أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: 95- اسم الله: "المصطفي" الجمعة 04 مايو 2018, 2:19 pm | |
| ومِن تَكْرِمَة الله للنبي عليه الصلاة والسلام: أنّ الله اصْطفاه واصْطفى له أصْحابَه، فإذا كنت تعيش بِبَلَدٍ وحوْلَك مؤمنون أطْهار طيِّبون وأتْقِياء مخلِصون ومُحِبون هذه حياةٌ مُتَمَيِّزَة وهذه الحياة قَدِّرها الله لك وليس هناك إنسان أسْعَد من أن يعيش مع أناس يتفاهمون فيما بينهم تحدوهم في علاقاتهم مرضاة الله.
ومع مَنْ يكون على شاكِلَتِه ومع الذي يُقَدِّر ما يُقَدِّر ويُبْغِض ما يُبْغِض لا تُصاحِب من لا يُنْهِضك حاله ولا يدُلُّك على الله مقالُهُ ولا تُصاحِب من لا يرى لك من الفضل مثل ما ترى له.
فمِنْ نِعَم الله الكُبْرى على المؤمن أنَّه يعيش بين المؤمنين؛ هو طاهِرٌ وحالُه بين الأطهار وهو صادِق وهو بين الصادِقين وهو مُحِبٌ لله ورسولِه وهو بين المُحِبين فأَجْمَل ما في الحياة أن تعيش مع إنْسانٍ هو على شاكِلَتِك يفهمك سلوكاً وعملاً، ويفْهم منك وتفْهم منه، هذه هي الحياة الحقيقية، لذلك حينما اخْتار النبي عليه الصلاة والسلام سيِّدنا الصِديق لِصُحْبَتِه في الهِجْرة بَكى من شِدَّة الفَرَح.
قال تعالى: "قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آاللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ".
إذا كان الله صَفِيُّكَ وإذا كانت موَدَّتُك وحُبُّك وطاعَتُك لله عز وجل هذا خيرٌ لك أم أن تكون لإنسانٍ لئيمٍ قوِيٍّ لا يَعْرِف حجْم تضْحِيَتِك من أجْلِه فرْقٌ كبير: "آاللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ"؟ هذا اسْتِفهام إنْكار وليْسَ هناك شيءٌ يجْمع بين حالتين.
قال تعالى: "أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)" (سورة القصص).
وقال تعالى: "أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ (18)" (سورة السجدة).
وقال تعالى: "أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35)" (سورة القلم).
وقال تعالى: "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)" (سورة الزمر).
قال تعالى: "ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)" (سورة فاطر).
فإذا آتاك الله الكِتاب تِلاوةً وفَهْماً وتطبيقاً فقد أوتيت خيراً كثيراً ومَنْ أوتِيَ القرآن وظنَّ أنَّ أحَداً أوتِيَ خيْراً منه فقد حَقَّرَ مَا عَظَّمَهُ اللهُ فالقرآن غِنىً لا فقْر بعْده.
قال تعالى: "ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ".
من العِباد حِيال الكِتاب من هو ظالِمٌ لِنَفْسِه ومنهم من هو مقْتَصِد في فِعْل الخيرات ومنهم من هو سابِقٌ بِالخيرات بِإذْن الله، أَتُلاحِظون الاصْطِفاء؟
مثَلاً لدَيْنا مئة طالِبٍ يريدون أن يتخرَّجوا من الجامعة ونريد أن نصطفي واحداً منهم ليكون في منْصِبٍ رفيع لِيَكون عميد كلِيَّة مثلاً أو أُسْتاذاً في الجامِعة أو رئيس المجْمَع العلمي العربي فَحِينما يُصْطفى من بين المُتَفَوِّقين فهذه هي الجِهَة الكسْبِيَة ويُمْنَح اِخْتِصاصات ومُكافآت وميزات وهذه الجهة الوَهْبِيَة، ففي الاصْطِفاء جانِبٌ كسْبي وإلا لا معْنى للاِصْطِفاء وفي الاصْطِفاء جانِب وهْبي وإلا لا ميزَة له عِنْدئذٍ.
وفي القرآن الكريم يتحدّث الله عن الأنبِياء الكِرام قوله تعالى: "وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (46)" (سورة ص).
الأنبِياء مُصْطَفَوْن فَهُم قِمَمٌ في الكمال ونُخْبَةٌ البشَرِيَّة وقِمَمُ المجْتَمَع البشري وملوك البشر هؤلاء الصحابة الكِرام ملوك المسلمين بِالمعنى الروحي والأنبِياء والمُرْسلون صَفْوة الله من خَلْقِه قال تعالى: "وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (44)" (سورة ص).
رُؤْيَتُهم عميقة وأَعْمالُهم طيِّبة؛ واذْكر عِبادنا إبراهيم واسحق ويعقوب أولي الأيْدي والأبْصار فهم بِقَدْر ما هم مُتَفَوِّقون في رؤْيَتِهم بِقَدْر ما هم طيِّبون في أعمالهم.
أيها الإخوة الكرام عُلُوّ الهمّة من الإيمان، حينما يسْمح الله لك أنْ يصْطَفيك أو أن يُقَرِّبك أو أنْ يُلْهِمك أو أن يجْعَلَك تنْطِق بالحق أو أن يجعل هداية الناس على يَدَيْك أو أن تهْفو قلوب المؤمنين إليك هذا نوْعٌ من الاِصْطِفاء وما عِند الله لا يُنال بِمَعْصِيَة الله ألا إنّ سِلْعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة ويجب أيها الإخوة أن تتأكّدوا أنه لابد من الابْتِلاء.
والإنْسان كما تعْلمون يمُر بِمراحِل ثلاث: - مرحلة يُؤَدَّبْ. - مرحلة يُبْتَلَى. - مرحلة يُكَرَّمْ.
ففي مرحلةٍ يؤدّب وفي مرْحلة يبْتلى وفي مرْحلةٍ يُكرَّم وهذه المراحل قد تتداخل وقد تتمايَز لكن لابد من التأديب ولابد من الابْتِلاء ولا بد من الإكرام والعطاء لأنّ هذه سُنّة الله في خلْقِه.
وقد ورد في تفسير قوْلِه تعالى: "وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)" (سورة الرحمن)، جنّة في الدنيا وجنّة في الآخرة.
التطبيق العملي أو موْقِف المؤمن من هذا الاسم العظيم المُصْطَفي، فَمَوْقِف المؤمن أنه يطْمَح في اِصْطِفاء الله له لِخِدْمة خلْقِه.
ومن هنا قال الله عز وجل: "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)" (سورة التوبة).
حينما اصْطفى الله عبْده المؤمن فهذا المؤمن باع نفْسَه لله، أريد أن أُوّسِّع الموضوع؛ الأنبياء مُصْطَفَوْن والرُّسُلُ مُصْطَفَوْن الرُّسُلُ قِمَمُ البشر والرُّسُلُ صفْوةَ البشر ولكن المؤمنين لهم قَدْرٌ يسير على قدْر إخلاصِهم وعلى قدْرِ طاعَتِهم لله فالله يُكَلِّف الإنسان أعْمالاً يُجْريها على يَدَيْهِ ويَرْفَعُهُ بِها فهذا نوْعٌ من الاصْطِفاء.
أعرِف شخْصاً قرأ القرآن في الخامِسَة والخمْسين من عمُره وحَفِظَه وكان طُموحُهُ أن يكون إماماً في مَسْجِد وسُبْحان الله قرأ القرآن وحَفِظه وعُيِّن إماماً لِمَسْجِدٍ جيِّد فصار يُصلي الصلوات الخمْس وله بعد الصلوات كلِمَةً يُلْقيها على الناس هذا طُموحُهُ فاصْطَفاه الله عز وجل.
فالأمور دقيقة عند الله تعالى بِحَسَبِ صِدْق الإنسان وطاعَتِه لله يصْطَفيه قال تعالى: "وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)" (سورة السجدة)، فالصَّبر إذاً طريق الاصْطِفاء هذا أوّلاً.
وقوله تعالى: "وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)" (سورة البقرة).
فَتَطْبيق الأمر والطاعة مع الإخلاص سبيلٌ إلى الاصْطِفاء هذا ثانِياً، وقوله تعالى: "وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)" (سورة يس).
فالترفُّع عن حُطام الدنيا وعن مُتَاعِها ومالِها وعن مُكْتَسَباتِها سبيلٌ إلى الاِصْطِفاء هذا ثالثاً وقوله تعالى: "شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)" (سورة آل عمران).
فَطَلَبُ العِلم طريق إلى الاصْطِفاء، تَصَوَّر إنساناً درس الابتدائي والإعدادي والثانوي ونال درجاتٍ عاليَة جداً ثم دخل كلِّيَة الطِّب وتخرَّجَ طبيباً ثم تابَع دِراسَتَهُ العُلْيا وعاد بِأكبر شهادة في العالم؛ ماذا ينْبَغي أن يفْعَل هذا الإنسان بعْد أنْ تخرَّجَ ونال الدرجة العُلْيا؟
ينْبَغي أن يُطَبِّب الناس ويفْتَح عِيادة وإلا لا معْنى لِهذه الدِّراسة.
دقِّق الآن! أنت حينما تطلب العلم تُؤَهِّل نفْسَك لِماذا؟ للدعْوَة إلى الله ومن الذي سوْف يسْمَح لك أن تَدْعُوَ إلَيْه؟ هو الله، فالله عز وجل بِطريقةٍ أو أُخْرى بِشَكْلٍ معروفٍ أو غيرِ معْروف يُيَسِّر لك طريق الدعوة إليه لأنّك تعلَّمْت العِلم فَصِرْتَ مؤَهَّلاً أن تدْعُوَ إلى الله، فكل إنسان يطلب العلم بِإخلاص ويسْعى لِطاعته تعالى بِإخلاص ويحْرُص على رِضْوان الله وعلى القُرْبِ منه يصْطَفيه الله عز وجل ويُجْري على يَدَيْه الخير بل بِالتعْبير الشائِع: "الله جبار الخواطِر".
عندما يتعلّم الإنسان يتعلَّم عِلْماً صحيحاً ويلْزَم مجالِس العِلْم ويجْلِس على رُكْبَتَيْه ويطْلُب العلم لا بد من أن يصْطَفيه الله عز وجل بِالمعنى الواسِع فَيَجْعَلُه بِشَكْلٍ أو بِآخر باباً للخير، لذلك من أدْعِيَة النبي عليه الصلاة والسلام: ((اللهم ارْزُقني طيِّباً واسْتَعْمِلني صالِحاً)).
حُدِّثَ عن بعض العلماء: بأنه اشْترى الصابون كَفَنَهُ والصابون الذي ينْبَغي أن يُكَفَّن به من بلَدٍ ليس فيه مالٌ مُغْتَصَبٌ من شِدَّة الوَرَع.
فالإنسان عليه أن يدْعو: "اللهم ارْزُقني طيِّباً واسْتَعْمِلني صالِحاً".
ما معنى: واسْتَعْمِلني صالِحاً؟ أيْ الله يصْطَفيك لِعَمَلٍ صالِحٍ وما معنى الحِكْمَة القائلة: إذا أردْت أن تعرِف فيمَ أقامك فانْظر فيمَ اسْتَعْمَلك؟ يعني الله اصْطَفاك، تجد شخْصاً آتاه الله حِكْمَة يتصَرَّف فيها وفهْماً دقيقاً وخِبْرات مُعَيَّنَة وعِلْماً ودعْوَةً وجاهاً وقوةً وطلاقة وحِكْمَة فكل إنسان يهيئ نفسه لِفِعْلِ الخير الله جل جلاله لابد من أن يجْبِر كسْرَه ويُجْري على يَدَيْهِ فِعْل الخير، قد تقول: أنا من أنا حتى اُصْطَفى؟
أنت إنسان ومُؤَهَّل أن تكون من المصْطَفين هذا بِالمعنى الواسِع؛ إن قلت بالمعنى الواسِع هذا للمؤمنين وإن قلت بالمعنى الضَيِّق فهم الأنبِياء والمُرْسلون لأن الله يصْطَفي من الملائكة رُسُلاً ومن الناس فَلَما يطلق الله تعالى لِسانك ويجْعَل قلوب الناس تهفو إليك فهذا هو معنى الاِصْطِفاء وهو المعنى المُوسَّع فإذا مكَّنَكَ الله من بِناء مسْجِد فهذا نوع من الاصطفاء، وتُطْعِم الناس من مالك الحلال فهذا نوع من الاصطفاء كذلك وإذا سَمَح لك أن تُعْطي وقدَّر لك من يأخذ وسَمَح لك فهذا كذلك نوع من الاصطفاء، تكون في بيتٍ من بيوت الله وليس في ملهى من ملاهي الشياطين.
أنا لا أنْسى أني كنت مَدْعُواً وعليك أن تحمد الله ذات مرة لافْتِتاح مسْجِد وجلس بِجانْبي مدير الأوقاف الذي سَيَفْتتَح هذا المسجِد، فقلت له اُشْكُر الله عز وجل على أنه قد قدَّر الله على يدَيْك أن تفْتَتح هذا المسْجد إذْ هناك من يفْتَتِح الملاهي ودُورَ القِمار...
لك أن تسعد وتهنأ لكون عملُك مع العلماء فهناك مَنْ يعمل مع الفنانين ومع طبقاتٍ أخرى من الناس لهم انحرافاتهم فيشقى بهم ومعهم..
وهناك مَنْ يرْعى شؤون المساجد فليحمد الله وهناك مَنْ يرعى شؤون الملاهي فليبتئس وليندب نفسه..
وآخر يُفَكِّر كيف يدْعو إلى الله وذاك يُفَكِّر كيف يدعو إلى الشيطان وإلى المعاصي والآثام فلما يُجَنِّد الإنسان نفسه لِطاعة الله يصْطَفيه الله تعالى فالله إذا أعْطى أدْهَش.
هل تجد إنساناً في الأرض أعَزَّه الله كالنبي عليه الصلاة والسلام؟ شيءٌ غير معْقول أربعة ملايين إنسان يذهبون إلى الحج كل عامٍ ويزورون جميعاً النبي عليه الصلاة والسلام ويَقِفون أمام مقامِه يبْكون ولم يلْتَقوا به ولا سمِعوا من كلامه ولا نالوا من ماله وبينه وبينهم آلاف الكيلومتْرات فما الذي هداهم إلى أن يأْتوا إلى مقامِه الشريف؟ مُتَذلِّلين باكين مُتَضرِّعين.
هذا اِصْطِفاء فالله تعالى لما قال: "وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ"، جعل الصبر طريق الاصْطِفاء وقوله تعالى: "وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ"، فالطاعة التامة المُخْلِصة طريق الاِصْطِفاء.
وقوله تعالى: "وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)" (سورة يس)، فالترَفُّع عن الدنيا طريق الاصْطِفاء.
وقوله تعالى: "شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)" (سورة آل عمران)، فَطَلب العِلم طريق الاصطفاء.
وقوله تعالى: "الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (39)" (سورة الأحزاب)، فعليك ألاَّ تخشى إلا الله، فهذا طريق الاصْطِفاء.
فلا أريد أن يكون درسي نظرياً وإنما أريده عملِياً؛ كُن طموحاً لقد قلت البارحة كلِمة: أحْياناً يتوَهَّم الإنسانُ أنَّ الدُّعَاةَ هم خُطَباء المساجد دون غيرهم! لا... أنت لدَيْك أقْرِباء وأصْدِقاء وجيران وزملاء وأولاد وإخوة وأخوات.. ألا تسْتطيع أنْ تنْصَحهم وأن تجْلِس معهم وأن تُعَلِّمهم وبِهَدِيَّةٍ إليهم تكسب ودهم وقلوبهم وإصغاءهم لحديثك.
ولك أن تكون من المُصْطَفَيْن الأخْيار إذا كنت مُخْلِصاً لله الكبير؛ إذاً طريق الاصْطِفاء يحْتاج إلى طاعة وإلى طلب عِلْمٍ وإلى إخْلاص وإلى حُبٍّ وإلى شجاعةٍ وإلى جُرْأة فلَعَلَّ الله تعالى يصْطَفيك قال تعالى: "أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ (18)" (سورة السجدة).
وقال تعالى: "أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35)" (سورة القلم).
إنسانٌ هَمُّهُ الوحيد أن يُرَسِّخ الحق في المجْتَمع ويُدْخل السعادة على المؤمنين وآخر هدفه أن يبْني مجْدَه على أنقاض الآخرين وغِناه على فقْرِهم وحياته على موْتِهِم وأَمْنَه على خوْفِهم شتانَ بين هؤلاء وهؤلاء!
فلِذلك ضَعْ نفْسَك موْضِعاً يصْطفيك الله في هذا الموْضِع وليس الوليُّ الذي يطير في الهواء ولا الذي يمْشي على وَجْه الماء ولكن الوليَّ كل الوليِّ أن يجدك الله حيث أمرك ويفْقِدُك حيث نهاك.
فإذا كنت في مَجْلِسٍ وكانت هناك غيبة سكتّ أو قُمْت وفارقت أهل المجلس فأنت الآن تَتَوَسَّل أن يصْطَفِيَك الله عز وجل والله تعالى من أسْمائه المُصْطَفي يصْطَفي وإذا اِصْطَفى مؤمنا فهو في سلامٍ معه والمؤمن في سلام إذا كان قد اصْطفاه الله عز وجل لكن قال تعالى: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)" (سورة العنكبوت)، لابد من الابْتِلاء.
أيها الإخوة الكِرام: اسْم المصْطَفي من أسماء الله الحُسنى وهذا الاسْم مُرْتَبِط أشدّ الارْتِباط بِالمؤمنين وكلما جهِدوا بِطاعَتِه والفَوْز بِرِضاه اصْطفاهم وكرَّمهم وأجْرى على أيديهم الخير والغِنى الحقيقي أن يجْعَلك الله مِفْتاحاً للخير مِغْلاقاً للشرِّ؛ ((عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في بعض ما أنزل الله في الكتب: إني أنا الله لا إله إلا أنا، قَدَّرْتُ الخيرَ والشَّر فطوبى لمَنْ قَدَّرْتُ على يده الخير ويسَّرتهُ له، وويلٌ لمَنْ قَدَّرْتُ على يده الشَّر ويسَّرتهُ له.. إني أنا الله لا إله إلا أنا لا أسْأَلُ عَمَّا أفعلُ وهم يُسألون، فويل لمَنْ قال وكيف)). والحمد لله رب العالمين. |
|