، ومن المعلوم أن خروجَ دمِ الحَيْض خروجٌ طبيعي، والشيء الطبيعي إذا مُنِع في وقْته، فإنه لا بدَّ أن يحصل مِن مَنْعه ضررٌ على الجسم، وكذلك أيضًا من المحذور في هذه الحبوب أنها تَخلط على المرأة عادَتها، فتختلف عليها، وحينئذٍ تَبقى في قلقٍ وشكٍّ من صلاتها ومن مباشرة زوجها، وغير ذلك؛ لذا أنا لا أقول: إنها حرام، ولكني لا أحبُّ للمرأة أن تستعملَها؛ خوفًا من الضَّرر عليها.
وأقول:
ينبغي للمرأة أن ترضى بما قدَّر الله لها؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- دخَل عام حَجَّة الوداع على أمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- وهي تبكي، وكانت قد أحرمَتْ بالعُمرة، فقال: ((ما لكِ، لعلَّكِ نَفِسْتِ؟))، قالت: نعم، قال: ((هذا شيء كتَبَه الله على بنات آدمَ)).
فالذي ينبغي للمرأة أن تَصْبر وتَحتسب، وإذا تعذَّر عليها الصوم والصلاة من أجْل الحَيْض، فإنَّ باب الذِّكر مفتوح ولله الحمد، تذكر الله وتُسَبِّحه، وتتصدَّق وتُحسن إلى الناس بالقول والفعل، وهذا من أفضل الأعمال؛ أفاده الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في "فتاوى النساء"؛ ص (68 - 69).
5 - تَرْك الصيام إذا طَهُرت من حَيْضتها قبل الفجر:
فالمرأة إذا طَهُرت قبل الفجر ونَوَت الصيام، فصيامها صحيح وإنْ لَم تَغتسل إلاَّ بعد الفجر، وكذلك إذا جامَعها زوجها بالليل ولَم تَغتسل إلا بعد الفجر، فصيامها صحيحٌ؛ ففي الصحيحين من حديث عائشة وأُمِّ سَلَمةَ - رضي الله عنهما -: "أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يُدركه الفجر وهو جُنُبٌ من أهْله، ثم يَغتسل ويصوم".
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- كما في "فتح الباري" (1/ 192) في أوْجُه التفرِقة بين الصوم والصلاة في حقِّ الحائض: "إنَّ الحائض لو طَهُرت قبل الفجر ونوت الصيام، صحَّ صومُها في قول الجمهور، ولا يتوقَّف على الغُسل بخلاف الصلاة"؛ ا. هـ.
6 - إفطار الحامل أو المُرضع دون ضرورة:
فالإفطار للحامل أو المُرضع يكون لِمَن لا تَقدِر على الصيام؛ لأنه يُضْعِفها أو يؤثِّر على الجَنين؛ لأنَّ الله تعالى قال: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286].
والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول كما عند الإمام أحمد: ((لا ضَرَرَ ولا ضِرار)).
أما إذا كانت تَقْوى على الصيام، ولا يؤثِّر عليها ولا على الجَنين، فيَلزمها الصيام.
7 - اعتقاد بعض النساء أنَّ الماء الذي ينزل على الحامل قبل الوضع يَمنع من الصيام.
وهذا الماء لا يَمنع من الصيام، فليس له حُكم دَمِ النِّفاس.
8 - عدم قضاء اليوم الذي حاضَت فيه قبل المغرب بدقائقَ:
فلو حاضَت المرأة قبل المغرب بدقائقَ، بَطَلَ صومُها، وعليها القضاء.
9 - إفطار المرأة بمجرَّد الإحساس بآلام الحَيْض دون خروج الدم:
وهذا خطأ كبيرٌ يقع فيه بعضُ النساء، فالعِبرة بنزول الدم، أمَّا مجرَّد الإحساس بآلام الحَيْض، فلا يُعدُّ حَيْضًا.
10 - عدم صيام المرأة إذا طَهُرت من نِفاسها قبل تمام الأربعين:
وهذا خطأٌ، فالعِبرة بالطُّهر، فإذا انقطَع الدم بعد أسبوع مثلاً، ورأتِ المرأة علامات الطُّهر، تغتسل وتُصلي وتصوم، ولا يُشترط في نِفاسها أن تَمكُثَ إلى الأربعين؛ قال الترمذي -رحمه الله-: "أجْمَع أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومَن بعدهم على أنَّ النُّفساء تَدَع الصلاة أربعين يومًا إلاَّ أنْ ترى الطُّهر قبل ذلك، فتغتسل وتُصلِّي".
لكن المقصود من حديث أُمِّ عطيَّة -رضي الله عنها-: "كانت النُّفساء على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تَقعُد بعد نِفاسها أربعين يومًا أو أربعين ليلة"؛ أخرَجه أبو داود والترمذي.
فالمقصود من الحديث: أنَّ الدَّمَ إذا استمرَّ بالمرأة أكثر من أربعين يومًا، فإنها تَغتسل وتصلِّي وتصوم، حتى لو نزَل عليها الدَّمُ؛ قال ابن قُدامة -رحمه الله-: "فإن زادَ دَمُ النُّفساء على أربعين يومًا، فصادَف عادة الحَيْض فهو حَيْض، وإن لَم يُصادف الحَيْض، فهو استحاضة".
11 - عدم صيام المرأة إذا طَهُرت من الحَيْض، ثم رأتْ بعد طُهرها شيئًا، (كالصُّفرة والكُدْرة):
وهذا خطأ، بل على المرأة أن تُصلِّي وتصوم ويأتيها الزوج؛ لأن الصُّفرة والكُدْرة بعد الطُّهر لا تُعدُّ شيئًا، فقد جاء عن أُمِّ عَطيَّة أنها قالت - كما في صحيح البخاري -: "كُنَّا لا نَعُدُّ الكُدْرة والصُّفْرة [بعد الطُّهر] شيئًا".
تنبيه:
إذا كانت الصُّفرة والكُدرة زمَنَ الحيض أو مُتَّصِلتين به، فهذا له حُكم الحيض؛ وذلك للحديث الذي أخرَجه البخاري مُعَلَّقًا ومالك عن مَوْلاة عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النساء يَبْعَثْنَ إلى عائشة أمِّ المؤمنين بالدرجَة -الخِرَق- فيها الكُرْسُف -القطن- فيه الصُّفرة من دَمِ الحيضة، يَسْألْنَها عن الصلاة، فتقول لهنَّ: "لا تَعْجَلْنَ حتى تَرَيْنَ القَصَّة البيضاء، تريد بذلك الطُّهر من الحيضة".
12- بعض النساء تقضي ما عليها من رمضان، ولكن بصورة متتابعة بدون تفريق:
ظنًّا منها أنه لا يُقبَل منها القضاء إلا بالتتابُع، ويستدلون بالحديث الذي أخرَجه الدارقطني والبيهقي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَن كان عليه صوم رمضان، فليَسْرُدْه ولا يَقطعه)).
ولكن الحديث لا يَصِح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والصحيح أنه يجوز للمرأة أن تقضيَ ما عليها من أيام متفرِّقة...
والأدلة على ذلك كثيرة، منها:
أ - قوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِّنْ أيام أُخَرَ﴾ [البقرة: 184]، فأطْلَق ولَم يُقَيِّدْها بتتابُعٍ.
ب - وأخرَج البخاري مُعَلَّقًا عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "لا بأْسَ أن يُفَرَّق".
ج - وعند الدارقطني من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "يُواتره إن شاء".
د - وأخرَج ابنُ أبي شيبة والبيهقي عن أنس -رضي الله عنه- قال: "إنْ شِئْتَ فاقضِ رمضان متتابعًا، وإن شئتَ مُتفرِّقًا".
وذهَب الأئمة الأربعة:
إلى التخيير بين المتابعة والتفريق في قضاء الصيام.
وقد سُئِل الإمام أحمد عن قضاء رمضان، فقال:
"إن شاء فرَّق، وإن شاء تابَع"؛ مسائل الإمام أحمد لأبي داود.
13 - صيام ستٍّ من شوال قبل قضاء ما عليها من رمضان:
فيُفَضَّل لِمَن كانت عليها أيام من رمضان أن تقضيَ هذه الأيام قبل أن تصوم ستًّا من شوال؛ وذلك للحديث الذي أخرَجه الإمام مسلم عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَن صام رمضان، ثم أتْبَعه ستًّا من شوال، كان كصيام الدهر))، فيُفْهَم من هذا الحديث أنَّ مَن أرادَ حيازة هذا الفضل أن يُتِمَّ صيام رمضان، ثم يُتبعه بعد ذلك بصيام ستٍّ من شوال، فلا يُقَدِّم صيام الستِّ على قضاء رمضان، وهذا ما رجَّحه ابن عثيمين -رحمه الله-.
ويُفْهَم هذا أيضًا من كلام أبي بكر لعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- حيث رُوِي عن أبي بكر أنه قال لعمر: "وأنه لنْ تُقبَل نافلة حتى تؤدَّى الفريضة".
تنبيه:
إنْ كان الأفضل صيام القضاء، ثم إتْباعه بستٍّ من شوال -كما مرَّ بنا- إلاَّ أنه يجوز صيام السِّتِّ من شوال قبل قضاء رمضان، خصوصًا لمَن ضاقَ عليه شوَّال لو قَضى، ويدلُّ على هذا قوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِّنْ أيام أُخَرَ﴾ [البقرة: 184]، ففي هذه الآية أطْلَق الله القضاء ولَم يُقيِّدْه.
- ويدلُّ على ذلك أيضًا ما أخرَجه البخاري ومسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان يكون عليَّ الصوم في رمضان، فما أستطيع أن أقْضِيَه إلا في شعبان".
ولا شكَّ أنها كانت تتطوَّع في أثناء العام، وكان هذا بعِلْم النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو إقرار منه؛ لأنه لَم يُنكِر عليها.
- ومما يدل على ذلك أيضًا ما أخرَجه الإمام أحمد عن ثَوْبان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَن صام رمضان، فشَهْر بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بعد الفطر، فذلك تمام صيام السَّنة))، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أطْلَق في هذا الحديث ولَم يُقَدِّم شيئًا على شيء، ولكنَّ الفضْلَ مترتِّبٌ على الإتيان بهما.
14 - الإكثار من شراء الأطعمة:
فتبدأ النساء مع بداية الشهر بإعداد قائمة طويلة لِمَا تَحتاجه من المطاعم والمشارب، وهذه القائمة رُبَّما تتضمَّن أكثر من ثلاثين صِنفًا من الأطعمة والأشربة المختلفة.
ولقد أثْبَتَت بعض الإحصائيات بالأسواق المحلية أنَّ ما يُنْفَق على الطعام والشراب في رمضان، يَقترب من ثلاثة أضعاف ما يُنْفَق على ذلك في بقيَّة الشهور؛ ولذلك تجد أنَّ البعض يَستدين لشراء الطعام والمشروبات على اختلاف ألوانها وأشكالها؛ من الياميش والمكسرات، والحلويات، وأنواع الفاكهة، والطَّيْر واللحوم والأسماك، والخضروات والسلاطات، وأنواع الألبان والعصائر، والتمر والزبيب، انتهاءً بكَعك العيد.
وهذا كله يُنهك الزوج من الناحية المادية، كما يُنهك الزوجة من الناحية الجسديَّة؛ حيث تبدأ هي الأخرى في الاعتكاف المطبخي طوال الشهر، ولا تَخرج من هذا الاعتكاف إلا مع العيد، فهل هذا هو الاستعداد لشهر رمضان، والمغفرة والرضوان، والعِتق من النيران؟!
15 - الإكثار من الطعام وملء البطن، والتكاسل عن العبادة:
فالناس في رمضان يَستكثرون من تناول ألوان الطعام والشراب، يردِّدون: "حيَّاك الله يا رمضان بالقرع والباذنجان"، فترى الناس في رمضان يُنفقون الأوقات والأموال في إعداد أصناف الطعام، فإذا أكلوا فإنهم يأكلون أكْلَ المنهومين، ويشربون شُرب الهِيم، فيكون رمضان شهر التُّخَمة والسِّمنة، وأمراض المعدة.
وصدق القائل حين قال:
يَا خَادِمَ الْجِسْمِ كَمْ تَسْعَى لِخِدْمَتِهِ
أَتَطْلُبُ الرِّبْحَ فِيمَا فِيهِ خُسْرَانُ
أَقْبِلْ عَلَى النَّفْسِ وَاسْتَكْمِلْ فَضَائِلَهَا
فَأَنْتَ بِالنَّفْسِ لاَ بِالْجِسْمِ إِنْسَانُ
فمَن أراد أن يفوزَ برمضانَ، ويَستشعر حلاوة الإيمان، ويتمتَّع بقراءة القرآن، ويتلذَّذ بطول القيام، فعليه ألاَّ يُكثِر من الطعام والشراب؛ امتثالاً لقوله تعالى: ﴿وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31].
وقد نُقِل عن بعض السلف أنه قال: "إنَّ الله جَمَع الطبَّ كلَّه في هذه الآية"، وقال ابن القَيِّم -رحمه الله- في "زاد المعاد" تعليقًا على هذه الآية: "فمتى جاوَز ذلك كان إسرافًا، وكلاهما مانِع للصِّحة، جالِبٌ للمرض؛ أعْنِي عدمَ الأكل والشرب أو الإسرافَ فيه، فحِفْظ الصِّحة كله في هاتين الكلمتين"؛ ا .هـ.
وصدَق النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال:
((كُلُوا واشْرَبوا من غير إسراف ولا مَخِيلةٍ)).
فالإفراط في المأكل والمشرب سببٌ لكثير من الأمراض، ومَدعاة للكسل والفتور عن الطاعة والعبادة؛ ذكر البيهقي كما في "شُعَب الإيمان" (5/ 22) عن الحليمي -رحمه الله- أنه قال: "وكلُّ طعامٍ حلال، فلا ينبغي لأحدٍ أن يأكلَ منه ما يُثقل بدنَه؛ فيُحْوِجَه إلى النوم، ويَمنعه من العبادة، وليأكل بقدْرِ ما يُسكِّن جوعَه، وليَكُنْ غَرَضُه من الأكل أن يَشتغل بالعبادة ويقوى عليها"؛ ا. هـ.
يقول الشافعي -رحمه الله-:
"البِطْنَة تُذهب الفِطنة".
وكان بعض العلماء يقول:
"إذا امْتَلأت المعدة، نامَت الفكرة، وخَرَست الحِكمة، وقَعَدت الأعضاء عن العبادة"، وعلى هذا ينبغي على الإنسان منَّا أن يقومَ عن الطعام قبل الشِّبع؛ فقد أخرَج الإمام أحمد والترمذي عن المقدام بن مَعد يكرب -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بَطْنه، بحسْبِ ابن آدمَ أُكُلاتٌ -وفي رواية: لُقيماتٌ- يُقِمْنَ صُلبه، فإن كان لا مَحالةَ، فثُلُثٌ لطعامه، وثُلُثٌ لشرابه، وثُلُثٌ لنَفَسه))، أُكُلات: لُقَمٌ؛ صحيح الجامع، (5674).
16- قضاء الساعات الطوال في إعداد الطعام، وضياع الأوقات في المطبخ:
ولا تنتهي المرأة إلا قُبيل المغرب بدقائقَ، فتَنشغل عن ذِكر الله وقراءة القرآن، ويَضيع عليها الذِّكر وقت الغروب وساعة الإجابة، وعند السَّحر عند طعام السَّحور، فيُمكن للمرأة استغلالُ هذه الأوقات التي تُعَدُّ فيها الطعام في الذِّكر، والاستغفار، والتسبيح، والدعاء، وهي بذلك تَجمع بين الحُسنيين: بين إعداد الطعام، وكثرة الذِّكر، والاستغفار، وذلك فضْل الله يُؤتيه من يشاء، ولها أن تَستمع للقرآن والمحاضرات في المطبخ عند إعداد الطعام؛ حتى لا تضيع الأوقات.
17 - عدم إحسان وتصحيح النية عند إعداد الطعام للزوج والأولاد:
وهذا فيه ما فيه من ضياع الأجْر العظيم، والذي تَستطيع أن تتحصَّل عليه الزوجة في إحسان النيَّة عند إعداد الطعام للصائمين؛ فقد أخرَج الإمام مسلم عن أنس -رضي الله عنه- قال: "كنَّا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في السفر، فمنا الصائم ومنَّا المُفطر، قال: فنزلنا منزلاً في يوم حارٍّ، أكثرنا ظلاًّ صاحبُ الكِساء، ومنَّا مَن يتَّقي الشمس بيده، قال: فسَقَط الصُّوَّام وقام المُفطرون، فضَربوا الأبنية، وسَقوا الرِّكاب، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ذهَب المُفطرون اليوم بالأجر)).
فهؤلاء مُفطرون وذهبوا بالأجْر، فما نقول في كون القائم على خدمة الصائم صائمًا مثله؟ فممَّا لا شكَّ فيه أن أجْرَه مضاعَفٌ، بل لا نبالغ إن قلنا: إنَّ كثيرًا من الرجال حُرِموا هذا الأجر، وخَصَّ الله به النساء، فعلى النساء أن يَحْتَسِبْنَ نيَّة تفطير الصائمين عند إعدادهنَّ الطعامَ، فيأخُذْنَ أجْرَ مَن يُفطِّرنه؛ فقد أخرَج الترمذي عن زيد بن خالد الجُهَنِيِّ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَن فطَّر صائمًا؛ كان له مِثْلُ أجْره، غير أنه لا يَنْقُصُ من أجْر الصائم شيئًا))؛ صحَّحه الألباني في صحيح الترغيب، (1072).
فالأجر والثواب يكون على قَدْر النيَّة
يقول أبو طالب المكي -رحمه الله- كما في "قوت القلوب" (2/ 308): "النيَّة الصالحة هي أوَّل العمل الصالح، وأوَّل العطاء من الله تعالى، وهو مكان الجزاء؛ وإنما يكون للعبد من ثواب الأعمال على حسب ما يَهب الله تعالى له من النيَّات، فرُبَّما اتَّفق في العمل الواحد نيَّات كثيرة -على مقدار ما يَحتمل العبد من النيَّة، وعلى مقدار عِلْم العامل- فيكون له بكلِّ نيَّة حسنة، ثم يُضاعف كل حسنة عشر أمثالها؛ لأنها أعمال تَجتمع في عملٍ".
وكذا قال الإمام الغزالي -رحمه الله- في "الإحياء" (4/ 323) حيث قال: "الطاعات مرتبطة بالنيَّات في أصْل صِحَّتها، وفي تضاعُف فضْلها، أما تضاعُف الفضل، فبكثرة النيات الحسنة، فإنَّ الطاعة الواحدة يُمكن أن يَنوي بها خيرات كثيرة، فيكون بكلِّ نيَّة ثوابٌ؛ إذ كلُّ واحدة منها حسنة، ثم تُضاعَف كلُّ حسنة عشرَ أمثالها.
18 - الانشغال في الأيام العشر بشراء الملابس أو كثرة التردُّد على الخيَّاطات، وعمل الكعك، وعدم الإكثار فيها من الطاعة:
وغَفَلت هذه المسكينة أنَّ الأعمال بالخواتيم، كما أنَّ العشر الأخيرة من رمضان فيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر؛ لذا: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخَل العشر شدَّ مِئْزره، وأحْيا ليله، وأيْقَظ أهله"؛ مُتَّفق عليه، وفي رواية عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره".
فلتَحْرِص الأُخت على اغتنام هذه الأيام، والتي رُبَّما لا تُدركها بعد ذلك، ولتَجتهد فيها بأنواع الطاعات؛ من صلاة وصيام وقيام، وذِكْر ودُعاء، وتلاوة للقرآن وصَدقةٍ، أمَّا ملابس العيد فلتَشْتَرِها قبل رمضان، أو في الأيام الأُولى منه.
19 - الحِرْص على الصيام مع عدم الصلاة:
وهذا خطأٌ جسيم يقع فيه كثيرٌ من النساء؛ فلتَعْلَم المسلمة أنَّ أوَّل ما ستُحاسب عليه من أعمالها الصلاة؛ فقد أخرَج الترمذي وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنَّ أوَّلَ ما يُحاسبُ به العبدُ يوم القيامة من عَمَله الصلاة، فإن صَلَحت فقد أفْلَح وأنْجَح، وإن فسَدَت فقد خاب وخَسِر، وإن انتقَص من فريضته شيءٌ، قال الربُّ -عز وجل-: انظروا هل لعبدي من تطوُّع، فيُكمل منها ما انْتَقَص من الفريضة؟ ثم تكون سائرُ أعماله على ذلك))؛ صحيح الجامع، (2020).
وحال التي تَحرص على الصيام مع عدم الصلاة، كحال الذي يبني قصرًا ويَهدمُ مِصرًا، والصلاة كما نعلم هي عمود الدين، كما أخبَر الرسول الأمين -صلى الله عليه وسلم- كما عند الترمذي وابن ماجه: ((رأْسُ الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذِروة سَنامه الجهاد في سبيل الله))، ونحن نعلم أن الفُسطاط إذا سقَط عموده سقَط الفسطاط، ولَم يُنتفع بالطُّنُب ولا بالأوتاد، فكذلك الصلاة في الإسلام، ومَن لَم يُحافظ على الصلاة ويتركها، سيكون مع شِرار الخَلْق يوم القيامة؛ فقد أخرَج الإمام أحمد بسندٍ صحيح عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَنْ حافَظ على الصلاة، كانت له نورًا وبرهانًا يوم القيامة، ومَن لَم يُحافظ عليها، لَم تكن له نورٌ ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأُبيِّ بن خلف)).
- فأين عقول الذين باعُوا مرافقةَ الذين أنْعَم الله عليهم من النبيِّين والصِّديقين والشُّهداء والصالحين، بمرافقة الذين غَضِب الله عليهم ولعَنهم وأعدَّ لهم جَهنَّمَ وساءَت مصيرًا؟
كما قال تعالى:
﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾ [المدثر: 38 - 43].
وقال تعالى:
﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: 59].
يقول ابن القَيِّم -رحمه الله- كما في "كتاب الصلاة وحكم تاركها"، ص 3:
"لا يختلف المسلمون أنَّ تَرْك الصلاة المفروضة عمدًا من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، وأن إثْمَه عند الله أعظم من إثم قتْل النفس وأخْذ الأموال، وأعظم من إثم الزنا والسَّرقة وشُرب الخمر، وأنه متعرِّض لعقوبة الله وسَخَطه وخِزيه في الدنيا والآخرة".
فهيَّا أُختاه إلى الصُّلح مع الله، والصلاة من الآن، وأحْمل لكِ هذه البِشارة؛ فقد أخرَج ابن حِبَّان في "صحيحه" عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا صَلَّت المرأة خَمسها، وحصَّنت فرْجَها، وأطاعَت بَعْلها، دخَلَت الجنة من أي أبواب الجنة شاءَت))، وعند الإمام أحمد بلفظ: ((إذا صلَّت المرأة خَمسها، وصامَت شهرَها، وحَفِظت فرْجَها، وأطاعَت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أيِّ أبواب الجنة شِئْتِ)).
20 - تأخير الصلاة عن وقتها:
فكثيرٌ من النساء تنشغل عن الصلاة وتُؤَخِّرها بسب أعمال المنزل: من طَبْخ وغسيل، وغير ذلك، أو تتأخَّر في النوم حتى يَخرجَ وقتُها، وخصوصًا صلاة الفجر، ولقد توعَّد الله كلَّ مَن يؤخِّر الصلاة عن وقتها بالويل والعذاب الشديد، فقال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون: 4 - 5]؛ أي: يؤخِّرونها عن وقْتها، أو يُخرجونها عن وقتها بالكليَّة؛ كما قال مسروق: "وهذا من صفات المنافقين".
وانظر قولَ النبي -صلى الله عليه وسلم- فيمَن أخَّر صلاة العصر:
فقد أخرَج الإمام مسلم أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يَجلس يرقُب الشمس، حتى إذا كانت بين قَرْني الشيطان، قام فنقَر أربعًا لا يَذْكر الله فيها إلا قليلاً)).
ولئن يَفقد الرجل أهله ومالَه، خيرٌ له من أن يفوتَه وقتُ الصلاة؛ فقد أخرَج عبدالرزَّاق في "مُصَنفه" أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لأن يُوتر أحدُكم أهلَه ومالَه، خيرٌ له من أن يفوتَه وقت الصلاة)).
فلنَعْلم جميعًا ولتَعْلَم كلُّ أُختٍ مسلمة، أنَّ أحبَّ الأعمال عند الله -عز وجل- هي الصلاة في وقتها؛ فقد أخرَج البخاري ومسلم عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "سألْتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: ((الصلاة على وقتها))، قلتُ: ثم أيُّ؟ قال: ((بِرُّ الوالدين))، قلت: ثم أيُّ؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله)).
21 - الصلاة مكشوفة العورة:
فبَدَنُ المرأة خارج الصلاة كلُّه عورة يَجب عليها سَتْرُه، وإذا كانتْ في صلاة فإنها تُبدي الوجه والكَفَّين؛ أخرَج أبو داود والترمذي عن عائشة -رضي الله عنها- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يَقبل الله صلاة حائضٍ إلا بخمارٍ))، وأخرج أبو داود عن أُمِّ سَلَمة -رضي الله عنها-: أنَّها سألَت النبي -صلى الله عليه وسلم- أَتُصَلِّي المرأة في دِرْعٍ وخمار بغير إزارٍ؟ قال: ((إذا كان الدِّرع سابغًا، يُغَطِّي ظهور قَدَميها)).
- وقد استهانَت بعضُ المسلمات بحدود العَوْرة في الصلاة، فقد تُصلِّي الواحدة منهنَّ وبعض أجزاء من جَسَدها مكشوفة، كأن يَنكشف ذراعُها، أو أجزاءٌ من ساقها، أو شعرها، أو غير ذلك، وهذا كلُّه حرامٌ وقد يُبطل الصلاة، فلتُرَاعِ المرأة عدمَ إبداء العورة في الصلاة.
- وكذلك عَدَمُ لُبْس ملابس شفَّافة تُبيِّن لونَ الجسم، أو تَكْشِف أجزاءَه، ولتَعْلَم أنها واقفة بين يدي الله تعالى في الصلاة، تُناجيه وتَدعوه.
- كما أنه يُكره أن تَنتقب المرأة في الصلاة من غير ضرورة، كالصلاة في وجود أجانبَ؛ قال ابن عبدالبَرِّ -رحمه الله-: وقد أجْمعوا على أنَّ على المرأة أن تَكْشِف وجْهها في الصلاة والإحرام؛ أي: في الحج، ولكنَّها تُغطي وجْهها عن الأجانب من غير نقابٍ.
22 - التطيُّب عند الذهاب للمسجد:
حيث تأتي بعضُ النساء إلى المسجد وقد تعطَّرت وتجمَّلت، وكأنها تُزَفُّ يومَ عُرْسها، وهذا خطأ جسيم، وإثم عظيم؛ فقد أخرَج البيهقي بسنده أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أيُّما امرأة تَطيَّبتْ ثم خرَجت إلى المسجد، لَم تُقبل لها صلاة حتى تَغتسل))؛ صحَّحه الألباني.
وعند الإمام أحمد أنَّ أبا هريرة -رضي الله عنه- استقبَل امرأة متطيِّبة، فقال لها: "أين تُريدين يا أَمَة الجبَّار؟ قالت: المسجد، فقال: وله تَطَيَّبْتِ؟ قالت نعم، قال أبو هريرة: إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أيُّما امرأةٍ خرَجت من بيتها مُتطيِّبة تريد المسجد، لَم يَقبل الله -عزوجل- لها صلاة؛ حتى ترجِعَ فتَغْتَسِل منه غُسْلَها من الجَنابة))، وأخرَج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي من حديث أبي موسي الأشعري -رضي الله عنه-: ((أيُّما امرأة اسْتَعْطَرَت ثم خرَجت، فمرَّت على قوم؛ ليَجِدوا ريحَها، فهي زانية، وكلُّ عينٍ زانية)).
أخرج الإمام مسلم عن زينبَ زوجةِ عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا شَهِدت إحداكنَّ المسجدَ، فلا تمسَّ طِيبًا))، وأخرَج الإمام أحمد وأبو داود عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: ((لا تَمنعوا إماءَ الله مساجدَ الله، ولكن لِيَخْرُجْنَ وهنَّ تَفِلاتٌ)).