منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 الفصل الرابع

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفصل الرابع Empty
مُساهمةموضوع: الفصل الرابع   الفصل الرابع Emptyالأحد 17 ديسمبر 2017, 7:41 am

الفصل الرابع
ما يفعله الحي بعد الميت
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: البكاء على الميت.
المبحث الثاني: إهداء ثواب الأعمال للميت.
المبحث الثالث: النعي وحكمه.

المبحث الأول
البكاء على الميت
إن الله -تعالى- لما خلق الإنسان ركب فيه مجموعة من الصفات، ومن هذه الصفات صفة الرحمة، والعطف، والشفقة واللين، والحب والبغض، والفرح والحزن، والضحك والبكاء، وجعل هذا الإنسان يتقلب بين هذه الصفات، ومن هذا الصفات صفة هي في حق الإنسان صفة كمال، ألا وهي صفة (الرحمة)، والله -تعالى- امتدح المؤمنين برقة قلوبهم، ورحمتهم لغيرهم.

قال الله -تعالى- في معرض ذكر صفات أصحاب النبي محمد (صلى الله عليه وسلم):
"مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا” (1).

وذَمَّ أعداءه بقسوة قلوبهم، قال الله -تعالى-:
"ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ” (2).

وإن من صفات المؤمنين الرحمة والشفقة على المؤمنين وغير المؤمنين (3).

قال الله -تعالى-:
"مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا” (4).
------------------------------------------
 (1) سورة الفتح آية: 29.
 (2) سورة البقرة آية: 74.
 (3) من محبتهم الخير للغير، والنصح للمسلم والكافر.
 (4) سورة الفتح آية: 29.


وإن مما يُعَبِّرُ عن النفس، والقلب من الفرح والغم، والألم والهم، ما يظهر على الإنسان من تغيُّر في ظاهره، ومن ذلك ما يخرج من مقلتي الإنسان، بل أحياناً لا يُبرِّد ما في الفؤاد، ويطيب ما في النفس إلا تلك الدمعات التي تخرج من تلك النفس، لا العين، فإنما العين مجرى والنفس معبرة.

ومن المواقف التي لا يتمالك الإنسان فيها نفسه، بل مهما تصَبَّر لا يعلم إلا وتلك العبرات تغصه، وتلك الدمعات تنهمر، لأنها دمعات رحمة وشفقة، وألم على فراق لا لقاء بعده في الدنيا، بل لو بقيت في تلك النفس المكلومة لأدت إلى إضرارٍ بها.

فمن تلك المواقف فقْدُ حبيب، أو قريب، أو صاحب أو جليس، فلا يعبر عن ذلك الفَقْد، ولا يطيب تلك النفس، ولا المشاعر إلا الدموع؛ فيارب اربط على القلوب، وثبت الأفئدة (1).

فمسألتنا هنا حكم البكاء على الميت:
يجوز البكاء على الميت ثلاثة أيام، بشرط ألاَّ يكون في ذلك البكاء نواح، ولا جزع، ولا تسخط، سواءٌ كان قبل الدفن أو بعده، وذلك بالاتفاق (2).
------------------------------------------
 (1) وليعلم أن القضية ليست قضية عواطف، بل إن الله خلق هذه النفس وهذبها، وركب فيها الرحمة والشفقة، والفرح والسرور ولم يكلفها ما لا تطيق، فكتم الدموع أحياناً تكليف بما لا يطاق، ومشقة وحرج على العبد؛ والشريعة جاءت لرفع المشقة، ونفي الحرج عن المكلف.
 (2) رد المحتار على الدر المختار (3/145)، مغني المحتاج (1/355)، المهذب (5 /279-281)، المغني (3/487)، الشرح الكبير (1/421)، الفروع (2/226)، شرح الزركشي (2/351)، المبدع (2/287)، الإنصاف (2/399)، المحلى (ص: 499 رقم المسألة 589)، نيل الأوطار (4/119)، شرح مسلم للنووي (6/325).


ونقل الإجماع على ذلك الإمام النووي (ت676هـ) -رحمه الله تعالى- فقال:
(وأجمعوا كلهم على اختلاف مذاهبهم على أن المُراد بالبكاء هنا البكاء بصوت ونياحة لا مجرد دمع العين) (1).

الأدلة على جواز البكاء:
1- ما جاء في الصحيحين عن -رضي الله عنه- قال دخلنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على أبي سيف القين وكان ظِئْرَاً لإبراهيم عليه السلام، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إبراهيم فقبَّله وشمَّه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تذرفان فقال له عبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنه-: وأنت يا رسول الله، فقال: "يا ابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى فقال (صلى الله عليه وسلم): إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يُرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون” (2).
------------------------------------------
 (1) شرح مسلم للنووي (6/325)
 (2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز: باب قول النبي (صلى الله عليه وسلم): “إنا بك لمحزونون” (فتح 4/524 برقم 1303) وهذا لفظ البخاري، وأخرجه مسلم في كتاب الفضائل باب: رحمته (صلى الله عليه وسلم) الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك (4/1807 برقم 2315).


قال الحافظ ابن حجر (ت852هـ) -رحمه الله تعالى-:
(قوله: (وأَنتَ يا رسول اللَّه)؟ قال الطِّيبِيّ: فيه معنَى التعجُّب, والواو تستدعي معطُوفاً عليه، أَي النَّاس لا يصبرون على المُصيبة وأَنت تفعل كفعلهم, كأَنَه تعجَّب لذلك منه مع عهده منه أنهُ يحث على الصّبر وينهى عن الجزع, فأَجابَه بقوله: "إنها رحمة” أَي الحالة الَّتي شاهدتها منِي هي رقة القلب على الولد لا ما توهمت من الجزع) (1).

قال النووي (ت676هـ) -رحمه الله تعالى-:
(فيه جواز البُكاء على المريض والحزن, وأَنّ ذلك لا يخالف الرِّضا بالقدر, بل هي رحمة جعلها اللَّه في قلُوب عباده, وإنَما المذموم النَّدب والنياحة, والويل والثُّبُور, ونحو ذلك من القول الباطِل, ولهذا قال (صلى الله عليه وسلم): "ولا نقول إلا ما يُرْضي ربّنَا” (2).

2- عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال:
شهدنا بنتاً لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال: ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) جالس على القبر قال: فرأيت عينيه تدمعان فقال: “هل منكم رجل لم يُقارف (3) الليلة؟ فقال أبو طلحة: أنا قال: “فانزل” قال: فنزل في قبرها (4).
------------------------------------------
 (1) فتح الباري (4/526).
 (2) شرح النووي (15/109 رقم الحديث 2315).
 (3) قال ابن حزم: (المقارفة الوطء، لا مقارفة الذنب، ومعاذَ اللهِ أن يتزكَّى أبو طلحة بحضرة النبي (صلى الله عليه وسلم) بأنه لم يُقارف ذنباً، فصح أن مَنْ لم يطأ تلك الليلة أولى من الأب والزوج وغيرهما) (المحلى ص: 498 المسألة رقم 585).
 (4) أخرجه الإمام أحمد (3/229)، وأخرجه البخاري في كتاب الجنائز: باب قول النبي (صلى الله عليه وسلم) يُعذَّب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النَّوح من سُنَّتِه” (الفتح 3/496 برقم 1285)، وباب من يدخل قبر المرأة (الفتح 3/570 برقم 1342).


فهذا الحديث فيه دليل على جواز البكاء على الميت، فهذا النبي (صلى الله عليه وسلم) جالس على القبر وعيناه تدمعان (صلى الله عليه وسلم) على بنته التي ماتت.

3- عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال:
كان ابن لبعض بنات النبي (صلى الله عليه وسلم) يقضي فأرسلت إليه أن يأتيها فأرسل "إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل إلى أجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب” فأرسلت إليه فأقسمت عليه فقام رسول الله (صلى الله عليه وسلم)  وقمت معه، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وعبادة بن الصامت، فلما دخلنا ناولوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الصبي ونفسه تقعقع (1) في صدره، حسبته قال: كأنها في شنة فبكى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؛ فقال: سعد بن عبادة  -رضي الله عنه- أتبكي فقال: “إنما يرحم الله من عباده الرحماء” (2).

قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى:
(إن مجرد البكاء ودمع العين ليس بحرام ولا مكروه بل هو رحمة وفضيلة، وإنما المُحَرَّمُ النُّوَاحُ، والنَّدْبُ، والبُكاء المقرون بهما أو بأحدهما) (3).
------------------------------------------
 (1) قال ابن الأثير: (أي تضطرب وتتحرك؛ أراد: كلما صار إلى حال لم يلبث أن ينتقل إلى أخرى تُقَرِّبُه إلى الموت). النهاية (4/88)، مادة: قعقع. وقال السندي في حاشيته على النسائي (4/322): القَعْقَعَة حكاية صوت الشَّنِّ اليابس إذا حرِّك شبَّه البدن بالجِلد اليَابس الخَلِقِ وحركة الرُّوح فيه بما يُطرح في الجلد من حصاة أو نحوها.
 (2) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد: باب قوله (الفتح  15/307 برقم 7377)، وأخرجه مسلم في كتاب الجنائز: باب البكاء على الميت (2/635 برقم 923)، وأخرجه أبو داود في كتاب الجنائز: باب في البكاء على الميت (3/251 برقم 3125)، وأخرجه النسائي في كتاب الجنائز: باب الأمر بالاحتساب والصبر على المصيبة (4 / 321-322 برقم 1867)، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى في كتاب الجنائز: باب الرغبة في أن يتعزى بما أمر الله-تعالى-به من الصبر والاسترجاع (4/ 108-109 برقم 7129).
 (3) شرح مسلم (6/ 319).


قال الإمام ابن خليفة الأبي (1) (ت 827هـ) -رحمه الله تعالى-:
(ظن سعد أن جميع أنواع البكاء حرام حتى دمع العين دون صوت، وظن أنه (صلى الله عليه وسلم) نسي فذكره، فأعلمه (صلى الله عليه وسلم) أن دمع العين دون صوت ليس بحرام، وإنما الحرام من البكاء ما صاحبه الصوت، ومعنى كونه رحمة أنه تسبب عن رحمة أي عن رقة القلب) (2).

4- عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال:
اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتاه النبي (صلى الله عليه وسلم) يعوده مع عبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبدالله بن مسعود -رضي الله عنهم- فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله فقال: “قد قضى قالوا: لا يا رسول الله، فبكى النبي (صلى الله عليه وسلم)، فلما رأى القوم بكاء النبي (صلى الله عليه وسلم) بكوا فقال: ألا تسمعون إن الله لا يُعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يُعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم، وإن الميت يُعَذَّبُ ببكاء أهله عليه” (3).
------------------------------------------
 (1) ابن عمر التونسي الألبيري القرطبي الوشتاتي أبو عبدالله المالكي المشهور بالأبي (نسبة إلى قرية بتونس)، محدث، حافظ، فقيه، مفسر، ناظم، ولي قضاء الجزيرة، وله مصنفات كثيرة منها: الدرة الوسطى في مشكل الموطَّا، و (شرح فروع ابن الحاجب)، و (شرح المدونة في فروع الفقه المالكي)، وكتاب (تفسير القرآن)، توفي -رحمه الله تعالى- سنة (827 أو 828هـ).
 (2) إكمال إكمال المعلم (2/320).
 (3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز: باب البكاء عند المريض (الفتح 3/527 برقم 1304)، وأخرجه مسلم في كتاب الجنائز: باب البكاء على الميت (2/636 برقم 924) وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى في كتاب الجنائز: باب سياق أخبار تدل على أن الميت يعذب بالنياحة عليه... (4/119 برقم 7166 ،7165).


ففي هذا الحديث إشارة إلى أن العبد لا يُعَذَّبُ بالبكاء المجرد، إنما إذا شارك البكاء نياحة، أو تسخط، أو اعتراض على قضاء الله وقدره، فيكون بذلك التعذيب، فيفرق بين الحالتين.

قال الحافظ ابن حجر (ت852هـ) -رحمه الله تعالى-:
(وفيه إشارة إلى أنه فهم من بعضهم الإنكار، فبَيَّنَ لهم الفرق بين الحالتين) (1).

5- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:
زار النبي (صلى الله عليه وسلم) قبر أمه فبَكى وأبْكى مَنْ حَوْلَهُ فقال: “استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يُؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تُذَكِّرُ الموت” (2).

قال القاضي:
(بُكَاؤه (صلى الله عليه وسلم) على ما فاتها من إدراك أيامه, والإيمان به) (3).
------------------------------------------
 (1)  فتح الباري (3/528).
 (2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز: باب استئذان النبي (صلى الله عليه وسلم) ربه -عز وجل- في زيارة قبر أمه (2/671 برقم 976)، وأخرجه أبو داود في كتاب الجنائز: باب في زيارة القبور (3/287 برقم 3234)، وأخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز: باب ما جاء في زيارة قبور المشركين (1/501 برقم 1572)، وأخرجه النسائي في كتاب الجنائز: باب زيارة قبر المشرك (4/395 برقم 2033)، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى في كتاب الجنائز: باب زيارة القبور (4/ 127-128 برقم 7192).
 (3) شرح مسلم للنووي (7/65).


ففي هذا الحديث دليل على جواز البكاء على الفائت، وفيه محبة الخير للغير، ولو كان هذا الغير كافراً، وأولى مَنْ ينبغي تقديم الخير لهم ودعوتهم أقارب الإنسان، وأقربهم الأم والأب.

وفيه دليل على جواز زيارة قبور المشركين، لأخذ العبرة والعظة من حالهم، وتذكر نعمة الله -تعالى- على العبد بأن هداهُ لهذا الدين العظيم، مع العلم بأنه يَحْرُمُ الدُّعاء لهم بالمغفرة والاستغفار لهم، والترحم عليهم، لأنهم ليسوا من أهل الرحمة، والمغفرة.

6- عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- قال:
لما قُتِلَ أبي جعلتُ أكشف الثوب عن وجهه أبكي وينهوني عنه والنبي (صلى الله عليه وسلم) لا ينهاني، فجعلت عمتي فاطمة تبكي فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): "تبكين أو لا تبكين ما زالت الملائكة تُظِلُّهُ بأجنحتها حتى رفعتموه” (1).

قال الإمام الشوكاني (ت1250هـ) -رحمه الله تعالى-:
(فيه دليل على جواز البكاء الذي لا صوت معه) (2).
------------------------------------------
 (1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز: باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه (الفتح 3/45 برقم 1244)، وأخرجه مسلم في كتاب الفضائل: باب من فضائل عبدالله بن عمرو بن حرام والد جابر -رضي الله عنهما- (4/1918 برقم 2471)، وأخرجه النسائي في كتاب الجنائز: باب في البكاء على الميت (4/311 برقم 1844).
 (2) نيل الأوطار (4/119).



7 - عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال:
خطب (صلى الله عليه وسلم) فقال: “إن الله خَيَّرَ عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله"، فبكى أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، فقلت في نفسي: ما يُبْكِي هذا الشيخ إن يكن الله خَيَّرَ عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله، فكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هو العبد وكان أبو بكر أعلمنا، قال: "يا أبا بكر لا تبكِ إن أمن (1) الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سُدَّ إلا باب أبي بكر” (2).

وأما سبب بكـاء أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- فقد قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى-:
(وكان أبو بكر -رضي الله عنه- علم أن النبي (صلى الله عليه وسلم) هو العَبْدُ المُخَيَّرُ, فبكى حُزناً على فراقه, وانقطاع الوحي, وغيره من الخير دائماً) (3).

ففيه جواز البكاء على الحبيب والقريب، إذا علم العبد بقرب موته (4)، أو عند موته، وذلك ظاهر من بكاء أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-.
------------------------------------------
 (1) قال القرطبي: (هو من الامتنان، والمراد أن أبا بكر له من الحقوق ما لو كان لغيره لامتن بها، يؤيده قول ابن عباس -رضي الله عنهما-: “ليس أحد أمنَّ علي” والله أعلم) فتح الباري (2/143 حديث رقم 466).
 (2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة: باب الخوخة والممر في المسجد (الفتح 2/13 برقم 466)، وفي كتاب مناقب الأنصار: باب هجرة النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه (الفتح 7/632 برقم 3904)، وأخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي بكر الصديق (4/1854 برقم 2382)، وأخرجه الترمذي في كتاب المناقب: باب مناقب أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- (5/ 607-608 برقم 3659).
 (3) شرح مسلم للنووي (15/ 215).
 (4) كأن يكون الإنسان مريضاً مرضاً عُجِزَ عن علاجه، أو في سَكَرَاتِ الموت أو غير ذلك.



8- وعن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي (صلى الله عليه وسلم) قالت:
أقبل أبو بكر -رضي الله عنه- على فرسه من مسكنه بالسُّنْح حتى نزل، فدخل المسجد فلم يُكَلِّمَ الناس حتى دخل على عائشة -رضي الله عنها- فتيمَّمَ النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو مُسَجَّى ببُرد حبرة فكشف عن وجهه، ثم أكَبَّ عليه فقبَّله، ثم بكى فقال: بأبي أنت يا نبي الله، لا يجمع الله عليك موتتين أما المَوْتَةَ التي كُتِبَتْ عليك فقد مِتَّهَا) (1).

فهذا -خير الأمة بعد رسولها (صلى الله عليه وسلم)- أبو بكر -رضي الله عنه- يبكي على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعد موته، ويُقَبِّلَهُ، مما يدل على جواز ذلك.

قال الإمام الألباني -رحمه الله تعالى-:
(ويجوز لهم -أي أهل الميت- كشف وجه الميت وتقبيله) (2).

9- وعن أنس -رضي الله عنه- قال:
لَمَّا ثَقُلَ النبي (صلى الله عليه وسلم) جعل يتغشَّاه فقالت فاطمة -رضي الله عنها-: واكرب أباه فقال لها (صلى الله عليه وسلم): "ليس على أبيكِ كربٌ بعد اليوم"؛ فلمَّا مات قالت: (يا أبتاه أجاب رباً دعاه، يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه؛ فلما دُفِنَ قالت فاطمة -رضي الله عنها-: يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثُوا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) التُّراب؟!) (3).

وفي رواية النسائي عن أنس -رضي الله عنه-:
أن فاطمة -رضي الله عنها- بكت على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين مات فقالت: (يا أبتاه من ربه ما أدناه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه) (4).
------------------------------------------
 (1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز: باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه (الفتح 3/448-449 برقم 1241)، وفي كتاب المغازي: باب مرض النبي (صلى الله عليه وسلم) ووفاته (الفتح 7/493 برقم 4452-4453)، وأخرجه النسائي في كتاب الجنائز: باب تقبيل الميت (4/309 برقم 1840).
 (2) أحكام الجنائز (ص: 31).
 (3) أخرجه البخاري في كتاب المغازي: باب مرض النبي (صلى الله عليه وسلم) ووفاته (الفتح 8/498 برقم 4462).
 (4) أخرجه النسائي في كتاب الجنائز: باب في البكاء على الميت (4/311 برقم 1843).


فهذه بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تبكي عليه (صلى الله عليه وسلم) بعد موته، ولو كان ممنوعاً لنهاها الرسول (صلى الله عليه وسلم) قبل موته، لأنها بكت عليه قبل موته، ونعَتْه لكن بصوت منخفض.

قال الإمام الشوكاني (ت1250هـ) -رحمه الله تعالى-:
(قال الكرماني: ليس هذا من نوح الجاهلية من الكذب ورفع الصوت وغيره، إنما هو ندبة مباحة انتهى) (1).

10- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:
مات ميت من آل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فاجتمع النساء يبكين عليه فقام عمر -رضي الله عنه- ينهاهن ويطردهن فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “دعهن يا عمر فإن العين دامعة والقلب مصاب والعهد قريب” (2).

وقد بوب النسائي (ت 303هـ) -رحمه الله تعالى- على هذا الحديث باب الرخصة في البكاء على الميت (3).

قال الإمام السيوطي (ت911هـ) -رحمه الله تعالى-:
عند قوله (صلى الله عليه وسلم): (فإن العين دامعة) ففيه أن بكاءهن كان بدمع العين لا بالصّياح فلذلك رُخِصَ في ذلك، وبه يحصل التوفيق بين أحاديث الباب والله أعلم بالصواب) (4).
------------------------------------------
 (1) نيل الأوطار (4/130).
 (2) أخرجه الإمام أحمد (2/110)، وأخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز باب: ما جاء في البكاء على الميت (1/505-506 برقم 1587)، وأخرجه النسائي في كتاب الجنائز: باب الرخصة في البكاء على الميت (4/318 برقم 1858)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (8/95-96 رقم 3603)، وضعيف سنن النسائي (ص: 68 برقم 1859)، وضعيف ابن ماجه (ص: 123برقم 1609).
 (3) سنن النسائي بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي (4/318).
 (4) المصدر السابق.



وقال ابن حزم الظاهري (ت456هـ) -رحمه الله تعالى-:
(والصبر واجب، والبكاء مباح، ما لم يكن نوح، فإن النوح حرام، والصياح وخمش الوجوه وضربها، وضرب الصدور، ونتف الشعر وحلقه للميت: كل ذلك حرام) (1).

وقال الإمام محمد الزركشي (ت772هـ) -رحمه الله تعالى-:
(إذا تجرد البكاء عن الندب والنياحة لم يكره) (2).

وقال الشيخ إبراهيم الضويان (ت1353هـ) -رحمه الله تعالى-:
(أخبار النهي محمولة على بكاء معه ندب، أو نياحة، قال المجد: أو أنه كره كثرة البكاء والدوام عليه أياماً كثيرة) (3).

11- عن عبدالله بن جعفر قال:
أمهل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) آل جعفر ثلاثاً أن يأتيهم، ثم أتاهم فقال: “لا تبكوا على أخي بعد اليوم...) الحديث (4).
------------------------------------------
 (1) المحلى (ص: 499 رقم المسألة 589).
 (2) شرح الزركشي (2/351).
 (3) منار السبيل (1/249).
 (4) أخرجه أبو داود في كتاب الترجل: باب في حلق الرأس (4/109 برقم 4192)، وأخرجه النسائي في كتاب الزينة: باب حلق رؤوس الصبيان (8/564 برقم 5242)، وأخرجه البغوي في شرح السنة (5/46)، وصححه الألباني في أحكام الجنائز (ص: 32) وقال: (إسناده صحيح على شرط مسلم).


ففي هذا الحديث جواز البكاء على الميت ثلاثة أيام، ولا يزيد على الثلاث.

قال السندي (ت1138هـ) -رحمه الله تعالى- عند معنى إمهاله (صلى الله عليه وسلم) لأبناء جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: (أي اتركهم يبكون حين جاء خبر موته) (1).

وقال العلامة أبو الطيب العظيم أبادي (ت قبل 1322هـ) -رحمه الله تعالى-:
عند شرحه لأمر النبي (صلى الله عليه وسلم) لعبدالله بن جعفر -رضي الله عنه- بقوله: (أمهل آل جعفر) قال: أي اترك أهله بعد وفاته يبكون ويحزنون عليه (ثلاثًا ): أَي ثلاث ليالٍ؛ قال القاري: وهذا هو الظّاهر المناسب لظلمات الحزن، مع أنّ الليالي والأيام متلازمان، وفيه دلالة على أنّ البكاء والتحزُّن على الميت من غير نُدْبَة وَنِيَاحَة جائز ثلاثة أيام) (2).

وقال الإمام الألباني -رحمه الله تعالى-:
(ويجـوز لهم -أي أهل المـيت- كشف وجه الميت وتقبيله، والبكاءُ عليه ثلاثة أيام) (3).
------------------------------------------
 (1) سنن النسائي بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي، وحاشية الإمام السندي (8/564 رقم الحديث 5242).
 (2) عون المعبود (11/146).
 (3) أحكام الجنائز (ص: 31).



مسألة: هل يُعَذَّبُ الميت ببكاء أهله عليه؟
هذه المسألة سبب إيرادها ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وسلم) كما في حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتاه النبي (صلى الله عليه وسلم) يعوده مع عبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهم، فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله فقال: “قد قضى” قالوا: لا يا رسول الله فبكى النبي (صلى الله عليه وسلم) فلما رأى القوم بكاء النبي (صلى الله عليه وسلم) بكوا فقال: “ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم، وإن الميت يُعَذَّبُ ببكاء أهله عليه” (1).

فيظهر من هذا الحديث والأحاديث السابقة التعارض، والصحيح ألا تعارض بين القرآن وبين السنة، ولا بين السنة والقرآن، ولا بين السنة والسنة، والجمع ممكن بينهما، لكن إذا حدث التعارض فيما يظهر للإنسان من أول وهلة فحل هذا التعارض سهل لا إشكال فيه (2).

فظاهر هذا الحديث يتعارض مع الأحاديث السابقة، ومع قوله تعالى: "قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ” (3).
------------------------------------------
 (1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز: باب البكاء عند المريض (الفتح 3/527 برقم 1304)، وأخرجه مسلم في كتاب الجنائز: باب البكاء على الميت (2/636 برقم 924).
 (2) ومعلوم أنه لو ظهر تعارض بين نصين من نصوص الشريعة فإنه يذهب إلى الجمع بينهما، فإن لم يمكن الجمع بينهما ذهب إلى الترجيح، فإن لم يمكن ذلك، يذهب بعد ذلك إلى النسخ.
 (3) سورة الأنعام آية: 164.


وقد اختلف العلماء في الإجابة عن ذلك على ثمانية أقوال، وأقربها إلى الصواب قولان: الأول:
ما ذهب إليه الجمهور (1)، وهو محمول على مَنْ أوصى بالنوح عليه، أو لم يوصِ بتركه، مع علمه بأن الناس يفعلونه عادةً، ولهذا قال عبدالله بن المبارك: (إذا كان ينهاهم في حياته ففعلوا شيئاً من ذلك بعد وفاته، لم يكن عليه شيءٌ)، والعذاب عندهم بمعنى العقاب.

الثاني:
أن معنى ((يُعَذَّبْ)) أي يتألّم بسماعه بكاء أهله ويرق لهم ويحزن، وذلك في البرزخ، وليس يوم القيامة؛ وإلى هذا ذهب محمد بن جرير الطبري وغيره، ونصره ابن تيمية، وابن القيم وغيرهما؛ وقالوا: (وليس المراد أن الله يعاقبه ببكاء الحي عليه، والعذاب أعم من العقاب كما في قوله (صلى الله عليه وسلم): "السفر قطعة من العذاب"، وليس هذا عقاباً على ذنب، وإنما هو تعذيب وتألم) (2).

ورجَّحَ هذا القول الإمام القرافي (ت684هـ) -رحمه الله تعالى- فقال:
(وهذا الوجه عندي هو الفرق الصحيح، ويبقى اللفظ على ظاهره، ويُستغنى عن التأويل، وتخطئة الراوي، وما ساعده الظاهر من الأجوبة كان أسعدها، وأولاها) (3).
------------------------------------------
 (1) المجموع (5/282)، المغني (3/494)، شرح مسلم للنووي (5/325)، نيل الأوطار (4/125).
 (2) أحكام الجنائز للألباني (ص: 41-42).
 (3) الفروق للقرافي (2/296).


قال الإمام النووي (ت676هـ) -رحمه الله تعالى-:
(وإلى هذا ذهب محمد بن جرير الطّبري وغيره. وقال القاضي عياض: وهو أولى الأَقوال, واحتجوا بحديث فيه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) زجر امرأة عن البكاء على أبيها وقال: “إن أحدكم إذا بكى استعبر له صويحبه فيا عباد اللَّه لا تُعَذِّبوا إخوانكم” (1).

وقد حكى النووي -رحمه الله تعالى- إجماع العلماء على اختلاف مذاهبهم، على أن المُراد بالبكاء الذي يُعَذِّبُ الميت هو البكاء بصوت ونياحة، لا بمجرد دمع العين (2).
------------------------------------------
 (1) شرح مسلم للنووي (5 /325)؛ وانظر سبل السلام (2/235).
 (2) المجموع (5/282)، وانظر نيل الأوطار (4/128).



الفصل الرابع 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 02 مايو 2021, 2:47 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفصل الرابع Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الرابع   الفصل الرابع Emptyالأحد 17 ديسمبر 2017, 8:16 am

المبحث الثاني
إهداء ثواب الأعمال للميت
الأصل في أعمال العباد أنّ ثوابها لفاعلها، أمّا ما أهدى فاعلها ثوابَها لغيره، أو أدّاه نيابةً عن الغير من الأحياء أو الأموات، فالحكم بصحة الإنابة أو عدَمها، وبلوغ ثوابه لِمَن وُهِبَ إليه أو عدمه، يختلف باختلاف العمَل، إذ رُخّص في بعض أنواعه بالنصّ، واختُلف في أنواع أُخر منه.

والقُرَبُ التي يُهدي الناس ثوابها للميت على ثلاثة أقسام:
1- ما لا يصل إلى الميت ثوابه بالاتفاق:

وهذه القسم ما اتفق الناس على أن الله -تعالى- حجر على عباده في ثوابه، ولم يجعل لهم نقله إلى غيرهم، كالإيمان، والتوحيد، والإجلال والتعظيم لله -تعالى- (1).
------------------------------------------
 (1) الفروق للقرافي (3/342).


2- ما يصل إلى الميت ثوابه بلا خلاف:
كالصدقة الجارية، وهي التي حُبِسَ أصلُها، وأجريَ نفعها، كحفر الآبار، ووقف الضّياع والدّيار، وبناء المساجد، ونحو ذلك من وجوه الخير.

والعلم النافع (ويدخل فيه التأليف، والتحقيق، والتعليم، وطباعة الكتب النافعة ونشرها، والدعوة إلى الله بأيّ وسيلة مشروعة، وما إلى ذلك).

ودعاء الولد الصالح لوالديه؛ والدليل على ذلك ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وسلم) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: “إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له” (1).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:

“إن الرجل لتُرفع درجته في الجنة، فيقول: أنى هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك” (2).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: “إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته، علماً علَّمَه ونشره، أو ولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورَّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً بناه لابن السبيل، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، تلحقه من بعد موته” (3).
------------------------------------------
 (1) أخرجه أحمد (2/372برقم 8489)، وأخرجه مسلم في كتاب الوصية: باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته (3/1255 برقم 1631)، وأخرجه أبو داود في كتاب الوصايا: باب ما جاء في الصدقة عن الميت (3/156 برقم 2880)، وأخرجه الترمذي في كتاب الأحكام: باب في الوقف (3/651 برقم 1376)، وأخرجه النسائي في كتاب الوصايا: باب فضل الصدقة عن الميت (6/561-562 برقم 3653)،
 (2) أخرجه الإمام أحمد (2/509)، وأخرجه ابن ماجه في كتاب الأدب: باب بر الوالدين (2/1207 برقم 3660) واللفظ له، (وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (4/129 برقم 1598).
 (3) أخرجه ابن ماجه في المقدمة: باب ثواب معلم الناس الخير (1/88-89 برقم 242)، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه (2490)، وأخرجه البيهقي في الشعب (3448)، وحسنه الألباني كما في صحيح الجامع (1/443 برقم 2231)، وأحكام الجنائز (ص: 224).


قال الموفق ابن قدامة (ت620هـ) -رحمه الله تعالى-:
(أما الدعاء، والاستغفار، والصدقة، وأداء الواجبات، فلا أعلم فيه خلافاً) (1).

ومما ينفع الميت بعد موته الصدقة عنه:
ويدل لذلك ما جاء من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن رجلاً (2) قال للنبي (صلى الله عليه وسلم): إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلّمت تصدَّقت فهل لها أجر إن تصدَّقت عنها قال: "نعم” (3).

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-:
أن سعد بن عبادة -رضي الله عنه- توفيت أمه وهو غائب عنها فقال: يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها أينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟ قال: "نعم"، قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها (4).
------------------------------------------
 (1) المغني (3/519).
 (2) الرجل هو سعد بن عبادة -رضي الله عنه-، واسم أمه عَمْرَة. (ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح 3/628).
 (3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز: باب موت الفجأة البغتة (الفتح 3/627 برقم 1388)، وفي كتاب الوصايا: باب ما يستحب لم توفي فجأة أن يتصدقوا عنه (الفتح 6/44 برقم 2761)، وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة: باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه (2/696 برقم 1004)، وفي كتاب الوصية: باب وصول ثواب الصدقات إلى الميت (3/1254 برقم 1004).
 (4) أخرجه البخاري في كتاب الوصايا: باب إذا قال أرضي وبستاني صدقة لله عن أمي (6/40 برقم 2756).


وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-:
أن رجلاً قال للنبي (صلى الله عليه سلم): إن أبي مات وترك مالا ولم يوص فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه؟ قال: “نعم” (1).

قال النووي -رحمه الله تعالى-:
(وفي هذا الحديث جواز الصدقة عن الميت واستحبابها, وأن ثوابها يصله وينفعه, وينفع المتصدِّق أيضًا, وهذا كلّه أجمع عليه المسلمون) (2).

فالنووي -رحمه الله تعالى- حكى الإجماع على وصول ثواب الصدقة عن الميت.

ومما ينفع الميت بعد موته الحجّ  عنه:
ويُشرع الحج عن الميت، و يجزئه إذا كان النائب أدّى الفريضة عن نفسه أوّلاً، لما ورد من حديث عبدالله بن بريدة عن أبيه ? قال: بينا أنا جالس عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذ أتته امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية، وإنها ماتت، فقال (صلى الله عليه وسلم): “وجب أجرك وردها عليك الميراث” قالت: يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال: “صُومي عنها” قالت: إنها لم تحج قط أفأحج عنها؟ قال (صلى الله عليه وسلم): “حجي عنها” (3).
------------------------------------------
 (1) أخرجه مسلم في كتاب الوصية: باب وصول ثواب الصدقات للميت (3/1254 برقم 1630).
 (2) شرح النووي (11/121)، وانظر المجموع (5/294).
 (3) أخرجه مسلم في كتاب الصيام: باب قضاء الصيام عن الميت (2/805 برقم 1149)، وأخرجه الترمذي في كتاب الزكاة: باب ما جاء في المتصدق يرث صدقته (3/45 برقم 667).


فهذه الأدلة فيها جواز الحج عن الميت وأن ثواب الحج يصل إلى الميت.

وفي هذا الحديث أيضاً دليلٌ على مشروعيّة أداء الدَّين عن المتوفى الذي في ذمّته شيءٌ من حقوق العباد، و هو من قبيل الصدقة عنه، إذ لا يجب عن الأحياء إلا أن يتطوَّعوا فقط.

قال ابن أبي العز الحنفي (1):
(وأجمع المسلمون على أن قضاء الدين يُسقطه من ذمة الميت، ولو كان من أجنبي، ومن غير تركته) (2).

لا فرق في الحكم في الحجّ عن الميّت بين حجّة الفريضة، و ما أوجبَه الميت على نفسه بنذر، لحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: “نعم حُجي عنها أرأيت لو كان على أمُّكِ دين أكنتِ قاضيته، اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء” (3).
------------------------------------------
 (1) هو الإمام القاضي أبو الحسن علي بن علي بن محمد بن أبي العز الدمشقي، الصالحي، الحنفي، ولد سنة (731هـ) بدمشق، نشأ يتقلب في أعطاف أسرة علم، فكان لذلك ـ مع ما منحه الله من استعداد فطري، وتعطش شديد للمعرفة ـ أثر كبير في بلوغه منزلة عظيمة في العلم والمعرفة، وقد طلب العلم على علماء أجلاء منهم والده، ومحمد بن سليمان بن أبي العز وغيرهما كثير، تولى التدريس بالقيمازية سنة (748هـ) وهو لم يتجاوز سن السابعة عشر ، وتتلمذ عليه كثير من الطلاب، وله مصنفات منها: (الاتباع)، و (النور اللامع في ما يعمل به في الجامع) وغيرهما، توفي سنة (792هـ) فرحمه الله-تعالى-.
 (2) شرح العقيدة الطحاوية (2/668).
 (3) أخرجه البخاري في كتاب جزاء الصيد: باب الحج والنذور عن الميت والرجل يحج عن المرأة (4/543 برقم 1852)، وأخرجه الدارمي في كتاب المناسك: باب في الحج عن الميت (ص: 554 برقم 1842)، وأخرجه النسائي في كتاب مناسك الحج: باب الحج عن الميت الذي لم يحج (5/123 برقم 2632).


ومما ينفع الميت بعد موته الصوم عنه:
ويُشرَع الصوم عن الميّت، لما أخرجه الشيخان عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت، وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال: “لو كان على أمِّكَ دَيْنٌ أكنت قاضيه عنها؟” قال: نعم، قال: “فدَيْنُ الله أحق أن يُقضى” (1).

ويدلّ عليه أيضاً ما جاء من حديث بريدة -رضي الله عنه- الذي أخرجه مسلمٌ، وقد تقدَّمَ آنفاً.

وفي الحديث المتّفق على صحّته عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت:
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "مَنْ مات وعليه صيامٌ صام عنه وليُّه” (2).
------------------------------------------
 (1) أخرجه البخاري في كتاب الصوم: باب من مات وعليه صوم (الفتح 4/705 برقم 1953)، وأخرجه مسلم في كتاب الصيام: باب قضاء الصيام عن الميت (2/804 برقم 1148)، وأخرجه أبو داود في كتاب الأيمان والنذور: باب ما جاء فيمن مات وعليه صيام صام عنه وليه (3/315 برقم 3310)، وأخرجه النسائي في كتاب مناسك الحج: باب تشبيه قضاء الحج بقضاء الدين (5/125 برقم 2638).
 (2) أخرجه البخاري في كتاب الصوم: باب من مات وعليه صوم (الفتح 4/705 برقم 1952)، وأخرجه مسلم في كتاب الصيام: باب قضاء الصيام عن الميت (2/803 برقم 1147)، وأخرجه أبو داود في كتاب الأيمان والنذور: باب ما جاء فيمن مات وعليه صيام صام عنه وليه (3/315 برقم 3311).


وهذا في الصيام الواجب، كصوم رمضان، وصوم النذر، والكفَّارة، أمَّا ما سقط عن العبد في حياته، فلا يقضى عنه بعد وفاته، كَمَن وجب عليه الصوم وهو زَمِنٌ فمات قبل أن يبرأ، أو أفطر في سفَرٍ مباحٍ، ومات في سفَره ذلك، فلا قضاء عليه، ولا على وليّه لكونه معذوراً، وتجب الكفّارة عِوَضاً عن القضاء في هذه الحالة.

*وخلاصة ما تقدَّم أنّ من الأعمال الصالحة ما يُشرَع أداؤه عن الميت، وينتفع به بعد موته بالاتفاق؛ كالدعاء والصدقة مطلقاً، والحج والصوم الواجبين، ولا فَرقَ في ذلك كلّه بين أن يؤدّيه عن الميت قريب أو غريب، لعموم الأدلّة، وما خُصَّ الوَلد الصالح بالذكر إلا لقربه من الميّت، و لكون ما يقوم به تجاه والديه من البرّ الواجب عليه تجاههما، فكان تخصيصه تذكيراً له بحقّ والديه وتنبيهاً إلى ما ينبغي أن يقوم به من البر بهما بعد موتهما، لأنّ الانتفاع بعد الممات يكون بدعاء الولد الصالح (وليس أيّ ولد).

3- أعمال مختلفٌ فيها، كقراءة القرآن عن الميت، والتصدق عليه بثوابها.

فهذه مسألة خلافيّة قديمة، ولأهل العلم فيها قولان معروفان:
القول الأول:
أنّه لا يصل، وهذا هو المشهور من مذهب الشافعي (1)، ويؤيّده عدم ورود النص المًجَوِّزُ للقراءة عن الميت، فتكون القراءةٌ بدعة منكرةً، لأنَّها عبادة، والأصل في العبادات التوقيف، وعليه فلا يثاب فاعلها، ولا ينتفع بها من وُهِبَتْ إليه، وكذلك لم يرد هذا الفعل عن السلف الصالح.
------------------------------------------
 (1) شرح مسلم للنووي (3/260)، ونقله عنه ابن قدامة في المغني (3/521)، وابن عابدين في حاشيته (3/142)، وابن كثير في تفسيره (4/276).


قال الإمام ابن كثير (ت774هـ) -رحمه الله تعالى- عند تفسير قوله تعالى: "وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى” سورة النجم الآية: 39 (1):
(ومن هذه الآية استنبط الشافعي -رحمه الله تعالى- ومن اتبعه أن القراءة لا يصل ثوابها إلى الموتى، لأنه ليس من عملهم، ولا كسبهم، ولهذا لم يندب إليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمته، ولا حثهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة ? ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء؛ فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما، ومنصوص من الشارع عليهما) (2).

وقد ذهَب إلى هذا القول طائفة من العلماء المعاصرين كالشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ عبدالله بن قعود، والشيخ عبدالرزاق عفيفي (3)، والشيخ بكر أبو زيد (4) وغيرهم -عفا الله عن الجميع-.

القول الثاني:
أنّ ثواب القراءة يصل إلى الميّت، وهذا مذهب الجمهور (الأئمّة الثلاثة، وجماعة من أصحاب الشافعي، وغيرهم) (5)، بل زُعمَ على وُصوله الإجماع السكوتي.
------------------------------------------
 (1) سورة النجم الآية: 39.
 (2) تفسير ابن كثير (4/276).
 (3) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/42-49).
 (4) تصحيح الدعاء (ص: 503-504).
 (5) المغني (3 /522)، المجموع (5 /294)، حاشية ابن عابدين (3/ 142).


قال ابن قدامة (ت620هـ) -رحمه الله تعالى-:
(الميت إذا قرئ عنده القرآن، أو أهدي ثوابه، كان الثواب لقارئه، ويكون الميت كأنه حاضرها، فيرجى له الرحمة، ولنا، وأنه إجماع المسلمين (1)، فإنهم يجتمعون في كل عصر، ومصر، ويقرؤون، ويُهدون ثوابه لموتاهم من غير نكير) (2).

قال الإمام أبو جعفر الطحاوي (3)-رحمه الله تعالى-:
(وأما قراءة القرآن وإهداؤها له تطوعاً بغير أجرة، فهذا يصل إليه، كما يصل ثواب الصوم والحج) (4).
------------------------------------------
 (1) لا يقرُ ابن قدامة -عفا الله عنه- على هذا الإجماع، فإن دعواه الإجماع دعوى غير صحيحة، حتى إن المحقق ابن القيم الذي جاراه في أصل المسألة لم يدعها، بل صرح بما هو نص في بطلانها، فقال: (لم يصح عن السلف شيء فيها، واعتذر عنه بأنهم كانوا يخفون أعمال البر). الروح (ص: 192).
 (2) المغني (3/522) بتصرف يسير.
 (3) هو الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الحَجْري المصري الطحاوي، ولد سنة (239هـ)، ونشأ في بيت علم وفضل، فأبوه كان من أهل العلم والبصيرة بالشعر وروايته، وأمه معدودة في أصحاب الشافعي الذين كانوا يحضرون مجلسه،  وخاله هو المُزني أفقه أصحاب الشافعي وناشر علمه، طلب العلم على خاله، والقاضي بكار بن قتيبة وغيرهما، ورحل إليه طلبة العلم من كل مكان وتتلمذوا عليه، منهم أبو القاسم الطبراني (صاحب المعاجم) وغيره كثير، له عدة مصنفات منها: (شرح مشكل الآثار)، و (شرح معاني الآثار)، و (العقيدة الطحاوية)، توفي سنة (321هـ) فرحمه الله رحمة واسعة.
 (4) شرح العقيدة الطحاوية (2/673).


والقول بوصول الثواب إلى الميت هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيميّة، وقد انتصر له في غير موضع من كتبه قال -رحمه الله تعالى-: (أما القراءة، والصدقة وغيرهما من أعمال البر؛ فلا نزاع بين علماء السُنَّة والجماعة في وصول ثواب العبادات المالية؛ كالصدقة والعتق، كما يصل إليه أيضاً الدعاء والاستغفار، والصلاة عليه صلاة الجنازة، والدعاء عند قبره) (1).

وتابَعه على ذلك تلميذه ابن القيّم فقد نصره في كتابه الروح قال -رحمه الله تعالى-: (وأما قراءة القرآن وإهداؤها له تطوعاً من غير أجرة فهذا يصل إليه كما يصل ثواب الصوم والحج.

فإن قيل:
فهذا لم يكن معروفاً عند السلف، ولا يمكن نقله عن أحد منهم مع شدة حرصهم على الخير، ولا أرشدهم النبي (صلى الله عليه وسلم) إليه وقد أرشدهم للدعاء والاستغفار والصدقة والحج والصيام فلو كان ثواب القراءة يصل لأرشدهم إليه ولكانوا يفعلونه.

فالجواب:
أن مورد هذا السؤال إن كان معترفاً بوصول ثواب الحج والصيام والدعاء والاستغفار، قيل له: ما هذه الخاصية التي منعت وصول ثواب قراءة القرآن واقتضت وصول ثواب هذه الأعمال؟ وهل هذا إلا تفريق بين المتماثلات؟ وإن لم يعترف بوصول تلك الأشياء إلى الميت فهو محجوج بالكتاب والسنة، وقواعد الشرع) (2).
------------------------------------------
 (1) الفتاوى (24/324).
 (2) الروح (ص: 191-192).


وأما ما استدلّوا به من آية النجم فقد أجاب عليها شيخ الإسلام ابن تيمية لَمَّا سُئِلَ عن هذه الآية، وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة... الحديث". هل يقتضي ذلك أن الميت لا يصل إليه من أعمال البر شيء؟

فقال -رحمه الله تعالى-:
(ليس في الآية، ولا الحديث أن الميت لا ينتفع بدعاء الخلق له، وبما يُعمل عنه من البر، بل أئمة الإسلام متفقون على انتفاع الميت بذلك، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام، وقد دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، فمَنْ خالف في ذلك كان من أهل البدع.

إلى أن قال:
وأما الآية فللناس عنها أجوبة متعددة؛ كما قيل: إنها تختص بشرع من قبلنا، وقيل: إنها مخصوصة، وقيل: إنها منسوخة، وقيل إنها تنال السعي مباشرة، وسبباً، والإيمان من سعيه الذي تسبَّب فيه؛ ولا يحتاج إلى شيء من ذلك، بل ظاهر الآية حق لا يخالف بقية النصوص، فإنه قال: "وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى” سورة النجم الآية: 39 (1)، وهذا حق، فإنه إنما يستحق سعيه، فهو الذي يملكه ويستحقه، كما أنه إنما يملك من المكاسب ما اكتسبه هو؛ وأما سعي غيره فهو حق وملك لذلك الغير، لا له، لكن هذا لا يمنع أن ينتفع بسعي غيره، كما ينتفع الرجل بكسب غيره) (2).
------------------------------------------
 (1) سورة النجم: 39.
 (2) الفتاوى (24/ 306-312).


وقال الشيخ عبدالله بن حميد (ت1402هـ) -رحمه الله تعالى-:
(إذا قرأت القرآن أو بعضه فقلت: اللهم اجعل ثواب ما قرأته لفلان فسيصل هذا الثواب إلى الشخص الذي ذكرته إن قبل الله قراءتك، وهذا أظهر قولي العلماء، وهو قول الإمام أبي حنيفة -رحمه الله- والإمام مالك، والإمام أحمد، واختاره جمع من المالكية والشافعية مستدلين بأن الله سبحانه وتعالى يُوصل الدعاء إلى الميت، وهذا في الحقيقة دعاء، والدعاء يصل للميت باتفاق أهل العلم، فلو قلت: اللهم اغفر لوالدي، اللهم اغفر لفلان فإنه يصله، وكذلك إذا قلت اللهم اجعل ثواب ما قرأته لفلان فإنه يصله؛ لأنه في الحقيقة دعاء، هذا هو الذي ذهب إليه أكثر أهل العلم، وكما قرره شيخ الإسلام، وتلميذه ابن القيم، وأبو الوفاء بن عقيل الحنبلي. والله أعلم) (1).

وتنازعوا في وصول الأعمال البدنية؛ كالصوم، والصلاة، والقراءة، والصواب: أن الجميع يصل إليه، و هذا مذهب أبي حنيفة (2)، وطائفة من أصحاب مالك، والشافعي (3)، وأحمد (4). -والله -تعالى- أعلم.
------------------------------------------
 (1) فتاوى سماحة الشيخ عبدالله بن حميد (ص: 159).
 (2) حاشية ابن عابدين (3/ 142).
 (3) شرح مسلم للنووي (3/260)، ونقله عنه ابن عابدين في حاشيته (3/142).
 (4) المغني (3/522).


1-  مسألة: الاستئجار على تلاوة القرآن الكريم، وإهداء ثوابها للميت.
الاستئجار على تلاوة القرآن الكريم، أي أخذ الأجرة على إهداء ثواب قراءته إلى الميت، فأهل العلم على عدم جوازه، بلا خلاف بينهم، ولم ينقل أحدٌ منهم الإذن بذلك، وإلى ذلك ذهب الحنفية (1)، والمالكية (2)، والمشهور عند الشافعية (3)، والحنابلة (4).

قال ابن أبي العز الحنفي (ت792هـ) -رحمه الله تعالى-:
(وأما استئجار قوم يقرؤون القرآن، ويهدونه للميت، فهذا لم يفعله أحد من السلف، ولا أمر به أحدٌ من أئمة الدين، ولا رخص فيه، والاستئجار على نفس التلاوة غير جائز بلا خلاف، وإنما اختلفوا في جواز الاستئجار على التعليم ونحوه، مما فيه منفعة تصل إلى الغير، والثواب لا يصل إلى الميت إلا إذا كان العمل لله، وهذا لم يقع عبادة خالصة، فلا يكون ثوابه مما يُهدى إلى الموتى، ولهذا لم يقل أحدٌ: إنه يكتري من يصوم ويصلي ويُهدي ثواب ذلك إلى الميت، لكن إذا أعطي لِمَنْ يقرأ ويُعلِّمُهُ ويتعلمه معونة لأهلِ القرآن على ذلك، كان هذا من جنس الصدقة عنه، فيجوز) (5).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728هـ) -رحمه الله تعالى-:
(وإن الاستئجار على التلاوة لم يرخص فيه أحد من العلماء) (6).
------------------------------------------
 (1) حاشية ابن عابدين (3 /143).
 (2) حاشية الدسوقي (1/423).
 (3) مغني المحتاج (3/69).
 (4) الفروع (2/ 239- 245).
 (5) شرح العقيدة الطحاوية (2/ 672 -763).
 (6) الفتاوى (23/364).



وقال الشيخ ابن عثيمين:
(وأما استئجار قارئ يقرأ القرآن ليكون ثوابه للميت، فإنه حرام ولا يصح أخذ الأجرة على قراءة القرآن، ومن أخذ أجرة على قراءة القرآن فهو آثم، ولا ثواب له، لأن قراءة القرآن عبادة، ولا يجوز أن تكون العبادة وسيلة إلى شيء من الدنيا.

قال تعالى:
"مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ” (1) (2).

وقال الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد عند حديثه عن المحدثات فائدة هذا نصها:
(استئجار شخص أو أكثر لقراءة القرآن، وإهداء ثوابها لميت أو حي، وهذا عمل مبتدع، وقد فات ثواب القراءة على القارئ لما فيه من إرادة الإنسان بعمله الدنيا، وفات على المستأجر؛ لأنه عمل مبتدع، وقد قال (صلى الله عليه وسلم): "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” (3) (4).
------------------------------------------
 (1) سورة هود : 15.
 (2) فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين جمع أشرف عبدالمقصود (1/162).
 (3) أخرجه أحمد (6/420)، وأخرجه البخاري في كتاب البيوع: باب إذا اصطلحوا على صلح جور... (الفتح5/640 برقم 2697)، وأخرجه مسلم في كتاب الأقضية: باب نقض الأحكام الباطنة، ورد محدثات الأمور (3/ 1343 برقم 1718)، وأخرجه أبو داود في كتاب السنة: باب في لزوم السنة (4/264 برقم 4606)، وأخرجه ابن ماجه في المقدمة: باب تعظيم حديث رسول الله? (1/7 برقم 14)
 (4) تصحيح الدعاء (ص: 298).



وسُئِلَتْ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عن حكم استئجار مَنْ يقرأ القرآن على قبر الميت أو على روحه.

فكان الجواب كالتالي:
(لا يجوز استئجار مَنْ يقرأ القرآن على قبر الميت أو على روحه، ويهب ثوابه للميت؛ لأنه لم يفعله النبي (صلى الله عليه وسلم)، ولا أحدٌ من السَّلف، ولا أمر به أحد من أئمة الدين، ولا رخص فيه أحد منهم فيما نعلم، والاستئجار على نفس التلاوة غير جائز بلا خلاف) (1).

2-  مسألة: إهداء ثواب الأعمال إلى النبي (صلى الله عليه وسلم).
لا يجوز إهداء ثواب الأعمال لا قراءة قرآن، ولا صلاة، ولا صيام للنبي (صلى الله عليه سلم)، لأن السلف -رضي الله عنهم- من الصحابة وغيرهم لم يفعلوه، ومعلوم عند أقل الناس علماً أن جميع أعمال العباد الصالحة للنبي (صلى الله عليه سلم) مثل أجرها، لأنه (صلى الله عليه وسلم) هو القائل: "مَنْ دَلَّ على خير فله مثل أجر فاعله” (2)، وهو (صلى الله عليه وسلم) مَنْ دَلَّنَا على الخير، فما من خير إلا ودل الأمة عليه.
------------------------------------------
 (1) فتاوى اللجنة الدائمة (9/35-41).
 (2) أخرجه أحمد (4/120)، وأخرجه مسلم في كتاب الإمارة: باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركب وغيره، وخلافته في أهله بخير (3/1506 برقم 1893)، وأخرجه أبو داود في كتاب الآداب: باب في الدال على الخير (4/431-432 برقم 5129)، وأخرجه الترمذي في كتاب العلم: باب ما جاء الدال على الخير كفاعله (5/41  برقم 2670 - 2671).


قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- (ت728هـ):
(لم يكن من عمل السلف أنهم يصلُّون ويصومون ويقرؤون القرآن ويهدون للنبي (صلى الله عليه سلم)، كذلك لم يكونوا يتصدقون عنه، ويعتقون عنه؛ لأن كل ما يفعله المسلمون فله مثل أجر فعلهم من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً؛ وأما صلاتنا عليه، وسلامنا عليه، وطلبنا له الوسيلة، فهذا دعاء فيه لنا،يثيبنا الله عليه) (1).

وقال الشيخ محمد بن عثيمين (ت1421هـ)-رحمه الله تعالى-:
(بعض المحبين للرسول (صلى الله عليه وسلم) يهدون إليه القرب كالختمة والفاتحة على روح محمد -كما يقولون- وما أشبه ذلك.

فنقول:
هذا من البدع والضلال، أسألك أيها المهدي للرسول عبادة، هل أنت أشد حباً للرسول (صلى الله عليه وسلم) من أبي بكر -رضي الله عنه-، إن قال: نعم؛ قلنا كذبت ثم كذبت ثم كذبت؛ وإن قال لا؛ قلنا لماذا لم يهد أبو بكر للرسول (صلى الله عليه وسلم) ختمة ولا فاتحة، ولا غيره.

فهذه بدعة، ثم إن عملك الآن، وإن لم تهد ثوابه سيكون للرسول (صلى الله عليه وسلم) مثله، فإذا أهديت الثواب فمعناه أنك حرمت نفسك من الثواب فقط، وإلا فللرسولِ عملك أهديت أم لم تهد) (2).

وقد سُئِلَتْ اللجنة الدائمة عن إهداء ثواب الختمة لروح النبي (صلى الله عليه وسلم).
------------------------------------------
 (1) رسالة في إهداء الثواب إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) (ص: 125- 126).
 (2) بدع وأخطاء ومخالفات شائعة تتعلق بالجنائز والقبور والتعازي (ص: 313-314).


فكان الجواب:
 (لا يجوز إهداء الثواب للرسول (صلى الله عليه وسلم)، لا ختم القرآن ولا غيره؛ لأن السلف الصالح من الصحابة -رضي الله عنهم-ومن بعدهم لم يفعلوا ذلك، والعبادات توقيفية، وقد قال (صلى الله عليه وسلم): “من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد” (1)، وهو (صلى الله عليه وسلم) له مثل أجور أمته من كل عمل صالح تعمله؛ لأنه هو الذي دعاها إلى ذلك، وأرشدها إليه، وقد صح عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: “مَنْ دَلَّ على خير فله مثل أجر فاعله” (2) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي مسعود الأنصاري?) (3).
------------------------------------------
 (1) سبق تخريجه (ص: 194).
 (2) سبق تخريجه (ص: 195).
 (3) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية (9/ 58-59).



الفصل الرابع 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 02 مايو 2021, 2:47 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفصل الرابع Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الرابع   الفصل الرابع Emptyالأحد 17 ديسمبر 2017, 8:23 am

المبحث الثالث
النعي وحكمه
تعريف النعي في اللغة:
قال ابن فارس (ت395هـ) -رحمه الله تعالى-:
(النون والعين والحرف المعتل أصل صحيح يدل على إشاعة الشيء، منه: خبر الموت) (1).

تعريفه في الاصطلاح:
قال ابن الأثير (ت606هـ) -رحمه الله تعالى-:
(نعى الميت ينعاه نعياً، ونِعِياً، إذا أذاع موته، وأخبر به، وإذا ندبه” (2).

قال الترمذي (ت279هـ) -رحمه الله تعالى-:
(والنعي عندهم أن ينادى في الناس أن فلاناً مات ليشهدوا جنازته) (3).

وقال ابن عابدين (1252هـ) ـرحمه الله تعالى-:
(هو الإخبار بالموت) (4).
------------------------------------------
 (1) معجم مقاييس اللغة (2/568) مادة نعى.
 (2) النهاية (5/85).
 (3) جامع الترمذي (3/304).
 (4) حاشية ابن عابدين (3/72).


فظهر مما تقدم أن النعي عند أهل العلم منهم من يقصره على النداء بالموت، ومنهم من يدخل فيه الإخبار بالموت المقرون بمدح الميت وتعداد صفاته.

والذي يظهر أن النعي يطلق على الإخبار بموت الميت وإذاعة ذلك، ويطلق أيضاً على ما قد يصاحب ذلك من قول كتعداد مناقب الميت، أو فعل كشق الجيوب وضرب الخدود، والله أعلم.

مسألة: ألفاظ تشارك النعي (1):
هناك ألفاظ يطلقها أهل العلم ويذكرون لها أحكاماً، وهي تشارك النعي من بعض الوجوه، ولذلك نحن بحاجة إلى الوقوف على معاني هذه الألفاظ.

أولاً: الندب:
الندب لغة: قال الفيومي (ت770هـ) -رحمه الله تعالى- هو: (الإقبال على تعداد محاسن الميت كأن الميت يسمعها) (2).

اصطلاحاً:
قال ابن الأثير -رحمه الله تعالى- في تعريف الندب: (أن تذكر النائحة الميت بأحسن أوصافه، وأفعاله) (3).

وقال ابن قدامة (ت620هـ) -رحمه الله تعالى-:
(هو تِعداد محاسن الميت) (4).
------------------------------------------
 (1) النعي للشيخ خالد المصلح (ص: 1 -2) بتصرف.
 (2) المصباح المنير (2/ 597).
 (3) النهاية (5/ 34).
 (4) المغني (3/ 489).


وقال النووي (ت676هـ) -رحمه الله تعالى-:
(الندب: تعديد محاسن الميت مع البكاء) (1).

وعلى هذا فإن الندب يشترك مع النعي في كونه تعداداً لصفات الميت ومحاسنه.

ثانياً: النياحة:
وهي في اللغة من النوح، والنياحة على الميت هي البكاء عليه بجزع وعويل (2).

وأما في الاصطلاح فهي موافقة للمعنى اللغوي قال النووي -رحمه الله تعالى-: (والنياحة رفع الصوت بالندب) (3).

وقد وسَّع بعض أهل العلم معنى النياحة فجعل منها كل ما هيَّج المصيبة من وعظ أو إنشاء شعر، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (4).

ومن هذا يتبيَّن أن النياحة هي إظهار الجزع والتَّسَخُّط على موت الميت.
------------------------------------------
 (1) المجموع (5/280).
 (2) المصدر السابق.
 (3) المجموع (5/281).
 (4) ينظر: الفروع (2/227)، الإنصاف (2/569).


قال الإمام القرافي (ت723هـ) -رحمه الله تعالى-:
(وصورته: أن تقول النائحة لفظاً يقتضي فرط جمال الميت وحسنه وكمال شجاعته وبراعته وأبهته ورئاسته وتبالغ فيما كان يفعل من إكرام الضيف والضرب بالسيف والذب عن الحريم والجار إلى غير ذلك من صفات الميت التي يقتضي مثلها ألاَّ يموت، فإن بموته تنقطع هذه المصالح ويعز وجود مثل الموصوف بهذه الصفات ويعظم التفجع على فقد مثله، وأن الحكمة كانت بقاءه وتطويل عمره لتكثر تلك المصالح في العالم. فمتى كان لفظها مشتملاً على هذا كان حراماً، وهذا شرح النوح؛ وتارة لا تصل إلى هذه الغاية غير أنها تبعد السلوة عن أهل الميت وتهيج الأسف عليهم، فيؤدي ذلك إلى تعذيب نفوسهم وقلة صبرهم وضجرهم، وربما بعثهم ذلك على القنوط وشق الجيوب وضرب الخدود، فهذا أيضاً حرام” (1).

ثالثاً: الرثاء:
وهو في اللغة بكاء الميت بعد موته ومدحه، وكذا إذا عددت محاسنه، وكذلك إذا نظمت فيه شعراً (2).

ويراد به أيضاً التوجع من الوقوع في مكروه (3).

ومنه قول سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- في قول النبي (صلى الله عليه وسلم) له:
"لكن البائس سعد بن خولة"، يرثي له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن مات بمكة (4).
------------------------------------------
 (1) الفروق (2/291-292).
 (2) لسان العرب (14/309).
 (3) الفائق (2/36).
 (4) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز: باب رثاء النبي (صلى الله عليه وسلم) سعد بن خولة (3/513 برقم 1295)، وأخرجه مسلم في كتاب الوصية: باب الوصية بالثلث (3/ 1250-1251 برقم 1628)، وغيرهما.



1- مسألة: حكم النعي:
اختلف العلماء -رحمهم الله -تعالى- في حكم النعي على قولين، فقائل بالمنع، وقائل بالحل، فالقائلون بالمنع اعتمدوا على أحاديث في منع النعي، والقائلون بالحل اعتمدوا على أحاديث تجيز النعي (1).
------------------------------------------
 (1) ومعلوم أنه لو ظهر تعارض بين نصين من نصوص الشريعة فإنه يذهب إلى الجمع بينهما، فإن لم يمكن الجمع بينهما ذهب إلى الترجيح، فإن لم يمكن ذلك، يذهب بعد ذلك إلى النسخ.


وقبل الشروع في الحديث عن حكم النعي لابد من معرفة ما ورد من أدلة في ذلك، ودراستها، وبيان صحتها من عدمه، حتى نكون على بينة في بناء الأحكام الشرعية، لأن الأحكام الشرعية لا تقوم إلا على دليل صحيح، وإلا لما كانت صحيحة.

وعند الدراسة وجدت أن هناك أحاديث تدل على منع النعي، وأخرى على جوازه وهي كالتالي:
أ- أدلة النهي عن النعي:
ورد النهي عن النعي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) في حديثين فقط، حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-، وحديث ابن مسعود -رضي الله عنه-.

الحديث الأول:
حديث حذيفة -رضي الله عنه- قال:
(إذا مت فلا تؤذنوا بي، إني أخاف أن يكوناً نعياً، فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ينهى عن النعي).

هكذا رواه غير واحد عن حبيب بن سليم القبسي عن بلال بن يحيى العبسي عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-.

أخرجه أحمد (5/385)، وابن أبي شيبة (3 /274-275)، والترمذي كتاب الجنائز: باب ما جاء في كراهية النعي (3/303). واللفظ له.

وأخرجه البيهقي (4/74) عن حبيب عن بلال قال:
(كان حذيفة إذا كانت في أهله جنازة...) فذكره.

وهو عند ابن ماجه كتاب الجنائز:
باب ما جاء في النهي عن النعي (1/ 474 برقم 1476) عن حبيب، عن بلال بن يحيى قال: (كان حذيفة إذا مات له الميت، قال: لا تؤذنوا به أحداً...) فذكره.

وأخرجه أحمد بنحوه، وعنه المزي (1) في ترجمة (حبيب بن سليم الكوفي).

وقال الترمذي في سننه (3/304):
حسن صحيح، وفي تهذيب الكمال (2/47)، وتحفة الأحوذي (4/51) قالا: (حسن) فقط، وهكذا نقله الألباني في (أحكام الجنائز: 44)، وهذا من اختلاف النسخ.

وبلال بن يحيى العبسي الكوفي، قال ابن حجر (2):
(قال الدراوردي عن ابن معين: روايته عن حذيفة مرسلة؛ وفي كتاب ابن أبي حاتم وجدته يقول: بلغني  عن حذيفة).
------------------------------------------
 (1) تهذيب الكمال (2/ 47 رقم الترجمة 1072).
 (2) تهذيب التهذيب (1 /464 رقم الترجمة 841).


وقال ابن القطان:
(هو ثقة، روى عن حذيفة أحاديث معنعنة ليس في شيء منها ذكر سماع، وقد صحح الترمذي حديثه عن حذيفة، فمعتقده -والله أعلم- أنه سمع منه).

وقد سبق اختلاف نسخ الترمذي في ذلك، ولا يقوى هذا لأن يكون دليلاً على نسبة تصحيح الترمذي لسماع بلال من حذيفة.

فالإسناد مرسل، وبلال عن حذيفة مرسل، ثم إن حبيب بن سليم قال عنه الذهبي (1): (صالح الحديث)، وقال ابن حجر (2): (مقبول)، فالرجل ليس بحجة.

وأما توثيق ابن حبان له، فقد علم تساهل ابن حبان، فقد اشترط ألا يدخل في ثقاته إلا مَنْ توفَّرت فيه عدة أشياء ذكرها في مقدمة ثقاته، وفي غير موضع، ومع ذلك أخل بشروطه، ووضع في ثقاته أناساً لا يُعرفون؛ بل لا يعرفهم هو نفسه كما ينص على ذلك أحياناً، ونبَّه على ذلك ابن عبد الهادي في (الصارم المنكي)، والعلائي، وابن حجر في (اللسان)، وغيرهم (3).

فالحديث ضعيف لضعف بعض رواته، مع اضطراب لفظه، فلا تقوم به حجة والله -تعالى- أعلم.
------------------------------------------
 (1) الكاشف (1/308).
 (2) تقريب التهذيب (ص: 219 رقم الترجمة1102).
 (3) نعي الأموات (ص: 10) بتصرف.


وأما تحسين الحافظ ابن حجر له في الفتح (1)، وما تابعه عليه الألباني (2)، وغير واحد ففيه نظر لما سبق بيانه.

الحديث الثاني:
حديث عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-:
عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "إياكم والنعي، فإن النعي من عمل أهل الجاهلية".

قال عبدالله:
(والنعي آذان بالميت).

فهذا الحديث قد انفرد به الترمذي فرواه عن محمد بن حميد الرازي، قال حدَّثنا حكَّام بن سلم، وهارون بن المغيرة عن عنبسة عن أبي حمزة عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي (صلى الله عليه وسلم) فذكره.

ومحمد بن حميد الرازي قد تُكلم فيه؛ قال البخاري: في حديثه نظر، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الجوزجاني: رديء المذهب غير ثقة، وقال الرازي: عندي عن ابن حميد خمسون ألفاً لا أحدث عنه بحرف، وقال صالح بن محمد الأسدي: ما رأيت أحداً أحذق بالكذب من رجلين سليمان الشاذكوني، ومحمد بن حميد، وقال أبو زرعة عنه: كان يكذب (3).

وأما حكَّام بن سلم فقال عنه الحافظ ابن حجر:
(ثقة له غرائب) (4).

وأما أبو حمزة فهو ميمون الأعور كما صرَّح بذلك الترمذي في جامعه.
------------------------------------------
 (1) فتح الباري (3/443).
 (2) أحكام الجنائز (ص: 44).
 (3) تهذيب التهذيب (9/109-110 رقم الترجمة6081).
 (4) تقريب التهذيب (ص: 261 رقم الترجمة 1446).


وقال عنه:
ليس بالقوي عند أهل الحديث (1).

وقال عنه الحافظ ابن حجر (2):
(ضعيف).

فبهذا يظهر أن السَّند لا يصح رفعه إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، لضعف محمد بن حميد، وأبي حمزة الأعور.

وقد وقع عند الترمذي عن عبدالله عن النبي (صلى الله عليه وسلم) نحوه ولم يرفعه، ولم يذكر فيه: (والنعي آذان الميت). فهذا الحديث موقوف.

ورجَّح الترمذي وقفه في سننه، وقال:
(وهذا أصح من حديث عنبسة عن أبي حمزة) (3).

وصحَّح وقفه أيضاً البغوي فقال:
(ورفعه بعضهم والوقف أصح) (4).

ومدار هذا الأثر على أبي حمزة الأعور، وقد سبق بيان حاله، وأن الرجل ضعيف ليس بحجة.

فالحديث لا يصح مرفوعاً، ولا موقوفاً.

وبهذا يظهر أن أحاديث النعي لا يصح منها شيءٌ.
------------------------------------------
 (1) جامع الترمذي (3/203).
 (2) تقريب التهذيب (ص: 990 رقم الترجمة 7109).
 (3) جامع الترمذي (3/303).
 (4) شرح السنة (5/340).



ب- أدلة جواز النعي:
1-    عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي (صلى الله عليه وسلم): “نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه” (1).

قال الإمام النووي (ت676هـ):
(وفيه استحباب الإعلام بالميت) (2).

وقال الإمام البغوي (ت516هـ) -رحمه الله تعالى-:
(وذهب قومٌ إلى أن النعي لا بأس به) (3).

وقال الإمام الصنعاني (ت1182هـ) -رحمه الله تعالى-:
(فيه دليل على أن النعي اسم للإعلام بالموت، وأنه لمجرد الإعلام جائز) (4).

2-  عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال:
قال النبي (صلى الله عليه وسلم): “أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب، وإن عيني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لتذرفان ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ففتح له” (5).
------------------------------------------
 (1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز: باب الرجل ينعى إلى أهل الميت نفسه (الفتح 3/452 برقم 1245)، وأخرجه مسلم في كتاب الجنائز: باب في التكبير على الجنازة (2/656 برقم 951)، وأخرجه البيهقي في السنن في كتاب الجنائز: باب من كره النعي والإيذان والقدر الذي لا يكره فيه (4/124 برقم 7179).
 (2) شرح صحيح مسلم (7/ 30).
 (3) شرح السنة (5/341).
 (4) سبل السلام (2/205).
 (5) أخرجه أحمد (1/8)، وأخرجه البخاري في كتاب الجنائز: باب ينعى إلى أهل الميت بنفسه (الفتح 3/452 برقم 1246)، وفي كتاب الجهاد والسير: باب تمني الشهادة (الفتح 6/93 برقم 2798)، وفي كتاب المغازي: باب غزوة مؤتة من أرض الشام (8 /302 برقم 4262).


قال الحافظ ابن حجر (ت852هـ):
(وفي الحديث جواز الإعلام بموت الميت، ولا يكون ذلك من النعي المنهي عنه) (1).

3- عن ابن عباس -رضي الله عنهما-:
أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مَرَّ بقبر قد دُفِنَ ليلاً فقال: “متى دُفِنَ هذا؟” قالوا: البارحة قال: “أفلا آذنتموني"، قالوا: دفنَّاه في ظُلمة الليل، فكرهنا أن نوقظك، فقام فصففنا خلفه، قال ابن عباس: وأنا فيهم فصلى عليه (2).

قال الإمام النووي:
(وفيه دلالة لاستحباب الإعلام بالميت) (3).

4- عن أبي هريرة -رضي الله عنه-:
أن رجلاً أسود أو امرأة سوداء كان يَقُمُّ المسجد فمات، فسأل النبي (صلى الله عليه وسلم) عنه، فقالوا: مات، قال: “أفلا كنتم آذنتموني به دلوني على قبره” أو قال: "قبرها فأتى قبرها فصلى عليها” (4).
------------------------------------------
 (1) فتح الباري (8/302).
 (2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز: باب صفوف الصبيان مع الرجال في الجنائز (3 /545 - 546 برقم 1321)، وأخرجه مسلم في كتاب الجنائز: باب الصلاة على القبر (2/659 برقم 956) وغيرهما.
 (3) شرح مسلم للنووي (7/36).
 (4) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة: باب كنس المسجد... (2/126 برقم 458)، وأخرجه مسلم في كتاب الجنائز: باب الصلاة على القبر (2/659 برقم 956) وغيرهما، وزاد مسلم: “إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم” قال الحافظ في الفتح (2/127): (وإنما لم يخرج البخاري هذه الزيادة; لأنها مدرجة في هذا الإسناد, وهي من مراسيل ثابت, بين ذلك غير واحد من أصحاب حماد بن زيد, وقد أوضحت ذلك بدلائله في كتاب “بيان المدرج", قال البيهقي: يغلب على الظن أن هذه الزيادة من مَرَاسِيل ثابت كما قال أحمد بن عبدة, أو من رواية ثابت عن أنس يعني كما رواه ابن منده. ووقع في مسند أبي داود الطيالسي عن حماد بن زيد وأبي عامر الخزاز كلاهما عن ثابت بهذه الزيادة).



الفصل الرابع 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 02 مايو 2021, 2:48 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفصل الرابع Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الرابع   الفصل الرابع Emptyالأحد 17 ديسمبر 2017, 8:27 am

5- عن عائشة -رضي الله عنها-:
عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شُفِّعُوا فيه” (1).

6- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “مَنْ شهد الجنازة حتى يُصلِّيَ فله قيراط، ومَنْ شهد حتى تُدفن كان له قيراطان"، قيل وما القيراطان؟ قال: “مثل الجبلين العظيمين” (2).

ففي هذين الحديثين ندب من النبي (صلى الله عليه وسلم) لحضور الجنازة، والصلاة عليه، ولا يمكن إدراك ذلك الفضل إلا بالإعلام لحضور هذه الجنازة، فدل ذلك على جواز النعي.

7- عن الفريعة بنت مالك -رضي الله عنها- قالت:
خرج زوجي في طلب أعلاج له (3)، فأدركهم بطرف القدوم (4)...
------------------------------------------
 (1) أخرجه أحمد (3/266)، وأخرجه مسلم في كتاب الجنائز: باب من صلى عليه مائة شفعوا فيه (2/654 برقم 947)، وأخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز: باب ما جاء فيمن صلى عليه جماعة من المسلمين (1/477 برقم 1488)، وأخرجه الترمذي في كتاب الجنائز: باب ما جاء في الصلاة على الجنازة والشفاعة للميت (3/339 برقم 1029)وقال حديث حسن صحيح، وأخرجه النسائي في كتاب الجنائز: باب فضل من صلى عليه مائة (4 /378-379 برقم 1991).
 (2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز: باب من انتظر حتى تدفن (الفتح 3/554 برقم 1325)، وأخرجه مسلم في كتاب الجنائز: باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها (2/652 برقم 945) وغيرهما.
 (3) (أعلاج) جمع علج؛ وهو الرجل من العجم والمراد عبيد (حاشية السندي على ابن ماجه 1/654).
 (4) بفتح القاف وتخفيف الدال وتشديدها، اسم موضع على بعد ستة أميال من المدينة (حاشية السندي على ابن ماجه 1/655).


فقتلوه؛ فجاء نعي زوجي وأنا في دار من دور الأنصار شاسعة (1) عن دار أهلي، فأتيت النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقلت: يا رسول الله جاء نعي زوجي وأنا في دار شاسعة عن دار أهلي، ودار إخوتي، ولم يدع مالاً ينفق علي، ولا مالاً ورثته، ولا داراً يملكها، فإن رأيت أن تأذن لي فألحق بدار أهلي ودار إخوتي فإنه أحَبَّ إلي وأجمع لي في بعض أمري؛ قال: "فافعلي إن شئتِ"، قالت: فخرجتُ قريرة عيني لما قضى الله لي على لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى إذا كنت في المسجد، أو في بعض الحجرة، دعاني فقال: "كيف زعمتِ؟” قالت: فقصصتُ عليه، فقال: “امكثي في بيتكِ الذي جاء فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله” قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً (2).
------------------------------------------
 (1) أي بعيدة الدار (النهاية2/472 مادة شسع).
 (2) أخرجه الإمام مالك في كتاب الطلاق: باب مقام المتوفى عنها زوجها في بيتها حتى تحل (ص: 518 برقم 96)، وأخرجه أحمد (6/370)، وأخرجه الدارمي في كتاب الطلاق: باب في خروج المتوفى عنها زوجها (ص: 727 برقم 2291)، وأخرجه أبو داود في كتاب الطلاق: باب في المتوفى عنها تنتقل (2/ 397 - 398 برقم 2300)، وأخرجه ابن ماجه في كتاب الطلاق: باب أين تعتد المتوفى عنها زوجها؟ (1/ 654 - 655 برقم 2031)، وأخرجه الترمذي في كتاب الطلاق: باب ما جاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها؟ (3/ 499 برقم 1204)، وأخرجه النسائي في كتاب الطلاق: باب مقام المتوفى عنها زوجها في بيته حتى تحل (6/ 510 - 511 برقم 3528)، وصححه الألباني كما في صحيح أبي داود (2/ 41 برقم 2300) وصحيح ابن ماجه (2/174 برقم 1664)، وأحال بعد قوله صحيح إلى الإرواء التحقيق الثاني (برقم 2131).


8- عن زينب بنت أبي سلمة قالت:
لَمَّا جاء نعي أبي سفيان من الشَّام دعت أم حبيبة -رضي الله عنها- بصُفرة في اليوم الثالث فمسحت عارضيها وذراعيها، وقالت: إني كنت عن هذا لغنية لولا أني سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: “لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تَحُدَّ على ميت فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تَحُدُّ عليه أربعة أشهر وعشراً” (1).

فهذا الحديث والذي قبله يدلان على اشتهار النعي، ووقوعه عند السلف، وبحضرة النبي (صلى الله عليه وسلم).

فإذا كان هناك نعي مجرد عن النداء، ورفع الصوت فإنه جائز بل مستحب، لأن ذلك وسيلة لأداء حقه من الصلاة عليه واتباع جنازته.

وقد ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5)، وغيرهم (6) إلى جواز الإعلام بالموت من غير نداء؛ لأجل الصلاة.

وقد نقل الإمام النووي -رحمه الله تعالى- استحباب النعي فقال:
(قال العلماء المحققون من أصحابنا وغيرهم: يُستحب إعلام أهل الميت وقرابته، وأصدقائه) (7).

وأما النَّعي الذي كان ينهى عنه السلف فهو نعي الجاهلية، فالألف واللام للعهد الذهني، وهو ما كان معروفاً في الجاهلية.
------------------------------------------
 (1) أخرجه البخاري في الجنائز: باب إحداد المرأة على غير زوجها (الفتح 3/489 برقم 1280)، وأخرجه مسلم كتاب الطلاق: باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة (2/1127 برقم 1491).
 (2) بدائع الصنائع (2/22).
 (3) حاشية الدسوقي (/424).
 (4) المجموع (5/174)، وشرح صحيح مسلم (7/30).
 (5) المغني (3/524-525)، الفروع (2/152)، المبدع (2/219).
 (6) المجموع (5/173)، وتحفة الأحوذي (4/51)، ونيل الأوطار (4/70).
 (7) الأذكار (ص: 165)



قال إبراهيم النخعي -رحمه الله-:
(لا بأس إذا مات الرجل أن يؤذن صديقه، وإنما يكرهون أن يُطاف في المجالس أنعي فلاناً كفعل الجاهلية) (1).

قال الإمام ابن الأثير -رحمه الله تعالى-:
(والمشهور أن العرب كانوا إذا مات منهم شريف أو قُتِلَ بعثوا راكباً إلى القبائل ينعاه إليهم يقول: نعاءِ فلاناً، أو يانعاء العرب، أي: هلك فلان، أو هلكت العرب بموت فلان) (2).

وقد نقل الإمام النووي كلام ابن الأثير السابق وزاد عليه:
(ويكون مع النعي ضجيج وبكاء) (2).

وقال ابن حجر -رحمه الله تعالى-:
(أنهم كانوا يرسلون مَنْ يُعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق) (3).

وبعد عرض ما سبق يتبيَّن حكم النعي وأنه جائز، إلا أن يشابه نعي الجاهلية، الذي فيه ذكر لمآثر الميت والمفاخرة بها، فإنه لا يجوز، لما فيه من التشبه بأهل الجاهلية، وقد نُهينا عن مشابهتهم، وعلى هذا فلا حرج في الإخبار بموت الميت لكل غرض صحيح كما تقدم.
------------------------------------------
 (1) أخرجه عبدالرزاق في مصنفه كتاب الجنائز: باب النعي على الميت (برقم 6056)، وأخرجه ابن أبي شيبة (3/276).
 (2) النهاية (5/86).
 (2) الأذكار للنووي (ص: 165).
 (3) فتح الباري (3/453).


وأما إعلام القرابة، والإخوان بموت الشخص فليس من النعي المنهي عنه، وقال البيهقي: بلغني عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: (لا أحِبُّ الصّياح لموت الرجل على أبواب المساجد، ولو وقف على حلق المساجد فأعلم الناس بموته لم يكن به بأس) (1).

2- مسألة: صور النعي المعاصرة (2):
هناك العديد من الصور المعاصرة للنعي التي تحتاج إلى نظر هل تدخل في النعي المحرم أو لا؟

وقد تناولتها في المسائل التالية:
أ- إعلان الموت في الصحف والمجلات السيارة وما أشبهها:
إعلان الوفاة في الصحف، وما أشبهها من وسائل الإعلام العام كالمنتديات، والصفحات العامة في شبكة الإنترنت، كل ذلك لا يخلو أن يكون إعلاناً مجرداً أو إعلاناً غير مجرد.
------------------------------------------
 (1) السنن الكبرى: باب من كره النعي والإذان فيه، والقدر الذي لا يكره منه (4/124).
 (2) النعي للشيخ خالد المصلح (ص: 3-5) بتصرف.



ولا يخلو أيضاً أن يكون قبل الصلاة على الميت أو بعده، فإن كان الإعلان قبل الصلاة مُجَرَّداً عن نداء ورفع صوت وليس فيه تفجُّع على الميت ولا إعظام لحال موته ولا تسخُّط فيه ولا ضجر فإن ذلك جائز، لاسيما إذا كان الميت مما يهم الناس أمره وحاله أو كان له شأن ومكانة في الإسلام أو نفع علم.

ولا بأس أن يقترن بالإعلان ثناء يسير مطابق للواقع يُرَغِّبُ في الدعاء له والصلاة عليه.

ويدل لهذا نعي النبي (صلى الله عليه وسلم) النجاشي في اليوم الذي مات فيه، ففي صحيح مسلم من حديث جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "مات عبدٌ لله صالح أصحمة، فقام فَأمَّنَا وصلى عليه” (1).

فقوله (صلى الله عليه وسلم) في نعيه النجاشي:
مات عبدٌ لله صالحٌ ثناءٌ عليه وتزكيةٌ له حيث وصفه بالصلاح، وفي هذا تنشيط على الدعاء له والصلاة عليه.

أما إن كان الإعلان عن الموت بعد الصلاة عليه فإن كان لمجرد الإعلام بالموت فالظاهر أنه من النعي المنهي عنه؛ لأن الصحف وشبهها من الوسائل الإعلامية هي أقرب ما تكون لمجامع الناس ومنتدياتهم في العصر الأول.

ويتأكد النهي والتحريم إذا كان الخبر متضمّناً لما يثير الأحزان ويهيج على البكاء، أو كان متضمّناً الشهادة بالجنة للميت أو ما يفهم منه ذلك ككتابة بعضهم في خبر الوفاة قول الله تعالى: "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي” (2)، فإن مثل هذا مُحَرَّمٌ لا يجوز.
------------------------------------------
 (1) أخرجه البخاري كتاب المناقب: باب موت النجاشي (الفتح 7/587برقم 3877)، وأخرجه مسلم كتاب الجنائز: باب في التكبير على الجنازة (2/657 برقم 952).
 (2) سورة الفجر آية: 27-30.


أما إن كان الإعلام بالموت بعد الصلاة على الميت لمصلحة معتبرة شرعاً كإبراء ذمة الميت، وما أشبه ذلك فإن هذا جائز لا بأس به؛ لما فيه من المصلحة.

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـرحمه الله تعالى- في فتوى له:
(وأما الإعلان عن موت الميت فإن كان لمصلحة مثل أن يكون الميت واسع المعاملة مع الناس بين أخذ وإعطاء وأعلن موته لعل أحداً يكون له حق عليه فيقضى أو نحو ذلك فلا بأس).

ب- إعلان الموت بالرسائل الهاتفية أو البريد الإلكتروني:
جرى عمل كثير من الناس في هذه الأيام على تبادل الرسائل الهاتفية أو البريد الإلكتروني للإخبار بالموت، والذي يظهر أن مثل هذا إن كان لأجل الصلاة على الميت أو الدعاء له أو تعزية المصاب به ونحو ذلك فهو مُستحب؛ لأن ذلك وسيلة لتلك الصالحات، والوسائل لها حكم الغايات، وما لا يتم الصالح إلا به فهو صالح.

وكذلك الحكم إن كان ذلك لمصلحة.

ويمكن أن يُقال:
إن إعلان الموت بالرسائل الهاتفية أو البريد الإلكتروني لا يخرج عما سبق من كلام أهل العلم في حكم النعي المجرد.

ج- إعلان الموت في الخطب المنبرية:
ذكر خبر وفاة عالم من العلماء، أو علم من الأعلام في الخطب سواء كانت خطبة الجمعة، أو خطبة خاصة للإعلام بموته ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول:
أن يكون ذلك لإخبار الناس بموت مَنْ يهمهم معرفة خبره، ولم يسبق علم عام بموته، أو كان ذلك لمصلحة راجحة فالذي يظهر لي أن ذلك جائز لا حرج فيه، ولو اقترن به ثناء يسير مطابق للواقع، وسواء كان الإعلان في خطبة الجمعة أو في خطبة خاصة للإعلام بموته.

ويدل لهذا ما أخرجه البخاري من حديث -رضي الله عنه- قال:
خطب النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقال: “أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبدالله بن رواحة فأصيب، ثم أخذها خالد بن الوليد عن غير إمرة، ففتح له، وقال: ما يسرهم أنهم عندنا وعيناه تذرفان” (1).

ويشهد له أيضاً أن أبا بكر -رضي الله عنه- خطب الناس لما اضطربوا في وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) بعد أن تيقَّن موته (صلى الله عليه وسلم)، فقال في خطبته المشهورة: (أما بعد، مَنْ كان يعبدُ محمداً (صلى الله عليه وسلم) فإن محمداً قد مات، ومَنْ كان يعبد اللهَ فإن اللهَ حيٌ لا يموت) (2).

أما دليل جواز الثناء اليسير المطابق للواقع في خبر الوفاة ما أخرجه مسلم من حديث جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “مات عبدٌ لله صالحٌ أصحمة، فقام فَأمَّنَا وصلّى عليه” (3).
------------------------------------------
 (1) سبق تخريجه (ص: 207).
 (2) أخرجه البخاري كتاب الجنائز: باب الدخول على الميت بعد أن أدرج في أكفانه (الفتح 3/448 برقم 1242)، وفي كتاب المغازي: باب مرض النبي (صلى الله عليه وسلم) ووفاته (الفتح 8/493 برقم 4454).
 (3) سبق تخريجه (ص: 214).


ويحسُن في مثل هذا المقام إن كان الناس مصابين أن يُصَبّرَهُم ببيان أن ما أصاب الميت أمر آتٍ على كل أحد، وأنه سبيل لابد منه، وباب لابد من دخوله، وأن يبين وجوب الصبر وفضله وجميل عاقبته وسوء منقلب التَّسَخُّطِ والضَّجر.

القسم الثاني:
ألا يكون غرض صحيح من الإخبار بموت الميت أو أن يكون الخطيب قد أكثر من ذكر مآثر الميت وفضائله وأعماله وصفاته أو عظيم الخسارة بموته فإن ذلك لا يجوز، وهو من النعي المُحَرَّمْ، إذ هو نظير ما كان يفعله أهل الجاهلية من بعث المنادي يُنادي بموت الميت ويذكر مآثره ومفاخره.

وقد تقدَّم في الكلام عن النعي ما يدل على تحريم هذا القسم، لاسيما وأن كثيراً من الخطباء يذكر في كلامه ما يهيِّج الأحزان ويضعف عن الصبر، ويبعد المصابين بالميت عن السَّلوة.

ولا يشك عالم بموارد الشريعة ومصادرها أن مثل هذا لا يجوز.

د- المحاضرات العلمية والمشاركات الإعلامية:
مما انتشر بين الناس في الأزمنة المتأخرة أنه إذا مات عالم من العلماء أو علم من الأعلام طلب من طلابه أو معارفه أو أقاربه أو زملائه أو من لهم صلة به أن يتحدثوا عنه؛ إما في مشاركات إذاعية أو مرئية أو محاضرات أو ندوات أو مقالات أو تعليقات.

ويتلخص ذلك كله في أنه عَدٌّ لمحاسن الميت وإبراز لجوانب شخصيته والثناء عليه وما أشبه ذلك.

والذي يظهر لي أن مثل هذه الأعمال تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول:
ما كان وقت المصيبة قبل السَّلوة عنها فهذا داخل في النعي المنهي عنه؛ لأن مؤداه التفجُّع على الميت وإعظام حال موته وأن بموته تنقطع المصالح، ويعزُّ وجود نظيره، وفي هذا تجديد الأحزان ونكئ الآلام ومخالفة مقصود الشَّرع من تخفيف المصاب وتسهيله؛ ليكون ذلك عوناً في الصبر على قضاء الله وقدره.

القسم الثاني:
ما كان بعد السَّلوة وبرود المصيبة فلا بأس بذلك من حيث الأصل، فإن كان الغرض منه التأسّي بالصالحين والاقتداء بهم فإن ذلك مُستحبٌ لما يتضمنه من الدعوة إلى الخير والتأسي بالصالحين وعلى هذا بناء كثير من كتب السير والتراجم والأعلام.

ومما يدل لذلك ما جاء في صحيح مسلم أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- خطب يوم الجمعة فذكر نبي الله (صلى الله عليه وسلم)، وذكر أبا بكر -رضي الله عنه- (1).

هـ - المراثي:
للعلماء رحمهم الله في رثاء الأموات قولان في الجملة.
القول الأول:
أنه لا بأس بالمراثي، وهذا مذهب الحنفية (2)، والشافعية (3).
------------------------------------------
 (1) أخرجه مسلم في  كتاب المساجد ومواضع الصلاة: باب (1/396 برقم 567).
 (2) حاشية ابن عابدين (2/239).
 (3) نهاية المحتاج (3/17).



واستدل هؤلاء بأن الكثير من الصحابة رضي الله عنهم فعله وكذلك فعله كثير من أهل العلم.

القول الثاني:
أنه تكره المراثي، وهو قول للشافعية (1).

واستدل هؤلاء بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد نهى عن المراثي.
فعن عبدالله بن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال:
“نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن المراثي” (2).

ومدار الحديث على إبراهيم الهجري الراوي عن عبدالله.

قال عنه البوصيري في مصباح الزجاجة:
وهو ضعيف جداً ضعَّفه سفيان بن عيينة ويحيى بن معين والنسائي وغيرهم.

وقال عنه البخاري:
منكر الحديث، وضعفه الألباني (3).

قال الإمام الرملي (4) -رحمه الله تعالى-:
(والأولى الاستغفار له ويظهر حمل النهي عن ذلك على ما يظهر فيه تبرم أو على فعله مع الاجتماع له أو على الإكثار منه أو على ما يجدد الأحزان دون ما عدا ذلك فإن الكثير من الصحابة وغيرهم من العلماء يفعلونه) (5).
------------------------------------------
 (1) نهاية المحتاج (3/17).
 (2) أخرجه الإمام أحمد (2/356)، وابن ماجه (1/507 برقم 1592). وهو عند ابن أبي شيبة (3/266) بلفظ: “ينهانا عن المراثي".
 (3) السلسلة الضعيفة (رقم 4724)، وضعيف سنن ابن ماجه (ص: 124 برقم 311).
 (4)  هو الإمام محمد بن أحمد بن حمزة الرملي المنوفي المصري الأنصاري الشافعي، فقيه وعالم بكثير من العلوم، تولى إفتاء الشافعية، ومن كتبه نهاية المحتاج، والفتاوى، وغاية البيان، وشرح العقود في النحو، وغيرها توفي في الثالث عشر من جمادى الأولى من عام 1004هـ فرحمه الله تعالى.
 (5) نهاية المحتاج (3/17).


وقد قسَّم القرافي المراثي إلى أربعة أقسام باعتبار حكمها:
الأول:
المراثي المباحة، وهي الخالية عن التحريم من ضجر أو تسخط أو تسفيه للقضاء وما أشبه ذلك.

الثاني:
المراثي المندوبة، وهي ما كان مسهلاً للمصيبة مذهباً للحزن محسناً لتصرف القضاء مثنياً على الرب تعالى.

الثالث:
المراثي المحرمة الكبيرة، وهي ما كان فيه اعتراض على القضاء وتعظيم لشأن الميت وأن موته خلاف الحكمة والمصلحة وما أشبه ذلك.

الرابع:
المراثي المحرمة الصغيرة، وهي ما كان مبعداً للسَّلوة عن أهل الميت مهيّجاً للأسف معذّباً للنفوس) (1).

وهذا تفصيل حسن، فيحمل ما جاء من النهي عن المراثي على القول بثبوته على القسمين الثالث والرابع، قال ابن حجر عندما ذكر رثاء النبي (صلى الله عليه وسلم) لسعد بن خولة -رضي الله عنه-: (وليس معارضاً لنهيه عن المراثي التي هي ذكر أوصاف الميت الباعثة على تهييج الحزن وتجديد اللوعة، وهذا هو المراد بما أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث عبدالله بن أبي أوفى –رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن المراثي، وهو عند ابن أبي شيبة بلفظ : نهانا أن نتراثى، ولا شك أن الجامع بين الأمرين التوجع والتحزن” (2)، والله أعلم.
------------------------------------------
 (1) الفروق (2/173–182).
 (2) ينظر: فتح الباري (3/453).



الفصل الرابع 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الفصل الرابع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الفصل الرابع عشر
» الفصل الرابع
» الفصل الرابع عشر
» الفصل الرابع عشر
» الفصل الرابع

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: فـقـــــــه الــدنــيــــا والديـــــن :: فقه الجنائز والتعزيـة-
انتقل الى: