عش رجباً ترى عجباً
عش رجباً ترى عجباً 422
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..

أما بعد:
فإن الشهور والأيام تتفاضل كما يتفاضل الناس فرمضان أفضل الشهور ويوم الجمعة أفضل الأيام وليلة القدر أفضل الليالي.

والميزان في إثبات أفضلية شهر أو يوم أو ليلة أو ساعة شرع الله تعالى، فما ثبت في الكتاب أو السنة الصحيحة أن له فضلاً أثبت له ذلك الفضل، وما لم يرد فيهما أو ورد في أحاديث ضعيفة أو موضوعة فلا يعترف به ولا يميز على غيره.

ومن الأشهر المُحرَّمة الذي ثبت حُرمته بالكتاب والسنة شهر رجب المُحرَّم، قال تعالى: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حُـرم} [التوبة:36]، قال ابن عباس في قوله {منها أربعة حُـرم}: "محرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة".

ولكن طاب لبعض المبتدعة أن يزيدوا على ما جعله الشارع له من مزية باختراع عبادات واحتفالات ما أنزل بها من سلطان مضاهاة لأهل الجاهلية، حيث كانوا يفعلون كثيرًا منها فيه.

وإليك بعض الضلالات التي تكون في رجب:
العتيرة
ذبح ذبيحة يسمونها (العتيرة) وقد كان أهل الجاهلية يذبحونها فأبطل الإسلام ذلك حيث قال صلى الله عليه وسلم: «لا عتيرة في الإسلام» رواه أحمد 2/229.

قال أبو عبيدة:
"العتيرة هي الرجبية ذبيحة كانوا يذبحونها في رجب يتقربون بها لأصنامهم" (فتح الباري لابن حجر 9/512).

وقال ابن رجب:
"ويشبه الذبح في رجب اتخاذه موسماً وعيدًا كأكل الحلو ونحوها" (لطائف المعارف 227).

الإسراء والمعراج
اعتقاد أن ليلة السابع والعشرين من رجب هي ليلة الإسراء والمعراج مما أدى إلى عمل احتفالات عظيمة بهذه المناسبة.

وهذا باطل من وجهين:
أ- عدم ثبوت وقوع الإسراء والمعراج في تلك الليلة المزعومة بل الخلاف بين المؤرخين كبير في السنة والشهر الذي وقع، فكيف بذات الليلة.

ب- أنه لو ثبت أن وقوع الإسراء والمعراج كان في تلك الليلة بعينها لما جاز إحداث أعمال لم يشرعها الله ورسوله، ولاشك أن الاحتفال بها عبادة، والعبادة لا تثبت إلا بنص، ولا نص حينئذ، فالاحتفال بها من المحدثات في الدين.

ذكر العلامة أبو شامة
في كتابه النافع الباعث على إنكار البدع والحوادث إن الإسراء لم يكن في شهر رجب.

وذكر الحافظ في فتح الباري:
"إن الخلاف في تحديد وقتها يزيد على عشرة أقوال!! منها انها وقعت في رمضان، أو في شوال، أو في رجب، أو في ربيع الأول، أو ربيع الآخر".

قال شيخ الإسلام ابن تيميه:
"إن ليلة الإسراء لم يقم دليل شرعي معلوم على تحديد شهرها أو عشرها (أي العشر التي وقعت فيها) أو عينها (يعني نفس الليلة)".

وخلاصة أقوال المحققين من العلماء أنها ليلة عظيمة القدر مجهولة العين.

الصيام
تخصيص أيام رجب بالصيام، وقد ثبت أن عمر كان يضرب أكُفَّ الرّجال في صوم رجب حتى يضعوها في الطعام ويقول: "ما رجب؟ إن رجبًا كان يُعظّمهُ أهل الجاهلية فلمَّا كان الإسلام تـُرك" (مصنف ابن أبي شيبة 2/345).

قال أبوبكر الطرطوشي في كتاب (البدع والحوادث):
"يُكره الصوم على ثلاثة أوجه لأنه إذا خصَّه المسلمون بالصوم من كل عام حسب ما يفعل العوام:
1-  فإما أنه فرض كشهر رمضان،
2-  وإما سنة ثابتة كالسنن الثابتة،
3-  وأما الصوم فيه مخصوص بفضل ثواب على صيام باقي الشهور.


ولو كان من هذا شيئاً لبيَّنهُ النبي صلى الله عليه وسلم".

صلاة الرغائب
اختراع صلاة أول ليلة جمعة من رجب يسمُّونها صلاة الرغائب ووضعوا فيها أحاديث لا تصح على النبي صلى الله عليه وسلم وهي صلاة مبتدعة عند جمهور العلماء.

الصَّدقة
تخصيص رجب بالصدقة لاعتقاد فضله، والصدقة مشروعة في كل وقت واعتقاد فضيلتها في رجب بذاته اعتقاد خاطئ.

العُمرة
تخصيص رجب بعُمرة يسمونها (العُمرة الرجبية) والعُمرة مشروعة في أيام العام كلها، والممنوع تخصيص رجب بعُمرة واعتقاد فضلها فيه على غيره.

الخاتمة
وكل ما سبق من بدع وضلالات مبني على اعتقاد خاطئ وأحاديث ضعيفة وموضوعة في فضل رجب، كما بَيَّنَ ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في (تبيين العجب بما ورد في فضل رجب): "وحريٌ بالمسلم أن يتَّبع ولا يبتدع إذ محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم تُنال بالاتباع لا بالابتداع.

قال تعالى:
{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم، قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين} [آل عمران 31-32].
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه.

المصدر:
مجلة التوحيد
صفوت الشوادفي