ماذا قبل رمضان؟!
(محاضرة في جامعة القصيم)
إعداد وتنسيق: بارعة اليحيى
غفر الله لها ولوالديها وللمسلمين
--------------------------------------
- ماذا قبل رمضان؟!
صيام شعبان
سبب تسمية شعبان بهذا الاسم:
لتشبعهم في طلب المياه أو الغارات بعد أن يخرج شهر رجب المحرم. ١
الأدلة الواردة في الحث على صيام شعبان:
- في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان". ٢
- وفي حديث عائشة أيضاً قالت: "كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلا". ٣
- وفي حديث عائشة أيضاً قالت: "لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشهر من السنة أكثر صياماً منه في شعبان". ٤
ويُستحب صيام شعبان، رجَّحت طائفة من العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شعبان، وإنما كان يصوم أكثره. ٥
وجائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقول صام الشهر كله. ٦
_____
١) فتح الباري.
٢) متفق عليه.
٣) رواه مسلم.
٤) رواه مسلم.
٥) مختصر جامع العلوم والحكم، للمهنا.
6) فتح الباري.
- ماذا قبل رمضان؟!
مسائل في شعبان
ورد في الحديث: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم"، ومن ذلك اختلف العلماء أيهما أفضل صوم شهر محرم أو صوم شهر شعبان؟
- فقال بعض العلماء:
شعبان أفضل؛ لأن النبي كان يصومه إلا قليلاً منه، ولم يحفظ أنه صام محرم، لكن حث على صيامه.
- وقالوا لأن صوم شعبان ينزل منزلة الرَّاتبة الفريضة وصوم مُحَرَّم ينزل منزلة النَّفل المُطلق، ومنزلة الرَّاتبة أفضل من منزلة النَّفل المُطلق.
ورد النَّهي عن تقدُّم رمضان بيوم أو يومين، وفي المُقابل استحباب صيام شعبان؛ فإن الجمع بينهما ظاهر بأن يُحمل النَّهي على مَنْ لم يُدخل تلك الأيام في صومٍ اعتاده.
مثاله:
إذا كنت تصوم كل اثنين أو كل خميس، فوافق أن آخر شعبان يوم الإثنين أو يوم الخميس، فلك أن تصوم ذلك، فمُفاد هذا الحديث والحكمة فيه أن لا يتقدَّم رمضان بيوم أو يومين حتى يتميَّزَ رمضان.
يوم النصف من شعبان
يوم النّصف لا يختص بصيام، نعم شهر شعبان ثبتت السنة به، وما سوى ذلك مما يتعلق بصيامه لم يثبت عن النبي إلا ما لسائر الشهور كفضل صوم ثلاثة أيام من كل شهر وأن تكون في الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، وهي الأيام البيض.
وما ورد في فضل القيام فيها فهي أحاديث ضعيفة لا تقوم بها حجة.
أمَّا الصلاة في ليلة النصف وهي التي تُسمى "الصلاة الألفية" لأنه يُقرأ فيها (قل هو الله أحد) ألف مرَّة؛ فلم يأتِ بها خبرٌ ولا أثرٌ إلا ضعيف أو موضوع.
لكن بعض العلماء -رحمهم الله- يتساهلون في ذكر الأحاديث الضعيفة فيما يتعلّق بالفضائل: فضائل الأعمال، أو الشهور، أو الأماكن وهذا أمرٌ لا ينبغي.
_____
يُنظر: تفسير ابن عثيمين، نور السُّنَّة وظُلُمَات البدعة للقحطاني.
- ماذا قبل رمضان؟
فضائل صوم شعبان
في الحديث*: عن أبي هريرة، قلتُ يا رسولَ اللهِ أراك تصومُ في شهرٍ ما لم أركَ تصومُ في شهرٍ مثلَ ما تصومُ فيه؟ قال:* أيُّ شهرٍ؟ قلتُ: شعبانَ، قال: شعبانُ بين رجب ورمضانَ يغفلُ الناسُ عنه، تُرفعُ فيه أعمالُ العبادِ فأُحِبُّ أن لا يُرفع عملي إلا وأنا صائمٌ. ١
قال ابن القيم:
"فإن عمل العام يُرفع في شعبان كما أخبر به الصادق المصدوق أنه شهرٌ تُرفع فيه الأعمال فأحِبُّ أن يُرفع عملي وأنا صائم، ويُعرض عمل الأسبوع يوم الاثنين والخميس، وعمل اليوم يُرفع في آخره قبل الليل وعمل الليل في آخره قبل النهار، وإذا انقضى الأجل رُفع عمل العمر كله وطويت صحيفة العمل". ٢
وقد قيل في صوم شعبان معنى آخر:
وهو أن صيامه كالتمرين لرمضان، لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقَّةٍ وكُلفةٍ، بل بقوةٍ ونشاطٍ. ٣
_______
١) حسَّنه الألباني في السلسلة الصحيحة.
٢) حاشية ابن القيم على سنن أبي داوود.
٣) لطائف المعارف لابن رحب.
- ماذا قبل رمضان؟
قال ابن جبرين:
"كان صلى الله عليه وسلم يُكثر من صيام شعبان كما قالت عائشة أنه كان يصوم شعبان إلا قليلاً، فالسُّنَّةُ أن يُكثر المسلم فيه من الصوم، وأن يعمل ما تيسَّر من الأعمال الصالحة".
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير:
"شهر شعبان من أيَّام الله التِّي ينبغي أنْ تُسْتَغَل بِطاعتِهِ".
وقال الشيخ ابن عثيمين:
"وفي الصيام في شعبان فائدة أخرى وهي توطين النفس وتهيئتها للصيام، لتكون مستعدة لصيام رمضان سهلاً عليها أداؤه".
- ماذا قبل رمضان؟
قال ابن رجب: "ولما كان شعبان كالمُقدم لرمضان شُرِعَ فيه ما يُشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن؛ ليحصل التَّأهُّب لتلقي زمضان، وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن".
أحوال السلف في شعبان
- قال سلمة بن كهيل: كان يُقال: شهر شعبان شهر القُرَّاء.
- وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته (دكانه) وتفرَّغ لقراءة القرآن.
- ماذا قبل رمضان؟
الدعاء
هلا التمست أوقات الإجابة، وتذللت بين يدي مولاك، وأظهرت فقرك وفاقتك، وسألته بُلوغ الشهر والإعانة عليه؟!
"وإذا سألك عبادي عني فإني قريبٌ أجيبُ دعوة الدَّاع إذا دعان..".
وفي كل صلاة تردد:
"إياك نعبد وإياك نستعين"، وفي الأذكار "أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين"؛ لأن العبد مهما بلغ في الاستقامة، وبذل جهداً في التخطيط والتنظيم؛ فإنه فقيرٌ لمولاه، لا حول له ولا قوة إلا به، فَسَلِ اللهَ بُلوغ الشهر، ثم سلهُ الإعانة والتوفيق على الطاعة، ثم سلهُ أيضاً قبول العمل.
وليعلم اللهُ صِدْقَكَ؛ فمَنْ صَدَقَ مع اللهِ صَدَقَ اللهُ معه.
- ماذا قبل رمضان؟
"النيَّة"
- كلنا نعلم فضائل رمضان وما فيه من مُضاعفة الأعمال، وغُفران الخطيئات، ورفعة الدرجات، وأبواب العمل الصالح مشرعة لِمَنْ شاء أن يلج فيها: صدقة.. عمرة.. تفطير.. البر.. والصلة.. دعاء.. قيام الليل.. الإحسان.. قضاء الحوائج.. وغيرها كثير...
- النيَّة شأنها عظيم، وقد يبلغ العبد بنيته ما لم يبلغه عمله.
قال شيخ الإسلام:
"النّيَّة المُجردة عن العمل يُثاب عليها، والعمل المُجرَّدُ عن النيَّة لا يُثاب عليه". ١
فقبل رمضان جميلٌ أن تضع في نيَّتك بأنك ستقوم بالكثير من الأعمال الصالحة، فإذا جاء رمضان ولم تفعل ما كنت عازماً على فعله لظروف حالت بينك وبينه؛ فإنك مأجورٌ على نيَّتك الصالحة؛ كما في الحديث الذي يرويه ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال: (إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بَيَّنَ: فمّنْ هَمَّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبها اللهُ عنده حسنةً كاملةً...). 2
وقد قيل:
"النية تجارة العلماء". ٣
______
١ انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية.
٢ متفق عليه.
٣ انظر: صفة صلاة النبي للطريفي.
- ماذا قبل رمضان؟
اقرأ
من باب التهيئة القبلية ولحسن استغلال هذا الشهر والاستفادة منه؛ اقرأ في فضائل الصيام وحِكمه، اقرأ في تفسير آيات الصيام، وشرح أحاديثه، المفطرات المعاصرة...
فلا يدخل عليك الشهر إلا وقد تفقَّهتَ في أحكام الصيام ومسائله، وهذا طريق لضبط كتاب الصيام، وكذا إذا أقبل الحج القراءة في أحكامه، وعشر ذي الحجة وفضائلها.
فعندما تقرأ حول رمضان؛ تتُوقُ نفسك لدخوله، وقلبُك يشتاق لبلوغه؛ لأنك أدركت فعلاً جميع ما يتعلَّق به من سُنَنٍ وفضائلَ وغنائم، وصدّقني ستتذوَّق لرمضان طعماً آخر، ومَنْ يُردِ اللهُ به خيراً يفقهه في الدين، والآن العلم مُيَسَّرٌ ولله الفضل، ولا يُعذر أحَدٌ بجهله، فهناك الكتيبات المختصرة، والمطولات والشُّروح، وهناك كُتُبٌ ورقيةٌ وأخرى إلكترونيةٌ، وأيضاً محاضرات صوتية مبثوثة في عدة مواقع.
- ماذا قبل رمضان؟
التغيير
في رمضان كل شيء يتغيَّر من حولك: النمط الغذائي، أوقات العمل.. أليس هو فرصة لي ولك للتغيير نحو الأفضل، ليكن رمضان نقطة تحول؛ لاسيما وأن النفوس مقبلة، فالتغيير أمرٌ يسير.
التغيير بالتخلص من عادات سيئة كالغضب.. بذاءة اللسان.. واكتساب عادات حسنة كالصير.. الحلم.. وكذلك تعويد النفس على الطاعات: قيام الليل.. حُسْنُ الخُلُق.. ترطيب اللسان بالذكر.. تلاوة القرآن يومياً.. صلة الرَّحم.. وأيضاً التخلّص من بعض المعاصي: كالتقصير في حق الوالدين.. وتأخير الصلاة عن وقتها...
وفي الحقيقة ليس هناك شيءٌ صعبٌ أو مستحيل، وإنما الإرادة والعزم وقبل ذلك الاستعانة بالله وسؤاله.
وفي الحديث المتفق عليه:
"ومَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ".
والتغيير يحتاج مُجاهدة وصبر ومُصابرة: "والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهُم سُبُلَنَا".
وَثِقْ يقيناً.. ما إن يعلمِ اللهُ صِدْقَكَ في أمرٍ إلّا يَسَّرَهُ لك وأعانك.
- ماذا قبل رمضان؟
الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تدعونا إلى المُبادرة والمُسارعة، قال تعالى: "وسارعوا إلى مغفرةٍ من رَّبكُم وجنةٍ عرضُها...".
وفي الحديث: "بادروا بالأعمالِ...".
والعجلة مذمومة أبداً إلا في الصالحات: "وعَجِلْتُ إليكَ رَبِّ لترضَى".
ومواسم رمضان ميدانٌ رَحْبٌ للمُبادرة؛ حيث الحسنات مُضاعفة، والسَّيئات مغفورة، وأبواب الجنة مُشَرَّعة، ورَغِمَ أنفَ مَنْ أدركَ رمضانَ فام يُغفر له.
ومواسم الطاعات بابٌ عظيمٌ للسّباق، طمعاً بالأجر والمَثُوبة، ومَنْ أتاه يمشي أتاهُ هرولةً.