أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: 82- اسم الله: "الوارث" الجمعة 27 أبريل 2018, 12:00 am | |
| أحد الصحابة الكرام ذات مرة قال لمن حوله: أنتم هنا في الأسواق وميراث النبي (صلى الله عليه وسلم) في مسجده يوزَّع! فطاروا إلى المسجد ليأخذوا بعضاً من ميراث النبي (صلى الله عليه وسلم)، فراشه مثلاً، عمامته، رداءه (صلى الله عليه وسلم)، رأوا في المسجد حلقة علم، فسألوه: أين ميراث النبي (صلى الله عليه وسلم)؟! قال: هذا العلم، هذا الذي ورَّثه. لَمَّا يأتي إنسان من مكان بعيد ويستغرق منه الطريق ساعة ليحضر مجلس علم، ليأخذ من هذا المسجد بعض ميراث النبي (صلى الله عليه وسلم).. معنى ذلك أنَّه اخذ بحظٍ وافر، أخذ من ميراث النبي (صلى الله عليه وسلم). سبحان الله.. جمال القرآن الكريم أنَّ الله عزَّ وجلَّ كلَّما أشار إلى شيء يُعَقِّبُ بالقانون.. فقد قال تعالى: "وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)" (سورة يوسف). شيء جميل، لكن ماذا قال الله بعدها؟. "وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ". فهذا قانون، أي إذا أردت أن تنال علماً وحُكماً كن مُحسناً، ثمن العلم والحكمة الإحسان. قال تعالى: "وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)" (سورة الحديد). وقال أيضاً: "وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23)" (سورة الحجر). لذلك ينادي ربُّنا جلَّ جلاله يوم القيامة: "لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ" فيجيب الخلائق جميعاً: "لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ". فقد قال تعالى: "يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)" (سورة غافر). إذا كنت أنت في الدنيا على صلةٍ محكمةٍ مع الله عزَّ وجلَّ وهو راضيٍ عنك وأنت محبٌّ له متفانٍ في خدمة خلقه هذا هو الفوز العظيم، أن يكون لك مكانٌ عند الله عزَّ وجلَّ فقد قال تعالى: "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)" (سورة القمر). والله هذا هو الفوز العظيم، هذا هو الفلاح، هذا هو النجاح، هذا هو التفوُّق، هذا هو الفوز، هذا هو التألُّق، هذه هي البطولة. ليس من يقطع طُرقاً بطلاً إنما من يتقي اللهَ البطل *** في معجم تاج العروس: الوارث صفةٌ من صفات الله تعالى وهو الباقي الدائم بعد فناء خلقه، وهو يرث الأرض ومن عليها، إذا قلنا: يرث الأرض ومن عليها.. أو وما عليها، للعاقل ولغير العاقل. يجول في خاطري قصة سأرويها: يوجد رجل من أصحاب النشاطات الصناعيَّة الكبيرة، له ثروة طائلة جداً، وقد رأيت بيته في بعض المدن الشمالية عام أربعة وسبعين، في ذاك الوقت ثمنه خمسة وثلاثين مليوناً، وتبلغ قيمته الآن خمس مئة مليون، وقد توفِّي في عمر الثانية والأربعين وكان مديد القامة، وُضِعَ في قبرٍه لعلَّه كان صغيراً فما اتَّسعَ القبرُ لقامته المديدة فاضطُرَّ الحفَّار أن يدفعه في صدره، فأصبح رأسه مع جسمه يُشَكِّلْ زاويةً قائمة... وهو الذي يملك أفخم قصر في إحدى مُدن الشمال، بلاط أرضياته من الرخام الشفاف -الأونكس- وهو من أغلى أنواع الرخام، لمن هذا المنزل الفخم؟ لغيره، وبعد غيره؟ "لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ" إخواننا الكرام... معنى أنَّ يَدُكَ على كلِّ شيء يد الأمانة فهذا معنى هام جداً، البيت مؤقَّت، والمركبة مؤقَّته، والمتجر كذلك مؤقَّت كلُّ شيءٍ تحوزه يداك يدك عليه يدُ الأمانة، يد الإستخلاف والله ينظر كيف تعمل، وفي النهاية هذا كلُّه يؤول إلى الله عزَّ وجلَّ.. لأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ مَلَّكَهُ للأشياء أوسع أنواع الملكية، إذا قلنا: الله هو المَلِك، أو المالك، مالك خلقاً، ومالك تصرُّفاً، ومالك مصيراً. هو الذي خلق، وهو المُتصرِّف ومصير هذا الشيء إليه فهذا هو المالك، نحن نملك تملُّكاً مجازياً، قد تشتري بيتاً وتعطي ثمنه نقداً، والبيت فخم لم تبنه أنت، قد تنتفع به، وقد لا تنتفع به، إما أن تتركه وإما أن يتركك. "وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89)" (سورة الأنبياء). الله عزَّ وجلَّ كما قلت لكم من قبل سمح لذاته العليَّة أن يوازنها مع خلقه في عدَّة مواضع، من هذه المواضع. "فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ". في قوله تعالى: "ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)" (سورة المؤمنون). وكذلك من هذه المواضع: "وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ". في قوله تعالى: "ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62)" (سورة الأنعام). في بعض أجهزة الحواسب يقرأ أربعمائة وخمسون مليون حرف في ثانية، أما الحواسب الشخصيَّة التي بين أيدي الناس يقرأ مليون حرف في الثانية، هل هناك حسابٌ أسرع من هذا الحساب؟ ومع ذلك ربنا عزَّ وجلَّ لعلمه أنَّه سيكون هناك حواسب ذات سرعات عالية سمح لذاته العليَّة أن يوازنها مع خلقه فقال: "وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ". هذا الذي يأخذ الحديد من فلزَّات الأرض ويجعله صفائح ويشكِّله على شكل مركبة وهذه المركبة تزوّد بمحرِّك وعجلات وأبواب وفرش وكهرباء وتكييف.. إلى آخره من المستلزمات، هذه المركبة سمَّى صانعها مجازاً خالق. قال تعالى: "فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ". فأقرب شيء وازن بين كلية صناعيَّة وكلية طبيعيَّة: الكلية الصناعية حجمها كبير ولها صوت من أجل أن تصفِّي الدم تحتاج إلى ثماني ساعات، أما الكلية الطبيعية حجمها كقبضة الكف فيها طريق طوله مليون كيلو متراً وتعمل بصمت تام وأنت مستلقٍ، وأنت تمشي، وأنت تركب، وأنت نائم، وأنت يقظ، وأنت تحاضر في الناس وهي تعمل، والدم يمرُّ في هذه الكلية خمس مراتٍ في اليوم يقطع طريقاً يزيد عن مئة كيلو متر وأنت لا تدري، وازن بين كلية طبيعيَّة وكلية صناعيَّة. وازن بين آلة تصوير وبين العين: آلة التصوير تريك الصور صغيرة أما عينك تريك الأشياء بحجمها الحقيقي، فتريك الجبل جبلاً، وملوَّناً، العين تدرك الفرق بين درجتين من ثمان مئة ألف درجة من لونٍ واحد، فلو أخذنا لوناً واحداً وقمنا بتدريجه ثمانمائة ألف درجة فالعين السليمة تدرك الفرق بين لونين، ربنا عزَّ وجلَّ قال: "فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ". وازن بين الحاسب وذاكرة الإنسان.. فقد قال بعض العلماء ذاكرتنا بحجم حبَّة من حبوب العدس، هذه الذاكرة تتسع لسبعين مليار صورة، الإنسان الذي يعيش سبعين سنة تقريباً مخزَّن في ذاكرته سبعين مليار صورة كلُّها جمعت في مكان مقدار حبَّة العدس، فهذا خلق الله، ولو نظرنا إلى أي ارشيف أو أي إضبارات تجد معلومات قليلة موضوعة في حجم كبير، وتحركها بالغ الصعوبة... هذه الذواكر الموجودة في الدماغ مفروزة، ذاكرة سمعيَّة، ذاكرة بصريَّة، ذاكرة للمشمومات، ذاكرة ألوان، ذاكرة روائح، ذاكرة أرقام، ذاكرة وجوه، وهذه الحيِّزات في الذاكرة في مكان قريب كثير الاستعمال، وهناك مكان متوسِّط، ومكان بعيد... وهناك مكان ممحو الذاكرة وحدها من آيات الله الدَّالة على عظمته، فوازن بين أرشيف، أو دفتر، أو حاسوب، وبين الذاكرة البشريَّة. وازن بين الحاسوب وبين الذاكرة البشرية، وبين آلة التصوير والعين الطبيعيَّة، وبين كلية صناعية كلية طبيعية، وازن بين الأرض وبين مركبةٍ فضائيَّة... قال تعالى: "فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ". والآن وازن ربنا عزَّ وجلَّ بينه وبين خلقه فقال: "وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ".
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الخميس 29 أبريل 2021, 12:35 am عدل 2 مرات |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: 82- اسم الله: "الوارث" الجمعة 27 أبريل 2018, 12:03 am | |
| تحضرني قصة: ترك أحد الأشخاص في الشام مبلغاً ضخماً يبلغ الألف مليون، أحد الورثة نصيبه من هذا الميراث تسعون مليوناً، فترك محلَّه التجاري وبدأ يسعى من دائرةٍ إلى دائرة ليأخذ براءات الذِّمَّةِ ويُنهي الأمور الماليَّة والتَّركات، وهو في زحمة العمل من دائرةٍ إلى أخرى، ومن مكتب إلى مكتب، ومن مستشار إلى مستشار ليحصل على هذا المبلغ الضخم البالغ تسعين مليوناً، وفي أحد الأيام دخل إلى الحمَّام فوافته المنيَّة قبل أن يقبض درهماً واحداً.. هل هذا وارث جيِّد؟ لم يستطع أن يتنعَّم بمال مورِّثه إطلاقاً.
ومن الورثة من يستمتع بالمال عدد سنين، و في النهاية ما من وارثٍ إلا وسيموت، لأنَّ كلَّ مخلوقٍ يموت ولا يبقى إلا ذو العزَّة والجبروت، الله عزَّ وجلَّ فهو خير الوارثين.
أصبح لدينا ثلاث موازنات: - "فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ". - "وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ". - "وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ". أنت مع قصة جديدة: إنسان اشترى بيتاً مع أخته مناصفةً، ودفع كلُّ طرفٍ الثمن بالتَّمام والكمال، إلا أنَّ البيت سُجِّل باسم أخته لأنَّها هي المعنيَّة في الجمعيَّة التعاونيَّة، ثمن البيت خمس مئة ألف أصبح بعد حين ثمنه ثمانية عشر مليوناً، وتعمل أخته في المُحاماة...
فقالت له: لابدَّ من أن تأخذ مليوناً واحداً وأن تخرج فالبيت باسمي، فخرج منه.. فهي ذات قوَّة وتعرف دخائل القوانين فأخرجته بطريقةٍ ذكيَّةٍ قانونيَّة، وعنده أكثر من أربعة عشر ولداً فشرَّدتهم بين أهل زوجته وأهله وبقيت وحدها في البيت..
أصيبت بمرضٍ خبيث في أمعائها وعانت منه شهرين ثم توفيت وأخوها هو وريثها الوحيد، فرجع إلى البيت وأولاده معه واستأثر به، الله عزَّ وجل قال: "وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ".
الإمام الغزالي يرى أنَّ الوارث هو: الذي يرجع إليه الأملاك بعد فناء المُلاَّك، إذ هو الباقي بعد فناء خلقه، وإليه مرجع كلٍّ شيءٍ ومصيره، وهو القائل إذ ذاك: "لمن الملك اليوم؟ وهو المجيب: "لله الواحد القهَّار.
إذا وقف أحدنا أمام سوق الحميديَّة وقرأ الأسماء على الصفِّين وغاب خمساً وعشرين سنة، سوف يجد الأسماء كلَّها مختلفة، فقد استلم هذه المحلاَّت أشخاص جُدُد، كل خمسين سنة تتبدَّل الأشخاص ويستلم الورثة الجُدُد...
الأراضي، والمزارع، والمحلات، والبُيُوت من واحد إلى آخر إلى أن يرث اللهُ الأرضَ ومَنْ عليها.
يَتَوَهَّمُ الأكثرون أنَّ لأنفسهم مِلْكَاً، ينكشف لهم في ذلك اليوم حقيقة الحال أنَّ المُلْكَ ليس لهم لكنَّهُ لِلْوَاحِدِ القَهَّار.
إخواننا الكرام... المؤمن يرى وهو في الدنيا ما سوف يراه جميع الناس عند الموت، هذه هي بطولته.. والله لو كُشِف الغطاء ما ازددتُّ يقيناً.. المؤمنون الكِبار يرون وهم في الدنيا ما لو كشف الغطاء قبل كشف الغطاء، أما غير المؤمنين هم هنا في الدنيا في أوهام وفي ضلالات، أما إذا انكشف الغطاء بدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون كما في قوله تعالى: "وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47)" (سورة الزُّمُرْ).
أيُّها الإخوة... بطولة المؤمن أنَّه يرى الحقائق قبل فوات الأوان، يراها في الوقت المناسب فينتفع منها، بينما كلُّ الناس بعد فوات الأوان يرون جميع الحقائق قال تعالى: "آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)" (سورة يونس).
وقال تعالى: "هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158)" (سورة الأنعام).
فبذلك طوبى لِمَنْ رأى أنَّ كلَّ ما في يديه مُسْتَخْلَفٌ فيه، مُحَاسَبٌ عليه، وأنَّ الله سبحانه وتعالى ينظر ماذا يفعل به، لذلك يُحاسب نفسه حساباً شديداً...
أمَّا الجاهل هو الذي يظنُّ أنَّ الذي بين يديه مَلَكَهُ وحصَّلهُ بجُهده وعرق جبينه، فهو في هذا كقارون الذي قال: "قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)" (سورة القصص).
قال تعالى: "فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ".
"قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي".
أي خبرات متراكمه وقد حصَّلتُ هذا المال بجُهدي وبذكائي، وبخبراتي، وبمتابعتي، وغاب عنه أنَّ الله سبحانه وتعالى وفَّقَهُ وهناك أذكى منه ولم يُحَصِّلْ هذا المال.
ولو كانت الأرزاق تجري رجع الحِجى هلكـــن إذاً مـــن جهـــلــهنَّ البهــــــائم *** فالبطولة أن ترى الشيء قبل أن تصل إليه، أو أن تصل إلى الشيء بعقلك قبل أن تصل إليه بجسدك، أن تعيش المستقبل، فهذا كلُّه صائرٌ إلى الله عزَّ وجلَّ.
الإمام الرازي -رحمه الله- يقول: "الوارث مالك جميع المُمْكنات هو الله سبحانه وتعالى ولكنَّه بفضله جعل بعض الأشياء مِلْكاً لبعض عباده، فالعباد إنما ماتوا وبقي الحقُّ سبحانه وتعالى، فالمُراد يكون وارثاً هو هذا الله جلَّ جلاله".
أي أنَّ الله عزَّ وجلَّ مالك المُلك، كل شيء يُمَلَّك هو مالكه وَهَبَهُ لَكَ ليمتحنك، إذاً هو مِلْكٌ لله في يدك، وهذا الجواب أبلغ جواب.
وقال بعضهم: "الوارث هو الذي تسربل بالصمديَّة بلا ثناء، وتفرَّد بالأحديَّة بلا انتفاء".
وقيل: "الوارث الذي يرث بلا توريث أحد، الباقي الذي ليس لمُلكه أمد".
وذكر القشيري: "أنَّ الوارث هو الباقي بعد فناء الخلق".
ويقول بعض العارفين: "الوارث هو الذي تفرَّد بالأحديَّة بلا انتهاء"، أي وارث واحد أحد وليس له وارث، يرث كلَّ خلقه وليس له وارث، وتسربل بالصمدية بلا فناء الذي لا يرثه أحد ولكنَّه يمنح من يشاء من عباده الولاية والمدد.
اسم الوارث ورد في مواضع عدَّة من كتاب الله: ففي سورة الحِجْرِ قال تعالى: "وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْييِ وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ".
وفي سورة مريم قال تعالى: "إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ".
وفي سورة القصص قال تعالى: "وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)" (سورة القصص).
فهنا معنى جديد.. إنَّ الأرض لله يورثها عباده الصالحون، أحياناً الله عزَّ وجلَّ يورث الممتلكات لعباده الصالحين إذا إستقاموا على أمره.
وفي سورة الأنبياء قال تعالى: "وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ".
النبيُّ عليه الصلاة والسلام من دعائه الشهير: ((عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلاءِ الدَّعَوَاتِ لِأَصْحَابِهِ: اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا وَلا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا وَلا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنَا وَلا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لا يَرْحَمُنَا)) (سنن الترمذي).
إذا الإنسان فَقَدَ بصره قبل أن يموت من ورث الآخر؟ هو ورث بصره، إذا فقد سمعه قبل أن يموت هو ورث سمعه، أما إذا استمتع ببصره وبسمعه وعقله وقوَّته إلى أن مات هذه هي التي ورثته ومتِّعنا اللهمَّ بأسمعنا، وأبصارنا، وقوَّتنا، وعقولنا ما أحييتنا، واجعلها الوارث منا.
وفي بعض الأدعية: إلهي أنت الوارث للعباد، المتجلَّي بهذا السرِّ لأهل الوداد، أشرق على قلبي نور اسمك الوارث الدائم حتى أرى الكلَّ لك وأقبل عليك بقلبٍ هائم، ورِّثني يا رب علوم أنبيائك، وأسرار أصفيائك، ومواهب أهل سمائك، ورثني أرض العبوديَّة في نفسي حتى أتكمَّل..، إنَّك على كلِّ شيءٍ قدير وصلَّى الله على سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم.
ملخص الدرس.. اسم الوارث أي هو الذي يرث خلقه بعد فنائهم لأنَّه الباقي بعد فناء خلقه، كلُّ شيءٍ آيلٌ إليه.
علاقتنا بهذا الاسم.. أن تشعر أنَّ الذي بين يديك ليس لك بل هو صائرٌ إلى غيرك يدك عليه يد الأمانة، وأنت مُستخلفٌ فيه، وعليك أن تحاسب نفسك حساباً عسيراً لأنَّ الله ملَّكك ما ملَّكك لينظر ماذا ستفعل.
اسم الوارث يجعل علاقة الإنسان بما في يده علاقة الاستخلاف لا علاقة التملُّك. والحمد لله رب العالمين.
|
|