أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: 87- اسم الله: "الحـافــظ" الأربعاء 02 مايو 2018, 6:27 am | |
| "فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا". كُنْ لي كما أريد أكُنْ لك كما تريد.. كن لي كما أريد ولا تُعْلِمني بما يُصلحك.
وهذه الآية الكريمة وردت على لسان سيدنا يعقوب فقد قال تعالى: "قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ".
أي فالله خيرٌ حافظاً يحفظ ابني يوسف، وسيرحم كِبَرِي وضعفي ووجدي بولدي، وأرجو من الله أن يردَّه علي ويجمع شملي به إنَّه أرحم الراحمين.
لذلك فاليأس من رَوْح الله كُفر، اليأس والقنوط يساويان الكُفر، قال تعالى: "إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ".
وقال تعالى: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)" (سورة الحجر).
هذا قرآننا الكريم الذي نزل على سيِّد المرسلين هو هو الذي بين أيدينا، ليس فيه حرفٌ زائدٌ ولا حرفٌ ناقصٌ، وجميع المحاولات التي جرت لتغيير كلماته أخفقت، فقد طُبع في العهد العثماني خمسون ألف نسخة حذفت منها كلمة واحدة من سورة آل عمران في قوله تعالى: "وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)" (سورة آل عمران).
وقد حذفوا كلمة واحدة ولم يطبعوها وهي كلمة "غَيْرَ" فأصبحت الآية: "وَمَنْ يَبْتَغِ... الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ"، فأتلفت النسخ وأحرقت، فاللهُ عزَّ وجلَّ تولَّى بذاته حفظ كلامه، فلا يمكن لجهةٍ في الأرض أن تُبَدِّلَ أو أن تغيِّر فيه، وليس معنى هذا أنَّه لا تجري محاولات بل تجري وما أكثر ما تجري، ولكنَّها لا تنجح، ولن تنجح بإذن الله.
وقد قال العلماء أيضاً: "من لوازم حفظ القرآن الكريم حفظ سنَّة رسول الله لأنَّها مُبَيِّنَة"، فالقرآن قانون والسُّنَّةُ معه كمرسوم تفسيري تشريعي، إذا حافظنا على القانون ولم نحافظ على المرسوم فلم نستفد من ذلك شيئاً لأنَّ القانون مُقنِّنٌ والمرسوم مُفَسِّر.. فمن لوازم حفظ كلامه حفظ سنَّة نبيِّه..
لذلك هؤلاء العلماء الأجلاَّء أمثال البخاري ومسلم وابن ماجة والترمذي والإمام مالك وغيرهم، هؤلاء العلماء الذين شمَّرُوا ودرسوا حديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودرسوا أحوال الرجال، وصنَّفوا، وعدَّلوا وجرّحوا، واعتمدوا قواعد دقيقة جداً لتدوين الحديث، هؤلاء أعانهم الله على أعمالهم، ويسَّر اللهُ لهم عملهم، لأنَّه تولَّى بنفسه حفظ كتابه وحفظ سُنَّةَ نبيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. لقوله تعالى: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ".
وفي سورة الأنبياء، يقول الله عزَّ وجلَّ: "وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82)" (سورة الأنبياء) أي مدققين فيما يعملون ومراقبين لهم.
والحفظ له معنيان: إما أن أحفظ كلَّ ما تفعله وكلَّ ما تقوله، وأسجل عليك كلَّ ما تفعله وكلَّ ما تقوله، وإما أن أحفظك من كلِّ مكروه.. فالمعنى الأول هو العلم، والمعنى الثاني هو التربية، أي حفظٌ في الذاكرة وإحصاء، وحفظٌ من كل مكروه وأذيّة.
قال الله تعالى: "لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)" (سورة الرعد).
"لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ" من كل سوء.
"يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ" يعني أن هؤلاء الحفظة يؤدون عملهم بأمر من الله.
وفي سورة البروج، قال الله تعالى: "بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)" (سورة البروج).
فهذا اللوح المحفوظ، اختلف العلماء في تفسيره، فأقرب ما يكون أن المبادئ الكبرى التي خلق الله الخلق وَفقها، والسُّنَنُ العظمى التي سنَّها الله في تعامله مع خلقه، هي في اللوح المحفوظ، ومن باب التقريب والتوضيح؛ أن أمةً عظيمةً لها دولةٌ كبيرة ولها أجهزةٌ بالغة الدقة، لا بد لها من دستورٍ فيه كلُّ الأمور الأساسية، ويصدر مع هذا الدستور قوانين كثيرة ومراسيم تشريعية، ومراسيم تفسيرية، ومراسيم تنظيمية، إلا أن الأصل أن كلَّ القوانين تنطلق من الدستور، مثلاً حرية الكلمة، حرية العمل، حرية التعلُّم، حرية التعبير هذه كلها في الدستور، ثم القوانين تفسرها وتوضّح كيفية الأخذ بها، فاللوح المحفوظ يضم المبادئ العظمى، والسُّنَنُ الكبرى التي يتعامل الله بها مع خلقه في اللوح المحفوظ.
الإمام الحسن البصري يقول: "إن هذا القرآن المجيد عند الله في لوحٍ محفوظ يُنَزِّل منه ما يشاء على مَنْ يشاء من خلقه".
ويقول الله تعالى في سورة النساء عندما يتحدث عن الأسرة وقوامة الرجل في بيته وأهلِهِ: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً (34)؟ (سورة النساء).
فأرقى صفة في المرأة أنها تحفظ زوجها، تحفظ عرضها في غيبة زوجها، وتحفظ مال زوجها في غيبته، وتحفظ سرَّ زوجها، وتحفظ نفسها.
المرأة الصالحة تحفظ نفسها، لا تسمح لأجنبيٍ أن ينظر إليها، لا تلين ولا تخضع بالقول للبائع إذا اشترت، لا تضرب برجلها ليظهر ما يَخْفى من زينتها، كلامها جاد، مشيتها جادة، نظراتها مستقيمة لا يزيغ بصرها، لا تسمح لأحداً أن يطمع فيها.. فقد قال تعالى: "يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32)" (سورة الأحزاب).
"وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ"
"وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)" (سورة النور).
أمَّا هذه التي تبدو بأجمل زينة، تُثير كُلَّ الناس حولها، لسان حالها يدعو الآخرين إلى التحرُّش بها، هذه المُتبرجة، المُتفلِّتة التي لا ترعى حقَّ الله في خروجها، فلسان حالها يدعو الناس إلى الدنو منها والطمع فيها، فالمرأة المؤمنة تحفظ نفسها، وتحفظ مال زوجها، وتحفظ سرَّ زوجها.
يقول عليه الصلاة والسلام: ((إني أكره المرأة تخرج من بيتها تشتكي على زوجها)).
((عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمُخْتَلِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ أَيُّمَا امْرَأَةٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ لَمْ تَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ)) (سنن الترمذي).
وأخرج البزار والحاكم وصححه عن ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا ينظر اللهُ إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه)).
فالآية الكريمة: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ".
حَدَّثَنِي أخ يعمل في طلاء البيوت قال لي: كنا مجموعة من العمال نعمل في البيت وبه غرفة مُغلقةٌ من الدَّاخل، الرَّجُل حريص على أهل بيته وفي تلك الغرفة زوجته، قال: "سبحان الله" في أثناء غيبته خرجت بثيابٍ لا يُعقل أن يراها فيها إلا زوجها، ثياب شفَّافة، إنها مُتَفَلِّتَةٌ خرجت بين الشباب في غيبة زوجها، فإن هذا السُّلوك لا يكون من مؤمنة.
المؤمنة تحفظ نفسها وتحفظ سرَّ زوجها وتحفظ مال زوجها وتحافظ على سمعته وكرامته من خلال حشمتها وصونها لذاتها.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك) قال: وتلا هذه الآية: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ" إلى آخر الآية)).
والحفظ أيضاً ورد في القرآن الكريم: "إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7)" (سورة الصافات).
أي إذا استرق الشيطان السمع أتبعه شهابٌ ثاقب.
أيها الإخوة القراء... ما مِنَّا واحدٌ إلا ويتمنَّى أن يحفظه الله.. إلا أن النَّبِيّ عليه الصلاة والسلام كان أديباً مع الله كان يدعو ويقول: ((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى الأَسْلَمِيِّ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى اللَّهِ أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ لِيَقُلْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ وَالسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ أَسْأَلُكَ أَلا تَدَعَ لِي ذَنْبًا إِلا غَفَرْتَهُ وَلا هَمًّا إِلا فَرَّجْتَهُ وَلا حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلا قَضَيْتَهَا لِي ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ مَا شَاءَ فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ)) (سنن ابن ماجة).
والحفظ له موجبات: احفظ الله يحفظك، هذا هو أهم ما في البحث الذي نحن بصدده، احفظ أمر الله يحفظك الله عزَّ وجلَّ.. إذا سألت فاسأل الله، وإن استعنت فاستعن بالله.. أما الأساس أنَّك لن تستطيع أن تصل إلى حفظ الله عزَّ وجلَّ إلا إذا حفظت أمره، يراك حيث أمرك ويفتقدك حيث نهاك.
إن حفظت أمر الله عزَّ وجلَّ فالله يحفظك، وحفظ الله شامل يحفظ لك عقلك من أن يصيبه الخلل، يحفظ لك حواسَّك وأعضاءك، يحفظ لك زوجتك وأولادك، يحفظ لك بناتك، يحفظ لك مالك، يحفظ لك سُمْعتك، يحفظ لك دينك، يحفظ لك كرامتك.
يا ابن عمر لا يغرنَّكَ ما سبق لأبويك من قبل، فإن العبد لو جاء يوم القيامة بالحسنات كأمثال الجبال الرواسي ظن أنه لا ينجو من أهوال ذلك اليوم، يا ابن عمر دينك دينك إنما هو لحمك ودمك، فانظر عَمَّنْ تأخذ، خذ الدين عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا.
أيضاً هذا الاسم محبب للإنسان.. فالإنسان حينما يرى كل شيء له محفوظاً فهذه هي الاستقامة، وعزة الاستقامة، الاستقامة عين الكرامة، أنت إذا استقمت على أمر الله حفظ الله لك كلِّ شيء، أنت في ظلِّ الله.
"فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا"
فقد قال الله تعالى: "وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)" (سورة الطور).
هذه الآية موجَّهةٌ للنبي عليه الصلاة والسلام، وكلٌ آيةٍ موجهةٍ للنبي عليه الصلاة والسلام، للمؤمن منها نصيبٌ على قدر استقامته وإيمانه وإخلاصه.
"فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا". وإذا كان الله معك فمَنْ عليك، وإذا كان عليك فمَنْ معك، وحِفْظُ اللهِ يُغني عن كُلِّ شيء.
فالنبي عليه الصلاة والسلام وهو في غار ثور كان دمه مهدوراً، مائتا ناقة لِمَنْ يأتي به حياً أو ميتاً، ودخلا إلى غار ثور، قال الصديق: لو نظر أحدهم إلى موطيء قدمه لرآنا، قال النبي الكريم: يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا.
نظروا إليه فوقعت أعينهم على عينه، قال: يا رسول الله لقد رأونا، قال يا أبا بكر ألم تقرأ قوله تعالى: "وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ".
قال تعالى: "وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)" (سورة الأعراف).
حَفِظَهُ اللهُ، فقد تبعه سُرَاقةُ على حصانه، غاصت قوائمه في الرَّمل، طلب الأمان لكنه عاد ثانيةً فغاصت قوائم فرسه في الرَّمل ثانيةً فاستسلم لأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فإذا كان اللهُ معك فمَنْ عليك؟ إذا حفظك الله فأي شيء يضرُّك.. واللهِ ليس في الأرض كلها جهةٌ مهما قويت تستطيع أن تصل إليك، وإذا تَخلّىَ الله عنك، فقد أسلمك لعدوك، فقد قال الله تعالى: "لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)" (سورة التوبة).
أرجو الإخوة القراء أن يُصغوا إليَّ وأنا أنهي البحث بهذه الحقيقة.. أنت في كلِّ يوم لك حالان مع الله، حال التَّولِّي، وحال التَّخلِّي، إذا قلت: أنا، أصابك التخلِّي، وإذا قلت: الله؛ نالك التولِّي، أي إذا وحَّدتَ اللهَ تولاَّكَ اللهُ، إذا اعتددتَ بنفسكَ، بمالكَ، بقوتكَ، بعلمكَ، بذكائكَ، بخبرتكَ تَخَلَّى اللهُ عنكَ، تخلَّى عن أصحاب رسول الله يوم حنين وفيهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
"لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ".
بينما في بدر قال الله تعالى: "وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)" (سورة آل عمران).
فقد كانوا يوم بدر في غاية الضَّراعة والذِّلَّة بين يدي الله عزَّ وجلَّ فنصرهم وأيَّدهم.
أمّا ملخص الملخص... فإنه ما مِنَّا واحدٌ من دون استثناء إلا ويتمنَّى أن يحفظه الله، أن يحفظ له صحته، هناك أمراض عُضالٌ إذا ألمَّتْ بالإنسان جعلت حياته جحيماً لا يُطاق، يتمنَّى كلٌ مِنَّا أن يحفظ الله له صحته، وأهله وأولاده وبناته وأصهاره وبيته وماله وتجارته وسُمعته ومكانته.
قد تسمع أخباراً كأنها الصاعقة يرتجف منها كل إنسان عاقل.. قال لي رجل ابنتي حاملة والأصح أن نقول حامل، إذا قلنا امرأةٌ حاملة أي على ظهرها، أما حاملٌ في بطنها، ابنتي حاملٌ من ابني.
أين مكانته أمام الأسرة، الابن في السجن والبنت في المشفى هذه مشكلة، مشكلة كبيرة جداً، وإني أعقّب على هذا فأقول: لقد قصَّر في تربية أولاده ومراقبتهم والالتجاء إلى الله ليُعينه على توجيههم، وتخلَّى عن اللهِ، فتخلّى اللهُ عنهم وعنه!
بينما هنالك إنسان سُمعته طيبة بيته نظيف، علاقاته كلها إيجابية، وعمله جيد، محفوظ في مكانته وسُمعته، موَّفَّقٌ في عمله ولعل هذا حَفِظَ اللهَ فحفظ اللهُ عليه بيته وأهله فقد قال يعقوب لأولاده كما حكى الله عنه: "قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إلا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ".
لا تعتمد على غير الله في الحفظ ولا في أيّ أمر من أمورك، أمَّا القول الفيْصل: احفظ الله يحفظك، أي كُن لي كما أريد، أكُن لك كما تريد، عبدي أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلّمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلّم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد.
اللهمَّ أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، وارضنا وارضَ عنَّا، وصلَّي اللهُمَّ على سيِّدنا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأمِّيِّ وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ وَسَلَّمْ. والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ. |
|