أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: عَلّمَنِـي أَبِـي الثلاثاء 19 ديسمبر 2017, 2:38 am | |
| عَلّمَنِــــــــــــــــي أَبِــــي كتبه: ابنٌ يرجو بِرَّ والديه =============== بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله الآمر بالبر والإحسان وصلاةً وسلاماً على أبر خلق الرحمن وعلى آله وصحبه أولي العلم والعرفان.
رحمة من الله أن يُوفَّق المرء للحديث عن والده فينشر آثاره، ويكتب طرفاً من سيرته، ويُعرّف الناس ببعض مزاياه ليقتدي به من بعده، وينتفع من يقرأ سيرته.
وإنني لأجد نفسي في سعادة عظمى ورحمة كبرى وأنا أخط بقلمي هذه المآثر لأعز خلق الله عندي ومن له فضل عليّ في كل ذرة من حياتي، وفي كل خير أنا فيه، وكم كان سبباً في دفع الشرور عني.
وإني لأكتب -هنا- وأنا مقرٌ بتقصيري تجاهه مفرّط بحقوقه ولكنني أسأل الله العفو وأن يرزقني تدارك هذا التقصير.
الحياة مع الوالد نعمةٌ كبرى لا يعرف قدرها إلا من فقدها، وحُرم العيش معه، فهنيئاً لمن أدرك وبر، وسلام على حُرم من والده ولم يدركه، وجبر الله حال من أدرك ولم يغتنم.
سيدي الوالد.. رجل عظيم بكل معاني العظمة فهو الأب العطوف الرحيم، والرجل العصامي المتحمّل للمسؤلية، والإنسان الوفيّ الطاهر الزكي.
ووالله كم فيه من صفات أتمنى أن تكون فيّ وأن أجعلها في حياتي.
أبٌ قريبٌ من جميع أبنائه، ومرب عجيب في فعاله قبل أقواله، طيب المعشر، قريب المأخذ، سهل التعامل، طاهر الجنان.
وهاك طرفاً من سيرته ودروساً من حياته أرجو الإنتفاع بها: سيدي الوالد وبره العجيب إنّ من أنصع صور الوالد العطرة -بره بوالديه- فقد كان شديد البر لهما مطيعاً أعظم الطاعة حنوناً عطوفاً رفيقاً بهم لا يكاد يرد لهم طلباً ولا يعصي لهما أمرا وقد عوّضه الله بأبناء -أحسبهم يسعون في بره والإحسان إليه-.
يكفي من صور بره بوالديه أنّ آخر حياة والديه كانت ببيته فتموت والدته وهي عنده في بيته وتحت رعايته ويموت والده وهو بجواره في المستشفى لم يفارقه فيها لحظة -ومات بين يديه- بعد أن عاش آخر حياته في بيته قائماً على خدمته.
فهنيئاً لِمَنْ ختم والديه حياتهما وهو بهذا الحال، ولا يكون هذا الختام إلا عرف والداه منه العطف والحنان والشفقة والرحمة فطلبا قربه.
"وله صور من البر يضيق المقام عن ذكرها".
سيدي الوالد.. رجل قد رزقه الله لين قلب وقرب الدمعه وحناناً لم أره إلا في القليل من الناس فلا يكاد يرى موقفاً مؤثراً إلا وتسبقه دمعاته وتفيض عبراته.
ولين القلب صفة من صفات الرحمة التي وعد الله بها أهلها الجنة فمن صفاتهم -كما جاء في الحديث-: "ورجل رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم".
فهنيئاً له هذه الصفة وجعلها الله عاجل بشرى له.
سيدي الوالد رجلٌ قد فاق الناس بزهده وعدم مبالاته بالدنيا أقبلت أم أدبرت، كثرة أو قلة مع أنه كان بإمكانه أن يكون صاحب مالٍ وفير، وأذكر أنني جلست معه يوماً فجاء ذكر الدنيا فقال: "والله يابني لا أريد من الدنيا إلا لباسي الذي عليّ فقط".
ومن وقتها لم أنس هذه الكلمة وعرفت أي زهد يحمله قلبه.
سيدي الوالد رجلٌ بعيداً كل البعد عن اللوم -وكم كان اللوم سبباً لتنفير الأبناء من الآباء- ولا أذكر أنّه لام أحداً إلا في النزر اليسير وفي أضيق الأحوال، والسبب في ذلك أنه رجلٌ يحمل القلب الكبير الذي يسع خُلقه الجميع، ومن تأمّل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد هذا الخُلق ظاهراً فيه.
سيدي الوالد رزقه الله عفة اللسان تلك الصفة التي غدى أصحابها أندر من الكبريت الأحمر في زماننا، فأين الذين تسلم مجالسهم من الفتك في خلق الله والوقوع في أعراضهم ولكنّ والدي -حماه الله- قد رزقه الله النفرة من هذا الخُلُق المشين والصفة المذمومة فلا يكاد يقع في أحد وينهى من يقع في غيره.
سيدي الوالد قد رزقه الله سلامة القلب فلا أعرف له خصومة مع أحدٍ البتة ولا أذكر أنه قاطع أحد طيلة حياته -ولعمر الله هذه منقبة عظيمة قلما يتصف بها أحد- وما ذاك إلا لسلامة قلبه وتجرده عن الإنتصار لذاته وهي صفة قد جعلها الله للأخيار من عباده -زاده الله بها رفعة- ومن آثار هذا أنه عاش طيب النفس مرتاح البال متهنئاً في معيشته فيارب ارفع له بها الدرجات.
سيدي الوالد وَصُولاً لِرَحِمِهِ فهو قريب من إخوانه وأخواته يزورهم ويزورنه في بلده الذي يقيم فيه ويتصل على البعيد منهم بين الفينة والأخرى ويتواصل حتى مع الأبعدين من القرابة في المناسبات ولا يتنظر رد صلة من أحد ولنا قرابة من بعيد يتصل بهم في كل مناسبة وأذكر أنه قال لي مرةً: تعلم يا بني أني لا أذكر أنهم أتصلوا بي ومع هذا لم يقطع الإتصال بهم، فلله دره كم تعلمت منه من دروس!
سيدي الوالد قريباً لرأي أولاده كثيراً لقبوله في مسائل كثيرة، ومن المواقف في هذا الباب أنّه ورث مالاً فأشار عليه أحد أبنائه أن يبني مسجداً لله فما تلكأ وما تردد لحظة بل لا أبالغ أن أقول أنه بمجرد أن قال له ابنه نريد أن تبني مسجداً رد مباشرة قائلاً توكل على الله وتبرع بثلث ماله لبناء مسجد، والعجيب في تبرعه هذا أنه لم يذكره لأحدٍ البتة بل لمّا صُوّر المسجد وجعلت الوالدة تقول للحاضرين هذا مسجد والدكم تضايق وأنكر عليها لأنني أحسبه يريده لله، فهنيئا له هذه الصدقة الجارية "ودعوة للأبناء أن يبروا بآبائهم بدلالتهم على الخير وحثهم بأن يُبقوا لهم صدقات جارية من بناء مسجد أو نحوه".
أحبتي الصور الناصعة في حياة والدي كثيرة جداً ويضيق المقام عن ذكرها ولكنني سطرت هنا بعضها محتسباً أنّها من نشر الخير له أرجو بها بره وليُقتدى به من بعده وأسأل الله أن يغفر لي تقصيري معه وأن يرزقني الوفاء بحقه إنّه جوادٌ كريم. "وسلامٌ على والدي يوم وُلِد ويوم يموت ويوم يُبعث حياً". ================ كتبه / ابنٌ يرجو بر والديه. |
|