أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: إعرف خالقك الخميس 17 مارس 2011, 9:46 pm | |
| إعرف خالقك
تأليف الفقير إلى عفو ربه أبي أنس ماجد إسلام البنكاني
حقوق الطبع لكل من يريد طبعه وتوزيعه مجاناً
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
إن من واجب المسلمين معرفة خالقهم سبحانه وتعالى، ويعلموا عظمة ربهم جل في علاه، ليأتمروا بما أمر ، وينتهوا عما نهى، ويحكموا شرعه، ويزداد حبهم وخشيتهم له سبحانه وتعالى، والمحبة تستلزم طاعته، قال الله تعالى:
)قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم(. آل عمران الآية (31). قال ابن قيم الجوزية: وهي تسمى آية المحبة، قال أبو سليمان الداراني: لما ادعت القلوب محبة الله أنزل الله لها محنة: )قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}. مدارج السالكين(3/18-25) .
فعلى العبد معرفة ربَّه ودينَهُ ونبيهُ محمداً @ . وعبادة الله تعالى توحيده وطاعته . أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن نطبق شرعه وننصر دينه، وأن يجعلنا من الذين يحبهم ويحبونه. والله أسأل أن يجعل عملي هذا وعمل من يقرأه وينتفع به خالصاً لوجهه الكريم، ولا يجعل لأحد فيه نصيباً، وأن يجعل له القبول في الأرض، وأن ينفعني في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . ماجد إسلام البنكاني أبو أنس العراقي 9/3/1428هـ 29/3/2007 الله جل في علاه هو الإله المعبود، ولا إله غيره ومعنى الإله: الإله في اللغة هو المعبود حقاً كان أو باطلاً فكل ما يقدس، ويعبد، ويرجى منه النفع، ويخاف منه الضر تسميه العرب إلهاً، ولذلك سموا الشمس (إلاه)، وسموا أصنامهم آلهة، واتخذوا الملائكة آلهة بعد ما اعتقدوا أنهم بنات الله، وأن لهم شفاعة عند الله، وكان لكل قبيلة من العرب صنماً لهم، حتى اجتمع عليها وقت الرسالة ثلاثمائة وستين صنماً لم تحطم إلا بعد فتح مكة. ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله أي: لا معبود بحق إلا الله، وهي تنفي الإلهية بحق عن غير الله سبحانه وتثبتها بالحق لله كما قال الله عزوجل في سورة الحج:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} سورة الحـج (62) . فهو ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين ولا يستحق الألوهية إلا الخالق الرازق المالك
فالألوهية: لا يستحقها إلا من خلق عباده، وأوجدهم من العدم، ورزقهم، وملكهم، قال الله تعالى: {خلق السموات والأرض بالحق تعالى عما يشركون* خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين}.سورة النحل. والله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الحياة وأنزل من السماء الماء فأنبت لهم الشجر والزرع، وهو الذي سخر الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم، وهو الذي سخر البحر ليأكلوا منه لحماً طرياً ويستخرجوا منه حلية يلبسونها، قال تعالى: {هو الذي أنزل من السماء ماءً لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون* ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون* وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون* وما ذرأ لكم في الأرض مختلفاً ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون* وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبلغوا من فضله ولعلكم تشكرون* وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهاراً وسبلاً لعلكم تهتدون* وعلامات وبالنجم هم يهتدون* أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون* وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم* والله يعلم ما تسرون وما تعلنون* والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون* أموات غير أحياءٍ وما يشعرون أيان يبعثون* إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون}.سورة النحل. فمن هذه صفته فهو الذي يستحق أن يعبده العبد، وأما من لا يخلق، ولا يرزق، ولا يملك فكيف يكون إلهاً معبوداً. فمن عبد مخلوقاً مثله مساوياً له في الاحتياج والفقر، أو مخلوقاً أعلى منه، ولكنه كذلك محتاج إلى غيره، فقير إلى إلهه ومولاه، فهو ضال بلا شك مشرك بالله تعالى، ومن عبد من لا يملك لعابده نفعاً ولا ضراً، فقد وضع العبادة في غير محلها وأضل من ذلك من عبد من دونه في الخلق كالصنم الذي لا يسمع ولا يبصر، ولا يغني عن عابده شيئاً، بل هو نفسه محتاج إلى عابده لأنه هو الذي يصنعه، ويقيمه ويدافع عنه، فكيف يعبد من لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولا يملك لعابده نفعاً ولا ضراً، وأضل من هذا من يعبد عدوه الذي لا يريد له إلا الضر، ولا يسعى إلا في هلاكه ولو عبده ما عبده ما انفك عن عداوته، ولا قصر في خباله، وهذا حال عابد الشيطان سراً أو جهراً، قالاً أو حالاً علم أنه يعبده أو جهل أنه يعبده، لا أضل من هذا إذ كيف يقدس الإنسان من لا يريد به إلا الضر، ولا يسعى له إلا في الهلاك والشر .
الله غني عن خلقه أجمعين والمخلوقات كلها فقيرة إليه
الله غني عن خلقه أجمعين والمخلوقات كلها فقيرة إليه، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}.فاطر(15). والرب الإله الواحد سبحانه وتعالى غني عن خلقه كلهم فلا يحتاج إلى شيء من مخلوقاته، لا إلى عرشه، ولا إلى كرسيه، ولا ملائكته، ولا الجن والإنس، ولا السموات والأرض، بل هو الغني سبحانه وتعالى عن كل ما سواه، الحي القيوم الذي لا يؤوده شيء، ولا يصيبه نصب ولا لغوب، ولا يكرثه أمر، ولا يعجزه شيء، وكل المخلوقات في حاجة إليه إذ هو سبحانه وتعالى خالقها ومدبر شؤونها، ومقيمها حيث تقوم، ومزيلها كيفما يشاء، ووقتما يشاء، وهو الذي أعطى كل شيء قدره ومقداره، وحده وأركانه وتصرفه وبقاءه، وهو الذي يملك فناءه وزواله لا إله غيره، ولا رب سواه.
والعبادة التي خلق الله الخلق من أجلها لا تنفعه سبحانه، كما أن معصية العصاة لا تضره، ولا يستطيع أحد أن يزيد في ملك الله شيئاً ولو ذرة، ولا أن ينقص من ملكه شيئاً، ولو ذرة واحدة . ولا يبلغ أحد من خلق الله نفع الله فينفعه، ولا ضر فيضره. (يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني). رواه مسلم عن أبي ذر .
توحيد الله تعالى وصرف العبادة له
على العبد أن يوحد الله تعالى في السر والعلن ولأجل هذا المقصد خلقنا الله سبحانه وتعالى، فقال:}وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{. سورة الذاريات الآية (56) . قال ابن القيم: فالتوحيد يفتح للعبد باب الخير والسرور واللذة والفرح والابتهاج والتوبة، وفيه استفراغ للأخلاط والمواد الفاسدة التي هي سبب أسقامه، وحمية له من التخليط، فهو يغلق عنه باب الشرور فيفتح له باب السعادة والخير بالتوحيد، ويغلق باب الشرور بالتوبة والاستغفار . حاشية ابن القيم (1/154) .
واعلم أخي المسلم، وأختي المسلمة أن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام كما بين ذلك علماؤنا الأجلاء .1- توحيد الربوبية. 2- توحيد الألوهية. 3- توحيد الأسماء والصفات. قال الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى
القسم الأول توحيد الربوبية
هو إفراد الله عز وجل بالخلق، والملك، والتدبير
فإفراده بالخلق: أن يعتقد الإنسان أنه لا خالق إلا الله،قال تعالى:)ألا له الخلق والأمر(. الأعراف(54)، فهذه الجملة تفيد الحصر لتقديم الخبر؛ إذ إن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، وقال تعالى:في سورة فاطر (3 )؛ فهذه الآية تفيد اختصاص الخلق بالله، لأن الاستفهام فيها مشرب معنى التحدي.
وأما إفراد الله بالملك: فأن نعتقد أنه لا يملك الخلق إلا خالقهم؛ كما قال تعالى: )ولله ملك السماوات والأرض(.آل عمران(19)، وقال تعالى: )قل من بيده ملكوت كل شيء(.المؤمنون (88) وأما إفراد الله بالتدبير: فهو أن يعتقد الإنسان أنه لا مدبر إلا الله وحده.
القسم الثاني توحيد الألوهية
ويقال له: توحيد العبادة باعتبارين؛ فباعتبار إضافته إلى الله يسمى: توحيد الألوهية، وباعتبار إضافته إلى الخلق يسمى توحيد العبادة. وهو إفراد الله عز وجل بالعبادة. فالمستحق للعبادة هو الله تعالى، قال تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ }. سورة لقمان الآية (30) .
والعبادة تطلق على شيئين:
الأول: التعبد: بمعنى التذلل لله عز وجل بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ محبة وتعظيماً. الثاني: المتعبد به؛ فمعناها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة". مثال ذلك: الصلاة؛ ففعلها عبادة،وهو التعبد،ونفس الصلاة عبادة،وهو المتعبد به.
فإفراد الله بهذا التوحيد: أن تكون عبداً لله وحده تفرده بالتذلل؛ محبة وتعظيماً، وتعبده بما شرع، قال تعالى: )لا تجعل مع الله إلهاً آخر فتقعد مذموماً مخذولاً( الإسراء(22)،وقال تعالى: )الحمد لله رب العالمين( الفاتحة (2)؛ فوصفه سبحانه بأنه رب العالمين كالتعليل لثبوت الألوهية له؛ فهو الإله لأنه رب العالمين، وقال تعالى: )يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم( البقرة الآية(21)؛ فالمنفرد بالخلق هو المستحق للعبادة. إذ من السفه أن تجعل المخلوق الحادث الآيل للفناء إلهاً تعبده؛ فهو في الحقيقة لن ينفعك لا بإيجاد ولا بإعداد ولا بإمداد، فمن السفه أن تأتي إلى قبر إنسان صار رميماً تدعوه وتعبده، وهو بحاجة إلى دعائك، وأنت لست بحاجة إلى أن تدعوه؛ فهو لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً؛ فكيف يملكه لغيره؟!
وهذا القسم كفر به، وجحده أكثر الخلق، ومن أجل ذلك أرسل الله الرسل، وأنزل عليهم الكتب، قال الله تعالى: )وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون(الأنبياء(25) ومع هذا؛ فأَتْباعُ الرسل قلة، قال عليه الصلاة والسلام: "فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد".رواه البخاري برقم (5577)، ومسلم برقم (480).
القسم الثالث توحيد الأسماء والصفات
وهو إفراد الله - عز وجل - بما له من الأسماء والصفات وهذا يتضمن شيئين
الأول: الإثبات، وذلك بأن نثبت لله - عز وجل - جميع أسمائه وصفاته التي أثبتها لنفسه في كتابه أو سنة نبيه r.
الثاني: نفى المماثلة، وذلك بأن لا نجعل لله مثيلاً في أسمائه وصفاته؛ كما قال تعالى: )ليس كمثله شيء وهو السميع البصير(. الشورى (11) فدلت هذه الآية على أن جميع صفاته لا يماثله فيها أحد من المخلوقين؛ فهي وإن اشتركت في أصل المعنى، لكن تختلف في حقيقة الحال، فمن لم يثبت ما أثبته الله لنفسه؛ فهو معطل، وتعطيله هذا يشبه تعطيل فرعون، ومن أثبتها مع التشبيه صار مشابهاً للمشركين الذين عبدوا مع الله غيره، ومن أثبتها بدون مماثلة صار من الموحدين. وهذا القسم من التوحيد هو الذي ضلت فيه بعض الأمة الإسلامية وانقسموا فيه إلى فرق كثيرة؛ فمنهم من سلك مسلك التعطيل، فعطل، ونفى الصفات زاعماً أنه منزه لله، وقد ضل، لأن المنزه حقيقةً هو الذي ينفي عنه صفات النقص والعيب، وينزه كلامه من أن يكون تعمية وتضليلاً، فإذا قال: بأن الله ليس له سمع، ولا بصر، ولا علم، ولا قدرة، لم ينزه الله، بل وصمه بأعيب العيوب، ووصم كلامه بالتعمية والتضليل، لأن الله يكرر ذلك في كلامه ويثبته، )سميع بصير(، )عزيز حكيم(، )غفور رحيم(، فإذا أثبته في كلامه وهو خال منه؛ كان في غاية التعمية والتضليل والقدح في كلام الله - عز وجل ـ، ومنهم من سلك مسلك التمثيل زاعماً بأنه محقق لما وصف الله به نفسه، وقد ضلوا لأنهم لم يقدروا الله حق قدره؛ إذ وصموه بالعيب والنقص، لأنهم جعلوا الكامل من كل وجه كالناقص من كل وجه. وإذا كان اقتران تفضيل الكامل على الناقص يحط من قدره، كما قيل: ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا. فكيف بتمثيل الكامل بالناقص؟! هذا أعظم ما يكون جنايةً في حق الله عز وجل، وكل الفرق المخالفة لأهل السنة والجماعة لم يقدروا الله حق قدره.
. فالواجب: أن نؤمن بما وصف الله وسمى به نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله r، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف ، ولا تمثيل، هكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم. فالتحريف في النصوص، والتعطيل في المعتقد، والتكييف في الصفة، والتمثيل في الصفة، إلا أنه أخص من التكييف؛ فكل ممثل مكيف، ولا عكس، فيجب أن تبرأ عقيدتنا من هذه الأمور الأربعة. ونعني بالتحريف هنا: التأويل الذي سلكه المحرفون لنصوص الصفات؛ لأنهم سموا أنفسهم أهل التأويل، لأجل تلطيف المسلك الذي سلكوه؛ لأن النفوس تنفرُ من كلمة تحريف، لكن هذا من باب زخرفة القول وتزيينه للناس، حتى لا ينفروا منه.
وحقيقة تأويلهم: التحريف، وهو صرف اللفظ عن ظاهره؛ فنقول: هذا الصرف إن دل عليه دليل صحيح؛ فليس تأويلاً بالمعنى الذي تريدون، لكنه تفسير. وإن لم يدل عليه دليل؛ فهو تحريف، وتغيير للكلم عن مواضعه؛ فهؤلاء الذين ضلوا بهذه الطريقة، فصاروا يثبتون الصفات ولكن بتحريف؛ قد ضلوا، وصاروا في طريق معاكس لطريق أهل السنة والجماعة. وعليه لا يمكن أن يوصفوا بأهل السنة والجماعة؛ لأن الإضافة تقتضي النسبة،فأهل السنة منتسبون للسنة؛ لأنهم متمسكون بها، وهؤلاء ليسوا متمسكين بالسنة فيما ذهبوا إليه من التحريف. انتهى كلام الشيخ رحمه الله تعالى. القول المفيد شرح كتاب التوحيد المجلد الأول . الرسل جميعاً من أجل هذه الرسالة.
ومن أجل هذه المهمة أرسل الله الرسل.
قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} والطاغوت هو كل من عبد من دون الله راضياً بذلك، مريداً لذلك، ورأس الطواغيت هو إبليس الملعون وذريته الداعين الناس إلى معصية الله، وعبادة الأصنام والآلهة الباطلة، والأصنام طواغيت.
وقد أخبرنا سبحانه وتعالى أن عباد الطواغيت هم وآلهتهم التي عبدوها يلقون جميعاً في النار: العابد والمعبود. قال تعالى: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون}، وأما الذين عبدوا من دون الله بغير رضاهم كعيسى ابن مريم عليه السلام، وأمه عليها السلام، فإنهم مبرؤون من الإثم، مبعدون عن النار وذلك أن الذين عبدوهم قد عبدوهم بغير رضاهم . والرب هو: المالك المعبود المتصرف وهو المستحق للعبادة .
كيف عرف العبد ربَّه؟
عرف العبد ربّه بآياته ومخلوقاته، وكذلك آيات الليل والنهار، والشمس والقمر، والسموات والأرض، قال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}البقرة (164).وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}فصلت(37).
ملك من ملائكة الله له ستمئة جناح
ملك من ملائكة الله عز وجل له ستمئة جناح فكيف بالذي خلقه سبحانه وتعالى . فعن ابن مسعود >، قال رسول الله @: "رأيت جبريل له ستمائة جناح". صحيح الجامع رقم(3464). قال ابن تيمية: يعني المرة التي في الأفق الأعلى والنـزلة الأخرى عند سدرة المنتهى له ستمائة جناح، قيل: يجوز أن يكون أخبر به عن عدد أو عن خبر اللّه أو ملائكته وقد جاء القرآن بأجنحة الملائكة لكي يبقى الكلام في كيفيتها... أنها صفات ملكية لا تدرك بالعين فإنه تعالى أخبر بأنها مثنى وثلاث ورباع ولم ير لطائر ثلاثة أو أربعة أجنحة فكيف بستمائة فدلّ على أنها صفات لا تضبط بالفكر ولا ورد ببيانها خبر فيجب الإيمان بها إجمالاً ... مجموع الفتاوى.
الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة
عن سهل بن سعد،"لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء". صحيح الجامع رقم(5292). وفي رواية: "آكل كما يأكل العبد فوالذي نفسي بيده لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا كأسا". صحيح الجامع حديث رقم (3و6). قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: قوله: (تعدل) بفتح التاء وكسر الدال أي تزن وتساوي (عند الله جناح بعوضة) هو مثل للقلة والحقارة، والمعنى أنه لو كان لها أدنى قدر (ما سقى كافرا منها) أي من مياه الدنيا (شربة ماء) أي يمتع الكافر منها أدنى تمتع، فإن الكافر عدو الله والعدو لا يعطى شيئا مما له قدر عند المعطي، فمن حقارتها عنده لا يعطيها لأوليائه.
وقال المناوي: أي لو كان لها أدنى قدر ما متع الكافر منها أدنى تمتع، هذا أوضح دليل وأعدل شاهد على حقارة الدنيا..، وقيل لحكيم: أي خلق اللّه أصغر؟ قال: الدنيا إذ كانت لا تعدل عند اللّه جناح بعوضة فقال السائل: من عظم هذا الجناح فهو أحقر منه. وقال علي >: واللّه لدنياكم عندي أهون من عراق خنـزير في يد مجذوم، فعلى العبد أن يذكر هذا قولاً وفعلاً في حالتي العسر واليسر وبه يصل إلى مقام الزهد الموصل إلى الرضوان الأكبر وإذا استحضر أنه سبحانه يبغضها مع إباحة ما أحله فيها من مطعم وملبس ومسكن ومنكح وزهد فيها لبغض اللّه إياها كان متقرباً إليه ببغض ما بغضه وكراهة ما كرهه والإعراض عما أعرض عنه وبه خرج الجواب عن السؤال المشهور ما وجه التقرب إلى اللّه بالمنع مما أحله؟ .فيض القدير.
إخلاص النية لله تعالى في جميع الأعمال
يجب على العبد أن يخلص نيته لله تعالى في السر والعلانية، وأن لا يخالط عمله رياء أو سمعة . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا هو حقيقة قول لا إله إلا الله وبذلك بعث جميع الرسل، قال تعالى: ويجب استحضار النية في كل العبادات وتكون في القلب دون التلفظ بها .فينبغي لمن أراد شيئاً من الطاعات وإن قلّ أن يُحضر النِّيةَ وهي أن يقصد بعملهِ رضا الله عزوجل وتكون نيَّتهُ حاضرةً حالَ العمل . انظر إرشاد العباد للاستعداد ليوم المعاد (ص5) للعلامة عبد العزيز المحمد السلمان .وعن عمر بن الخطاب t قال: قال رسول الله r: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى..."". البخاري(54)،ومسلم (1907).وقال رسول الله r لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عندما جاء يعوده: "إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيّ امرأتك".البخاري (2742)،ومسلم(1628).
قوله: (تبتغي بها وجه الله) أي: تقصد بها وجه الله عز وجل. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وينبغي أن يستحضر النية في جميع العبادات (وتكون في القلب) فينوي مثلاً الوضوء وأنه توضأ لله امتثالا لأمر الله فهذه ثلاثة أشياء : 1- نية العبادة 2- نية أن تكون لله 3- نية أنه قام بها امتثالا لأمر الله . فهذا أكمل شيء في النية، كذلك في الصلاة وفي كل العبادات .اهـ. شرح رياض الصالحين (1/10) .
وعن أنس t قال: "رجعنا من غزوة تبوك مع النبي r فقال: إن أقواماً خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلا وهم معنا حبسهم العذر". أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير برقم (2839). وسئل الإمام أحمد بن حنبل عن الصدق والإخلاص؟ فقال: بهذا ارتفع القوم. صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله ولا أحد، وكان خزازاً، يحمل معه غداءه من عندهم، فيتصدق به في الطريق، ويرجع عشياً فيفطر معهم، فيظن أهل السوق أنه قد أكل في البيت، ويظن أهله قد أكل في السوق. صفة الصفوة: 3/300.
وعن أبي كبشة الأنماري t أنه سمع رسول الله r يقول: "... إنما الدنيا لأربعة نفر عبدٌ رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقاً، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان فهو بنيته، فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً يخبط في ماله بغير علم ولا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقاً، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته فوزرهما سواء".صححه الألباني في الترغيب (14). وعن أبي الدرداء t، عن النبي r قال :"من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبتْهُ عيناهُ حتى أصبح كُتب له ما نوى وكان نومه صدقةً عليه من ربه".صحيح الترغيب (19). قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً وصواباً. وقال سفيان الثوري: ما عالجت شيئا أشد عليَّ من نيتي.
وعن أبي حمزة الثُّمالي قال: كان علي بن الحسين يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدّق به، ويقول: "إن صدقة السر تطفئ غضب الربّ عز وجل".صحيح الترغيب (888)، والسلسلة الصحيحة (1908). وعن عمرو بن ثابت قال: لما مات علي بن الحسين فغسَّلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سود في ظهره، فقالوا: ما هذا؟ فقالوا: كان يحمل جُرُب الدقيق ليلاً على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة! صفة الصفوة (2/96).
وعن ابن عائشة قال: قال أبي: سمعت أهل المدينة يقولون: ما فَقَدنا صدقة السرّ حتى مات علي بن الحسين. المصدر السابق. وعن سفيان قال: أخبرتني مرّيّة الربيع بن خُثيم قالت: كان عمل الربيع كلُّه سراً، إن كان ليجئُ الرجل وقد نشَر المصحف فيغطيه بثوبه. وقال ابن الجوزي: كان إبراهيم النخعي إذا قرأ في المصحف فدخل داخل غطاه.
وعن جبير بن نفير، أنه سمع أبا الدرداء، وهو في آخر صلاته، وقد فرغ من التشهد، يتعوذ بالله من النفاق، فأكثر التعوذ منه، قال جبير: ومالك يا أبا الدرداء أنت والنفاق؟ فقال: دعنا عنك، دعنا عنك، فوالله إن الرجل ليُقْلَبُ عن دينه في الساعة الواحدة فيخلع منه. سير أعلام النبلاء: 6/383 وعن عبد الله بن مبارك قال: قيل لحمدون بن أحمد: ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا؟ قال: لأنهم تكلَّموا لعزّ الإسلام ونجاة النفوس ورضا الرحمن، ونحن نتكلم لعز النفوس وطلب الدنيا ورضا الخَلْق. صفة الصفوة: 4/122.
وكان أيوب بن كيسان السختياني يقوم الليل كله، فيخفي ذلك، فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة. حلية الأولياء 3/8. ويا معشر المتزهدين، إنه يعلمُ السر وما يخفى، أتُظْهِرونََ الفقر في لباسكم وأنتم تشتهون شهوات، وتُظهرون التخشُّعَ والبكاء في الجلوات دون الخلوات ، كان ابنُ سيرينَ يضحكُ ويقهقه فإذا خلا بكى فأكثر. وقال سفيان لصاحبه : ما أوقحكَ تُصلِّي والناسُ يرونَكَ؟ آه للمرائي من يوم يحصّلُ ما في الصدور، وهي النيات والعقائد، فالجزاء عليهما لا على الظواهر، فأفيقوا من سكرتكم، وتوبوا من زَلَّتكم، واستقيموا على الجادة الآداب الشرعية لابن مفلح (2/247) .
قال العلامة عبد العزيز المحمد السلمان: ومن حُرِمَ النيةَ في هذه الأعمال فقد حُرِمَ خيراً كثيراً، ومن وفق فقد أوتي فضلاً عظيماً، فنسأل الله العلي العظيم ذا الجلال والإكرام الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد التوفيق لذلك وسائر وجوه الخير. وقال محمد بن واسع : لقد أدركت رجالاً كان الرجل يكون رأسه مع رأس امرأته على وسادة واحدة قد بلّ ما تحت خدهِ من دموعه لا تشعر به امرأته، ولقد أدركتُ رجالاً يقوم أحدهم في الصف فتسيل دموعه على خده ولا يشعر به الذي إلى جنبه. إرشاد العباد للاستعداد ليوم المعاد بتصرف. فينبغي لمن أراد شيئاً من الطاعات وإن قلّ أن يُحضر النِّيةَ وهي أن يقصد بعملهِ رضا الله عز وجل وتكون نيَّتهُ حاضرةً حالَ العمل .
لا يزن شيئاً من لا يخلص لله تعالى
عن أبي هريرة، "إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة". رواه البخاري ومسلم .
النهي عن الشرك بالله تعالى
قال تعالى: )إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ(.المائدة (72). وقال تعالى: )إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ(.لقمان (13). فالشرك هو أن تجعل لله نداً وهو خلقك وتعبد معه غيره وتصرف العبادة لغيره سبحانه وتعالى من شجر، أو حجر، أو بشر، أو قمر، أو نبي، أو شيخ، أو جني، أو نجم، أو مَلَكٍ وغير ذلك. وسُئل r: أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك".() و(الند) هو: المثل. قال تعالى:)فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فمن جعل لله نداً من خلقه فيما يستحقه عز وجل من الإلهية والربوبية فقد كفر بإجماع المسلمين. أ.هـ مجموع الفتاوى (1/88).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى – في معرض كلامه على أنواع الشرك-: النوع الأول: شرك أكبر مخرج عن الملة؛ وهو: "كل شرك أطلقه الشارع وهو مناف للتوحيد منافاة مطلقة" مثل أن يصرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله؛ بأن يصلي لغير الله أو يذبح لغير الله، أو ينذر لغير الله، أو أن يدعو غير الله تعالى؛ مثل أن يدعو صاحب قبر، أو يدعو غائباً لإنقاذه من أمر لا يقدر عليه إلا الحاضر. أ.هـ مجموع فتاوى ورسائل (7/115). فالذي يموت مشركاً بالله تعالى والعياذ بالله فهو من أهل النار خالداً فيها.
التحاكم إلى الله تعالى والنهي عن الحكم بغير شرعه
قال الله تعالى : }إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ{ . سورة يوسف (67) . وقال الله تعالى: )وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَالِمُوْنَ(. المائدة الآية (47). وعن عدي بن حاتم t قال: أتيت النبي e وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: "يا عدي اطرح عنك هذا الوثن" وسمعته يقرأ في سورة براءة: ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله[ قال:"أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرّموا عليهم شيئا حرموه". صحيح الترمذي برقم (2471).
فالذي يجحد حكم الله سبحانه وتعالى يكون كافراً خارجاً من ملة الإسلام والعبادة بالله. ومن حكم بغير حكم الله تعالى لهوى في نفسه فهذا سماه الله تعالى فاسقاً. ونفى الله سبحانه وتعالى الإيمان عن الذين لا يحكمون الرسول r وأقسم بنفسه على ذلك وأن ينتفي الحرج من صدورهم والضيق ويسلموا تسليما حيث قال سبحانه وتعالى: )فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً(.() قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : فهذه شروط ثلاثة لا يتم الإيمان إلا بها .
أولاً : تحكيم الرسول r . والثاني : ألا يجد الإنسان حرجاً مما قضى به . والثالث : أن يُسلم تسليماً تاماً بالغاً . وبناء على هذا نقول : إن الذين يحكمون القوانين الآن ويتركون وراءهم كتاب الله وسنة رسوله r ما هم بمؤمنين ، ليسوا بمؤمنين لقول الله تعالى ) فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا(، ولقوله ) وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ(.
وهؤلاء المحكمون للقوانين لا يحكمونها في قضية معينة خالفوا فيها الكتاب والسنة، لهوى أو لظلم، ولكنهم استبدلوا الدين بهذه القوانين ، جعلوا هذا القانون يحل محل شريعة الله، وهذا كفر حتى لو صلوا وصاموا وتصدقوا وحجوا، فهم كفار ما داموا عدلوا عن حكم الله وهم يعلمون بحكم الله إلى هذه القوانين المحالفة له.)فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا( . فلا تستغرب إذا قلنا : إن من استبدل شريعة الله بغيرها من القوانين فإنه يكفر ولو صام وصلى ؛ لأن الكفر ببعض الكتاب كفر بالكتاب كله ، فالشرع لا يتبعض ، إما أن تؤمن به جميعاً وإما أن تكفر به جميعاً، وإذا آمنت ببعض وكفرت ببعض، فأنت كافر بالجميع؛ لأن حالك تقول : إنك لا تؤمن بما يخالف هواك . وأما ما خالف هواك فلا تؤمن به هذا هو الكفر ، فأنت بذلك اتبعت الهوى ، واتخذت هواك إلهاً من دون الله .
فالحاصل أن المسألة خطيرة جداً ، من أخطر ما يكون بالنسبة لحكام المسلمين اليوم فإنهم قد وضعوا قوانين تخالف الشرع وهم يعرفون الشريعة ولكن وضعوها والعياذ بالله تبعاً لأعداء الله من الكفرة الذين سنّوا هذه القوانين ومشى الناس عليها، والعجب أنه لقصور علم هؤلاء وضعف دينهم أنهم يعلمون أن واضع القوانين فلان بن فلان من الكفار ، في عصر قد اختلفت العصور عنه مئات السنين ، ثم هو في مكان يختلف عن مكان الأمة الإسلامية ، ثم هو في شعب يختلف عن الأمة الإسلامية، ومع ذلك يفرضون هذه القوانين على الأمة الإسلامية ولا يرجعون إلى كتاب الله ولا إلى سنة رسول الله r فأين الإسلام ؟ وأين الإيمان؟ وأين التصديق برسالة محمد r وأنه رسول للناس كافة؟ وأين التصديق بعموم رسالته وأنه عامه في كل شيء ؟ كثير من الجهلة يظنون أن الشريعة خاصة بالعبادة التي بينك وبين الله U فقط ، أو في الأحوال الشخصية من نكاح وميراث وما يشبه ذلك ، وهم أخطئوا في هذا الظن ، الشريعة عامة في كل شيء ، وإذا شئت أن يتبين لك هذا ، فاسأل ما هي أطول آية في كتاب الله ؟ سيقال لك:إن أطول آية هي آية الدين) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْن ٍ... ( كلها في المعاملات فكيف نقول : إن الشرع الإسلامي خاص بالعبادة أو بالأحوال الشخصية، هذا جهل وضلال ، إن كان عن عمد فهو ضلال واستكبار ، وإن كان عن جهل فهو قصور ويجب أن يتعلم الإنسان ويعرف .
المهم أن الإنسان لا يمكن أن يؤمن إلا بثلاثة شروط : الأول تحكيم النبي r والثاني : ألا يجد في صدره حرجاًَ ولا يضيق صدره بما قضى النبي r والثالث : يسلم تسليماً ، وينقاد انقياداً تاماً فبهذه الشروط الثلاثة يكون مؤمناً ، وإن لم تتم فإما أن يخرج من الإيمان مطلقاً وإما أن يكون ناقص الإيمان ، والله الموفق .اهـ. شرح رياض الصالحين (1/356) .
النهي عن طلب رضا المخلوق على رضا الله تعالى
قال الله تعالى: )يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ( . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ومما يجب أن يعلم أنه لا يسوغ في العقل، ولا الدين طلب رضا المخلوقين لوجهين: أحدهما: أن هذا غير ممكن. كما قال الشافعي رضي الله عنه: إرضاء الناس غاية لا تدرك. فعليك بالأمر الذي يصلحك فإلزمه، ودع ما سواه ولا تعانه. والثاني: أنا مأمورون بأن نتحرى رضا الله ورسوله. كما قال تعالى: )يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ(. التوبة الآية (62). وعلينا أن نخاف الله فلا نخاف أحداً إلا الله كما قال تعالى: )إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَـٰنُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ( . آل عمران الآية (175). وقال: )فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ( . المائدة الآية (44)وقال: )وَقَالَ اللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ فَإيَّـٰيَ فَارْهَبُونِ(.النحل(51) )وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَـٰتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَإِيَّـٰىَ فَاتَّقُونِ(.
فعلينا أن نخاف الله، ونتقيه في الناس: فلا نظلمهم بقلوبنا، ولا جوارحنا، ونؤدي إليهم حقوقهم بقلوبنا وجوارحنا؛ ولا نخافهم في الله فنترك ما أمر الله به ورسوله خيفة منهم. ومن لزم هذه الطريقة كانت العاقبة له كما كتبت عائشة إلى معاوية: «أما بعد؛ فإنه من التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس، وعاد حامده من الناس ذاماً، ومن التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه، وأرضى عنه الناس». فالمؤمن لا تكون فكرته وقصده إلا رضا ربه، واجتناب سخطه والعاقبة له؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله.
النهي عن دعاء غير الله سبحانه وتعالى
نهانا الله سبحانه وتعالى أن نتوجه لغيره بالدعاء ، وهو من الشرك والضلال والعياذ بالله، قال الله تعالى: ]وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ، وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ[. يونس(106-107). وقال تعالى: ]وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ[.الأحقاف الآية (5). وقال رسول الله e: "الدعاء هو العبادة". المشكاة برقم (2230). وعن ابن عباس{ قال: "كنت خلف رسول الله e يوماً فقال: يا غلام! احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف". مشكاة المصابيح برقم (5302).
قوله:"احفظ الله يحفظك" يكون بحفظ شرعه ودينه بأن تمتـثل أوامره، وتجتنب نواهيه، وأن تتعلم العلم لتقوم به عبادتك ومعاملاتك وأن تكون لله عز وجل، وهذا كله من حفظ الله. والله غني لا يحتاج لحفظ أحد، ولكن المراد بحفظ دينه وشريعته، فيحفظك الله تعالى في دينك وفي بدنك وفي أهلك ومالك، وأن يسلِّمك من الزيغ والضلال. وقوله: "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعِن بالله" أي: لا تطلب من المخلوقين ولا تعتمد على أحد منهم، فالتوجه بالدعاء يكون لله تعالى لا لأحدٍ من خلقه، فاسؤال هو الدعاء، والاستعانة هو طلب العون، فلا تطلب العون من أي مخلوق كان، فيكون هذا لله وحده.
وأخيراً وبعد أن عرفنا الله تعالى وما له من صفات، نسأل أنفسنا هل نحن نتبعه سبحانه وتعالى حق الاتباع؟ وهل نتبعه حقاً، وهل نصرنا دينه عز وجل؟! حيث إن نصرة دينه سبحانه وتعالى بتطبيق شرعه، واتباع أوامره. فهذه دعوة لك أخي المسلم ودعوة لك أختي المسلمة بأن تراجعوا أنفسكم هل نحن حقاً نأتمر بأوامر الله تعالى وسنة رسوله @، وهل انتهينا عما نهانا عنه سبحانه وتعالى، ونهانا عنه رسوله @ . هذا ونسأله سبحانه وتعالى أن يملأ قلوبنا خشية منه، ويرزقنا الاتباع ونصرة دينه، كما نسأله الإخلاص في القول والعمل. وبهذا تم البحث، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. وكتب الفقير إلى عفو ربه الناصح لإخوانه ماجد البنكاني أبو أنس العراقي 5/3/ 1428هـ. 24/3/2007م
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}سورة محمد (7). قال القرطبي: أي إن الله ينصركم على الكفار. نظيره: «ولينصرن الله من ينصره»«الحج40».
وقال السعدي: قد ظهرت ولله الحمد أسبابه بشعور المسلمين بضرورة رجوعهم إلى دينهم والشعور مبدأ العمل، فنحمده ونسأله أن يتم نعمته، ولهذا قال في وعده الصادق المطابق للواقع: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} أي: يقوم بنصر دينه، مخلصا له في ذلك، يقاتل في سبيله، لتكون كلمة الله هي العليا.{إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} أي: كامل القوة، عزيز لا يرام، قد قهر الخلائق، وأخذ بنواصيهم، فأبشروا، يا معشر المسلمين، فإنكم وإن ضعف عددكم وعدتكم، وقوي عدد عدوكم وعدتهم فإن ركنكم القوي العزيز، ومعتمدكم على من خلقكم وخلق ما تعملون، فاعملوا بالأسباب المأمور بها، ثم اطلبوا منه نصركم، فلا بد أن ينصركم.
وقوموا، أيها المسلمون،بحق الإيمان والعمل الصالح، فقد {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} ثم ذكر علامة من ينصره، وبها يعرف، أن من ادعى أنه ينصر الله وينصر دينه، ولم يتصف بهذا الوصف، فهو كاذب فقال: { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ } أي: ملكناهم إياها، وجعلناهم المتسلطين عليها، من غير منازع ينازعهم، ولا معارض، { أَقَامُوا الصَّلَاةَ } في أوقاتها، وحدودها، وأركانها، وشروطها، في الجمعة والجماعات. تفسير السعدي. |
|