أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: 96- اسم الله: "الدَّيـَّان" السبت 05 مايو 2018, 9:13 pm | |
| ((الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ)) أكثر الناس الآن يعيشون وقْتَهُم ولحْظَتَهم ويوْمَهُم وساعَتَهم ويُعْطون أنفْسَهُم ما تشْتَهي أما الغد فلا يُفَكِّرون فيه إطْلاقاً؛ فمِن علامات العاقل الفذ أنَّهُ يعيش الغد ومِن علامات الأقلّ عَقْلاً أنَّهُ يعيش الحاضِر ومن علامات الجاهِل أنَّهُ يتغَنى بِالماضي.
ألْهى بني تغْلِبٍ عن كلِّ مكْرُمَةٍ
قصيدةٌ قالها عمرو ابن كلثوم.
فالجاهِل يتغَنَّى بِالماضي والأقل عقلاً يعيش لحْظَتَهُ والعاقِل جداً يعيش المُسْتَقْبل.
لذلك هناك مَنْ يُخَطِّطُ لِمُسْتَقْبَلِهِ وهناك من تكون حياتُهُ رُدود فِعْلٍ دائِماً، يكون الفِعْل من خَصْمِهِ ويُفْرض عليه مكان وزمان الفِعْل ومُهِمَّتُهُ ردّ الفِعل؛ فهو إنسانٌ ضعيف لا يُخَطِّط للمُسْتَقْبل أما المؤمن فإنه يعيش المُسْتَقْبل وساعة فِراق الدنيا وهذه الساعة التي يغْفَل عنها الناس.
قال تعالى: "لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)" (سورة ق).
أما الصحابة الكِرام فقد قال أحدهم: والله لو كُشِفَ الغِطاء ما ازْدَدَتُ يقيناً وقال أحد الصحابة للنبي عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله كأني بِأهل الجنة يتنعَّمون وبِأَهل النار يتصايَحون فقال عليه الصلاة والسلام: عبدٌ نوَّرَ الله قلْبَهُ بالإيمان عَرَفْتَ فالزم؛ فالمؤمن يعيش المُسْتَقْبل والمصير وهذه الساعة التي لابد منها ما نجا منها أحدٌ لا نبِيّ ولا ملِك ولا غنيّ ولا قويّ ولا ضعيف ولا صحيح ولا مريض ولا عاجِز ولا وسيم ولا دميم...
ساعة المَوْت المؤمن يسْتَعِدّ لها بِالعَمَل الصالح بِإنفاق عِلْمِه ومالِهِ ووقْتِهِ وعضلاتِهِ وخِبْراتِه وطاقاتِهِ وبِكُل ما يمْلك؛ يسْتَعِدّ لِهذه اللحْظة كي يكون القبر رَوْضَةٌ من رِياض الجنّة فإن لم يسْتَعِدّ للقبر أصْبح القبر حُفْرَةً من حُفر النار، قال تعالى: "النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)" (سورة غافر).
في الحديث الشريف أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام دعا على قَوْمٍ فقال: "اللهم دِنْهُم كما يدينونا" أيْ اجْزِهِم بِما يُعاملون به من قِبلهم، طبْعاً كلمة: مالك يوم الدين كلمة كبيرة جداً فَيَوْم الدين يومُ الدَّيْنونَة وأسْماء الله الحُسنى كلُّها مُحَقَّقة في الدنيا أما اسم العادِل يُحَقَّق في الدنيا ويبْدو أشَدّ جلاءً في الآخرة؛ هناك تَسْوِيَة حِسابات وهناك غنيٌّ وفقير وهناك مُسْتَغِلّ ومُسْتَغَلّ ومُحْتالٌ ونصاب وطاغِيَةٍ وظالِم وهناك من يغْتَصِب أمْوال الناس وهناك مَنْ يغْتَصِب أعْراضهم ويَحْتال عليهم بِذَكائِهِ أو بِقُوَّتِهِ والمُؤدَّى واحد إما احْتِيالاً أوْ قَهْراً؛ فهذا الذي أخذ ما ليس له متى سَيُحاسَب؟.
سَمِعْتُ مرَّةً من أحد الدعاة مثلاً أعْجَبَني؛ لو أنَّ أحداً كان في مَسْرَحِيَّة -ليس هذا من باب الإقْرار- ثمَّ أُرْخِيَ السِّتار لم تجد أحداً قام من مكانه، لِماذاَ؟ لأنه ما انتهت المَسْرَحِيَّة فكُلّ بداية لها نِهاية وكُلّ مُقَدِّمة لها نتيجة؛ وهذا الذي اغْتَصَب وسرق أمْوال الناس بِالباطِل متى توزن له الأعمال؟ إنها توزن يوم الدِّين؛ حيث توفى كل نفس ما كسبت، هذا اليوم إذا غَفَلْنا عنه نحن أشْقى الأَشْقِياء.
قال تعالى: "مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)" (سورة الفاتحة).
هناك سؤال وهو: أَلَيْسَ الله هو مالك الدنيا؟ وهل معنى مالك يوم الدِّين أنَّهُ لا يمْلِك الدنيا؟
الجواب: لا فَهُو تعالى يمْلِك الدنيا والدين والآخرة لكن في الدنيا من يَدَّعي أنَّه مالِكُها فَهُناك من يدَّعي أنَّ الأمر بِيَد فلان وأساساً مُعْظم الذين وقَعوا في الشِّرك الخَفيّ يَرَوْن الناس ولا يرَوْن الله عز وجل ويرَوْن أنَّ الأَقْوِياء بِيَدِهم الحلّ والعَقْد والعطاء والمَنْع والإعْزاز والإذْلال وبِيَدِهم الحياة والموت فيما يبْدو لهم وهناك من يدَّعي أنَّ الأمر بِيَدَه في الحياة الدنيا وهو المُشْرك لكن في الآخرة لا يسْتطيع أحَدٌ أنْ يدَّعي أنَّ الأمر بِيَدِه.
هناك آيةٌ تُشْبِهُ هذه الآية قال تعالى: "صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)" (سورة الشورى).
بِحَسَب الظاهر إن الأمور صارتْ إلى الله؛ فَبِيَدِ من كانت؟ كانت بِيَد الله فما معنى هذه الآية إذاً؟ في الدنيا الأمر بِيَد الله وحْده وليس لأحد من الأمر شيء إلا أنَّ هناك في الدنيا من يدَّعي من الناس أنَّ الأمر بِيَدِه أما في الآخرة يبْدو الأمر جَلِياً أنَّهُ بِيَد الله عز وجل ولا أحد يدَّعي أنَّ الأمر بِيَدِهِ فَهِي قضِيَّةٌ نِسْبِيَّة.
إذاً مالك يوم الدِّين يومٌ لا يمْلِكُهُ أحدٌ أما أنت في الدنيا قد تجد أنَّ إنساناً قُتِل وآخر قُهِر وذاك أُخذ مالُهُ والقوِيُّ هو الذي أخذ ماله؛ هناك في الدنيا من يدَّعي أنَّ الأمر بِيَدِه أما في الآخرة لا يسْتطيع أحدٌ أنْ يدَّعي أنَّ الأمر بِيَدِه فهو مالك يوم الدين وهناك قِراءة ملِكِ يوم الدِّين فالمالك هو الذي يمْلك ولا يَحْكم والملِك هو الذي يحْكُم ولا يمْلِك والله ملِكٌ ومالِك يَمْلِك ويحْكُم أنت أحْياناً تنتفع بشيء ولا تمْلِكُ رقَبَتَهُ وقد تمْلِكُ رقبَتَهُ ولا تنْتَفِع به والشيءُ الثالث أنَّك قد تمْلِكُهُ وتنْتَفِعُ به ولا تمْلِكُ مصيرهُ لكنَّ الله سبحانه وتعالى مالك يوم الدين وملك يوم الدين ويمْلِك كلَّ شيءٍ خلْقاً وتَصَرُّفاً ومصيراً.
ابن عباس رضي الله عنهما يفسِّر معنى قول الله عز وجل: مالك يوم الدّين يقول: لا يملك أحد في ذلك اليوم معه حُكماً كَمُلْكِهِم في الدنيا، حيث كانوا يضعون أيديهم على الكثير ويمتلكونه ويوم الدين يوم الحِساب للخلائق وهو يوم الآخرة يدينُهُم بِأعْمالِهم، إنْ خيراً فَخَيْرٌ وإنْ شراً فشَرٌّ إلا من عفا الله عنه.
العلماء يقولون: "تخصيص المُلك بِيَوم الدين لا ينْفي عما عداه" وهذه نُقْطة دقيقة جداً فإذا قلْنا: الله مالك يوم الدّين لا يعْني أنَّهُ لا يَمْلِك الدنيا لكن في هذا اليوْم يتَّضِح لكل إنْسان أنَّهُ تعالى مالك يوم الدين أما في الدنيا فيتَّضِح للمؤمنين فقط أنَّ الله مالك يوم الدين، فما الفرق بين المؤمن والمُشْرِك؟ المؤمن يرى أنَّ الله وحْده هو الفَعَّال بينما المُشْرِك يرى أنَّ آلِهِةً كثيرةً تفْعل ما تريد.
أَيُّهُما أبْلَغ: أن تقول مالك أم ملك؟
قال بعْضُهُم: إنَّ مالِك أبْلغ في مدْح الخالق من ملِك وملِك أبْلَغُ في مدْح المخلوقين من مالِك فالملِك لا يمْلك لكنَّه يحْكم فهو لا يمْلك سمْعه ولا بصره ولا دِماغَهُ ولا شرايينه ولا دمه ولا قلْبه ولا أمْعاءه فهو لا يمْلك شيئاً لكنَّهُ يحْكم فإذا أردْت أنْ تمْدح إنْساناً فقُل له ملِك أما إنْ أردت أنْ تثني على الله عز وجل فهو تعالى المالك.
قال تعالى: "قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".
لذلك الأبلغ في الثناء على الله عز وجل أنْ تقول: مالك يوم الدِّين والأبلغ في مدْح الإنسان أن تقول ملِك، في الحديث الشريف: ((يقْبض الله الأرض يوم القِيامة ويَطْوي السماء بِيَمينه ثم يقول أنا الملِك وأين مُلوك الأرض)).
كان في الأندلس ملِك شهير جداً كان ملِكاً على أكبر مُقاطعة في إسْبانيا اسمُهُ ابن عبَّاد وكان ذا عِزٍّ وشأْنٍ وسُلطان وكان ذات يوم يتمشَّى في حديقة قصْره فرأى بِرْكَة ماءٍ وقد أثَّرت فيها الرِّيح فَشَكَّلت خُطوطاً مُتعارِضَة وكأنَّها زَرَد فقال هذا الملك وكان شاعِراً: نسَجَ الرِّيح على الماء زرد، فلَما أراد أنْ يُتَمِّمَ البيت ما اسْتطاع وتعَثَّرَتْ به شاعِرِيَّتُهُ وكانت وراءهُ جارِيَة فقالت له: نسج الرِّيح على الماء زرَد يا له دِرْعاً منيعاً لو جمَد
فَأُعْجِب بها وتَزَوَّجَها وأَكْرمها أيَّما إكرام لأنها زوْجة ملِك واشْتَهَت يوْماً أنْ تعيش حياة الجواري كما كانت قبل أن يتزوجها الملك، وأنْ تدوس في الطِّين فجاء لها بِمِسْكٍ وكافور ومزَجَهُما بِماء الوَرْد وجعل من المِسْك والورد طيناً وقال هذا هو الطِّين فَدوسي فيه ثمَّ جاء ملِك من مُلوك إفريقيا اسْمه ابن تاشْفين وغزا إسبانيا ووضَع كلَّ هؤلاء المُلوك في السِّجن مُلوك دُوَل الطوائف.
والتاريخ يرْوي هذه القِصَّة فهذا الملِك صار سجيناً وصار فقيراً ومُعَذَّباً وشَكَتْ بناتُهُ الجوع وزوْجَتُهُ العرِيّ وضاقَتْ به هذه الجارِيَة ذرعاً إلى أنْ صارَت تقسو عليه وقالت له مرَّةً: ما رأَيْتُ منك خيراً قطّ فقال لها ولا يوْم الطِّين فاسْتَحْيَتْ وسكَتَتْ.
لِهذا ورد في بعض الأحاديث أنَّ النِّسْوة غير المؤمنات يَكْفُرْنَ العشير إذا أحْسَنْتَ إلى إحْداهُنّ الدهْر كُلّه ثم رأَتْ منك شيئاً قالت: لم أرَ منك خيراً قطّ؛ وإنْ قُلْتَ لها كلِمة قاسِيَة لا تنْساها إلى الأبد أما كلُّ الإكْرام تنْساه هذه المرأة ما عرَفَتْ ربَّها وأَيُّما امْرأةٍ لا تشْكر لِزَوْجِها وهي لا تسْتَغْني عنه ترِحْ رائِحة الجنَّة.
((عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمُخْتَلِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ)) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((أَيُّمَا امْرَأَةٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ لَمْ تَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ)) [سُنن الترمذي].
والنبي عليه الصلاة والسلام قال: ((إني أكْره المرأة تخْرج من بيْت زوْجِها تشْتَكي على زوْجِها ومن صِفات المرأة المؤمنة أنَّها سِتِّيرة)).
وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام فيما يرْويه عن ربِّه: ((عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يقول: "أنا الله لا إله إلا أنا مالك الملوك وملك الملوك قلوب الملوك بيدي، وإن العباد إذا أطاعوني حوَّلت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة، وإن العباد إذا عصوني حوَّلت قلوبهم عليهم بالسخط والنقمة فساموهم سوء العذاب، فلا تشغلوا أنفسكم بالدعاء على الملوك ولكن اشغلوا أنفسكم بالذكر والتضرع، أكفكم ملوككم)).
وفي القرآن الكريم قال تعالى: "وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)" (سورة البقرة)، فالإنسان يوصَف بِأَنَّهُ ملِك.
وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلّم: ((عَنْ عَبْد ِاللَّهِ بْنِ عَبْد ِالرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِي اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنَةِ مِلْحَانَ فَاتَّكَأَ عِنْدَهَا ثُمَّ ضَحِكَ فَقَالَتْ لِمَ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي يَرْكَبُونَ الْبَحْرَ الأَخْضَرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَثَلُهُمْ مَثَلُ الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مِنْهُمْ ثُمَّ عَادَ فَضَحِكَ فَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ أَوْ مِمَّ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَتِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَلَسْتِ مِنَ الآخِرِينَ)) [صحيح البخاري].
هناك سؤال وهو: كيف نقول مالك يوْم الدِّين ويوْم الدِّين لم يأْتِ بعْد؟
يُجيب الإمام القُرْطبي عن هذا التساؤل فيقُول: اعْلم أنَّ مالك اسم فاعل من ملِك ومن ملَكَ يَمْلِكُ واسم الفاعِل في كلام العرب قد يُضاف إلى ما بعْده بِمَعنى الفِعل المُسْتقْبل ويكون عندهم هذا كلاماً سديداً ومَعْقولاً صحيحاً كَقَوْلِك: هذا ضارِب زيْدٍ غداً أيْ سَيَضْرِبُهُ غداً واللغة العامِّيَة كذلك تُشير إلى هذا المعنى.
إذاً إذا قُلْنا مالِك يوْم الدِّين أيْ الله جلّ جلاله حينما يأتي ذاك اليوم فلا مالِك سِواه، وعلى كلٍّ إنَّ لِكُلِّ سيِّئَةٍ عِقاباً ولِكُلِّ حسنَةٍ ثواباً واعْملوا ما شِئتم فالبِرُّ لا يبْلى والذَّنبُ لا يُنْسى والدَّيانُ لا يموت اِعْمل ما شِئت كما تدينُ تُدان والدَّيَّان هو الذي لا يُضَيِّع على مخْلوقٍ عملَهُ.
لي صديق يُقيم بِبَلَدٍ عربي له قريبٌ حالُهُ وسَط من حيث التَدَيُّن والأخلاق والاسْتِقامة وله أوْلاد أقَلُّ من الوَسَط من حيث البِرّ وهذا القريب أصيب بِمَرَضٍ قبل وفاتِه فَرَأى الناس من بِرّ أبْنائِهِ به الشيء الذي لا يُصَدَّق فلا هو يسْتَحِقّ هذا البِرّ ولا أولادُهُ في هذا المُسْتوى الرَّاقي؛ مَنْ الذي جعَلَهم يُقْبِلون على خِدْمَتِهِ بِشَكْلٍ لا يوصَف؟
فهو وسَطٌ في تدَيُّنِه واسْتِقامتِهِ وفي أُبُوَّتِهِ وأوْلادُهُ أقَلّ من الوسَط في أخْلاقِهم وتَدَيُّنِهم أما حينما مرِضَ مرَضاً عُضالاً أقْبلوا على خِدْمَتِهِ إقْبالاً مُنْقَطِع النظير حتى أصْبَحَت خِدْمَتُهُم له مضرب المثل فهذا الصديق بقِيَ أشْهُراً يُحَلِّل هذا الموضوع إذْ يصْعُبُ تفْسيرُه وتفْسير هذه القِصَّة أنَّ هذا المريض كان باراً بِأبيه فبرَّه أولاده، البِرُّ لا يبْلى والذَّنب لا يُنسى.
إخواننا الكِرام: كلُّ عمَلٍ له جزاؤُهُ إنْ خيراً فخيرٌ وإنْ شرَّاً فَشرٌ، الدَّيَّان هو الذي يدين خلْقه أيْ يُخْضِعُهُم أو يُجازيهم ويكافئهم أو يَحْمِلهم على طاعَتِه أو يُحاسِبُهم فالله سُبحانه وتعالى هو المُحاسِب والشيء الدقيق أنَّ الله تعالى له أوامِر تَكْليفِيَّة وأوامر تَكْوينِيَّة.
وهذا أخٌ كان له أُخْتٌ عانِس ويُبالِغ في إهانَتِها هو وزَوْجته وينفجر أمام أولادِهِ وزوْجَتِه عليها ويؤنِّبَهَا وهذه الأخت صابرة ليس لها إلا هذا الأخ، وفي إحدى الليالي كانت جالِسَة على الأرض وهو على كُرسي وزوْجَتُهُ إلى جَنْبِهِ فأراد أنْ يشْرب كأس ماء فَرَكَلَ أُخته بِرِجْلِه وقال: ائتني بِكأس ماء، وفي اليوم التالي سافر فوَقَعَ ضحية حادث فَقُطِعَتْ رِجْلُهُ التي ركل بها أخته من أعلى الفَخِذ، فالله هو الدَّيَّان.
وهذا رجل آخر كان يقود مَرْكبة في الطريق فوَجَد كلْباً صغيراً يقْبَع في زاوِية الطريق ففَكَّر هذا السائِق أن يُجَرِّب براعَتَهُ في السِّواقة فقَطَع يدي الكلْب دون أنْ يقْتُلَهُ وأطْلق ضَحْكَةً اسْتِهْزائِيَّة، أقَسَم لي رجلٌ أعْرِفُهُ وهو عندي صادِق وكان يرْكب مع هذا الإنسان أنه في الأسبوع الثاني وفي اليوم نفسه من الأسبوع التالي انْفجرت معه عجلة السيارة فأَوْقَفَها على الطريق لِيُصْلِحها ورفع السيارة بِجِهاز الرَّفْع وفَكَّ العجلَة وفي أثناء فكِّ العجَلَة من مكانِها اخْتَلَّ جِهاز الرفْع ووقَعَتْ السيارة على يدَيْهِ عند الرّسغين وإلى أنْ وصَل إلى المُسْتشْفى اسْوَدَّت يداه فاضْطُرَّ الطبيب إلى قَطْعِهِما؛ هو الدَّيَّان وهو الواحد الدَّيَّان والبِرُّ لا يبْلى والذَّنبُ لا يُنْسى والدَّيانُ لا يموت اعْمل ما شِئت كما تدينُ تُدان. والحمد لله رب العالمين. |
|