أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52576 العمر : 72
| موضوع: تفسير سورة الحشر الخميس 17 مارس 2011, 6:45 am | |
| تفسير سورة الحشر {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ} * {هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ} * {وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمُ ٱلْجَلاَءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ} * {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَآقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ} * {مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيُخْزِيَ ٱلْفَاسِقِينَ} شرح الكلمات: {سبح لله ما في السموات وما في: أي نزّه الله تعالى وقدَّسَهُ بلسان الحال والقال ما في السموات الأرض} وما في الأرض من سائر الكائنات. {وهو العزيز الحكيم}: أي العزيز في اتقامه من أعدائه الحكيم في تدبيره لأوليائه. {هو الذي أخرج الذين كفروا من: أي أخرج يهود بنى النضير من ديارهم بالمدينة. أهل الكتاب من ديارهم} {لأول الحشر}: أي لأول حشر كان وثانى حشر كان من خيبر إلى الشام. {ما ظننتم أن يخرجوا}: أي ما ظننتم أيها المؤمنون أن بنى النضير يخرجون من ديارهم. {وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم: أي وظن يهود بنى النضير أن حصونهم تمنعهم مما قضى الله من الله} به عليهم من إجلائهم من المدينة. {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا}: أي فجاءهم الله من حيث لم يظنوا أنهم يؤتون منه. {وقذف في قلوبهم الرعب}: أي وقذف الله تعالى الخوف الشديد من محمد وأصحابه. {يخربون بيوتهم بأيديهم}: أي يخربون بيوتهم حتى لا ينتفع بها المؤمنون وليأخذوا بعض أبوابها وأخشابها المستحسنة معهم. {وأيدى المؤمنين}: إذ كانوا يهدمون عليهم الحصون ليتمكنوا من قتالهم. {فاعتبروا يا أولى الأبصار}: أي فاتعظوا بحالهم يا أصحاب العقول ولا تغتروا ولا تعتمدوا إلا على الله سبحانه وتعالى. {ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء}: أي ولولا أن كتب الله عليهم الخروج من المدينة. {لعذبهم في الدنيا}: أي بالقتل والسبيّ كما عذب بنى قريظة إخوانهم بذلك. {ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله}: جزاهم بما جزاهم به من عذاب الدنيا والآخرة بسبب مخالفتهم لله ورسوله ومعاداتهم لهما. {ما قطعتم من لينة أو تكتموها}: أي ما قطعتم أيها المؤمنون من نخلة لينة أو تركتموها بلا قطع. {فبإذن الله وليخزى الفاسقين}: أي فقطع ما قطعتم وترك ما تركتم كان بإِرادة الله وكان ليجزى الله الفاسقين يهود بنى النضير. معنى الآيات: يخبر تعالى عن جلاله وعظمته بأنه سبحه أي نزهه عن كل النقائص من الشريك والصحابة والولد والعجز والنقص مطلقاً بلسان القال ولسان الحال جميع ما في السموات وما في الأرض من الملائكة والإِنس والجن والحيوان والشجر والحجر والمدر، وأنه هو العزيز الانتقام الحكيم في تدبير حياة الأنام. هو الذي أخرج الذين كفروا من يارهم يهود بنى النضير أجلاهم من ديارهم بالمدينة لأول الحشر إلى أذرعات بالشام ومنهم من نزل بخيبر وسيكون لهم حشر آخر حيث حشرهم عمر وأجلاهم من خيبر إلى الشام. وقوله تعالى فى خطاب المؤمنين: {ما ظننتم أن يخرجوا} أي من ديارهم وظنوا هم أنهم مانعتهم حصونهم من الله. فخاب ظنهم إذ أتاهم أمر الله من حيث لم يظنوا وذلك بأن قذف في قلوبهم الرعب والخوف الشديد من الرسول وأصحابه حتى أصبحوا يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين. المؤمنون يخربونها من الظاهر لفتح البلاد وهم يخبرونها من الباطن وذلك أن الصلح الذي تم بينهم وبين الرسول والمؤمنين أنهم يحملون أموالهم إلا الحلقة أي السلاح ويجلون عن البلاد إلى الشام وهو أول حشر لهم فكانوا إذا أجبهم الباب أو الخشبة نزعوها من محلها فيخرب البيت لذلك. وقوله تعالى {فاعتبروا يا أولى الأبصار} أي البصائر والنهي أي اتعظوا بحال بنى النضير الأقوياء كيف قذف الله الرعب في قلوبهم وأجلوا عن ديارهم فاعتبروا يا أولى البصائر فلا تغتروا بقواكم ولكن اعتمدوا على الله وتوكلوا عليه. وقوله تعالى: {ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء} أزلا في اللوح المحفظ لعذبهم في الدنيا بالسبي والقتل كما عذب بنى قريظة بعدهم. ولهم في الآخرة عذاب النار، ثم علل تعالى لهذا العذاب الذي أنزله وينزله بهم بقوله: {ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله} أي خالفوهما وعادوهما، ومن يشاق الله يعاقبه بأشد العقوبات فإن الله شيد العقاب. وقوله تعالى {ما قطعتم من لينة} أي من نخلة لينة أو تركتموها بلا قطع قائمة على أصولها فقد كان ذلك بإن الله فلا إثم عليكم فيه فقد أسرّ به المؤمنين وأخزى به الفاسقين اليهود. هداية الآيات من هداية الآيات: 1- بيان جلال الله وعظمته مع عزه وحكمته في تسبيحه من كل المخلوقات العلوية والسفلية وفي إجلاء بنى النضير من ديارهم وهو أول حشر وإجلاءتم لهم وسيعقبه حشرٌ ثانٍ وثالثٌ. 2- بيان أكبر عبرة في خروج نبى النضير، وذلك لما كان لهم من قوة ولما عليه المؤمننون من ضعف ومع هذا فقد انهزموا شر هزيمة وتركوا البلاد والاموال ورحلوا إلى غير رجعة. فعلى مثل هذا يتعظ المتعظون فإنه لا قوة تنفع مع قوة الله، فلا يغتر العقلاء بقواهم المادية بل عليهم أن يعتمدوا على الله أولاً وآخراً. 3- علة هزيمة بنى النضير ليست إلا محادتهم لله والرسول ومخالفتهم لهما وهذه سنته تعالى في كل من يحاده رسوله فإنه ينزل به أشد أنواع العقوبات. 4- عفو الله تعالى على المجتهد إذا أخطأ وعدم مؤاخذته، فقد اجتهد المؤمنون في قطع نخل بني النضير من أجل إغاظتهم حتى ينزلوا من حصونهم. وأخطأوا في ذلك إ قطع النخل المثمر فساد، ولكن الله تعالى لم يؤاخذهم لأنهم مجتهدون. {وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} * {مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ ٱلأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ} شرح الكلمات: {وما أفاء الله على رسوله منهم}: أي وما رد الله ليد رسول الله صلى الله عليه وسلم من مال بنى النضير. {فما أوجفتم عليه من خيل ولا: أي أسرعتم في طلبه والحصول عليه خيلاً ولا إبلاً أي تعانوا ركاب} فيه مشقة. {ولكن الله يسلط رسله على من: أي وقد سلط رسول الله محمداً صلى الله عليه وسلم على بنى النضير ففتح يشاء} بلادهم صلحاً. {وما أفاء الله على رسوله من أهل: أي وما رد الله على رسوله من أموال أهل القرى التى لم يوجف القرى} عليها بخيل ولا رِكابٍ. {فلله وللرسول ولذى القربى: أي لله جزء وللرسول جزء ولقرابة الرسول جزء ولليتتامى جزء واليتامى والمساكين وابن وللمساكين جزء ولابن السبيل جزء تقسم على المذكورين السبيل} بالسوية. {كى لا يكون دولة بين الأغنياء: أي كيلا يكون الماء متداولاً بين الإنياء الأقوياء ولا يناله منكم} الضعفاء والفقراء. {وما آتاكم الرسول فخذوه وما: أي وما أعطاكم الرسول وأذن لكم فيه أو أمركم به فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} نهاكم عنه وحظره عليكم ولم يأذن لكم فيه فانتهوا عنه. {واتقوا الله إن الله شديد العقاب}: أي واتقوا الله فلا تعصوه ولا تعصوا رسوله وأحذروا عقوبة الله على معصيته ومعصية رسوله فإن الله شديد العقاب. معنى الآيات: ما زال السياق الكريم في غزوة بنى النضير إنه بعد الصلح الذي تم بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تركوا حوائطهم أي بساتينهم فيئاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورغب المسلمون في تلك البساتين ورأى بعضهم أنها ستقسم عليها كما تقسم الغنائم فأبى الله تعالى ذلك عليهم وقال: {وما أفاء الله على رسوله} أي وما رد الله تعالى على رسوله من مال بنى النضير. وكلمة ردّ تفسير لكلمة أفاء لأن الفىء الظل يتقلص ثم يرجع أي يُردّ وأموال بنى النضير الأصل فيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن بنى النضير عاهدوا رسول الله وبمقتضى المعاهدة أبقى عليهم أموالهم فإِذا نقضوا العهد وخانوا لم يستحقوا من المال شيئاً لا سيما وأنهم تآمروا على قتله وكادوا ينفذون جريمتهم التى تحملوا تبعتها ولو لم ينفذوها وبداءة القضية كالتالي: أن المعاهدة التى تمت بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين بنى النضير من جملة بنودها أن يؤدوا مع الرسول ما يتحمل من ديات. وبعد وقعة أحد بنصف سنة حدث أن عمرو بن أمية الضميري قتل خطأ رجلين من بنى كلب أو بنى كلاب فجاء ذووهم يطالبون بديتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هو المسئول عن المسلمين فخرج صلى الله عليه وسلم إلى بنى النضير في قريتهم التي تبعد عن المدينة بميلين يطالب الإِسهام في دية الرجلين الكلابيين بحكم المعاهدة فملا انتهى إليهم أنزلوه هو وأصحابه بأحسن مجلس وقالوا ما تطلبه هو لك يا أبا القاسم ثم خلوا بأنفسهم وقالوا ان الفرصة سانحة للتخلص من الرجال فجاءوا برحىً " مطحنة " من صخرة وطلعوا بها إلى سطح المنزل وهموا أن يسقطوها على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الجدار مع أصحابه، وقبل أن يسقطوا الرحى أوحى الله إلى رسوله أن قم من مكانك فإن اليهود أرادوا إسقاط حجرعليك ليقتلوك فقام صلى الله عليه وسلم على الفور وتبعه أصحابه وسقط على أيدي اليهود. وما إن رجع الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أعلن الخروج إلى بنى النضير فإنهم نقضوا عهدهم ووجب قتالهم فنزل بساحتهم وحاصرهم وجرت سفارت وانتهت بصلح يقضى بأن يجلو بنو النضير عن المدينة يحملون أموالهم على إبلهم دون السلاح ويلتحقوا بأذرعات بالشام فكان هذا أول حشر لهم إلى أرض المعاد والمحشر إلا أسرتين نزلتا بخيبر أسرة بنى الحقيق الذين منهم حيي ابن اخطب والد صفية زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولهذه الغزوة بقية ستأتي عند قوله تعالى {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لاخوانهم الذين كفرا من أهل الكتاب} الآيات. من هنا علمنا أن مال بنى النضير هو لرسول الله صلى الله عليه وسلم أفاءه الله عليه فقال وما أفاء الله على رسوله منهم أي من بنى النضير. ولما طمع المؤمنون فيه قال تعالى رداً عليهم فما أوجفتم عليه أى على أموال بنى النضير أي ما ركبتم إليه خيلاً ولا إبلاً ولا أسرعتم عدواً إليهم لأنهم في طرف المدينة فلم تتحملوا سفراً ولا تعباً ولا قتالاً موتاً وجراحات فلذا لاحق لكم فيها فإنها فيء وليست بغنائم. ولكن الله يسلط رسله على من يشاء بدون حروب ولا قتال فيفيء عليهم بمال الكفرة الذي هو مال الله فيرده على رسله، وقد سلط الله حسب سنته في رسله محمداً صلى الله عليه وسلم على أعدائه بنى النضير فحاز المال بدون قتال ولا سفر فهو له دون غيره ينفقه كما يشاء ومع هذا فقد أنفقه صلى الله عليه وسلم ولم يبق منه إلا قوت سنة لأزواجه رضى الله عنهن وأرضاهن. وقوله تعالى {والله على كل شيء قدير} لا يمتنع منه قوى، ولا يتعزز عليه شريف سرى. وقوله تعالى: {وما أفاء الله على رسوله من أهل القرى} أي من أموال أهل القرى التى ما فتحت عنوة ولكن صلحاً فتلك الأموال تقسم فيئاً على ما بيّن تعالى فلله وللرسول ولذي القربى أي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بنو هاشم ونبو المطلب. واليتامى الذي لا عائل لهم، والمساكين الذين مسكنتهم الحاجة وابن السبيل وهو المسافر المنقطع عن بلاده وداره وماله. وعلة ذلك بينها تعالى بقوله: {كيلا يكون} أي المال {دولة} أي متداولاً بين الأغنياء منكم، ولا يناله الضعفاء والفقراء فمن الرحمة والعدل أن يقسم الفيء على هؤلاء الأصناف المذكورين وما لله فهو ينفق في لامصالح العامة وكذلك ما للرسول بعد وفاته صلى الله عليه وسلم والباقى للمذكروين، وكذا خمس الغنائم فإنه يوزع على المذكروين في هذه الآية أما الأربعة أخماس فعلى المجاهدين. وقوله تعالى: {وما آتاكم الرسول} من مال وغيره {فخذوه وما نهاكم عنه} أي من مال وغيره فانتهوا عنه واتقوا الله فلا تعصوه ولا تعصوا رسوله وأحذروا عقابه فإن الله شديد العقاب أي معاقبته قاسية شديدة لا تطاق فيا ويل من تعرض لها بالكفر والفجور والظلم. هداية الآيات: من هداية الآيات: 1- بيان أن مال بنى النضير كان فيئاً خاصاً برسول الله صلى الله عليه وسلم. 2- أن الفىء وهو ما حصل عليه المسلمون بدون قتال وإنما بفرار العدو وتركه أو بصلح يتم بينه وبين المسلمين هذا الفىء يقسم على ما ذكر تعالى في هذه الآية إذ قال وما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله، وللرسول، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، وأما الغنائم وهى ما أخذت عنوة بالقوة وسافر إليها المسلمون فإنها تُخَمَّس خمس لله وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل يوزع بينهم بالسوية، والاربعة الأخماس الباقية تقسم على المجاهدين الذين شاركوا في المعارك وخاضوها للرجل قسم وللفارس قسمان. 3- وجوب طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتطبيق أحكامه والاستننان بسننه المؤكدة وحرمة مخالفته فيما نهى عنه أمته روى الشيخان ان ابن مسعود رضي الله عنه قال لعن الله الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلف الله فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب كانت تقرأ القرآن فقالت بلغنى انك لعنت كيت وكيت. فقال: مالى لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله عز وجل؟ فقالت لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته، قال إن كنت قرأته فقد وجدته. أما قرأت قوله تعالى {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} قالت: بلى. قال: فإنه صلى الله عليه وسلم قد نهى عنه. أي الوشم الخ. {لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ} * {وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ} * {وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} شرح الكلمات: يبتغون فضلا من الله ورضوانا: أي هاجروا حال كونهم طالبين من الله رزقاً يكفيهم ورضا منه تعالى. {أولئك هم الصادقون}: أي في إيمانهم حيث تركوا ديارهم وأموالهم وهاجروا ينصرون الله ورسوله. {والذين تبوءوا الدار والإِيمان}: أي والأنصار الذين نزلوا المدينة ألِفُوا الإيمان بعدما اختاروه على الكفر. {من قبلهم}: أي من قبل المهاجرين. {ولا يجدون في صدورهم حاجة}: أي حسداً ولا غيظاً. {مما أوتوا}: أي مما أوتى أخوانهم المهاجرون من فيىء بنى النضير. {ويؤثرون على أنفسهم}: أي في كل شيء حتى إن الرجل منهم تكون تحته المرأتان فيطلق أحداهما ليزوجها مهاجراً. {ولو كان بهم خصاصة}: أي حاجة شديدة وخلَّة كبيرة لا يجدون ما يسدونها به. {ومن يوق شح نفسه}: أي ومن يقه الله تعالى حرص نفسه على المال والبخل به. {والذين جاءوا من بعدهم}: أي من بعد المهاجرين والأنصار من التابعين الى يومنا هذا فما بعد. {ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين: أي حقداً أي انطواء على العداوة والبغضاء. آمنوا} معنى الآيات: ما زال السياق الكريم في الحديث عن فيء بنى النضير وتوزيع الرسول صلى الله عليه وسلم له فقال تعالى {للفقراء} أي أعجبوا أن يعطى فيء بنى النضير للفقراء المهاجرين الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون أي حال كونهم في خروجهم يطلبون فضلا من الله أي رزقاً يكف وجوههم عن المسآلة ورضواناً من ربهم أي رضاً عنهم لا يعقبه سخط. إذ كان الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى فيء بنى النضير للمهاجرين ولم يعط للأنصار إلا ما كان من أبى دجانة وسهل بن حنيف فقد ذكرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة فأعطاهما. فتكلم المنافقون للفتنة وعابوا صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية يعجب منهم الرسول والمؤمنين في إنكارهم على عطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين دون إيمانهم إذ صدقوا القول بالعمل، وما كان معتقداً باطناً أصبح عملاً ظاهراً بهذه الأوصاف التى ذكر تعالى للمهاجرين أعطاهم الرسول من فيء بنى النضير. وأما الأنصار الذي لم يعطهم المال الزائل وهم في غير حاجة إليه فقد أعطاهم ما هو خير من المال. واسمع ثناءه تعالى عليهم: {والذين تبوءوا الدار} أي المدينة النبوية والإِيمان أي بوأوه قلوبهم وأحبوه وألفوه. من قبلهم أي من قبل نزول المهاجرين إلى المدينة يحبون من هاجر إليهم من سائر المؤمنين الذي يأتون فراراً بدينهم،ولا يجدون في صدورهم حاجة أي حسداً ولا غيظاً مما أوتوا أي مما أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم المهاجرين. ويؤثرون على أنفسهم غيرهم من المهاجرين ولو كان بهم خصاصة أي حاجة شديدة وخلة كبيرة لا يجدون ما يسدونها به، وفي السيرة من عجيب إيثارهم العجب العجاب في أن الرجل يكون تحته امرأتان فيطلق إحداهما فإذا انتهت عدتها زوجها أخاه المهاجرين فهل بعد هذا الإِيثار من إيثار؟. وقوله تعالى {ومن يوق شح نفسه} أي من يقيه الله تعالى مرض الشح وهو البخل بالمال والحرص على جمعه ومنعه فهو في عداد المفلحين وقد وقى الأنصار هذا الخطر فهم مفلحون فهذا أيضاً ثناءٌ عليهم وبشرى لهم. وقوله تعالى: {والذين جاءوا من بعدهم} أي من بعد المهاجرين الأولين والأنصار الذين تبوءوا الدار والإِيمان يقولون في دعائهم الدائم لهم {ربنا} أي يا ربنا {اغفر لنا} أي ذنوبنا واغفر {ولإِخواننا الذي سبقونا بالإيمان} وهم المهاجرون والأنصار، {ولاتجعل في قلوبنا غِلاً للذين آمنوا} بك وبرسولك {ربنا إنك رؤوف رحيم} أي ذو رأفة بعبادك ورحمة بالمؤمنين بك فاستجب دعاءنا فاغفر لنا ولإِخواننا الذين سبقونا بالإِيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً لهم. هداية الآيات من هداية الآيات: 1- بيان فضل المهاجرين والأنصار، وأن حبهم إيمان وبغضهم كفران. 2- فضيلة الإِيثار على النفس. 3- فضيلة إيواء المهاجرين ومساعدتهم على العيش في دار الهجرة المهاجرين الذين هاجروا في سبيل الله تعالى فراراً بدينهم ونصرة لإِخوانهم المجاهدين والمرابطين. 4- خطر الشح وهو البخل بما وجب إخراجه من المال والحرص على جمعه من الحلال والحرام. 5- بيان طبقات المسلمين ودرجاتهم وهى ثلاثة بالإِجمال: 1- المهاجرون الأولون. 2- الأنصار الذين تبوءوا الدار " المدينة " وألفوا الإِيمان. 3- من جاء بعدهم من التابعين وتابعي التابعين إلى قيام الساعة من أهل الإِيمان والتقوى. {أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} * {لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} * {لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ ٱللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} * {لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ} شرح الكلمات: {ألم تر}: أي ألم تنظر. {نافقوا}: أي أظهروا الإِيمان وأخفوا في نفوسهم الكفر. {لإِخوانهم الذين كفروا من أهل: أي يهود بني النضير. الكتاب} {لئن أخرجتم}: أي من دياركم بالمدينة. {لنخرجن معكم}: أي نخرج معكم ولا نبقى بعدكم في المدينة. {وإن قوتلتم}: أي قاتلكم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه. {لننصرنكم}: أي بالرجال والسلاح. {والله يشهد إنهم لكاذبون}: أي فيما وعدوا به إخوانهم من بني النضير. {ولئن نصروهم}: أي وعلى فرض أنهم نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون المنافقون كاليهود سواء. {لأنتم أشد رهبة في صدورهم}: أي تالله لأنتم أشد خوفاً في صدورهم. من الله}: لأن الله تعالى يؤخر عذابهم وأنتم تعجلونه لهم. {ذلك بأنهم}: أي المنافقين. {قوم لا يفقهون}: لظلمة كفرهم وعدم استعدادهم للفهم عن الله ورسوله. {لا يقاتلونكم جميعا}: أي لا يقاتلكم يهود بني النضير مجتمعين. {الا فى قرىً محصنة}: أي بالأسوار العالية. {أو من وراء جُدُر}: أي من وراء المباني والجدران أما المواجهة فلا يقدرون عليها. {بأسهم بينهم شديد}: أي العداوة بينهم شديدة والبغضاء أشد. {تحسبهم جميعا} ً: أي مجتمعين. {وقلوبهم شتى}: أي متفرقة خلاف ما تحسبهم عليه. {بأنهم قوم لا يعقلون}: إذ لو كانوا يعقلون لاجتمعوا على الحق ولا ما كفروا به وتفرقوا فيه فهذا دليل عدم عقلهم. معنى الآيات: ما زال السياق في الحديث عن غزوة بني النضير فيقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم {ألم تر} أي ما تنظر يا رسولنا إلى الذين نافقوا وهم عبد الله بن سلول ووديعة ومالك ابنا نوفل وسويد وداعس إذ بعثوا إلى بني النضير حين نزل بساحتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحربهم بعثوا إليهم أن اثبتوا وتمنعوا وإن قوتلتم قاتلنا معكم وإن أخرجنا معكم غير أنهم لم يفوا لهم ولم يأتهم منهم أحد وقذف الله الرعب في قلوبهم فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُجليهم ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإِبل من أموالهم إلا الحلْقة " السلاح " هذا معنى قوله تعالى {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإِخوانهم في الكفر} من أهل الكتاب " يهود بني النضير " لئن أخرجتم من المدينة لنخرجن معكم، ولا نطيع فيكم أي في نصرتكم والوقوف إلى جنبكم أحداً كائنا من كان وإن لم يقاتلوا معهم ولم يخرجوا معهم كما خرجوا من ديارهم. وهو قوله تعالى {لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم} وعلى فرض أنهم نصروهم ليولن الأدبار هاربين من المعركة، ثم لا ينصرون اليهود كالمنافقين سواء. وقوله تعالى: {لأنتم أشد رهبة في صدروهم من الله} يخبر تعالى رسوله والمؤمنين بأنهم أشد رهبة أي خوفاً في صدور المنافقين من الله تعالى لأنهم يرون أن لله تعالى يؤجل عذابهم، وأما المؤمنين فإنهم يأخذونهم بسرعة للقاعدة (من بدل دينه فاقتلوه) فإذا أعلنوا عن كفرهم وجب قتلهم وقتالهم. وقوله تعالى: {ذلك بأنهم قوم لا يفقهون} هذا بيان لجبنهم وخوفهم الشديد من الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. إذ لو كانوا يفقهون لما خافوا البعد ولم يخافوا المعبود. وقوله تعالى: {لا يقاتلونكم جميعا} أي اليهود والمنافقون {إلا في قرى محصنة} بأسوار وحصون أو من وراء جدر أي في المباني ووراء الجدران. وقوله تعالى بأسهم بينهم شديد أي العداوة بينهم قوية والبغضاء شديدة تحسبهم جميعاً في الظاهر وأنهم مجتمعون ولكن {وقلوبهم شتَّى} أي متفرقة لا تجتمع على غير عداوة الإِسلام وأهله، وذلك لكثرة أطماعهم وأغراضهم وأنانيتهم وأمراضهم النفسية والقلبية. وقوله تعالى {ذلك بأنهم قوم لا يعقلون} إذ لو كانوا يعقلون لما حاربوا الحق وكفروا به وهم يعملون فعرضوا أنفسهم لغضب الله ولعنته وعذابه. هداية الآيات من هداية الآيات: 1- تقرير حقيقة وهي أن الكفر ملة واحدة وأن الكافرين إخوان. 2- خلف الوعد آية النفاق وعلاماته البارزة. 3- الجبن والخوف صفة من صفات اليهود اللازمة لهم ولا تنفك عنهم. 4- عامة الكفار يبدون متحدين ضد الإِسلام وهم كذلك ولكنهم فيما تمزقهم العداوات وتقطعه الأطماع وسوء الأغراض والنيات. {كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} * {كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ} * {فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ} * {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} * {وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ} * {لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ} شرح الكلمات: {كمثل الذين من قبلهم قريباً}: أي مثل يهود بني النضير في ترك الإِيمان ومحاربة الرسول صلى الله عليه وسلم. كمثل إخوانهم بني قينقاع والمشركين في بدر. {ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب: أي ذاقوا عاقبة كفرهم وحربهم لرسول الله ولهم عذابٌ أليم} أليم في الآخرة. {كمثل الشيطان إذ قال للإِنسان}: أي ومثلهم أيضا في سماعهم من المنافقين وخذلانهم لهم كمثل الشيطان إذ قال للإِنسان. {أكفر فلما كفر قال إني بريء منك}: أي قال له الشيطان بعد أن كفره إنى برىء منك. {وذلك جزاء الظالمين}: أي خلودهما في النار أي الغوي والمغوى ذلك جزاءهما وجزاء الظالمين. {ولتنظر نفسه ما قدمت لغد}: أي لينظر كل أحد ما قدم ليوم القيامة من خير وشر. {ولا تكونوا كالذين نسوا الله}: أي ولا تكونوا أيها المؤمنون كالذين نسوا الله فتركوا طاعته. {فأنساهم أنفسهم}: أي فعاقبهم بأن أنساهم أنفسهم فلم يعملوا خيراً قط. {لا يستوى أصحاب النار: أي لأن أصحاب الجنة فائزون بالسلامة من المرهوب وأصحاب الجنة} والظفر بالمرغوب المحبوب. وأصحاب النار خاسرون. {أصحاب الجنة هم الفائزون}: في جهنم خالدون. فكيف يستويان؟ معنى الآيات: قوله تعالى {كمثل الذين من قبلهم} هذه الآية (15) واللتان بعدها (16) و (17) في بقية الحديث عن بني النضير إذ قال تعالى مثل بني النضير في هزيمتهم بعد نقضهم العهد كمثل الذين من قبلهم في الزمان والمكان وهم بنو قينقاع إذ نقضوا عهدهم فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وذاقوا وبال أمرهم أي عاقبة نقضهم وكفرهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب أليم أي موجع شديد وقوله تعالى {كمثل الشيطان إذ قال للإِنسان اكفر} بوسائله الخاصة فلما كفر الإِنسان تبرأ منه الشيطان وقال إنى برىء منك إني إخاف الله رب العالمين كذلك حال بني النضير مع المنافقين حيث حرضوهم على الحرب والقتال وواعدوهم أن يكونوا معهم ثم خذلوهم وتركوهم وحدهم. وقوله تعالى: {فكان عاقبتهما} أي عاقبة أمرهما أنهما أي الإِنسان والشيطان أنهما في النار خالدين فيها، وذلك أي خلودهما في النار جزاء الظالمين أي المشركين والفاسقين عن طاعة الله عز وجل. وبعد نهاية قصة بني النضير نادى تعالى المؤمنين ليوجههم وينصح لهم فقال {يا أيها الذين آمنوا} أي صدقوا بالله رباً وبالإِسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّاً ورسولاً اتقوا الله بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، ولتنظر نفس ما قدمت لغد أي ولينظر أحدكم في خاصة نفسه ماذا قدم لغدٍ أي يوم القيامة. واتقوا الله، أعاد الأمر بالتقوى لأن التقوى هى ملاك الأمر ومفتاح دار السلام والسعادة، وقوله تعالى: {إن الله خبير بما تعملون} يشجعهم على مراقبة الله تعالى والصبر عليها. وقوله تعالى: {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم} أي لا تكونوا كأناسٍ تركوا العمل بطاعة الله وطاعة رسوله فعاقبهم ربهم بأن أنساهم أنفسهم فلم يعملوا لها خيراً وأصبحوا بذلك فاسقين عن أمر الله تعالى خارجين عن طاعته. وقوله تعالى {لا يستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة} ، أصحاب النار في الدركات السفلى، وأصحاب الجنة في الفادريس العلا فكيف يستويان، إذ أصحاب الجنة فائزون، وأصحاب النار خاسرون. هداية الآيات من هداية الآيات: 1- ضرب مثل لحال الكافرين في عدم الاتعاظ بحال غيرهم. 2- التحذير من سبل الشيطان وهي الإِغراء بالمعاصي وتزيينها فاذا وقع العبد في الهلكة تبرأ الشيطان منه وتركه في محنته وعذابه. 3- وجوب التقوى بفعل الأوامر وترك النواهى. 4- وجوب مراقبة الله تعالى والنظر يومياً فيما قدم الإِنسان للآخرة وما أخر. 5- التحذير من نسيان الله تعالى المقتضى لعصيانه فإن عقوبته خطيرة وهي أن يُنسى الله العبد نفسه فلا يقدم لها خيراً قط فيهلك ويخسر خسراناً مبيناً. 6- عدم التساوى بين أهل النار وأهل الجنة، إذ أصحاب النار لم ينجو من المرهوب وهو النار، ولم يظفروا بمرغوب وهو الجنة، وأصحاب الجنة عل العكس سلموا من المرهوب، وظفروا بالمرغوب نجوا من النار ودخلوا الجنان. {لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} * {هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ} * {هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلاَمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} * {هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ ٱلْبَارِىءُ ٱلْمُصَوِّرُ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ} {شرح الكلمات}: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل}: أي وجعلنا فيه تميزاً وعقلاً وإدراكاً. {لرأيته خاشعاً متصدعاً}: أي لرأيت ذلك الجبل متشققاً متطامناً ذليلاً. {من شخية الله}: أي من خوف الله خشية أن يكون ما أدى حقه من التعظيم. {وتلك الأمثال نضربها للناس}: أي مثل هذا المثل نضرب الأمثال للناس. {لعلهم يتفكرون}: أي يتذكرون فيؤمنون ويوحدون ويطيعون. {هو الله الذي لا إله إلا هو}: أي الله المعبود بحق الذي لا معيود بحق الا هو عز وجل. {عالم الغيب والشهادة}: أي عالم السر والعلانية. {هو الرحمن الرحيم}: أي رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما. {هو الله الذي لا إله إلا هو}: أي لا معبود بحق الا هو لأنه الخالق الرازق المدبر وليس لغيره ذلك. {الملك القدوس}: أي الذي يملك كل شيء ويحكم كل شيء القدوس الطاهر المنزه عما لا يليق به. {السلام المؤمن المهيمن}: أي ذو السلامة من كل نقص الذي لا يطرأ عليه النقص المصق رسله بالمعجزات. المهيمن: الرقيب الشهيد على عباده بأعمالهم. {العزي الجبال المتكبر}: العزيز في انتقامه الجبار لغيره على مراده، المتكبر على خلقه. {سبحان الله عما يشركون}: أي تنزيها لله تعالى عما يشركون من الآلهة الباطلة {هو الله الخالق البارىء}: أي هو الإِله الحق لا غيره الخالق كل المخلوقات المنشىء لها من العدم. {المصور}: أي مصور المخلوقات ومركبها على هيئات مختلفة. {له الأسماء الحسنى}: أي تسعة وتسعون اسماً كلها حسنى في غاية الحسن. {يسبح له ما في السموات}: أي ينزهه ويسبحه بلسان القال والحال جميع ما في السموات والأرض. {وهو العزيز الحكيم}: أي العزيز الغالب على أمره الحكيم في جميع تدبيره. معنى الآيات: قوله تعالى: {لو أنزلنا هذا القرآن...} لما أمر تعالى في الآيات السباقة ونهى ووعظ وذكر بما لا مزيد عليه أخبر أنه لو أنزل هذا القرآن العظيم على جبل بعد أن خلق فيه إدراكاً وتمييزاً كما خلق ذلك في الإِنسان لُرُؤِيَ ذلك الجبل خاشعاً متصدعاً متشققاً من خشية الله أي من الخوف من الله لعله قصّر في حق الله وحق كتابه ما أداهما على الوجه المطلوب، وفي هذا موعظة للمؤمنين ليتدبرا القرآن ويخشعوا عند تلاوته وسماعه. ثم أخبر تعالى أنّ ما ضرب من أمثال في القرآن ومنها هذاالمثل المضروب بالجبل. يقول نجعلها للناس رجاء أن يتفكروا فيؤمنوا ويهتدوا إلى طريق كمالهم وسعادتهم ثم أخبر تعالى عن جلاله وكماله بذكر أسمائه وصفاته فقال {هو الله الذي لا إله إلا هو} أي لا معبود بحق إلا هو، عالم الغيب والشهادة أي السر والعلن والموجود والمعدوم والظاهر والباطن. هو الرحمن لذي وسعت رحمته كل شيء الرحيم بعباده المؤمنين، والملك الذي له ملك السموات والأرض والمدبر للأمر في الأرض والسماء القدوس الطاهر المنزه عن كل نقص وعيب عن الشريك الصاحبة والولد. السلام ذو السلامة من كل نقص مفيض السلام على من شاء من عباده. المؤمن والمصدق رسله بما آتاهم من المعجزات المصدق عباده المؤمنين فيما يشكون إليه مما أصابهم، ويطلبونه ما هم في حاجة إليه من رغائبهم وتصرفاتهم عن إرادته وإذنه، العزيز الغالب على أمره الذي لا يمانع فيما يريده. الجبال للكل على مُرادِه وما يريده، المتكبر على كل خلقه وله الكبرياء في السموات والأرض والجلال والكمال والعظمة. وقوله تعالى {سبحان الله عما يشركوه} نزه تعالى نفسه عما يشرك به المشركون من عبدة الأصنام والأوثان وغيرها من كل ما عُبد من دونه سبحانه وتعالى هو الله الخالق الباريء المصور: المقدر للخلق الباريء له المصور له في الصورة التى أراد أن يوجده عليها. له الأسماء الحسنى وهي مائة اسم الا اسماً واحداً كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحي البخارى وأسماؤه متضمنة صفاته وكُل أسمائه حسنى وكل صفاته عليا منزه عن صفا المحدثين يسبح له ما في السموات والأرض من مخلوقات وكائنات أي ينزهه ويقدسه عما لا يليق به ويدعوه ويرغب إليه في بقائه وكمال حياته. وهو العزيز الحكيم الغالب على أمره الحكيم في تدبير ملكه. هداية الآيات من هداية الآيات: 1- بيان ما حواه القرآن من العظات والعبر، والأمر والنهى والوعد والوعيد الأمر الذي لو أن جبلاً ركب فيه الإِدراك والتمييز كالإِنسان ونزل عليه القرآن لخشع وتصدع من خشية الله. 2- استحسان ضرب الأمثال للتنبيه والتعليم والإِرشاد. 3- تقرير التوحيد، وأنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. 4- إثبات أسماء الله تعالى، وأنها كلها حسنى، وأنها متضمنة صفات عليا. 5- ذكر أَسمائه تعالى تعليم لعباده بها ليدعوه بها ويتوسلوا بها إليه. |
|