سورة القلم
{ نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ } * { مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } * { وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ } * { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } * { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ } * { بِأَيِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ } * { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ }
شرح الكلمات:
{ ن~ } : هو أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا ن~ ويُقرأ نُون.
{ والقلم وما يسطرون } : أي والقلم الذي كتب به الذكر (القدر) والذي يخطون ويكتبون.
{ ما أنت بنعمة ربك } : أي لست بما أنعم الله عليك من النبوة وما وهبك من الكمال.
{ بمجنون } : أي بذع جنون كما يزعم المشركون.
{ غير ممنون } : أي غير مقطوع بل هو دائم أبدا.
{ بأيكم المفتون } : أي بأيكم الجنون.
معنى الآيات:
قوله تعالى { ن~ } هذا أحد الحروف المقطعة نحو ق~، وص~، وحم~ الله أعلم بمراده به وقوله تعالى (والقلم وما يسطرون } أي والقلم الذي كتب أول ما خلق وقال له اكتب فقال ما اكتب قال اكتب ما هو كائن الى يوم القيامة فجرى بذلك وما يسطرون أي وما تسطره وتكتبه الملائكة نقلا من اللوح المحفوظ، وما يكتبه الكرام الكاتبون من أعمال العباد قسمي أي أقسم تعالى بشيئين الأول القلم، والثاني ما سطر به وكتب مما خلق من كل شيء. والمقسم عليه قوله { ما أنت بنعمة ربك بمجنون } تكذيب للمشركين الذي قالوا إن محمداً مجنون بسبب ما رأوا من الوحي والتأثير به على من هداه الله للإيمان، وقوله تعالى { وإن لك لأجراً غير ممنون } هذا داخل تحت القسم أي مقسم عليه وهو أن للنبي صلى الله عليه وسلم أجراً غير مقطوع أبداً بسبب ما قدمه من أعمال صالحة أعظمها ما بينه من الهدى وما سنه من طرق الخير إذ من سن سُنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها الى يوم الدين كما أن الجنة أجر كل عمل صالح وللرسول فيها أجر غير مقطوع بل له أعلاها وأفضلها وقوله { وإنك لعلى خلق عظيم } هذا أيضاً داخل في حيز المقسم عليه وهو أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم لعلى خلق أي أدب عظيم حيث أدبه ربه فكيف لا يكون أكمل الخلق أدباً وسيرته وما خوطب به في القرآن من مثل خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين. ومثل وشاورهم في الأمر ومثل لو كنت فظاً غليظ القلب لأنفضوا من حولك الى غير ذلك من الآداب الرفيعة التي أدب الله بها رسوله مما جعله أكمل الناس أدباً وخلقاً وقد سئلت عائشة عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت كان خلقه القرآن وقال هو عن نفسه أدبني ربي فأحسن تأديبي وقال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.
وقوله تعالى { فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون } أي دم على ما أنت عليه من الكمال يا رسولنا واصبر على دعوتنا فستبصر بعد قليل من الزمن ويبصر قومك المتهمون لك بالجنون بأيكم المفتون أي المجنون أنت - وحاشاك - أو هم. وقوله تعالى { إن ربك هو أعلم بما ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين } في هذا الخبر تعزية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتسلية له ليبصر على دعوة الله أعلم بالمهتدين معناه أن سيعذب حسب سنته الضال وسيرحم المهتدي.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- تقرير مسألة أن الله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه.
2- بيان فضل القلم الذي يكتب به الهدى والخير.
3- تقرير عقيدة القضاء والقدر إذ كان ذلك بالقلم الذي أول ما خلق الله.
4- بيان كمال الرسول صلى الله عليه وسلم في أدبه وأخلاقه وجعله قدوة في ذلك.
{ فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ } * { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } * { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } * { هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ } * { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } * { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } * { أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ } * { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ }
شرح الكلمات:
{ ودّوا لو تدهن } : أي تمنوا وأحبوا لو تلين لهم بأن لا تذكر آلهتهم بسوء.
{ فُيدهنون } : فيلينون لك ولا يغلظون لك في القول.
{ كل حلاف مهين } : أي كثير الحلف بالباطل حقير.
{ هماز مشاء بنميم } : أي عياب مغتاب.
{ معتد أثيم } : أي على الناس بأذيتهم في أنفسهم وأموالهم أثيم يرتكب الجرائم والآثام.
{ عتل بعد ذلك زنيم } : أي غليظ جاف. زنيم دعي في قريش وليس منهم وهو الوليد بن المغيرة.
{ قال أساطير الأولين } : أي ما وردته الأولون من قصص وحكايات وليس بوحي قرآني.
{ سنسمه على الخرطوم } : أي سنجعل على أنفه علامة يعير بها ما عاش فخطم أنفه بالسيف يوم بدر.
معنى الآيات:
قوله تعالى { فلا تطع المكذبين } أي بناء على أنك أيها الرسول مهتد وقومك ضالون فلا تطع هؤلاء الضالين المكذبين بالله ولقائه وبك وبما جئت به من الدين الحق وقوله { ودوا لو تدهن فيدهنون } أي ومما يؤكد لك عدم مشروعية طاعتهم فيما يطالبون ويقترحونه عليك أنهم ودوا أي تمنوا وأحبوا لو تلين لهم فتمالئهم بسكوتك عن آلهتهم فيدهنون بالكف عن أذيتك بترك السبّ والشتم. وقوله تعالى { ولا تطع كل حلاف مهين } بعدما نهاه عن إطاعة الكافرين عامة نهاه عن طاعة أفراد شريرين لا خير فيهم البتة كالوليد بن المغيرة فقال: { ولا تطع كل حلاف } كثير الحلف بالباطل { مهين } أي حقير. { هماز } عياب { مشاء بنميم } أي مغتاب نمام ينقل الحديث على وجه الإفساد { مناع للخير } أي يبخل بالمال أشد البخل { معتد أثيم } أي ظالم للناس معتدٍ على أموالهم وأنفسهم { أثيم } كثير الإثم لغشيانه المحرمات وقوله { عتل بعد ذلك زنيم } أي غليظ الطبع جاف لا أدب معه. { زنيم } أي دعي في قريش وليس منهم. وقوله تعالى { أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين } أي لأجل إن كان ذا مال وبنين حمله الشعور بالغنى على التكذيب بآيات الله فإذا تُليت عليه وسمعها قال أساطير الأولين رداً لها ووصفها بأنها أسطورة أي أكذوبة مسطرة ومكتوبة من أساطير الأولين من الأمم الماضية. قال تعالى { سنسمه على الخرطوم } أي نجعل له سمة شر وقبح يعرف بها مدى حياته تكون بمثابة من جدع أنفه أو رسم على أنفه فكل من رآه استقبح منظره.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- التنديد بأصحاب الصفات التالية كثرة الحلف بالكذب، المهانة، الهمزة النميمة، الغيبة، البخل، الأعتداء، غشيان الذنوب، الغلظة والجفاء، الشهرة بالشر.
2- التحذير من كثرة المال والولد فإنها سبب الطغيان
{ إن الإنسان ليطغى أن آراه استغنى }
3- التنديد بالمكذبين بآيات الله تعالى جملة أو تفصيلاً. والعياذ بالله تعالى.
{ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } * { وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } * { فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ } * { فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ } * { فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ } * { أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ } * { فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ } * { أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ } * { وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ } * { فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوۤاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ } * { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } * { قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ } * { قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } * { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ } * { قَالُواْ يٰوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ } * { عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ } * { كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }
شرح الكلمات:
{ إنا بلوناهم } : أي امتحنا كفار مكة بالمال والولد والجاه والسيادة فلم يشكروا نعم الله عليهم بل كفروا بها تكذيبهم رسولنا وإنكارهم توحيدنا فأصبناهم بالقحط والقتل لعلهم يتوبون كما امتحنا أصحاب الجنة المذكورين في هذا السياق.
{ ليصر منها فطاف عليها طائف من ربك } : أي ليجدُنها أي يقطعون ثمارها صباحاً.
{ وهو نائمون } : أي نار فأحرقتها.
{ فأصبحت كالصريم } : أي كالليل الأسود الشديد الظلمة والسواد.
{ على حرثكم } : أي غلة جنتكم وقيل حرث لأنهم عملوا فيها.
{ وهم يتخافتون } : أي يتشاورن بأصوات مخفوضة غير رفيعة حتى لا يسمع بهم.
{ وغدوا على حرد قادرين } : أي وغدوا صباحا على قصد قادرين على صرمها قبل أن يطلع عليهم المساكين.
{ إنا لضالون } : أي مخطئوا الطريق أي ما هذا طريق جنتنا ولا هي هذه.
{ بل نحن محرمون } : أي لما علموا أنها هي وقد احترقت قالوا بل نحن محرومون منها لعزمنا على حرمان المساكين منها.
{ قال أوسطهم } : خيرهم تقوى وأرجحهم عقلا.
{ لولا تسبحون } : أي تسبحون الله وتستثنون عندما قلتم لنصرمنها مصبحين.
{ يتلاومون } : أي يلوم بعضهم بعضاً تندماً وتحسراً.
{ إنا الى ربنا راغبون } : أي طامعون.
{ كذلك العذاب } : أي مثل هذا العذاب بالحرمان العذاب لمن خالف أمرنا وعصانا.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في مطلب هداية قريش قوم محمد صلى الله عليه وسلم فقال تعالى { إنا بلوناهم } يعني كفار قريش أي امتحانهم واختبرناهم بالآلاء والنعم لعلهم يشكرون فلم يشكروا ثم بالبلاء والنقم اي بالقحط والجدب والقتل لعلهم يتوبون كما بلونا أصحاب الجنة ثم ذكر تعالى قصة أصحاب الجنة الذين ابتلاهم فتابوا إليه ورجعوا الى طاعته فقال { إنا بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا } - حلفوا - { ليصرمنها مصبحين } أي ليقطعن ثمارها ويجدونه في الصباح الباكر قبل أن يعلم المساكين حتى لا يعطوهم شيئاً. ولا يستثنون في حلفهم لم يقولوا إلا أن يشاء الله. { فطاف عليها طائف من ربك } يا رسولنا وهو نار أحرقتها { فأصبحت كالصريم } أي الليل المظلم الأسود الشديد السواد. { فتنادوا مصبحين } أي نادى بعضهم بعضاً وهو إخوة كثير في أول الصباح قائلين { اغدوا على حرثكم } إن كنتم فعلاً جادين في الصرام هذا الصباح. { فانطلقوا مسرعين وهم يتخافون } يتشاورون في صوت خافت حتى لا يفطن لهم فقراء البلد ومساكينها وأجمعوا على { أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين } كما كانوا يدخلونها ويأخذون منها أيام حياة والدهم رحمة الله عليه قال تعالى { وغدوا على حرد قادرين } أي وانطلقوا صبحاً على حرد أي قصد تام قادرين على أن لا يدخلنها اليوم عليهم مسكين بل يجدونها ويحملونها الى مخازنها ولا يشعر بهم أحد من الفقراء والمساكين. قال تعالى { فلما رأوها } محترقة سواء مظلمة { قالوا } ما هذه جنتنا { إنا لضالون } عنها بأن أخطئنا الطريق إليها، ولما علموا أنها هي ولكن احترقت ليلا اضربوا عن قولهم وقالوا { بل نحن محرومون } أي منها لعزمنا على منع المساكين منها وقد كان والدنا يمنحهم منها ويعطيهم شكراً الله وأداء لحقه.
وهنا تكلم أوسطهم أي خيرهم تقوى وأرجحهم عقلاً بما أخبر تعالى عنه في قوله { قال أوسطهم ولم تستثنوا فقلت ومنها العجر والاستثناء تنزيه لله عن ذلك لأن الذي يقول أفعل ولم يستثن اعطى لنفسه قدرة كقدرة الله الذي إذا قال أفعل فعل ولا يعجز فهو هنا اشرك نفسه في صفة من صفات الله تعالى فلذا كان الاستثناء تسبيحاً لله وتنزيهاً له عن المشارك في صفاته وأفعاله. فلما ذكرهم أخوهم العاقل الرشيد قالوا { سبحان ربنا إنا كنا ظالمين } فنابوا بهذا الاعتراف قال تعالى { فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون } أي يلوم بعضهم بعضاً على خطأهم في عزمهم على حرمان المساكين وعلى عدم الاستثناء في اليمين قالوا من جملة ما قالوا { يا ويلنا } أي يا هلاكنا احضر { إنا كنا طاغين } أي متجاورين حدود الله التي حد لنا غفلة منا وجهلا بأنفسنا وبما يعاقب به امثالنا. وهنا بعد أن رجعوا على انفسهم باللوم وإلى الله بالتوبة رجوا ربهم ولم ييأسوا من رحمته فقالوا { عسى أن يبدلنا ربنا خيراً منها إنا إلى ربنا راغبون } هكذا ابتلوا بالنعمة ثم بسلبها فتابوا فهل كفار قريش وقد ابتلوا بالنعمة ثم سلبوها فهل يتوبون كما تاب أصحاب الجنة؟ إنما سبقت هذه القصة تذكيراً وتعليماً فهل يتذكرون فيتوبوا؟ قال تعالى { كذلك العذاب } أي مثل هذا العذاب بالحرمان العذاب لمن خالف أمر الله وعصاه { ولعذاب الآخرة أكبر من عذاب الدنيا لو كانوا يعلمون } فإن عذاب الدنيا وقته محدود وأجله معدود أما عذاب الآخرة فإنه أبدي لا يحول ولا يزول.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- الابتلاء يكون بالسراء والضراء أي بالخير والشر وأسعد الناس عند السراء الصابرون على طاعة الله ورسوله عند الضراء.
2- مشروعية التذكير بأحوال المبتلين والمعافين ليتخذ من ذلك طريق إلى الشكر والصبر.
3- صلاح الآباء ينفع أبناء المؤمنين فقد انتفع أصحاب الجنة بصلاح أبيهم الذي كان يتصدق على المساكين من غلة بستانه وعلامة انتفاعهم توبتهم.
4- مشروعية الاستثناء في اليمين وأنه تسبيح لله تعالى، وأن تركه يوقع في الإثم ولذا إذا حنث الحالف الذي لم يستثن تلوثت نفسه بإثم كبير لا يُمحى إلا بالكفارة الشرعية التي حددها الشارع وهي إطعام أو كسوة عشرة مساكين أو عتق رقبة فإن لم يقدر على واحدة من هذه الأنواع صام ثلاثة أيام ليمحي ذلك الذنب من نفسه.
{ إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } * { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ } * { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } * { أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ } * { إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ } * { أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } * { سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ } * { أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } * { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } * { خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ }
شرح الكلمات:
{ إن للمتقين } : أي الذين اتقوا ربهم فآمنوا به ووحده فاتقوا بذلك الشرك والمعاصي.
{ عند ربهم جنات النعيم } : أي لهم جنات النعيم يوم القيامة عند ربهم عزوجل.
{ أفنجعل المسلمين كالمجرمين } : أي أنحيف في الحكم ونجور فنجعل المسلمين والمجرمين متساوين في العطاء والفضل والجواب لا، لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة.
{ أم لكم كتاب فيد تدرسون } : أي تقرأون فعلمتم يواسطته ما تدعون.
{ أن لكم فيه لما تخيرون } : أي فوجدتم في الكتاب الذي تقرأون أن لكم فيه ما تختارونه.
{ إن لكم أيمان علينا بالغة } : أي ألكم عهود منا موثقة بالأيمان لا نخرج منها ولا نتحلل إلى يوم القيامة.
{ إن لكم لما تحكمون } : أي أعطيناكم عهودنا الواثقة أن لكم ما تحكمون به لأنفسكم كما تشاءون.
{ سلهم أيهم بذلك زعيم } : أي سلهم يا رسولنا عن زعيمهم الذي يكفل لهم مضمون الحكم الذي يحكمون به لأنفسهم من أنهم يعطون في الآخرة أفضل مما يعطى المؤمنون.
{ أم لهم شركاء } : أي أعندهم شركاء موافقون لهم في هذا الذي قالوا يكفلون لهم به ما ادعوه وحكموا به لأنفسهم وهو أنهم يعطون أفضل مما يعطى المؤمنون يوم القيامة.
{ يوم يكشف عن ساق } : أي يوم يعظم الهول ويشتد الكرب ويكشف الرب عن ساقه الكريم التي لا يشبهها شيء عندما يأتي لفصل القضاء.
{ ترهقهم ذلة } : أي تغشاهم ذلة يالها من ذلة.
{ وقد كانوا يدعون الى السجود وهم سالمون } : وهم سالمون أي وقد كانوا يدعون في الدنيا الى الصلاة وهو سالمون من أية علة ولا يصلون حتى لا يسجدوا تكبراً وتعظماً.
معنى الآيات:
قوله تعالى { إن للمتقين } الآيات نزلت رداً على المشركين الذين ادعوا متبجحين أنهم إذا بعثوا يوم القيامة يعطون أفضل مما يعطى المؤمنون قياساً منهم على حالهم في الدنيا حيث كانوا أغنياء والمؤمنون فقراء فقال تعالى { إن للمتقين عند ربهم يوم القيامة جنات النعيم } أي جنات كلها نعيم لا شيء فيها غيره. ثم قال في الرد منكراً على المشركين دعواهم مقرعاً مؤنبا إياهم في سبعة استفهامات إنكارية تقريعية أولها قوله تعالى { أفنجعل المسلمين الذين أسلموا لله وجوهم وأطاعوه بكل جوارحهم مالمجرمين الذين جرموا على أنفسهم بارتكاب أكبر الكبائر كالشرك وسائر الموبقات أي نحيف ونجور في حكمنا فنجعل المسلمين كالمجرمين في الفضل والعطاء يوم القيامة، فنسوي بينهما وثانيهما قوله: ما لكم؟ أي أي شي حصل لكم حتى ادعيتم هذه الدعوى وثالثها كيف تحكمون أي كيف هذا الحكم ما حجتكم فيه ودليلكم عليه؟ ورابعها قوله { أم لكم كتاب فيد تدرسون } أي أعندكم كتاب جاءكم به رسول من عند الله تقرأون فيه هذا الحكم فيه لما تخيرون أي ألكم في هذا الكتاب ما تختارون والجواب. لا. لا وخامسها قوله بأيمان لا نتحلل منها الى يوم القيامة بأن لكم ما حكمتم به لأنفسكم من أنكم تعطون أفضل مما يعطى المؤمنون وسادسها { سلهم أيهم بذلك زعيم } أي سلهم يا رسولنا عن زعيمهم الذي يكفل لهم مضمون الحكم الذين يحكمون به لأنفسهم من أنهم يعطون في الآخرة أفضل مما يعطى المؤمنون سابعها قوله { أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين } أي ألهم شركاء موافقون لهم في هذا الذي قالوه يكلفونه لهم فليأتوا بهم إن كانوا صادقين في ذلك.
بهذه الإستفهامات الإنكارية التقريعية السبعة نفى تعالى عنهم كل ما يمكنهم أن يتشبثوا به في تصحيح دعواهم الباطلة عقلاً وشرعاً. وقوله تعالى { يوم يكشف عن ساق } أي اذكر لهم يا رسولنا مبينا واقع الأمر يوم القيامة، ليخجلوا من تشدقهم بدعواهم الساقطة الباردة اذكر لهم يوم يعظم الهول ويشتد الكرب، ويأتي الرب لفصل القضاء ويكشف عن ساق فيخر كل مؤمن ومؤمنة ساجداً ويحاول المنافقون والمنافقات السجود فلا يستطيعون إذ يكون ظهر أحدهم طبقاً واحداً أي عظماً واحداً فلا يقدر على السجود وذلك علامة شقائه المترتب على نقاقه في الدنيا.
ويدعون الى السجود أي امتحانا لهم ليعرف من كان يسجد إيماناً واحتساباً ممن كان يسجد نفاقاً ورياء فلا يستطيعون لأن ظهر أحدهم يصبح عظماً واحداً خاشعة أبصارهم لا تطرف من شدة الخوف ترهقهم ذلة أي تغشاهم ذلة عظيمة وقوله وقد كانوا يدعون الى السجود أي في الدنيا وهم سالمون معافون في أبدانهم ولا يسجدون تكبراً وكفراً بالله ربهم وبشرعه.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- تقرير أن المجرمين لا يساوون المؤمنين يوم القيامة أذ لا يستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة فمن زعم أنه يطعى المؤمنون من جنات النعيم فهو مخطئ في تصوره كاذب في قوله.
2- بيان عظم هول يوم القيامة وأن الرب تبارك وتعالى يأتي لفصل القضاء ويكشف عن ساق فلا يبقى أحد إلا سجد وأن الكافر والمنافق لا يستطيع السجود عقوبة له وفضيحة إذ كان في الدنيا يدعى الى السجود لله فلا يسجد أي الى الصلاة فلا يصلي تكبراً وكفراً.
{ فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } * { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } * { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } * { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ } * { لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ } * { فَٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } * { وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ }
شرح الكلمات:
{ ذرني ومن يكذب } : أي دعني ومن يكذب أي لا يصدق.
{ بهذا الحديث } : أي بالقرآن الكريم.
{ سنستدرجهم } : أي نستنزلهم درجة درجة حتى نصل بهم إلى العذاب.
{ وأملي لهم } : أي وامهلهم.
{ إن كيدي متين } : أي شديد قويّ لا يطاق.
{ فهم من مغرم مثقلون } : أي فهم مما يعطونكه مكلف5ون حملا ثقيلا.
{ أم عندهم الغيب } : أي اللوح المحفوظ.
{ فهم يكتبون } : أي ينقلون منه ما يدعونه ويقولونه.
{ ولا تكن كصاحب الحوت } : أي يونس في الضجر والعجلة.
{ وهو مكظوم } : أي مملوء غماً.
{ بالعراء } : أي الأرض الفضاء.
{ وهو مذموم } : لكن لما تاب نُبِذَ وهو غير مذموم.
{ فاجتباه ربه } : أي اصطفاه.
{ ليزلقونك بأبصارهم } : أي ينظرون إليك نظرا شديدا يكاد أن يصرعك.
{ وما هو إلا ذكر } : أي محمد صلى الله عليه وسلم.
{ للعالمين } : أي الإِنس والجن فليس بمجنون كما يقول المبطلون.
معنى الآيات:
بعد ذلك التقريع الشديد للمشركين المكذبين الذي لم يؤثر في نفوسهم أدنى تأثير قال تعالى لرسوله { فذرني } أي بناء على ذلك فذرني ومن يكذب بهذا الحديث أي دعني وإياهم، والمراد من الحديث القرآن الكريم { سنستدرجهم } أي نستنزلهم درجة درجة { من حيث لا يعلمون } حتى تنتهي بهم إلى عذابهم المترتب على تكذيبهم وشركهم. وقوله تعالى { وأملي لهم إن كيدي متين } أي وأمهلهم فلا أعاجلهم بالعهذاب فأوسع لهم ي الرزق واصحح لهم الجسم حتى يروا أن هذا لكرامتهم عندنا وأ،هم خيرٌ من المؤمنين ثم نأخذهم. وهذا من كيدي الشديد الذي لا يطاق، وقوله تعالى { أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون } أي بل أتسألهم على تبليغ الدعوة أجراً مقابل التبليغ فهم من مغرم مثقلون اي فهم يشعرون بحمل ثقيل من أجل ما يعطونك من الأجر فلذا هم لا يؤمنون بك ولا يتابعونك على دعوتك. أم عندهم الغيب أي اللوح المحفوظ فهم يكتبون منه ما هم يقولون به ويُقرُّونه والجواب لا إذاً فاصبر يا رسولنا لحكم ربك فيك وفيهم وامض في دعوتك ولا يثني عزمك تكذيبهم ولا عنادهم ولا تكن كصاحب الحوت يونس بن متَّى أي في الضجر وعدم الصبر. إذ نادى وهو مكظوم أي مملوء غمّاً فقال لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وقوله لولا أن تداركه نعمة من ربّه لنبذ بالعراء وهو مذموم أي لولا أن أدركته رحمة الله تعالى حيث ألهمه الله التوبة ووفقه لها لنبذ أي لطرح بالفضاء وهو مذموم ولكن لما تاب الله عليه طُرح على ساحل البحر وهو غير مذموم بل محمود فاجتباه ربّه أي اصطفاه مرة ثانية بعد الأولى فجعله من الصالحين أي الكاملي الصلاح من الأنبياء والمرسلين، ومعنى اجتباه مرة ثانية لأن الاجتباء الأول إذ كان رسولا في أهل نينوي وغاضبوه فتركهم ضجراً منهم فعوقب وبعد العقاب والعتاب اجتباه مرة أخرى وارسله إلى أهل بلاده بعد ذلك الانقطاع قال تعالى من سورة اليقيطن فنبذناه بالعراء وهو سقيم وأنبتنا عليه شجرة من يقطين وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين.
وقوله تعالى { وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر } أي وان يكاد الذين كفروا ليصرعونك من شدة النظر إليك وكلهم غيظ وحنق عليك بأبصارهم { لما سمعوا الذكر } أي القرآن نقرأه عليهم. ويقولون إنه لمجنون حسداً لك، وصرفاً للناس عنك، وما هو أي محمد صلى الله عليه وسلم إلا ذكر للعالمين أي يذكر به الله تعالى الإِنس والجن فليس هو بمجنون كما يقول المكذبون المفتونون.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- ردّ الأمور إلى الله إذا استعصى حلّها فالله كفيل بذلك.
2- لا يصح أخذ أجرة على تبليغ الدعوة.
3- وجوب الصبر على الدعوة مهما كانت الصعاب فلا تترك لأذىً يصيب الداعي.
4- بيان حال المشركين مع الرسول صلى الله عليه وسلم وما كانوا يضمرونه له من البغض والحسد وما يرمونه به من الاتهامات الباطلة كالجنون والسحر والكذب.