حيث حَدَّدَ بلير مفهومه في الآتي:
1. أنه لا سلام على الأراضي الفلسطينية دون توقف الإرهاب الفلسطيني (وذلك دون الإشارة إلى إرهاب الدولة التي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين، وإحباطها الكامل لخطة خارطة الطريق، وإهانة وزير الخارجية البريطاني عندما زار إسرائيل عام 2002).
2. أن الدول التي تتخذ موقعاً مزدوجاً ستكون بعيدة جداً عن الأسرة الدولية، وجاءت هذه العبارة في معرض رده على موقف سورية، دون أن يذكر أن أراضي سورية في الجولان لازالت تحتلها إسرائيل.
3. ذكر بلير – في خطاب أمام القوات البريطانية بمدينة البصرة العراقية في أوائل عام 2004، وهو يهنئهم بالعام الجديد: "أنكم هنا لتقاتلوا الفيروس الإسلامي"، وهذا أمر خطير يتَّسِم بالعنصرية، ويوضح النظرة الخاصة لقادة الغرب، الذين لهم توجهات في منطقة الشرق الأوسط، ويريدون أن يخلطوا الأوراق ما بين الأهداف والعقيدة والواقع.
ثانياً: حرب الأفكار في مواجهة أفكار الجماعات الإسلامية المتطرفة وسلوكها
من السهل على أي مراقب، أن يلاحظ مدى تعثر الوسائل العسكرية والأمنية في القضاء على جذور الإرهاب، ومن السهل أيضاً ملاحظة مدى التحول الأمريكي لأول مرة منذ الحرب الباردة، نحو الدخول في معركة حامية لاستمالة العقول والقلوب، والتي أطلق عليها حرب الأفكار "war of ideas" والهدف هذه المرة هو تعديل أفكار وسلوك الجماعات الإسلامية المتطرفة، والفئات المنسوبة إليها، أو لتحقيق مصالح بعينها بين جمهور خاص مستهدف مثل اختراق العقول أو لزعزعة استقرار نظم سياسية وإسقاطها، أو لنشر ثقافة الهزيمة والاستسلام، أو خلق خطر محدد وتضخيمه أو لدعم أهداف محددة، وذلك باستخدام وسائل إعلامية وثقافية وتربوية وسياسية ودبلوماسية واقتصادية، بشكل منهجي مخطط وشامل.
ورغم أن هذه الأنواع من الحروب شهدتها معارك تاريخية، فطرية وبصور غير منظمة، إلاَّ أن واشنطن وظفتها منذ عام 2003 لتكون شكلاً من حروب المستقبل وحولتها من مرحلة التفكير إلى مرحلة التخطيط العلمي، ومن كونها نظرية لتكون إستراتيجية شاملة، تشارك فيها كافة أجهزة الدولة المختصة.
وتشير الشواهد إلى تعثر حرب الأفكار الأمريكية في العالمين العربي والإسلامي، مع استمرار السياسة الأمريكية والإسرائيلية كسابق عهدها، وتفاقم المشكلات الإقليمية عما كانت عليه، كما أن الأوضاع العربية والإسلامية، وما تحتاجه من إصلاحات تزيد الأمور تعقيداً، إضافة على أن هذا النوع من الحروب يحتاج إلى عقود زمنية لتحويل الأفكار والأيديولوجيات.
هذا وقد تبنَّت الولايات المتحدة الأمريكية، هذا الفكر خلال الحرب الباردة وحققت نجاحاً كبيراً، واستخدمته في حرب الخليج عام 1991، وحرب كوسوفو عام 1999، وحرب أفغانستان عام 2001، وحرب العراق عام 2003،.
إلا أن تدهور الحالة الأمنية في العراق خلال مرحلة ما بعد الحرب، وتطور الأحداث بالشرق الأوسط، وانتشار ظاهرة الإرهاب، والرفض الشعبي للسياسة الأمريكية، وتنامي أفكار وسلوك الجماعات الإسلامية المتطرفة، فرض رؤية جديدة لحرب الأفكار، وتأسيس مفهوم شامل لمكوناتها الأساسية للتعامل مع شعوب المنطقة، باعتبار أن العامل الأساسي للنجاح هو العامل الفكري.
وكانت البداية في أكتوبر2003 بعد تسريب وثيقة أمريكية صادرة من وزارة الدفاع (البنتاجون) إلى وسائل الأعلام بعنوان "الحرب العالمية ضد الإرهاب"، حيث تضمنت حديثاً عن حرب العقول والقلوب للقضاء على جذور الإرهاب وأفكاره وشرعيته، كما تضمنت حديثاً عن التقصير الأمريكي حول توعية شعوب العالم بالسياسة الأمريكية والترغيب فيها.
وترى الولايات المتحدة الأمريكية في العالمين العربي والإسلامي، تنوعاً سياسياً واجتماعياً، ومن ثَمَّ حتى تنجح إستراتيجية حرب الأفكار، فإن من الضروري أن يقبل الجمهور المستهدف الرسالة الأمريكية، وحددت فئتين أساسيتين لهذا الجمهور: الأولى هي الجماعات الأصولية، بهدف تحويل أفكارهم المتطرفة ودرء نشاطهم الإرهابي، أما الفئة الأخرى فهي متعددة مثل جماعات رجال الأعمال لدعم دورهم في مجال صنع القرار السياسي والإصلاح الاقتصادي ونشر السياسة والثقافة الغربية.
ومن الجمهور المستهدف أيضاً فئات النساء والشباب، فالنساء لهم دور حيوي في بناء الأجيال القادمة، ومن خلالهم يمكن علاج قضايا التربية وحقوق الإنسان والمساواة، أما الشباب فتوجه لهم حرب الأفكار من أجل احتوائهم بعيداً عن التيارات المتطرفة، كما أن المثقفين وأهل الفن لهم دور كبير في التأثير على الرأي العام لبحث قضايا المجتمع وسياسة الدولة، خاصة التحديث ودور الإسلام في الدول العصرية.
هذا وتختلف إستراتيجية مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية الجماعات الإسلامية المتطرفة عن أوروبا -خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر- حيث تضع واشنطن الحلول العسكرية والأمنية على جدول أسبقياتها لدرء الإرهاب، مع جهود أخرى نشطة لتخفيض مكاسب الإرهابيين، أما أوروبا، فتتحرك على محورين: الأول هو استهداف الخلايا الإرهابية العاملة، أو ما يطلق عليها خلايا الهجوم، وذلك بالعمليات الأمنية، والمحور الثاني هو مراقبة الخلايا الداعمة أو المساندة لخلايا الهجوم ومتابعتها، وهي الخلايا التي تقوم بنشر الدعاية، وتجنيد الأعضاء، وتوفير الإمدادات والوثائق المزورة، والمأوى الآمن.
وتعدَّدت الدراسات والتقارير الرسمية الأمريكية -حول الحرب الأمريكية ضد الإرهاب- ووصلت معظمها إلى استنتاج هام، خلاصته أن تنظيم القاعدة والمتطرفين الإسلاميين هم الفائزون، ويعود ذلك لأسباب متعددة أبرزها السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وتدنى الاهتمام بالعامل الفكري لمنع ظهور أيديولوجية الإرهاب.
هذا وقد أشار تقرير للجنة خاصة بمجلس النواب الأمريكي عام 2004، إلى كيفية الانتصار على الإرهاب والجماعات الأصولية المتطرفة، واعتمدت الإدارة الأمريكية هذا التقرير وحولته إلى آليات جديدة من خلال خطة طويلة الأمد لمواجهة ظهور الإرهاب، وعلى سبيل المثال، اعتماد دبلوماسية عامة لبناء الجسور بينها وبين العالمين العربي والإسلامي للتأثير على الرأي العام فيها، وتعزيز التفاهم بين الثقافة الإسلامية والغربية، وذلك بزيادة عدد الدبلوماسيين الأمريكيين المتحدثين باللغة العربية، وقيام الخارجية الأمريكية بتشغيل نحو 500 متحدث باللغة العربية للاستعانة بهم في تمثيل الولايات المتحدة الأمريكية ومناقشة القضايا المشتركة والسياسة الأمريكية في وسائل الإعلام العربية والمنتديات الثقافية، وتركيز الاهتمام بالأمريكيين العرب، ودعم الأصوات العربية والإسلامية المنادية بالتحديث، مع إقامة وتشغيل مائة مركز ثقافي أمريكي في العالمين العربي والإسلامي، ومضاعفة عدد المشتركين في برامج التبادل الثقافي من العالمين العربي والإسلامي، خاصة من الزعماء الصاعدين، وزيادة المنح الدراسية للشباب العربي والمسلم، بمقدار ألف منحة سنوياً.
ثالثاً: حكم الإرهاب في الإسلام
لقد أكد الإسلام على حرمة النفس والمال والعرض، وما شرعت الحدود والعقوبات في الإسلام، إلاّ صيانة لهذه الحقوق، وحماية لحق الأموال شرع حد السرقة، وحماية لحق الأعراض شرع الجلد والرجم.
وهكذا أكد الإسلام حرمات الأفراد والجماعات وحذر من التعدي عليها، وشرع العقوبات ردعاً لمن تسول له نفسه انتهاكها.
ولقد كان النهى عن قتل النفس واضحاً وحاسماً، في قوله تعالى:
"وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ"
(سورة الإسراء، آية 33)
وهذا الحق أوضحه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في قوله:
"لا يحل دَمُ امرئٍ مسلمٍ يشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثَّيب الزَّاني، والنّفس بالنّفس، والتارك لدينه المُفارق للجماعة"
(صحيح البخاري، 2521/6).
ولقد تحدَّث الإمام الماوردي في كتابة القيِّم "الأحكام السلطانية" عن موقف المسئولين من المخربين الذين ينزلون القتل والفساد بالناس ويروعون الناس ويقتلونهم بغير حق فقال: "إذا اجتمعت طائفة من أهل الفساد على شهر السلاح وقطع الطريق وأخذ الأموال وقتل النفوس، فهم المحاربون الذي قال الله فيهم:
"إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ"
(سورة المائدة: آية 33).
هذا وقد نهى الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-، عن العنف والإرهاب، فقال:
"ما كان الرِّفقُ في شيءٍ إلا زَانَهُ، وما نُزِعَ من شيءٍ إلا شَانَه".
ونهى اللهُ عز وجل أن تكون الرهبة بين الناس فقال تعالى:
"قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ"
(سورة الأعراف، آية 116)
فالخوف يجب ألا يكون إلا من الله وحده، والتخويف يجب ألا يكون إلا بالله وحده، فمَنْ خاف اللهَ في الدنيا أمِنَ من عذابه في الآخرة، والخوف خوفان خوف العقاب وخوف الجلال.
أما التخويف فلا يكون إلا من الله وبالله، لأن التخويف نوع من التسلط والترويع، فالمسلم إذا التزم بدينه وخشي الله عز وجل، أوقع الله عز وجل الرعب في قلوب أعدائه، فالخوف من الله يزيد الإنسان أمناً لأنه يُورِثُ التَّقوى، والخوف من غير الله يزيد الإنسان وجلاً، فيورِثُ عنده الضَّعف.
ولم يمارس النبي -صلى الله عليه وسلم- العنف والإرهاب، في مواجهة العولمة الرومانية، بل قابلها بالدعوة والحوار، وأسس منهجه الفكري والثقافي على الثوابت الإيمانية، وتحقيق الحريات وإشاعة المحبة والسلام، ولقد آثر عليه الصلاة والسلام، أن يجعلها عالمية تقوم على الوسطية الفكرية والتكاملية الإنسانية محققاً توازناً بين القيم المادية والقيم الروحية، بينما نجد العولمة تسعى لفرض أنماطها الحضارية، متوسعة في الجانب التقني، متراخية في الجانب القيمي، حتى أصبح العالم مهدداً بأسلحة الدمار الشامل.