منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 الفصل الأول

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفصل الأول Empty
مُساهمةموضوع: الفصل الأول   الفصل الأول Emptyالسبت 16 ديسمبر 2017, 10:16 am

الفصل الأول
التعزية ومشروعيتها، وحكمها، وألفاظها، وصور من المواساة بين الإخوان
وفيه ستة مباحث:
المبحث الأول: تعريف التعزية.
المبحث الثاني: مشروعية التعزية وفضلها والحكمة منها.
المبحث الثالث: حكم التعزية.
المبحث الرابع: من يعزى عند حلول المصيبة؟.
المبحث الخامس: من ألفاظ التعزية.
المبحث السادس: صور من الوصايا والمواساة والتعزية بين الإخوان.

المبحث الأول
تعـريف التعـزية
المعنى اللغوي:
العزاء في لغة العرب:
يقال تعزيتُ عنه:
أي تصبَّرت، أصلها تعزَّزت والاسم منه العَزَاءْ.

والتَّعَزِّي:
التأسِّي والتَّصَبُّر عند المصيبة، والعزاء الصبر عن كل ما فقدت وأن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون (1).

قال ابن فارس (ت395هـ) -رحمه الله تعالى-:
(أن يتأسى بغيره فيقول: حالي مثل حال فلان) (2).

المعنى الشرعي:
قال ابن مفلح (ت762هـ) -رحمه الله تعالى-:
(هي التسلية والحث على الصبر بوعد الأجر، والدعاء للميت والمصاب) (3).

وقال المناوي (ت1029هـ) -رحمه الله تعالى-:
(هي حمل ذوي الميت على الصبر وفضله، والابتلاء وأجره، والمصيبة وثوابها) (4).
------------------------------------------
 (1) لسان اللسان تهذيب لسان العرب (2/171).
 (2) معجم مقاييس اللغة (2/261) مادة عزوى وقال ابن فارس: العين والزين والحرف المعتل أصل صحيح يدل على الانتماء والاتصال.
 (3) الفروع (2/229)، ونقله عنه حفيده أنظر المبدع (2/286).
 (4) فيض القدير (3/320).



وقال الألباني (ت1420هـ) -رحمه الله تعالى-:
(هي الحمل على الصبر بوعد الأجر، والدعاء للميت والمصاب) (1).

وقال وهبة الزحيلي:
(هي أن يُسَلِّي أهل الميت، ويحملهم على الصبر بوعد الأجر، ويرغبهم في الرضا بالقضاء والقدر، ويدعو للميت المسلم) (2).
------------------------------------------
 (1) أحكام الجنائز (ص: 205) الحاشية.
 (2) الفقه الإسلامي وأدلته (2/ 345).


فيكون تعريف الشيخ وهبة الزحيلي أقرب لاشتماله على التسلية، والحث على الصبر، والرضا بالقدر، والدعاء للميت.

المبحث الثاني
مشروعية التعزية وفضلها والحكمة منها
إن لطيف التعزية عند فقد الأعزة مما يكشف المصيبة, ويذهب الهم ويزيل الغم، فإن الكلمة الطيبة للمصاب يثبت بها بإذن الله, ويغدو صبره عليها سهلاً يسيراً، فإن المؤمن قليل بنفسه، كثير بإخوانه، ضعيف بنفسه، قوي بإخوانه شديد بأعوانه، فإذا وجد هذا يعزيه، وهذا يسليه سهلت عليه الأمور العظام، وكشف ما به -بإذن الله- من أليم المصاب.

ولذا فإن الشارع بحكمته البالغة شرع التعزية لأهل المصيبة، والدعاء لهم بالثبات والأجر والخلف، وللميت بالرحمة والمغفرة.

وفي التعزية ثواب عظيم، ومصالح جَمَّةٌ من أهمها:
تخفيف المصيبة على المعزى، وتسليته عنها، وحضه على التزام الصبر واحتساب الأجر، والرضا بالقدر والتسليم لأمر الله، والدعاء بأن يعوض الله المصاب من مصابه جزيل الثواب، والدعاء للميت والترحم عليه والاستغفار له.

وفي التعزية ترغيب أهل الميت بالأجر الجزيل، وفتحٌ لباب التوجه إلى الله?، وأن ينهوا عن النياحة وشق الجيوب، وسائر ما يذكر المصاب الأسف، ويتضاعف معه الحزن والهم (1).
------------------------------------------
 (1) التعزية: لمساعد الفالح (ص: 10).



فعزاء الله الذي نتعزى به دائماً:
إنا لله وإنا إليه راجعون، ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) هو القدوة والأسوة عَزَّى أصحابه عند نزول المصائب وواساهم, كما في السنة الصحيحة, والسلف الصالح اقتدوا به في ذلك, فإن التعزية مشروعة والمواساة مطلوبة.

وقد ورد في فضل التعزية أحاديث كثيرة، لكنها لا تصح؛ منها:
حديث عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: “ما من مؤمن يُعَزِّي أخاه بمصيبة إلا كساه الله سبحانه من حُلَل الْكَرَامَة يوم القيامة” (1).

قال السندي (2) (ت1138هـ) -رحمه الله تعالى- في حاشيته على سنن ابن ماجه عند شرحه لهذا الحديث قال:
(قوله “يُعَزِّي أَخَاه” أَي يأمُره بالصَّبر عليها بنحو أعظم الله أجرك "من حُلَل الْكَرَامَة” أَي من الحال الدَّالة على الكرامة عنده، أو من حلل أهل الكرامة، وهي حلل نسجت من الكرامة، وهذا مبني على تجسيم المعاني وهو أمر لا يعلمه إلا الله تعالى) (3).
------------------------------------------
 (1) أخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز: باب ما جاء في ثواب من عزى مصاباً (2/511برقم 1601)، وأخرجه الإمام البغوي في شرح السنة (5/458 برقم 1551)، وهذا الحديث ضعيف كما قال عنه الألباني في الإرواء (3/216)، وأيضاً في السلسلة الضعيفة (2/77 برقم 610).
 (2) هو الشيخ العلامة العامل أبو الحسن نور الدين محمد بن عبدالهادي التتوي المدني، ولد بقرية (تته) من بلاد السند، ونشأ بها ثم ارتحل إلى تستر، له مؤلفات منها حواشي على الكتب الستة، ولم تتم  حاشية الترمذي، وله حاشية نفيسة على مسند الإمام أحمد، وحاشية على فتح القدير وغيره، توفي بالمدينة النبوية.
 (3) سنن ابن ماجه بحاشية السندي (2/511 برقم 1601).


وجاء أيضاً من حديث عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-:
عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “مَنْ عزَّى مُصاباً فله مثل أجره” (1).

قال المباركفوري (2) (ت1353هـ) -رحمه الله تعالى- عند شرحه للحديث:
(قوله (صلى الله عليه وسلم): "مَنْ عَزَّى مُصَابًا” أَي ولو بغير موتٍ بِالْمَأْتَى لديه أو بالكتابة إليه بما يهون المصيبة عليه, ويحمله بالصبر بوعد الأجر أو بِالدُّعَاءِ لَهُ بِنَحْوِ (أَعْظَمَ اللَّهُ لَك الأجر, وألهمك الصبر, ورزقك الشكر) "فَلَهُ” أي فللمعزِّي "مِثْلُ أَجرِه” أي نحو أجر المصاب على صبره لأن الدَّال على الخير كفاعله) (3).
------------------------------------------
 (1) أخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز: باب ما جاء في ثواب من عزى مصاباً (2/511 برقم 1602)، وأخرجه الترمذي في كتاب الجنائز: باب ما جاء في أجر من عزى مصاباً، وقال عنه حديث غريب (3/376برقم 1073)، وهذا الحديث ضعيف فقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات كما قال السندي: في حاشيته على سنن ابن ماجه (2/511)، وقد تتبع جميع طرقه الإمام الألباني وضعفه كما في الإرواء (3/217-220 برقم 765) وقال: (وجملة القول: أن الحديث ضعيف، ليس في شيء من طرقه ما يمكن أن يعتمد عليه في تقويته، ولكن لا يبلغ أن يكون موضوعاً كما زعم ابن الجوزي) (الإرواء 3/220)، وفي ضعيف ابن ماجه (ص: 124 برقم 313).
 (2) العلامة الحافظ أبو العلا محمد بن عبدالرحمن بن عبدالرحيم بهادر المباركفوري، ولد بقرية (مباركفور) من توابع أعظؤم كرة من أيلة بوبي الهند، حافظ متقن، قرأ العربية، والفارسيية، والأردية، ورحل في طلب العلم إلى بعض البلاد القريبة منه، وقرأ على جماعة، وأسس عدة مدارس بالهند، ودرس فيها بنفسه، ثم اعتزل في بيته، وانقطع للتأليف، وقد انتفع به خلق كثير، توفي -رحمه الله تعالى- سنة (1353هـ).
 (3) تحفة الأحوذي (4/158).


المبحث الثالث
حكم التعزية
حكم التعزية: 
مستحبة عند جميع الفقهاء، قبل الدفن أو بعده (1).

قال الإمام ابن عبد البر (2)-رحمه الله تعالى-:
(وتستحب التعزية لأهل الميت) (3).

وقال الإمام النووي (4) (ت676هـ) -رحمه الله تعالى-:
هي مستحبة،
------------------------------------------
 (1) رد المحتار (3/140)، الكافي في فقه أهل المدينة المالكي (1/283)، المجموع (5/277)، المغني (3/485)، الفروع (2/228)، شرح الزركشي (2/350)، الإنصاف (2/395)، المبدع (2/286)، التعليقات الرضية على الروضة الندية لصديق حسن خان تعليق الألباني (1/480)، منار السبيل (1/248)، فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/133-134).
 (2) هو الإمام حافظ المغرب أبو عمر يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النميري القرطبي، ولد بقرطبة سنة (368هـ)، ونشأ بها وتفقه وتتلمذ على كثير من العلماء، وكان موفقاً في التأليف معاناً عليه، له عدد من المؤلفات منها: (التمهيد بما في الموطأ من المعاني والأسانيد)، و (الاستذكار في شرح مذاهب علماء الأمصار)، و (الاستيعاب في معرفة الأصحاب) وغيرها، توفي -رحمه الله تعالى- سنة (463هـ).
 (3) الكافي في فقه أهل المدينة المالكي (1/283).
 (4) هو الإمام أبو زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي، ولد سنة (631هـ) في نوى،تلقى العلم عن أشياخ كثر، ولي رحمه الله ـ-تعالى- مشيخة دار الحديث الأشرفية بعد الإمام أبي شامة سنة (665هـ) إلى أن مات بدمشق جوار باب القلعة الشرقي غربي العصرونية سنة (676هـ).


وقال:
هي داخلة في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” (1)، وهذا من أحسن ما يستدل به في التعزية (2).

فالتعزية والمواساة، وحمل ذوي الميت على الصبر، من التعاون بين المسلمين على البر والتقوى.

قال الإمام الخرقي (3)ـ رحمه الله تعالى:
((ويستحب تعزية أهل المصاب)).

قال الإمام ابن قدامة (ت620هـ) -رحمه الله تعالى-:
(لا نعلم في المسألة خلافاً) (4).
------------------------------------------
 (1) سورة المائدة آية: 2.
 (2) الأذكار (ص: 159).
 (3) أبو القاسم عمر بن الحسين بن عبدالله بن أحمد الخرقي، البغدادي، الحنبلي، عالم فقيه، له تصانيف كثيرة أودعها بغداد، وسافر فاحترقت، توفي ببغداد ودفن بها، من مؤلفاته: المختصر في فروع الفقه الحنبلي توفي سنة (334هـ) فرحمه الله-تعالى-رحمة واسعة.
 (4) المغني (3/485).


فقد حكى الإمام ابن قدامة -رحمه الله تعالى- الاتفاق على استحباب التعزية بقوله: (لا نعلم في المسألة خلافاً).

والأدلة على استحباب التعزية الواردة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) كثيرة:

ومنها ما جاء من حديث أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: دخل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على أبي سلمة -رضي الله عنه- وقد شق بصره فأغمضه ثم قال: “إن الروح إذا قبض تبعه البصر"، فضج ناس من أهله فقال: “لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير, فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون"، ثم قال: “اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونوّر له فيه” (1).

فدعاء الرسول (صلى الله عليه وسلم) أعظم عزاء ومواساة.
------------------------------------------
 (1) أخرجه الإمام أحمد (6/297)، وأخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند المصيبة (2/631 برقم 918)، وأخرجه أبو داود في كتاب الجنائز: باب ما يستحب أن يقال عند الميت من الكلام (3/247برقم 3115)، وأخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز: باب ما جاء فيما يقال عند المريض إذا حُضر (1/465 برقم 1447).



الفصل الأول 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 02 مايو 2021, 2:49 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفصل الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الأول   الفصل الأول Emptyالسبت 16 ديسمبر 2017, 10:21 am

المبحث الرابع
من يُعَزَّى عند حلول المصيبة
التعزية شأنها عظيم، ولها في النفس أثر كبير، ولمكانتها الجليلة استحب الشارع الحكيم تعزية جميع مَنْ أصيب بمصيبة، وتتأكد التعزية -لما لها من وقع في النفوس، وتأثير في القلوب- لِمَنْ لا يقوى على تحمل المصيبة كالصبيان، وكبار السن، والعجزة، والنساء، وأما إذا خشيت الفتنة من تعزية النساء فلا يُعزيهن إلا محارمهن.

قال الإمام ابن قدامة (ت620هـ) -رحمه الله تعالى-:
(ويُستحب تعزية جميع أهل المصيبة، كبارهم و صغارهم، ويخص خيارهم، والمنظور إليه من بينهم ليستن به غيره، وذا الضعف منهم عن تحمل المصيبة لحاجته إليها، ولا يُعَزِّي الرجل الأجنبي شوابَّ النساء، مخافة الفتنة) (1).

وقال الإمام النووي (ت676هـ) -رحمه الله تعالى-:
(ويستحب أن يعم بالتعزية جميع أهل الميت وأقاربه الكبار والصغار، والرجال والنساء، إلا أن تكون المرأة شابة فلا يُعَزِّيها إلا محارمها؛ وقال أصحابنا: وتعزية الصُّلحاء والضُّعفاء على احتمال المصيبة والصبيان آكد) (2).
------------------------------------------
 (1) المغني (3/485)، وانظر: رد المحتار (حاشية ابن عابدين) (3/137).
 (2) الأذكار (ص: 160)، والمجموع (5/277).



وقال ابن مفلح (1) -رحمه الله تعالى-:
(ويعـم بها -أي التعزية- جميع أهل الميت حتى الصغير، لكن يكره لامرأة شابة أجنبية (2) (3).

وقال الإمام المرداوي (4) -رحمه الله تعالى-:
(ويُكره التعزية لامرأة شابة أجنبية للفتنة؛ قال في الفروع: يتوجه فيه ما في تشميتها إذا عطست) (5).
------------------------------------------
 (1) هو شيخ الإسلام الإمام الفقيه القدوة برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن مفلح الحنبلي الدمشقي، انتهت إليه رئاسة عصره، وباشر القضاء بدمشق أكثر من أربعين سنة، وصار مرجع الفقهاء والناس، والمعول عليه في الأمور، أخذ الحديث عن جده محمد بن مفلح، وعن ابن ناصر الدين الدمشقي، والحافظ ابن حجر العسقلاني، وكان كثير التعظيم لشيخ الإسلام ابن تيمية، ألف كتباً كثيرة، وتوفي بدمشق سنة (884هـ)، ودفن بها.
 (2) والدليل على جواز تعزية النساء ووعظهن وأمرهن بالمعروف، ونهيهن عن المنكر ما بوب به الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بقوله: باب قول الرجل للمرأة عند القبر: اصبري، ثم أورد حديث أنس بن مالك –رحمه الله- قال: مر النبي (صلى الله عليه وسلم) بامرأة تبكي فقال: "اتقي الله واصبري"؛ قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: عند شرحـه لهذا الحـديث قال: (قال الزين بن المنير -رحمه الله تعالى-: وموضع الترجمة من الفقه جواز مخاطبة الرجال النساء في مثل ذلك بما هو أمر بمعروف أو نهي عن منكر، أو موعظة، أو تعزية، وأن ذلك لا يختص بعجوز دون شابة لما يترتب على ذلك من المصالح الدينية والله أعلم). (فتح الباري 3/463) .
 (3) المبدع (2/286).
 (4) هو الإمام الفقيه المحدث الأصولي علاء الدين ، أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد بن محمد المرداوي، نسبة إلى (مردا)، قرية بقرب نابلس بفلسطين، ولد سنة (817هـ)، وحفظ القرآن الكريم وهو صغير، وتفقه على الشيخ تقي الدين بن قندس البعلي شيخ الحنابلة في وقته، فبرع، وفضل في فنون من العلوم، وانتهت إليه رياسة المذهب، له مصنفات كثيرة منها (التنقيح)، و (التحرير) وغيرهما، توفي بصالحية دمشق يوم الجمعة سنة (885هـ).
 (5) الإنصاف (2/396).


وقال الشيخ ابن عثيمين (ت1421هـ) -رحمه الله تعالى- عند شرحه لعبارة صاحب الزاد (1) (ويسن تعزية المصاب بالميت) قال:
(ولم يقل تعزية القريب من أجل الطرد والعكس فكل مصاب، ولو بعيداً فإنه يُعَزَّى، وكل مَنْ لم يصب ولو قريباً فإنه لا يعزى؛ مَنْ أصيب فَعَزِّهِ، ومَنْ لم يُصَبْ فلا تُعَزِّهِ) (2).

1-  مسألة: تعزية أهل المعاصي.
يجوز تعزية المسلم العاصي، ولعل في مواساته والوقوف معه في مثل هذه الأحوال ما يجعله يُقبل على الخير، ويُحسن فيما بقي من عمره، لكن لو قُوبل بالجفاء، وعدم المواساة، فقد يجعله يجد في نفسه على أهله من المسلمين؛ والشريعة جاءت بحُسن المَعشر، وطيب الكلام، وتحبيب النفوس لهذا الدين العظيم؛ والسيرة النبوية مليئة بمثل هذه المواقف من كسب النفوس، وترغيبها في هذا الدين.

فيُعَزَّى مَنْ وقع في مخالفة كشق جيب وغيرها وقت العزاء.

قال أبو داود:
قلت لأحمد: أرى الرجل قد شق على الميت؛ أعزيه؟ قال: لا يُترك حق لباطل (3).
------------------------------------------
 (1) المقصود زاد المستقنع في اختصار المقنع للعلامة شرف الدين أبو النجا موسى بن أحمد الحجاوي الدمشقي (ت960هـ).
 (2) الشرح الممتع (5/489).
 (3) مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود (ص: 190 رقم 927).


2-  مسألة: حكم التعزية فيمَنْ مات على معصية.
يجوز أن يُعزى فيمَنْ مات على معصية من المعاصي كبُرت أم صغُرت، ما دام أنه مسلم، ولم يحصل منه ما يوجب ردته، كمَنْ مات منتحراً، أو مات بسبب سُكْرٍ وغير ذلك، وكذلك يُعَزَّى فيمَنْ مات قِصَاصَاً أو حَدًّا؛ فإن هذا من حق المسلم على أخيه المسلم، وأما معصيته فأمرها إلى الله تعالى، والتعزية مواساة لأهل الميت، والدعاء للميت بالمغفرة.

وقد سُئِلَ الشيخ عبدالعزيز بن باز (ت1420هـ) -رحمه الله تعالى- عن هذه المسألة فقال:
(الحمد لله، لا بأس بالتعزية، بل تُستحب، وإن كان الفقيد عاصياً بانتحار أو غيره، كما تُستحب لأسرة مَنْ قُتِلَ قِصَاصَاً، أو حَدًّا، كالزَّاني المُحصَن، وهكذا مَنْ شرب المُسكر حتى مات بسبب ذلك، لا مانع في تعزية أهله فيه، ولا مانع من الدعاء له ولأمثاله من العُصاة بالمغفرة والرحمة، ويُغَسَّل ويُصَلَّى عليه، لكن لا يصلي عليه أعيان المسلمين مثل السلطان والقاضي ونحو ذلك، بل يصلي عليه بعض الناس من باب الزجر عن عمله السيء.

أما مَنْ مات بعدوان غيره عليه فهذا مظلوم، يُصلَّى عليه ويُدعى له إذا كان مسلمـاً، وكذا مَنْ مات قصاصاً -كما تقدم- فهذا يُصلّى عليه ويُدعى له ويُعَزَّى أهله في ذلك إذا كان مسلماً ولم يحصل منه ما يوجب رِدته. والله ولي التوفيق) (1).
------------------------------------------
 (1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 13/ 374.


3-  مسألة: تعزية  الكافر.
اختلف العلماء -رحمهم الله تعالى- في تعزية الكافر.

فذهب الأئمّة:
كالشّافعي (1)، وأبو حنيفة في رواية عنه (2):
إلى أنّه يُعَزَّى المسلم بالكافر، وبالعكس، والكافر غير الحربي.

قال الإمام ابن قدامة (ت620هـ) -رحمه الله تعالى-:
(وتوقَّف أحمد عن تعزية أهل الذِّمَّة وهي تُخرَّج على عيادتهم وفيها روايتان إحداهما: لا نعودهم؛ فكذلك لا نعزيهم، لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): “لا تبدؤوهم بالسلام"، وهذا في معناه؛ والثانية: نعودهم لما ورد من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: كان غلام يهودي يخدم النبي (صلى الله عليه وسلم) فمرض فأتاه النبي (صلى الله عليه وسلم) يعوده فقعد عند رأسه فقال له: “أسلم"، فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم? فأسلم فخرج النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو يقول: “الحمد لله الذي أنقذه من النار” (3) فعلى هذا نُعَزِّيهم) (4).

قال الإمام النووي (ت676هـ) -رحمه الله تعالى-:
(ويجوز للمسلم أن يُعَزّي الذِّمِّي بقريبه الذِّمِّي، فيقول أخلف الله عليك ولا نقص عددك) (5).
------------------------------------------
 (1) المجموع (5/275).
 (2) حاشية ابن عابدين (3/140).
 (3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز: باب إذا أسلم الصبي ومات هل يصلى عليه (فتح 3/582 -583 برقم 1356)، وأبو داود في كتاب الجنائز: باب في عيادة الذمي (3/240 برقم 3095).
 (4) المغني (3/486).
 (5) روضة الطالبين (2/145).


والذي يظهر أنه يجوز تعزيتهم عند الوفاة، وعيادتهم عند المرض، ومواساتهم عند المصيبة.

والدليل:
حديث أنس بن مالك –رحمه الله- السابق.

وعن أنس بن مالك –رحمه الله- أيضاً:
(أن يهودياً دعا النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى خبز شعير، وإهالة سنخة (1) فأجابه (2)).

وجاء عند ابن أبي شيبة:
أن أبا الدرداء -رضي الله عنه- عاد جاراً له يهودي (3).

وينبّه على أن المسلم إذا فعل ذلك فعليه أن ينوي بذلك دعوتهم، وتأليف قلوبهم على الإسلام، ويدعوهم بالطريقة المناسبة في الوقت المناسب.

كما ينبّه أيضاً على أنه في حالة التعزية لا يُدعى لميّتهم بالمغفرة والرحمة أو الجنة، لقوله تعالى: "مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ” (4).
------------------------------------------
 (1) الإهالة: ما أذيب من الإلية والشحم، وقيل الدسم الجامد؛ والسنخة: المتغيرة الرائحة (النهاية1/84).
 (2) أخرجه الإمام أحمد (3/123) واللفظ له، وأخرجه البخاري في كتاب البيوع: باب شراء النبي (صلى الله عليه وسلم) بالنسيئة (الفتح 5/22 برقم 2069)، وأخرجه الترمذي في كتاب البيوع: باب ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل (3/511برقم 1215) وقال عنه حسن صحيح، وأخرجه النسائي في كتاب البيوع: باب الرهن في الحضر (7/ 332-333برقم 4623).
 (3) أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب الجنائز: باب في عيادة اليهود والنصارى (3/238).
 (4) سورة التوبة آية: 113.


وإنما يدعو لهم بما يناسب حالهم بحثهم على الصبر، ومواساتهم، وتذكيرهم بأن هذه سنّة الله في خلقه.

قال الإمام الألباني (ت1420هـ) -رحمه الله تعالى- عندما سئل عن تعزية الذمي قال:
(نعم يجوز) (1).

والإمام الألباني يقيد جواز تعزية الكافر بأن لا يكون حربياً، عدواً للمسلمين، فقد قال -رحمه الله تعالى- عقب إيراد أثر عقبة بن عامر الجهني: (أنه مر برجل هيئته هيأة مسلم، فسلم فرد عليه: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، فقال له الغلام إنه نصراني! فقام عقبة فتبعه حتى أدركه فقال: إن رحمة الله وبركاته على المؤمنين، لكن أطال الله حياتك، وأكثر مالك وولدك) (2).

قال الألباني -رحمه الله تعالى-:
(في هذا الأثر إشارة من الصحابي الجليل إلى جواز الدعاء بطول العمر، ولو للكافر، فللمسلم من باب أولى، ولكن لابد أن يلاحظ أن لا يكون الكافر عدواً للمسلمين، ويترشَّح منه جواز تعزية مثله بما في هذا الأثر) (3).
------------------------------------------
 (1) الموسوعة الفقهية الميسرة (4/185).
 (2) صحيح الأدب المفرد (ص: 430 رقم الأثر 1112).
 (3) المصدر السابق.



وقال الشيخ محمد بن عثيمين (ت1421هـ) -رحمه الله تعالى- عن تعزية الكافر في قريبه، أو صديقه:
(تعزية الكافر إذا مات له مَنْ يُعَزَّى له به من قريب أو صديق في هذا خلاف بين العلماء؛ فمن العلماء مَنْ قال: إن تعزيتهم حرام؛ ومنهم مَنْ قال: أنها جائزة؛ ومنهم مَنْ فَصَّلَ في ذلك فقال: إن كان في ذلك مصلحة كرجاء إسلامهم، وكَفِّ شرهم الذي لا يمكن إلا بتعزيتهم، فهو جائز وإلا كان حراماً.

والرَّاجح أنه إن كان يفهم من تعزيتهم إعزازهم وإكرامهم كانت حراماً، وإلا فيُنظر في المصلحة) (1).

وأفتت اللجنة الدائمة عن حكم تعزية الكافر القريب بما يلي:
(إذا كان القصد من التعزية أن يرغبهم في الإسلام فإنه يجوز ذلك، وهذا من مقاصد الشريعة، وهكذا إذا كان في دفع أذاهم عنه، أو عن المسلمين؛ لأن المصالح العامة الإسلامية تغتفر فيها المضار الجزئية) (2).

4-  مسألة: تعزية المسلم بالكافر.
اختلف العلماء -رحمهم الله تعالى- في تعزية الكافر.

فذهب الأئمّة:
كالشّافعي (3)، وأبو حنيفة في رواية عنه (4):
إلى أنّه يعزّى المسلم بالكافر، وبالعكس، والكافر غير الحربي؛ وذهب الإمام مالك (5): إلى أنّه لا يعزّى المسلم بالكافر.
------------------------------------------
 (1) فتاوى في أحكام الجنائز (ص: 353 رقم السؤال 317).
 (2) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/132).
 (3) المجموع (5/275).
 (4) حاشية ابن عابدين (3/140).
 (5) مواهب الجليل (3/41).


والذي يظهر أنه يجوز أن يُعَزَّى المسلم بالكافر، لكن ينبغي للمسلم أن يختار اللفظ الذي ليس فيه دعاء واستغفار للميت الكافر، لقوله (صلى الله عليه وسلم): "مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ” (1).

قال الشيرازي (2) -رحمه الله تعالى-:
(وإن عزى مسلماً بكافر، قال أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك) (3).

5-  مسألة: حكم قبول التعزية من أهل الكتاب، أو من غيرهم من الكفار.
إذا عَزَّى أهل الكتاب أحداً من المسلمين، فإنه لا بأس أن تُقبل منهم التعزية، مع الدعاء لهم بالهداية.

قال الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله تعالى-:
(نعم نقبل منهم التعزية، يعني إذا عزونا فلا حرج أن تُقبل منهم التعزية، وندعو لهم بالهداية) (4).
------------------------------------------
 (1) سورة التوبة آية: 113.
 (2) هو أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي، الشيرازي، فقيه صوفي ولد بفيروزباد، وتفقه في أول أمره بشيراز ثم ارتحل إلى بغداد فتفقه بها، وتوفي بها، له مؤلفات منها: (المهذب في الفقه)، و (النكت في الخلاف)، و (اللمع وشرحه)، و (التبصره في أصول الفقه)، و (المعونة في الجدل)، و (طبقات الفقهاء) وغيرها، توفي ببغداد في جماد الآخرة سنة (476هـ).
 (3) نص المهذب من شرحه المجموع (5/275)، وانظر المغني (3/486 رقم المسألة 385).
 (4) فتاوى في أحكام الجنائز (ص: 352 رقم السؤال 316).


6-  مسألة: حكم خروج المرأة للتعزية.
يجوز أن تخرج المرأة للتعزية، بشرط ألاَّ يكون في خروجها فتنة، وذلك بألاَّ تكون متبرجة ومتعطرة ونحو ذلك.

لما جاء من حديث عائشة -رضي الله عنها-:
(أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النساء ثم تفرقن -إلا أهلها وخاصتها- أمرت ببُرْمَةٍ من تَلبينة فطبِخَت, ثمّ صنع ثريدٌ فصُبّتِ التّلْبينَةُ (1) عليها ثم قالت: كلنَ منها, فإِنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: "التّلبينة مَجمّةٌ لفؤاد المريض, تَذهبُ ببعضِ الحُزْن” (2).
------------------------------------------
 (1) سيأتي بيانها (ص: 160).
 (2) أخرجه البخاري في كتاب الأطعمة: باب التلبينة (الفتح 10/690 برقم 5417) وهذا لفظ البخاري، وأخرجه الإمام مسلم في كتاب السلام: باب التلبينة مجمة لفؤاد المريض (4/1736 رقم 2216).


فاجتماع النساء عندها يدل على أنهن كن يأتين إلى عائشة -رضي الله عنها-، ثم يرجعن إلى بيوتهن بعد ذلك.

ولما جاء أيضاً من حديث عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال:
بينما نحن نسير مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذ بصر بامرأة لا تظن أنه عرفها، فلما توسط الطريق وقف حتى انتهت إليه فإذا فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لها: “ما أخرجك من بيتك يا فاطمة، قالت: أتيت أهل هذا الميت فترحَّمت إليهم وعزَّيتهم بميتهم، قال: لعلكِ بلغتِ معهم الْكُدَى (1)، قالت: معاذ الله أن أكون بلغتها، وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر، فقال لها: لو بلغتها معهم ما رأيتِ الجنة حتى يراها جَدُّ أبيكِ” (2).

قال السندي (ت1138هـ) -رحمه الله تعالى-:
(والحديث يدل على مشروعية التعزية، وعلى جواز خروج النساء لها) (3).

وقد سُئِلَتْ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن خروج المرأة للتعزية فكان الجواب كالتالي:
(يجوز أن تخرج المرأة للتعزية المشروعة إذا لم يوجد بخروجها محاذير أخرى، كتعطر وتبرج ونحو ذلك، مما يسبب الفتنة لها أو بها) (4).
------------------------------------------
 (1) (الْكُدَى) بضم ففتح مقصورًا جمع كُدْيَة بضم فسكون، وهي الأَرض الصُّلبة قيل أراد المقابر لأنّها كانت في مواضع صلبة. (حاشية السندي على النسائي 4/328).
 (2) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز: باب في التعزية (3/250 برقم 3123)، وأخرجه النسائي في كتاب الجنائز: باب النعي (4/327-328 برقم 1879)، وقال النسائي: ربيعة ضعيف، والحديث ضعفه الألباني كما في ضعيف سنن النسائي (ص: 69 برقم 1880)، وضعيف سنن أبي داود (ص: 256 برقم 3123).
 (3) سنن النسائي بحاشية السيوطي والسندي (4/328).
 (4) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/131).



الفصل الأول 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 02 مايو 2021, 2:50 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفصل الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الأول   الفصل الأول Emptyالسبت 16 ديسمبر 2017, 10:27 am

المبحث الرابع
من يُعَزَّى عند حلول المصيبة
التعزية شأنها عظيم، ولها في النفس أثر كبير، ولمكانتها الجليلة استحب الشارع الحكيم تعزية جميع مَنْ أصيب بمصيبة، وتتأكد التعزية -لما لها من وقع في النفوس، وتأثير في القلوب- لِمَنْ لا يقوى على تحمل المصيبة كالصبيان، وكبار السن، والعجزة، والنساء، وأما إذا خشيت الفتنة من تعزية النساء فلا يُعزيهن إلا محارمهن.

قال الإمام ابن قدامة (ت620هـ) -رحمه الله تعالى-:
(ويُستحب تعزية جميع أهل المصيبة، كبارهم و صغارهم، ويخص خيارهم، والمنظور إليه من بينهم ليستن به غيره، وذا الضعف منهم عن تحمل المصيبة لحاجته إليها، ولا يُعَزِّي الرجل الأجنبي شوابَّ النساء، مخافة الفتنة) (1).

وقال الإمام النووي (ت676هـ) -رحمه الله تعالى-:
(ويستحب أن يعم بالتعزية جميع أهل الميت وأقاربه الكبار والصغار، والرجال والنساء، إلا أن تكون المرأة شابة فلا يُعَزِّيها إلا محارمها؛ وقال أصحابنا: وتعزية الصُّلحاء والضُّعفاء على احتمال المصيبة والصبيان آكد) (2).
------------------------------------------
 (1) المغني (3/485)، وانظر: رد المحتار (حاشية ابن عابدين) (3/137).
 (2) الأذكار (ص: 160)، والمجموع (5/277).



وقال ابن مفلح (1) -رحمه الله تعالى-:
(ويعـم بها -أي التعزية- جميع أهل الميت حتى الصغير، لكن يكره لامرأة شابة أجنبية (2) (3).

وقال الإمام المرداوي (4) -رحمه الله تعالى-:
(ويُكره التعزية لامرأة شابة أجنبية للفتنة؛ قال في الفروع: يتوجه فيه ما في تشميتها إذا عطست) (5).
------------------------------------------
 (1) هو شيخ الإسلام الإمام الفقيه القدوة برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن مفلح الحنبلي الدمشقي، انتهت إليه رئاسة عصره، وباشر القضاء بدمشق أكثر من أربعين سنة، وصار مرجع الفقهاء والناس، والمعول عليه في الأمور، أخذ الحديث عن جده محمد بن مفلح، وعن ابن ناصر الدين الدمشقي، والحافظ ابن حجر العسقلاني، وكان كثير التعظيم لشيخ الإسلام ابن تيمية، ألف كتباً كثيرة، وتوفي بدمشق سنة (884هـ)، ودفن بها.
 (2) والدليل على جواز تعزية النساء ووعظهن وأمرهن بالمعروف، ونهيهن عن المنكر ما بوب به الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بقوله: باب قول الرجل للمرأة عند القبر: اصبري، ثم أورد حديث أنس بن مالك –رحمه الله- قال: مر النبي (صلى الله عليه وسلم) بامرأة تبكي فقال: "اتقي الله واصبري"؛ قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: عند شرحـه لهذا الحـديث قال: (قال الزين بن المنير -رحمه الله تعالى-: وموضع الترجمة من الفقه جواز مخاطبة الرجال النساء في مثل ذلك بما هو أمر بمعروف أو نهي عن منكر، أو موعظة، أو تعزية، وأن ذلك لا يختص بعجوز دون شابة لما يترتب على ذلك من المصالح الدينية والله أعلم). (فتح الباري 3/463) .
 (3) المبدع (2/286).
 (4) هو الإمام الفقيه المحدث الأصولي علاء الدين ، أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد بن محمد المرداوي، نسبة إلى (مردا)، قرية بقرب نابلس بفلسطين، ولد سنة (817هـ)، وحفظ القرآن الكريم وهو صغير، وتفقه على الشيخ تقي الدين بن قندس البعلي شيخ الحنابلة في وقته، فبرع، وفضل في فنون من العلوم، وانتهت إليه رياسة المذهب، له مصنفات كثيرة منها (التنقيح)، و (التحرير) وغيرهما، توفي بصالحية دمشق يوم الجمعة سنة (885هـ).
 (5) الإنصاف (2/396).


وقال الشيخ ابن عثيمين (ت1421هـ) -رحمه الله تعالى- عند شرحه لعبارة صاحب الزاد (1) (ويسن تعزية المصاب بالميت) قال:
(ولم يقل تعزية القريب من أجل الطرد والعكس فكل مصاب، ولو بعيداً فإنه يُعَزَّى، وكل مَنْ لم يصب ولو قريباً فإنه لا يعزى؛ مَنْ أصيب فَعَزِّهِ، ومَنْ لم يُصَبْ فلا تُعَزِّهِ) (2).

1-  مسألة: تعزية أهل المعاصي.
يجوز تعزية المسلم العاصي، ولعل في مواساته والوقوف معه في مثل هذه الأحوال ما يجعله يُقبل على الخير، ويُحسن فيما بقي من عمره، لكن لو قُوبل بالجفاء، وعدم المواساة، فقد يجعله يجد في نفسه على أهله من المسلمين؛ والشريعة جاءت بحُسن المَعشر، وطيب الكلام، وتحبيب النفوس لهذا الدين العظيم؛ والسيرة النبوية مليئة بمثل هذه المواقف من كسب النفوس، وترغيبها في هذا الدين.

فيُعَزَّى مَنْ وقع في مخالفة كشق جيب وغيرها وقت العزاء.

قال أبو داود:
قلت لأحمد: أرى الرجل قد شق على الميت؛ أعزيه؟ قال: لا يُترك حق لباطل (3).
------------------------------------------
 (1) المقصود زاد المستقنع في اختصار المقنع للعلامة شرف الدين أبو النجا موسى بن أحمد الحجاوي الدمشقي (ت960هـ).
 (2) الشرح الممتع (5/489).
 (3) مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود (ص: 190 رقم 927).


2-  مسألة: حكم التعزية فيمَنْ مات على معصية.
يجوز أن يُعزى فيمَنْ مات على معصية من المعاصي كبُرت أم صغُرت، ما دام أنه مسلم، ولم يحصل منه ما يوجب ردته، كمَنْ مات منتحراً، أو مات بسبب سُكْرٍ وغير ذلك، وكذلك يُعَزَّى فيمَنْ مات قِصَاصَاً أو حَدًّا؛ فإن هذا من حق المسلم على أخيه المسلم، وأما معصيته فأمرها إلى الله تعالى، والتعزية مواساة لأهل الميت، والدعاء للميت بالمغفرة.

وقد سُئِلَ الشيخ عبدالعزيز بن باز (ت1420هـ) -رحمه الله تعالى- عن هذه المسألة فقال:
(الحمد لله، لا بأس بالتعزية، بل تُستحب، وإن كان الفقيد عاصياً بانتحار أو غيره، كما تُستحب لأسرة مَنْ قُتِلَ قِصَاصَاً، أو حَدًّا، كالزَّاني المُحصَن، وهكذا مَنْ شرب المُسكر حتى مات بسبب ذلك، لا مانع في تعزية أهله فيه، ولا مانع من الدعاء له ولأمثاله من العُصاة بالمغفرة والرحمة، ويُغَسَّل ويُصَلَّى عليه، لكن لا يصلي عليه أعيان المسلمين مثل السلطان والقاضي ونحو ذلك، بل يصلي عليه بعض الناس من باب الزجر عن عمله السيء.

أما مَنْ مات بعدوان غيره عليه فهذا مظلوم، يُصلَّى عليه ويُدعى له إذا كان مسلمـاً، وكذا مَنْ مات قصاصاً -كما تقدم- فهذا يُصلّى عليه ويُدعى له ويُعَزَّى أهله في ذلك إذا كان مسلماً ولم يحصل منه ما يوجب رِدته. والله ولي التوفيق) (1).
------------------------------------------
 (1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 13/ 374.


3-  مسألة: تعزية  الكافر.
اختلف العلماء -رحمهم الله تعالى- في تعزية الكافر.

فذهب الأئمّة:
كالشّافعي (1)، وأبو حنيفة في رواية عنه (2):
إلى أنّه يُعَزَّى المسلم بالكافر، وبالعكس، والكافر غير الحربي.

قال الإمام ابن قدامة (ت620هـ) -رحمه الله تعالى-:
(وتوقَّف أحمد عن تعزية أهل الذِّمَّة وهي تُخرَّج على عيادتهم وفيها روايتان إحداهما: لا نعودهم؛ فكذلك لا نعزيهم، لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): “لا تبدؤوهم بالسلام"، وهذا في معناه؛ والثانية: نعودهم لما ورد من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: كان غلام يهودي يخدم النبي (صلى الله عليه وسلم) فمرض فأتاه النبي (صلى الله عليه وسلم) يعوده فقعد عند رأسه فقال له: “أسلم"، فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم? فأسلم فخرج النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو يقول: “الحمد لله الذي أنقذه من النار” (3) فعلى هذا نُعَزِّيهم) (4).

قال الإمام النووي (ت676هـ) -رحمه الله تعالى-:
(ويجوز للمسلم أن يُعَزّي الذِّمِّي بقريبه الذِّمِّي، فيقول أخلف الله عليك ولا نقص عددك) (5).
------------------------------------------
 (1) المجموع (5/275).
 (2) حاشية ابن عابدين (3/140).
 (3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز: باب إذا أسلم الصبي ومات هل يصلى عليه (فتح 3/582 -583 برقم 1356)، وأبو داود في كتاب الجنائز: باب في عيادة الذمي (3/240 برقم 3095).
 (4) المغني (3/486).
 (5) روضة الطالبين (2/145).


والذي يظهر أنه يجوز تعزيتهم عند الوفاة، وعيادتهم عند المرض، ومواساتهم عند المصيبة.

والدليل:
حديث أنس بن مالك –رحمه الله- السابق.

وعن أنس بن مالك –رحمه الله- أيضاً:
(أن يهودياً دعا النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى خبز شعير، وإهالة سنخة (1) فأجابه (2)).

وجاء عند ابن أبي شيبة:
أن أبا الدرداء -رضي الله عنه- عاد جاراً له يهودي (3).

وينبّه على أن المسلم إذا فعل ذلك فعليه أن ينوي بذلك دعوتهم، وتأليف قلوبهم على الإسلام، ويدعوهم بالطريقة المناسبة في الوقت المناسب.

كما ينبّه أيضاً على أنه في حالة التعزية لا يُدعى لميّتهم بالمغفرة والرحمة أو الجنة، لقوله تعالى: "مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ” (4).
------------------------------------------
 (1) الإهالة: ما أذيب من الإلية والشحم، وقيل الدسم الجامد؛ والسنخة: المتغيرة الرائحة (النهاية1/84).
 (2) أخرجه الإمام أحمد (3/123) واللفظ له، وأخرجه البخاري في كتاب البيوع: باب شراء النبي (صلى الله عليه وسلم) بالنسيئة (الفتح 5/22 برقم 2069)، وأخرجه الترمذي في كتاب البيوع: باب ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل (3/511برقم 1215) وقال عنه حسن صحيح، وأخرجه النسائي في كتاب البيوع: باب الرهن في الحضر (7/ 332-333برقم 4623).
 (3) أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب الجنائز: باب في عيادة اليهود والنصارى (3/238).
 (4) سورة التوبة آية: 113.


وإنما يدعو لهم بما يناسب حالهم بحثهم على الصبر، ومواساتهم، وتذكيرهم بأن هذه سنّة الله في خلقه.

قال الإمام الألباني (ت1420هـ) -رحمه الله تعالى- عندما سئل عن تعزية الذمي قال:
(نعم يجوز) (1).

والإمام الألباني يقيد جواز تعزية الكافر بأن لا يكون حربياً، عدواً للمسلمين، فقد قال -رحمه الله تعالى- عقب إيراد أثر عقبة بن عامر الجهني: (أنه مر برجل هيئته هيأة مسلم، فسلم فرد عليه: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، فقال له الغلام إنه نصراني! فقام عقبة فتبعه حتى أدركه فقال: إن رحمة الله وبركاته على المؤمنين، لكن أطال الله حياتك، وأكثر مالك وولدك) (2).

قال الألباني -رحمه الله تعالى-:
(في هذا الأثر إشارة من الصحابي الجليل إلى جواز الدعاء بطول العمر، ولو للكافر، فللمسلم من باب أولى، ولكن لابد أن يلاحظ أن لا يكون الكافر عدواً للمسلمين، ويترشَّح منه جواز تعزية مثله بما في هذا الأثر) (3).
------------------------------------------
 (1) الموسوعة الفقهية الميسرة (4/185).
 (2) صحيح الأدب المفرد (ص: 430 رقم الأثر 1112).
 (3) المصدر السابق.



وقال الشيخ محمد بن عثيمين (ت1421هـ) -رحمه الله تعالى- عن تعزية الكافر في قريبه، أو صديقه:
(تعزية الكافر إذا مات له مَنْ يُعَزَّى له به من قريب أو صديق في هذا خلاف بين العلماء؛ فمن العلماء مَنْ قال: إن تعزيتهم حرام؛ ومنهم مَنْ قال: أنها جائزة؛ ومنهم مَنْ فَصَّلَ في ذلك فقال: إن كان في ذلك مصلحة كرجاء إسلامهم، وكَفِّ شرهم الذي لا يمكن إلا بتعزيتهم، فهو جائز وإلا كان حراماً.

والرَّاجح أنه إن كان يفهم من تعزيتهم إعزازهم وإكرامهم كانت حراماً، وإلا فيُنظر في المصلحة) (1).

وأفتت اللجنة الدائمة عن حكم تعزية الكافر القريب بما يلي:
(إذا كان القصد من التعزية أن يرغبهم في الإسلام فإنه يجوز ذلك، وهذا من مقاصد الشريعة، وهكذا إذا كان في دفع أذاهم عنه، أو عن المسلمين؛ لأن المصالح العامة الإسلامية تغتفر فيها المضار الجزئية) (2).

4-  مسألة: تعزية المسلم بالكافر.
اختلف العلماء -رحمهم الله تعالى- في تعزية الكافر.

فذهب الأئمّة:
كالشّافعي (3)، وأبو حنيفة في رواية عنه (4):
إلى أنّه يعزّى المسلم بالكافر، وبالعكس، والكافر غير الحربي؛ وذهب الإمام مالك (5): إلى أنّه لا يعزّى المسلم بالكافر.
------------------------------------------
 (1) فتاوى في أحكام الجنائز (ص: 353 رقم السؤال 317).
 (2) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/132).
 (3) المجموع (5/275).
 (4) حاشية ابن عابدين (3/140).
 (5) مواهب الجليل (3/41).


والذي يظهر أنه يجوز أن يُعَزَّى المسلم بالكافر، لكن ينبغي للمسلم أن يختار اللفظ الذي ليس فيه دعاء واستغفار للميت الكافر، لقوله (صلى الله عليه وسلم): "مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ” (1).

قال الشيرازي (2) -رحمه الله تعالى-:
(وإن عزى مسلماً بكافر، قال أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك) (3).

5-  مسألة: حكم قبول التعزية من أهل الكتاب، أو من غيرهم من الكفار.
إذا عَزَّى أهل الكتاب أحداً من المسلمين، فإنه لا بأس أن تُقبل منهم التعزية، مع الدعاء لهم بالهداية.

قال الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله تعالى-:
(نعم نقبل منهم التعزية، يعني إذا عزونا فلا حرج أن تُقبل منهم التعزية، وندعو لهم بالهداية) (4).
------------------------------------------
 (1) سورة التوبة آية: 113.
 (2) هو أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي، الشيرازي، فقيه صوفي ولد بفيروزباد، وتفقه في أول أمره بشيراز ثم ارتحل إلى بغداد فتفقه بها، وتوفي بها، له مؤلفات منها: (المهذب في الفقه)، و (النكت في الخلاف)، و (اللمع وشرحه)، و (التبصره في أصول الفقه)، و (المعونة في الجدل)، و (طبقات الفقهاء) وغيرها، توفي ببغداد في جماد الآخرة سنة (476هـ).
 (3) نص المهذب من شرحه المجموع (5/275)، وانظر المغني (3/486 رقم المسألة 385).
 (4) فتاوى في أحكام الجنائز (ص: 352 رقم السؤال 316).


6-  مسألة: حكم خروج المرأة للتعزية.
يجوز أن تخرج المرأة للتعزية، بشرط ألاَّ يكون في خروجها فتنة، وذلك بألاَّ تكون متبرجة ومتعطرة ونحو ذلك.

لما جاء من حديث عائشة -رضي الله عنها-:
(أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النساء ثم تفرقن -إلا أهلها وخاصتها- أمرت ببُرْمَةٍ من تَلبينة فطبِخَت, ثمّ صنع ثريدٌ فصُبّتِ التّلْبينَةُ (1) عليها ثم قالت: كلنَ منها, فإِنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: "التّلبينة مَجمّةٌ لفؤاد المريض, تَذهبُ ببعضِ الحُزْن” (2).
------------------------------------------
 (1) سيأتي بيانها (ص: 160).
 (2) أخرجه البخاري في كتاب الأطعمة: باب التلبينة (الفتح 10/690 برقم 5417) وهذا لفظ البخاري، وأخرجه الإمام مسلم في كتاب السلام: باب التلبينة مجمة لفؤاد المريض (4/1736 رقم 2216).


فاجتماع النساء عندها يدل على أنهن كن يأتين إلى عائشة -رضي الله عنها-، ثم يرجعن إلى بيوتهن بعد ذلك.

ولما جاء أيضاً من حديث عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال:
بينما نحن نسير مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذ بصر بامرأة لا تظن أنه عرفها، فلما توسط الطريق وقف حتى انتهت إليه فإذا فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لها: “ما أخرجك من بيتك يا فاطمة، قالت: أتيت أهل هذا الميت فترحَّمت إليهم وعزَّيتهم بميتهم، قال: لعلكِ بلغتِ معهم الْكُدَى (1)، قالت: معاذ الله أن أكون بلغتها، وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر، فقال لها: لو بلغتها معهم ما رأيتِ الجنة حتى يراها جَدُّ أبيكِ” (2).

قال السندي (ت1138هـ) -رحمه الله تعالى-:
(والحديث يدل على مشروعية التعزية، وعلى جواز خروج النساء لها) (3).

وقد سُئِلَتْ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن خروج المرأة للتعزية فكان الجواب كالتالي:
(يجوز أن تخرج المرأة للتعزية المشروعة إذا لم يوجد بخروجها محاذير أخرى، كتعطر وتبرج ونحو ذلك، مما يسبب الفتنة لها أو بها) (4).
------------------------------------------
 (1) (الْكُدَى) بضم ففتح مقصورًا جمع كُدْيَة بضم فسكون، وهي الأَرض الصُّلبة قيل أراد المقابر لأنّها كانت في مواضع صلبة. (حاشية السندي على النسائي 4/328).
 (2) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز: باب في التعزية (3/250 برقم 3123)، وأخرجه النسائي في كتاب الجنائز: باب النعي (4/327-328 برقم 1879)، وقال النسائي: ربيعة ضعيف، والحديث ضعفه الألباني كما في ضعيف سنن النسائي (ص: 69 برقم 1880)، وضعيف سنن أبي داود (ص: 256 برقم 3123).
 (3) سنن النسائي بحاشية السيوطي والسندي (4/328).
 (4) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/131).



الفصل الأول 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 02 مايو 2021, 2:50 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفصل الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الأول   الفصل الأول Emptyالسبت 16 ديسمبر 2017, 10:32 am

المبحث السادس
صور من المواساة والتعزية بين الإخوان
إن هذه الأمة المحمدية أمة متماسكة ومترابطة، وهي كما وصفها النبي (صلى الله عليه وسلم) كالجسد الواحد، وإن مما يقوي أواصر المحبة بين المسلمين بعضهم ببعض، هي ما يقومون به من التهنئة بالأفراح، والمواساة على المصائب والأتراح، وقد ضرب لنا سلفنا الكرام في ذلك أروع الأمثلة.

ومنها في باب المواساة والتعزية ما يلي:
1ـ ما جاء في موطأ الإمام مالك –رحمه الله-:

عن القاسم بن محمد أنه قال: هلكت امرأة لي؛ فأتاني محمد بن كعب القرظي يُعزيني بها. فقال: إنه كان في بني إسرائيل رجل فقيه عالم عابد مجتهد وكانت له امرأة وكان بها معجباً، ولها محباً فماتت، فوجد عليها وجداً شديداً، ولقي عليها أسفًا، حتى خلا في بيت وغلق على نفسه واحتجب من الناس، فلم يكن يدخل عليه أحد، وإن امرأة سمعت به فجاءته، فقالت: إن لي إليه حاجة أستفتيه فيها ليس يجزيني فيها إلا مشافهته، فذهب الناس ولزمت بابه، وقالت: ما لي منه بد. فقال: له قائل إن هاهنا امرأة أرادت أن تستفتيك. وقالت إن أردت إلا مشافهته وقد ذهب الناس وهي لا تفارق الباب. فقال: ائذنوا لها، فدخلت عليه، فقالت: إني جئتك أستفتيك في أمر، قال: وما هو؟ قالت: إني استعرت من جارة لي حُليًا فكنت ألبسه وأعيره زماناً، ثم إنهم أرسلوا إلي فيه، أفأؤديه إليهم؟! فقال: نعم والله. فقالت: إنه قد مكث عندي زمانًا. فقال: ذلك أحق لردك إياه إليهم حين أعاروكيه زماناً. فقالت: أي يرحمك الله أفتأسف على ما أعارك الله ثم أخذه منك، وهو أحق به منك؟! فأبصر ما كان فيه ونفعه الله بقولها (1).

2ـ روى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي -رحمهما الله تعالى-:

أن الشافعي بلغه أن عبدالرحمن بن مهدي -رحمه الله تعالى- مات له ابن فجزع عليه عبدالرحمن جزعاً شديداً، فبعث إليه الشافعي: يا أخي عزِّ نفسك بما تُعَزِّي به غيرك، واستقبح من فعلك ما تستقبحه من فعل غيرك؛ واعلم أن أمضَّ المصائب فقد سرور وحرمان أجر، فكيف إذا اجتمعا مع اكتساب الوزر؟ فتناول حظك يا أخي إذا قرب منك قبل أن تطلبه وقد نأى عنك، ألهمك عند المصائب صبراً، وأحرز لنا ولك بالصبر أجراً...

وكتب إليه:
إني معزيك لا أني على ثقـة       مــن البقــاء ولكـن سنــة الدينِ
فما المُعَزَّى ببــاق بعـد مَيِّتِه       ولا المُعزِّي ولو عاشا إلى حينِ
(2)

3ـ وكتب رجل إلى بعض إخوانه يُعَزّيه بابنه:
(أما بعد، فإن الولد على والده ما عاش حزن وفتنة، فإذا قدمه فصلاة ورحمة، فلا تجزع على ما فاتك من حزنه وفتنته، ولا تضيع ما عوضك الله -تعالى- من صلاته ورحمته) (3).
------------------------------------------
 (1) أخرجه الإمام مالك في كتاب الجنائز: باب جامع الحسبة في المصيبة (ص: 228).
 (2) الأذكار (ص: 161-162).
 (3) الأذكار (ص: 162).


4ـ وجاء عن الحسن البصري -رحمه الله تعالى-:

أن رجلاً جزع على ولده وشكا ذلك إليه، فقال الحسن: (كان ابنك يغيب عنك؟ قال: نعم، كانت غيبته أكثر من حضوره، قال: فاتركه غائباً، فإنه لم يغب عنك غيبة الأجر لك فيها أعظم من هذه، فقال: يا أبا سعيد هونت علىَّ وجْدي على ابني) (1).

5ـ وأورد الإمام الذهبي (ت748هـ) -رحمه الله تعالى- في سيرة عروة بن الزبير بن العوام -رضي الله عنهما- قول ابن خلكان قال:
كان أحسن من عَزَّاه إبراهيم بن محمد بن طلحة قال: (والله ما بك حاجة إلى المشي، ولا أرب في السعي، وتقدَّمَك عضوٌ من أعضائك، وابن من أبنائك إلى الجنة، والكل تبع للبعض إن شاء الله تعالى، وقد أبقى الله لنا منك ما كنا إليه فقراء، من علمك ورأيك، والله ولىُّ ثوابك، والضمين بحسابك) (2).

6ـ وعزى الشاعر يزيد بن عمر الكلابي الخليفة عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله تعالى- بوفاة ابنه عبدالملك فقال:
تعـزّ أميــر المـؤمنين فـإنه     لما قد ترى يغذى الصغير ويولد
هل ابنك إلا من سـلالة آدم     لكل علــى حـوض المنيــة مورد
(3).
------------------------------------------
 (1) الأذكار (ص: 162).
 (2) سير أعلام النبلاء (4/434).
 (3) لآلئ الشعر في الرثاء (ص: 11).



7ـ قال الأصمعي:
شهدت صالحاً المُرِّي عَزَّى رجلاً، فقال: (لئن كانت مصيبتُك بابنك لم تُحدث لك موعظة في نفسك، فهي هينة في جنب مصيبتك بنفسك فإيَّاها فابكِ) (1).

8 ـ وكتب زين الإسلام من طوس تعزية في شيخ الإسلام أحمد بن عبدالسلام بن تيمية (728هـ) -رحمه الله تعالى-:
(أليس لم يَجْسُر مُفْتر أن يكذب على رسول الله في وقته؟ أليست السنة كانت بمكانة منصورة، والبدعة لفرط حشمته مقهورة؟ أليس كان داعياً إلى الله، هادياً عباد الله، شاباً لا صبوة له، كهلاً لا كبوة له، شيخاً لا هفوة له، يا أصحاب المحابر وطؤوا رحالكم، قد غيب من كان عليه إلمامكم، ويا أرباب المنابر أعظم الله أجوركم، فقد مضى سيدكم وإمامكم) (2).
------------------------------------------
 (1) سير أعلام النبلاء (8/47-48)، سيرة صالح المري -رحمه الله تعالى-.
 (2) سير أعلام  النبلاء (18/43).


9ـ قال الشيخ حسن بن حسين بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب -على الجميع رحمة الله تعالى- في تعزيته لبعض إخوانه:
(المأمول فيكم الصبر والاحتساب، والتعزي بعزاء الله -تعالى-، فقد قال بعض العلماء: إنك لن تجد أهل العلم والإيمان إلا وهم أقل الناس انزعاجاً عند المصائب، وأحسنهم طمأنينة، وأقلهم قلقاً عند النوازل، وما ذاك إلا لما أوتوا مما حرمه الجاهلون.

قال الله تعالى:
"وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ” (1)، فهذه الكلمة من أبلغ علاج المصائب، وأنفعه له في العاجلة والآجلة.
------------------------------------------
 (1) سورة البقرة آية: 155-157.


فإنها تضمن أصلين عظيمين، إذا تحقق العبد بمعرفتهما تسلى عن مصيبته:
أولاً:
أن العبد وأهله وماله وملكه لله -تعالى- يتصرف فيه، حيث جعله تبارك وتعالى عند عبده عارية، والمعير مالك قاهر قادر، وهو محفوف بعدمين، عدم قبله، وعدم بعده، وملك العبد متعة معارة.

الثاني:
أن مصير العبد ومرجعه ومرده إلى مولاه الحق، الذي له الحكم والأمر، ولابد أن يخلف ما خوله في هذه الدار وراء ظهره، ويأتي فرداً، بلا أهل ولا مال ولا عشيرة، ولكن بالحسنات والسيئات، ومن هذا حاله لا يأسف على مفقود؛ وإذا علم المؤمن علم اليقين أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، هانت عليه المصيبة.

وقد قيل:
ما قد قضى يا نفس فاصطبري له      ولك الأمــان من الذي لم يُقدر
وتعلـمـــي أن الـمـقـــــدر كـائـن      يجري عليك عذرت أم لم تُعذر

ومن صفات المؤمن:
أنه عند الزلازل وقور، وفي الرخاء شكور؛ ومما يخفف المصائب برد التأسِّي، فانظروا يميناً وشمالاً، وأماماً ووراء، فإنكم لا تجدون إلا مَنْ قد وقع به ما هو أعظم من مصيبتكم أو مثلها أو قريب منها، ولم يبق إلا التفاوت في عوض الفائت، أعوذ بالله من الخسران، ولو أمعن البصير في هذا العالم جميعه، لم يرَ إلا مبتلى إما بفوات محبوب، أو حصول مكروه، وأن سرور الدنيا أحلام ليل، أو كظل زائل، إن أضحكت قليلاً أبكت كثيراً، وإن سرت يوماً أساءت دهراً، جمعها إلى انصداع، ووصلها إلى انقطاع، إقبالها خديعة، وإدبارها فجيعة، لا تدوم أحوالها، ولا يسلم نزاله، حالها انتقال، وسكونها زوال، غرارة خدوع، معطية منوع، ملبسة نزوع، ويكفي في هوانها على الله: أنه لا يعصى إلا فيها، ولا ينال ما عنده إلا بتركها.

مع أن المصائب من حيث هي رحمة للمؤمن، وزيادة في درجاته، كما قال بعض السلف: لولا مصائب الدنيا لوردنا الآخرة مفاليس، والرب سبحانه لم يرسل البلاء إلى العبد ليهلكه، ولا ليعذبه، ولكن امتحان لصبره ورضاه عنده، واختباراً لإيمانه، وليراه طريحاً ببابه لائذاً بجنابه، منكسر القلب بين يديه؛ فهذا من حيث المصائب الدنيوية؛ وأما ما جرى عليكم، فأنتم به بالتهنئة أجدر من التعزية، ولعمر الله أن من سلم له دينه، فالمحن في حقه منح، والبلايا عطايا، والمكروهات له محبوبات، وأما المصيبة والخطب الأكبر، والكسر الذي لا يجبر، والعثار التي لا تقال، فهي المصيبة في الدين، كما قيل:

من كل شيء إذا ضيعته عوض      وما من الله إن ضيعته عوض

وقد مضت عادة أحكم الحاكمين لِمَنْ أراد به خيراً، أن يقدم الابتلاء بين يديه) (1).

10ـ قال الشيخ حمد بن عتيق -رحمه الله تعالى- في تعزيته لبعض إخوانه:
(قال الله تعالى: "وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ” (2).

وقال -تعالى-:
"كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ” (3).

وقال النبي (صلى الله عليه وسلم):
"إن روح القُدُس نفث في رَوْعِي، أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب".

والصبر هو مفزع المؤمنين؛ والرضا بالقضاء هو محط رحال العارفين، طمعاً فيما وعد به رب العالمين.

قال الله -تعالى-:
"وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ” (4) (5).
------------------------------------------
 (1) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (5/ 163-166).
 (2) سورة الأنبياء آية: 34.
 (3) سورة آل عمران آية: 185.
 (4) سورة البقرة آية: 155-157.
 (5) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (5/166).


11ـ قال الشيخ إسحاق بن عبدالرحمن -رحمه الله تعالى- يعزي أخاً له في الابن عبدالله:
(اللهم أحسن عزاهم فيه، وأعظم لهم الأجور، وألهمهم التسليم للمقدور، نقول جميعاً كما قال الصابرون: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، فالله الله  أوصيك أخي أن تتدرع بالرضا، وتسلم للقضاء، فالمصاب من حرم الثواب، واذكر آية في كتاب الله تشرح للمؤمن صدره، وتجلب له صبره، وتهون خطبه، وتذكره ربه.

قـال الله -تعالى-:
"وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ” (1).

وقال -تعالى-:
"قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ” (2).
------------------------------------------
 (1) سورة البقرة آية: 155-157.
 (2) سورة الزمر آية: 10.


وفي الصحيح عن صهيب -رضي الله عنه- مرفوعاً:
”عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سَرَّاءَ شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضَرَّاءَ صبر فكان خيراً له".

وكان أيوب -عليه السلام-: كلما أصابته مصيبة، يقول:
(اللهم أنت أخذت، وأنت أبقيت، مهما تبقى نفسي أحمدك على بلائك؛ وفي الحديث: “إن كل مصيبة آخرها الصبر، وإنما يحمد عند حدوثها، لأن مصير ذي الجزع إلى السلوان".

وروى البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً:
“مَنْ يرد الله به خيراً يصب منه".

وعنه مرفوعاً:
“ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة، في نفسه وولده وماله، حتى يلق الله وما عليه خطيئة".

وأخرج النسائي عن أبي سلمى -رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: “بخ بخ لخمس، ما أثقلهن في الميزان، لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، والولد الصالح يتوفى للمؤمن فيحتسبه” إلى غير ذلك مما فيه تسلية للمؤمن، وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى) (1).
------------------------------------------
 (1) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (5 /167- 168).



الفصل الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الفصل الأول
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: فـقـــــــه الــدنــيــــا والديـــــن :: فقه الجنائز والتعزيـة-
انتقل الى: