أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: 71- اسم الله: "الْبـَرُّ" السبت 13 يناير 2018, 8:22 pm | |
|
ويؤكِّد هذا قول الله عزَّ وجلَّ: "فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)" (سورة الأنعام).
قيل: البَر.. هو الذي لا يصدر عنه القبيح.
وهذا التعريف سلبي، فالبر لا يمكن أن يصدر عنه شيءٌ قبيح.
وقد ذكر الإمام الرازي أقوالاً: "البر.. هو الذي منَّ على المريدين بكشف طريقه وعلى العابدين بفضله وتوفيقه".
أي أنّ عابداً منَّ الله عليه بقبول العبادة، سالك إلى الله يسَّر له الطريق إلى الله، وأنّ إنسانًا أراد الإحسان مكَّنه من الإحسان، البر المحسن يعطي كُلاً سؤله.
قال تعالى: "كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20)" (سورة الإسراء).
قيل: "البَر.. هو الذي منَّ على السائلين بحسن عطائه، وعلى العابدين بجميل جزاءه".
وقيل: "البَر.. الذي لا يقطع الإحسان بسبب العصيان".
إذا قال العبد: يا ربِّ وهو راكع. قال له الله: لبيك يا عبدي..
فإذا قال: يا ربِّ وهو ساجد. قال له: لبَّيك يا عبدي.
فإذا قال: يا ربِّ وهو عاصٍ. قال الله له: لبَّيك ثم لبَّيك ثم لبَّيك.
وأنت حينما ترى أمًا لها ابنٌ شارد عنها بعيد، ولها أولاد بَررة معها دائماً، كلُّ قلبها مع الشارد، كلُّ تعلُّقها مع الشارد، فإذا عاد هذا الشارد إليها فيوم عودته عيد عندها.
لذلك الله عزَّ وجلَّ كما في الحديث الشريف: لله أشدُّ فرحاً بتوبة عبده من الضالِّ الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد.
وقيل: "البَر.. هو الذي يحسن إلى السائلين بحسن عطائه، ويتفضَّل على العابدين بجزيل جزائه، لا يقطع الإحسان بسبب العصيان وهو الذي لا يصدر عنه القبيح، وكلُّ فعله مليح".
مرَّةً ثانية.. البَر هو الله عزَّ وجلَّ، أما البِر هو خير الدنيا والآخرة، لذلك من الأدعية اللطيفة: اللهمَّ اجعل نعم الآخرة متَّصلة بنعم الدنيا، فهناك حالات رائعة جداً.. كإنسان متَّعه الله بالصحَّة، ومتَّعه بالعمر المديد، ومتَّعه بالعمل الصالح، ومتَّعه باليقظة الفكريَّة، ومتَّعه بالحب فلما توفي انتقل إلى الجنَّة، هذه النعم العظيمة في الآخرة اتصلت بنعم الدنيا.
الله سبحانه وتعالى يقول: "مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا".
اسم البَر ورد في القرآن مرَّةً واحدة فجاء في سورة الطور: "إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ".
"إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ" هم في الجنَّة الآن ويتحدَّثون عن ربِّهم.
"نَدْعُوهُ" في الدنيا.
"إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ" أي بَرٌ رحيمٌ بنا في الدنيا والآخرة.
ورد مشتق هذا الاسم في سورة مريم، في قوله تعالى: "وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً (14)" (سورة مريم).
وفي السورة نفسها ورد على لسان سيدنا عيسى: "وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً (32)" (سورة مريم).
معنى ذلك: أنَّ الإنسان إذا أراد الله تأديبه في حياة أمِّه ربَّما كان بعضُّ هذا التأديب لأمِّه.
لذلك ورد في الأثر القدسي أنَّه إذا ماتت الأم. قال الله سبحانه وتعالى: ((عبدي ماتت التي كنا نكرمك لأجلها، فاعمل صالحاً نكرمك لأجله)).
أي أنَّ جزءًا من إكرام الله لك في حياة أُمِّك من أجل أُمِّك، لأنَّ الله إذا أدَّب عبده في حياة أُمِّه نصف التأديب لأمِّه.
فأحياناً أباً يتألَّم من ابنه فيدعو عليه، فإذا استجاب الله دعاءه تألَّم ألماً أشدَّ.. فلا تتمنَّ ذلك..
"وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا".
أيُّها القارىء الكريم... شعور الأب حينما يكون ابنه شارداً منحرفاً، شقياً، بعيداً عن الدين شعور أسًى لا يوصف، فقد يتألَّم ألماً يوجعه ويقعده، لو أنَّ الدنيا كلَّها بيديه وانفقها من أجل أن يصلُح ابنه لفعل، فمن رزقه الله ابناً صالحاً، وطاهراً، منيباً، مصلياً، عفيفًا، سلوكه حسن هذا الأب عليه أن يُقبِّل الأرض شكراً لله عزَّ وجلَّ.
سبحان الله فالإنسان كلَّما تذلل إلى الله ارتقى عند الله، فمنذ يومين أخ كريم له مشكلة كبيرة جداً، فلجأ إلى قيام الليل، يصلّي قيام الليل وفي السُّجود دعا ربَّه لحلِّ هذه المشكلة والقصَّة من أغرب القصص حُلَّت بشكلٍ هيّن ولا عنت فيه، وقد ذكر لي التفاصيل ومن غير المعقول أن تُحلُّ بهذه الطريقة، ومن شدَّة تأثُّره وبينما هو يجلس في المسجد قام وسجد لله عزَّ وجلَّ شكراً.
فالمؤمن إذا أصابه خير، أو له مشكلة حُلَّت، له قضيَّة فُرجت، أو شبح مصيبة أزيح عنه، أو شيء ناله، وقام وصلَّى لله صلاة الشكر وسجد فهذا من مكارم الأخلاق، فقد تأثَّرت.. قام وسجد وشكر الله على حلِّ هذه المشكلة.
"وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا".
ورد هذا الإسم مشتقاً في آيةٍ ثالثة في سورة عبس قال الله تعالى: "بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)" (سورة عبس).
فالبَر أي المحسن، مطلق الإحسان.. يجوز أن تقول فلان بَرٌ سعيد.. فالنبي قال: ((عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا فَالنَّاسُ رَجُلَانِ بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ قَالَ اللَّهُ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)).
قال العلماء: يجوز أن تقول فلان بَر.. فالعبد يكون براً بقدر ما يفعل من البر، وأفضل إنسان عليك أن تبرُّه أبوك وأمُّك ومن علَّمك ومن زوَّجك، فقد أتألَّم أشدَّ الألم من صهر يناصب عمَّه العِداء، فقد زوَّجك ابنته وربَّاها عشرين سنة، أطعمها وأسقاها وأكرمها وعالجها وأدّبها وقدمها لك هديَّة، فليس لك هماً بعد ذلك إلا إغاظته، فهذا منتهى اللؤم.
لذلك قالوا: أبٌ أنجبك، وأبٌ زوَّجك، وأبٌ دلَّك على الله.
أبٌ أنجبك.. الأب النسبي، وأبٌ زوَّجك.. وهو عمَّك والد زوجتك، وأبٌ دلَّك على الله وهو مَنْ أخذ بيدك إلى الهداية، فهذه الزوجة التي عندك في البيت، وهذا أبوها فإن أسأت إليه أسأت إليها، فليس هناك إنسان إلا وهو يحبّ أمَّه وأباه، فإذا أسأت إلى أُمِّها وإلى أبيها أسأت إليها، فإذا أردتَّها أن تموت في حبِّك وأنت تُسيء إلى أُمِّها وأبيها فهذا فعل إنسان غبي، واعلم أنّها لن تحبِّك، فإذا أردّت أن تُكافئها على إخلاصها بإخلاصٍ أكرم أبويها.
أُعلِّمه الرماية كلَّ يومٍ فلما اشتدَّ ساعده رماني وكم علَّمته نظم القوافي.. فلما قال قافيةً هجاني *** إذا لم يكن في الإنسان خير لأمِّه وأبيه ولمن علَّمه ولمن زوَّجه فليس فيه خير لأحد، لأنَّ هؤلاء لهم فضلٌ كبير.
وقد ذكرت ذات مرَّة مثلاً افتراضيًا والفقرة الأولى فيه واقعيَّة.. شخص يمشي في الطريق رأى حركة داخل كيس أسود في حاوية للقمامة، فأمسك به فإذا بطفل ولد لتوِّه.. وهذه القصَّة وقعت، وهذا الطفل ابن زنى أُلقي في الحاوية.. فأخذه إلى المشفى وعالجه واعتنى به وأحضره إلى بيته، وجعله أحد أفراد أسرته وأدخله المدرسة، فاجتاز المراحل الدراسيَّة من ابتدائي وإعدادي وثانوي فنبغ فأدخله كلِّية الطب، ثم أرسله إلى أمريكا، وجاء بشهادة بورد وزوَّجه ابنته واشترى له عيادة وأعطاه رأس مال، واشترى له جهازها، واشترى له سيَّارة وبيتاً وفي ذات يوم كان عمُّه يمشي في الطريق فرأى صهره يركب مركبته، فقال له: يا فلان أوصلني إلى البيت.
إنّ هذا الطبيب اللامع الذي كان داخل كيس أسود في الحاوية لو أنَّه تردد في تلبية طلب عمِّه ثانية واحدة لكان في حقِّه مجرماً.
سيِّدنا عبد الله بن رواحة عندما رأى صاحبيه قد استُشهِدا قال: يا نفس إلا تُقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليتي إن تفعلي فعلهما رضيتي وإن تولَّيتي فقد شــقيتي. *** لو حسبنا الوقت الذي قال فيهما البيتين لكان ثلاثين ثانية.. تردد؟.
فلما قال النبي: ((أخذ الراية أخوكم زيد فقاتل بها حتى قُتل، وإنّي لأرى مقامه في الجنَّة، ثم أخذها أخوكم جعفر فقاتل بها حتى قُتل وإني لأرى مقامه في الجنَّة، ثم سكت.. فقال أصحاب النبي: ما فعل عبد الله ؟ فقال: ثم أخذها عبد الله فقاتل بها حتى قُتل وإني لأرى في مقامه ازوراراً عن صاحبيه)).
درجته نزلت لتردد لعدة ثوانٍ.. ثم مات شهيداً، إحسان الله كبير جداً، فإذا ترددت في خدمة إنسان بإنفاق، أو بصدقة، أو ترددْت بأداء صلاة، أو بحضور مجلس علم فهذه مشكلة كبيرة.
قالوا: من أدب المؤمن مع هذا الإسم العظيم.. أن تكون أعماله كلُّها خيِّرةً، أي يتخلَّق بأخلاق هذا الإسم، إن فعل هذا غُرِست محبَّته في قلوب العباد.
ألوان بِرِّ الله لعباده كثيرة.. قال بعض العارفين: "سبحان ربِّي الحنان المنَّان، الذي مَنَّ على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكِّيهم ويعلِّمهم الكتاب والحكمة، والذي منَّ على المؤمنين بأن جعلهم من أصحاب اليمين، وهو الذي ألهمهم القيام بالأعمال الصالحة، وهو الذي رزقهم القبول، وقبول أحسن ما عملوا، وهو الذي يتجاوز عن سيِّئاتهم".
فالله عزَّ وجلَّ عطاؤه كبير لذلك قيل: وجدناك مضطّراً فقلنا لك: أدعُنا نُجبك..فهل أنت حقاً دعوتنا؟ دعوناك للخيرات أعرضّت نائياً فهل تلقى من يحسن لمثلك مثلنا؟ فيا خجلي منه إذا هو قال لي: أيا عبدنا ما قرأت كتابنا؟ أما تستحي منّا ويكفيك ما جرى أما تختشي من عُتبنا يوم جمعنا؟ أما آن أن تقلع عن الذنب راجعا وتنظر ما به جاء وعدنا؟ إلى متى أنت باللذات مشغولُ وأنت عن كلِّ ما قدَّمت مسؤولُ؟ *** قال العلماء: حظُّ العبد من هذا الإسم البَر أن يكون مشتغلاً بأعمال البِر، كما قال العلماء: "تخلَّقوا بأخلاق الله".
الله عزَّ وجلَّ بَر.. أي محسن، أنت ينبغي أن تشتغل بأعمال البِر، وقد جمع الله أعمال البِر في آيةٍ واحدة في سورة البقرة قال الله تعالى: "لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)" (سورة البقرة).
"لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ".
لَابُدَّ من أن تقتطع من وقتك وقتاً كي تؤمن بالله.
فالجانب الاعتقادي.. "لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ".
أما الجانب العملي أوَّله البذل.. "وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ".
أما العبادات الشعائريَّة.. "وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ".
وأما العبادات الأخلاقيَّة.. "وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ".
ولعلَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلَّم مستلهما هذه الآية قال: ((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا وَفِي الْبَاب)).
قال العلماء: من شرط البر أن تبذل الأحسن.. كما قال الله تعالى: "لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ".
وفهمكم أيها القراء الكرام كفاية..
"تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ" أحياناً أغلى شيءٍ عليك الوقت ينبغي أن تنفقه في سبيل الله، أحياناً أغلى شيءٍ عليك مكانتك يجب أن توظِّفها في خدمة الحقّ.
أيُّها القارىء الكريم... قال العلماء: مَنْ تخلُّق العبد بهذا الاسم أن يكون مشتغلاً بأعمال البِر واستباق الخيرات.. وهناك معنى سلبي.. وألا يضمر الشرَّ لأحد وألا يؤذي أحدًا، فإنَّ البَر هو الذي لا يؤذي.
((عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبيَّ صلّى الله عليه وسلَّم يقول: البِرُّ لا يبلى، والذنب لا يُنسى، والديَّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تَدين تُدان)).
أي أنَّ المؤمن معطاء، وغير المؤمن أخَّاذ، المؤمن بالتعبير الحديث اتخذ قرارًا إستراتيجيًا أن يُعطي.. يُعطي من وقته ومن ماله ومن خبرته، والكافر بُنيته مبنيَّة على الأخذ.
لا زلنا في الحديث عن أدب المؤمن مع اسم البَر.. قالوا: المؤمن متى عرف أنَّ الله هو البَرُّ الرحيم ينبغي أن يكون باراً بكلِّ أحد كما يقول الإمام القشيري، لا سيَّما بوالديه لحديث: رضا الربِّ في رضا الوالدين، وسخْطه في سخطهما.
حُكي عن موسى عليه السلام لَمَّا كَلَّمَهُ رَبُّهُ رأى رَجُلاً في أعلى مكانةٍ عند الله فتعجَّبَ من عُلوِّ مكانته، فقال: يا رب.. بِمَ بلغ هذا العبدُ ذاك المكان!؟ فقال: إنَّه كان لا يحسُد عبداً من عبادي على ما آتيته، وكان بَرَّاً بوالديه.
لأنَّ الله عزَّ وجلَّ قال: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23)" (سورة الإسراء).
قالوا: مَنْ كان الله باراً به عصم عن المخالفات نفسه، وأدام بفنون اللطائف أُنسه ووفَّر في طريقه اجتهاده، وجعل التوفيق زاده، وجعل قصده سداده، ومنبع سلوكه إرشاده وأغناه عن أشكاله بأفضاله، وحماه عن مخالفته بيمن إقباله.
هذا الإسم متعلِّق بالإحسان، بالحركة، فأحياناً تجد المؤمن له خصائص عقائديَّة، أو خصائص أخلاقيَّة، وكذلك خصائص سلوكيَّة، أي أنَّك حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، ماذا فعلت؟
أنواع البِر لا تُعدُّ ولا تُحصى، فهناك المساكين والفقراء، وهناك العناية بالأيتام والأرامل، وهناك معاونة العجزة، وأيضاً هناك الدعوة إلى الله، والأمرّ بالمعروف، وتعليم العلم وتعلُّم العلم، فأنواع البرّ لا تعد ولا تحصى، فالاسم حركي، أي أنّ هذا الإسم متعلِّق بأعمالك الصالحة، ولا تنس أن حجمك عند الله بحجم أعمالك الصالحة.
الله سبحانه وتعالى يقول: "وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19)" (سورة الأحقاف). والحمد لله رب العالمين.
|
|