| خطبة الوداع.. فوائد وفرائد | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: خطبة الوداع.. فوائد وفرائد الخميس 31 أغسطس 2017, 9:27 pm | |
| خطبـــــة الــــوداع.. فــــوائد وفــــرائد إعــداد: الدكتور محمد أحمد عبد الغني غـفــــــــر الله لنـــــا ولــــه وللمسلميـن ===================== المقدمة الحمد لله حمداً كثيراً والله أكبر كبيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العزيز الغفار، الواحد القهار، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، النبي المختار صلى الله عليه وعلى آله الأبرار وصحبه المهاجرين والأنصار، وعلى مَنْ سار على دربهم وأقتفى سنتهم وأتبع الآثار, وعلينا ومعهم وفيهم برحمة منك يا غفار.
الله أكبر
والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين والذلة والهوان والصغار للكافرين والمشركين.
الله أكبر
يرفع بالطاعة أقواما ويذل بالمعصية آخرين.
الله أكبر
عدد ما أحرم الحجاج من الميقات ، وعدد ما لبى الملبون وزيد في الحسنات.
الله أكبر
عدد ما دخل الحجاج مكة طائفين وساجدين ومنىً ومزدلفة وعرفات.
الله أكبر
عدد ما طاف الطائفون بالبيت الحرام وصلوا خلف المقام وعظموا الحرمات.
الله أكبر
عدد من سعى بين الصفا والمروة من المرات.
الله أكبر
عدد ما حلقوا الرؤوس تعظيماً لرب البريات.
الله اكبر
الاسرائيل تبقى دولة **** في حمى المهد وظل الحرم. لا يلام الذئب في عدوانه **** ان يك الراعي عــــدو الغنم.
أما بعد: فان في خطبة حجة الوداع لعبراً سامية, ومواعظ سامقة, ودروساً جامعة وفوائد نافعة, وفرائد يانعة, تحكي المبادىء الكبرى لدين القيمة, بألفاظ موجزة, ومعان واضحة شافية.
وقد احتوَت هذه الخطبةُ المبارَكة على خُلاصةٍ من الوصايا النبوية العظيمة، مثل: حُرمة دمِ المسلم ومالِه، وتحريم الربا وإهدار دماءَ الجاهلية، والتوصية بالنساء خيراً، والدعوة إلى المساواة بين الناسِ، وعدم المفاضلة بينَهم إلا بالتقوى، والنهي عن الوصية للوارث، والمحافظة على الأنساب...
لقد كانت خُطبةُ الوداعِ نَمُوذجاً من الهديِ النبوي الشاملِ والخطابِ الإسلامي المتكامِل، حيث جَمعَ صلى الله عليه وسلم في خُطبتِه توجيهاً عقدياًّ واجتماعياًّ واقتصادياًّ.
لقد كانت وَصيةً إلى الالتزام بالدين القيم الكاملِ الشاملِ لجوانبِ الاعتقاد والعبادة والعناية بالإصلاح الاجتماعي في شأن المرأة والأسرة والمجتمع.
إنِّ هذه الخطبةَ النبوِيةَ تُمثِّلُ رُؤيةً واضِحةً ومنهَجاً اجتماعياًّ مُتوازِناً مُتناسِقاً بين مُراعاةِ حُقوقِ الفردِ والجماعة، وحُقوقِ الرجلِ والمرأةِ والأُسرةِ؛ تقومُ على قاعِدةِ الالتزامِ بالحقوقِ والواجبات؛ وهذه الخطبةُ في الحقيقةِ دُستُورٌ رائعٌ لبناءِ مجتمعٍ مُتكاتِفٍ مُتكافلٍ يشُدُّ بعضُه بعضاً، وتتكاملُ فيه جهودُ الفردِ والجماعةِ والأسرةِ والمجتمع.
وقد جاء نزولُ الآيةِ الكريمة: (اليومَ أكمَلتُ لكم دينَكم وأتْمَمتُ عليكم نعمتِي ورَضِيتُ لكم الإسلامَ دِيناً)؛ إتْماماً لهذا المشروعِ الحضاري العظيم: مشروع إكمالِ الدينِ وإتمامِ النعمة.
فلنول وجوهنا وقلوبنا شطر تلك الكلمات, التي ودعنا بها الحبيب المصطفى عليه أتم الصلوات, والتي كانت بمثابة وصية لنا قبل رحيله و الممات.
فقد علت الأصوات أن افسحوا وتباعدوا عن الطرقات، ألا ترون ذلكم الركب المبارك، في يوم السبت وفي الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة عشر من الهجرة المباركة.
تحرك هذا الجمع المبارك بعد الظهر حتى بلغ ذي الحليفة فاغتسل النبي (صلى الله عليه وسلم) وادهن ولبس إزاره ورداءه، وقلد بدنه، ثم أهل بالحج والعمرة وقرن بينهما، وسار وهو يلبي: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك)..
نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصده الحج لهذا العام، فاجتمع حوله مائة وأربعة وأربعون ألفًا من الناس في مشهد عظيم، فيه معان العزة والتمكين، ألقى الرعب والفزع في قلوب أعداء الدعوة ومحاربيها، وكان غصَّة في حُلوق الكفرة والملحدين.
قبل ثلاثٍ وعشرين سنة من ذلكم الوقت كان فردًا وحيدًا، يعرض الإسلام على الناس فيردوه، ويدعوهم فيكذبوه، في ذلكم الحين كان المؤمن لا يأمن على نفسه أن يصلي في بيت الله وحرم الله.
ها هم اليوم مائة وأربعة وأربعون ألفًا يلتفون حول الصادق الأمين -صلى الله عليه وسلم- في مشهدٍ يوحي بأكمل معان النصر والظفر، ويجسد صورة رائعة، تحكي بأن الزمن وإن طال، فإن الغلبة لأولياء الله وجنده، مهما حوربت الدعوة وضيق عليها، وسامها الأعداء ألوان العداء والاضطهاد، فإن العاقبة للحق ولأهل الحق العاملين المصلحين: (وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ). سار ذلكم الركب المبارك يدوس الأرض، التي عذّب مَنْ عُذّب فيها، وسحب على رمضائها مَنْ سُحِب، ساروا يمرُّون على مواضع لم تزل ولن تزال عالقة في ذكراهم، سِيمُوا فيها ألوان العذاب والقهر والعَنَت، سار -صلى الله عليه وسلم-، ليدخل المسجد الحرام الذي لطالما اسْتُقْسِمَ فيه بالأزلام، وعُبِدَتْ فيه الأصنام.
دخله -صلى الله عليه وسلم- في الرابع من ذي الحجة، يوم الأحد ليلاً، طاهرًا نقيًا، تردّد أركانه وجنباته لا إله إلا الله، ورجع الصَّدى من جبال بكة يُنادي: لبيك اللهم لبيك.
وفي اليوم الثامن من ذي الحجة وكان يوم الخميس نزل -صلى الله عليه وسلم- بطن الوادي من منى فخطب في ذلكم الجمع الغفيرخطبة جامعة نافعة.
لقد نظرت في تلك الكلمات, فتاقت النفس للغور في فوائدها الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبلاغية, فسطّر القلم بعون الله تعالى الذي أسأله بجُوده الذي هو غاية مطلب الطُّلاّب وكرمه الواسع الذي لا يحول دونه سِتر ولا حجاب أن يجعله في إصلاح الدين ورجحاناً في ميزاني عند خِفَّة الموازين إنه خير مأمول وأكرم مسؤول...
وفي الختام أرجو أن يرزق هذا العمل بالقبول عند الله، وأن أكون خالصاً لوجهه الكريم وأن ينتفع به المسلمون، معتذراً عمّا قد يكون فيه من نقص أو فهم أن فيه انتقاص، فلست بناقصٍ لأحدٍ فضلاً ولا عائبٍ له قولاً فأكون كما قَالَ بعضهم ولله درهم: بنقصِك أهلَ الفضلِ بـان لنـا أَنّـــك منقـوصٌ ومفضـول والحمد لله رب العالمين. كتبــه الدكتور محمد أحمد عبد الغني لبنـان – طرابلس نهر البارد.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 28 يونيو 2021, 6:03 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: خطبة الوداع.. فوائد وفرائد الخميس 31 أغسطس 2017, 9:43 pm | |
|
النص النبوي الكريم =========== (الحمدُ لله نحمدُهُ وَنَسْتَعِينُه، ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَتُوبُ إليه، ونَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أنْفُسِنا ومِنْ سيّئآتِ أعْمَالِنَا مَن يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضَلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ...
أَمَّا بعد: أَيُّها النَّاس، اسمعوا قولي، فَإنّيَ لاَ أَدْرِي، لعَليّ لاَ أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامي هَذَا، بهذا الموقف أبداً...
أيها الناس إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ»...
وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغت، فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانةٌ فليؤُدِّها إلى مَنْ ائْتمَنَهُ عَلَيها...
ألا وإن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة…
وإنَّ رِبَا الجَاهِليّة مَوضوعٌ، ولكن لكم رءوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون...
قضى الله أنه لا ربا، وإنّ أَوّلَ رباً أَبْدأُ بِهِ رِبَا عَمّي العباسُ بن عبد المطلب...
وأن كل دم كان في الجاهلية موضوع وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وكان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية.
أيها الناس فإن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبداً، ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضي به بما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم...
أَيُّها النَّاس، إِنَّمَا النَّسيءُ زِيادةٌ في الكُفرِ، يُضلُّ به الذينَ كَفَروا، يُحِلُّونَهُ عاماً، وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً، لِيوَاطِئُوا عِدَّة مَا حَرَّمَ اللهُ فيُحلوا ما حرَّم الله ويُحرِّمُوا ما أحل الله...
إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً، منها أربعة حُرُم ثلاثة متوالية ورجب مضر، الذي بين جمادى وشعبان...
أَيُّها النَّاس، اتقوا الله في النساء، فإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً إلا أن يأتين بفاحشةٍ مُبينةٍ فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً...
إلا إن لكم على نسَائِكُمْ حقاً ولِنسَائِكُمْ عليكم حقاً، فأما حقُكُم على نسائكم؛ فلا يُوطْئنَ فُرُشَكُمْ غيرَكم، وَلا يُدْخِلْنَ أحَداً تكرَهُونَهُ بيوتَكُمْ، ولا يأتينَ بِفَاحِشَة، فإنْ أطَعْنَكُمْ فَعَلَيْكُمْ رِزقُهنَّ وكسوتُهُنَّ بالمَعْرُوفِ...
فاعقلوا أيها الناس قولي، فإني قد بلّغت، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً، أمراً بيناً، كتاب الله وسنة نبيه.
أَيُّها النَّاس، اسمعوا قولي واعقلوه تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم وأن المسلمين إخوة, فَلاَ يَحِلُّ لامْرِىءٍ مَالُ أَخيهِ إلاّ عَنْ طيبِ نفْسٍ منهُ، فلا تظلمن أنفسكم اللهم هل بلّغت؟ وستلقون ربكم فلا تَرْجِعُنّ بَعْدِي كُفاراً يَضرِبُ بَعْضُكُمْ رقابَ بَعْض...
أيها النّاسُ إن رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وإنّ أَبَاكُمْ واحِدٌ، كُلكُّمْ لآدمَ، وآدمُ من تُراب، أَكرمُكُمْ عندَ اللهِ أتْقَاكُمْ وليس لعربيّ فَضْلٌ على عجميّ إلاّ بالتّقْوىَ، أَلاَ هَلْ بلَّغْتُ، اللّهُمّ اشهد"...
أَلَا لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ...
وأخرج مسلم أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: ((وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟)) قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وأدَّيت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: ((اللهم اشهد)) ثلاث مرات.
ولما فرغ من خطبته -صلى الله عليه وسلم- نزل عليه قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الأسْلاَمَ دِيناً). وعندما سمعها عمر رضي الله عنه بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: إنه ليس بعد الكمال إلا النقصان.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 28 يونيو 2021, 6:04 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: خطبة الوداع.. فوائد وفرائد الخميس 31 أغسطس 2017, 10:24 pm | |
| الأفكار الرئيسة لخطبة الوداع ================ 1- حرمة سفك الدماء بغير حق، وإقرارا للعدالة والمساواة, حيث المساواة بين الحاكم والمحكوم، وبين الغني والفقير، والقوي والضعيف، والصغير والكبير، والأبيض والأسود والأحمر، والرجل والمرأة، في الحقوق الإنسانية.. فكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.. 2- دفن الجاهلية ووضعها تحت الأقدام لحقارته.. حيث وضع رسول الله أخلاق ومبادئ وقيم الجاهلية، وتصوراتها ومظاهرها وشعاراتها وكبريائها وعنجهيتها، وعقائدها وأحكامها وأعرافها، كل ذلك وضع النبي (صلى الله عليه وسلم) تحت قدمه..
3- الوصية بالنساء خيراً، و أنهن عوان (أي أسيرات) لا يملكون لأنفسهن شيئا، فإن الإسلام أعطى للمرأة حقوقها ووصى بها.. وجعلها بنتا في بيت أبيها، وزوجة في بيت زوجها وهي سيدة ذلك البيت.. أعطاها حقها في الميراث، وكانت من قبل لا تأخذ شيئاً.. جعل لها كرامة وكانت من قبل تُباع وتُشترى.. وجعل لها رأيا ولم يكن لها من قبل رأي.. فهذا هو الإسلام جعلها مصانة في بيتها معززة في حياتها..
4- التمسك بكتاب الله والاعتصام به فهو سبيل العزة والنصر والنجاح في الدنيا والآخرة، ولما كانت الأمة متمسكة به ومجتمعة تحت خليفة واحد، كانت في عزة وكرامة تهابها الأمم ويذل لها الملوك والتاريخ خير شاهد.. ولما تركت الأمة كتاب ربها تمزقت وتفرقت، فاجتمع عليها الأعداء، شقت وعاشت في مذلة وضياع.
5- حُرمة الربا، لأنه النظام الذي يسحق الفقراء، ويجعل المجتمع طبقياً يمتلئ بالأحقاد والضغائن ويكثر فيه الجرائم.. ويعرض المجتمع للحرب مع الله، وأي نصر في معركة تكون مع الله، فلا يكون إلا الشقاء والتعاسة، وقلة الخير والبركة، فلا خير من الأرض إلا القليل ولا من السماء إلا النذر اليسير..
6- التحذير من الشيطان، فإنه يئس من المؤمن لكنه رضي باليسير من المحقرات التي نظن أنها بسيطة، وهي في الحقيقة مدخل للشيطان إلى القلب فيفسده ويهلك الإنسان بعد ذلك..
7- شمولها لأمور الدنيا والآخرة، فهي قد عالجت شئون الحياة الاجتماعية، من علاقة الأخ بأخيه، والمرأة بزوجها، والأفراد بالمجتمع، والحاكم بالمحكوم، والعبد بربه سبحانه وتعالى، وحذرت من الشيطان، وبينت أسس الدين ومقاصد الشريعة، وأنهم سوف يلقون ربهم فيسألهم عن أعمالهم في الآخرة..
8- على الداعية البلاغ وليس عليه النتائج، وهو أمر محسوم من القرآن: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ} والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقرر ذلك أن الداعية عليه أن يبذل قصارى جهده ومبلغ طاقته، وجل وقته، وأكثر ماله، وكل ما يملك، في سبيل دعوته، ولا ينتظر النتيجة ولا يحاسب عليها هل التزم الناس معه أم لا..
وهكذا كانت هذه الوصايا الجامعة والقيم النافعة تمهد السبيل إلى الاستقرار الأسري والتوازن الاقتصادي والتكافل الاجتماعي والتعارف الإنساني، قياما بواجب الدعوة إلى هذا الدين بالتي هي أحسن..
كانت هذه الخطبة بمثابة رسالة حضارية عامة إلى كل البشرية على اختلاف ألوان وأجناسهم وألسنتهم....
أضواء على خطبة حجة الوداع ================= (أَيُّها النَّاس، اسمعوا قولي، فَإنّيَ لاَ أَدْرِي، لعَليّ لاَ أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامي هَذَا، بهذا الموقف أبداً). نداء من الحبيب والأريب والنجيب مِمَّنْ أنذر وأعذر، وبشَّر وحذّر، وسهَّل ويسَّر...
من صاحب الشريعة الغرَّاء، والملة السَّمحاء، والحنيفية البيضاء...
مِمَّنْ له المقام المحمود، واللواء المعقود، والحوض المورود خاتم الأنبياء، وصاحب صفوة الأولياء، إمام الصالحين، وقدوة المفلحين...
نداء من الذي ما ضلّْ، وما زلّْ، وما ذلّْ، وما غلّْ، وما ملّْ، وما كلّْ...
مِمَّنْ علّم اللسان الذكر، والقلب الشكر، والجسد الصبر، والنفس الطهر، وعلم القادة الإنصاف، والرعية العفاف، وحبَّب للناس عيش الكفاف...
مِمَّنْ صبر على الفقر، لأنه عاش فقيراً، وصبر على جموع الغنى لأنه ملك مُلكاً كبيراً...
مِمَّنْ بُعِثَ بالرسالة، وحكم بالعدالة، وعَلّمَ من الجهالة، وهدى من الضلالة...
مِمَّنْ ارتقى في درجات الكمال حتى بلغ الوسيلة، وصعد في سُلّم الفضل حتى حاز كل فضيلة... وأنصتت الدنيا لتسمع قوله, أنصتت المهاجرين والانصار, أنصت أكثر من مائة ألف حاج وحاجة, وأنصت الحجر والقفر والمدر والوبر إلى الكلمة المودعة التي ينطق بها فم رسول الله عليه الصلاة و السلام...
وأصغت لها الدنيا بأسرها بلسان حالها ومقالها، لتسمع كلام النبي -صلي الله عليه وسلم- وهو يوضح مبادئ الرحمة والإنسانية ويُرسي لها دعائم السلم والسلام ويقيم فيها أوامر المحبة والأخوة وفرش بأرضها روح التراحم والتعاون وكأنه يعلم أنه سوف يأتي من بعده أقوام يتركوا هذه المبادئ والقيم...
أنصت الجميع بعد أن أنست وسعدت الدنيا به ثلاثة وستين عاماً, بعد أن أرشد البشرية إلى الحق وكانت في ظلمات الباطل عائمة، وقادها إلى النور وكانت في دياجير الزور قائمة...
لقد اعتنَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بِالجانبِ الإعلامي في مطلعِ هذه الخطبة وحرصَ على حَثِّ الناسِ على الإنصاتِ وحُسنِ الاستماعِ إليه، فأمرَ جابراً رضي الله عنه باستِنصاتِ الناسِ، كما روى البخاري رحمه الله في كتاب (العلم)، باب (الإنصات للعلماء):
عن جرير رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له في حجةِ الوداعِ: استَنْصِتَ الناسَ! فقال: لا ترجِعُوا بعدي كُفاراً يضربُ بعضُكم رِقابَ بعض).
وها هو يلمح بالرحيل بعد أن قام بأمر ربه وغرس الدنيا بغراس الإيمان وبعد أن أقام الله به الميزان، وأنزل عليه القرآن، وفرق به الكفر والبهتان، وحطمت به الأوثان والصلبان وها هو يلخص المبادئ التي جاء بها وجاهد في سبيلها في كلما ت جامعة وبنود معدودة يلقي بها إلى سمع العالم...
ها هو يتحدث حديث مودع محب مخلص ناصح، يريد الخير لأمته من بعده...
فقد شعر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن حياته قد انطوت، وأيامه قد انتهت، لأنه أدَّى ما عليه، وأقام دينه العظيم يؤدي فعالياته في توجيه الإنسان وإقامة سلوكه...
فإذن لابد له (صلى الله عليه وآله وسلم) من الرحيل عن هذه الحياة، فقد كانت هناك إنذارات متوالية تدل على ذلك...
وهي كما يلي: أولها: أن القرآن الكريم نزل على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مَرَّتين، فاستشعر (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك حضور الأجل المحتوم، وأخذ ينعى نفسه، ويذيع بين المسلمين مفارقته لهذه الحياة.
وكان يقول لبضعته سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام): (إِنَّ جِبرائيلَ كَانَ يُعارضُني بالقُرآنِ في كُلِّ سَنَة مَرَّة، وإِنَّه عارضني به العام مرتين، وَما أرَى ذَلك إِلاَّ اقتِرَاب أَجَلي).
ثانيها: إنّه نزل عليه الوحي بهذه الآية الكريمة: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَيِّتُونَ).
وكانت هذه الآية إنذاراً له (صلى الله عليه وآله وسلم) بمفارقة الحياة، فأثارت كَوامِنَ التَوَجُّسِ في نفسه (صلى الله عليه وآله وسلم).
ثالثها: إنّه نزلت عليه سورة النصر، فكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يَسكُتُ بين التكبير والقراءة ويقول: (سُبحَانَ اللهِ وَبِحَمدِهِ، أَستَغفِرُ اللهَ وَأتُوبُ إِلَيه).
فَفَزع المسلمون وذُهلوا، وانطلقوا إليه يسألونه عن سبب ذلك، فأجابهم (صلى الله عليه وآله وسلم): (إِنَّ نَفسِي قَد نُعِيَتْ إِلَيَّ)، وكان وَقْعُ ذلك عليهم كالصاعقة، فلا يعلمون ماذا سيجري عليهم إن خلت هذه الدنيا من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وبعد شهرين من عودة النبي -صلى الله عليه وسلم- من حجّة الوداع ألمَّ المرضُ به صلى الله عليه وسلم، وفي اليوم التاسع والعشرين من شهر صفر من السنة الحادية عشرة للهجرة شهد النبي صلى الله عليه وسلم جنازة في البقيع، فلما رجع أخذه صداع شديد وهو في الطريق، واتقدت حرارته، واشتد به المرض، ونُقل إلى بيت عائشة التي كانت تقرأ بالمعوّذات والأدعية التي حفظتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم رغم مرضه يخرج ويُصلّي بالناس، وكانت آخر خطبة خطبها يوم خرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد عصب على رأسه حاشية برد فصعد المنبر ولم يصعده بعد ذلك اليوم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم، فاقبلوا من مُحسنهم، وتجاوزوا عن مُسيئهم).
وقبل الوفاة بأربعة أيام
أثقله المرض، فصلّى بالناس صلاة المغرب، ولم يستطع الخروج لصلاة العشاء، قالت عائشة: (فقال أصَلّى الناس؟ قلنا: لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله، قال: ضعوا لي ماء في المخضب، ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق فقال أصلى الناس؟ -ثلاث مرات- قالت والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة، قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر أن يصلي بالناس، فأتاه الرسول فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس، فقال أبو بكر: وكان رجلاً رقيقا: يا عمر صلِّ بالناس، قال فقال: عمر أنت أحق بذلك. قالت: فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفّة فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتأخر، وقال لهما: أجلساني إلى جنبه فأجلساه إلى جنب أبي بكر، وكان أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد).
ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة ابنته فسارَّها فبكت ثم سارَّها فضحكت، فقالت عائشة: فقلت لفاطمة ما هذا الذي سارَّكِ به رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكَيتِ ثم سارَّكِ فضحكتِ؟ قالت: سارَّني فأخبرني بموته فبكَيتُ، ثم سارَّني فأخبرني أني أول مَنْ يتبعه من أهله فضحكت).
وفي يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول (بينما المسلمون في صلاة الفجر لم يَفْجَأْهُم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم كشف سِتر حجرة عائشة، فنظر إليهم وهم صفوف، فتبسَّم يضحك، ونكص أبو بكر رضي الله عنه على عقبيه ليصِلَ له الصف فظن أنه يريد الخروج، وهمَّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم، فأشار إليهم أتموا صلاتكم، فأرخى الستر، وتوفي من آخر ذلك اليوم).
ثم ثقل النبي صلى الله عليه وسلم فقالت فاطمة رضي الله عنها: واكرب أباه. فقال لها: ليس على أبيك كرب بعد اليوم).
واشتد الوجع برسول الله صلى الله عليه وسلم (وبين يديه رَكوة فيها ماء فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه يقول: لا إله إلا الله، إن للموت سكرات).
وكان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم مستنداً إلى صدر عائشة، عن عائشة قالت: (إن من نعم الله عليَّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته، دخل عليَّ عبد الرحمن وبيده السواك وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت آخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فتناولته فاشتد عليه، وقلت: أليِّنه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فليّنته فأمرَّه).
ثم أخذته بحَّة شديدة فسمعته عائشة يقول: (مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين).
ثم نصب يده فجعل يقول: في الرفيق الأعلى، حتى قُبض ومالت يده).
فلما مات قالت فاطمة: يا أبتاه، أجاب رباً دعاه، يا أبتاه، من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه).
تسرَّب الخبر إلى الناس، فأظلمت المدينة.
عن أنس وذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال: شهدته يوم دخل المدينة فما رأيت يوماً قط كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهدته يوم موته فما رأيت يوماً كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم).
قام عمر يقول: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم، فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبَّله وقال: بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً، والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبداً ثم خرج فقال: أيها الحالف على رِسْلِكَ، فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال: ألا مَنْ كان يعبد مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم فإن مُحَمَّداً قد مات، ومَنْ كان يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت، وقال: (إنك ميت وإنهم ميتون) وقال: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومَن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئًا وسيجزي الله الشاكرين).
فقال عمر: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعَقِرْت حتى ما تُقِلُّني رجلاي وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها علمت أن النبي صلى الله عليه و سلم قد مات).
ثم اجتمع الصحابة في سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: بايعوا عمر أو أبا عبيدة بن الجراح، فقال عمر: بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس).
ثم غُسِّل النبي صلى الله عليه وسلم، وكفّن في ثلاثة أثواب بيض سَحولية ليس فيها قميص ولا عمامة).
فلما فرغوا من جهازه يوم الثلاثاء وضع على سريره في بيته، ثم دخل الناس على رسول الله صلى الله عليه و سلم أرسالاً يُصَلّون عليه، حتى إذا فرغوا أدخلوا النساء، حتى إذا فرغوا أدخلوا الصبيان، ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد.
وقد اختلف المسلمون في المكان الذي يُحفر له...
فقال أبو بكر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما قُبِضَ نبيٌ إلا دُفِنَ حيث يُقبض، قال فرفعوا فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي عليه فحفروا له ثم دُفن صلى الله عليه وسلم وسط الليل من ليلة الأربعاء).
فلما دُفِنَ قالت فاطمة: يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب؟).
طبت حياً وميتاً يا رسول الله، فِدَاكَ الروح والنفسُ، صلى الله عليك وجزاك خير الجزاء، وجمعنا بك في مستقر رحمته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 28 يونيو 2021, 6:04 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: خطبة الوداع.. فوائد وفرائد الجمعة 01 سبتمبر 2017, 8:14 am | |
| * (أيها الناس إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ). ولقد كرر هذه التوصية نفسها مرة أخرى في خاتمة خطابه وأكد ضرورة الاهتمام بها وذلك عندما قال: (أَيُّها النَّاس، اسمعوا قولي واعقلوه تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم وأن المسلمين إخوة, فَلاَ يَحِلُّ لامْرِىءٍ مَالُ أَخيهِ إلاّ عَنْ طيبِ نفْسٍ منهُ، فلا تظلمن أنفسكم اللهم هل بلغت؟).
ونحن نقول: أجل والله لقد بلغت يا رسول الله.. ولعلنا اليوم أولى مَنْ ينبغي أن يجيبك: اللهم لقد بلغت!..
وإن كنا في ذلك إنما نسجل مسؤولية على أعناقنا قصرنا كل التقصير في القيام بحقها, فاننا نرى استباحة الدماء المعصومة: ووالله انها لجريمة فظيعة أن تُستباح دماء الناس بغير جريرة.
قال تعالى: (وَلاَ تَقْتُلوا النَّفسَ الّتِي حَرَّمَ اللهُ إلاَّ بِالحَقّ).
والنصوصُ الشرعية متكاثِرة في بيان حُرمة المسلم وعِصمة دمه ،فاللهُ جلّ وعلا يقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ).
ويقول سبحانه: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
ويقول سبحانه حكايةً عن ابنَي آدم عليه السلام: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ).
فبداية القتل كانت مِن وَلَدي آدم.
وقال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأ). وقد ورد في سبب نزولها: أن أبا الدرداء رضي الله عنه كان في سرية، فعمد إلى شعب لقضاء حاجته، فوجد رجلاً من القوم في غنم له، فحمل عليه بالسيف، فقال الرجل: لا إله إلا الله، فضربه أبو الدرداء بالسيف فقتله، ثم وجد في نفسه شيئًا، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلكَ له، فقال: إنما قالها ليتقي بِها القتل، فقال: (ألا شققتَ عن قلبه، فقد أخبرك بلسانه فلم تصدقه، فكيف بلا إله إلا الله؟! فكيف بلا إله إلا الله؟!) قال أبو الدرداء: حتى تمنيت أن يكون ذلك مبتدأ إسلامي، فنزل قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً). فقد تضمنت الآية الإخبار بعدم جواز إقدام المؤمن على قتل أخيه المؤمن بأسلوب يستبعد احتمال وقوع ذلك منه إلا أن يكون خطأ، حتى لكأن صفة الإيمان منتفية عمن يقتل مؤمنًا متعمدًا، إذ لا ينبغي أن تصدر هذه الجريمة النكراء ممن يتصف بالإيمان، لأن إيمانه -وهو الحاكم على تصرفه وإرادته- يمنعه من ارتكاب جريمة القتل عمدًا.
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا). بل ورد الوعيد لِمَنْ أعان على القتل المُحرَّم أو كان حاضرًا يستطيع منعه أو الحيلولة دون وقوعه، أو شجَّع القاتل على القتل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمنٍ لأكبَّهم اللهُ في النار).
وقال صلى الله عليه وسلم: (سِبابُ المسلم فُسوق وقتاله كفر).
وقال الحَسَن البصري: إنّ عليًّا رضي الله عنه بعث إلى محمد بن مَسلمَة، فجيء به فقال: ما خلَّفك عن هذا الأمر؟ يعني القتال بينه وبين خصُومه رضي الله عنهم أجمعين، قال: دفَع إليَّ ابنُ عمك -يعني النبي عليه الصلاة والسلام- سيفًا فقال: (قاتِل به ما قُوتل العدوّ، فإذا رأيتَ الناس يقتُل بعضُهم بعضًا فاعمَد به إلى صَخْرة فاضربه بها، ثم الزَم بيتَك حتى تأتيكَ منيةٌ قاضية أو يدٌ خاطئة)، فقال عليّ رضي الله عنه: خلُّوا عنه.
ونقل ابن عبد البر عن بعض السلف قوله: (أحقُّ الناس بالإجلال ثلاثةٌ: العلماءُ والإخوان والسلطان، فمَنْ استخفَّ بالعلماء أفسَد دينَه، ومَنْ استخفَّ بالإخوان أفسَد مروءتَه، ومَنْ استخفَّ بالسلطان أفسد دنياه، والعاقل لا يستخفّ بأحد).
ألا نعلم أن الإسلام قرَّر الاخوة بين المسلمين ووضع لهذه الأخوّة أُسساً وعناصر؟: أولها: المحبّة وعدم الغلِّ: قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ).
وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ).
ثانيها: الرحمة: قال تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ).
ثالثها: أداء الحقوق: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ. قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ).
رابعها: نصره وعدم خذلانه أو احتقاره أو الانتقاص منه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَحَاسَدُوا وَلا تَنَاجَشُوا وَلا تَبَاغَضُوا وَلا تَدَابَرُوا، وَلا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يَخْذُلُهُ وَلا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ).
خامسها: تقديم النفع له وعدم الإضرار به: قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ).
* (فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانةٌ فليؤُدِّها إلى مَنْ ائْتمَنَهُ عَلَيها): إنَّ الإنسان يحمل مسؤوليَّة عظيمة، فهو الَّذي حمل الأمانة الَّتي أبت السماوات والأرض والجبال حملها، هذه الأمانة هي أمانة الدين، أمانة العبادة، أمانة التكليف، قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً).
سبحان الله ما أظلم الإنسان وما أجهله؟
تُعرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال فيمتنعن عن حملها، ثمَّ يأتي الإنسان ويتحمَّلها طائعاً مختاراً فأقام الله عليه الحجَّة، قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ).
إنَّ الأمانة مسؤوليَّة عظيمة، وحمل ثقيل، فعلى الإنسان أن يتحمَّل مسؤوليَّته، وأن يؤدي أمانته فيما بينه وبين الله، وفيما بينه وبين العباد.
أمَّا أداؤها فيما بينه وبين الله بأن يقوم بطاعة الله وعبادته وإخلاص الدين له، والالتزام بشرع الله، والاقتداء بسنة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من غير زيادة ولا نقصان، وأن يكون العمل خالصاً لوجه الله الكريم، موافقاً لشرعه حتى يقبله الله.
أمَّا أداؤها فيما بينه وبين العباد فأن يقوم بما أوجب الله عليه من حقوق بحسب مسؤولية الإنسان وما التزم به نحو غيره، وأول المسؤوليات والأمانات أمانة أولياء الأمور في كلِّ أمرٍ تولاه الإنسان صغيراً كان أو كبيراً، فعليه أن يقوم بالعدل، وأن يسير في ولايته حسبما تقتضيه مصلحة الدين، لا يُحابي قريباً ولا صديقاً ولا قوياً ولا غنياً ولا شريفاً، إنَّما يكون قدوته في ذلك محمد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الَّذي قال: (لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).
والأمانة عامّة، فكل إنسان مؤتمن، الرجل مؤتمن، و المرأة مؤتمنة، وكل فرد في هذا المجتمع الإسلامي مؤتمن على أمور من ضمنها أموال النَّاس وأعراضهم وأرواحهم وأنفسهم، فعليه أن يراعي الله في هذه الأمانة فلا يُفَرِّط فيها.
لقد أمر الله تعالى بأداء الأمانة فقال: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ).
وفي الحديث: (أدِّ الأماتة إلى من ائتمنك، ولا تخن مَن خانك).
وفي سؤال هرقل لأبي سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته قال هرقل: (وسألتك بماذا يأمركم فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم، ويأمركم بالصلاة والصدقة والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة. قال: وهذه صفة النبي).
وفي حديث جعفر للنجاشي: (أمرنا بصدق القول وأداء الأمانة وصلة الرحم).
لقد أثنى الله على المؤدين لأماناتهم، فقال في صفات المؤمنين الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون: (وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ).
وجاء في الحديث: (اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدَّثتُم، وأوفوا إذا وعدتُم، وأدُّوا إذا اؤتمِنْتُم، واحفظوا فروجكم، وغضُّوا أبصاركم، وكُفُّوا أيديكم).
وفي الحديث: (... فيأتون محمداً صلى الله عليه وسلم فيقوم فيؤذن له، وترسل الأمانة والرحم فتقومان جنبتي الصراط يميناً وشمالاً فيمر أولكم كالبرق.. ثم كمر الريح، ثم كمر الطير، وشد الرجال تجري بهم أعمالهم ونبيكم قائم على الصراط يقول: رب سلم سلم، حتى تعجز أعمال العباد حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفاً قال وفي حافتي الصراط كلاليب مُعلّقة مأمورة بأخذ مَنْ أمِرَتْ به، فمخدوش ناج ومكدوس في النار).
قال الإمام النووي: (وأما إرسال الأمانة والرحم فهو لعظم أمرهما وكِبَر موقعهما، فتصوران مشخصتين على الصفة التي يريدها الله تعالى, قال صاحب التحرير: في الكلام اختصار, والسَّامع فهم أنهما تقومان لتطالبا كل مَنْ يريد الجواز بحقهما).
لقد نهى الله عن خيانة الأمانة فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ).
ونفى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كمال الإيمان عن خائن الأمانة فقال: (لا إيمان لِمَنْ لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له).
وبَيَّنَ النبيُ صلى الله عليه وسلم أنَّ الخيانة والأمانة لا يجتمعان كما لا يجتمع الكفر والإيمان فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب امرئٍ، ولا يجتمع الصدق والكذب جميعاً، ولا تجتمع الخيانة والأمانة جميعاً).
وجعله من المنافقين فقال: (أربع مَنْ كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومَنْ كانت فيه خصلة منهُن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر).
وفي رواية: (آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان).
لأنَّ النَّاس يُخدعون بإنسان من مظهره، أو في حُسن كلامه، فيضعون عنده أماناتهم سواء من مالٍ أو سرٍّ أو حاجةٍ، فإذا به يظهر على حقيقته مخالفاً ما ظنَّه النَّاس عليه، فيُضيِّع الأمانات، ويأكل الأموال، ويفشي الأسرار، و يتلف الحاجات، لذلك كان فيه علامة من النِّفاق.
لقد أخبر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ الأمانة ستضيع، وأنَّه سيأتي زمان على النَّاس تنقلب فيه الموازين وتختلط فيه الحسابات فقال: (إن خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السِّمَن).
وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سيأتي على الناس سنوات خدَّاعات يُصدَّقُ فيها الكاذب ويُكذَّبُ فيها الصَّادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه في أمر العامة).
ولقد جاء هذا الزمن، وأصبح الكذب صدقاً، والصدق كذباً، صار الباطل حقاً والحق باطلاً، وجُعل الخائن مؤتمناً والأمين مخوَّناً، وكَثُرَ الرويبضة الذين تحكَّموا في رقاب العباد فإلى الله المُشتكى.
إنَّ رفع الأمانة من علامات الساعة: ففي الحديث: (لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفاحش، وقطيعة الرحم، وسوء المجاورة، وحتى يؤتمن الخائن ويخوَّن الأمين).
وعن أبي هريرة قال: بينما رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم جالس يُحَدِّثُ القوم في مجلسه جاء إعرابي فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يُحَدِّثُ، فقال بعض القوم: سمع فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع حتى إذا قضى حديثه قال: أين السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا ذا يا رسول الله. قال: إذا ضُيّعَت الأمانة فانتظر الساعة. قال: يا رسول الله وما أضاعتها؟ قال: (إذا أوسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة.
لقد ضُيّعَت الأمانة، فهل يا تُرى الرجل المناسب في المكان المناسب؟ إنَّها المحسوبيات والواسطات والرشاوى.
أمَّا عن رفع الأمانة فقال حذيفة: حدَّثنا رسولُ الله حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدَّثنا أنَّ الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنَّة. ثمَّ حدَّثنا عن رفع الأمانة فقال: (ينام الرجل النومة فتُقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة فتُقبض فيبقى أثرها مثل أثر المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط تراه منتبراً وليس فيه شيء، فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحدٌ يؤدي الأمانة، فيُقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً، ويُقال للرجل ما أعقله وما أظرفه وما أجلده وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان).
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 28 يونيو 2021, 6:06 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: خطبة الوداع.. فوائد وفرائد الجمعة 01 سبتمبر 2017, 4:45 pm | |
| * (ألا وإن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة… وأن كل دم كان في الجاهلية موضوع وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد بن عبد المطلب، وكان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية). إنه -صلى الله عليه وسلم- يقول أن كل ما كانت الجاهلية تفخر وتتمسك به من تقاليد العصبية القبلية وفوارق اللغة والأنساب والعرق واستعباد الإنسان لأخيه الإنسان بأغلال الظلم والمراباة قد بطل أمره ومات اعتباره فهو اليوم جيفة منتنة غيَّبتها شريعة الله في باطن الأرض...
لقد أبعدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن منطلق الإنسانية وتقدمها الفكري والحضاري وأعلن أنها قد عادت حثالة مدفوعة.
إن النظام الاجتماعي العربي قبل الإسلام كان قائماً على أساس العصبية، عصبيّة الدم والرحم، وعصبيّة العشيرة والقبيلة، فقد كانوا يحيون للعصبية القبلية ويموتون لها في الحق والباطل...
وقال قائلهم يُعَبِّرُ عن حالهم: إن أنا إلا من جهينة إن غوت غويت وإن ترشد جهينة أرشد
وظل العرب كذلك حتى جاء الإسلام بشموليته، فجعل النظام الاجتماعي قائماً على أساس التعاون على البر والتقوى، لا تعاوناً على الإثم والعدوان، لذلك جمع الجميع تحت راية الإسلام يحيون في ظلها، ويموتون من أجلها.
لقد تغيَّرت حال العرب من قبائل مختلفة مفكّكة متحاربة إلى أمة واحدة أصبحت خير أمةٍ أُخرجت للناس، فها هم الأوس والخزرج الذين دارت الحرب بينهم فترة طويلة من الزمن، كان اليهود يشعلون نار هذه الحرب بينهم، التقت قلوبهم على الله، وزالت كل ألوان العصبية والقبلية والعداوة والبغضاء، فكانوا أنصاراً للحق، حتى شكّلوا مع إخوانهم من المهاجرين أعظم قوة اجتمع فيها القُرشي والعَبسي والغِفاري والجُهني والأوسي والخزرجي...
واجتمع فيها العربي والفارسي والرُّومي والحبشي على أساس من الأخوّة الإيمانية، التي تحكمها ضوابط وأسس الشريعة والدِّين، لهذا امتنَّ اللهُ على رسوله صلى الله عليه وسلم بهذه النعمة وهي جمع الكلمة وتأليف القلوب فقال تعالى: (هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
عاش المسلمون في ظل الإسلام إخوة متحابّين متناصحين متناصرين، يؤثر بعضهم بعضاً، ويضحِّي بعضهم أمام بعض، عن أنس رضي الله عنه قال: قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، دُلَّني على السُّوق..).
لكن برغم ذلك لم تخل الأمور من حالات شاذة عن هذه القاعدة، حالات عادت فيها النفوس إلى عصبيتها وعشائريتها، لكن الإسلام حاربها، وقد نُقلت لنا هذه الأحداث لتكون عِظةً وعِبرة ودرساً، حتى لا نعود إلى قبليّتنا...
من ذلك: 1- عن زيد بن أسلم قال: مرّ شاس بن قيس وكان شيخاً قد عسا في الجاهلية، عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم، على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه فغاظه ما رأى من جماعتهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم لها من قرار...
فأمر فتى شاباً من اليهود وكان معه فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم وذكِّرهم بيوم بُعاث وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، وكان يوم بُعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج، ففعل، فتكلّم القوم، فتنازعوا وتفاخروا، حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب أوس بن قيظي أحد بني حارثة بن الحرث من الأوس، وجبار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم والله رددناها الآن جذعة، وغضب الفريقان وقالوا: قد فعلنا، السلاح.. السلاح، موعدكم الظاهرة، والظاهرة الحرَّة...
فخرجوا إليها وتحاور الناس، فانضمَّت الأوس بعضها إلى بعض، والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمَنْ معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم فقال: يا معشر المسلمين، اللهَ اللهَ، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألّف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً؟
فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان، وكيد من عدوهم، فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا، وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضاً، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس بن قيس وما صنع، فأنزل الله في شاس بن قيس وما صنع: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ).
2- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا في غزاة فكَسَع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا لَلأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال دعوى الجاهلية؟ قالوا: يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال: دعوها فإنها منتنة).
لهذا ذكّر الله المؤمنين بنعمته عليهم فقال: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
إن العصبية القلبية مقيتة بغيضة، وهي سلاح فتّاك يفتك بالمجتمع، لذلك فإننا نرى أن الأيدي الخفية تريد أن تزج مجتمعاتنا في لهيب هذه العصبية، يريد البعض أن نعود إلى الجاهلية الأولى، أن تعود الحرب القبلية العشائرية، فنراهم يجمعون الناس تحت الروابط القبلية العشائرية، ونراهم يضربون على وتر العشائرية عند أي خلاف ولو كان شخصياً وتافهاً، لذلك فإننا نقول: إنها نغمة جديدة، وخطر عظيم، وفتنة كبيرة يحاول البعض إثارتها.
علينا أن نجعل الميزان هو الحق، وأن نجعل الحكم هو الشرع، وعلينا أن ننصر إخوتنا لكن ليس بالميزان الجاهلي، إنما بالميزان الشرعي الإسلامي، عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ قال: تأخذ فوق يديه).
وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره).
فردع الظالم و منعه من ظلمه هو نصر له على نفسه الأمارة بالسوء، ونصر على شيطانه الذي يريد إيقاع العداوة والبغضاء بين الناس، ونصر للمجتمع الذي يحيى بسلام وطمأنينة.
علينا أن نجعل أعمالنا مسخرة من أجل المصلحة الإسلامية العامّة، هذه الروابط العشائرية التي تشكّل لماذا تشكّل؟ هل تشكّل لتكون داء في المجتمع فتفرّق بدل أن تجمع؟ أم لتكون جامعة لا مفرِّقة؟ هل تشكّ من أجل الهوى والعصبية أم للتعاون على البر والتقوى؟
علينا أن نحارب كلّ مظاهر العصبية الجاهلية، وعلى أهل الخير أن يأخذوا دورهم الإصلاحي، حتى لا يسمحوا لأي نوع من أنواع الفتنة أن يسري إلى مجتمعاتنا، وهذا الكلام ليس في حالة خاصّة، إنما هو كلام في كل حالات العصبية الجاهلية التي تظهر في مجتمعاتنا.
ومن أمثلة التعصب في هذا الزمان التعصب للوطن, وهو ما يطلق عليه (الوطنية): مدعين أن حب الوطن من الايمان, والحق أن الوطن محبب للنفس لكن لا يصل هذا الحب للتعصب وانكار الآخرين ومقتهم نتيجة مواطنهم, لم تكن الوطنية تمثل يوماً للمسلمين هاجساً أو تصوراً أو حتى شعوراً يُحرك الواحد منهم تجاه الأشياء والحوادث والأشخاص تحريكاً متميزاً.
بل إن العرب أنفسهم وقبل ظهور الإسلام لم يكن للوطنية مفهوم عندهم ولم تكن تتجاذبهم من العنصريات إلا الرابطة العرقية أو القبلية وما ينتج عنها من التفاخر والتناصر فيما بينهم، أما الوطن والأرض والتراب فلم يكن يمثل لهم إلا السكنى والمال المرتبط بالأرض والأهل والولد، ولا غضاضة لدى الواحد فيهم أن يرحل من أرضه طالبا الرعي والزرع وغير ذلك من بسائط مقومات الحياة عندهم تاركا أرضه بكل سهولة ويسر، ولولا الترحال والتنقل بين الشعوب قاطبة لما وجدت الحضارات والدول القديمة.
كما أنه لم يرد في الإسلام لا في نصوص القرآن الكريم ولا في نصوص السنة الشريفة ولا حتى في آثار الصحابة والصالحين ما يدل على مفهوم الوطنية والوطن وبالمناسبة فحديث: "حب الوطن من الإيمان" ليس بحديث ولم يرد في كتب الحديث، والفقهاء عندما بحثوا الأرض وارتباط الإنسان بها قالوا عنها الدار والدار ليست الوطن بل هي الأرض بما عليها من بشر وأحكام واستندوا في ذلك لحديث سليمان بن بريدة الذي بين فيه الرسول الكريم عليه وآله أفضل الصلاة والسلام أن من يدخل من الأعراب في الإسلام عليه أن يتحول إلى دار المهاجرين ليكون له ما لهم من الإنصاف وعليه ما عليهم من الإنتصاف...
والدار عندما بحثها الفقهاء اشترطوا لكونها دار إسلام أن تحكم بالإسلام وأن يكون أمانها بأمان المسلمين ومن رضي أن يسكن هذه الدار ويصبح من رعاياها يكون من أهلها بغض النظر عن دينه أو عرقه أو موطنه الأصلي فتجد غير المسلم في دار الإسلام يتمتع بما لا يتمتع به المسلم خارج دار الإسلام أما اليوم فقد حرص الغرب الكافر على زرع الناحية الوطنية وحب الوطن والتضحية في سبيله وجعلها رابطة بين أبناء الوطن الواحد تميزهم عن غيرهم من المسلمين...
وما ذلك كله إلا زيادة في تفرقة المسلمين ووضع العراقيل والمصاعب في وجه وحدتهم إذا ما تطلعوا لها وعملوا لها، بل إنهم لم يكتفوا بذلك بل أثاروا في الناس كل ما يزيد بعدهم عن الإسلام ويحول دون وحدتهم مع إخوانهم المسلمين فبثوا في مصر الفرعونية وفي تركيا الطورانية وفي الشام الفينيقية وفي العراق الآشورية حتى صدقت الشعوب فعلا أنها فرعونية وطورانية وفينيقية وآشورية وخليجية فتوحدت على هذه السخافات ونظرت إلى غيرها من الشعوب بفوقية وتعالي.
لقد جاء الإسلام للبشر عامة لينقذهم من براثن العبودية لغير الله وذلة البشر والجور والجهل إلى عزة العبودية لله تعالى والعيش وفق طريقة الإسلام فنظم حياتهم مسلمين وغير مسلمين دون النظر إلى أصولهم وألوانهم وأوطانهم وجعل الأفضلية بينهم التقوى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وحذرهم من التفاخر بالعنعنات الجاهلية، قال عليه وآله أفضل الصلاة والسلام: «لينتهين أقوام يفتخرون بآباءهم، هم حصب جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعل يدهده الخرء بأنفه، ألا كلكم لآدم وآدم من تراب»، فلندع عنا التفاخر بالأوطان والأنساب ولنتفاخر بعبوديتنا لله تعالى وحده.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 28 يونيو 2021, 6:08 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: خطبة الوداع.. فوائد وفرائد الجمعة 01 سبتمبر 2017, 6:02 pm | |
| * (وإنَّ رِبَا الجَاهِليّة مَوضوعٌ ولكن لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، قضى الله أنه لا ربا، وإنّ أَوّلَ رباً أَبْدأُ بِهِ رِبَا عَمّي العباسُ بن عبد المطلب).
أما الربا، فموضوع, قال تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ).
الرِّبا كبيرةٌ من الكبائر الَّتي حذَّر منها رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وما هنَّ يا رسول الله، قال: الشِّرك بالله والسِّحر وقتل النَّفس الَّتي حرَّم الله إلا بالحقِّ وأكل الرِّبا وأكل مال اليتيم والتولِّي يوم الزَّحف وقذف المحصناتِ الغافلاتِ المؤمناتِ)،.
وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (الرِّبا ثلاثةٌ وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه).
وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إذا ظهر الرِّبا والزِّنا في قريةٍ فقد أحلُّوا بأنفسهم عذاب الله).
وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (درهم رباً يأكله الرجل وهو يعلم أشدُّ عند الله من ستةٍ وثلاثين زنية).
فكم من الدراهم يأكل أصحاب الرِّبا والمال الحرام؟ عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبوبكر يأكل من خراجه، فجاء يوماً بشيء فأكل منه أبوبكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبوبكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أُحسن الكهانة إلا أني خدعته، فلقيني فأعطاني بذلك فهذا الذي أكلت منه، فأدخل أبوبكر يده فقاء كل شيء في بطنه.
وقد أجمع علماءُ الإسلام سلفاً وخلفاً على تحريم الرِّبا بكلِّ أشكاله وصوره، فقد جاء رجلٌ إلى الإمام مالك بن أنس فقال: رأيت رجلاً سكراناً فقلت امرأتي طالقٌ إن كان يدخل جوف ابن آدم شر من الخمر، فقال ارجع حتى أنظر في مسألتك، فأتاه من الغد، فقال له ارجع حتى أنظر في مسألتك، فأتاه من الغد فقال له امرأتك طالقٌ، لقد تصفَّحت كتاب الله وسنَّة نبيِّه فلم أر أشرُّ من الرِّبا لأنَّ الله أذن فيه بالحرب.
ما حرَّم الإسلام أمراً إلا نتيجة الضرر الَّذي ينتج عن هذا الأمر، فالسبب في تحريم الرِّبا ما ينتج عنه من أضرارِ إقتصاديَّةِ وإجتماعيةٍ وأخلاقيَّةٍ وعسكريَّةٍ فهو: 1- يسبِّب العداوة بين الأفرادِ ويقضي على روحِ التَّعاون ممَّا ينتج عنه خللٌ إجتماعيٌّ. 2- يؤدِّي إلى وجودِ طبقةٍ مترفةٍ لا تعمل شيئاً تتضخَّم الأموالُ في أيديها دون مشقَّةٍ ولا جهدٍ على حسابِ غيرها. 3- يسبِّب القلقَ والإضطرابَ النفسيِّ وعدم الإستقرار بالنسبة لآكل الرِّبا وموكلهِ على حدٍّ سواء. 4- الرِّبا وسيلةٌ للإِستعمارِ فقد ثبت أنَّ الغزوالإقتصادي القائم على المعاملاتِ الربويَّة كان التمهيد للغزوالعسكريّ.
إنَّ كلَّ ما زاد عن رأس المال فهو رباً أو كلُّ قرضٍ جرَّ منفعةً فهو ربا، سواءً سمِّي ربا أم فائدةً أم غيره، فإنَّها جميعها صورٌ من صور الربا، فماذا ينتظر هؤلاء الَّذين يحتالون على أمر الله، ويستحلُّون محارم الله، ويتجرأون على أكل الحرام، ويحاربون الله.
إنَّ الحرب معلنةً من الله على هؤلاءِ، وسيمحق الله أموالهم ويذهب بها وبهم لا محاله.
فإن الله قال: (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا ويُرْبِي الصَّدَقَاتِ).
ويقول عليه الصلاة والسَّلام: (الربا وإن كثر فإنَّ عاقبته إلا قُلّ).
إنَّ الله يُمهل ولا يُهمل، ويُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
فقد شاهدنا الكثير من حالات محق الربا وأهله، فكم من الذين يتعاملون بالربا وأموالهم كثيرة لكن لا خير فيها ولا بركة، وكم من الذين ابتلاهم الله بداء في أنفسهم أوعيالهم فأنفقوا أموالهم للتخلّص من هذا الداء ولكن دون نتيجة، وكم من الذين ذهبت أموالهم بسبب إفلاس بعض البنوك الربوية أو فرار من أعطوه أموالهم، فبَادِرُوا عباد الله إلى ترك الربا بكل صوره، وتوبوا إلى الله قبلَ أن تذهب أموالكم ويستحكم الله العذاب.
من مزايا الإسلام أنَّه ما حرَّم شيئاً إلاّ أوجد له بديلاً، فلمَّا حرَّم الرِّبا أباح البيع والتجارة ووضع الحلول والوسائل التي من شأنها القضاء على الرِّبا...
فمن ذلك: 1- القرض الحَسَنْ، فبدل أن يقرض المسلم ماله بفائدة تمحق ماله رغَّب الله في القرض الحَسَنْ فقال: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً).
فالقرض هو قرضٌ مع الله كما في الحديث: (يابن آدم مرضت فلم تعدني، قال يا رب كيف أعودك وأنت ربُّ العالمين، قال: أما علمت أنَّ عبدي فلان مرض فلم تعده، أما علمت أنَّك لوعدته لوجدتني عنده. يا ابن آدم استطعمتكم فلم تطعمني، فقال يا رب كيف أطعمك وأنت ربُّ العالمين، قال: أما علمت أنَّه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنَّك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي).
2- إنظار المعسَّر ريثما يزول إعساره، والحثُّ على التجاوز عن دينه: (وَإِن كَانَ ذُوعُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).
وفي الحديث: (كان تاجر يداين الناس فإذا رأى معسراً قال لفتيانه: تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه).
3- التعاون بكلِّ وسائله ويشمل التعاون الإجتماعي والصِّناعي والزراعي، وتمويل العمَّال وأصحاب الصِّناعات ممَّا يقوِّي إنتاجهم ويضاعفه فيعود بالخيرِ على الأمَّةِ وعلى العامل وعلى المموِّلِ بما ينتج عنه من أرباح تفوق ما يُعطى من رباً وفوائد.
قال تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).
4- إخراج زكاة المال، فلوأخرج كلَّ إنسانٍ زكاة ماله ودفعها إلى المستحقِّين لما وُجِدَ في المجتمع الإسلامي فقراء يحتاجون القروض بفائدةٍ أورباً.
ثم إن الإنفاق ينبغي أن يكون من حلال طيب، لا خبيث أو حرام.
قال تعالى: (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّون)، (وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ).
ويقول عليه الصلاة والسلام: (إنَّ الله طيِّبٌ لا يقبل إلا طيِّباً).
ويقول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (لا تطعموهم ممَّا لا تأكلون).
فاحذروا عباد الله من الفوائد والرِّبا حتَّى لا تعرِّضوا أنفسكم للخسارةِ في الدنيا والآخرة.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 28 يونيو 2021, 6:10 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: خطبة الوداع.. فوائد وفرائد الجمعة 01 سبتمبر 2017, 6:56 pm | |
| * (أَيُّها النَّاس، اتقوا الله في النساء، فإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله، واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً. إلا إن لكم على نسَائِكُمْ حقاً ولِنسَائِكُمْ عليكم حقاً فأما حقكم على نسائكم؛ فلا يُوطْئنَ فُرُشَكُمْ غيرَكم، وَلا يُدْخِلْنَ أحَداً تكرَهُونَهُ بيوتَكُمْ، ولا يأتينَ بِفَاحِشَة،فإنْ أطَعْنَكُمْ فَعَلَيْكُمْ رِزقُهنَّ وكسوتُهُنَّ بالمَعْرُوفِ).
أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا بالنساء وأكد في كلمة مختصرة وجامعة القضاء على الظلم البائد للمرأة في الجاهلية وتثبيت ضمانات حقوقها وكرامتها الإنسانية التي تضمنها أحكام الشريعة الإسلامية فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كان له اختان فاحسن صحبتهما ادخله الله الجنة)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كان له ثلاث بنات فصبر على لأوائهن وضرَّائهن وسرّائهن ادخله الله الجنة بفضل رحمته اياهن).
يكثر الحديث عن المرأة، وينظر كلّ إنسان إلى المرأة نظرة خاصة به من خلال نظرته الدّينية أوالسياسية أوالإجتماعية.. فمن مُغالٍ في الحديث عن حقوق المرأة فيطالب بتحريرها، ومن مجحفٍ في حقّها فيطالب بالحجر عليها، ومن منصفٍ لها يطالب بإعطائها حقّها دون غلوولا إجحاف.
من خلال كثرة الحديث في هذا الأمر تُثار الشبهات والمزاعم، ويكثر الطعن في الإسلام من خلال محاولات الانتقاص من هذا الدين العظيم، بحجّة أن الإسلام قد امتهن المرأة وجرّدها من حقوقها وسلبها إياها، معتمدين على أفهام غير مستقيمة لبعض النصوص القرآنية والنبويّة، أوالأقوال الفقهية، أوعلى تطبيق خاطيء من قِبل بعض المسلمين، أومعتمدين على أهواء في أنفسهم.. فوقع هؤلاء الطاعنون في الإفراط، ومجانبة الحقِّ والصواب، واتهام الإسلام بما هومنه بريء.
ونتحدث بعون الله تعالى عن هذا الموضوع من خلال بيان حقيقة المرأة في الإسلام مقارنة بحقيقتها في الشرائع والقوانين الأخرى.
فنقول بعون الله: اختلفت نظرة الناس إلى المرأة على مرّ العصور، ويمكن إيجاز هذه النظرة لنعرف الفرق بين نظرة الإسلام للمرأة ونظرة غيره إليها، لنعرف الحقيقة ونكون من أهل الإنصاف:
* المرأة عند اليهود: جاء في سفر الجامعة من الكتاب المقدّس: (دُرتُ أنا وقلبي لأعلم ولأبحث، ولأطلب حكمة وعقلاً، ولأعرف الشّرَّ أنه جهالة، والحماقة أنها جنون، فوجدت أمرَّ من الموت المرأةَ التي هي شِباك، وقلبها أشراك، ويداها قيود).
* المرأة عند النصارى: (في رومية اجتمع مجمع كبير وبحث شؤون المرأة فقرّر أنها كائن لا نفس له، وأنها لن ترث الحياة الأخروية لهذه العلّة، وأنها رجس يجب أن لا تأكل اللحم، وأن لا تضحك، بل ولا أن تتكلّم، وعليها أن تمضي أوقاتها في الصلاة والعبادة والخدمة، ولأجل أن يمنعوها جعلوا على فمها قفلاً من حديد فكانت المرأة من أعلى الأسر وأدناها تسير في الطرقات، وتروح وتغدوفي دارها وعلى فمها قفل، هذا غير العقوبات البدنية التي كانت تعرض لها المرأة باعتبار أنها أداة للإغواء يستخدمها الشيطان لإفساد القلوب.
أما في فرنسا: فقد عُقد سنة 586 م اجتماع في بعض ولاياتها دار فيه البحث عن المرأة: أتُعدّ إنساناً أم غير إنسان؟ وكان ختام البحث أن قرّر المجمع: أن المرأة إنسان ولكنها مخلوقة لخدمة الرجل.
أما في انكلترا: فقد أصدر الملك هنري الثامن أمراً بتحريم مطالعة الكتاب المقدّس على النساء، كما أن النساء كنّ طبقاً للقانون الانكليزي العام حوالي سنة 1850 م غير معدودات من المواطنين، ولم يكن لهنّ حقوق شخصيّة ولا حقّ لهنّ في تملّك ملابسهنَّ، ولا في الأموال التي يكسبنها بعرق الجبين).
* المرأة عند الوثنيين: جاء في شرائع الهند: (إن الوباء والموت والجحيم والسّم والأفاعي والنَّار خير من المرأة).
* المرأة عند العرب قبل الإسلام: هي شر ومكروه، وسبب من أسباب الذّل والمهانة، فقد كانوا يكرهون ولادتها، حتى دفنوها وهي حيّة خشية الفقر أوالسبي والعار، إضافة إلى امتهانها واستعبادها وسلبها عامّة حقوقها البشرية..
قال تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوكَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ).
* المرأة في المجتمع الغربي: هي سلعة رخيصة لإشباع الرغبات والشهوات، هي مادة إعلانية لترويج البضائع والمنتجات، لذلك أخرجوها من بيتها تحت ذرائع واهية -يسمونها تحرير المرأة- لتحقيق هذه الغايات..
* المرأة في الإسلام فهي: الدُّرة المصونة، واللؤلؤة المكنونة. هي شقيقة الرجل وشريكته، والمكمّلة له في جميع نواحي الحياة، كما جاء في الحديث: (إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَال).
المرأة هي إنسان خلقها الله من آدم عليه السلام.
قال تعالى: (هُوالَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا).
وقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً ورَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلكَ لآياتٍ لقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
يتعرض البعض للمسلمين بدعوى ممارسة التمييز والاضطهاد للمرأة، وأنهم ضدّ حرّية المرأة، وأنهم متأخرون في مجال حقوق الإنسان، إلى آخر هذا المسلسل الطويل من الدعاوى الباطلة والافتراءات الكاذبة...
إن هؤلاء المدّعين لم يدرسوا الإسلام، ولم يتعرّفوا على الحقوق المتميّزة التي منحها الإسلام للمرأة، وهي حقوق تفوق كثيراً ما يدّعيه البعض أن الدول -التي تُسمى متقدّمة- قد منحتها للمرأة.
فللمرأة في الإسلام منزلتها ومكانتها ووجودها، وللمرأة حقوقها، وعليها واجباتها.. ويكفي من ذلك ما أمر به الإسلام من الإحسان إليها.
المرأة هي أم وأخت وزوجة وبنت وقد جاء الأمر بالإحسان إلى الأم والزوجة والبنت والأخت: عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (مَنْ أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم مَنْ؟ قال: ثم أمك، قال: ثم مَنْ؟ قال: ثم أمك، قال: ثم مَنْ؟ قال: ثم أبوك).
وعن عائشة قالت: جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئاَ... قالت عائشة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كنتُ لكِ كأبي زَرْعٍ لأمِّ زَرْع).
ولقد كان رسول الله خير الناس لأهله، وأحسنهم إليهم، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).
وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: جاءتني امرأة ومعها ابنتان لها، فسألتني فلم تجد عندي تمرة واحدة، فأعطيتها إياها، فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئاً، ثم قامت فخرجت وابنتاها، فدخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته حديثها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهنَّ كنَّ له ستراً من النار).
وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ كانت له أختان فأحسن صحبتهما ما صحبتاه دخل بهما الجنة).
ومن الإحسان إلى البنات، إكرامهنَّ، وتأديبهنَّ، والصبر عليهنَّ، وعدم تفضيل الذكور عليهنَّ.
دخل عمروبن العاص رضي الله عنه على معاوية رضي الله عنه وعنده بنت له، فقال: أبعدها عنك يا أمير المؤمنين، فوالله ما علمت أنهنَّ يلدنَ الأعداءَ، ويقربنَ البعداء، ويورثنَ الضغائن. فقال معاوية رضي الله عنه: لا تقل هذا يا عمرو، فوالله ما مرّض المرضى، ولا ندب الموتى، ولا أعون على الأحزان منهنَّ، ولرُبَّ ابن أختٍ قد نفعَ خالّه).
وقال محمد بن سليمان: (البنون نِعَمٌ، والبناتُ حسنات، والله عز وجل يُحاسبُ على النعم، ويُجازي على الحسنات).
وأخيراً: جاء في خطبة الوداع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله).
فهل نرى هذا الإحسان والتكريم عند هؤلاء الذين ينادون كذباً بحرّية المرأة، ويزعمون المطالبة بحقوقها؟
لقد رفع الإسلام مكانة المرأة، وأكرمها بما لم يكرمها به دين سواه؛ فالنساء في الإسلام شقائق الرجال، وخير الناس خيرهم لأهله؛ فالمسلمة في طفولتها لها حق الرضاع، والرعاية، وإحسان التربية، وهي في ذلك الوقت قرة العين، وثمرة الفؤاد لوالديها وإخوانها.
وإذا كبرت فهي المعززة المكرمة، التي يغار عليها وليها، ويحوطها برعايته، فلا يرضى أن تمتد إليها أيد بسوء، ولا ألسنة بأذى، ولا أعين بخيانة.
وإذا تزوجت كان ذلك بكلمة الله، وميثاقه الغليظ؛ فتكون في بيت الزوج بأعز جوار، وأمنع ذمار، وواجب على زوجها إكرامها، والإحسان إليها، وكف الأذى عنها.
وإذا كانت أماً كان برُّها مقروناً بحق الله-تعالى-وعقوقها والإساءة إليها مقروناً بالشرك بالله، والفساد في الأرض.
وإذا كانت أختاً فهي التي أُمر المسلم بصلتها، وإكرامها، والغيرة عليها.
وإذا كانت خالة كانت بمنزلة الأم في البر والصلة.
وإذا كانت جدة، أوكبيرة في السن زادت قيمتها لدى أولادها، وأحفادها، وجميع أقاربها؛ فلا يكاد يرد لها طلب، ولا يُسَفَّه لها رأي.
وإذا كانت بعيدة عن الإنسان لا يدنيها قرابة أوجوار كان له حق الإسلام العام من كف الأذى، وغض البصر ونحو ذلك.
وما زالت مجتمعات المسلمين ترعى هذه الحقوق حق الرعاية، مما جعل للمرأة قيمة واعتباراً لا يوجد لها عند المجتمعات غير المسلمة.
ثم إن للمرأة في الإسلام حق التملك، والإجارة، والبيع، والشراء، وسائر العقود، ولها حق التعلم، والتعليم، بما لا يخالف دينها، بل إن من العلم ما هوفرض عين يأثم تاركه ذكراً أم أنثى.
بل إن لها ما للرجال إلا بما تختص به من دون الرجال، أوبما يختصون به دونها من الحقوق والأحكام التي تلائم كُلاً منهما على نحوما هومفصل في مواضعه.
ومن إكرام الإسلام للمرأة: أن أمرها بما يصونها، ويحفظ كرامتها، ويحميها من الألسنة البذيئة، والأعين الغادرة، والأيدي الباطشة؛ فأمرها بالحجاب والستر، والبعد عن التبرج، وعن الاختلاط بالرجال الأجانب، وعن كل ما يؤدي إلى فتنتها.
ومن إكرام الإسلام لها: أن أمر الزوج بالإنفاق عليها، وإحسان معاشرتها، والحذر من ظلمها، والإساءة إليها.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 28 يونيو 2021, 6:11 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: خطبة الوداع.. فوائد وفرائد الجمعة 01 سبتمبر 2017, 7:04 pm | |
| بل ومن المحاسن -أيضاً-: أن أباح للزوجين أن يفترقا إذا لم يكن بينهما وفاق، ولم يستطيعا أن يعيشا عيشة سعيدة؛ فأباح للزوج طلاقها بعد أن تخفق جميع محاولات الإصلاح، وحين تصبح حياتهما جحيماً لا يطاق.
وأباح للزوجة أن تفارق الزوج إذا كان ظالماً لها، سيئاً في معاشرتها، فلها أن تفارقه على عوض تتفق مع الزوج فيه، فتدفع له شيئاً من المال، أوتصطلح معه على شيء معين ثم تفارقه.
ومن صور تكريم الإسلام للمرأة: أن نهى الزوج أن يضرب زوجته بلا مسوغ، وجعل لها الحق الكامل في أن تشكوحالها إلى أوليائها، أوأن ترفع للحاكم أمرها؛ لأنها إنسان مكرم داخل في قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً).
وليس حسن المعاشرة أمراً اختيارياً متروكاًللزوج إن شاء فعله وإن شاء تركه، بل هوتكليف واجب.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يضاجعها) فهذا الحديث من أبلغ ما يمكن أن يقال في تشنيع ضرب النساء؛ إذ كيف يليق بالإنسان أن يجعل امرأته -وهي كنفسه- مهينة كمهانة عبده بحيث يضربها بسوطه، مع أنه يعلم أنه لابد له من الاجتماع والاتصال الخاص بها.
ولا يفهم مما مضى الاعتراض على مشروعية ضرب الزوجة بضوابطه، ولا يعني أن الضرب مذموم بكل حال.
لا، ليس الأمر كذلك؛ فلا يطعن في مشروعية الضرب إلا من جهل هداية الدين، وحكمة تشريعاته من أعداء الإسلام ومطاياهم ممن نبتوا من حقل الغرب، ورضعوا من لبانه، ونشأوا في ظله.
هؤلاء الذين يتظاهرون بتقديس النساء والدفاع عن حقوقهن؛ فهم يطعنون في هذا الحكم، ويتأففون منه، ويعدونه إهانة للمرأة.
وما ندري من الذي أهان المرأة؟ أهو ربّها الرحيم الكريم الذي يعلم من خلق وهواللطيف الخبير؟ أم هؤلاء الذين يريدونها سلعة تمتهن وتهان، فإذا انتهت مدة صلاحيتها ضربوا بها وجه الثرى؟ إن هؤلاء القوم يستنكفون من مشروعية تأديب المرأة الناشز، ولا يستنكفون أن تنشز المرأة، وتترفع على زوجها، فتجعله-وهورأس البيت-مرؤوساً، وتصر على نشوزها، وتمشي في غلوائها، فلا تلين لوعظه، ولا تستجيب لنصحه، ولا تبالي بإعراضه وهجره.
تُرى كيف يعالجون هذا النشوز؟ وبم يشيرون على الأزواج أن يعاملوا به الزوجات إذا تمَرَّدْنَ ؟ نعم لقد وجد من النساء -وفي الغرب خاصة- من تضرب زوجها مرة إثر مرة، والزوج يكتم أمره، فلما لم يعد يطيق ذلك طلَّقها، حينئذٍ ندمت المرأة، وقالت: أنا السبب؛ فلقد كنت أضربه، وكان يستحيي من الإخبار بذلك، ولما نفد صبره طلَّقني!
وقالت تلك المرأة القوامة: أنا نادمة على ما فعلت، وأوجه النصيحة بألا تضرب الزوجات أزواجهن! لقد أذن الإسلام بضرب الزوجة كما في قوله تعالى: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ)، وكما في قوله -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع: (ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مُبَرِّح).
ولكن الإسلام حين أذن بضرب الزوجة لم يأذن بالضرب المبرح الذي يقصد به التشفي، والانتقام، والتعذيب، وإهانة المرأة وإرغامها على معيشة لا ترضى بها.
وإنما هو ضرب للحاجة وللتأديب، تصحبه عاطفة المربي والمؤدب؛ فليس للزوج أن يضرب زوجته بهواه، وليس له إن ضربها أن يقسوعليها.
فالإسلام أذن بالضرب بشروط منها: أ- أن تصر الزوجة على العصيان حتى بعد التدرج معها. ب- أن يتناسب العقاب مع نوع التقصير؛ فلا يبادر إلى الهجر في المضجع في أمر لا يستحق إلا الوعظ والإرشاد، ولا يبادر إلى الضرب وهولم يجرب الهجر؛ ذلك أن العقاب بأكثر من حجم الذنب ظلم. ج- أن يستحضر أن المقصود من الضرب العلاجُ والتأديب والزجر لا غير؛ فيراعي التخفيف فيه على أحسن الوجوه؛ فالضرب يتحقق باللكزة، أوبالمسواك ونحوه. د- أن يتجنب الأماكن المخوفة كالرأس والبطن والوجه. هـ - ألا يكسر عظماً، ولا يشين عضواً، وألا يدميها، ولا يكرر الضربة في الموضع الواحد. و- ألا يتمادى في العقوبة قولاً أوفعلاً إذا هي ارتدعت وتركت النشوز.
فالضرب -إذاً- للمصلحة لا للإهانة، ولوماتت الزوجة بسبب ضرب الزوج لوجبت الدية والكفارة، إذا كان الضرب لغير التأديب المأذون فيه.
أما إذا كان التلف مع التأديب المشروع فلا ضمان عليه، هذا مذهب أحمد ومالك.
أما الشافعي وأبوحنيفة فيرون الضمان في ذلك، ووافقهم القرطبي - وهومالكي. وقال النووي -رحمه الله- في شرح حديث حجة الوداع السابق: (وفي هذا الحديث إباحة ضرب الرجل امرأته للتأديب، فإن ضربها الضرب المأذون فيه فماتت وجبت ديتها على عاقلة الضارب، ووجبت الكفارة في ماله).
ومن هنا يتبين لنا أن الضرب دواء ينبغي مراعاة وقته، ونوعه، وكيفيته، ومقداره، وقابلية المحل، لكن الذين يجهلون هداية الإسلام يقلبون الأمر، ويلبسون الحق بالباطل.
ثم إن التأديب بالضرب ليس كل ما شرعه الإسلام من العلاج، بل هوآخر العلاجات مع ما فيه من الكراهة؛ فإذا وجدت امرأة ناشز أساءت عشرة زوجها، وركبت رأسها، واتبعت خطوات الشيطان، ولم ينجع معها وعظ ولا هجران-فماذا يصنع الرجل في مثل هذه الحال؟هل من كرامته أن يهرع إلى مطالبة زوجته كل ما نشزت؟ وهل تقبل المرأة ذلك، فينتشر خبرها، فتكون غرضاً للذم، وعرضة للَّوم؟
إن الضرب بالمسواك، وما أشبهه أقلُّ ضرراً على المرأة نفسها من تطليقها الذي هونتيجة غالبة لاسترسالها في نشوزها، فإذا طُلِّقت تصدع بنيان الأسرة، وتفرق شملها، وتناثرت أجزاؤها.
وإذا قيس الضرر الأخف بالضررالأعظم كان ارتكاب الأخف حسناً جميلاً، كما قيل: وعند ذكر العمى يستحسن العورُ.
فالضرب طريق من طرق العلاج يجدي مع بعض النفوس الشاردة التي لا تفهم بالحسنى، ولا ينفع معها الجميل، ولا تفقه الحجة، ولا تقاد بزمام الإقناع.
ثم إذا أخطأ أحد من المسلمين سبيل الحكمة، فضرب زوجته وهي لا تستحق، أوضربها ضرباً مبرحاً-فالدين براء من تبعة هذه النقائص، وإنما تبعتها على أصحابها.
هذا وقد أثبتت دراسات علم النفس أن بعض النساء لا ترتاح أنفسهن إلا إذا تعرضن إلى قسوة وضرب شديد مبرح، بل قد يعجبها من الرجل قسوته، وشدته، وعنفه؛ فإذا كانت امرأة من هذا النوع فإنه لا يستقيم أمرها إلا بالضرب.
وشواهد الواقع والملاحظات النفسية على بعض أنواع الانحراف تقول: إن هذه الوسيلة قد تكون أنسب الوسائل لإشباع انحراف نفسي معين، وإصلاح سلوك صاحبه، وإرضائه في الوقت ذاته؛ فربما كان من النساء من لا تحس قوة الرجل الذي تحب أن يكون قواماً عليها إلا حين يقهرها عضلياً.
وليست هذه طبيعة كل امرأة، ولكن هذه الصنف من النساء موجود، وهوالذي يحتاج إلى هذه المرحلة الأخيرة؛ ليستقيم على الطريقة.
والذين يولعون بالغرب، ويولون وجوههم شطره يوحون إلينا أن نساء الغرب ينعمن بالسعادة العظمى مع أزواجهن.
ولكن الحقيقة الماثلة للعيان تقول غير ذلك؛ فتعالوا نطالع الإحصاءات التي تدل على وحشية الآخرين الذين يرمون المسلمين بالوحشية. أ- نشرت مجلة التايم الأمريكية أن ستة ملايين زوجة في أمريكا يتعرضن لحوادث من جانب الزوج كل عام، وأنه من ألفين إلى أربعة آلاف امرأة يتعرضن لضرب يؤدي إلى الموت، وأن رجال الشرطة يقضون ثلث وقتهم للرد على مكالمات حوادث العنف المنزلي. انظر دور المرأة المسلمة في المجتمع إعداد لجنة المؤتمر النسائي الأول ص45. ب- ونشر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي عام 1979م أن 40% من حوادث قتل النساء تحدث بسبب المشكلات الأسرية، وأن 25% من محاولات الانتحار التي تُقْدم عليها الزوجات يسبقها نزاع عائلي.. ج- دراسة أمريكية جرت في عام 1407هـ-1987م أشارت إلى 79% يقومون بضرب النساء وبخاصة إذا كانوا متزوجين بهن. وكانت الدراسة قد اعتمدت على استفتاء أجراه د.جون بيرير الأستاذ المساعد لعلم النفس في جامعة كارولينا الجنوبية بين عدد من طلبته. وقد أشارت الدراسة إلى أن استعداد الرجال لضرب زوجاتهم عالٍ جداً، فإذا كان هذا بين طلبة الجامعة فكيف بمن هو دونهم تعليماً؟ د- وفي دراسة أعدها المكتب الوطني الأمريكي للصحة النفسية جاء أن 17% من النساء اللواتي يدخلن غرف الإسعاف ضحايا ضرب الأزواج أوالأصدقاء، وأن 83% دخلن المستشفيات سابقاً مرة على الأقل للعلاج من جروح وكدمات أصيبن بها كان دخولهن نتيجة الضرب.
وقال إفان ستارك معد هذه الدراسة التي فحصت (1360) سجلاً للنساء: إن ضرب النساء في أمريكا ربما كان أكثر الأسباب شيوعاً للجروح التي تصاب بها النساء، وأنها تفوق ما يلحق بهن من أذى نتيجة حوادث السيارات، والسرقة، والاغتصاب مجتمعة.
وقالت جانيس مور: وهي منسقة في منظمة الائتلاف الوطني ضد العنف المنزلي ومقرها واشنطن: إن هذه المأساة المرعبة وصلت إلى حد هائل؛ فالأزواج يضربون نسائهم في سائر أنحاء الولايات المتحدة، مما يؤدي إلى دخول عشرات منهن إلى المستشفيات للعلاج.
وأضافت بأن نوعية الإصابات تتراوح ما بين كدمات سوداء حول العينين، وكسور في العظام، وحروق وجروح، وطعن بالسكين، وجروح الطلقات النارية، وما بين ضربات أخرى بالكراسي، والسكاكين، والقضبان المحماة.
وأشارت إلى أن الأمر المرعب هوأن هناك نساء أكثر يُصبن بجروح وأذى على أيدي أزواجهن ولكنهن لا يذهبن إلى المستشفى طلباً للعلاج، بل يُضمِّدن جراحهن في المنزل.
وقالت جانيس مور: إننا نقدر بأن عدد النساء اللواتي يُضربن في بيوتهن كل عام يصل إلى ستة ملايين امرأة، وقد جمعنا معلومات من ملفات مكتب التحقيقات الفيدرالية، ومن مئات الملاجئ التي توفر المأوى للنساء الهاربات من عنف وضرب أزواجهن.
وبعد فإننا في غنى عن ذكر تلك الإحصاءات؛ لعلمنا بأنه ليس بعد الكفر ذنب.
ولكن نفراً من بني جلدتنا غير قليل لا يقع منهم الدليل موقعه إلا إذا نسب إلى الغرب وما جرى مجراه؛ فها هوالغرب تتعالى صيحاته من ظلم المرأة؛ فهل من مدكر؟
إذا لم يكن للمرء عين صحيحة **** فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر ومن صور تكريم الإسلام للمرأة: أن أنقذها من أيدي الذين يزدرون مكانها، وتأخذهم الجفوة في معاشرتها؛ فقرر لها من الحقوق ما يكفل راحتها، وينبه على رفعة منزلتها، ثم جعل للرجل حق رعايتها، وإقامة سياج بينها وبين ما يخدش كرامتها.
ومن الشاهد على هذا قوله -تعالى-: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ).
فجعلت الآية للمرأة من الحقوق مثل ما للرجل؛ وإذا كان أمر الأسرة لا يستقيم إلا برئيس يدبره فأحقهم بالرياسة هوالرجل الذي شأنه الإنفاق عليها، والقدرة على دفاع الأذى عنها.
ومن إكرام الإسلام للمرأة: أن أباح للرجل أن يُعَدِّدْ، فيتزوج بأكثر من واحدة، فأباح له أن يتزوج اثنتين، أوثلاثاً، أوأربعاً، ولا يزيد عن أربع بشرط أن يعدل بينهن في النفقة، والكسوة، والمبيت، وإن اقتصر الزوج على واحدة فله ذلك.
هذا وإن في التعدد حكماً عظيمة، ومصالح كثيرة لا يدركها الذين يطعنون في الإسلام، ويجهلون الحكمة من تشريعاته.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 28 يونيو 2021, 6:13 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: خطبة الوداع.. فوائد وفرائد الجمعة 01 سبتمبر 2017, 7:08 pm | |
|
ومما يبرهن على الحكمة من مشروعية التعدد مايلي: 1- أن الإسلام حرم الزنا: وشدَّد في تحريمه؛ لما فيه من المفاسد العظيمة التي تفوق الحصر والعد، والتي منها: اختلاط الأنساب، وقتل الحياء، والذهاب بالشرف وكرامة الفتاة؛ إذ الزنا يكسوها عاراً لا يقف حده عندها، بل يتعداه إلى أهلها وأقاربها.
ومن أضرار الزنا: أن فيه جناية على الجنين الذي يأتي من الزنا؛ حيث يعيش مقطوع النسب، محتقراً ذليلاً.
ومن أضراره: ما ينتج عنه من أمراض نفسية وجسدية يصعب علاجها، بل ربما أودت بحياة الزاني كالسيلان، والزهري، والهربس، والإيدز، وغيرها.
والإسلام حين حرَّم الزنا وشدَّد في تحريمه فتح باباً مشروعاً يجد فيه الإنسان الراحة، والسكن، والطمأنينة ألا وهوالزواج، حيث شرع الزواج، وأباح التعدد فيه كما مضى.
ولا ريب أن منع التَّعَدُّدْ ظلمٌ للرجل وللمرأة؛ فمنعه قد يدفع إلى الزنا؛ لأن عدد النساء يفوق عدد الرجال في كل زمان ومكان، ويتجلى ذلك في أيام الحروب؛ فَقَصْر الزواج على واحدة يؤدي إلى بقاء عدد كبير من النساء دون زواج، وذلك يسبب لهن الحرج، والضيق، والتشتت، وربما أدى بهن إلى بيع العرض، وانتشار الزنا، وضياع النسل.
2- أن الزواج ليس متعة جسدية فحسب: بل فيه الراحة، والسكن، وفيه -أيضاً- نعمة الولد، والولد في الإسلام ليس كغيره في النظم الأرضية؛ إذ لوالديه أعظم الحق عليه؛ فإذا رزقت المرأة أولاداً، وقامت على تربيتهم كانوا قرة عين لها؛ فأيهما أحسن للمرأة: أن تنعم في ظل رجل يحميها، ويحوطها، ويرعاها، وترزق بسببه الأولاد الذين إذا أحسنت تربيتهم وصلحوا كانوا قرة عين لها؟ أوأن تعيش وحيدة طريدة ترتمي هنا وهناك؟
3- أن نظرة الإسلام عادلة متوازنة: فالإسلام ينظر إلى النساء جميعهن بعدل، والنظرة العادلة تقول بأنه لابد من النظر إلى جميع النساء بعين العدل.
إذا كان الأمر كذلك: فما ذنب العوانس اللاتي لا أزواج لهن؟ ولماذا لا يُنظر بعين العطف والشفقة إلى من مات زوجها وهي في مقتبل عمرها؟ ولماذا لا ينظر إلى النساء الكثيرات اللواتي قعدن بدون زواج؟.
أيهما أفضل للمرأة؟: أن تنعم في ظل زوج معه زوجة أخرى، فتطمئن نفسها، ويهدأ بالها، وتجد من يرعاها، وترزق بسببه الأولاد، أوأن تقعد بلا زواج البتة؟.
وأيهما أفضل للمجتمعات؟: أن يعدد بعض الرجال فيسلم المجتمع من تبعات العنوسة؟ أوألا يعدد أحد، فتصطلي المجتمعات بنيران الفساد؟.
وأيهما أفضل؟: أن يكون للرجل زوجتان أوثلاث أوأربع؟ أوأن يكون له زوجة واحدة وعشر عشيقات، أوأكثر أوأقل؟.
4- أن التَّعَدُّدْ ليس واجباً: فكثير من الأزواج المسلمين لا يعددون؛ فطالما أن المرأة تكفيه، أوأنه غير قادر على العدل فلا حاجة له في التعدد.
5- أن طبيعة المرأة تختلف عن طبيعة الرجل: وذلك من حيث استعدادها للمعاشرة؛ فهي غير مستعدة للمعاشرة في كل وقت، ففي الدورة الشهرية مانع قد يصل إلى عشرة أيام، أوأسبوعين كل شهر.
وفي النفاس مانع -أيضاً- والغالب فيه أنه أربعون يوماً، والمعاشرة في هاتين الفترتين محظورة شرعاً، لما فيها من الأضرار التي لا تخفى.
وفي حال الحمل قد يضعف استعداد المرأة في معاشرة الزوج، وهكذا.
أما الرجل فاستعداده واحد طيلة الشهر، والعام؛ فبعض الرجال إذا منع من التعدد قد يؤول به الأمر إلى سلوك غير مشروع.
6- قد تكون الزوجة عقيماً لا تلد: فيُحْرَمُ الزوج من نعمة الولد، فبدلاً من تطليقها يبقي عليها، ويتزوج بأخرى ولود.
وقد يقال: وإذا كان الزوج عقيماً والزوجة ولوداً؛ فهل للمرأة الحق في الفراق؟.
والجواب: نعم فلها ذلك إن أرادت.
7- قد تمرض الزوجة مرضاً مزمناً: كالشلل وغيره، فلا تستطيع القيام على خدمة الزوج؛ فبدلاً من تطليقها يبقي عليها، ويتزوج بأخرى.
8- قد يكون سلوك الزوجة سيئاً: فقد تكون شرسة، سيئة الخلق لا ترعى حق زوجها؛ فبدلاً من تطليقها يبقي الزوج عليها، ويتزوج بأخرى؛ وفاء للزوجة، وحفظاً لحق أهلها، وحرصاً على مصلحة الأولاد من الضياع إن كان له أولاد منها.
9- أن قدرة الرجل على الإنجاب أوسع بكثير من قدرة المرأة: فالرجل يستطيع الإنجاب إلى ما بعد الستين، بل ربما تعدَّى المائة وهوفي نشاطه وقدرته على الإنجاب.
أما المرأة فالغالب أنها تقف عن الإنجاب في حدود الأربعين، أوتزيد عليها قليلاً؛ فمنع التعدد حرمان للأمة من النسل.
10 - أن في الزواج من ثانية راحة للأولى: فالزوجة الأولى ترتاح قليلاً أو كثيراً من أعباء الزوجية؛ إذ يوجد من يعينها ويأخذ عنها نصيباً من أعباء الزوج.
ولهذا، فإن بعض العاقلات إذا كبرت في السن وعجزت عن القيام بحق الزوج أشارت عليه بالتعدد.
ومن إكرام الإسلام للمرأة: أن جعل لها نصيباً من الميراث؛ فللأم نصيب معين، وللزوجة نصيب معين، وللبنت وللأخت ونحوها نصيب على نحوما هومُفَصَّل في مواضعه.
ومن تمام العدل: أن جعل الإسلام للمرأة من الميراث نصف ما للرجل، وقد يظن بعض الجهلة أن هذا من الظلم؛ فيقولون: كيف يكون للرجل مثل حظ الأنثيين من الميراث؟ ولماذا يكون نصيب المرأة نصف نصيب الرجل؟.
والجواب أن يقال: إن الذي شرع هذا هو الله الحكيم العلم بمصالح عباده.
ثم أي ظلم في هذا؟ إن نظام الإسلام متكامل مترابط؛ فليس من العدل أن يؤخذ نظام، أوتشريع، ثم ينظر إليه من زاوية واحدة دون ربطه بغيره، بل ينظر إليه من جميع جوانبه؛ فتتضح الصورة، ويستقيم الحكم.
ومما يتبين به عدل الإسلام في هذه المسألة: أن الإسلام جعل نفقة الزوجة واجبة على الزوج، وجعل مهر الزوجة واجباً على الزوج -أيضاً-.
ولنفرض أن رجلاً مات، وخلَّف ابناً، وبنتاً، وكان للابن ضعف نصيب أخته، ثم أخذ كل منهما نصيبه، ثم تزوج كل منهما؛ فالابن إذا تزوج مطالب بالمهر، والسكن، والنفقة على زوجته وأولاده طيلة حياته.
أما أخته فسوف تأخذ المهر من زوجها، وليست مطالبة بشيء من نصيبها لتصرفه على زوجها، أوعلى نفقة بيتها أوعلى أولادها؛ فيجتمع لها ما ورثته من أبيها، مع مهرها من زوجها، مع أنها لا تُطَالب بالنفقة على نفسها وأولادها.
أليس إعطاء الرجل ضعف ما للمرأة هوالعدل بعينه إذاً؟
هذه هي منزلة المرأة في الإسلام: فأين النظم الأرضية من نظم الإسلام العادلة السماوية، فالنظم الأرضية لا ترعى للمرأة كرامتها، حيث يتبرأ الأب من ابنته حين تبلغ سن الثامنة عشرة أوأقل؛ لتخرج هائمة على وجهها تبحث عن مأوى يسترها، ولقمة تسد جوعتها، وربما كان ذلك على حساب الشرف، ونبيل الأخلاق.
وأين إكرامُ الإسلام للمرأة، وجَعْلُها إنساناً مكرماً من الأنظمة التي تعدها مصدر الخطيئة، وتسلبها حقها في الملكية والمسؤولية، وتجعلها تعيش في إذلال واحتقار، وتعدها مخلوقاً نجساً؟.
وأين إكرام الإسلام للمرأة ممن يجعلون المرأة سلعة يتاجرون بجسدها في الدعايات والإعلانات؟.
وأين إكرام الإسلام لها من الأنظمة التي تعد الزواج صفقة مبايعة تنتقل فيه الزوجة؛ لتكون إحدى ممتلكات الزوج؟ حتى إن بعض مجامعهم انعقدت؛ لتنظر في حقيقة المرأة وروحها أهي من البشر أولا؟ !.
وهكذا نرى أن المرأة المسلمة تسعد في دنياها مع أسرتها وفي كنف والديها، ورعاية زوجها، وبر أبنائها سواء في حال طفولتها، أوشبابها، أوهرمها، وفي حال فقرها أوغناها، أوصحتها أومرضها.
وإن كان هناك من تقصير في حق المرأة في بعض بلاد المسلمين أومن بعض المنتسبين إلى الإسلام-فإنما هوبسبب القصور والجهل، والبُعد عن تطبيق شرائع الدين، والوزر في ذلك على من أخطأ والدين براء من تبعة تلك النقائص.
وعلاج ذلك الخطأ إنما يكون بالرجوع إلى هداية الإسلام وتعاليمه؛ لعلاج الخطأ.
هذه هي منزلة المرأة في الإسلام على سبيل الإجمال: عفة، وصيانة، ومودة، ورحمة، ورعاية، وتذمم إلى غير ذلك من المعاني الجميلة السامية.
أما الحضارة المعاصرة فلا تكاد تعرف شيئاً من تلك المعاني، وإنما تنظر للمرأة نظرة مادية بحتة، فترى أن حجابها وعفتها تخلف ورجعية، وأنها لابد أن تكون دمية يعبث بها كل ساقط؛ فذلك سر السعادة عندهم.
وما علموا أن تبرج المرأة وتهتكها هو سبب شقائها وعذابها.
وإلا فما علاقة التطور والتعليم بالتبرج والاختلاط وإظهار المفاتن، وإبداء الزينة، وكشف الصدور، والأفخاذ، وما هو أشد؟!.
وهل من وسائل التعليم والثقافة ارتداء الملابس الضيقة والشفافة والقصيرة؟!.
ثم أي كرامة حين توضع صور الحسناوات في الإعلانات والدعايات؟!
ولماذا لا تروّج عندهم إلا الحسناء الجميلة، فإذا استنفذت السنوات جمالها وزينتها أهملت ورميت كأي آلة انتهت مدة صلاحيتها؟!.
وما نصيب قليلة الجمال من هذه الحضارة؟ وما نصيب الأم المسنة، والجدة، والعجوز؟.
إن نصيبها في أحسن الأحوال يكون في الملاجىء، ودور العجزة والمسنين؛ حيث لا تُزار ولا يُسأل عنها.
وقد يكون لها نصيب من راتب تقاعد، أونحوه، فتأكل منه حتى تموت؛ فلا رحم هناك، ولا صلة، ولا ولي حميم.
أما المرأة في الإسلام فكلما تقدم السن بها زاد احترامها، وعظم حقها، وتنافس أولادها وأقاربها على برها -كما سبق- لأنها أدَّت ما عليها، وبقي الذي لها عند أبنائها، وأحفادها، وأهلها، ومجتمعها.
أما الزعم بأن العفاف والستر تخلف ورجعية - فزعم باطل، بل إن التبرج والسفور هو الشقاء والعذاب، والتخلف بعينه، وإذا أردت الدليل على أن التبرج هو التخلف فانظر إلى انحطاط خصائص الجنس البشري في الهمج العراة الذين يعيشون في المتاهات والأدغال على حال تقرب من البهيمية؛ فإنهم لا يأخذون طريقهم في مدارج الحضارة إلا بعد أن يكتسوا.
ويستطيع المراقب لحالهم في تطورهم أن يلاحظ أنهم كلما تقدموا في الحضارة زادت نسبة المساحة الكاسية من أجسادهم، كما يلاحظ أن الحضارة الغربية في انتكاسها تعود في هذا الطريق القهقرى درجة درجة حتى تنتهي إلى العري الكامل في مدن العراة التي أخذت في الانتشار بعد الحرب العالمية الأولى، ثم استفحل داؤها في السنوات الأخيرة.
وهكذا تبين لنا عظم منزلة المرأة في الإسلام، ومدى ضياعها وتشردها إذا هي ابتعدت عن الإسلام.
وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس من جميع المشكلات التي قد تعترض حياتهم أمام مصدرين لا ثالث لهما: ضمن لهم بعد الاعتصام بهما الامان من كل شقاء وضلال وهما: كتاب الله وسنة رسوله.
وإنك لتجده يقدم هذا التعهد والضمان إلى جميع الأجيال القادمة من بعده ليبين للناس صلاحية التمسك بهذين الدليلين ليس وقفا على عصر دون آخر وأنه لا ينبغي أن يكون لأي تطور حضاري أوعرف زمني أي سلطان أوتغلب عليهما فقد وضع العلاج للناس من جميع المشاكل التي قد تعترض حياتهم، إنه في مصدرين لا ثالث لهما. ضمن لهم عند الاعتصام بهما الأمان من كل شقاء وضلال، وهما: القرآن والسنة، وهويتقدم بهذا التعهد والضمان إلى جميع الأجيال المتعاقبة من بعده.
إن صلاحية التمسك بهذين الدليلين ليس مقصوراً على عصر دون عصر، أوجيل دون جيل، بل هما صالحان لكل زمان ومكان.
لهذا نحن نرى كثيراً من المسلمين اليوم وبسبب تفريطهم في اتباع الكتاب والسنة، يعانون من الهزائم والتخلف والإحباط.
فهم لا يخرجون من فشل إلا دخلوا في فشل آخر وسيستمرون في فشلهم هذا حتى يعودوا إلى الله عودة صادقة حقيقية ويعملوا بالكتاب والسنة كما أمر الله.
تحديد المرجعية العليا للمجتمع المسلم إن تحديده هذه المرجعية بالنسبة للمجتمع الذي يدين بالإسلام في منتهى الأهمية لاسيما في أيامنا هذه، حيث تتصارع الأيديولوجيات المختلفة والمذاهب المتباينة، وتحاول كل واحدة منها كسب مزيد من الأرض والبشر حتى صار العالم كله معتركاً لهذا الصراع.
فقد أوضح ما ينبغي ان يكون عليه علاقة الحاكم أوالخليفة أوالرئيس مع الرعية والشعب...
إنها علاقة السمع والطاعة من الشعب للحاكم مهما كان نسبه وشأنه ومظهره ما دام يحكم بكتاب الله وسنة رسوله فإذا حاد عنهما فلا سمع ولا طاعة, فلا مناط لولاء الحاكم وضرورة اتباعه إلا سيره على نهج الكتاب والسنة وليكن بعد ذلك إن شاء عبداً حبشياً.. فلا يخفضه ذلك قيد شعرة عن غيره عند الحق تبارك وتعالى.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 28 يونيو 2021, 6:14 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: خطبة الوداع.. فوائد وفرائد الجمعة 01 سبتمبر 2017, 7:46 pm | |
| أيها النّاسُ إن رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وإنّ أَبَاكُمْ واحِدٌ، كُلكُّمْ لآدمَ، وآدمُ من تُراب، أَكرمُكُمْ عندَ اللهِ أتْقَاكُمْ وليس لعربيّ فَضْلٌ على عجميّ إلاّ بالتّقْوىَ، أَلاَ هَلْ بلَّغْتُ، اللّهُمّ اشهد". يشرح كثير من الكتاب تلك العبارة النبوية بتحقيق المساواة بين الناس كغاية من غايات التشريع الاسلامي, ولكن في القضية مقال, اذ لا بد من فهم مصطلحات البحث فهومفتاح فهم مرامي الباحث ومقاصده، لأنَّ تلك المصطلحات –في الغالب– ألفاظ جامعة ينبني عليها كثير من مسائل البحث وموضوعاته.
والأصل في الألفاظ أنها لغوية المنشأ، قد وضعت في الأساس لتدل على معانٍ كان يتخاطب بها العرب قبل الإسلام، غير أنه بعد تدوين العلوم، وظهور المبادئ والمذاهب الفلسفية فقدَ الكثير من تلك الألفاظ مدلولاتها اللغوية لتكتسب مدلولات اصطلاحية لتلك العلوم والمبادئ أومدلولات شرعية، ومنها مصطلحات خاصة تُخيرت لتدل على معانٍ تنفرد بها الجهة التي تخيَّرتها كالاشْتِراكِيَّة والرَّأْسُماليَّة، وغيرها.
وكمــا للمبـادئ والمذاهـب مصطلحاتـها فللإسـلام مصطلحاتـه، غير أن ثمةَ فارقاً مهماً بين هذه وتلك.
فاللفظة حين تكون منتمية إلى الإسلام فإنها تكتسب المعنى الشَّرْعي الذي يجب الالتزام به اعتقاداً وعملاً، ويترتب على هذا الانتماء حظر أيّ تداخل بين الألفاظ ذات المصطلحات الإسْلاميَّة من جهة وكل المصطلحات غير الإسْلاميَّة من جهةٍ أخرى.
ويترتب على هذه الاستقلالية للإسلام حظر استعمال كل مصطلح له انتماء إلى عقيدة غير الإسلام، بل المفترض أن يكون منع التداخل في المفاهيم والمصطلحات عاماً لكل مذهب أوعقيدة، غير أنّ هذا الأمر غير معمول به واقعياً اليوم فلا يفتأ أصحاب المذاهب في التفنن في إجراء التعديلات على مذهبهم دون أن يروا حرجاً في أن يقتبسوا من آخرين.
ويرجع هذا الاقتباس والسماح بالازدواجية أنّ عامة المذاهب وأنماط الفلسفة هي وضعية وبالتالي فهي فاقدة للقداسة وطالما أنها اجتهادات لبشر فلا بد وأن تتفاوت العقول في فهم الواقع وتقدير الأمور.
لذلك اهتم العلماء المسلمون بالألفاظ الشَّرْعية اهتماماً جعلهم يحرصون على تحديد مفاهيمها لأمور أهمها: 1- أن لا تكون هذه الألفاظ والمصطلحات نسبية غير محررة يستخدمها كل فريق كما يحلوله، بناء على ما تدفعهم إليه الأهواء، وما تمليه عليهم العقائد والمذاهب والمبادئ الفاسدة..
2- أن لا تحمل الألفاظ الشَّرْعية على الاصطلاح الحادث لقوم أوفئة، فكثير من الناس ينشأ على اصطلاح قومه وعادتهم في الألفاظ، ثم يجد تلك الألفاظ في النُّصُوص الشَّرْعية، أوفي كلام أهل العلم، فيظن أن مرادهم بها نظير مراد قومه، ويكون مراد الشَّارِع خلاف ذلك.. وهذا الأمر اتضح في العصر الحديث وضوح الشمس في رابعة النهار لما للإعلام من أثر في تغيير المصطلحات بكثرة استعمالها مراداً بها معانٍ غير المعاني التي كانت لها أصلاً.
وبهذا تصبح الألفاظ والمصطلحات أدوات في الصراع الفِكْري، إذ يهتم أعداء أي فكرة أومبدأ في صراعهم مع الأفكار الأخرى بالألفاظ والمصطلحات العلمية من خلال تحريفها وتغييب القول الحق فيها.
ويقوم عملهم هذا على محورين أساسين: الأول: جلب الألفاظ والمصطلحات الفاسدة لتنفير الناس بجرسها اللفظي –ناهيك عن معناها– من الفِكْرة أوالمذهب الذي يعادونه، أومما يتضمنه من الحق. وممن حورب بهذا رسل الله عليهم الصلاة والسلام » فأشد ما حاول أعداء الرسول محمد عليه الصلاة والسلام من التنفير عنه سوء التعبير كما جاء به، وضرب الأمثال القبيحة له، والتعبير عن تلك المعاني بألفاظ منكرة ألقوهـا فـي مسامـع المغتريـن المخدوعين، فوصلـت إلى قلوبـهم فنفرت منه، وهذا شأن كل مبطل «..
والشَّرِيعَة الإسْلاميَّة حين جعلت للمرأة حقوقاً وجعلت عليها واجبات وأناطت للرجل حقوقاً وأناطت عليه واجبات: « إنما جعلتها حقوقاً وواجبات تتعلق بمصالحها كما يراها الشَّارِع ومعالجات لأفعالهما باعتبارها فعلاً معيناً لإنسان معيّن. فجعلتها واحدة حين تقتضي طبيعته الإنسانية جَعْلها واحدة، وجعلتها متنوعة حين تقتضي طبيعة كل منهما هذا التنوع وهذه الوحدة في الحقوق والواجبات لا يطلق عليها مساواة، كما أنه لا يُطلق عليها عدم مساواة كما أن ذلك التنوع في الحقـوق والواجبـات لا يُـراد منـه عـدم مسـاواة أومسـاواة».
ذلك أن المساواة في الحقوق والواجبات عامة غير واقعية وغير عملية « فإن الناس بطبيعة فطرتهم التي خلقوا عليها متفاوتون في القوى الجسمية والعقلية ومتفاوتون في إشباع الحاجات، فالمساواة بينهم لا يمكن أن تحصل».
ومن ثمّ فإن نظام الخلق تحكمه سنّة التفاضل لا التساوي، فشعار المساواة بصيغته التعميميّة يتنافى مع نظام الخلق وهومطلب مناقض للعدل إلا في بعض الأحوال وهي التي يقتضي العدل فيها بالتساوي، فالإسلام يحمل ويحمي مبدأ العدل ومبدأ الإحسان.
ولا يقر المساواة على اعتبارها مبدأ عاماً وقاعدة مطردة، وإنما يقرها حينما يقتضيها العدل.
وإنما يقتضي العدل المساواة حينما يكون واقع الأفراد واقعاً متساوياً تماماً في كل الصفات أوتكون المساواة في الصفات التي كان فيها التساوي دون الصفات الأخرى المتفاضلة فيما بينها»..
فالإسلام يقوم في الحقوق والواجبات على مبدأ العدل لا على مبدأ المساواة، وفي بيان الواقع على ما هوالحق في واقع الحال لا على التسوية مطلقاً وإن كان الواقع متفاضلاً، فلا يمكن أن يستوي الحق والباطل والخبيث والطيّب والعالم والجاهل.
فما هي تلك المساواة التي ينشدها المعجبون بالغَرْب من رجال ونساء؟ هل يريدون أن يصب الرجال والنساء في قوالب اجتماعية واحدة فيتحرك الكل بنسق واحد، وينطلق الكل إلى واجبات محددة واحدة، ثم يتقلب الكلّ في نعيم مكرر لحقوق لا تخضع لأي تنوع أوتمايز، بحيث تسقط مما بينهم فوارق القدرات والامكانات ويظهر الجميع وكأنهم أحجار مرصوفة في حجم واحد وتربيعات واحدة؟
إن المساواة التي ينشدها الغَرْب «هي هذه المساواة الآلية الحرفية، فبوسعهم أن ينشدوها ويبحثوا عنها فيما تنتجه المخاطر الآلية فقط، أما في عالم الأناسي فحتى الرجال فيما بينهم والنساء فيما بينهن، بل حتى الطبقة الواحدة في مجتمع الرجال والطبقة الواحدة في مجتمع النساء، إنما يتساوون من حيث إنسانيتهم الواحدة، في مبدأ تحمل الواجبات ومبدأ ممارسة الحقوق ثم إنّهم يتفاوتون في ذلك كلّه تفاوتهم في القدرات والملكات والاختصاص والامكانات، فالتساوي المبدئي ناظر إلى وحدة الإنسانية فيما بينهم جميعاً، والتفاوت التطبيقي ناظر إلى الحكمة الربانيّة التي اقتضت بعد ذلك أن يتفاوتوا في القدرات ويتنوعوا في الخصائص والملكات»..
وعلى هذه النظرة شرّع الشَّارِع التكاليف الشَّرْعية، وأناط الحقوق والواجبات للرجال والنساء، فحين تكون التكاليف الشَّرْعية أي الحقوق والواجبات حقوقاً وواجبات إنسانية تجد الوحدة في التكاليف الشَّرْعية، فلا تباين ولا اختلاف بين الرَّجُل والمرأة في الحقوق والوجبات، وحين تكون هذه الحقوق والواجبات وهذه التكاليف الشَّرْعية تتعلق بالذكورة والأنوثة وبطبيعة كل منهما في الجماعة وموضعه في المجتمع، تكون هذه التكاليف الشَّرْعية متنوعة بين الرَّجُل والمرأة لأنها لا تكون علاجاً للإنسان مطلقاً، وإنما علاجاً لنوع من الطبيعة الإنسانية هي الذكورة والأنوثة.
ولذلك جاء الإسلام بأحكام متنوعة خصّ الرجال ببعضها وخصّ النساء ببعضها، وميّز بين الرجال والنساء في قسم منها وأمر أن يرضى كل منهما بما خصّه الله به من أحكام ونهاهم عن التحاسد وعن تمني ما فضّل الله به بعضهم على بعض، قَالَ تعالى: "وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ"..
وهذا التخصيص في الأحكام ليس معناه عدم مساواة، وإنما علاج لأفعال الأنثى باعتبارها أنثى وعلاج لأفعال الذكر باعتباره ذكراً وكلها قد عولجت بخطاب يتعلق بأفعال العباد.
فموضوع الحقوق والواجبات، أي التكاليف الشَّرْعية، قد شرعها الله للإنسان من حيث هوإنسان، ولكل نوع من نوعي الإنسان: الذكر والأنثى، ولكن باعتباره نوعاً من أنواع الإنسان له صفة الإنسانية وصفة النوعية عند التشريع، ولا يراد تمييز أحدهما عن الآخر كما لا يلاحظ فيها أي شيء من أمور المساواة أوعدم المساواة بين الرَّجُل والمرأة موضع بحث وليست هذه الكلمة موجودة في التشريع الإسلامي.
بل الموجود هوحكم شرعي لحادثة وقعت من إنسان معين سواء أكان رجلاً أم امرأة.
وفي الختام... يشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اخرج مسؤولية الدعوة وتبليغها من عنقه فها هو الإسلام قد انتشر وها هي ضلالات الشرك والجاهلية قد تبددت وها هي أحكام الشريعة الإلهية قد بلغت وها هو الوحي ينزل عليه صلى الله عليه وسلم مخاطباً البشر كلهم:
قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).
ولكنه يريد أن يطمئن إلى شهادة أمته بذلك أمام الله تعالى يوم القيامة عندما يسألون فأعقب توصياته هذه بأن نادى فيهم قائلاً إنكم ستسألون عني فما أنتم قائلون؟
فارتفعت الأصوات حوله تصرخ: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت.
وحينئذ اطمئن رسولنا العظيم.
لقد أراد أن يستوثق من هذه الشهادة التي سيلقى بها الله عز وجل ولقد اطمأن الحبيب إذ ذاك وشعشع الرضا من عينيه ونظر إلى الأعلى مشيراً بسبابته إلى السماء ثم إلى الناس: "اللهم اشهد... اللهم اشهد... اللهم اشهد..." ما أعظمها من سعادة!!!
سعادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبابه الذي أبلاه وعمره الذي أمضاه في سبيل نشر شريعة ربه جل جلاله وذلك حينما ينظر فيرى حصيلة الجهد الذي قدم والعمر الذي بذل أصواتاً ترترفع وتعج بتوحيد الله وجباهاً تعنو ساجدة لدين الله وقلوباً خفاقة تجيش بحب الله..
لا والله ما كان ذلك شهادة تلك الآلاف المحتشدة حولك فحسب.. يا سيدي يا رسول الله.. ولكنها شهادة المسلمين في كل جيل وعصر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها تعلن بلسان حالها ومقالها: نشهد يا رسول الله أنك قدبلغت وأديت ونصحت فجزاك الله عنا خير ما جوزي نبي عن أمته..
ولكن مسؤولية الدعوة انتقلت بعدها إلى أعناقنا وما أبعدنا اليوم عن القيام بحقها وما أشد خيبتنا بلقائك غداً..
وإن علينا أوزاراً من التقاعس والتكاسل والركون إلى زهرة الدنيا بينما يلتف حولك أصحابك البررة الكرام وإن في أيديهم وعلى أبدانهم شهادة الدم الذي سفكوه والجهد الذي بذلوه والدنيا التي حطموها تحت أقدامهم نصرة لشريعتك ودفاعاً عن دعوتك وتأسيساً بجهادك.
أصلح الله حالنا وحال المسلمين أجمعين وأيقظنا من سكرة الدنيا ونشوة الشهوة والأهواء وتغمدنا بلطفه وكرمه وجوده...
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 28 يونيو 2021, 6:15 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: خطبة الوداع.. فوائد وفرائد الجمعة 01 سبتمبر 2017, 8:43 pm | |
| خطبة الوداع دراسة بلاغية تحليليّة في بلاغة الرسول ((صلى الله عليه وسلم)) ترقى البلاغة النبوية إلى أعلى مدارج الكمال البشري في حسن التأتي للمعاني بأدق ما يمكن أن تؤديه المفردات والجمل من دلالات ومعان تقع في النفوس موقعاً بالغاً من التأثير ما لا تنقضي عجائبه ولا يذهب بروائه ورونقه تقادم العهد وكثرة الترداد.
وإذا كان من شأن العرب أن يتكلفوا القول صناعة، يحسنها خطيبهم وحكيمهم، فإن الرسول ((صلى الله عليه وسلم)) – وقد صنعه الله على عينه – يرسل الحديث سليقة وإلهاماً، سليماً مما يعتري كلام الناس من خلل أو اضطراب، أو بعتور محدثهم من عىّ أو حصر.
والجاحظ خير من وصف بلاغة الرسول ((صلى الله عليه وسلم)) بقوله: "وهو الكلام الذي قل عدد حروفه، وكثر عدد معانيه، وجل عن الصنعة ونزه عن التكلف... واستعمل المبسوط في مواضع البسط والمقصور في موضع القصر، وهجر الغريب الوحشي، ورغب عن الهجين السوقي... وهو الكلام الذي ألقى الله المحبة عليه وغشاه بالقبول، وجمع له بين المهابة والحلاوة وبين حسن الافهام، وقلة عدد الكلام".
ولا غرو أن الرسول ((صلى الله عليه وسلم)) قد نشأ في أفصح القبائل، إذ كان مولده في بني هاشم، وأخواله من بني زهرة ورضاعه في سعد بن بكر، ومنشؤه في قريش، لذا قال – عليه الصلاة والسلام: ((أنا أفصح العرب بيد أني من قريش ونشأت في بني سعد بن بكر)).
وحين تهيئه العناية الربانية للاضطلاع بأعظم ما عرفته البشرية في تاريخها الطويل من رسالات، وفي قوم لهم في ميدان البلاغة والفصاحة القدح المعلى، فلابد أن يكون النبي المرسل إليهم أفضلهم بياناً وأقدرهم على التصرف في فنون القول، وأبعدهم عن عيوب الكلام زللاً واضطراباً واستكراهاً ((فليس إلا أن يكون ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك قد كان توفيقاً وإلهاماً من الله، أو ما هذه سبيله)).
والحديث الشريف كالقرآن الكريم يجري على سنن العرب في كلامها بحفوله بالأساليب والفنون العربية التي وقفنا عليها من خلال مباحث البلاغيين، إلا أن هذه الأساليب والفنون تأتي في البيان النبوي كما في القرآن الكريم على الصورة التي تتساوق فيها الفكرة مع الفن التعبيري على أدق وجه، فكل لفظة أو جملة أو فقرة لا تجدها تنبو عن موضعها، ولا يسع أحداً أن يخيلها عن ذلك الموضع أو يستبدل بها غيرها لتكون أو في دلالة وأشد إحكاماً...
((وليس أحكام الأداء وروعة الفصاحة وعذوبة المنطق وسلاسة النظم، إلا صفات كانت فيه صلى الله عليه وسلم عند أسبابها الطبيعية... لم يتكلف لها عملاً، ولا ارتاض من أجلها رياضة بل خلق مستكمل الأداة فيها، ونشأ موفر الأسباب عليها، كأنه صورة تامة من الطبيعة العربية)).
وفي ضوء هذا كله كان جديراً بالدارسين أن تكون لهم وقفة بل وقفات متأنية متأملة عند البلاغة النبوية بعقد مباحث تحليلية تكشف عن مواطن البراعة والدقة في فن القول في أرفع مستوياته.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 28 يونيو 2021, 6:16 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: خطبة الوداع.. فوائد وفرائد الجمعة 01 سبتمبر 2017, 9:02 pm | |
|
الغاية من التحليل البلاغي لخطبة الوداع ====================== جدير بطلاب العربية وباحثيها أن يلتمسوا في كلام أفصح من نطق بالضاد معالم الطريق إلى استشراف البلاغة العالية المنزهة عن العيوب والمثالب، لتكون أمامهم المثل الأعلى في الاستهداء بمعانيه وتمثل أساليبه.
ومن هنا كانت هذه المحاولة المتواضعة في الدخول إلى ساحة البلاغة النبوية من خلال دراسة نصّ كريم غنيّ بمعانيه السامية ومضامينه السديدة، مصوغ بالأسلوب البليغ والأداء الدقيق.
فالغاية أن نقف عن مقاطع من هذا النصّ النبوي وهو ((خطبة الوداع)) متأملين دلالالتها البلاغية للكشف عن جمالية توظيف الفن البلاغي الذي يرد في الحديث النبوي بعيداً عن معاناة للصنعة والاقحام أو ابتغاء الحلية اللفظية التي لا غناء فيها.
ومما حملني على هذه المحاولة إني لا أجد كبير عناية بالنصوص واحتفال بتحليل صيغها وتراكيبها، وبيان المواقع الدقيقة للفنون والأساليب البلاغية متميزة عن وجودها في كلام سائر الناس، كي يقف القراء على لون من ألوان الدراسة التي هي في الوقت ذاته موازنة ضمنية لتوظيف فنون البلاغة بقدرات تعلو حتى تبلغ حد الإعجاز، وإسفاف ينبئ عن تمثل شكلي ورصف لفظي وخواه فكري...
فالإيجاز في البلاغة القرآنية والنبوية غيره في موضع آخر، وكذلك الاطناب، فإن دلالالته المعنوية والفنية غير ما توحي به هذه الظاهرة في موطن آخر قد يكون به حاجة إلى الاطناب أو لا يكون، وهو –في جميع الأحوال– يكشف عن خلل مرئي أو محسوس به هنا وهناك في مواضع شتى من النصّ.
والدراسات التحليلية للبيان النبوي قليلة غير ما كتبه الشريف الرضي في: ((المجازات النبوية – إذ بنى منهجه على أن يأتي ((بأحاديث أو بأجزاء منه، بحسب ما وقع له في إطلاعه على مراجعه، ومنهجه أن يذكر النص، ويعقبه بالإشارة إلى اللون البياني، ويذكر ما يستدعي الذكر من المناسبة التي ورد فيها شارحاً موجهاً في إيجاز، مبيناً الوجه أو الوجوه التي يخرج عليها المعنى وكثيراً ما يجعل سر التعبير وأثره تعريفاً بالقيمة الجمالية التي تلزمه)).
وكذلك الزمخشري في كتابه ((الفائق في غريب الحديث)) حيث نعثر في غضونه لمحات وإشارات إلى جمال البلاغة النبوية ضمن مباحث في اللغة والنحو والإعراب.
أما كتاب ((إعجاز القرآن والبلاغة النبوية)) لمصطفى صادق الرافعي، فقد كان –ولا يزال– من أفضل الدراسات النظرية المستوعبة لخصائص الإعجاز القرآني والبلاغة النبوية، إلا أنه لم يلتمس لنفسه سبيل التحليل لنصوص من الحديث الشريف.
أما الكتاب الذي وقفت عليه مفيداً في هذا الباب فهو كتاب استاذنا القدير الدكتور عز الدين علي السيد, المسمى:. ((الحديث النبوي من الوجهة البلاغية))، إذ جنح فيه إلى تحليل أحاديث شريفة لبيان مواضع الدقة والفطرة في صوغ الأفكار وجلاء المعاني.
إن هذا المبحث المتواضع يسهم بصورة أو أخرى في خدمة البلاغة النبوية من خلال دراسة ((خطبة الوداع)) دراسة تحليلية، تكشف من خلالها عن طواعية الفن الطاغي في الخطبة وعن دقة الموازنة بين الفن البلاغي وبين الغايات التي يهدف الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى تحقيقها من خلال سوقه للعبارة الفنية المستوفية لكل متطلبات البلاغة، ضمن ثلاثة مسارات حددها الدكتور عز الدين علي السيد وهي: 1 - صفاء اللفظ ووفاؤه افراداً وتركيباً. 2 - وضوح المعنى وظهور المغزى. 3 - وسائل التشويق والإيقاظ بعثاً للنشاط وإجابة للداعي، ومنها القولي ومنها الحسي.
وإن من أسرار البلاغة العربية وذوقها أن تساير الأساليب المختلفة وتتماشى مع المواقف والسياقات حسبما يتطلب المقام اللغوي والنفسي, "والبلاغة الحق – إضافة إلي كونها الكلام المكتوب أو المسموع, هي التي تقدر الظروف والمواقف, وتعطي كل ذي حق حقه, سواء أكانت شعرًا أم نثرًا, مقالاً أم قصةً, مسرحيةً أم حكايةً, مديحاً أم هجاءً, غزلاً أم استعطافاً".
الدراسة البلاغية هذه الخطبةْ نموذجٌ رائع للخطب الدينية، وقد التزم الخطيب بالوضوح المشرق لأنّه عليه السلام يريدُ أن يَفْهمَ الناسُ عنه جميعاً، فأنت لا تشعر بلفظ غريب ولا بمعنى مبهم، وكيف؟ والداعيةُ الأمين يقدِّرَ موقفه ويعرفُ أنه يُخَاطِبُ جميع البشر، ولن يبلغ حاجَته بغير الوضوح السّاطع والإشراق الوضيء والمعاني متسلسلة، مع تحديد دقيقٍ كاشف.
(الحمدُ لله نحمدُهُ وَنَسْتَعِينُه، ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَتُوبُ إليه، ونَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أنْفُسِنا ومِنْ سيّئآتِ أعْمَالِنَا مَن يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضَلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ. أَمَّا بعد.
بدأ الرسول الخطبة الجامعة بالحمد والثناء فكانَ ذلك سنناً مرسوماً يحتذيه جميع الخطباء بل إن الجمل الأولى من هذه الخطبة صارتْ محفوظة مشتهرة لكثرةِ ما يردّدهَا الخطباء مُعجبين، ولها مكانتها في نفوس السّامعين. وإن الثناء لله تعالى نثني عليه، ونطلب منه العون، ونرجو المغفرة والرجوع إليه، ونلجأ إليه تعالى من وساوس أنفسنا، ومن دنايا أفعالنا، فإنه تبارك وتعالى يحفظ من هداه، فلا سبيل إلى ضلاله، ومن فقد هدايته فلن يجد هادياً مرشداً.وهذه الافتتاحية تبدو عباراتها معبرة عن لب الإيمان وجوهره، وعن حقيقة الإسلام ومضمونه وهذا مسلك فريد اتسمت به الخطابة الإسلامية التي ازدهرت في ظلال الإسلام.
(أَيُّها النَّاس) نلحظ أول ما نلحظ هذا النداء القريب إلى النفوس، إذ استغنى عن أداة النداء ((يا))، وغيرها تحقيقاً لهذا القرب والتلاحم مع أبناء الأمة الذين زالت الهوة بينهم وبين معلمهم وهاديهم.
إن حذف أداة النداء قد حقق هذا القرب والتلاحم، فكأن الناس قريبون إليه يناديهم بأرق النداء وأعذبه ليستميل قلوبهم إلى ما يلقي عليهم من حسن التوجيه وسديد الإرشاد.
ويا للنداء وضع في أصله لنداء البعيد، بدليل أنهم عدوا الأداتين ((الهمزة وأي)) للقريب.
وأما ((يا)) فقال ابن الحاجب: أنها حقيقة في القريب والبعيد لأنها لطلب الإقبال مطلقاً، وقال الزمخشري: إنها للبعيد)).
وإذا كان الأمر كذلك فإن من الواضح أن يكون حذف أداة النداء دالاً على قرب المنادي للمنادى، والالتصاق به والتحبب إليه: وليس يسعنا في هذا الموضع أن نحمل حذف الأداة على خلاف مقتضى الظاهر، لأن ذلك يدعونا إلى القول إن المنادى ممن سها أو غفل، وما كان له أن يكون على ذلك الحال، إلا أن حذف الأداة هنا جاء على الحقيقة والحال وليس عدولاً عنها تنزيهاً من الرسول (صلى الله عليه وسلم) للمسلمين عن السهر والغفلة.
(اسمعوا قولي) اسمعوا, فعل أمر، وللأمر وجهتان في التعبير البلاغي: حقيقي ومجازي، وللمجازي أغراض متعددة.
ينبغي أن نحدد بادئ ذي بدء مدلول الأمر الحقيقي والمجازي لنتبين في أي المسارات تتجه هذه الصيغة.
الأمر الحقيقي: ((صيغته موضوعة لطلب الفعل استعلاءاً، لتبادر الذهن عند سماعها إلى ذلك وتوقف ما سواه على القرينة)).
أما صيغة الأمر المجازي: –فكما قال القزويني– قد تستعمل في غير طلب الفعل بحسب مناسبة المقام، كالإباحة... والتهديد... والتعجيز... والتسخير)).
وإني أرجح أن الأمر في هذا الموضع مجازي، وذلك بدلالة الاستهلال الرقيق، فلا يسوغ أن يكون النداء يحمل في تضاعيفه من معاني التودد والتلطف ثم يعثبه مباشرة بما يدل على الأمر خشية أن يقع ذلك من نفوس سامعيه موقعاً لا يرتضيه، ولما يحصل من التفاوت بين الرقة والتلطلف وبين الشدة التي يحملها الأمر الحقيقي مدلولاً من مدلولاته.
أقول ذلك من غير أن يتبادر إلى الذهن أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لا قبل له بأن يأمر قومه بما يشاء فيطاع، هذا أمر لا مشاحة فيه بقدر ما نود أن نرسم من خلال هذا المقطع صورة التناغم البياني بين أجزاء المقطع، وتلك خصوصية من خصوصيات البلاغة النبوية الكريمة.
ولذلك فإن المعنى المجازي الذي أرجحه من خلال صيغة الأمر هو لفت الأنظار وتوجيه النفوس أو تنبيه الجمع المخاطب إلى ما يعرضه عليهم من توجيهات.
وما يلي هذا الأمر من العبارات يعزز مجازيته، وذلك في قوله (صلى الله عليه وسلم): ((فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا...))
فجملة المقطع تتسم بالإنسيابية وهدوء النبرة، مما يتسق مع مجازية الأمر السابق على هذا المقطع، ولما في الأمر الحقيقي –لو كان المراد– من القوة والشدة.
(فَإنّيَ لاَ أَدْرِي) إن: من أدوات التوكيد، وهي ترد في غضون الخطبة بكثرة ملحوظة، ولكل موضع ترد فيه ((إن)) دلالة التوكيد والأهمية.
فهل كانت ((إن)) من مؤكدات مضمون هذا القول، وهل هي من مقتضياته؟
أما كان منتظراً أن يقول: فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا؟.
أقول: لو جاء الكلام على هذه الشاكلة لما تأتى لهذا الكلام أن يفعل فعله التوجيهي العقائدي.
إن جو الكلام منذ استهلاله يوحي بأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد وقف وقفة الوداع، فأراد أن يقرر حقيقة رحلة الإنسان من حياته الدنيا، بتقريره أنه –وإن كان رسولاً يوحى إليه– فهو لا يدري متى سيكون رحيله.
–فإني لا أدري–: أي حتى هو بوصفه نبياً يوحى إليه – يجهل حقيقة هذا الأمر، ولعل مما يخالج نفوس المسلمين من أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) يعلم بذلك، فلكي يستقر هذا المفهوم بكل أبعاده من غير أن يعتري السمع شك في ذلك جاء بصيغة التوكيد الذي من شأنه أن يرسخ الفكرة في الأذهان.
وربما يرد في هذا الموضع سؤال مفاده: أليس هذا يعني أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد أوحي إليه بدنو أجله؟.
نقول: ربما أوحي إليه بذلك، ولكن لم يرد أن يقطع بشيء من ذلك، فالله وحده الذي يقرر. والاستشعار بدون الأجل ليس معناه معرفة ساعة الرحيل على وجه الدقة والضبط، ثم أنه (صلى الله عليه وسلم) لم يشأ أن يجعل المسلمين في دوامة الاضطراب والقلق خشية أن ينفرط شملهم ويصيبهم من الذهول ما لا يرتضيه لهم.
ومن الملاحظ البلاغية في استخدام ((إن)) في هذا الموضع أنها جاءت في عقب جملة سابقة فقد كان مجيء ((إن)) ضرباً من ضروب التوثيق بين الجملتين.
قال الزملكاني: ((وتجيء –أي إنّ– لربط بين جملتين لتوصل أحداهما بالأخرى، فتراهما بعد دخولها كأنهما قد افرغا في قالب واحد)).
ويرى الزملكاني أنه يسع المتكلم أن يأتي بالفاء مكان ((إن)) ولكن لا تؤدي مؤداها من قوة الربط والتوكيد والامتزاج.
يقول في ذلك: ((... لرأيت الامتزاج والألف مقاصراً عما كان عليه)).
ولعل في هذا جواباً على تساؤلي في موضع سابق: ألم يكن منتظراً أن يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): ((اسمعوا قولي فلعلي لا ألقاكم))، ففي كلام الزملكاني ما يغني عن التفصيل والبيان.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 28 يونيو 2021, 6:17 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: خطبة الوداع.. فوائد وفرائد الجمعة 01 سبتمبر 2017, 9:39 pm | |
| * (لعَليّ لاَ أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامي هَذَا، بهذا الموقف أبداً). ((لعلي)) أداة الترجي، هذه الأداة لم تحظ بعناية البلاغيين قدر ما عدوه أداة نحوية فحسب.
وكان الأجدر بالبلاغيين أن يتحدثوا عن هذه الأداة في جملة ما تحدثوا به عن غيرها من أساليب التعبير كالأمر والاستفهام والنهي والتمني وأن يعدوها في الإنشاء غير الطلبي بوجه خاص، كما فعلوا بصنوها ((ليت)).
والمعنى الأساس للأداة ((لعل)) هو الترجي.
ولو تتبعنا دلالالتها المجازية لوجدت أنها تخرج إلى معان أخر، وربما كان التقرير أو التمويه أو التمني من جملة دلالالتها.
وإني انفي أن تكون دلالتها في الخطبة ترجياً، بل هو تقرير واشعار بدنو الأجل، ولكن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أراد أن يجعل الأمر مرهوناً بالآجال التي قرر أنه لا يدري مواقيتها.
(أيها الناس إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا). والتكرار في اللّغة أصله من الكرّ بمعنى الرجوع، ويأتي بمعنى الإعادة والعطف. فـ"كرّر" الشيء وكركره أي: أعاده مرة بعد أخرى وأما في الإصطلاح، فالمقصود به: تكرار كلمة أو لفظ أكثر من مرة في سياق واحد لنكتة ما، وذلك إما للتوكيد، أو لزيادة التنبيه أو للتهويل، أو للتعظيم وهو فنّ قولي من الأساليب المعروفة عند العرب، بل هو من محاسن الفصاحة وهو إشعار بأهمية الأمر وإعظام لشأنه.
ويشير الزمخشري إلى القيمة الفنية والمعنوية في ظاهرة التكرار بأنها ((استدعاء منهم لتجديد الاستبصار عند كل خطاب وارد، وطريقة الانصات لكل حكم نازل، وتحريك منهم لئلا يفتروا أو يغفلوا عن تأملهم وما أخذوا به)).
ويقول الجاحظ مبيّنًا الفائدة منه: "إن الناس لو استغنوا عن التكرير -التكرار- وكفوا مئونة البحث والتنقير لقلّ اعتبارهم.
ومَنْ قلّ اعتباره قلّ علمه، ومَنْ قلّ علمه قلّ فضله، ومَنْ قلّ فضله كثُر نقصه، ومَنْ قلّ علمه وفضله وكثُر نقصه لم يُحمد على خير أتاه، ولم يُذمّ على شرّ جناه، ولم يجد طعم العزّ، ولا سرور الظفر، ولا روح الرجاء، ولا برد اليقين ولا راحة الأمن).
قال (صلى الله عليه وسلم):
كحرمة يومكم هذا، وكحرمة شهركم هذا. والحرمة في حياة المسلمين قضية لها من الخطر والجلال ما لها، وتكرار اللفظة إيقاظ الحواس، ولا يغب عن البال ما أضافه تكرار (هذا) في نهاية كل مقطع من إيقاع لفظي زاد من جلال التوكيد جلالاً، وكان له من الواقع ما يحفز النفوس إلى تثبيت والتملي واستيعاب القضية بكل أبعادها النفسية والفكرية، وهذا ((على جانب من التنغيم النافذ إلى الروح، ندركه دائماً في حسن جرسه وتعانق معانيه وتتابع موجاته، يدفع بعضها في نشاط وتشابه)).
وأنظر الى تكرار لفظ (حُرمة) على سبيل التأكيد ذلك أن حرمة الأموال والدماء ولقاء الله ووضع الربا والدماء مما تعد من كبريات القضايا التي كانت تسود حياة العرب، وكان لابد لها من الحسم القاطع، تنقية للمجتمع الإسلامي من كل بقايا الجاهلية ومواريثها.
ومن ناحية ثانية: نجد في: ((إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام)) تقدم الجار والمجرور (عليكم) على خبر إن، وهو في عرف النحاة فضلة من حقها أن تتأخر، ولكن له في البيان النبوي تقدم ملموس ظاهر، ترى أكان التناغم اللفظي هو الذي استدعى هذا التقديم، أم أن وراء تقديمه غاية معنوية أخرى.
ليس بوسعنا أن نقطع بإجابة عن واحد من ذينك التساؤلين بقدر ما نود أن نوفق بين التساؤلين.
إن البيان النبوي قد توخى الإيقاع المتناغم الذي يكسب العبارة جمالية محببة إلى النفس من خلال توالي:
دمائكم – أموالكم – عليكم –.
إذن نحن لا ننفي هذه الصيغة الجمالية التي هي من أجلى خصائص البلاغة النبوية التي اجتمعت فيها –على حد قول الرافعي– ثلاث صفات هي: الخلوص والقصد والاستيفاء.
إلا أننا في الوقت ذاته نحسّ أن التقديم إن خلا من الفائدة المعنوية فإن الجانب الجمالي يظل حلية خاوية ننزه البلاغة النبوية عن أن تكون هدفاً من أهدافها.
إن الذهن ينتظر خبر (إن) ليكتمل به المعنى الأساس، فإذا بالذهن يقرع بالجار والمجرور (عليكم) خطاباً مباشراً إلى المسلمين؛ إذن الأمر الذي سيسمعونه خطير، فهو يعنيهم ويمس وجودهم وكيانهم، ففي هذه اللحظة يساق الخبر حكماً من الأحكام خطير الشأن، بعد أن هيأ تقديم الجار والمجرور الأذهان لتلقي الخبر.
(قد بلغت), (أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ) (اللهم هل بلغت؟). ولعل في هذه الصيغة (قد بلغت) من الثقة والاعتداد بتجاوب المسلمين ما لم يجد معه حاجة إلى إلتماس الأساليب الإنشائية التي تساق غالباً في مواضع بها حاجة إلى استثارة الهمم وقرع النفوس التي قد تتلبس ببعض الغفلة أو التردد.
((وقد بلغت)): صيغة الحسم والقطع، بل صيغة الاشعار بأن هذا هو البلاغ النهائي الذي لا بلاغ من بعده.
ثم أعقب ذلك بصيغة إنشائية: اللهم هل بلغت... والصيغة المعتمدة هي الاستفهام، ليستوثق من يقظة المسلمين وتجاوبهم فيسمع منهم الجواب الذي يبعث في نفسه الطمأنينة على أن ما زرعه من كلمات إنما هي هي الشجرة التي ضربت بجذورها في الأعماق، وسمقت إلى الأعالي باسقة ظليلة آنية ثمراً طيباً.
وهنا تستوقفنا الصيغة الاستفهامية لنسأل أنفسنا: هل جاء الاستفهام في هذا الموضع حقيقة أم مجازاً؟ أود أن أعرض للأمر من جانبين: كل جانب يجدد مسار هذا الاستفهام.
الجانب الأول: يتصل بالرسول (صلى الله عليه وسلم) مبلغاً للأمانة، فقد عدل عن الصيغة الإخبارية على النحو الذي ورد في أول الخطبة ((وقد بلغت)) لكي يأتي التقرير أشد في النفس وأوقع، وادعى إلى الطمأنينة.
أي أن الاستفهام مجازي خرج إلى التقرير والتثبيت.
أما الجانب الثاني: فهو مما يتصل بجمهور سامعيه حين حملوا الاستفهام على معناه الحقيقي، فأجابوا: اللهم نعم.
ونحن نعلم أن الاستفهام المجازي هو ما لا يحتاج إلى جواب، لأنه ليس من قبيل طلب حصول الفهم – كما يقول البلاغيون)).
وبذلك حققت البلاغة النبوية نمطاً فريداً من التعبير راعى فيه حالة المتكلم وموقفه مبدئياً ونفسياً، وراعى في الوقت ذاته المخاطبين وما هم عليه من موقف إزاء ما يلقى عليهم، فوجدوا أنفسهم أن الرسول (صلى الله عليه وسلم): يستفهم بقوله ((هل بلغت)) ليجيء الجواب في إثره: اللهم نعم... وهو جانب يعزز الحالة النفسية للرسول المبلغ حيث استوثق أنه أدى الأمانة كاملة غير منقوصة.
وقد أكَّد كل نصّ بقوله: ألا هل بلّغْت، اللهم اشهد، وهو تأكيد يهدف إلى الإقناع الملزم، ويقفل باب اللجاج!.
وهذا التأكيد الملزم قد كُرّر عن قصد، والتكرار يصادف موضعَه الطبيعي إذا حلً في مقام التقرير والإلزام، لكيلا يكون للناس على الله حجة بعد التأكيد والتقرير والهدوء البصير، واليقين الثابت، والاطمئنان للحق، كل ذلك واضح في حديث الخطيب المخلص والرسول الحريص على اهتداء قومه الرحيم بأمته عليه أفضل الصلاة والتسليم.
وفي التعبير يلحظ استخدام (قد) في قوله: (وقد بلغت) مفيدة التحقيق هو لون آخر من ألوان التوكيد التي تحفل بها كظاهرة معنوية موظفة للتبليغ والتثبيت ولفت الأنظار نحو الأحكام النبوية.
(وإنكم ستلقون ربكم) صيغ جديرة بالوقوف عندها للتعرف على دلالتها الخاصة وهي قوله: ((وإنكم ستلقون ربكم)) ذلك أن من أركان العقيدة أن يلقى العباد ربهم ليحاسبهم ويسألهم عن أعمالهم.
والفعل في الجملة مصدر بالسين ,والسين في اللغة تفيد الاستقبال عند النحاة بالإجماع، وكثير منهم يذهب إلى أن السين تفيد التوكيد (يعني الاستقبال مع التوكيد) السين وسوف يفيدان التوكيد والاختلاف بينهما هو أيهما ابعد زمنا لكن الاثنين يفيدان الاستقبال مع التوكيد وقد بدأ بهذا الرأي الزمخشري، فالسين إذن هي للاستقبال المؤكد.
وهذه السين قد حققت إحساس السامع يقرب هذا اللقاء، وقد عدل البيان النبوي عن ((سوف)) وهو أيضاً حرف استقبال ولكنه يدل على تحقق الفعل بزمن أبعد، وربما كان في استخدامه في ظاهر الحال أكثر دلالة على السين، إلا أن ((السين)) فيها من دلالة القرب ما يشعر أن الأمر واقع لا محالة، ليكون ذلك الإحساس باعثاً على التعجيل بالإلتزام والتمثل والتطبيق.
وحين تحقق السين هذا الإحساس دون سوف الدالة على التراخي الزمني فإن البلاغة النبوية قد حققت مبدأ المطابقة لمقتضى الحال بدقة متناهية متساوقة مع القدرة المتميزة لأعلى ذروة البلاغة البشرية أن تبلغها أو أن تحققها.
(فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانةٌ فليؤُدِّها إلى مَنْ ائْتمَنَهُ عَلَيها) إن تقديم الألفاظ بعضها على بعض له أسباب عديدة يقتضيها المقام وسياق القول، يجمعها قولهم: إن التقديم إنما يكون للعناية والإهتمام.
فما كانت به عنايتك أكبر قدمته في الكلام.
والعناية باللفظة لا تكون من حيث أنها لفظة معينة بل قد تكون العناية بحسب مقتضى الحال.
ولذا كان عليك أن تقدم كلمة في موضع ثم تؤخرها في موضع آخر لأن مراعاة مقتضى الحال تقتضي ذاك.
وفيه تقديم الظرف (عنده) على أمانة والعادة أن يفيد الاختصاص الا انه ليس المراد هنا تخصيص الامر وإنما هو من باب التوجيه فقدمها للاهتمام بشأنها والتوجيه إلى عدم ضياع الامانة.
ونقف عند الفعل ((فليؤدها)) وهو مضارع مجزوم بلام الأمر جاء جواباً لشرط لا يحتمل إلا هذه المباشرة التي وضحت الحكم بكل أبعاده، فالأمانة ينبغي أن تؤدى، وإذا لم يكن هناك سبيل إلى غير ذلك فلا مناص للمخاطب إلا أن يفعل.
والأمر هنا حقيقي، وحقيقته هي من مقتضى الموقف الذي يتطلب ذلك، وقد سبق أن عرضنا لدلالة الأمر الحقيقي.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 28 يونيو 2021, 6:17 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: خطبة الوداع.. فوائد وفرائد الجمعة 01 سبتمبر 2017, 9:58 pm | |
|
(ألا وإن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة… وإنَّ رِبَا الجَاهِليّة مَوضوعٌ ولكن لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون. قضى الله أنه لا ربا، وإنّ أَوّلَ رباً أَبْدأُ بِهِ رِبَا عَمّي العباسُ بن عبد المطلب وأن كل دم كان في الجاهلية موضوع وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد بن عبد المطلب، وكان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية).
ترد بعد ذلك الحقائق التي أراد الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن يغرسها في نفوس المسلمين على أنها أحكام للحياة لا تحتمل تأويلاً ولا تقبل حيدة أو جنوحاً.
فجملة ما واجه به المسلمين وردت بصيغة التوكيد الحقيقي.
وقد قرر البلاغيون أن ((الإهتمام بالشيء وانفعال النفس به يستوجب ضرباً من تأكيده، أمراً أو نهياً أو خبراً يستلزم طلباً أو خبراً يقع في الجواب)).
وقد جاء التوكيد في مقاطع الخطبة بأكثر من وسيلة، وهي: أداة التوكيد ((إنَّ)) والتكرار، وتقديم ما حقه التأخير (ومنه القصر)، وأدانا التحقيق والتوكيد ((قد وكل)).
ومما جاء مؤكداً بإن: ((إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام...)) ((وإنكم ستلقون ربكم...)) ((وإن ربا عباس بن عبدالمطلب موضوع كله...)) ((وإن كل دم في الجاهلية موضوع)) ((وإن أول دمائكم أضع...)) ولذلك تصدرت هذه المقاطع أداة التوكيد ((إن)) التي تضمن الإيصال والتثبيت إضافة إلى حسم التردد والشك في القبول والتلقي.
ولقد ذهب البلاغيون إلى أن استخدام أداة التوكيد واحدة ضمن العبارة هي لحسم الشك والتردد.
قال القزويني: ((وإن كان متصور الطرفين، متردداً في إسناد أحدهما إلى الآخر طالباً له حسن تقويته بمؤكد)).
وليس هذا الأمر مطرداً على نسق متواصل، فقد يخرج استخدام الأداة في غير هذا الموضع مراعاة لغير الظاهر، كما قرر البلاغيون أنفسهم، فقد ذكر القزويني نفسه ذلك في قوله: ((وكثيراً ما يخرج على خلافه، فينزل غير السائل منزلة السائل –أي المتردد الشاك– إذا قدم إليه ما يلوح له بحكم الخبر، فيستشرف له استشراف المتردد الطالب)).
ونحن نقول: إن أداة التوكيد سواء أكانت واحدة أم أكثر فإنها تقيد توثيق الأمر وضمان حسن تلقيه وأثره في نفس المتلقي واتخاذ موقف معين مضامينه، سواء أكان في الأمر شك أم لم يكن، وإلى جانب ذلك إشعار بأهمية الأحكام المعروضة ضماناً لحشد الطاقات النفسية والاجتماعية لاجتثاث ما علق بالنفوس والواقع المعيش من آثار وقيم نسخها الدين الإسلامي.
ويلفت أنظارنا أن المقاطع التي تصدرتها أدوات توكيد تخللتها مقاطع خلت من تلك الأدوات، مع أن مقتضى الظاهر أن تتصدر بها، لأن مضامينها ليست أدنى درجة من الأهمية عن مضامين تلك الجمل المؤكدة التي تكتنفها قبل وبعد.
((ومن هذه المقاطع قوله (صلى الله عليه وسلم): ((تظلمون ولا تظلمون)) ((قضى الله أنه لا ربا))
والجواب عن ذلك يتطلب النظر إلى الموضوع من جهتين: الأولى: أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) استشهد بآية كريمة، والاستشهاد لا يحتمل الإضافة والزيادة.
الثانية: أن الاستغناء عن أدوات التوكيد في عرف البلاغيين لأمرين: إما أن المخاطب خالي الذهن، أي أنه غير متردد في قبول الحكم، أو غير منكر له حتى يتطلب أداة للتوكيد، وأما أن المتكلم ينزل المتردد أو المنكر منزلة خالي الذهن، لأن الموضوع مما لا يحتمل شكاً أو إنكاراً.
قال القزويني في بيان ذلك: ((فإن كان المخاطب خالي الذهن من الحكم بأحد طرفي الخبر على الآخر، والتردد فيه استغنى عن مؤكدات الحكم)).
((وكذلك ينزل المنكر منزلة غير المنكر، إذا كان معه إن تأمله ارتدع عن الإنكار، كما يقال لمنكر الإسلام ((الإسلام حق)) وعليه قوله تعالى في حق القرآن ((لا ريب فيه)).
وكأن الله تعالى جعل انتفاء ظلم المؤمن لأخيه المؤمن في معيار الإسلام أمراً لا مشاحة فيه، أي أنه من مستلزمات الروابط الإسلامية في ظل المجتمع الإسلامي أن يخلو من الظلم.
وقوله (صلى الله عليه وسلم): قضى الله أنه لا ربا.
أرى أن ننظر فيه من وجهتين: الأولى: إن خلو المقطع من أدوات التوكيد هو أيضاً من باب إنزال المتردد أو المنكر منزلة خالي الذهن لوضوح الأمر وبداهته، فكيف يصح في شرع قوامه العدل والحق أن يكون فيه إباحة للربا وهو ظلم فاحش.
الثانية: إنني ألمح أن الصيغة التي سبقت بها العبارة مؤكدة لذاتها، وهذا يدعونا إلى القول أن في المقطع توكيداً ضمنياً يوحي به عموم العبارة، فهل يفهم من الفعل ((قضى)) غير الأمر الجازم الذي لا محيد عنه، وهل يفهم من قوله ((لا ربا)) بهذا النفي غير أن يكون الحكم حاسماً لا خلاف عليه.
ويشبه ذلك ما يستخدم من العبارات الشائعة من قولهم: يجب أن –ولابد أن– ولا مناص من، أليست هذه الصيغ مما يحمل التوكيد ضمناً من تضاعيفها؟.
وبهذا يمكننا أن نضيف نوعاً جديداً لأساليب التوكيد المعنوي واللفظي نسميه بالتوكيد الضمني.
وهو ما يستفاد من عموم العبارة التي تساق بحيث لا تحتمل من المعاني إلا وجهاً واحداً يفيد الجزم والحسم والتوكيد.
وأنظر الى (كل) وهي موضوعة للشمول واستغراق الأفراد ومنها: (كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع) و(كل دم كان في الجاهلية موضوع) وكل مسلم أخ للمسلم (وكُلكُّمْ لآدمَ، وآدمُ من تُراب).
فكل ما يأتي من الجاهلية مما لا يقره الاسلام وكل الدماء التي تعاملوا بها موضوعة متروكة, كما كل مسلم صغيراً أو كبيراً ذكراً أو أنثى أخ في الاسلام كما أن كل البشرية عامة بأبيضها وأسودها وقصيرها وطويلها ورفيعها ووضيعها وفقيرها وغنيها وحاكمها ومحكومها من آدم وكل بني آدم من تراب.
وأنظر الى تقدم الخبر (الجار والمجرور) على المبتدأ في قوله (صلى الله عليه وسلم): ((ولكن لكم رؤوس أموالكم)) فإنه إشعار إلى أن ما كان غير محذور يعود إلى أصحابه؛ فرؤوس الأموال حق مشروع من حقوقهم دون ما يتمخض عن الربا من أموال لا يباح لهم تملكها وحيازتها.
ومن أجل أن لا يظنوا أنهم سيضيعون كل شيء بعث في نفوسهم الطمأنينة من خلال (لكم) وهو خبر مقدم، لو قال: ولكن رؤوس أموالكم لكم، فلربما ذهبت الظنون أنها هي الأخرى ستضيع، فالخبر هو الأهم في أن يذكر أولاً، فإن تقدمه باعث على الطمأنينة وراحة البال.
وفي بلاغة التقديم يقول القزويني: ((إن تكون العناية بتقديمه والاعتناء بشأنه بكونه في نفسه نصب عينك، والتفات خاطرك إليه في التزايد... أو لعارض يورثه ذلك، كما إذا توهمت إن مخاطبك ملتفت الخاطر إليه ينتظر أن تذكره، فيبرر في معرض أمر يتجدد في شأنه التقاضي ساعة فساعة، فمتى تجد له مجالاً للذكر صالحاً أوردته)).
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 28 يونيو 2021, 6:18 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: خطبة الوداع.. فوائد وفرائد الجمعة 01 سبتمبر 2017, 10:21 pm | |
|
* (أيها الناس فإن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبداً، ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضي به بما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم). تبشير وتحذير: "أيها الناس.. إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم".
يخاطب الرسول الكريم المجتمعين معلناً بشراه في يأس إبليس وجنوده من السيطرة على أتباع محمد ومحذراً من ارتكاب الصغائر التي يحقرها الناس دون تأمل إلى ما تجلبه من الكبائر، مما ينحرف بالإنسان إلى طريق الشيطان.
وفي أسلوب النداء "أيها الناس" إثارة وتهييج الوجدان، وجذب الانتباه لدى المخاطبين.
وفي قوله: "هذه" تعبير باسم الإشارة للقريب، لتمييز هذه الأرض أتم تمييز وأكمله في مقام المدح.
وفي اتيان الفعل (يعبد، ويطع) بصيغة المجهول فائدة ذلك أن الفعل المبنى للمجهول يتطلب سياقاً ذا دلالة خاصة تنبئ عن مكنون المشهد وخفاياه المطوية, فقد يأتي؛ ليصور مجهول النفس وما طوي أو أضمر فيها, كتصويره خبايا النفس وخفي النيات في دروب الباطن, كما في قوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (فَتُقُبِّلَ) بعدم تسمية الفاعل إشارة لتعليق قبول العمل علي ما انطوي عليه القلب من إخلاص وتقوى وإيمان، فتقبل الله من أحدهما (هابيل) لإيمانه وتقواه, ولم يتقبل من الآخر (قابيل) لكفره وحسده, وهذا وذاك محله القلب.
قد يأتي الفعل المبني للمجهول ليمثل عنصر المفاجأة وليصعد بجو المشهد إلى ذروة الحركة وعنفها, كما في قوله تعالى: (مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً)، فاللعنة تلاحقهم في كل مكان وجدوا فيه, ثم يأخذون عنوة ويقتلون تقتيلاً، ثقفوا، أخذوا، وقتلوا تقتيلاً.
كما أنه اذا جاء الفعل المبني للمجهول في سياق الاستفهام أو النفي أو الشرط أفاد العموم وعليه, فصدر الكلام جاء بالبناء للمجهول فتناسق الختام مع البدء وجاء الفعل (يُعبد) مبنيا للمجهول حيث استخدم هذا الفعل في مقام الذم والقدح وأنظر كيف جاء الفعل (يئس) بالبناء للمعلوم للدلالة على يأس الشيطان دون غيره أما في العبادة والطاعة التي لا تكون الا لله تعالى ولرسوله وأولي الامر فقد أتت هنا بالبناء للمجهول لان المقام خلاف لما عهد من الطاعة الحقة فطاعة الشيطان وعبادته مما لا تذكر.
ومن ثَمَّ فان فن بناء (يُطع) للمجهول المراد منه عموم الشيطان, فكل الشياطين تسعى الى أن تحقر الأعمال الصالحة وهذا من خلال ورود المبني للمجهول في سياق الشرط (ان).
ومن جانب آخر فان وورود الفعل (يطع) بعد الشرط له دلالة الاستمرارية وهذه قاعدة في القرآن الكريم مؤداها: إذا كان فعل الشرط مضارعاً دلّ على استمرارية الحدث وإذا كان فعل الشرط ماضياً فهو يدلّ على الحدوث مرة واحدة.
(فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ).
* (أَيُّها النَّاس، إِنَّمَا النَّسيءُ زِيادةٌ في الكُفرِ، يضلُّ به الذينَ كَفَروا، يُحِلُّونَهُ عاماً، وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً،ِ يوَاطِئُوا عِدَّة مَا حَرَّمَ اللهُ فيُحلوا ما حرَّم الله ويحرِّمُوا ما أحلَّ الله.إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم ثلاثة متوالية ورجب مضر،الذي بين جمادى وشعبان).
والمعنى: إنما تأخير العرب حرمة الشهر الحرام إلى شهر آخر تحايلاً من أجل استمرار القتال، هو كفر آخر مضموم إلى كفرهم، لأنه تحليل ما حرمه الله، وتحريم ما حلله فهو سبب موجب للضلال وعدم الهداية.
وإن عدد الشهور في حكم الله أثنا عشر شهراً قمرياً في اللوح المحفوظ، أو فيما أثبته الله تعالى وأوجبه، وقد استقر ذلك منذ بدء الخليقة، ومن تلك الشهور الإثنى عشر أربعة حرم: ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة، والمحرم، وواحد فرد: رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان.
فوضعت (إنما) لإفادة القصر، وتعريفه: تخصيص الحكم بالمذكور في الكلام ونفيه عن سواه بطرق مخصوصة.
ففي هذا القول الكريم: (إنما النسيء زيادة في الكفر) أسلوب قصر طريقه إنما من قصر الموصوف على الصفة قصراً حقيقياً، وقد أفادت "إنما" التعريض بما كان يفعله هؤلاء في جاهليتهم من تحريم الشهر الحلال، وتحليل الحرام، وفقاً لمزاجهم وهواهم.
وفي ذِكْر: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وجب بعد ثلاثة متواليات، وواحد فرد: نوع من الإطناب البلاغي طريقة التفصيل بعد الإجمال.
* (أَيُّها النَّاس، اتقوا الله في النساء، فإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً. إلا إن لكم على نسَائِكُمْ حقاً و لِنسَائِكُمْ عليكم حقاً فأما حقكم على نسائكم؛ فلا يُوطْئنَ فُرُشَكُمْ غيرَكم، وَلا يُدْخِلْنَ أحَداً تكرَهُونَهُ بيوتَكُمْ، ولا يأتينَ بِفَاحِشَة، فإنْ أطَعْنَكُمْ فَعَلَيْكُمْ رِزقُهنَّ وكسوتُهُنَّ بالمَعْرُوفِ).
ومن الأسرار البلاغية قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما النساء عندكم عوان" وهذا أسلوب قصر، طريقه إنما من قصر الموصوف على الصفة، وقد أفاد هذا القصر: تقرير المعنى وتأكيده، فإن في ذلك دفعاً للرجال إلى الترفق، والعطف بنسائهم.
وفي التركيب تشبيه بليغ، حيث شبهت النساء بالأسيرات المحبوسات.
* (فاعقلوا أيها الناس قولي، فإني قد بلغت، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً، أمراً بينا، كتاب الله وسنة نبيه. * أَيُّها النَّاس، اسمعوا قولي واعقلوه تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم وأن المسلمين إخوة (إنما المؤمنون إخوة), فَلاَ يَحِلُّ لامْرِىءٍ مَالُ أَخيهِ إلاّ عَنْ طيبِ نفْسٍ منهُ، فلا تظلمن أنفسكم اللهم هل بلغت؟ وستلقون ربكم فلا تَرْجِعُنّ بَعْدِي كُفاراً يَضرِبُ بَعْضُكُمْ رقابَ بَعْض. * أيها النّاسُ إن رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وإنّ أَبَاكُمْ واحِدٌ، كُلكُّمْ لآدمَ، وآدمُ من تُراب، أَكرمُكُمْ عندَ اللهِ أتْقَاكُمْ وليس لعربيّ فَضْلٌ على عجميّ إلاّ بالتّقْوىَ، أَلاَ هَلْ بلَّغْتُ، اللّهُمّ اشهد".
* أَلَا لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ.
وأخرج مسلم أنه قال: * ((وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟)) قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: ((اللهم اشهد)) ثلاث مرات).
ينادي الرسول عليه الصلاة والسلام أهل الإيمان مبيناً بأسلوب القصر أن المؤمنين المصدقين بقلوبهم، المحققين للواجبات الشرعية هم جميعاً إخوة تربطهم رابطة الإسلام، فمن واجب أهل الإيمان أن يكتسبوا من الأسباب ما يصيرون به إخوة كإخوة النسب حيث الشفقة والرحمة والمحبة، والمواساة، والنصيحة.. وأمارة هذه الأخوة حرمة مال المسلم مالم يتنازل عن شيء بمحض إرادته واختياره.. والله تبارك وتعالى شاهد ورقيب.
وينهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن النكسية نحو الكفر بعد الإيمان.. وما يترتب عليها من تقاطع وتدابر في مجتمعات المؤمنين يصل إلى حد الإهلاك والإبادة، على أنه لا سبيل إلى الخلاص والهداية إلا من خلال كتاب الهداية المعجز: القرآن الكريم.
ومن الأسرار البلاغية في القول الكريم: (إنما المؤمنون إخوة) أسلوب قصر، طريقه: إنما من قصر الموصوف على الصفة، والغرض منه: حث المؤمنين على أن يحققوا ربط الأخوة بينهم فإن يد الله مع الجماعة.
وأنظر كيف تجسَّد الحرص النبوي على أن تبلغ جملة هذه التوجيهات من مكامن نفوس المسلمين إلى صورة التوكيد.
((فلا تظلمن أنفسكم)) وكان يسعه (صلى الله عليه وسلم) أن يقول: فلا تظلموا أنفسكم، ولكن نون التوكيد هي بمثابة أداة القرع للنفس خشية أن تغفل فتضل.
وأنظر الى حذف المفعول من ((اللهم اشهد)) حيث يقول الإمام عبدالقاهر في بلاغة الحذف وأثره الجميل في تقوية الفكرة:
((هو باب دقيق المسلك، لطيف المأخذ، عجيب الأمر، شبيه بالسحر، فتلك ترى به ترك المذكور أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة، وتجدك انطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتم ما تكون بياناً إذا لم تبن)).
إن البيان النبوي قد استغنى عن المفعول به لعمومه، ودلالة ما سبقه عليه من جهة، إذ أنه ((يتناول كل ما يصح أن يدخل تحت هذا الفعل، فليس ذكر البعض بأولى من الآخر))، ومن جهة أخرى فإن الاهتمام بالفعل هو المراد، أي أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أشهدهم على أنه قام بالتبليغ، إذن الحديث هو الأرجح في الذكر دون غيره من متعلقاته.
وفي بيان هذا المنحى البلاغي يقول الزمخشري في حديثه عن حذف المفعول:
((وقد يحذف المفعول لأن القصد إلى الفعل غير معتمد إلى شيء، يقول في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} وفي قوله: لا تقدموا من غير ذكر مفعول وجهان: أحدهما يحذف ليتناول كل ما يقع في النفس مما يقدم، والثاني إلا يقصد قصد مفعول ولا حذفه)).
الخاتمة: ها أنذا ألقي عصا التسيار، فأصل إلى نهاية هذا البحث المتواضع الذي أمضيت في كتابة مباحثه خلال موسم الحج لهذا العام 2007م، فخبرت جوانبه بعد سبرها، ونظمت أطرافه بعد جمعها، وإني في ختام هذا البحث أضعُ القلم لأتجه بالحمد الخالص للذي بنعمته تتم الصالحات على ما أمد به من عون، كنت لا أفتأ أحسّ به في الفِكْر قوة، وفي الروح صفاءً وشفافية، وفي البصيرة نفاذاً، وإنه لقمن بكل واقف على هذا البحث أن يُسدِّد ما به من خلل وأن يستر ما فيه من زلل، فلقد علمت أنه ليس من العصمة أمانِ خصوصاً إذا صدر الكاتب عن وفاض ليس فيه من العلم إلا القليل وكتب بقلم كليل.
فاللّهم لا تعذب يداً كتبت تريد نفي تحريف الغالين وانتحال المبطلين عن دينك، ولا لساناً أراد الذب والدفاع عن شريعتك، ولا قلباً يعتصر من أقوال المستغربين، ولا روحاً أرادت أن ترفرف في ظلال عدلك، ولا تحرمني بفضلك خير ما عندك بشر ما عندي. والحمد لله رب العالمين. الدكتور محمد عبد الغني www.dr-ghani.net |
|
| |
| خطبة الوداع.. فوائد وفرائد | |
|