منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Empty
مُساهمةموضوع: الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب   الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Emptyالجمعة 22 أكتوبر 2010, 12:24 am

الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب

دكتور: علاء إسماعيل الحمزاوي

قسم اللغة العربية كلية الآداب جامعة المنيا

(إنّـا نحـن نزّلنا الذكـر وإنا له لحافظـون) (قرآن كريم).

إن الجماعة الإسلامية لن تعترف في المستقبل إلا بقراءة حفص عن عاصم!

(دائرة المعارف الإسلامية)


إهـــــداء

==============

إلى والديّ وزوجتي ... حبا ودعاءً

إلى أســــاتذتي ... تقديــرا

إلى كل ذي يـد بيضاء ... شــكرا


مقـدمــة

الحمد لله  والصلاة والسلام على رسول الله .. سبحانك اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ..


وبعد

فلقد اهتم اللغويون القدامى بدراسة القراءات القرآنية، وربما أوفوها حقها في ضوء ما أتيح لهم من إمكانيات لغوية، غير أن ذلك لا يغني عن دراستها في ضوء ما يتاح لنا من إمكانيات لغوية حديثة؛ ومن ثم عكف فريق من الباحثين لدراسة هذه القراءات من وجهتها اللغوية صوتاً وبنية وتركيباً ودلالة، فنالت نصيباً موفوراً من البحث والدرس، وقد تناولت تلك الدراسات جميع القراءات متواترها وشاذها بالوصف والتحليل، عـدا قـراءة حفص عن عاصم؛ ولعل السبب في ذلك أن هذه القراءة أكثر القراءات شيوعاً ونشراً في شتى أقطار العالم الإسلامي، بل لعل شيوعها هذا دفع المستشرق الفرنسي (بلاشير) إلى القول: "إن الجماعة الإسلامية سوف لا تعترف في المستقبل إلا بقراءة عاصم برواية حفص".


ولعل هذا الشيوع مسئول إلى حد كبير عن عدم قصد الاهتمام بدراسة هذه القراءة في صورتها الكلية؛ حيث ألفها الناس، واعتادوها، فلم يروا في معظمها من الظواهر اللغوية ما يخرج عن إلفهم وتعودهم؛ الأمر الذي دفع الباحث لدراستها.


أضف إلى هذا أن الباحث قد لحظ أثناء قراءته في بعض التفاسير والمعاني أن ثمة تفاسير لم تشر إلى قراءة حفص عن عاصم، وربما نسبت إليه قراءات لم تثبت عنه؛ الأمر الذي ساعد الباحث على دراسة هذه القراءة.


من ناحية أخرى فإن المستشرقين اعتماداً على بعض أهل العربية المتقدمين حاولوا جهد طاقتهم أن يشطروا الجزيرة العربية إلى كتلتين: غربية وشرقية، جاعلين لكل منهما سمات خاصة بها لا توجد في الأخرى بهدف تفتيت وحدة العرب؛ لأن الاجتماع والاتحاد على اللغة أساس أولى من أسس الوحدة للجماعة ـ وما كيد الكافرين إلا في ضلال ـ حيث تصدى بعض المعاصرين لدراسة هذا الموضوع  لدحض حججهم الواهية، وقد تم لهم ذلك، فراع خيال الباحث أن تكون قراءة حفص دليلاً ساطعاً يدحض ما رام إليه المستشرقون، مؤكداً ما أثبته العلماء في الرد عليهم، ومن ثم عزم على دراستها هذه الدراسة.


كذلك هال الباحث مزاعم المستشرقين أن القراءات مردها الرسم العثماني فحسب ـ إذ كان خلوا من النقط والشكل ـ وليست من التشريع في شئ، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، فقد قام العلماء  بالرد لدحض آرائهم السامة التي تهدف لضرب السنة النبوية بوصفها مصدراً ثانياً من مصادر التشريع، فلعل في قراءة حفص عن عاصم ما يدحض تلك الآراء، فكان ذلك حافزاً قوياً لتناول هذه الدراسة بالبحث اللغوي؛ حيث  مهد الباحث لدراسته بهذا المبحث الشائك.


فضلاً عما سبق فإن المشهور عن عاصم من روايات روايتان إحداهما لـ (حفص) والأخرى لـ (شعبة)، بينهما اختلاف وتباين في قراءتيهما وصل إلى نحو خمسمائة كلمة ، معظمها اختلافات صوتية وصرفية. فلماذا هذا الاختلاف؟ وما مصدره؟ فكان ذلك مما دفع الباحث لتناول هذه القراءة بالدرس اللغوي.


بقى للباحث أمور ثلاثة، ينبغي أن يشير إليها قبل أن ينتهي من مقدمته هذه:

أولها : أن الباحث لن يعرض في دراسته لكل الآيات في قراءة حفص ـ فذلك كل القرآن ـ إنما يقتصر على الآيات التي اختلف فيها القراء العشرة ، ومن ثم قام الباحث بتوثيق القراءة من مظانها المتقدمة مثل : سبعة ابن مجاهد وحجة أبى على الفارسي وحجة ابن خالويه والعنوان لابن خلف والكشف لمكي وإبراز المعاني لأبى شامة، وكنز المعاني للموصلي، والنشر لابن الجزري، وإتحاف فضلاء البشر للبناء الدمياطي، فضلاً عن كتب المعاني والتفاسير، كمعاني القرآن للفراء وتفسير الطبري وتفسير القرطبي وتفسير أبى حيان وتفسير الرازي وتفسير الشوكاني وتفسير الألوسي وغير ذلك.


ثانيها: موضوع الدراسة: يقتصر الباحث على الجانب الصرفي والجانب النحوي فحسب، ولن يتعرض للجانب الصوتي إلا في بعض الظواهر الصوتية التي تؤثر في شكل الكلمة ـ أو بنيتها ـ من وجهة نظر الباحث، ومن ثم انتظمت الدراسة في بابين مسبوقين بمقدمة وتمهيد مردفين بخاتمة مشفوعة بقائمة المراجع.


في المقدمة ركز الباحث على أهم أسباب اختيار الموضوع وفى التمهيد عرض بإيجاز لتاريخ القرآن والقراءات، والرسم العثماني وما أثير حوله من شبهات، وكان هذا هو المبحث الأول من التمهيد، أما المبحث الثاني منه فقد خصصه للحديث عن عاصم وشيوخه وتلامذته بإيجاز اعتمد فيه الباحث أسلوبه الخاص مشيراً إلى مصادر الترجمة في الهامش.


ثم جاء الباب الأول مخصصاً لدراسة البنية، وقد احتوى ثلاثة فصول :

الأول : الأسس الصوتية للتغيرات الصرفية.

الثاني : الفعل دراسة في الشكل والبنية.

الثالث : الاسم دراسة في البنية والدلالة.

أما الباب الثاني فجعله لدراسة التراكيب وقسمه إلى ثلاثة فصول أيضاً :

الأول : الجملة الفعلية دراسة في الحركة والتركيب .

الثاني : الجملة الاسمية دراسة في الحركة والتركيب .

الثالث : الحروف وأثرها في التركيب .


ثم جاءت الخاتمة حاملة أهم النتائج التي انتهى إليها البحث، تليها قائمة بأهم المصادر والمراجع التي اعتمد عليها الباحث.


أما ثالث الأمور فيتمثل في منهج الرسالة، فالمنهج الذي نهجه الباحث منهج وصفي تحليلي؛ إذ ينقل القراءة من مظانها المتقدمة ثم يصفها بوسائل التعليل والتحليل والتفسير من خلال كتب النحو واللغة والتفسير والمعاني وعلل القراءات، مفيدا من معطيات الدرس الحديث حينما يضفي ذلك على الظاهرة تعليلا أو تفسيرا جديدا يضاف إلي تعليلات المتقدمين، وذلك باستخدام المقاطع الصوتية التي ساعدت الباحث كثيرا في تحليل الظواهر الصرفية؛ ولعل هذا ما حتّم على الباحث أن يذكر هنا أشكال المقطع العربي.


فالكلم العربي لا يخرج عن خمسة مقاطع، نبيّنها على النحو التالي :

ـ الأول :  مقطع قصير مفتوح Open Syllable  ويتكون من : صامت + صوت لين قصير ورمزه ((ص ح))، وهذا المقطع أكثر المقاطع ورودا في اللغة العربية؛ إذ يتمثل في كل صوت متحرك بحركة قصيرة مثل ( كِ ) من كتاب.


ـ الثاني :  مقطع متوسط مفتوح، ويتكون من صامت + صوت لين طويل، ويرمز له بالرمز ((ص م )) مثل : ما ، لا ، كا من (كاتب).


ـ الثالث:  مقطع متوسط مغلق Closed Syllables ويتكون من صامت  +  صوت لين  قصير + صامت ، ورمزه (( ص ح ص )) ، مثل : كم ، لم ، إذ .


ـ الرابع : مقطع طويل مغلق بصامت، (صامت + صوت لين طويل + صامت)، ورمزه (( ص م ص ))، وهذا الشكل المقطعي تأباه العربية إلا فـي موضعين: أحدهما في حالة الوقف ، مثل (( قدير ، حميد ، يكون . . )) والآخر إذا جاء بعد صوت المد حرف مشدد في نحو (( الضالّين ، الصاخّة ))، حيث اغتفر فيه التقاء الساكنين .


ـ الخامس : مقطع طويل مغلق بصامتين، حيث يتكون من صامت + صوت لين قصير + صامتين، ورمزه (( ص ح ص ص ))، وهذا الشكل المقطعي ترفضه اللغة إلا في الوقف فحسب ، وخير مثال له فواصل سورة القدر ، حال الوقف .



الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الثلاثاء 01 يونيو 2021, 11:20 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب   الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Emptyالجمعة 22 أكتوبر 2010, 12:34 am

نماذج من تفاسير لم تشر إلي قراءة حفص في بعض المواضع:

*****************************

أولا: تفسير الطبري:

في سورة الجن من  قوله (وأنه تعالى جد ربنا..) إلى  قوله (وأنا منا المسلمون) اثنا عشر موضعا لـ(أن) يقول الطبري: "وأما قراء الكوفة غير عاصم فإنهم يفتحون وأما عاصم فإنه كان يكسر".


ولا ريب أن قراءة حفص عن عاصم هي الفتح، يؤكد هذا رواية المصحف الذي بين أيدينا.


وفي سورة الإنسان قوله: (أعتدنا للكافرين سلاسل) 4 و(كانت قوارير) 15 قال الطبري: "قرأ عامة قراء المدينة والكوفة غير حمزة سلاسلا وقواريرا بإثبات الألف والتنوين".


ولا سبيل إلى الشك في أن قراءة حفص بدون تنوين.


ثانيا: تفسير القرطبي:

في قوله تعالى (لتبيننه للناس ولا تكتمونه) آل عمران 187 يقول القرطبى: "قرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبى  بكر وأهل مكة بالتاء على الخطاب، والباقون بالياء لأنه غيب".


والحق أن قراءة حفص بالتاء على الخطاب كما ذكر علماء القراءات وأكدته رواية المصحف المتداولة في معظم العالم الإسلامي.


وفي قوله تعالى: (من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه) الأنعام 16 يقول القرطبي: "قرأ الكوفيون بفتح الياء وكسر الراء، وقرأ أهل المدينة وأبوعمرو بضم الياء وفتح الراء".


وقراءة حفص -وهو كوفي- ضم الياء وفتح الراء، إنما فتح الياء وكسر الراء قراءة أبى بكر عن عاصم.


في قوله تعالى: (فلما آتاهما صالحًا جعلا له شركاء فيما آتاهما) الأعراف190 يقول القرطبي: "قرأ أهل المدينة وعاصم "شركا" على التوحيد، وأبو عمرو وسائر أهل الكوفة بالجمع".


والحق أن قراءة حفص عن عاصم للجمع كما هو واضح من رواية المصحف، وإنما التوحيد ـ أو المصدرـ قراءة أبي بكر عن عاصم.


ثالثا: تفسير أبي حيان:

قريء قوله تعالى: (وأنك لا تظمأ فيها) طه 119، بفتح الهمزة وبكسرها، وقد نسب أبو حيان الكسر لنافع وحفص والفتح للباقين.


والحق أن الكسر قراءة أبى بكر والفتح قراءة حفص، كما تؤكده رواية المصحف.


وفي قوله تعالي: (ومن نعمره ننكسه في الخلق) يسن 68 قرئ بالتشديد والتخفيف والتشديد قراءة حفص عن عاصم، كما ذكر علماء القراءات.


وأوضحته رواية المصحف، أما أبو حيان فقد نسب التخفيف لحمزة وعاصم دون إيضاح الرواية.


وفي سورة الجن من قوله تعالى: (وأنه تعالى...) إلى قوله تعالى: (وأنا منا المسلمون) نسب أبو حيان فتح الهمزة للحرميين والأبوين، والكسر لباقي السبعة.


تعليــق:

يضع الباحث جملة من الاحتمالات إبان مثل هذه القراءات الخالية من رواية المصحف المعهودة لنا تخلص فيما يلي:

ـ أن يكون ثمة راوٍ روى عن حفص هذه القراءات وما ناظرها، وذلك الراوي وصلت قراءته إلى هؤلاء المفسرين، ولم تصل إلينا.

ـ أن تكون هذه القراءات جاءت نتيجة خطأ من المفسّر، وهو أقل الاحتمالات.

ـ قد تكون بعض هذه القراءات نتيجة خطأ من الناسخ.

ـ أن يكون هؤلاء المفسرون قد اعتمدوا على رواية أبى فحسب، وأطلقوا عليها "قراءة عاصم"، وهذا أقرب الاحتمالات إلى التصديق. وعلى كل فلن يجزم الباحث برأي إلا في ختام البحث لعله يرشد إلى الصواب.


التمهيــد

المبحث الأول: تاريخ القرآن وقراءاته

المبحث الثاني: ترجمة لعاصم وحفـص

المبحث الأول: تاريخ القرآن وقراءاته

لعل من نافلة القول أن القران قد نزل منجماً على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثلاث وعشرين سنة؛ لتستعد القوى البشرية لاستقبال هذا الفيض الإلهي والامتثال لأوامره واجتناب نواهيه، وليس ثمة خلاف على أن أول ما نزل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق..)، وليس ثمة اتفاق على أن خاتمته قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتلو آياته على صحابته تلو نزولها، وكانوا يتلونها في مختلف عبادتهم.


هذا.. وقد تجردت طائفة من الصحابة لكتابة بعض آيات القرآن، وأولئك الذين عرفوا بـ (كتبة الوحي)، وفي مقدمتهم عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وغيرهم.


وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعرض ما معه من القرآن على جبريل كل عام، وفي العام الأخير لحياته عرضه مرتين، وهى العرضة التي أمر عثمان بعد ذلك باتباعها قراءةً ورسماً.


وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتلى عليه ـويتلوـ بعض كلمات القرآن بلهجات متعددة متباينة بلا تناقض في دلالتها تيسيراً على أهل تلك اللهجات، ولعل صادق ما يدلك على هذا قصة عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم؛ حيث سمع عمر هشاماً يقرأ سورة الفرقان بقراءة لم يسمعها عمر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فانتهى أمرهما إلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأقـرّ كلاً على قراءته قائلاً: (أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شافٍ كافٍ)، وفي رواية (فاقرأوا ما تيسَّر منها).


وللباحث وقفة بصدد هذا الحديث؛ ليبدى رأيه فيما قيل في تفسيره، إذ إن القدماء قد اضطربوا في تفسير هذا الحديث، وسلكوا في ذلك مسالك شتي، وأولوا تأويلات لا تكاد تحصي، وأبـوا إلا أن يضفوا على الحديث ما لا حاجة له من تأويلات وتفسيرات ولا مجال هنا لبثّ تلك التفسيرات؛ فذلك مبثوث في مظانه المتقدمة والمتأخرة.


ويفسر د.إبراهيم أنيس سبب اضطراب المفسرين بأنهم خلطوا بين الأحرف السبعة والقراءات السبع التي سبعها ابن مجاهد، والباحث يرى أن تأويلات العلماء وتفسيراتهم قد بدأت قبل ابن قتيبة -أو به- حيث ذكر بعض تلك التفسيرات في مشكله، وقد توفي ابن قتيبة 276 هـ أي قبل أن يسبع ابن مجاهد سبعته، حيث ألف كتابه في مطلع القرن الرابع، وهذا ينفي الصلة بين الأحرف السبعة وسبعة ابن مجاهد من حيث تفسيرات العلماء، ولعل سبب هذا الاضطراب راجع إلي أن العلماء قد حاولوا أن يستخرجوا من القراءات ما يتفق والحديث.


أمَّا عن تفسير الحديث فإن الأحرف السبعة ما هي إلا لهجات أقـرّها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأن لفظ (سبعة) لا يشير إلي العدد ذاته، إنما هو دلالة على الكثرة والكمال؛ يقول الرافعي: "المراد بالأحرف السبعة اللغات، تختلف بها لهجات العرب، ولفظ (سبعة) ما هو إلا رمز إلي ما ألفوه من معني الكمال".


هذا وقد توسع د. أنيس في معني التيسير الذي يهدف إليه الحديث، إذ يرى أن الأحرف السبعة ليست مقصورة علي اللهجات العربية، بل تتسع فتشمل جميع لهجات المسلمين في بقاع الأرض، وهذا رأي مقبول من حيث إنه يمثل نموذجاً للتيسير الذي نعت به الدين الإسلامي، إلا أنه يدفعه كون القرآِن معجزة في لغته الفصحى؛ ومن ثم ينبغي النظر فيه.


من ناحية أخري فإن ثمة من رفض وجود أدني صلة بين الأحرف والقراءات، ومن أولئك د.طه حسين؛ إذ يقول: "وليست هذه القراءات بالأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن، إنما هي شئ وهذه الأحرف شئ آخر..


والحق أن ليست القراءات السبع من الوحي في قليل ولا كثير، إنما هي قراءات مصدرها اللهجات واختلافها"، ولعل طه حسين في رأيه هذا متأثر بابن جرير الطبري؛ حيث ذكر أن "اختلاف القراء فيما اختلفوا فيه من رفع حرف ونصبه وجره وتسكين حرف وتحريكه ونقل حرف إلي آخر مع اتفاق الصورة عن الحديث بمعزل".


فالطبري يري أن كل ما يحتمله الخط من قراءات لا يدخل في نطاق الأحرف، وهذا المعني نجده عند طه حسين؛ حيث يذكر أن المقصود بالأحرف السبعة سبع لغات مختلفة في الكلمة؛ في لفظها ومادتها مثل: قراءة ابن مسعود (زقية) بدلا من (صيحة)، أما هذه القراءات التي تختلف في القصر والمد وفي الحركة والسكون وفي النقل والإثبات وفي حركات الإعراب فليست من الأحرف في شئ؛ لأنها اختلاف في الصورة والشكل لا في المادة واللفظ، وقد اتفق المسلمون على أن القرآن أنزل على سبعة أحرف؛ أي على سبع لغات مختلفة في ألفاظها ومادتها.


ويبدو أن د.طه حسين لم يستقر على رأيه هذا عادلاً عنه؛ حيث ذكر في موضع آخر أن المسلمين قد قرأوا بالأحرف السبعة حتى جمع عثمان المصحف وأحرق ما عداه من الصُحُف، وبالتالي مُحيت أحرف ستة، وبقى حرف واحد، هو الذي اختلفت فيه لهجات القراء.


فالصلة بين القراءات والأحرف في رأي طه حسين أن القراءات حرف واحد من الأحرف السبعة، وعلى شاكلة طه حسين يقول أحد المعاصرين: "إن القراءات إنما هي حرف واحد من الأحرف"، وهذا رأي يلقى قبولاً لدى الباحث، بيد أنه يصعب التدليل على كون القراءات حرفاً واحداً من الأحرف السبعة، وإنما هي بعض منها يصعب تحديده، وهذا رأي معظم العلماء.


الجمع الأول للنص القرآني:

ظل الصحابة يقرأون القرآن كما تلقوه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شفاهة طيلة حياته ومن بعد مماته حتى استحر القتل بالقرّاء في حروب الردة، فأمر أبو بكر ـبدافع من عمرـ بجمع القران لضمان سلامة النص، فتمّ ذلك لهم، وأُودِعتْ الصُحُف عند أبى بكر حتى توفى ثم عند عمر ثم عند حفصة.. حتى حدث ما حدث من قتال في عهد عثمان.


الجمع الثاني للنص القرآني:

وقع اختلاف  بين المسلمين في تلاوة القران باتساع الفتوحات الإسلامية وتفرُقِ المسلمين في الأمصار، وبلغ الأمر ذروته حينما كان المسلمون من أهل الشام والعراق يغزون أذربيجان وأرمينية، حيث حدا الاختلاف بهم في القراءة أن يكفر بعضهم بعضاً، وكان معهم أبو حذيفة اليمان، فأسرع إلى عثمان وأخبره بما حدث، فأمر عثمان على التو بإحضار الصحف المودعة عند حفصة ونسخها في مصحف هو ما عُرف بالمصحف العثماني وقال للناسخين: "إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلسان قريش، فإنه نزل بلسانهم".


ويقف الباحث عند مقالة عثمان متسائلاً:

هل نزل القرآن بلغة قريش فحسب؟

ومن ثم فهي أفصح اللغات، ولماذا وصفت بأنها أفصح اللغات؟

وإن لم يكن هذا، فما دلالة هذه المقالة؟


والحق أن الباحث لا يستطيع أن يبدي رأيه إلا في ختام البحث، حيث يتبين له الخيط الأبيض من الأمر، وذلك من خلال تحليل الكلمات التي يقف بصددها بالدرس والتحليل، غير أنه يشير هنا إلى ما أورده ابن فارس في وسم لغة قريش بأنها أفصح اللغات، حيث يقول: "وكانت قريش مع فصاحتها وحسن لغاتها ورقة ألسنتها إذا أتتهم الوفود من العرب تخيروا من كلامهم وأشعارهم أحسن لغاتهم وأصفى كلامهم فصاروا بذلك أفصح العرب".


من خلال هذا النص يرى الباحث أن قريشا من حيث لهجتها الخاصة لم تكن أفصح العرب، وإن ما جعلها (أفصح العرب) أنها كانت مركز الجزيرة بها البيت الحرام يأوي إليه الناس من مختلف القبائل العربية؛ فكانت قريش تنتقي من كلامهم أحسنه وأفصحه؛ فاجتمع لها الأفصح، ولعل من خصائصها اللهجية التي تبعدها عن الفصحى تخفيف الهمز، إذ اللغة الفصحى تحقيق الهمز، وقد اكتسبت قريش هذه الخاصية من القبائل الأخرى كقبيلة (تميم) التي تتسم بهذه السمة.


ولعل ثمة رأيا يؤكد فيه صاحبه رأي الباحث، إذ يقول: "والذي أميل إليه أن قريشا كانت مثل غيرها من قبائل العرب تستخدم اللغة الفصحى، ولها لهجة خاصة بها، فيها ظواهر تفردوا بها عن غيرهم".


وبناء على مسبق يري الباحث أن لغة القرآن ليست قاصرة على لهجة قريش، وإنما لغته هي لغة أدبية نموذجية تمَكّن بها العرب في جاهليتهم من الحديث بعضهم إلى بعض، وهي لغة منتقاة من فصحي لهجات العرب جميعا، ولا تعود إلى قبيلة واحدة.


ولعل حديثا لأبي شامة يؤكد هذا الرأي يقول فيه:

"القرآن العربي فيه من جميع لغات العرب؛ لأنه أنزل عليهم كافة، وأبيح لهم أن يقرأوه على لغاتهم المختلفة، فاختلفت القراءات فيه لذلك".


ويقول أحد الباحثين:

"إنه يوجد في القرآن أكثر من خمسمائة جذر لغوي يعود إلى لغات متباينة متناثرة".


ويعتقد الباحث أن هذه اللغة الأدبية الراقية النموذجية آلت إلى قريش فاحتضنتها؛ لكونها مركزا للجزيرة العربية.


السماع والمشافهة أساس قبول القراءة:

ثبت أن عثمان كتب ثمانية مصاحف وأرسلها إلى الأمصار الإسلامية، ومع كل مصحف أرسل مقرئا يقرئ الناس؛ ليستمر السماع والمشافهة هما الأساس لقبول القراءة واعتمادها ؛ ومن ثم لم يعتمد المسلمون قط على خط المصحف.


وكان ممن أرسلهم عثمان إلى الأمصار أبو عبد الرحمن السلمي وزر بن حبيش، حيث أرسلهما إلى الكوفة، وعلى أيديهما تلقّي أهل الكوفة قراءاتهم.


وفي آخر عصر التابعين تجردت طائفة للقراءة والإقراء؛ حيث اعتنوا كثيرا بضبط التلاوة والأداء؛ فصاروا في ذلك أئمة يقتدي بهم ويرحل إليهم، ويؤخذ عنهم، فنسبت القراءة إليهم، وهم أبو جعفر ونافع في المدينة وابن كثير في مكة وابن عامر في الشام وأبوعمرو ويعقوب في البصرة وعاصم وحمزة والكسائي في الكوفـة.



الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الثلاثاء 01 يونيو 2021, 11:39 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب   الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Emptyالجمعة 22 أكتوبر 2010, 12:44 am

هل بين المصاحف العثمانية اختلاف؟!

هذا تساؤل ربما يثير الدهشة لو كانت الإجابة بالإثبات!

ولكن هذا ما تبيّن للباحث؛ حيث ثبت ثبوتا لاشك فيه أن بين المصاحف العثمانية اختلافا سمح باستيعاب القراءات المتواترة التي أقرّها عثمان، ويبدو هذا الاختلاف في المواضع التي لا يحتملها الخط، أعني بذلك مواضع الزيادة والحذف والتغيير، ومن ذلك قوله تعالي: (فتوكل) بالفاء، (وتوكل) بالواو، و(فإن الله هو الغني)، (فإن الله الغني) بإثبات الضمير وحذفه، ويبدو أن علماءنا السالفين قد لحظوا هذا الاختلاف؛ فألفوا في ذلك مؤلفات، منها (اختلاف مصاحف أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة) للكسائي.


ولعل هذا لا يخالف قول د.عبد الصبور شاهين:

"كل قراءة صحيحة لابد أن تتفق مع الرسم، فالرسم يسعها جميعا، وما لم يسعه فهو شاذ، لا يؤخذ به لا قراءة ولا احتجاجا"، فلعل مقصده من الرسم الجنس لا التوحيد، أي رسم جميع المصاحف الثمانية، وإلا فهذا القول مخالف لما انتهي إليه الباحث، ومن ثم فماذا يقول ـ مثلا ـ في قراءة حفص: (عملته) في سورة يس 35، حيث قرأها بالهاء، وهي من غير هاء في مصاحف الكوفة، وعليه قراءة الكوفيين سوي حفص؟!


ولعل ابن الجزري قد أشار إلى هذا الاختلاف حينما أرسي شروط قبول القراءة؛ فذكر عبارة (موافقة أحد المصاحف العثمانية) ولم يقل: "موافقة المصحف العثماني".


شروط قبول القراءة بين المناقشة والتحليل:

لعل من نافلة القول أن ابن مجاهد هو أول من أرسي مقياسا لقبول القراءة وكان مقياسه يتركز علي: (صحة السند ومطابقة الرسم وموافقة العربية)، وهذا المقياس من وجهة نظر الباحث كان ضيقا لا يستوعب القراءات المتواترة كلها؛ ولعل هذا ما جعل القراءات المتواترة لديه سبعا فحسب، تلك التي ألّف فيها كتابه.


ومن ثم فالباحث يرى أن القراءات التي نعتت بالشذوذ لم تنعت بذلك لضعف رواياتها أو لأنها تشتمل على ظواهر لهجية شاذة في اللسان العربي، وإنما لأنها خرجت عن سبعة ابن مجاهد، وربما تنبه ابن الجزرى إلى ضيق هذا المقياس، فتوسَّع فيه، ونلمس هذا التوسع في قوله: (كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً، وصح سندها، فهى القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردّها، بل هي من الأحرف السبعة ويجب على الناس قبولها، سواء كانت عن السبعة أو عن العشرة أو عن غيرهم"؛ ومن ثم أضاف ابن الجزرى ثلاث قراءات أخرى هى: قراءة أبي جعفر وقراءة يعقوب وقراءة خلف.


وللباحث وقفة مع هذه الشروط للمناقشة والتحليل.

ـ صحة السند:

أشار الباحث سلفا إلى أن السماع والمشافهة هما الأساس في قبول القراءة، ولم يعتمد المسلمون على الرسم قط، ويؤكد هذا ما روى عن أبى عمرو أنه قال: "لولا أنه ليس لي أن أقرا إلا بما قد قرئ لقرأت حرف كذا وكذا"، وسأله الأصمعي عن آيتين متماثلتين في الخط (وتركنا عليه) 108 و(وبركنا عليه) 113 من سورة الصافات كيف يُعرف نطقهما؟ فقال: ما يعرف ذلك إلا أن يسمع من المشايخ الأولين".


ويقول أبو عمرو الدانى: "وأئمة القراءة لا تعمل فى شئ من حروف القرآن على الأفشى فى اللغة والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر والأصح فى النقل، والرواية إذا ثبتت عندهم لا يردها قياس عربية ولا فشو لغة؛ لأن القراءة سنة متبعة، يلزم قبولها والمصير إليها".


ـ موافقة الرسم ولو احتمالا:

هذا شرط لقبول القراءة، فإذا ما خرجت عنه فهى شاذة، والرسم قد امتاز بميزتين جعلتاه يستوعب القراءات المقبولة كلها: إحداهما خلوه من النقط والأخرى خلوه من الشكل ـ أى الضبط الحركي ـ فضلا عن تناوب الألف والواو في الكتابة حينا وحذف الألف حينا آخر مثل (أصلوتك) و(ثمرت)، فهاتان الكلمتان يقرآن بالإفراد والجمع.


وربما ساعد ذلك بعض المستشرقين وغيرهم أن يُرجعوا تعدد القراءات واختلافها إلى طبيعة الرسم زاعمين أنها ليست من التشريع في شئ؛ هدفا إلى ضرب السنة، يقول الألماني جولد زيهر: "وترجع نشأة جزء كبير من هذه الاختلافات إلى خصوصية الخط العربي الذي يقدم هيكله المرسوم مقادير صوتية مختلفة تبعا لاختلاف النقاط الموضوعة فوق هذا الهيكل أو تحته وعدد تلك النقاط وكذلك اختلاف الحركات، فكانا السبب الأول في نشأة حركة اختلاف القراءات".


ولا شك أن هذا رأي واهٍ؛ إذ لم يعتمد المسلمون قط على الخط ، بل كانوا شديدي الحرص أن يكون سبيلهم إلى قبول القراءة سماعها، وكانوا يقفون بالمرصاد ضد من يشذ عن مقياسهم، ولعل موقفهم من ابن مقسم النحوي خير دليل على ذلك، فهذا العالم النحوي قد قرأ القرآن بحروف تخالف السند؛ اعتمادا على أنها لها وجه في العربية، ومن الكلمات التي قرأها مخالفا السند كلمة (نجيا) من قوله تعالى في سورة يوسف: (فلما استيئسوا منه خلصوا نجيًا)؛ إذ قرأها (نجبا) بالباء، وقد وصفه الرافعى بقوله: "فإن هذا الأحمق بقراءته هذه قد أزالها عن أحسن وجوه البيان العربي".


وكان جزاء هذه القراءة أن استدعاه الحاكم وأدَّبَهُ استتابةً، فتاب ورجع.


وإذا كان ثمة حاقدون، فإن هنالك المنصفين، ومنهم الطبيب الفرنسي (موريس بوكاى)، يقول: "لقد تمت عملية تحقيق النص بمنتهى الدقة؛ وذلك لضمان انتشار النص في نقائه الأصلي"، ثم يؤكد: "أن الخط والسياق يحتمل أكثر من قراءة في آيات كثيرة، ومع ذلك لم يقرأ بذلك القراء".


وهذا الرأي الحق يفاد منه معنى جميل يماثل قول ابن تيمية: "إنه لم يكن الاعتماد على الرسم إطلاقا، وإنما كان الاعتماد على السماع والمشافهة".


ـ موافقة العربية ولو بوجه:

اختلف النحاة في نظرتهم للقرآن وقراءاته، فمنهم من نظر للنص أيا كانت القراءة بوصفه نصا مقدسا حُجّةً على العربية، ولعل معظم أولئك من الكوفيين ، وآخرون أخضعوا النص للقواعد المستقاة من كلام العرب؛ مما حدا بهم إلى وصف بعض القراءات بالخطأ، وتنكروا لبعض القراء، وكان معظم هؤلاء من البصريين.


ولعل حديثا للسيوطى يشير إلى ذلك، يقول فيه:

"كان قوم من النحاة المتقدمين يعيبون على عاصم وحمزة وابن عامر قراءات بعيدة في العربية، وينسبونهم إلى اللحن، وهم مخطئون في ذلك؛ فإن قراءاتهم ثابتة بالأسانيد المتواترة الصحيحة التي لا مطعن فيها، وثبوت ذلك دليل على جوازه في العربية، وقد رد المتأخرون كابن مالك على من عاب عليهم بأبلغ ردّ، واختار جواز ما وردت به قراءاتهم في العربية".


ومما تنكروا له من قراءات قراءة حمزة (تساءلون به والأرحام) بخفض الأرحام، وقراءة حفص عن عاصم (ثم ليقطع) و(ثم ليقضوا) 15و29 الحج بإسكان اللام.


ولعل موقف النحويين هذا جـرّأ المستشرقين على الطعن في كثير من القراءات والنيل منها متسترين بلباس البحث العلمي حينا وبالحقد الدفين والسهام المسمومة أحيانا، وهم في ذلك قد تنكبوا الطريق السوي ؛ فضلّوا وأضلّوا في بعض ما كتبوا ونقلوا.


ومن ثم كان ينبغي لأولئك النحاة أن يقدموا النص على أقيستهم المستقاة من كلام العرب؛ لأن (القياس يتضاءل عند السماع).


ولن يفرط الباحث في موقف النحاة من القراء وقراءاتهم، فهذا أمر قد أوفى من درس السابقين نصيباً موفوراً.


المبحث الثاني

ترجمـة موجـزة لـ(عاصـم وشـيـوخه ورواتـــه)

في هذا المبحث يترجـم الباحث بإيجاز لعاصم وشيوخه وتلامذته، ومنهم حفـص؛ فذلك أمر ضروري لخدمة البحث.


أولا: ترجمة موجزة لـ(عاصـم):

هو أبو بكر عاصم بن بهدلة أبي النجود الكوفي الأسدى، أحد القراء السبعة الخامس في ترتيب ابن مجاهد، كان شيخ الإقراء بالكوفة، حيث انتهت إليه رئاسة الإقراء بعد أبي عبد الرحمن السلمي، جمع بين الفصاحة والإتقان والتجويد، فكان أحسن الناس صوتا وأفصحهم، روي عنه قوله: "من لم يحسن من العربية إلا وجها واحدا لم يحسن شيئا".


أخذ القراءة عرضا عن أبي عبد الرحمن السلمي وزر بن حبيش وأبي عمرو الشيباني، وربما لم يتأثر بأبي عمرو كثيرا، حيث إنه لم تظهر قراءته على أحد من رواته، لأن لعاصم روايتين مشهورتين: إحداهما رواية حفص، وهي تعود إلى أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب، وهذه الرواية رواها عاصم عن أبي عبد الرحمن كاملة، لم يخالفه في حرف واحد.


أما الأخرى فهي رواية أبي بكر شعبة بن عياش، وهذه تعود إلى زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود.


ومما قيل عن عاصم قول أحمد بن حنبل:

"إنه رجل صالح ثقة خير"، وقد سُئِلَ: أي القراءات أحب إليك؟ فقال: "قراءة أهل المدينة، فإن لم تكن فقراءة عاصم"، وفي رواية (أهل الكوفة يختارون قراءته وأنا اختارها).


هذا.. وقد اختلف في سنة وفاته ما بين سنة 120 و127 و128 و129هـ وقد رجح صاحب الطبقات أن وفاته كانت سنة تسع وعشرين ومائة.


وهذه الترجمة الموجزة لعاصم يخرج منها الباحث بالآتي:

ـ أنه أسدى كوفي.

ـ تلقى قراءته عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب، وهذه القراءة هي الموضحة في رواية حفص.

وله قراءة أخري تلقاها عن زر بن حبيش عن ابن مسعود، وهي الموضحة في رواية أبي بكر.

ـ ترتيبه عند ابن مجاهد الخامس، وهذه المنزلة لا تنقص من قراءته، بل لا تعطي لسابقيه أفضلية، فربما جاء هذا الترتيب على أساس أن ابن مجاهد أراد أن يبدأ سبعته بأهل الحرمين تعظيماً لمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- ومهجره، ثم اختار أبا عمرو؛ لانفراده في البصرة وكذلك ابن عامر إلا أنه قدم الأول ـربماـ لأنه لغوي نحوي، وأرجأ عاصماً؛ ليكون خامسهم؛ لأنه كوفي، والكوفة تحفل بثلاثة من القراء: عاصم وحمزة والكسائي، والأخير متأخر، فأراد أن يجمع بينهم، فلعل هذا هو السبب في إرجاء عاصم إلى المرتبة الخامسة.


ـ يشكّك الباحث في الرواية المنسوبة لابن حنبل:

(أحب القراءات إلي قراءة أهل المدينة، فإن لم تكن فقراءة عاصم)؛ لأنها تفضي بنا إلى المفاضلة بين القراءات، والمفاضلة يفاد منها الاجتهاد فيما لا يجوز فيه الاجتهاد، ومن ثم يكاد الباحث يستبعد أن تنسب هذه المقالة لابن حنبل العالم الفقيه، ولعل استبعاد هذه الرواية يؤكد صحة الرواية الأخرى (أهل الكوفة يختارون قراءته وأنا أختارها).


هذا.. وقد لمس الباحث أن فريقا من العلماء قد نهجوا نهج المفاضلة بين القراءات، ولعل من أولئك الفراء ـ في معانيه ـ وقد تأثر به الطبري؛ حيث نجده في تفسيره يقول: (وهذه القراءة أحب إلى) و(أعجب القراءتين إلىّ قراءةُ)، وسوف يشير الباحث إلى ذلك في مواضعه من البحث.


كذلك الأمر بالنسبة للطنافسي البغدادي، إذ ينقل عنه ابن الجزرى أنه قال: "من أراد أفصح القراءات فعليه بقراءة عاصم، ومن أراد أحسن القراءات فعليه بقراءة أبي عمرو، ومن أراد الأصل فعليه بقراءة ابن كثير".


وعلى الشاكلة نفسها مكي بن أبي طالب، إذ يقول:

"أصح القراءات سندا نافع وعاصم، وأفصحها أبو عمرو والكسائي" ، وهذه المفاضلة تتضح كثيرا في كتابه الكشف، وسيذكر الباحث نماذج من ذلك في غير موضع من البحث.


والقراءات سنة متبعة، لا فضْل لإحداها على الأخرى، ومن ثم نختلف مع هؤلاء العلماء، وكان ينبغي لهم ألا ينهجوا هذا النهج، بل كان عليهم أن ينهجوا نهجا آخر، كما فعل ثعلب، إذ يقول: "إذا اختلف الإعربان في القراءات لم أفضل إعرابا على إعراب، فإذا ما خرجت إلى كلام الناس فضلت الأقوى".


وعلى شاكلة ثعلب كان النحاس، حيث يقول:

"السلامة عند أهل الدين أنه إذا صحت القراءتان ألا يقال: إحداهما أجود؛ لأنهما جميعا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيأثم من قال ذلك".


ثانيا: شيوخ عاصم:

ـ أبو عبد الرحمن عبد الله السلمي أرسله عثمان إلى أهل الكوفة يقرئهم القرآن على مصحف عثمان، فصار مقرئ الكوفة، أخذ القراءة عرضا عن عثمان بن عفان وعلى بن أبي طالب وأُبيّ بن كعب وزيد بن ثابت، ولد في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتوفي سنة 74 هـ


ـ زر بن حبيش: هو كوفي أسدي، أخذ القراءة عرضا عن عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود، توفي سنة 82 من الهجرة.


ولا ريب أن كل الشيوخ قد قرأوا  على رسول الله صلى الله عليه وسلم.


ويقف الباحث تجاه هذه الترجمة لشيوخ عاصم وقفتين:

إحداهما: أن أبا عبد الرحمن السلمي من قبيلة بني سليم، وهي قبيلة من قبائل غرب الجزيرة، وكل الشيوخ الذين قرأ عليهم حجازيون، وهذا يفيد أن السمات اللغوية التي تتسم بها هذه القراءة سمات حجازية، وبالتالي فالظواهر اللغوية التي في قراءة حفص عن عاصم ظواهر شائعة في اللغة الحجازية.


والأخرى:

أن زر بن حبيش من قبيلة أسد، وهي قبيلة من قبائل شرق الجزيرة ـ تلك القبائل البدوية ـ وقد قرأ على ابن مسعود الهذلي، وقبيلة هذيل تقع في بادية الحجاز ، تتسم لغتها بسمات البدو اللغوية التي تبدو جلية في قراءة أبي بكر عن عاصم.


ثالثا: رواة عاصم:

ذكر ابن الجزري عددا غير قليل تلامذة لعاصم، منهم حفص وأبو بكر وأبان بن تغلب وهارون بن موسى الأعور وسليمان بن مهران الأعمش وسهل شعيب وآخرون.


هذا.. وقد اختار العلماء لعاصم من رواته راويين فحسب هما: حفص بن سليمان الأسدى ، وأبو بكر شعبة بن عياش ت 193 هـ ، وقراءته هي رواية عاصم عن زر بن حبيش عن ابن مسعود.


رابعا: ترجمة موجزة لـ(حفص):

هو حفص بن سليمان بن المغيرة أبو عمرو الأسدى الكوفي، ولد سنة 90هـ وتوفي سنة 180 هـ ، وهو ربيب عاصم، أي ابن زوجته.


أخذ القراء عرضا وتلقينا عن عاصم ، وأقرأ بها في الكوفة وبغداد ومكة.


وقراءته هي الرواية التي رويت عن عاصم عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي ابن أبي طالب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، يؤكد هذا ما نقله ابن الجزري عن عاصم، أنه قال لحفص: "أقرأتك بما أقرأني به أبو عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب و أقرأت أبا بكر بما أقرأني به زر بن حبيش عن ابن مسعود".


ولم يخالف حفص عاصما إلا في كلمة (ضعف) الروم54، فبينما قرأ عاصم بفتح الضاد، وقرأ حفص بالفتح والضم، فالأول عن عاصم والثاني للأثر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والفتح هو النطق الذي أخذ به مصحف القاهرة.


رابعا: رواة حفص:

روى عن حفص عرضا وسماعا عدد غير قليل ذكرهم ابن الجزري  منهم: حسين بن محمد المروذي وحمزة بن القاسم الأحول وسليمان بن داود الزهراني وحمدان بن أبي عثمان الدقاق والعباس بن الفضل وعمرو بن الصباح وعبيد ابن الصباح وهبيرة بن التمار وغيـرهم.


هذا.. وقد اختار العلماء لحفص من رواته راويين:

أحدهما عبيد بن الصباح ت 219 هـ وهو كوفي مقرئ ضابط، والآخر عمرو بن الصباح ت 221 هـ وهو بغدادي مقرئ ضابط، وهما ليسا بأخوين.



الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الثلاثاء 01 يونيو 2021, 11:57 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب   الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Emptyالجمعة 22 أكتوبر 2010, 12:59 am

الباب الأول

دراســة البنيــة

لقد خصص الباحث هذا الباب لدراسة البنيـة، وهو يحتوي ثلاثة فصول هي:

ـ الفصل الأول : الأسس الصوتية لبعض التغيرات الصرفية: وفيه يتحدث الباحث عن المؤثرات الصوتية التي تؤثر في شكل الكلمة أو بنيتها؛ إذ ثمة صلة بين الصوت

phonetic والبنية morphology، فلا يمكن دراسة البنية بمعزل عن الصوت،


ومن ثم تناول الباحث الأسس الصوتية التي قد تؤثر في بنية الكلمة أو شكلها، وهي:

ـ الانسجام الصوتي أو المماثلة الصوتية .

ـ الفتح والإمالة .

ـ الهمز بين التحقيق والتسهيل .

ـ ياءات الزوائد حذفا وإثباتا .

ـ ياءات الإضافة إسكانها وتحريكها .

وجدير بالذكر أن الأساس الأخير الخاص بـ(ياءات الإضافة) ليس له أثر صرفي، وإنما أضافه الباحث اتباعا لياءات الزوائد؛ حيث تجمع بينهما كل الكتب التي ألفت في علم القراءات. ثم يأتي بعد ذلك تعليق على الفصل كله ، يضم بعض النتائج التي انتهى إليها الفصل.


أما الفصل الثاني فقد خصصه للفعل (دراسة في الشكل والبنية)، ويشمل أربعة مباحث مختومة بتعليق عليها، والمباحث هـي:

ـ الضبط الحركي لـ (( فاء وعين )) الفعل .

ـ التشديد والتخفيف .

ـ المجرد والمزيد .

ـ اسم الفعل بنيته ودلالته .


وأما الفصل الثالث فقد عنون بـ (الاسم دراسة في البنية والدلالة)، ويشمل ستة مباحث مختومة بتعليق عام عليها، والمباحث هـي:

ـ الضبط الحركي والأثر الدلالي.

ـ التشديد والتخفيف.                  ـ التذكير والتأنيث.

ـ الإفراد والجمع.                    ـ الممنوع من الصرف.

ـ المصادر والمشتقات.


الفصل الأول

الأسس الصوتية لبعض التغيرات الصرفية

يشمل هذا الفصل:

الانسجام الصوتي

الفتــح والإمالــة

الهمـز تحقيقا وتسهيـلا

ياءات الزوائـد حذفا وإثباتـا

ياءات الإضافـة فتحـا وإسكانـا


الانسجام الصوتي (ASSIMILATION):

هذا المصطلح يعني الإتباع أو المجانسة أو المضارعة أو التقريب، أي تقريب صوت من صوت ، ويسمى في ضوء الدرس الصوتي الحديث بالتماثل أو المماثلة  Assimilation ، ودلالتها تأثر صوت بصوت ؛ صامتا Consonant كان أو صائتا Vowel ، فإن أثر الصوت فيما بعده فالمماثلة تقدمية Progressive ، وإن حدث العكس فالمماثلة رجعية Regressive Assimilation  .


والانسجام الصوتي ـ أو المماثلة الصوتية ـ مظهر من مظاهر التخفيف والتسهيل في الكلام، اتسمت به بعض القبائل العربية؛ ربما كان معظمها من قبائل شرق الجزيرة، تلك القبائل البدوية ؛ لأن البدوي بطبعه يميل إلى الاقتصاد في المجهود العضلي عند النطق، أما القبائل المتحضرة المتمثلة في قبائل غرب الجزيرة فقد حافظت على الأصل في النطق؛ لأنها تميل إلى التأني والهدوء في النطق، والدليل على ذلك كسر هاء ضمير الغائب بعد ياء أو كسرة، فقد قيل: إن الضم الأصل، والكسر جاء اتباعا، والضم لغة الحجاز .


ويرى الباحث أنه لا تفاضل بين اللغتين ، فكلتاهما سمة يوسم بها ناطقوها وهي فصيحة لديهم ، وبهما نزل القرآن ، وقد سجلتهما لنا قراءة حفص ، غير أن السيطرة كانت للغة الانسجام ، فكل مواضع هذا الضمير في كل القرآن قد جاءت على لغة الانسجام إلا في موضعين هما: (أنسانيه إلا) الكهف 63 و(عليه الله) الفتح 10، حيث قرأهما حفص بالضم.


هذا . . وثمة كلمات كثيرة قد جاءت على لغة الانسجام في قراءة حفص ، وأخرى قد جاءت على الأصل ، ويسوق الباحث نماذج من هذه ، وأخرى من تلك .


أولا: ما على الانسجام:

من الكلمات التي حدث فيها انسجام أو تماثل أو مماثلة:

ـ نِعمّا: في قوله تعالى (( إن تبدوا الصدقات فنعما هي )) البقرة 271، حيث قرئ بكسر النون والعين وبفتح النون وكسر العين وبكسر النون وإسكان العين، وكسر النون والعين قراءة حفص ، وقد احتج العلماء للقراءات السابقة، فذكر سيبويه أن كسر العين لغة هذيل، وهى على لغة كسر العين لا إسكانها ، وقد تبعه الرأي مكي وأبو حيان ، وكسر النون اتباعا لحركة العين ، وذكر ابن خالويه أن الأصل (نعم) بكسر النون وإسكان العين ؛ لتوافق (بئس) ، وماثله الرأي القرطبي، وذكر أنها اللغة الجيدة؛ وكسرت العين لالتقاء الساكنين . وفي ضوء الدرس الصوتي الحديث يرجح الباحث أن الأصل فتح النون وكسر العين وإنما كسرت النون نتيجة مماثلة رجعية ، وكسر النون أفصح اللغات ؛ لأنها مكسورة في قوله تعالى: ( نعم العبد) .


ـ يضركم: في قوله تعالى (( وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا )) آل عمران 120 قرئ بضم الراء مشددة وكذلك بفتحها وبإسكانها خفيفة، والضم قراءة حفص ، وقد اختلف العلماء في كون الفعل مرفوعا على نية التقديم أو في موضع جزم ، والأصل فيه "يضرركم"، ثم نقل حركة الراء إلى الضاد، وأدغم الراء في الراء، فالتقي ساكنان، فتحركت الراء المشددة ، وكانت الحركة الضمة ؛ اتباعا وانسجاما لحركة الضاد، ومن ثم فالضمة حركة نطق لا حركة إعراب ، وهذا ما يرجحه الباحث؛ حيث يفيد الدرس الصوتي الحديث أن ضم الراء قد جاء نتيجة التماثل التقدمي؛ حيث أثرت حركة الضاد على حركة الراء ، فتماثلت ضمة مثلها.


ـ يهِدِّي: في قوله "أمن لا يهدي" يونس 35 قرئ بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال وبفتح الياء والهاء وتشديد الدال وبفتح الياء وإسكان الهاء وتخفيف الدال وبكسر الياء والهاء وتشديد الدال ، وفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال قراءة حفص.


ـ يخِصِّمون: في قوله "وهم يخصمون" يس 49؛ حيث قرئ بكسر الخاء وتشديد الضاد وبفتح الخاء وتشديد الصاد وبإسكان الخاء وتخفيف الصاد وكسر الخاء وتشديد الصاد قراءة حفص .


وفي تحليل العلماء لقراءة حفص لهاتين الكلمتين صرفيا ذكر سيسويه أن "يهدي ويخصمون" أصلهما يهدي ويخصمون وقد حدث إدغام ، وهو أقوي لأن التاء والدال من مخرج واحد ، وتقرب المخرجين بين التاء والصاد ، والبيان عربى حسن ، وذكر ابن خالويه في تحليل "يهدي" ـ وكذلك مكي ـ أنه حذف الحركة واسكن التاء، فالتقي ساكنان؛ سكون الهاء وسكون الدال المشددة بعد قلب التاء دالا؛ فكسرت الهاء لالتقائهما ، وذكر الطبري أن كسر الهاء؛ استثقالا للفتحة بعدها كسرة في حرف واحد  وأضاف أبو شامة أن الكسر أنسب للياء قبلها ، والكسر لغة سفلي مضر .


كذلك الامر بالنسبة لـ "يخصمون" فقد ذكر النحاس أن الأصل يختصمون، وأدغمت التاء في الصاد ، فكسرت الخاء لالتقاء الساكنين ، وقال القرطبي: كسر الخاء اتباعا مثل "يهدي" ، والكسر أجود وأكثر .


والباحث يرجح رأي القرطبي ـ ومن ماثله الرأي ـ حيث أن الدرس الصوتي الحديث يؤكد سلامة رأيه ، فكسر الهاء والخاء جاء نتيجة التماثل الرجعي ؛ حيث أثرت حركة الدال والصاد على حركة الهاء والخاء ؛ فتماثلت كسرة مثلها.


كذلك من الكلمات التي خالف شكلها بنيتها نتيجة الانسجام أو التماثل الصوتي: (عتيا وصليا وجثيا) من الآيات 8 و70 و 72 من سورة مريم، حيث قرئت هذه الكلمات بكسر الأول وضمه.


والكسر قراءة حفص ، والضم هو الأصل، والكسر جاء اتباعا ؛ ليكون عمل اللسان من وجه واحد؛ لأن اسم الفاعل من "عتيا وجثيا" عاتو وجاثو ـ بكسر العين ـ إذ إنه من يعنو ويجثو، ثم انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، كما قالوا: غاز والأصل: غازو؛ لأنه من (يغزو)، فأصبح اسم الفاعل الواحد "عاتٍ وجاثٍ وصالٍ" فجاء الجمع على وزن فعول تاليا للواحد، فصار "جثى وعتى وصلى" فكسرت عين فعول لكسرة الياء، ثم كسر الأول اتباعا له ، وذكر القرطبى أن الأصل الضم؛ لأن المصدر "عتوا" من ذوات الواو، من: (عتا يعتو عتوا)، فأبدلوا الواو ياء؛ لأنها أختها وأخف . وقيل: الضم والكسر لغتان .


ولا خلاف بين آراء العلماء، فالأصل الضم؛ لأنه فعول، وقلبت الواو ياء؛ لثقل الواو وخفة الياء؛ ولتناسب الكسرة قبلها، ثم قلبت ضمة الفاء كسرة؛ تماثلا مع الياء بعدها. ولم يكن هذا قانونا عاما في كل القبائل العربية، وإنما كان خاصا ببعض القبائل دون بعض، فثمة قبائل تستعمل الأصل، وأخرى تميل للانسجام تخفيفا، فأصبح الانسجام لغة ثانية، ومن ثم فالانسجام مظهر من مظاهر التطور اللغوى نحو التخفيف.


ثانيا : ما جاء على الأصل:

يعرض الباحث لمجموعة من الكلمات  التى جاءت على أصل بنيتها فى اللغة:

ـ بكيا: في قوله تعالى: "خروا سجدا وبكيا" مريم 58 ؛حث قرئ بضم الياء وبكسرها، والضم قراءة حفص ، وهو الأصل ، أما الكسر فقد جاء انسجاما، تماثلا رجعيا.


ـ بيوت : البقرة 189 والمائدة 109 وما على وزنها في كل القرآن من صيغة (فعول) مثل: (جيوب) النور 31 و(عيون) و(شيوخا) غافر 67 وغيرها .. حيث قرئت هذه الكلمات بضم الفاء وبكسرها، والضم قراءة حفص ، وهو الأصل ، بل قال الزجاج : وأكثر النحاة لا يعرفون الكسر وهو ردئ عند البصريين؛ لأنه ليس في كلام العرب "فعول" بكسر الفاء .


والباحث لا يؤيد رأي البصريين في وصفهم لغة الكسر بالرداءة؛ لأنه لغة فصيحة أكد القرآن على فصاحتها؛ والقراءة سنة متبعة.


وبعد .. فقد تبيّن للباحث بعد هذا العرض أن الانسجام الصوتى لغة ثانية عرفتها القبائل العربية واستعملتها بهدف التخفيف، ولم تستأثر به قبيلة دون أخرى، ومن ثم يخالف الباحث من ذهب إلى أن الانسجام سمة من سمات لغة القبائل البدوية فحسب؛ لأن قراءة حفص قد حفظت لنا هذه اللغة في مواضع غير قليلة، وهي قراءة حجازية، فهذا يؤكد أن لغة الحجاز قبائل غرب الجزيرة اتسمت بهذه السمة، وقد اكتسبتها من لغة البدو شرق الجزيرة وبخاصة تميم. وهذا يؤكد لنا من ناحية أخرى أن القرآن لم ينزل بلهجة قريش الخاصة، وإنما بلغة أدبية راقية، احتضنتها قريش بعد اكتسابها بعض سماتها من القبائل الأخرى، من هذه السمات الانسجام الصوتى.


الفتـح والإمـالة:

الفتح يعنى النطق بالصوت مفتوحا مفخما على أصل وضعه في اللغة؛ ومن ثم يسمى "التفخيم"، أما الإمالة فهي الميل بالفتحة نحو الكسرة، والألف نحو الياء لضرب من التجانس ، وذكر العلماء أن الفتح لغة الحجاز، والإمالة لغة تميم وقيس وأسد.


ويري الباحث أن هذا لا يمنع من شيوع الإمالة في قبائل غرب الجزيرة  وإن لم يكن بالقدر الذي جعل ابن الأنباري يقول: "الإمالة لغة الحجاز ومن جاورهم من بني تميم"، فربما كان هذا القول مبالغا فيه، والدليل على ذلك أن قراءة حفص وهي قراءة حجازية قد آثرت الفتح في كل القرآن ما عدا موضعا واحدا، أمالت فيه ، وهو كلمة مجراها في قوله تعالى: "بسم الله مجراها ومرساها" هود 41 وسيعرض الباحث لذلك فيما بعد.


ـ بين الأصالة والفرعية:

اختلف العلماء القدماء والمعاصرون في أي من الفتح والإمالة أصل ، فبينما ذهب معظم القدماء إلى أن الفتح أصل ، والإمالة فرع ؛ واستدلوا على ذلك بأنه يجوز تفخيم كل ممال ، ولا يجوز إمالة كل مفخم ، إضافة إلى أن الإمالة مظهر من مظاهر التخفيف ؛ لأن اللسان يرتفع بالفتح وينحدر بالإمالة ، والإنحدار أخف من الارتفاع ، ذهب بعض المعاصرين إلى أن الإمالة أصل والفتح فرع ؛ لجأت إليه قبائل غرب الجزيرة ؛ بهدف الاقتصاد في المجهود العضلي والتسهيل.


ويؤخذ من كلام القدماء أن الكسر أخف من الفتح ؛ حيث إن الإمالة أخف وربما كان هذا الرأي يحتاج إلى النظر ؛ لأن الفتح ـ كما هو معلوم لدي العلماء ـ أخف الحركات ، ومن ثم لا يسلم الباحث برأي القدماء هذا ، كما أنه لم يطمئن إلى الرأي الآخر الذي مؤداه أن الإمالة أصل والفتح تخفيف ؛ لأن الفتح هو اللغة المشهورة ، وهو لغة قريش ، وبه قراءة أهل الحرمين و حفص باستثناء كلامات معدودة.


ومن ثم يري الباحث أن كلا منهما أصل في موطنه ، سهل على لسان ناطقه، ولو أن الأمر مجرد تخفيف ؛ للجأوا جميعا إلى التخفيف أيا كان هو ، ولعل هذا ما جعل الباحث يطمئن إلى رأي د. عبد الفتاح شلبى بأصالة الفتح في بعض الحالات وأصالة الإمالة في حالات أخرى.


ـ موقف قراءة حفص من هذه الظاهرة:

الفتح والإمالة لغتان فاشيتان في اللهجات العربية ، وبهما نزل القرآن ؛ حيث جمع بينهما على مختلف قراءاته، أما لغة الفتح فقد كان لها القسط الأكبر من قراءات القراء، وأما لغة الإمالة فكل القراء أمالوا وإن تفاوتت الإمالة بينهم قلة وكثرة سوي ابن كثير المكي ، وأكثر القراء إمالة قراء الكوفة، ويجدر بالباحث هنا أن يشير إلى رأي إبراهيم أنيس في سبب ذلك؛ إذ يري أن انتشار ظاهرة الإمالة في قراءات أهل الكوفة يرجع إلى أن الكوفة كانت مهبط القبائل البدوية التي اشتهرت فيها الإمالة  وهذا سبب مقنع، غير أنه يثير تساؤلا: إذا كان هذا هو السبب فلماذا لم تنتشر الإمالة في قراءة حفص وهو كوفي؟!


وهذا مما دفع الباحث إلى القول بأن انتشار الإمالة في قراءات أهل الكوفة يرجع ـ في المقام الأول ـ إلى السند المتواتر المعتمد على السماع والمشافهة؛ إذ إن قراء الكوفة إلا حفصا قد تلقوا قراءاتهم عن زر بن حبيش الأسدي عن ابن مسعود الهذلي، وقبيلتا أسد وهذيل من القبائل المميلة ، أما حفص فقد تلقي قراءته عن عاصم عن أبى عبد الرحمن السلمي عن على بن أبي طالب، وهؤلاء حجازيو القراءة  ومن ثم اشتهرت قراءة حفص بالفتح ـ لغة الحجاز الأولى ـ ولم يمل فيما اشتهر عنه إلا في موضع واحد.


ولغة الحجاز مشهور عنها الفتح ، غير أنها تميل قليلا ، ولعل إمالة مجراها في قراءة حفص من ذلك القليل ، فهذه الإمالة للأثر ، وليست بدعا من حفص إنما هي متواترة عن عاصم عن أبي عبد الرحمن عن على بن أبي طالب ، ومن ثم يخالف الباحث الرأي القائل بأن حفصا من عادته مخالفة أصلة في بعض الكلمات ومن تلك الكلمات التي خالف فيها أصله إمالة مجراها .


وبالرغم من تأكيد العلماء على أن حفصا لم يمل إلا مجراها فإن د/عبد الفتاح شلبي ينقل لنا عن أبي عمرو الداني في كتابه (الموضح)  أن حفصا روى عن عاصم إمالة كلمات كثيرة منها: التوراة وبشري وأناة وأراكم وغيرها.


وهذا الأمر يثير تساؤلا: كيف تكثر الإمالة عن حفص وقراءته حجازية، وابن كثير لم يمل إطلاقا وقراءته حجازية؟!


من ناحية أخرى فإن الداني المنقول عنه النص ـ في كتاب آخرله هو التيسير ـ يذهب مذهب غيره، فيذكر أن حفصا لم يمل إلا مجراها ؛ ومن ثم فكيف نقبل نصا انفرد به الداني ـ فيما نعلم ـ ونسلم بصحته، وقد أكد العلماء على خلافه، بل خالفه صاحبه في مؤلف آخر؟!


وبعد هذا العرض ينتهي الباحث إلى أن الفتح والإمالة لغتان فاشيتان في اللهجات العربية، والفتح لغة قبائل غرب الجزيرة ، قبائل الحجاز ، ثم أضافت إليها الإمالة كلغة ثانية ، والإمالة لغة قبائل شرق الجزيرة ، وبهما نزل القرآن ، وجمع بينهما ؛ ليؤكد احترام كل لغات القبائل ، وأن ثمة توافقا وتداخلا بين قبائل شطري الجزيرة ، خلافا لما زعمه المستشرقون.


الهمـز تحقيقا وتسهيلاً:

بدءا يشير الباحث إلى أنه لن يتحدث عن هذه الظاهرة بوصفها ظاهرة صوتية، إنما يقتصر فحسب عما يمتّ إليها بصلة بالجانب الصرفي؛ حيث يعرض للكلمات التي يؤدي فيها تحقيق الهمز أو تركه إلى اختلاف صرفي دلالي إلا أن هذا لا يمنع أن يشير إشارة موجزة إلى انتشار الظاهرة في الجزيرة العربية بين القبائل.


لقد اختلفت القبائل العربية في تحقيق الهمز وتسهيله في بعض الكلمات، ويبدو هذا واضحا في لغة القبائل الحجازية لاسيما قريش، ولغة القبائل البدوية وبخاصة تميم؛ فبينما حرصت الأخيرة على الهمز  مالت الأولى إلى التسهيل أو ترك الهمز .


والهمز هو الأصل ؛ ومن ثم فهو اللغة الأولى، وتركه لغة ثانية، ويعده الباحث مظهرا من مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف، ويري الباحث أن ميل القبائل المتحضرة المتمثلة في قبائل غرب الجزيرة وتتمركزها قريش إلى الهمز راجع إلى اختصار عدد المقاطع الصوتية وانتقال موضع النبر؛ فمثلا كلمة (سأل) تتكون من ثلاثة مقاطع من النوع القصير، والنبر في هذه الحالة على المقطع الثالث من الآخر (س : ص ح)، فإذا ما خفّفنا الهمز اختصرت المقاطع الثلاثة إلى مقطعين: متوسط مفتوح وقصير، وانتقل موضع النبر إلى المقطع قبل الأخير (سا : ص م).


واللغة الأدبية النموذجية تميل إلى تحقيق الهمز، وهي اللغة الفاشية ، وقد اتسمت بها قراءة حفص؛ الأمر الذي يؤكد لنا شيوع هذه السمة في لغة الحجاز. ومن ثم يري الباحث أن الهمز هو اللغة الأولى وأن التسهيل لغة ثانية ، لجأت إليه قبائل الحجاز تخفيفا؛ ليتواءم مع تحضرها.


وقد حفظت لنا قراءة حفص نماذج قليلة ـتحصي عدداًـ من هذه اللغة، نشير منها إلى:

ـ ننسها : في: (ما ننسخ من آيه أو ننسها نأت بخير منها) البقرة 106، إذ قرئ (ننسها) و(ننساها) بالهمز، والأولى قراءة حفص، وترك الهمز له أثر صرفي دلالي؛ فبينما كانت الكلمة المهموزة من (أنسأ) بمعني التأخير صارت الكلمة الثانية من (أنسي) بمعني النسيان، وترك الهمز هنا أقوى، يؤكد هذا قوله تعالى: (سنقرئك فلا تنسي) .


ـ أرجه : في قوله تعالى (أرجه وأخاه) الأعراف 111 حيث قرئ (أرجئه) بالهمز، ومن غير همز (أرجه) وهي قراءة حفص، والأولى من (أرجأ) والثانية من (أرجى)، وهما لغتان في التأخير .


ـ هزوا وكفوا: في سورتي البقرة 67 والإخلاص 4 ، كل القراء قرأوها بالهمز إلا حفصا فقد قرأ بالتسهيل ، ولعل هذا ما دفع أبا شامة إلى القول: "إن من شأن حفص تحقيق الهمز أبدا، وإنما وقع له الإبدال في (هزوا وكفوا)؛ جمعا بين اللغات؛ لأن من عادته مخالفة أصله" .


وربما جاء التسهيل هنا نتيجة ضم الحرف الثاني، والضم هو الأصل، والإسكان تخفيفا، والضم يوجب قلب الهمزة حرفا من جنس الحركة، ولعل حديثا للمهدي يؤكد هذا الرأي؛ إذ يقول: "من أبدل الهمزة واوا ، فعلى مراعاة الأصل الذي هو الضم؛ لأن الهمزة إذا انفتحت وانضم ما قبلها أبدلت واوا" .


وبعد هذا العرض لهذه الظاهرة تبين للباحث أن الهمز يمثل اللغة الأولى وهو الأصل، وأن التسهيل لغة ثانية، ويعد مظهرا من مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف وهو سمة وسمت بها لغة القبائل الحجازية وفي مقدمتها لغة قريش، وقد جاءت قراءة حفص بلغة التحقيق إلا قليلا بلغة التسهيل.


وهذه النتيجة يترتب عليها أمران:

ـ أحدهما : سيطرة اللغة البدوية على قراءة حفص بالنسبة لهذه الظاهرة ، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى شيوع الهمز في اللغة الحجازية ، ويؤخذ من هذا أن اللغة الحجازية قد استعملت التسهيل فيما بين أهلها واستعملت الهمز لمخاطبة سائر العرب، وربما يدفع هذا الأمر إلى القول بأن لغة قريش هي اللغة الأدبية المشتركة التي يتخاطب بها مختلف قبائل العرب.


ـ والآخـر: أن ثمة تداخلا وتوافقا بين كتلتي الجزيرة العربية ؛ مما يدحض آراء المستشرقين الخاصة بتقسيم الجزيرة العربية إلى كتلتين : غربية وشرقية.


ياءات الزوائد حذفا وإثباتا :

مقصودنا بالياء الزائدة تلك الياء التي تنتهي بها الكلمة، وهذه الياء محذوفة من الرسم العثماني، وعلى الرغم من ذلك فقد اختلف فيها القراء حذفا وإثباتا ، ولعل في ذلك دليلا على أن الرسم لم يكن سببا في تعدد القراءات.


والإثبات لغة الحجاز وهو الأصل، والحذف لغة مشهورة للعرب؛ يقولون: جاءنى القاض ومررت بالقاض، فيحذفونها لسكونها ودلالة الكسرة عليها  وقد نسب البنا الدمياطى الحذف لقبيلة هذيل ، وكون الإثبات لغة الحجاز يفيد أن اللغة الحجازية كانت تتعلق بالصيغة كاملة ومن ثم نخالف (برجشتراسر) في قوله: "إن الكسرة الممدودة الانتهائية كانت تقصر في لهجة الحجاز" ، وهو يعنى بالكسرة الممدودة ياء المد وعلل د/الجندى ميل الحجازيين إلى الإتيان بالصيغة وافية أنهم أهل حضر، والحضرى غالبا ما يعنى بتحسين النطق حتى ينال ما يشتهى من طموح ومركز اجتماعى ؛ لهذا يعمد إلى وضوح الكلام وحسن الأداء .


أما حذف الياء فقد اختلف في تعليله العلماء؛ فبينما ذهب البصريون إلى أنه ضرورة، واستشهدوا بهذا الشاهد:

كفاك كف ما تليق درهما

جودا وأخرى تعط بالسيف الدما


ذهب الكوفيون إلى أن الحذف لغة.


ويرى الباحث أن رأى البصريين أن صح في الشعر إلا أنه يدفعه أن ليس في القرآن ضرورة ، وهذا لا يعنى تأييد الرأي الآخر، فكلاهما قابل للمناقشة، ويرى أن الحذف ربما يرجع إلى علة صوتية تتمثل في الإيقاع والانسجام الصوتي بين الكلمات داخل الآيات والتوافق الموسيقى بين الفواصل، ولعل هذا يبدو جليا في الآيات الأُوَل من سورة الفجر: "والفجر. وليال عشر. والشفع والوتر. والليل إذا يسر.." فالفواصل كلها تسير على نغمة موسيقية واحدة تبرز في أن الكلمات تحمل مقطعا صوتيا واحدا من النوع الطويل المغلق بصامتين.


والقرآن دوما حريص على إحداث نوع من الانسجام الموسيقى بين الآيات وفواصلها وربما كانت هذه الموسيقى أحد أسباب الأمر الإلهي: "إذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا"، وحفظا على الانسجام الصوتي والتوافق الموسيقى بين الآيات وفواصلها قد يضيف القرآن حرفا أو يحذف حرفا مخالفا بذلك القاعدة النحوية، فمما حذف منه حرف الفعل "يسر" الفجر4 ومما أضيف إليه حرف: كلمات "الظنونا، الرسولا، السبيلا" الفرقان 10، 66، 67.


فحذف الياء من " يسر " من غير جزم، وإضافة ألف للكلمات الثلاث الأخرى من غير علة نحوية مخالف للقاعدة التي توجب أن ينتهي الفعل "يسر" بالياء، وتنتهي الكلمات الثلاث الآخرى بإسكان الحرف الأخير في الوقف.


وإنما حدث هذا لتنسجم هذه فواصل الكلمات الثلاث مع فواصل الآيات الأخرى قبلها وبعدها.


ولعل سيبويه قد لحظ هذا الملحظ؛ إذ يقول: "وأما الأفعال فلا يحذف منها شي لأنها لا تذهب في الوصل في حال،  وجميع ما لا يحذف في الكلام وما يختار فيه ألا يحذف يحذف في الفواصل والقوافي، فالفواصل في قوله تعالى: (والليل إذا يسر)، (ما كنا نبغ)، (يوم التناد)، (الكبير المتعال)، والإثبات أقيس والحذف كثير جائز".


وهذه العبارة من سيبويه تفيد أن الإثبات أجود وأحسن استعمالاً، والحذف على الجواز.


تبين للباحث بعد هذا العرض أن الإثبات والحذف ظاهرتان لغويتان شاعتا في اللغة الحجازية، وقد ثبت أن الإثبات هو الأصل، وهذا يعنى أنه اللغة الأولى، وأن الحذف لغة ثانية، ويعد مظهرا من مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف، ولعل صادق ما يدلك على أن الحذف سمة من السمات اللغوية للقبائل الحجازية أن قراءة حفص قد اتسمت بهذه السمة، وأن لم تكن من سمات لغة الحجاز الخاصة، فقد اكتسبتها من لغة القبائل الأخرى؛ ولعل هذا مما جعل قريشا تحتضن اللغة المشتركة، حتى نسبت إليها؛ ويؤيد هذا قول عثمان: "إذا اختلفتم في شي، فاكتبوه بلسان قريش فإنه نزل بلسانهم".



الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 02 يونيو 2021, 12:18 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب   الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Emptyالجمعة 22 أكتوبر 2010, 1:07 am

ياءات الإضافة إسكانا وتحريكا:
ياء الإضافة ضمير يلحق الاسم والفعل والحرف، وله موقع إعرابي مع الثلاثة؛ فمع الاسم الجر كما في "عهدي"، ومع الفعل النصب كما في "بلغني"، ومع الحرف النصب كما في "إني" والجر كما في "لي"، والأصل فيها التحريك، وإسكانها تخفيفا .

وفي ضوء الدرس الصوتي الحديث يرى الباحث أن سبب التنوع بين التحريك والإسكان يرجع إلى المقاطع الصوتية ؛ فالإسكان يختصر عدد المقاطع ، حيث يجعل التحريك صوت  الياء يمثل مقطعا قصيرا ، على حين يجعله الإسكان حركة طويلة للصوت السابق ، فيكونان مقطعا صوتيا واحدا من النوع المتوسط المفتوح ، فمثلا كلمة "بلغني" تتكون من خمسة مقاطع قصيرة حال التحريك ، فإذا ما أسكنا الياء اختصرت المقاطع إلى أربعة ؛ رابعها متوسط مفتوح " ص م " ، واختصار عدد  المقاطع سمة من سمات التخفيف في اللهجات العربية ، وربما امتازت بها لهجات قبائل شرق الجزيرة وفي مقدمتها لهجة تميم.

قراءة حفص وهذه الظاهرة :
إن عدد الياءات التي تنوعت قراءتها ما بين الإسكان والتحريك مائة وخمس وسبعون ياء ، منها ثنتان وأربعون ياء جاءت في قراءة حفص متحركة بالفتح ، وسائر الياءات ساكنة ، وهذا ما يدفع إلى القول بأن لغة الحجاز قد شاعت فيها الظاهرتان إحداهما لهجتها الخاصة والأخرى اكتسبتها من لهجات القبائل الأخرى ؛ وذلك لأن قراءة حفص قراءة حجازية.

ويمكن تفصيل الياءات في قراءة حفص على النحو التالي:
ـ الياءات المتلوة بهمزة مفتوحة: وهذه ساكنة جميعا ما عدا موضعين: "معي أبدا" التوبة 83 و"معي أو رحمنا" الملك 28

ـ الياءات المتلوة بهمزة مضمومة: وهذه ساكنة جميعها؛ وربما كان الإسكان هنا تخفيفا؛ حيث إن الانتقال من الفتح إلى الضم يجهد الجهاز الصوتي.

ـ الياءات المتلوة بهمزة مكسورة: وهذه ساكنة جميعا ما عدا "أمي إلهين" المائدة 116 و"إن أجرى إلا" في كل المواضع، وربما كان الفتح في الأخيرة هروبا من توالى المقاطع المماثلة؛ لأن إسكان الياء بجعل التركيب مكونا من خمسة مقاطع من النوع المتوسط، في حين أن فتحها يجعل المقطع "رى : ص م" مقطعين قصيرين، وهذه سمة من سمات العربية ؛ إذ تكره توالى الأمثال ، فتتخلص من ذلك المكروه ؛ إما بالمخالفة وإما بالحذف ، والفتح هنا مخالفة.

ـ الياءات المتلوة بـ "أل" أداة التعريف: وهذه فتحها حفص في كل القرآن ما عدا    "عهدي الظالمين" البقرة 124، وإيثار الفتح هنا ربما كان عائدا إلى الحفاظ على النطق بالصيغة وافية ؛ لأن إسكان الياء وبعدهاصوت ساكن يؤدى إلى حذف الياء نطقا؛ تخلصا من التقاء الساكنين، وهذه سمة من سمات لغة الحجاز.

ـ الياءات المتلوة بهمزة وصل : وهذه ساكنة جميعها ؛ ولعل الإسكان تخفيف .

ـ الياءات المتلوة بأي حرف من حروف المعجم سوى ما سبق وجملتها في القرآن ثلاثون كلمة، وقد جمعت قراءة حفص فيها بين التحريك والإسكان؛ ولعل في هذا تأكيدا على افصحية اللغتين، وكلتاهما شاعت في اللغة الحجازية وبهما نزل القرآن.



ـ تعليق عـام :
ختاما لهذا الفصل يوجز الباحث أهم ما انتهى إليه من نتائج :
ـ الانسجام الصوتي سمة اتسمت بها القبائل العربية شرق الجزيرة وغربها، ولم تستأثر بها بعضها دون بعض .

ـ الفتح والإمالة ظاهرتان لغويتان شاعتا في القبائل شرقا وغربا، ولم تستأثر قبائل شرق الجزيرة بالإمالة، كما أنه لم تستأثر القبائل الحجازية بالفتح، بيد أنه غلب الفتح على لغة الحجاز، في حين اشتهرت القبائل البدوية بالإمالة .

ـ الهمز والتسهيل ظاهرتان لغويتان فاشيتان في اللهجات العربية، وربما يمثل الهمز اللغة الأولى ، والتسهيل أحد مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف.

ـ إثبات ياءات الزوائد وحذفها سمتان لغويتان شاعتا في اللغة الحجازية ، كما عرفتهما قبائل شرق الجزيرة.
ـ كذلك الأمر بالنسبة لياءات الإضافة إسكانها وتحريكها، غير أن السيطرة للغة الإسكان؛ حيث إنها تكاد تسيطر على قراءة حفص .

ـ ثمة تداخل وتوافق بين شطري الجزيرة العربية شرقا وغربا من حيث السمات اللغوية، مما يؤكد دحض مزاعم المستشرقين الخاصة بتقسيم الجزيرة كتلتين: شرقية وغربية، لكل منهما سمات خاصة تنفرد بها عن الأخرى.

الفصل الثاني
الفعـل دراسة في الشكل والبنية

يشمل هذا الفصل:
***********
ـ الضبط الحركي لـ "فـاء وعين" الفعل
ـ التشـديد  والتخـفيف في بـنية الفعل
ـ الفـعل بـيـن التــجـرد والزيـادة
ـ اسـم  الفـعل بـنـيـتـه ودلالــته

الضبط الحركي لـ( فاء وعين) الفعل :
في ضوء هذه الظاهرة يتناول الباحث الأفعال التي تنوعت قراءتها من حيث ضبط الفاء والعين محلّلها تحليلا صرفيا .

ـ فاء الماضي كسرا وضما :
يتوقف الباحث فحسب عند الفعل " مات " حال اتصاله بتاء الفاعل كما في قوله تعالى: "ولئن متم أو قتلتم لإلي الله تحشرون" آل عمران 158 و"ياليتنى مت قبل هذا" مريم 23 فقد قرى هذا الفعل بكسر الميم وبضمها، وقد حفظت قراءة حفص القراءتين، حيث جاء "متم"  بالضم و "مت" بالكسر .

وفي تحليل القراءتين ذكر المحللون أن الضم من "مات يموت"، وهذا يعني أن الضم يدل على أن المحذوف (واو) وهو مثل "قلت تقول" والضم أشهر وأفصح وأفشي في الاستعمال، وهو لغة سفلي مضر، أما الكسر فمن "مات يمات" مثل "خاف يخاف" والكسر لا يدل على نوع المحذوف، وإن دل فإنما يدل على أن  أصله كسر مثل "كلت تكيل وبعت تبيع"، ومن ثم فهو قليل في القياس، وهو لغة الحجاز .

ويمكن تفسير الظاهرة على أساس تداخل اللغات ، يقول ابن جني: "مت (بالكسر) تموت من فعل (بالكسر) تفعل (بالضم)، وهذه لغات تداخلت فتركبت" .

ومهما يكن من تفسير فإن الباحث يرى أن كلتا اللغتين فصحى ، وكلتاهما شاعت في اللغة الحجازية؛ لأن بهما جاءت قراءة حفص، وكانت السيطرة للغة الكسر، إذ وردت في تسعة مواضع، في حين ان لغة الضم لم ترد إلا في موضعين لا ثالث لهما.

ـ عين الماضى فتحا وكسرا :
فتحا :
من الأفعال التي تنوعت قراءتها ، وجاءت بالفتح في قراءة حفص :
ـ عسيتم : البقرة 246 ومحمد 22، حيث قرئ بفتح السين وكسرها ، والفتح والكسر لغتان، والفتح أشهر وهو الأصل، وهو لغة الحجاز، عليه أجمع القراء إذا لم يتصل بالفعل ضمير .

ـ مكث: النمل 22 قرئ بفتح الكاف وضمها، والفتح قراءة حفص ، وكلاهما لغة، والاختيار عند النحويين الفتح؛ لأن اسم الفاعل منه لا يجئ على فعيل، وقد جاء (ماكثون)، ومكث بالفتح مثل قعد ، وبالضم مثل ظرف .

2ـ كسرا :
يتوقف الباحث عند نموذج واحد :
ـ بـرق : في قوله تعالي: "فإذا برق البصر" القيامة 7، حيث قرئ بكسر الراء وبفتحها، والكسر قراءة حفص . وهما لغتان بمعني حار، وقيل: الفتح لمع وشخص ، ومنه برق السيف يبرق ـ بالضم ـ إذا لمع ، ومنه برق السيف يبرق ـ بالضم ـ إذا لمع ، ويقال : برق ـ بالكسر ـ بصره برقا ، وبرق ـ بالفتح ـ بروقا ؛ إذا تحير، فلم يطرف . ولعل الكسر لغة القبائل اليدوية شرق الجزيرة ، والفتح لغة الحجاز ؛ لأنه إذا اجتمعت حركتان في كلمة ، فأخفهما لغة الحجاز ، والفتحة أخف من الكسرة.



ومما يؤكد أن الكسر لغة القبائل اليدوية قول طرفة :
فنفسك فانع ولا نتمنى      وداو الكلوم ولا تبرق
بالفتـح ، وطرفة من قبيلة بكر إحدى قبائل شرق الجزيرة ، تلكم القبائل البدوية.



وكون قراءة حفص قراءة حجازية يفيد أن لغة الحجاز قد استعملت (برق) بالكسر؛ ومن ثم يمكن القول بأن الفتح لغة الحجاز الخاصة، والكسر لغة أخرى، وربما كان الفتح لغة متأخرة عن الكسر بهدف التخفيف.

ـ عين المضارع فتحا وكسرا وضما :
1ـ فتحا :

يعرض الباحث لمجموعة من الأفعال التي تنوعت قراءتها ما بين فتح العين وكسرها وضمها ، وكان الفتح سمة قراءة حفص :
ـ يحسب : البقرة 273 وآل عمران 178 والأعراف 30 ، حيث قرئ بفتح السين وبكسرها، والفتح قراءة حفص .

والفتح والكسر لغتان ، والفتح هو الأصل ، حيث يوجبه بناء ماضيه؛ لأن فعل ـ بكسر العين ـ مضارعه بفتح العين، كـ "علم بعلم"، ومن ثم هو الأقبس، وهو لغة تميم ، بل ذكروا أن الكسر شاذ ، قال ابن يعيش: "وما كان من فعل ـ بكسر العين ـ فإن كان متعديا، فالمضارع منه على وزن يفعل بفتح العين، وشذ عن ذلك أربعة أفعال "يحسب، ينعم، ييئس، ييبس" فإنها بالكسر ، وهذه الأفعال استعمل فيها الفتح والكسر ـ القياس والشذوذ ـ حتي صار الكسر فيها أفصح، والكسر لغة الحجاز  .

ويرى الباحث أن لهجة الحجاز قد استعملت اللغتين ؛ لأن الفتح قراءة حفص، وهي حجازية ـ والكسر لهجتها الخاصة؛ مما يؤكد أن ثمة تداخلا وتوافقا بين شطري الجزيرة العربية.

ـ يقسط : الحجر 56، إذ قرئ بفتح النون وبكسرها، والفتح قراءة حفص ، يقول د.أنيس: "صيغتا فعل ـ بالفتح ـ وفعل ـ بالكسر ـ هما أكثر الصيغ الماضية شيوعا في القرآن، فصيغة (فعل) بالفتح ورد عليها حوالي مائة وسبعة أفعال من الأفعال الصحيحة في مقابل أربعة وعشرين فعلا من صيغة (فعل) بالكسر، والقاعدة التي خضعت لها القراءة المشهورة في اشتقاق المضارع من هذه الأفعال هي المغايرة، فصيغة (فعل) بالفتح يقابلها (يفعل) بالكسر أو بالضم، أما صيغة (فعل) بالكسر فيقابلها (يفعل) بالفتح" .

أما الأفعال التي وردت في القرآن مفتوحة العين في الماضي والمضارع فلامُها أو عينُها من أحرف الحلق التي تؤثر الفتحة على غيرها من الحركات ، وقد اطردت هذه القاعدة في الأفعال القرآنية فيما عدا : نكح، نزع، رجع، بلغ، قعد، زعم، ونفخ .

يخلص الباحث من هذا إلى أن القاعدة العامة هي المغايرة إلا إذا كان الفعل عينه أو لامه من أحرف الحلق ، فالقاعدة هنا المماثلة، وشذ عن هذه القاعدة الخاصة الأفعال السابقة حيث خضعت للقاعدة العامة وهي المغايرة . ويماثل هذه الأفعال من حيث الشذوذ الفعل (قنط يقنط) بالفتح في الماضي والمضارع، إذ آثر المماثلة والأصل فيه المغايرة، وهذا الشذوذ استوقف اللغويين، ومن ثم أخذ من تحليلاتهم نصيبا موفورا، منها: أن المضارع المفتوح العين ماضيه مكسور العين كـ(علم يعلم) والمضارع المكسور العين ماضيه مفتوح العين كـ(ضرب يضرب) فكلاهما خاضع لقاعدة المغايرة، وقد أجمع القراء على الفتح في قوله تعالى: (من بعد قنطوا) الشورى 28، فهذا يؤكد أن الأصل فتح عين الماضي وكسر عين المضارع ، ولعل هذا مما دفع ابن خالويه أن يرجح الكسر في المضارع  وهو لغة الحجاز وأسد .

أما ابن جني فقد كان بارعا في تعليله لفتح العين في الماضي والمضارع ؛ حيث ذكر أنه لغة ثالثة نتجت من تركب لغتين : قنط (بالفتح) يقنط (بالكسر) وقنط (بالكسر) يقنط (بالفتح) .

وهذه اللغة قصيحة تضارب في فصاحتها اللغتين اللتين تركبت منهما، وحفظتها قراءة حفص في أكثر من موضع، من ذلك: (مت ومتم ويحسب). ولأفصحية هذه اللغة رجحها مكي في كشفه .

وكون العماء ينسبون الكسر للحجاز وأسد ، يفيدنا أن الفتح لغة تميم وقيس، وكون قراءة حفص تحفظ لنا لغة الفتح وهي حجازية اللغة يؤكد أن هذه اللغة مستعملة في البيئة الحجازية، وهذا يعني أن قبائل غرب الجزيرة قد عرفت اللغتين وكذلك قبائل شرق الجزيرة ووسطها ؛ مما يعارض تقسيم المستشرقين للجزيرة العربية إلى كتلتين غربية وشرقية.

2ـ كسرا :
من الأفعال التي تنوعت قراءتها، وقد جاءت مكسورة في قراءة حفص: (يعرِشون ويعكفون) الأعراف 137، 138، حيث قرئا بالكسر والضم، والكسر قراءة حفص .

وفي تحليلهما ذكر العلماء أنهما لغتان ؛ لأن كل ما انفتحت عين ماضيه، جاز كسرها وضمها في المضارع قياسا إلا أن يمنع السماع من ذلك ، والضم لغة تميم ، والكسر لا شك أنه أيسر نطقا من الضم وأرق استعمالا ؛ الأمر الذي جعل الباحث يرجح أن الكسر لغة الحجاز؛ حيث يتناسب ذلك وتحضر القبائل الحجازية، ويزيد الترجيح تأكيدا أن الكسر قراءة حفص وهي قراءة حجازية، والكسر أفصح اللغتين ، ولعل ذلك راجع  إلى كثرة استعمال صيغة الكسر؛ لأن الضم غالبا ما يأتي في الصيغ المضمومة عين ماضيها، يقول ابن خالويه: "وما كانت عين ماضيه مضمومة لزمت الضمة عين مضارعه إلا الشاذ" .

ـ يصدون: الزخرف 57 قرئ بكسر الصاد وبضمها ؛ والكسر قراءة حفص . وفي التحليل ذكر العلماء أن الكسر والضم لغتان  ولعل الخلاف اللهجي له أثر دلالي؛ إذ ذكر العلماء أن الضم يجعل دلالة الفعل: (يعرضون) في حين أن دلالة الكسر: (يصيحون) ، ومن خلال مضمون الآية كلها "ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون" يري الباحث أن القراءتين دلالتهما واحدة وهي المتمثلة في دلالة الضم، ويرجح أن الضم لغة قبائل شرق الجزيرة ، والكسر لغة القبائل المتحضرة غرب الجزيرة، ولعل الكسر هنا مظهر من مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف، وأن الضم يمثل مرحلة سابقة، وقد شاع في اللغة الحجازية، ولعل صادق ما يدل على ذلك أنه قراءة نافع المدني .

ـ يلمز : التوبة 58 ، 79 ، والحجرات 11. قرئ  بكسر الميم وبضمها، والكسر قراءة حفص ، والكسر والضم لغتان ، ويرجح الباحث أن الكسر لغة الحجاز، والضم لغة القبائل البدوية لا سيما تميم؛ لأن الكسر سمة الرقة يناسب بيئة الحجاز المتحضرة، والضم يناسب خشونة البدوي ، ويؤكد هذا أن الكسر قراءة حفص، والضم قراءة أبى عمرو التميمي .



الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 02 يونيو 2021, 12:20 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب   الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Emptyالجمعة 22 أكتوبر 2010, 1:15 am

3ـ ضمـاً:

من الأفعال التي تنوعت قراءتها ما بين الضم والفتح والكسر وكان الضم سمة قراءة حفص:

ـ يفتروا: الفرقان 67.


قرئ بفتح الياء وبضم التاء، وبفتح الياء وكسر التاء، ويضم الياء وكسر التاء، والأولي قراءة حفص.


ولا خلاف أن القراءات الثلاث لغات في التضييق وقلة الإنفاق، ولعل الضم لغة قبائل شرق الجزيرة؛ لأنه قراءة الكوفيين، والكسر لغة قبائل غرب الجزيرة؛ لأنه قراءة أهل الحجاز، بيد أن قراءة حفص حجازية؛ وهذا يعني أن الضم لغة حجازية.


ومن ثم يرجح الباحث أن الضم اللغة الأولي في كل القبائل ، وقد حافظت عليه لغة البدو، أما القبائل المتحضرة فقد مالت نحو التخفيف، فعدلت إلى لغة الكسر؛ وكأن الكسر هنا مظهر من مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف.


ـ يعـزب: يونس61، وسبا3، إذ قرئ بضم الزاي وبكسرها، والضم قراءة حفص، وهما لغتان بمعني يبعد ويغيب، ويرجح الباحث أن الضم لغة الحجاز؛ لأنه قراءة حفص وأهل الحرمين، والكسر لغة القبائل البدوية؛ لأنه قراءة الكسانى. وربما في هذا مخالفة للقانون الذي نسب الضم للبدو والكسر للحضر.


ـ فاء الأمر فتحاً وضماً:

1ـ فتحاً:

ثمة أفعال تنوعت قراءتها ما بين فتح فأنها وضمها وكسرها، وقد احتفظت لنا قراءة حفص صورة الفتح، منها:

ـ قـرن: في قوله تعالى: (وقرن في بيوتكن) الأحزاب 33، قرئ هذا الفعل بفتح القاف وبكسرها، والفتح قراءة حفص.


والاختلاف الصرفي هنا له أثر دلالي، فالكسر يعني أن الفعل من الوقار، والفتح من الاستقرار في المكان، وأصل الفتح من قر يقر بالفتح؛ فالأمر: اقررن، ثم حذفت الراء وألقيت حركتها على القاف فمضارعه مفتوح العين وهو لغة الحجاز.

 

ويعتقد الباحث أن الفتح أقرب كثيرا إلى الدلالة المرجوة من الآية؛ حيث أمرن بالاستقرار في البيوت.


2ـ ضماً:

من الأفعال التي تنوعت قراءتها وجاءت بالضم في قراءة حفص:

ـ صرهن: في قوله تعالى: (فصرهن إليك) البقرة 260، إذ قرئ بضم الصاد وبكسرها، والضم قراءة حفص.


ويرى الباحث أن هذا الفعل ؛ نظرا لاحتماله الضم والكسر ، قد أثار جدلا بين المتقدمين ؛ نقل أصحاب التفسير والإعراب والمعاني شطرا منه ، فمثلا ذكر ابن خالويه ـ وكذلك مكي وأبو حيان والموصلي ـ أن الضم من صار يصور إذا مال وعطف.


ومنه قول الشاعر:

يصور عنوقها أحوى رنيم      لهطاب كما صخب الغريم


فمعني (صرهن) بالضم اضمعهن إليك ووجههن نحوك، وهذا التأويل يفيد أن في الكلام حذفا ترك ذكره؛ استغناء بدلالة الظاهر عليه، ويكون معناه حينئذ (فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم قطعهن ثم اجعل ..) ويحتمل أن يكون بمعني: (قطعهن).


ومنه قول الشاعر:

فلما جذبت الحبل أحلت نسوعه      بأطراف عيدان شديد أســورها

فأدنت لي الأسباب حتى بلغتها       بنهضى وقد كاد ارتقائي يصورها


فـ(يصورها) أي يقطعها، وهذا يقتضي أن يكون في الكلام تقديم وتأخير، فيكون ترتيبه: فخذ أربعة من الطير إليك فصرهن، وقد رفض جماعة من نحويي الكوفة هذا المعنى، بل رفضوا أن يكون (صرهن) بمعني التقطيع، سواء بالضم أو بالكسر، وإنما كلاهما لغة في الإمالة والعطف ، أما نحويو البصرة فقد أجازوا ذلك على أنهما لغتان، واستشهدوا بالشاهد الذي سلف ذكره في مقدمة التحليل.


وقد رجح الطبري رأي البصريين ، أن الضم والكسر لغتان في (صرهن) بمعني التقطيع ، وذكر الفراء أن الضم كثير الاستعمال والكسر لغة هذيل ، وكون الكسر لغة هذيل يؤكد أن الضم لغة باقي القبائل العربية؛ مما يعارض تقسيم المستشرقين للجزيرة العربية.


كما يلحظ الباحث أن البصريين هنا أجازوا ما لم يُجزه الكوفيون، وهذه توسعة منهم على غير عادتهم، فهم ـ في نظري ـ المعياريون! وإلى رأيهم يميل الباحث.


ـ عين الأمر كسراً وضماً:

1ـ كسراً:

ثمة أفعال (أمر) تنوعت قراءتها ما بين كسر العين وضمها، ووردت في قراءة حفص بالكسر، منها:

ـ فاعتلوه: في قوله تعالي: "خذوه فاعتلوه" الدخان 47، حيث قرئ بكسر التاء وضمها، والكسر قراءة حفص.


وفي التحليل قيل بأنهما لغتان بمعني واحد  مثل: (يعرشون ويعكفون)، ولعل الضم لغة الحجاز والكسر لغة تميم؛ لأن الضم قراءة أهل الحرمين، والكسر قراءة أبي عمرو، غير أن كون الكسر قراءة حفص يفيدنا أن القبائل الحجازية قد استعملت هذه اللغة، الأمر الذي يجعل الباحث يرجح أن الضم يعد اللغة الأولي في كل القبائل غربا وشرقا ثم لجأت القبائل إلى الكسر تخفيفا؛ ومن ثم فالكسر لغة ثانية، وهو مظهر من مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف، ولم يقتصر هذا المظهر اللغوي على قبائل دون أخرى، وإنما شاع وانتشر في كل القبائل حتى أصبح يضارع في الفصاحة اللغة الأولي؛ مما دفع العلماء إلى القول بأن الضم والكسر لغتان فصيحتان.


2ـ ضماً:

من الأفعال التي تنوعت قراءتها ما بين ضم العين وكسرها، وجاءت في قراءة حفص بالضم:

ـ انشزوا: في قوله تعالي: (إذا قيل انشزوا فانشزوا)  المجادلة 11، والضم والكسر لغتان، وذكر نسب العلماء أن الضم لغة الحجاز ، ويرجح الباحث أن الكسر لغة تميم؛ لأنه قراءة الكوفيين ما عدا حفصا، وكون الكسر لغة تميم والضم لغة الحجاز يضعف القانون الذي نسب الكسر للحضر والضم للبدو، الأمر الذي يدفع الباحث إلى القول بأن اللغات شأنها شأن العلوم الإنسانية التي لا تخضع لقانون تلتزم به.


وبعد هذا العرض الموجز لـ(الضبط الحركي لبنية الفعل) تبين للباحث أن قراءة حفص تمثل مستويات عـدة للفصاحة؛ حيث حفظت اللغة الأولي (الأصل) واللغة الثانية التي عدها الباحث مظهرا من مظاهر التخفيف واللغة الثالثة التي تركبت من لغتين، كذلك انتهي الباحث إلى أن كل الظواهر اللغوية التي برزت في قراءة حفص ظواهر شاعت في اللغة الحجازية بصرف النظر عن إسناد العلماء كل ظاهرة لقبيلة ما، فكون قراءة حفص تحفظ لنا ظاهرة ما يعني شيوع الظاهرة في لغة الحجاز؛ لأن قراءة حفص حجازية استنادا إلى السند المتواتر.


وربما يُعين هذا على تفسير مقولة سيدنا عثمان: "إذا اختلفتم في شي فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنه نزل بلسانهم".


التشديد والتخفيف:

التشديد والتخفيف ظاهرتان شائعتان في اللهجات العربية شيوعا بارزا، ونعني بالتشديد الكلمة التي زيد على حروفها الأصلية، سواء أكانت هذه الزيادة بتضعيف عين الكلمة أو بتكرار أصوات مماثلة، فإذا ما جردت الكلمة من أي حرف زائد فهي مخففة، ليس هذا فحسب، بل إذا تغير شكل الكلمة دون حذف الزائد فهو شكل من أشكال التخفيف، ومن ثم رأي الباحث أن ثمة مظاهر أربعة للتخفيف، وارتاي ترتيبها على هذا النحو: تخفيف بالإبدال، تخفيف بالتجرد ، تخفيف بالادغام، تخفيف بالحذف.


ولم يكن ثمة نزاع أن التشديد سمة من سمات القبائل البدوية شرق الجزيرة ووسطها، وتتمركزها قبيلة تميم شهرة؛ وذلك لما في طبعها من جفاء وغلظة، وبهذا يتميز نطقهم بسلسلة من الأصوات القوية السريعة التي تطرق الآذان؛ كأنما هي مفرقعات متعددة، وتأكيدا لذلك أن وفدا من تميم قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلنون إسلامهم، فأسرعوا إليه ينادون بصوت أجشّ؛ فنزل فيهم قوله تعالى: "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات اكثرهم لا يعقلون ـ الحجرات4"، ثم دعاهم القرآن إلى خفض الصوت في قوله: "واغضض من صوتك".


ويقدم د.الجندي تفسيراً مقبولاً لميل قبائل شرق الجزيرة وفي مقدمتها تميم إلى الشدة في الكلام نوجزه في أن البدو يعيشون في الصحاري الواسعة المترامية إلى حد فناء الصوت، فلا يكاد يُسمع، فحرص البدوي على توضيح أصواته حتى يُسمع، ولجأ إلى تحقيق ذلك بطُرُق شتي منها الجهر والتفخيم والشدة، ويضيف الباحث الهمز؛ فهو سمة من سمات الشدة التى اتسمت بها قبائل شرق الجزيرة تأييدا لهذا الرأي.


ويري د.الجندي أن التشديد مظهر من مظاهر التطور اللغوي؛ إذ يمثل عملية ترميم في جسم العربية، والباحث ليس على وفاق وهذا الرأي؛ حيث يري أن التشديد سمة من السمات التي كانت عليها العربية في مراحلها المتقدمة، داومت بعض القبائل على استعماله، وأخرى عدلت عنه ميلاً نحو التخفيف، وربما كان معظم تلك القبائل من تلك التي غدت على درجة من الرقي والتحضر؛ ليتواءم ذلك ورقيهم وتحضرهم، والقبائل المتحضرة تلك متثلة في القبائل الحجازية.


وقد احتفظت لنا قراءة حفص بنماذج كثيرة من المستويين اللغويين، نقتبس بعضا منها للدرس والتحليل.


أولاً: التشديد:

نلمس هذا المظهر في إيثار صيغة "فعـل" بتضعيف العين.


ومما جاء على هذه الصورة في قراءة حفص:

ـ ينزل: البقرة 90، وبابه إذا كان فعلا مضارعاً أوله تاء أو ياء أو نون مضمومة.


حيث قرئ بالتشديد من "نزل" بتضعيف الزاى، وبالتخفيف من "أنزل"، وبالتشديد قراءة حفص.


وذكر اللغويون أن دلالة التشديد التكرار والمداومة شيئاً بعد شي.


وعلى شاكلة (نـزّل): (وصي) البقرة 132 و(عقدتم) المائدة 89 و(يمسكون) الأعراف 170 و(سعرت) التكوير 12.


كذلك من مظاهر التشديد إيثار صيغتي (تفعّل وتفاعل)، ومما نلمس فيه هذا المظهر: (يصعد) الأنعام 125، حيث قرئ بتشديد الصاد والعين، وبإسكان الصاد وفتح العين ، والتشديد قراءة حفص ، وأصلها يتصعد، وأدغمت التاء في الصاد ، فشددت، والتخفيف والتشديد بمعني واحد، واختار الطبرى التشديد ؛ لقول عمر: ما تصعدني شي ما تصعدني خطبة النكاح.


و(ادّارك) النمل66، قرئ بهمزة وصل ودال مشددة مفتوحة بعدها ألف وبهمزة قطع ودال ساكنة، والأولى قراءة حفص.


وأصل (ادراك) تدارك، ثم تماثل الصوتان الأول والثاني لتقاربهما مخرجا وصفة؛ فكلاهما أسناني انفجاري، بيد أن التاء مهموس والدال مجهور، والمجهور أقوي، فكانت المماثلة بينهما رجعية Regressive Assmalation، حيث أثر صوت الدال القوي في التاء المهموس، فانقلبت التاء دالا، ثم حدث إدغام بينهما، فسكن الأول، فاجتلبت همزة وصل من أجل النطق بساكن.


و(يّسمّعون) الصافات8 بتشديد السين والميم وبتخفيفهما، والتشديد قراءة حفص ، والأصل: يتسمعون، فتماثلت التاء والسين للتقارب مخرجا وصفة؛ إذ كلاهما صوت أسناني مهموس، غير أن التاء صوت انفجاري، والسين صوت احتكاكي ، فكان التماثل رجعيا، إذ انقلبت التاء سينا وأدغمت في السين.


واختار أبوعبيدة قراءة التشديد؛ لأن العرب لا تكاد تقول: سمعت إليه، وإنما تقول: تسمعت إليه، وعليها ينتفي أن يقع منهم استماع أو سماع، والتسمع أبلغ من السمع ؛ لأن نفي التسمع يقتضي نفي السمع.


ويلحظ الباحث أن نماذج هذا المظهر تشديدها بالإدغام، الأمر الذي يثير تساؤلا:

أليس الإدغام مظهرا من مظاهر التخفيف؟! و من ثم يري الباحث أن الإدغام ربما لم يكن سبيلاً للتخفيف في جميع الحالات، فقد يكون مظهراً من مظاهر التشديد والتثقيل؛ ولعل حديثاً لأبي عمرو يؤكد هذا، يقول فيه: الإدغام كلام العرب إذا أرادت التخفيف أدغمت، فإن كان الإدغام أثقل أتمت".


ثانياً: التخفيف:

سبق القول بأن ثمة مظاهر أربعة، كل مظهر يمثل مرحلة ما من مراحل التطور اللغوي نحو التخفيف في رأي الباحث، وقد ارتأي ترتيبها على هذا النحو:

1ـ  تخفيف بالإبدال:

وقد لمسه الباحث في العدول عن صيغة (فعّـل) بتشديد العين إلى صيغة (أفعـل) وهناك كلمات كثيرة تمثل هذا السلوك الغوي، يرصد الباحث منه على سبيل النموذج:

ـ لتكملوا: البقرة 185، حيث قرئ بالتخفيف من (أكمل)، وبالتشديد من (كمّل) بتشديد الميم، والأولي قراءة حفص.


وذكر المحللون أن التشديد والتخفيف لغتان، واختار مكي التخفيف لخفته.


ومما يماثل النموذج السابق قوله تعالى: (نُنـج) يونس 103 (يثبت) الرعد 39، (يبدل) الكهف 81  (ليوفوا) الحج 29، (تمسكوا) الممتحنة 10.


2ـ تخفيف بالتجرد:

مقصد الباحث منه تلك الصيغ التي جاءت مزيدة بالتشديد في بعض القراءات، وجاءت مجردة من الزيادة تخفيفا في قراءة حفص.


ومن تلك الكلمات:

ـ يطَّهرن: البقرة 222، حيث قرئ بإسكان الطاء وضم الهاء وبتشديدها، والأولى قراءة حفص، والتخفيف يحمل دلالة تخالف دلالة التشديد؛ لأن الطهر يعني انقطاع الـدم، في حين أن التطهر لا يتم إلا بالاغتسال، والدليل قول العرب: طهرت المرأة من الحيض، فهي طاهر  واختار مكي التخفيف؛ لأن فيه بيان الشرطين الذين بهما تكون الحائض متطهرة : انقطاع الدم والتطهر بالماء.


ـ تلقَّف: الأعراف 117، وطه 69، قرئ بإسكان اللام وقاف خفيفة وبتشديد القاف وفتح اللام، والأولى قراءة حفص.


والتخفيف من الثلاثي (لقف)، وإنما التشديد من (تلقّف)، ولا اختلاف دلالياً بينهما بذكر.


ـ يُفَصِّلُ: الممتحنة3، قرئ بإسكان الفاء وتخفيف الصاد، وبفتح الفاء وتشديد الصاد، والأولى قراءة حفص.


وليس بينهما اختلاف دلالي سوى أن التشديد للتكرار.


وعلى شاكلة ما سبق: (يذَّكَّر)  مريم67، و(فُتِّحَتْ) الزمر71 و19.


لمس الباحث من خلال نماذج القراءات السابقة أن التخفيف سمة من سمات لغة الحجاز؛ حيث قرأها حفص جميعا بالتخفيف، وكذلك أهل الحرمين عدا (تلقف وفتحت)، ولعل هذا الأمر يؤكد أن التشديد مرحلة سابقة لمرحلة التخفيف، استعملته كل قبائل العرب شرقا وغربا خصوصا في مرحلة بداوتهم، ومع التطور والرقي لجأت بعض القبائل -لاسيما الحجاز- إلى التخفيف وقد حفظت لنا قراءة حفص نماذج تمثل المرحلتين.


3ـ تخفيف بالإدغام:

الإدغام لغة الإدخال، واصطلاحاً رفع اللسان بالحرفين رفعةً واحدةً والوضع بهما موضعاً واحداً إذا التقى المثلان في كلمة؛ الأول منهما ساكن.


هذا هو حد الإدغام عند المتقدمين، لا يكادون يختلفون.


ويطلق ابن جنى على الإدغام (ظاهرة التقريب)، إذ يقول: "وقد ثبت أن الإدغام المألوف المعتاد؛ إنما هو تقريب صوت من صوت".


أمَّا الدرس الصوتي فيُطلق عليه مصطلح: (التماثل أو المماثلة Assimilation) والمماثلة تحدث بين الأصوات المتجانسة أو المتقاربة مخرجاً أو صفةً، كما بين (التاء، والطاء، والدال)، و(التاء، والسين، والذال).


والإدغام وجه من وجوه التخفيف، وهو سمة من سمات لغة قبائل شرق الجزيرة وبخاصة تميم؛ حيث ذكر العلماء أن الإدغام لغة تميم، والبيان أو الإظهار أو فك الإدغام لغة الحجاز.



الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 02 يونيو 2021, 12:39 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب   الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Emptyالإثنين 01 نوفمبر 2010, 6:54 am

وإن كان الإدغام ظاهرة صوتية فإن له أثرا صرفيا حينما تكون عين الفعل ولامه من موضع واحد واللام ساكنة، وهذه الصورة نلمسها في المضارع المجزوم والأمر منه، كما في الفعل "رد"، ففي المضارع المجزوم والأمر منه نقول: (لم يردّ، ردّ) و(لم يرددْ، ارددْ)، ولعل هذا ما قصده العلماء حينما ذكروا أن الإدغام لغة تميم والإظهار لغة الحجاز، أما إذا كانت اللام متحركة ، فإن اللهجات العربية قد اطردت في أن تلزم الفعل الإدغام .


ويرى د.إبراهيم أنيس إن اتسام القبائل البدوية بالإدغام يعود إلى أن القبائل البدوية تميل إلى السرعة في النطق وتلمس أيسر السبل، فتدغم الأصوات بعضها في بعض، وتسقط منها ما يمكن الاستغناء عنه دون إخلال بفهم السامع ، ويضيف تفسيرا آخر ـ ربما كان بدعا فيه من الباحثين ـ اعتمد فيه على معطيات الدرس الصوتي الحديث، يقول فيه: "إن اختلاف القبائل العربية في الإظهار والإدغام في الفعل المجزوم أو الأمر منه، ليس له سر سوى اختلاف موضع النبر بين هذه القبائل ؛ ففي التزام الحجازيين فك الإدغام نقل النبر من موضعه إلى الذي قبله ؛ لأن الجزم يختصر أواخر الكلمات . وهذا التفسير يقتضي أن نرصد بإيجاز مواضع النبر في الكلم العربي لإيضاح التفسـير.


ـ مواضع النبر في الكلم العربي:

1ـ يقع النبر على المقطع الأخير إذا كان (ص م ص) أو (ص ح ص ص) مثل: (نستعين ونستقر) في حالة الوقف.

2ـ ويقع على المقطع قبل الأخير في الحتلات الآتية:


ـ إذا كان قصيرا والأخير متوسط في كلمة ذات مقطعين، مثل: (كتب)، أو يسبقهما ساكن؛ لا ينطق به إلا من خلال همزة وصل، مثل: (اخرجي).

ـ إذا كان متوسطا والأخير قصير، مثل: (يرتدّ) بتشديد الدال.

ـ إذا كان متوسطا والأخير متوسط ، مثل : (علّم) بتشديد اللام وإسكان الميم.

ـ إذا كان طويلا اغتفر فيه التقاء الساكنين، مثل: (الضالين، الطامة).


3ـ يقع على المقطع الثالث من الآخر في الحالات الآتية:

ـ إذا كان قصيرا بعده قصيران مثل: (علمك) بفتح الكاف.

ـ إذا كان قصيرا بعده قصير ومتوسط  مثل: (علمك) بإسكان الكاف.

ـ إذا كان متوسطا بعده قصيران مثل: (بيتك) بفتح الكاف.

ـ إذا كان متوسطا بعده قصير ومتوسط مثل: (يرتدد) بإسكان الدال.


4- يقع على المقطع الرابع من الآخر في الحالات الآتية:

ـ إذا كان قصيرا بعدة ثلاثة قصار مثل : (وجدك)

ـ إذا كان متوسطا بعدة ثلاثة فصار مثل: يرثني، سمكة (بالتنوين).


5- يقع في الكلمات ذات المقطع الواحد على المقطع نفسه، مثل: (إذ ، ق)؛ وليس ثمة مواضع للنبر سوى ما ذكرنا .

وبعد .. فلقد تبين للباحث من خلال هذا العرض لمواضع النبر أن الفعل (يرتدّ) في حالة الإدغام ، يقع النبر فيه على المقطع قبل الأخير (تـد) وهو مقطع متوسط مغلق (ص ح ص) بعده مقطع قصير ( د )، في حين أن الفعل حال فك الإدغام (يرتد) يقع النبر فيه على المقطع الثالث من الآخر (يـر) وهو أيضا متوسط مغلق (ص ح ص) بعده مقطعان: قصير (ت : ص ح) ومتوسط مغلق (تـد : ص ح ص). ونلحظ أن كلا المقطعين المنبورين من النوع المتوسط المغلق (ص ح ص).


الظاهرة في ضوء قراءة حفص :

بالتتبع لقراءة حفص يتبين أنها حفظت لنا نماذج من الإدغام والإظهار أو فك الإدغام، وخير نموذج لذلك الفعل (ارتد)؛ حيث ورد مرتين مجزوما، إحداهما بلغة الإظهار، وذلك في قوله تعالي (ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر) البقرة 217 أما الأخرى فبلغة الإدغام، وذلك في قوله تعالي: (من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) المائدة54 . ويعلل ابن الجزري تعليلا طريفا للإظهار في البقرة والإدغام في المائدة بطول السورة الأولى؛ يقول: "جاء الفك مجمعا عليه في البقرة؛ لأن طول السورة يقتضي الإطناب ومثله: (يشاقق) في الأنفال و(يشاق) في الحشر لتقارب المقامين من الإطناب والإيجاز" .

وهذا يعني أن قراءة حفص راوحت بين الإدغام وفك الإدغام، وهذا يعني أنها راودت بين لغة القبائل الحجازية غرب الجزيرة ولغة القبائل البدوية شرق الجزيرة؛ أي بين لغتي الحجاز وتميم، وإن كانت الكثرة للغة الحجاز، حيث ثمة أفعال كثيرة على شاكلة (يرتدد) مثل: (لا تقصص) يوسف 5 و(اغضض) لقمان 19.

وإن كانت السيطرة في هذه الظاهرة للغة الحجاز فإن ثمة ظواهر كثيرة نعتت بها لغة تميم، منها صيغتا (برئ وبراء)، فالأولى لغة تميم والأخرى لغة الحجاز، والأولى وردت في حوالي عشرة مواضع في حين أن الثانية وردت مرة واحدة، وهذا يدل على أن لهجة تميم لها مكانتها إبان نزول الوحي؛ حتى إن القرآن سجل لها تلك السمات اللهجية، وهذا يومئ إلى غاية سياسية قصد إليها، وهي توحيد العرب، وكأني بالقرآن صفحة لغوية تجد فيها كل قبيلة ظلا من لغتها الخاصة، فتأنس به، وتستريح إليه .

من ناحية أخرى فإن الباحث قد قرر فيما سلف أن قراءة حفص حجازية ، ومن ثم فإن كل الظواهر التي احتضنتها هذه القراءة ظواهر استخدمتها لغة الحجاز- سواء أقـل استخدامها أم كثر.

وعلى هذا فإن ظاهرتي الإظهار والإدغام سمتان لغويتان شاعتا ـ بصورة ما ـ في البيئة الحجازية، ولعل الإظهار يمثل اللغة الأولى أو الأصل، والإدغام لغة ثانية؛ لجأت إليه القبائل تخفيفا ، ومن ثم فهو أحد مظاهر التخفيف.


4ـ تخفيف بالحذف :

كذلك من سبيل التخفيف التي لجأت إليها القبائل العربية التخفيف بالحذف، أي حذف أحد الأصوات المماثلة، وهذا المظهر يعد آخر مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف، ويبرز هذا المظهر في قراءة حفص بصورة واضحة، في صيغتي (تفعّل وتفاعل) حال كون الفعل مضارعا مبدوءا بتاء الخطاب ، وهذا يعني أنه يبدأ بصوتين متماثلين (تاء المضارع وتاء الفعل).

ويعرض الباحث عدة نماذج من الأفعال التي تمثل هذه الظاهرة في قراءة حفص :

تظاهرون البقرة 85 ، تصدقوا البقرة 280، تساءلون النساء 1، تذكرون الأنعام 152 تزاور الكهف 17 تشقق الفرقان 25 تزكي النازعات 18 تصدي عبس 6

كل هذه الأفعال قرئت بتخفيف الحرف الثاني وبتشديده، والتخفيف قراءة حفص عن عاصم . والأصل فيها أن تبدأ بتاءين كما أشرنا من قبل، وكل القراء قرأوا بالتخفيف، غير أن بعضهم خفف بالإدغام، والآخرون كانوا أكثر تخفيفا؛ إذ كان تخفيفهم بالحذف، أي بحذف إحدى التاءين ، والحذف يرجع إلى حرص اللغة على مبدأ درء التوالي المكروه ، وهذا ما يؤكده الدرس الصوتي الحديث ؛ إذ يؤكد أن حذف التاء يرجع إلى أن لغتنا العربية تكره توالى مقاطع مماثلة ، وهي من النوع القصير في النماذج التي عرضنا لها ، ومن ثم لجأت إلى التخلص من هذا التوالي المقطعي ، فكان سبيلها في ذلك أحد أمرين : الإدغام أو الحذف ، وقد استعملت لغة القرآن ـ قراءة حفص ـ كلا الأمرين ، وكلاهما شاع في اللغة الحجازية ، بصرف النظر عما قاله العلماء : هذا لغة كذا وذاك لغة كذا.

هذا .. وقد اختلف المتقدمون في التاء المحذوفة، فبينما ذهب الكوفيين إلى أنها التاء الأولى؛ لأنها زائدة، والزائد أولى أن يحذف، ذهب البصريون إلى أنها الثانية؛ لأن الأولى دلالتها المضارعة ، ورأيهم أولى عند الباحث، فلو أن التاء الأولى كانت ياء للغيب لما جاز حذفها وجاز حذف الثانية إذا جاء بعده صوت مماثل مخرجا أو صفة كما في الفعل (يشقق) البقرة 74، حيث إنه لا خلاف على قراءته بتشديد الشين، وأصله يتشقق، ثم حدث تماثل بين صوتي التاء والشين فقلبت التاء شينا وأدغمت فيها.

المجـرد والمزيـد :

يقف الباحث إبان هذه الظاهرة عند صيغتي: (فعل وأفعل)، ويدور الحديث من خلال عدة نماذج يسوقها الباحث تكشف لنا عن أي الصيغتين تؤثرها قراءة حفص:

ـ فأسر: في قوله تعالى: (فأسر بأهلك) هود81، حيث قرئ بهمزة قطع وبهمزة وصل والأولى قراءة حفص ، وهو من الفعل الرباعي (أسرى)، ويماثله قوله: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا) الإسراء، أما الثانية فمن (سرى)، ونظيره (والليل إذا يسر) الفجر4.

نسقيكم : النحل 66 والمؤمنون 21، قرئ بضم النون وفتحها، والأولى قراءة حفص ، والضم من الرباعي (أسقي) ومنه (فأسقيناكموه) الحجر22، والفتح من (سقى)، ومنه قوله: (سقاهم ربهم) الإنسان21.

يسحتكم: طه 61، قرئ بضم الياء وبفتحها، والضم قراءة حفص ، وهو من الرباعي (أسحت)، في حين أن الفتح من (سحت).

إذ أدبر: المدثر 33، قرئ  (إذ أدبر) بهمزة قطع، و(إذا دبر) من غير همز، والرباعي قراءة حفص .

من خلال هذه النماذج تبين أن قراءة حفص قد آثرت الصيغة المزيدة، وفي التحليل ذكر المحللون أن (سرى وأسرى) لغتان بمعنى واحد ، وكذلك: (سقى وأسقى)

وكذا : (دبر وأدبر) لغتان بمعنى واحد .

وحاول المتقدمون أن يصيغوا قانونا عاما لهذه الظاهرة؛ فنسبوا المزيد لتميم والمجرد للحجاز؛ فقالوا: (سحت) لغة الحجاز و(أسحت) لغة تميم ، و(سقى) لغة قريش و(أسقى) لغة حمير .

وللباحث ملحظ على ما سبق يخلص في أن قراءة حفص حجازية وقد آثرت الصيغة المزيدة؛ مما يؤكد شيوع الصيغ المزيدة في لغة الحجاز، ومن ثم يخالف الباحث د.علم الدين في تعليله لإيثار حفص الصيغة المزيدة أنه من البيئة الكوفية، تلك البيئة التي تأثرت بقبائل شرق الجزيرة ، فهذا الرأي مؤداه أن القارئ قد تأثر في قراءته بالبيئة اللغوية التي نشأ فيها، وهذا رأي ربما يكون بعيدا ـ في نظر الباحث ـ لأن القارئ اعتمد في قراءته على السماع والمشافهة فحسب.

بل ويخالف الباحث القانون الذي نسب الصيغة المزيدة لتميم والصيغة المجردة للحجاز، إذ نجد صيغا المجرد منها لقبائل شرق الجزيرة والمزيد لقبائل غرب الجزيرة منها: (نسقيكم ويسحتكم وأدبر)؛ حيث قرأها أبو بكر عن عاصم مجردة ، وقراءته عن زر بن حبيش عن ابن مسعود، أى قراءته تتسم بالسمات اللغوية البدوية، وقرأها حفص مزيدة، وقراءته حجازية؛ ومن ثم يمكن القول بأن لغة الحجاز ولغة تميم كلتاهما استعملت الصيغتين.

هذا .. ولم يذكر العلماء فرقا دلاليا بين الصيغتين، والباحث يرى أن الصيغة المزيدة أكثر تأكيدا؛ لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، ولعل حديثا لابن درستويه يؤكد ما يراه الباحث، يقول: "لا يكون فعل و أفعل بمعنى واحد، كما لا يكونان على بناء واحد إلا أن يجئ ذلك في لغتين مختلفتين، فأما من لغة واحدة فمحال أن يختلف اللفظان والمعنى واحد" .

فهذا النص يؤكد أن البيئة اللغوية الواحدة لا تستعمل صيغتين بمعنى واحد، فإذا وردتا فيها، فلابد من فرق دلالي بينهما، ولعل سيبويه قد لمس ذلك الفرق بين (سقى وأسقى)؛ إذ يقول: "سقيته فشرب، وأسقيته جعلت له ماء وسقيا، فسقيته مثل كسوته، وأسقيته مثل ألبسته" ، وقس على هذا سائر الصيغ.

اسم الفعل بنيته ودلالته :

يقف الباحث إزاء هذه الظاهرة عند نموذجين تنوعت قراءتهما، ويدرسهما من خلال قراءة حفص :

ـ هيت : يوسف23،  قرئ بفتح الهاء والتاء، وبكسر الهاء وفتح التاء، وبكسر الهاء والتاء مع همز الياء ، وبفتح الهاء وضم التاء ، والأولى قراءة حفص .

وكل القراءات لغات في اسم الفعل، والأصل فيه البناء على السكون، وحرك لالتقاء ساكنين، وكانت الحركة فتحة لخفتها، يقول ابن يعيش: "فمن فتح فطلبا للخفة؛ لثقل الكسرة بعد الياء، كما قالوا: أين وكيف" ، وقيل: الفتح دلالة الخطاب، والضم دلالة الإخبار عن النفس .

والباحث يزعم أن الضم والكسر والفتح كل منها يمثل مرحلة مرت بها القبائل كلها، وربما كان الضم يمثل المرحلة الأولى، ثم جاء الكسر مرحلة ثانية، ثم جاء الفتح يمثل المرحلة الثالثة، وكل من الكسر والفتح مظهر من مظاهر التخفيف في اللغة العربية، ويمكن أن ننسب الضم للقبائل الموغلة في البداوة، والكسر لغة القبائل البدوية القريبة من الحضر، والفتح لغة القبائل الحجازية المتحضرة.

ـ أف : الإسراء23 والأنبياء 67 والأحقاف 17، قرئ بكسر الفاء منونة وبكسرها من غير تنوين وبفتحها من غير تنوين، والأولى قراءة حفص .

وكل القراءات لغات في اسم الفعل، والتنوين بالكسر يعنى الإخبار عن نكرة، ومعناه فلا تقل لهما القبيح . وقد حكم النحاة عليه بالبناء على السكون في كل الحالات

وإنما حرك لالتقاء الساكنين، وقد رفض أبو حيان هذا الحكم العام، وقال: وكان قياسه ألا يبنى ، ولعل هذا القول اعتمد عليه أحد الباحثين في قوله: "وهذا مثال للاضطراب الذي وقع فيه النحاة، إذ كيف تكون الكلمة منونة ويحكم عليها بالبناء؟" ؛ ثم يقول: "إن الأفضل أن يحكم للمنون منها بالإعراب، وغير المنون بالبناء، حسب النطق لا الأصل، ومن ثم فكسر (أف) بالتنوين في القرآن حركة إعراب لا بناء" .

والباحث لا يسلم بهذا الرأي؛ لأن حركة الإعراب تقتضي للكلمة موقعا إعرابيا، وموقعها هنا النصب مفعول القول، ويرى أن الكسر بالتنوين ربما يكون لغة، لجأ إليها أصحابها؛ هروبا من توالي مقطعين قصيرين، حيث جاء بعد (أف) مقطع قصير في المواضع الثلاثة، وهو لغة الحجاز؛ لأنه قراءة المدنيين وحفص.



الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الثلاثاء 01 يونيو 2021, 1:59 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب   الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Emptyالإثنين 01 نوفمبر 2010, 6:56 am

تعليق عـام :

بعد العرض الموجز لـ(الضبط الحركي لبنية الفعل) تبين للباحث أن قراءة حفص تمثل مستويات عـدة للفصاحة؛ حيث حفظت اللغة الأولي (الأصل) واللغة الثانية التي عدها الباحث مظهرا من مظاهر التخفيف واللغة الثالثة التي تركبت من لغتين، كذلك انتهي الباحث إلى أن كل الظواهر اللغوية التي برزت في قراءة حفص ظواهر شاعت في اللغة الحجازية بصرف النظر عن إسناد العلماء كل ظاهرة لقبيلة ما، فكون قراءة حفص تحفظ لنا ظاهرة ما يعني شيوع الظاهرة في لغة الحجاز؛ لأن قراءة حفص حجازية استنادا إلى السند المتواتر. وربما يُعين هذا على تفسير مقولة سيدنا عثمان: "إذا اختلفتم في شي فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنه نزل بلسانهم".

ومن خلال العرض الموجز لظاهرتي التشديد والتخفيف تبين للباحث أن الظاهرتين شائعتان في اللهجات العربية شيوعا بارزا، والتشديد يعني الزيادة في حروف الكلمة على حروفها الأصلية، سواء أكانت هذه الزيادة بتضعيف عين الكلمة أو بتكرار أصوات مماثلة، فإذا ما جردت الكلمة من أي زائد صارت مخففة، بل إذا تغير شكل الكلمة دون حذف الزائد فهو شكل من أشكال التخفيف، ومن ثم رأي الباحث أن ثمة مظاهر أربعة للتخفيف، وارتاي ترتيبها على هذا النحو: تخفيف بالإبدال وتخفيف بالتجرد وتخفيف بالادغام وتخفيف بالحذف.

وتبين أن التشديد سمة من سمات القبائل البدوية شرق الجزيرة ووسطها، وتتمركزها قبيلة تميم شهرة؛ وذلك لما في طبعها من جفاء وغلظة، وبهذا يتميز نطقهم بسلسلة من الأصوات القوية السريعة التي تطرق الآذان، وفيهم نزل قوله تعالى: "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات اكثرهم لا يعقلون"، ودعاهم القرآن إلى خفض الصوت في قوله: "واغضض من صوتك".

وانتهى الباحث إلى أن التشديد سمة من السمات التي كانت عليها العربية في مراحلها المتقدمة، داومت بعض القبائل على استعماله، وأخرى عدلت عنه ميلاً نحو التخفيف، وربما كان معظمها من تلك القبائل التي غدت على درجة من الرقي والتحضر؛ ليتواءم ذلك وتحضرهم، والقبائل المتحضرة تلك متثلة في القبائل الحجازية.

وقد احتفظت لنا قراءة حفص بنماذج كثيرة للظاهرتين اللتين تمثلان مستويين لغويين من مستويات العربية، وإن كانت السيطرة للغة الحجاز، غير أن فيها ظواهر كثيرة نعتت بها لغة تميم، وهذا يدل على أن لهجة تميم لها مكانتها إبان نزول الوحي؛ حتى إن القرآن سجل لها تلك السمات اللهجية، وهذا يومي إلى غاية سياسية قصد إليها، وهي توحيد العرب، وكأني بالقرآن صفحة لغوية تجد فيها كل قبيلة ظلا من لغتها الخاصة، فتأنس به وتستريح إليه.

من ناحية أخرى فإن الباحث قد قرر فيما سلف أن قراءة حفص حجازية ، ومن ثم فإن كل الظواهر التي احتضنتها هذه القراءة ظواهر استخدمتها لغة الحجاز- سواء أقـل استخدامها أم كثر.

ومن خلال العرض الموجز لمبحث المجرد والمزيد تبين للباحث أن قراءة حفص زاوجت في الاستعمال بين الصيغ المجردة والصيغ المزيدة، فبينما آثرت الصيغة المزيدة في بعض الصيغ آثرت الصيغة المجردة في صيغ أخرى، بل استعملت الصيغتين في الفعل الواحد في موضعين مختلفين، مثل (أسرى وسرى، أسقى وسقى)، وهذا يشير إلى أن الصيغتين شاعتا في البيئة اللغوية الحجازية، مما يضعف الرؤية التي نسبت المزيد لتميم والمجرد للحجاز.


الفصل الثالث


الاسم دراسة في البنية والدلالة


يشمل هذا الفصل :


الضبط والأثر الدلالي

التشـديد والتخفيـف

التذكيـر والتأنيــث

الإفــراد والجمــع

الممنوع من الصـرف

المصـادر  والمشتقات


الضبط الحركي والأثر الدلالي :

في هذا المبحث نتناول أكثر من ظاهرة صرفية تتعلق باختلاف حركة فاء وعين الكلمة في القراءات القرآنية، ومعرفة مرجعية هذا الاختلاف، ومدى أثر ذلك على المعنى، وبالتالي على تفسير الآية.

أولا : تناوب أصوات المد القصيرة في فاء الكلمة :

آثـر الباحث أن يطلق على اختلاف الحركات وتنوعها في فاء الكلمة ظاهرة (تناوب أصوات المد في فاء الكلمة) ليتواءم ذلك والدرس الحديث ، وهذه الظاهرة واضحة وضوحا بارزا في اللغة العربية الموحدة ، ولعل ذلك راجع إلى أن هذه الأصوات نشأت من جراء دخول مستويات اللهجات العربية القديمة في العربية الموحدة التي نزل بها القرآن.

ويرى أحد الباحثين أن هذا التناوب راجع إلى وجود قرابة بين الأصوات الثلاثة ـ الفتحة والكسرة والضمة ـ من الناحية الصوتية من حيث تقارب عدد الذبذبات بين هذه الأصوات تقاربا شديدا مما قد يجعل وقعها على أذن السامع واحدا في بعض الظروف، هذا إلى جانب عدم استقرارها وقدرتها على التغير، فكان أن اختلفت اللغات السامية واللهجات العربية في تردد هذه الأصوات فيما بينها فما كان بالضم في لغة قد يكون بالكسر أو بالفتح في لغة أخرى . وهذا مقبول لما بين الحركات من قرابة صوتية.

ويقدم "برجشتراسر" تفسيرا لتناوب الضمة والكسرة في الكلمة يقول: "إنه من الجائز أن يكون التناوب قد نشأ من كون اللغات السامية قد نظرت في حقبة ما إلى الضمة والكسرة على أنهما يمثلان صوتا واحدا" .

وهذا تفسير يصعب التدليل عليه ، وكلا التفسيرين لا يشير إلى الأثر الدلالي الذي قد يحدثه تناوب الحركات ـ أصوات المد القصيرة ـ والذي يتضح لنا من خلال عرض عدة نماذج من قراءة حفص، ونبدأ بحركة الفتحة؛ لأنها أخف الحركات ثم الكسرة ثم الضمة؛ لأنها أصعب الحركات.

1ـ حركة الفتح :

لعل من نافلة القول أن الفتح أخف الأصوات نطقا وأوفر اقتصادا في الجهد العضلي، بل ربما يكون الفتح أخف من السكون الذي غالبا ما يلجأ العربي إليه للتخفيف، ولعل حديثا قصيرا لأبي عمرو مع الأصمعي يؤكد هذا الرأي ، نقله لنا ابن خالويه، يقول: "سأل الأصمعي أبا عمرو: لم لا تقرأ رغبا ورهبا بالإسكان مع ميلك للتخفيف؟  فقال له: ويلك أحمْل (بالإسكان) أخف من حمَل (بالفتح)؟" .

ويقول إبراهيم مصطفى : "والفتحة الحركة الخفيفة المستحبة عند العرب التي يراد أن تنتهي بها الكلمة كلما أمكن ذلك ، فهي بمثابة السكون في لغة العامة ".

فإذا ما انتهينا إلى أن الفتح أخف الأصوات القصيرة ، تأكد لنا أن أهل الحجاز أصحاب تخفيف؛ لأنهم جنحوا إلى الفتح كثيرا؛ وربما يرجع سبب هذا إلى أنهم أهل حضر ورقي يتسمون بالخفة والرقة، في أن حين الجفاء والغلظة والشدة سمات لغة القبائل البدوية، وقد نجد في هذا وذاك شذوذا يتبين لنا من خلال عرض النماذج من قراءة حفص :

ـ ربوة : البقرة 265 والمؤمنون50، حيث قرئ بالفتح وبالضم، والفتح قراءة حفص  وهما لغتان بمعنى ما ارتفع من الأرض وعلا ، وقد نسب البنا الدمياطي الضم للغة قريش ، وهذا يدفع إلى القول بأن اللغة الحجازية استعملت اللغتين، الضم لهجتها الخاصة، والفتح لغة ثانية؛ لجأت إليه اللغة الحجازية تخفيفا، وعليه قراءة حفص.


ـ قـرح : آل عمران 140، قرئ بالفتح والضم، والفتح قراءة حفص ، وهما لغتان كالجهد بالفتح والضم ، ورجح أبو علي الفتح ، وربما كان هذا الترجيح مستندا فيه على أن الفتح لغة الحجاز؛ ومن ثم فالأخذ بها أوجب؛ لأن القرآن بها انزل ، ورفض أبو حيان هذا الترجيح؛ إذ لا أولوية؛ لأن كليهما متواتر ، والباحث يتفق وأباحيان؛ لأن القرآن لم ينزل بلهجة الحجاز الخاصة، ولو كان الترجيح قائما على الأساس الذي استند عليه أبو علي، لكان تخفيف الهمز أولى من تحقيقه؛ حيث إنه لغة الحجاز الخاصة. وتناوب الفتح والضم هنا له أثر دلالي؛ حيث ذكر العلماء أن الفتح يعنى الجرح، والضم يعنى الألم .

ـ كـرها : النساء19 والتوبة53، قرئ بالفتح والضم، والفتح قراءة حفص ، وهما لغتان كالضعف والفقر ـ بالفتح والضم ـ والفتح مصدر والضم اسم، وقيل: الفتح لما كرهته والضم لما استكرهت عليه أو شق عليك، وقيل: الفتح الإجبار، والضم المشقة .

ـ حصاد : الأنعام 141، قرئ بالفتح والكسر، والفتح قراءة حفص ، وهما لغتان .

وقال مكي: والكسر عند سيبويه هو الأصل، ومن ثم فهو الاختيار ، ولسنا على وفاق معه ؛ لأن الفتح لغة الحجاز ، وهو مظهر من مظاهر التخفيف.

ـ نسيا : مريم 23، قرئ بالفتح والكسر، والفتح قراءة حفص ، وهما لغتان كالحجر، والنسي الذي يغفل أو ينسي فلا يذكر ، وقال أبو حيان: والفتح أحب إلىّ . ويبدو أن أبا حيان قد سلك مسلك من انتقده في المفاضلة بين القراءات ، وذكر العلماء أن ثمة اختلافا دلاليا مترتبا على تناوب الحركات، فقالوا: الفتح المصدر والضم الاسم .

ـ ملكنا : طه 87، قرئ بفتح الميم وبكسرها وبضمها، والفتح قراءة حفص ، وكلها لغات في المصدر ، وقيل: الفتح المصدر والكسر اسم الشي المملوك والضم السلطان ، ويرحج الباحث أن القراءات الثلاث لغات بمعني واحد، غير أنها ليست مجتمعة في بيئة لغوية واحدة، وإنما كل منها في منطقة ما من مناطق الجزيرة ، ولعل الفتح لغة الحجاز، حيث إنه قراءة المدنيين وعاصم، والضم لغة القبائل الموغلة في البداوة؛ إذ يتناسب ذلك وخشونة البدوي وغلظته، فضلا عن ذلك أنه قراءة الكوفيين الذين تلقوا قراءاتهم عن زر بن حبيش عن ابن مسعود، ولعل الكسر لغة القبائل البدوية القريبة من الحضر؛ ولذا شاع في اللهجة الحجازية ؛ لأنه قراءة ابن كثير المكي.

ـ السوء : التوبة 98 والفتح 6، حيث قرئ بفتح السين وبضمها . وفي تحليلهم ذكر العلماء أن (السوء) بالفتح دلالته المصدر من : ساءني الأمر سَوءا ومساءة، والضم دلالته الاسم على معنى الشر .

ـ سيناء : المؤمنون 20 قرئ بفتح السين وبكسرها، والفتح قراءة حفص . وفي تحليلها ذكر العلماء أن (سيناء) بالفتح على وزن فعلاء ـ بالفتح ـ وهمزتها للتأنيث، أما كسرها فعلي وزن فعلاء ـ بالكسر ـ وليست الهمزة للتأنيث؛ إذ لا يكون اسم مؤنث في العربية بكسر الفاء، والكسر لغة بنى كنانة، والفتح لغة سائر العرب . وتحليلهم هذا يفيد أن الفتح لغة القبائل الحجازية والقبائل البدوية معا؛ مما يخالف ما زعمه المستشرقون من تقسيم الجزيرة.

وفي ضوء الدرس الصوتي الحديث يرى الباحث أن الأصل في (سوء وسيناء) هو الصوت المركب  (aw) في (سوء) و(ay) في (سيناء). أما القراءة الأخرى فهي نوع من التسهيل، وسبيل التسهيل انكماش الصوت المركب ، فتحول في (سوء) من (aw) إلى ضمة ممالة طويلة (o) فأصبحت (سوء) بالضم، وتحول في (سيناء) من (ay) إلى كسرة ممالة طويلة (o ).

فأصبحت (سيناء) بالكسر، وأثر هذا على البنية المقطعية للكلمة؛ حيث حول مقطعها الأول من المتوسط المغلق بصامت إلى المتوسط المفتوح.

ـ ضعف: الروم 54، قرئ بفتح الضاد وبضمها، وبهما قراءة حفص  وهذه الكلمة هي فحسب خالف فيها حفص عاصما، يقول حفص: "ما خالفت عاصما في شئ مما قرأت عليه سوي حرف الروم: (ضعف) ، والفتح قراءة عاصم عن أبي عبد الرحمن السلمي عن على بن أبى طالب عن رسول الله e والضمّ أخذ به حفص اتباعا للأثر المروي عن ابن عمر؛ حيث إنه قرأ على رسول الله e بالفتح فأباه وأمره بقراءة الضم، ومن ثم فالضم  قراءة النبي e، ويقول أبو عمرو الداني: "نأخذ بالوجهين لنتابع عاصما على قراءته ونوافق حفصا على اختياره" .

فقراءة حفص هنا تؤكد أن الضم ربما كان يمثل مرحلة سابقة للفتح في اللغة الحجازية، بمعني أن الضم استعملته القبائل العربية على اختلافها، ثم مالت القبائل الحجازية إلى الفتح تخفيفا؛ ليتلاءم مع تحضرها ورقيها، مع الحفاظ على لغة الضم، ومن ثم يعد الباحث الضم لغة أولى والفتح لغة ثانية.

2ـ حركة الكسر :

لعل من نافلة القول أن الكسرة حركة متوسطة من حيث الخفة والصعوبة في النطق بين الفتحة والضمة؛ إذ الفتحة أخف الحركات والضمة أصعبها ، وربما دفع هذا الأمر الباحث إلى القول بأن الكسر كان طابعا تتسم به غالبا بعض القبائل غير الموغلة في البداوة ـ خلافا للضم فإنه سمة القبائل الموغلة في البداوة ـ وذلك لقربها من الحضر ، بل ربما يكون الكسر لغة للقبائل الحضرية، يقول د.أنيس: "إن الكسرة أضعف من الضمة، ولذا كانت حركة التأنيث في العربية، والتأنيث محل الرقة؛ إذ يتناسب وضعف الأنوثة ورقتها، ومن ثم فالكسر دليل التحضر والرقة في معظم البيئات اللغوية" .

وهذا يعنى أن الكسر لغة القبائل الحجازية ؛ فهي القبائل المتحضرة ، وتأكيدا لهذا الرأي يعرض الباحث عدة نماذج للكسر من قراءة حفص :



الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الثلاثاء 01 يونيو 2021, 2:00 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب   الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Emptyالإثنين 01 نوفمبر 2010, 6:57 am

ـ رضوان: آل عمران 15، حيث قرئ بالكسر وبالضم، والكسر قراءة حفص، وهما لغتان، والكسر لغة الحجاز، والضم لغة تميم وقيس وبكر.


ـ حـج: آل عمران 97، قرئ بكسر الحاء وبفتحها، والكسر قراءة حفص، وهما لغتان بمعنى واحد، والكسر لغة أهل نجد، والفتح لغة أهل العالية  والحجاز، وقيل: الكسر اسم والفتح مصدر.


ويعلق د.علم الدين قائلا: "وهنا نلحظ وجود اختلاف بين قبائل الشطر الشرقي، وتوافق بين الشطرين: الشرقي والغربي؛ حيث خالفت نجد أسد، ووافقت أسد الحجاز".


ـ القسطاس: الإسراء 35 والشعراء 182، قرئ بالكسر وبالضم، والكسر قراءة حفص، وهما لغتان في الميزان، والضم لغة الحجاز، يؤكد هذا أنه قراءة أهل الحرمين، والكسر أيضا لغتها؛ لأنه قراءة حفص، ومن ثم فالضم لغة أولى، والكسر لغة ثانية؛ لجأت إليه تخفيفا.


ـ سخريا: المؤمنون 110 وص 63، قرئ بالكسر وبالضم، والكسر قراءة حفص، وفي التحليل ذكر مكي أن الكسر من السخرية ـ بالكسر ـ وهو الهزء أو الاستهزاء، ودليله بعد ذلك قوله: (كنتم منه تضحكون)، والضم من التسخير والخدمة، وكلاهما مصدر، وذكر القرطبي أن لا فرق بينهما عند الخليل وسيبويه والكسائي والقراء، إنما هما لغتان بمعني واحد مثل عصي بالضم والكسر، وخالفه أبو حيان فذكر أن الخليل وأبا زيد وسيبويه وأبا عبيده والكسائي والفراء قد فرقوا بين الضم والكسر، فالكسر من الاستهزاء، والضم من الاستخدام، ونقل عن يونس أن الضم للتخديم، والكسر لكليهما، وقال ابن عطية: قراءة الكسر أليق لتناسب قوله: (كنتم منه تضحكون).


والباحث يميل إلى رأي مكي وأبي حيان في وجود فرق دلالي نتيجة تناوب الحركات، ولعل صادق ما يدلك على ذلك أنهم اتفقوا على الضم في قوله: (ليتخذ بعضهم بعضا سخريا)، كما أنه لا يؤيد ابن عطية في رأيه؛ لأن كلتا القراءتين متواترة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كذلك يرجح أن لغة الحجاز قد استخدمت اللغتين معا؛ لأن الضم قراءة أهل المدينة، والكسر قراءة حفص، ولعل الضم سابق الكسر.


3ـ حركة الضم:

ذكر الباحث فيما سلف أن الضم سمة القبائل الموغلة في البداوة ؛ لأن الضم مظهر من مظاهر الخشونة والشدة التي هي سمة البدو، فإذا ما ضمت القبائل البدوية كسرت القبائل الحجازية.


ولكن يبدو أن هذا القانون له شذوذ؛ حيث إننا نجد أن الضم سمة للقبائل الحجازية، والكسر سمة القبائل الأخرى، ودليل ذلك النماذج التي يعرض لها الباحث من خلال قراءة حفص:

ـ خفيـة: الأنعام63 والأعراف55، حيث قرئ بالضم والكسر، والضم قراءة حفص، وهما لغتان فصيحتان، ولم يشر العلماء ـ فيما أعلم ـ إلى قبائل اللغتين، غير أن الباحث يرجح أن الضم لغة الحجاز؛ لأنه قراءة أهل الحرمين وحفص، والكسر لغة قبائل شرق الجزيرة ؛ لأنه قراءة أبي بكر.


ـ أسوة: الأحزاب 21 والممتحنة 4 و6، قرئ بضم الهمزة وبكسرها، والضم قراءة حفص، والضم والكسر لغتان  مثل  (رشوة) ـ بالضم والكسر ـ فالضم لغة تميم وقيس، والكسر لغة الحجاز. ويري الباحث أن الضم ربما كان لغة كل القبائل في مرحلة سابقة للكسر، أي اللغة الأولى وقد حفظته قراءة حفص، ثم عدلت عنه بعض القبائل إلى الكسر تخفيفا.


ـ الرجز: المدثر 5، قرئ بضم الراء وبكسرها، والضم قراءة حفص، وهما لغتان بمعني واحد، والكسر لغة قريش. وكون الكسر لغة قريش يفيد أن الضم لغة سائر القبائل الحجازية، وعليها قراءة حفص، وكذلك هو لغة قبائل شرق الجزيرة؛ مما يعارض تقسيم المستشرقين.


ومن خلال هذا العرض لظاهرة (تناوب أصوات المد القصيرة في فاء الكلمة) تبين للباحث أن لغة الحجاز قد استعملت الحركات الثلاث في الصيغ، وقد دفع هذا الباحث إلى القول بأن الضم يمثل مرحلة متقدمة للغة حينما كان العرب بنوا ثم جاء الكسر؛ ليمثل مرحلة متطورة نحو التخفيف، فهو أقل شدة وغلظة من الضم، ثم لجأت بعض القبائل، لا سيما الحجازية إلى الفتح ؛ لأنه أخف الحركات، ومن ثم فهو يمثل مرحلة متأخرة من مراحل التطور اللغوي نحو التخفيف.


كما تبين أن أكثر الحركات وضوحا بارزا في قراءة حفص حركة الفتح، ولعل هذا يرجع إلى ميل اللغة الحجازية نحو الفتح طلبا للخفة؛ حيث يتناسب ذلك وتحضرها.


وإن تناوب أصوات المد القصيرة له أثر دلالي في أحيان كثيرة، وقد يكون له أثر صرفي؛ حيث تكون الكلمة في إحدى القراءتين اسما، وتكون في القراءة الأخرى مصدرا، وقد يكون التناوب لا يعدو كونه لغات في الكلمة، ليس له أثر دلالي.


ثانيا: عين الكلمة بين التحريك والإسكان:

لعل من نافلة القول أنه يثقل على اللسان توالي حركتين، لاسيما الضمتان أو الكسرتان، ولما كانت لغتنا العربية تميل إلى الخفة فإن العرب كان سبيلهم إلى ذلك الإسكان بحذف الحركة، فيخف اللفظ، ويصبح مستساغا بعد أن كان ثقيلا، ومن ثم فالإسكان وسيلة إلى التخفيف.


وربما كان هذا هو تعليل القدماء  لظاهرة الإسكان، وهو تعليل مقبول، ويضيف الباحث تفسيرا آخر أفاده من معطيات الدرس الحديث، حيث يرى أن الأصل في الكلمة الثلاثية التحريك، بمعنى أن الكلمة تتكون من ثلاثة مقاطع من النوع القصير، واللغة العربية لا تستسيغ توالى ثلاثة مقاطع قصيرة ؛ لأنها تمثل عنصر قلق وتوتر وإجهاد؛ بسبب وقعها السريع نتيجة قصر الفترة الزمنية التي يستغرقها نطقها، فتخلصت اللغة في بعض الكلمات من هذا التوالي غير المستساغ بأن أسكنت عين الكلمة، وبالتالي اختصرت مقاطعها الثلاثة إلى مقطعين أولهما متوسط مغلق والثاني قصير، وربما دفع هذا التفسير الباحث إلى القول بأن التحريك إيثار للمقاطع المفتوحة Open Syllables في حين أن الإسكان يعـدا إيثار للمقاطع المغلقة Close Syllables.


وربما رجع إسكان المتحرك إلى انتقال موضع النبر، إذ إن كل كلمة ثلاثية الحروف تتكون من ثلاثة مقاطع قصيرة، يكون النبر فيها على المقطع الثالث من الآخر، فإذا ما سكنت عينها انتقل النبر إلى المقطع قبل الأخير.


موقف قراءة حفص من هذه الظاهرة:

في البداية سؤال: هل إسكان المتحرك لغة جميع القبائل أو لغة قبائل شرق الجزيرة أو لغة قبائل غرب الجزيرة؟ والباحث لا يستطيع أن يبدي رأيا إلا بعد عرض عدة نماذج من قراءة حفص، إذ جمعت بين اللغتين:

أولا: التحريك والبدء بمقطع مفتوح:

ـ قـدره: البقرة 236 قرئ بفتح الدال وإسكانها، والفتح قراءة حفص، وهما لغتان  ويصعب التدليل على أن ننسب الفتح لقبائل غرب الجزيرة والإسكان لقبائل شرق الجزيرة أو العكس؛ حيث إن الفتح قراءة حفص وأبي جعفر، والإسكان قراءة أهل الحرمين، مما يؤكد أن القبائل الحجازية قد استعملت اللغتين كذلك الأمر بالنسبة لقبائل شرق الجزيرة، فالتحريك قراءة حمزة والكسائي، وقراءتاهما تتسمان بالسمات اللغوية لقبائل شرق الجزيرة، ومن ثم يري الباحث أن القبائل العربية شرق وغربا قد استعملت اللغتين معا، ولعل التحريك الأصل والإسكان لغة ثانية، لجأت إليه اللغة تخفيفا، ومن ثم فهو مظهر من مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف.


ـ خطوات: البقرة 168، 208 والأنعام 142 والنور21، قرئ بضم الطاء وإسكانها والضم قراءة حفص، وهما لغتان، والضم لغة الحجاز، والإسكان لغة تميم.


ـ جرف: التوبة 109، قرئ بضم الراء وإسكانها،والضم قراءة حفص، وهما لغتان وقيل: الضم الأصل والإسكان تخفيف، ولعل الضم لغة الحجاز؛ لأنه قراءة حفص وأهل الحرمين، والإسكان لغة تميم ؛ لأنه قراءة أهل الكوفة.


ـ دأبا: يوسف 47، قرئ بفتح الهمزة وبإسكانها، والفتح قراءة حفص، وقد اختلف العلماء في تحليل هذه الكلمة، فذكر بعضهم أن الفتح هو الأصل والإسكان تخفيفا، وقيل: الإسكان الأصل والتحريك جاء تثقيلا، لأنه حرف حلق، وكذلك كل حرف أوله مفتوح وثانيه ساكن فتثقيله جائز إذا كان ثانيه حرف حلق، وهذا هو مذهب الكوفيين؛ إذ يجيزون الفتح وإن لم يسمعوا كالبحر والصخر.


واللافت للنظر هنا أن الفتح قراءة حفص فحسب، والإسكان قراءة سائر القراء وهذا يعنى أن قبائل شرق الجزيرة لم تستعمل الفتح، أما قبائل الحجاز فقد استعملت اللغتين، حيث إن الفتح قراءة حفص، والإسكان قراءة أهل الحرمين، وبما يرجح هذا أن أصل الكلمة الإسكان، وهو خفيف على أصله، وأن الفتح في قراءة حفص جاء نتيجة التماثل الصوتي التقدمي والرجعي، ذلك التماثل الذي أخذ حيزا كبيرا من قراءة حفص، والذي أعده الباحث أحد مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف، ولعل هذا دفع الباحث ليميل إلى التفسير العلمي للفتح في (دأبا) والذي مؤداه أن تحريك الصوت الحلقي أخف من تسكينه ؛ لأن كل أصوات الحلق بعد صدورها من مخرجها تحتاج إلى اتساع في مجراها بالفم، فليس ثمة ما يعوق هذا المجري في زوايا الفم، ولهذا ناسبها من أصوات المد أكثرها اتساعا وهي الفتحة.


ـ كسفا: الإسراء 92 والشعراء 187 والروم 48 وسبأ9، قرئ بفتح السن وبإسكانها والفتح قراءة حفص وهنا لغتان، وقيل: الفتح جمع كسفة والإسكان مصدر مثل: علم.


ـ ولدا: مريم 77 ونوح 21، قرئ بفتح الواو واللام، وبضم الواو وإسكان اللام، والفتح قراءة حفص، وهنا لغتان، والفتح هو اللغة المشهورة في الابن والابنة؛ لذا فهو أقوى في المعنى؛ لأن فيه إنكارا لقولهم: (المسيح ابن الله)، وهو الإله الحقيقي، وذكر أبو حيان أن الفتح على الجنس لا ملحوظا فيه الإفراد وإن كان مفردا للفظ، وقيل: الفتح مفردا والإسكان جمعا، ورأي الباحث أنهما لغتان والفتح لغة الحجاز، حيث إنه قراءة حفص وأهل الحرمين، والإسكان لغة تميم وقبائل شرق الجزيرة؛ لأنه قراءة أهل الكوفة ما عدا حفصا.


ـ عـربا: الواقعة 37، بالتحريك ضما وبالإسكان، والضم قراءة حفص، وهو الأصل، والإسكان استخفافا، ويعتقد الباحث أن التحريك لغة الحجاز؛ لأنه قراءة حفص وأهل الحرمين، والإسكان لغة تميم؛ حيث إنه قراءة أهل الكوفة عدا حفص.


واللافت للنظر هنا أن هذا النموذج يعكس ما ذكرناه من قبل من أن الضم أصعب نطقا، فيتناسب وجفاء البدوي وغلظته وشدته؛ لأن الضم هنا لغة الحجاز والإسكان لغة تميم، ومن ثم فليس في اللغات قانون يجعل الظاهرة اللغوية تسير على نسق واحد، فقد مـر بنا أن القبائل العربية شرقا وغربا تتبادل الخفة والخشونة في كثير من الظواهر اللغوية كالتحريك والإسكان وتناوب الحركات وغيرها.


ثانيا: الإسكان والبدء بمقطع مغلق:

ـ الرعب: آل عمران 151، حيث إنه قرئ بإسكان العين وبضمها، والإسكان قراءة حفص، وفي التحليل ذكر العلماء أن الأصل الضم، والإسكان تخفيف لثقل الجمع بين ضمتين متواليتين، وقيل: الأصل الإسكان، والضم اتباعا للضم قبله، ورجح صاحب الكنز أن الضم الأصل والإسكان تخفيف، وقال القرطبي: هما لغتان، الضم لغة الحجاز والإسكان لغة تميم وأسد وعامة قيس.


وما يرجحه الباحث أن الضم الأصل والإسكان تخفيف؛ لأن الضم وإن كان فيه تماثل صوتي إلا أن التماثل هنا ثقيل؛ لأنه بين صوتين يصعب النطق بهما متواليين، ومن ثم فالإسكان يعد أحد مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف وهو لم يقتصر على قبائل شرق الجزيرة، فقد عرفته اللغة الحجازية وعليه قراءة حفص، وأن انتشار الإسكان في لغة القبائل البدوية يخالف وصف تلك القبائل بأن من صفاتهم الشدة والغلظة والجفاء، كما أن شيوع اقتصار الضم على أهل الحجاز يعارض كونهم أهل رقة وخفة في اللغة، ومن ثم يثبت الباحث على رأيه بأن السمات اللغوية على اختلافها قد اتسمت بها اللهجات العربية بعامة، وإن تغلّب طابع الخفة على لغة القبائل الحضرية وطابع الشدة والجفاء على لغة القبائل البدوية.


ـ السحت: المائدة 62، قرئ بإسكان الحاء وضمها، والإسكان قراءة حفص، وفي التحليل ذكر ابن خالويه أن الضم الأصل والإسكان تخفيف، وقيل: هما لغتان، يراد بهما اسم الشيء المسحوت، وليسا بمصدرين، يقال: سحته الله إذا استأصله، فكأنه يسحت بدين آكله.


ويري الباحث أنه لا خلاف بين الآراء، فالأصل الضم وهو اللغة الأولى، وقد شاع في كل اللهجات العربية شرقا وغربا؛ حيث إنه قراءة ابن كثير وأبي جعفر ـ وهي قراءة تتسم بالسمات اللغوية الحجازية ـ وقراءة الكسائي وأبي بكر ـ وهي قراءة تحمل السمات اللغوية البدوية ـ ثم لجأت اللغة إلى الإسكان تخفيفا، فهو أحد مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف، ولم يقتصر على أحد شطري الجزيرة العربية، إنما كلاهما استعمله؛ حيث إنه قراءة نافع و حفص ـ وهي قراءة حجازية ـ وقراءة حمزة وخلف وهي قراءة تحمل السمات اللغوية البدوية.


ـ الدرك: النساء 145، قرئ بإسكان الراء وفتحها، والإسكان قراءة حفص، وفي التحليل ذكروا أنهما لغتان، وقيل: الأصل الفتح والإسكان تخفيف، والفتح أشهر، غير أنه روى عن عاصم: "لو كان الدرك بالفتح، لكانت السفلي بدلا من الأسفل؛ لأن الدرك بالفتح جمع دركة كبقرة وبقر"، ورفض أبو حيان هذا، وقال: إنه لا يلزم.


ويرجح الباحث أن الأصل الفتح، فهو اللغة الأولى، ثم لجأت اللغة إلى الإسكان تخفيفا نتيجة التوالي المقطعي المكروه ـ ثلاثة مقاطع قصيرة ـ وأصبح الإسكان لغة ثانية تضارع في فصاحتها اللغة الأولى، وقد جمعت اللغة الحجازية بين اللغتين ؛ لأن الفتح قراءة أهل الحرمين والإسكان قراءة حفص.


وعلى شاكلة ما سبق الكلمات الآتية: حسنا: البقرة 83 والبخل: النساء 37 والرشد: الأعراف 146 وعقبا ونكرا: الكهف 44، 74 و الرهب: القصص 32 ونذرا: المرسلات 6

وبعد..


فقد تبين للباحث أن قراءة حفص قد جمعت بين التحريك والإسكان في الكلمات الثلاثية التي احتملت قراءتها تحريك العين وإسكانها، ومن ثم يمكن القول بأن قبائل غرب الجزيرة. تلك القبائل الحجازية المتحضرة، لم تؤثر المقاطع المفتوحة، كما أنها لم تنفرد بالمقاطع المغلقة، وإنما جمعت بينهما، ودلالة هذا أنها حافظت على استعمال اللغتين: اللغة الأولى، الأصل، واللغة الثانية، لغة التخفيف، وربما يكون الأمر كذلك بالنسبة للقبائل البدوية، قبائل شرق الجزيرة.


كذلك يمكن للباحث أن يرسي قاعدة، تخلص في أن " إيثار المقاطع المفتوحة يعد مرحلة متقدمة في اللغة، وإيثار المقاطع المغلقة مرحلة متأخرة، ويعد مظهرا من مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف ".



الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 02 يونيو 2021, 12:45 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب   الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Emptyالإثنين 01 نوفمبر 2010, 6:59 am

التشديد والتخفيف:

سبق الحديث عن التشديد والتخفيف في موضع آخر؛ فأغنى ذلك عن ذكره هنا، بيد أن النماذج التي عرضت كانت مقصورة على الأفعال، فدعا ذلك الباحث أن يسوق عدة نماذج من الأسماء؛ لتؤكد أن قراءة حفص قد جمعت بين الظاهرتين، وبالتالي فاللغة الحجازية قد استعملت كلتيهما.


ولم يزل الباحث على رأيه بأن التشديد هو الأصل، ومن ثم فهو مرحلة سابقة للتخفيف الذي لجأت إليه اللغة استخفافا ومن ثم فهو لغة ثانية، وأحد مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف.


أولا: التشـديد (التضعيف):

من مظاهر التشديد التي لمسها الباحث في قراءة حفص (تضعيف عين الكلمة)، كما في قوله تعالى:

ـ منزّل: المائدة 115؛ حيث قرئ بتشديد الرأي وبتخفيفها، والتشديد قراءة حفص، والتشديد من (نزّل) بتضعيف الزاي، والتخفيف من (أنزل)، والتشديد يفيد المبالغة والتكرار والمداومة شيئا بعد شي .


ـ منجوك: العنكبوت 33، قرئ بتشديد الجيم وبتخفيفها، والتشديد قراءة حفص، والتشديد من (نجّي) بتضعيف العين، والتخفيف من (أنجي).


ـ ميت: آل عمران 27، قرئ بتشديد الياء وبتخفيفها، والتشديد قراءة حفص وكلمتا (ميت وميتة) كثر ورودهما في القرآن، وكانت السمة الغالبة على قراءة حفص هي التخفيف، ومن ثم يرجى الباحث تحليلهما، غير أنه يشير هنا إلى أصل (ميّت) بالتشديد فلقد ذكر القدماء أن (ميت) على وزن (فيعل) مكسور العين، كأنه قال: (ميوت)، ثم قلبت الواو ياء؛ لسكون الياء قبلها، ويؤكد الدرس الحديث هذا التحليل؛ حيث إن السلوك المقطعي في اللغة العربية يكره تتابع الحركات، ويعمد إلى اختصارها، فإذا ما توالت ثلاث حركات اختصرها إلى اثنتين، وإذا توالت حركتان مكروهتان كضمة وكسرة حذفت إحداهما وأطيلت الأخرى.


وكلمة (ميوت) تشتمل على مقطعين مزدوجين متتابعين.


وهذا التتابع فيه ثقل؛ إذ إنه أشبه بتتابع الكسرة والضمة، حيث تقع الواو إثر الياء، ومن ثم ونظرا لصعوبة هذا التركيب وكراهة اللغة له عمدت اللغة إلى إحداث تماثل في هذا التركيب بتغليب عنصر الكسرة على عنصر الضمة، فتحولت (ميوت) إلى (ميّت)، وهذا تأكيد لتفسير القدماء بأن الواو قلبت ياء.


يكتفي الباحث بهذه النماذج من ظاهرة التشديد؛ إذ لم يكن لها بروز واضح في قراءة حفص قدر ما للتخفيف من ذلك، وربما يرجع هذا إلى حرص اللغة الحجازية أن تتسم بالخفة.


ثانيا: التخفيـف:

من مظاهر التخفيف التي لمسها الباحث في قراءة حفص:

1ـ تخفيف بالإبدال:

وهذا المظهر نلمسه في اسم الفاعل الرباعي؛ إذ يأتي تارة بتضعيف العين من (فعّل) وأخرى بالتخفيف من (أفعل)، وهذه الأخيرة كثيرة الورود في قراءة حفص، نذكر منها:

ـ مـوص البقرة 132، قرئ بتخفيف الصاد وبتشديدها، والتخفيف قراءة حفص ، والتخفيف من أوصي، ودليله قوله تعالى: (يوصيكم الله) النساء 11، والتشديد من (وصّي)، وهما لغتان مشهورتان للعرب، واختار مكي التخفيف لخفته.


والحق أن اللغتين استعملتهما قراءة حفص، فاستعملت التخفيف هنا، والتشديد في قوله: (وصي بها إبراهيم) البقرة 132، وهذا يؤكد أن اللغة الحجازية قد جمعت بين الصيغتين، ولعل التشديد هو الأصل، ومن ثم فهو اللغة الأولى، والتخفيف اللغة الثانية.


ـ موهن: الأمثال 18، بتخفيف الهاء وتشديدها، والتخفيف قراءة حفص، وهو من (أوهن)،  وكلاهما لغة.


2ـ تخفيف بالحذف:

ونلمسه في صيغتي: (ميت وميتة)، حيث كثر ذكرهما في القرآن، وقد سيطرت لغة التخفيف عليهما في قراءة حفص، ومواضعها:

ـ ميت: الأنعام 122، الفرقان 49، الزخرف 11، الحجرات 12.


ـ ميتة: البقرة 173، المائدة 3، الأنعام 139، النحل 115، يس 33.


ففي كل هذه المواضع جاءت بالتخفيف، والأصل فيها التشديد ، وهو على وزن فيعل مكسور العين، كأنه قال: (ميوت)، ثم قلبت الواو ياء؛ لسكون الياء فيها، ثم أعلّت بالحذف لضرب من الاستخفاف.


وفي ظل معطيات الدرس الصوتي الحديث يؤكد الباحث أن حذف أحد المقاطع الصوتية يعد مظهرا من مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف، وهذا ما حدث لـ(ميت وميتة)؛ حيث إن كلمة (ميتٌ) حال تشديدها تتكون من ثلاثة مقاطع: متوسط مغلق (مي: ص ح ص) وقصير مفتوح (يـ: ص ح) ومتوسط مغلق (تن: ص ح)، فإذا ما خففت بالحذف صارت مكونة من مقطعين من المتوسط المغلق: (مي: ص ح ص) و(تن: ص ح ص).


وذكر القدماء أنهما لغتان، وكلتاهما استعملت في بيئة لغوية واحدة واستشهدوا بقول الشاعر:

ليس من مات فاستراح ميت       إنما الميت ميت الأحياء


وذكر العلماء أن بينهما فرقا دلاليا، فالتشديد يستعمل لما مات وما لم يمت، ودليله قوله تعالى: (إنك ميت وإنهم ميتون)، في حين أن التخفيف يطلق على من وقع عليه الموت.


التذكير والتأنيث:

لعل من نافلة القول أنه لا نزاع بين العلماء في تذكير الأسماء إذا كان الاسم مذكرا حقيقيا كأعلام المذكرين العقلاء، كما أنه لا خلاف بينهم في التأنيث إذا كان المؤنث حقيقيا كأسماء الأعلام للإناث العاقلات، إنما يقع الخلاف بينهم إذا كان المؤنث مجازيا كالطريق والسوق والسبيل والدار وما إلى ذلك، فبينما قصد بعض العرب إلى التذكير عمد آخرون إلى التأنيث.


هذا.. وقد ذكر العلماء أن التذكير أصل للتأنيث والتأنيث فرع عليه، وبناء على ذلك قرروا أن كل ما لا يعرف أمذكر هو أم مؤنث؟ فحقه أن يكون مذكرا، وقد ترتب على ذلك أنه إذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر، نقول: "الرجل والمرأة قاما وجلسا"، ولا يجوز: "قامتا وجلستا" ، وكذلك إذا جاء الخطاب بلفظ المذكر ولم يُنَص فيه على ذكر الرجال فإن ذلك شامل الذكران والإناث، ومن ذلك قوله تعالى: "ياأيها الذين آمنوا .." في كل المواضع من القرآن.


وقد يذكر المؤنث، ويؤنث المذكر حملا على المعني ، والأكثر أن يذكر المؤنث؛ لأنه رد فرع إلى أصل، وتذكير المؤنث أسهل من تأنيث المذكر؛ لقوة المذكر؛ إذ يصعب أن يضعف ضعف المؤنث.


موقف قراءة حفص من هذه الظاهرة:

لقد جمعت قراءة حفص بين التذكير والتأنيث في كثير من الكلمات المؤنثة تأنيثا غير حقيقي، فتارة تذكّر حملا على المعني، وأخرى تؤنث مراعاة للفظ، وربما يكون في هذا الجمع تأكيد على عدم استقرار مثل هذه الألفاظ لدى فصحاء العرب.


أضف إلى ذلك أن نزول القرآن بأكثر من لهجة حفظٌ للهجات الأخرى غير لهجة قريش واحترام لها مؤكدا ضرورة التساهل فيها؛ إذ ليس فيها واجب على تذكير هذا أو تأنيث ذاك.


ويعرض الباحث عدة نماذج للتذكير والتأنيث:

أولا: التذكير حملا على المعنى:

ـ شفاعة: في قوله: (لا يقبل منها شفاعة) البقرة 48، حيث قرئ الفعل بالياء وبالتاء، وبالياء قراءة حفص.


ـ مائة: في قوله تعالى: (إن يكن منكم مائة يغلبوا) الأنفال 65، قرئ الفعل بالياء والتاء، والياء قراءة حفص.


ـ ثمرات: في قوله تعالى: (يجبي إليه ثمرات كل شئ) القصص 57، قرئ الفعل بالياء والتاء، والياء قراءة حفص.


معذرة: في قوله تعالى: (لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم) الروم 57 ، قرئ الفعل بالياء وبالتاء، والياء قراءة حفص.


ـ النساء: في الآية (لا يحل لك النساء) الأحزاب 52، قرئ الفعل بالياء وبالتاء، والأولى قراءة حفص.


ثانيا: التأنيث مراعاة للفظ:

مـودة: في الآية (لم تكن بينكم وبينه مودة) النساء 73، قرئ الفعل بالتاء وبالياء، والتاء قراءة حفص.


وعلى شاكلة هذا النموذج قوله تعالى:

ـ فتنتهم: في الآية (لم تكن فتنتهم) الأنعام 23.

ـ سبيل: في الآية "لتستبين سبيل" الأنعام 55.

ـ الظلمات: في الآية "هل تستوي الظلمات والنور" الرعد 16.

ـ السموات: في الآية "تسبح له السموات" الإسراء 44.

ـ فئـة: في الآية "لم تكن فه فئة ينصرونه" الكهف 43.


وبعد هذا العرض لظاهرتي التذكير والتأنيث تبين للباحث أن كل الكلمات التي جاءت أفعالها بالياء قد فُصل بينها وبين أفعالها بفاصل، هو على التوالي: (منها، منكم، إليه، الذين، لك)، كما أن تأنيثها تأنيث لفظي مجازي، وإذا اجتمع هذان الأمران في تركيبٍ ما كالتراكيب السابقة يجوز في الاسم التذكير والتأنيث، فكلاهما سواء ، ويؤكد الأخفش هذا بقوله: "كل مؤنث فرقت بينه وبين فعله حسُن أن تذكر فعله، إلا أن ذلك يقبح فيما يعقل؛ لأن الذي يعقل أشد استحقاقا للفعل" ، ويعيد أبو شامة ما ذكره الأخفش في عبارة موجزة يقول فيها: "كل مؤنث غير حقيقي جار تذكيره، لا سيما إذا فصل بينه وبين فعله فاصل".


ولفت نظر الباحث تحليل مكي القيسي لقوله:

"إن يكن منكم مائة يغلبوا"؛ حيث ذكر العلماء أن الياء حملا على المعني، وجمعا بين اللغتين، أما مكي فأراد أن يؤكد (جواز الحمل على المعني) بنموذج من القرآن، فأورد نصا أرى فيه مخالفة بين لفظه ودلالته، حيث يقول: "وبالياء على التذكير لوجود فاصل بين الفعل وفاعله المؤنث، ولأن المخاطبين مذكر، فردوه على المعني فذكّروا، وهذا ضد قوله تعالي: "فله عشر أمثالها حيث أنث العدد، والأمثال مذكر، وكان حقه (عشرة)، فإنما أنث؛ لأن الأمثال في المعني هي الحسنات، فحمل التأنيث على معنى الأمثال لا على لفظتها، وكذلك هنا جعل التذكير على معني المائة".


هذا هو نص صاحب الكشف، ونلحظ فيه أن (عشر أمثالها) ضد (يكن مائة)، وكلاهما محمول على المعني. فكيف ذلك؟! وكيف يكون العدد مؤنثا في (عشر أمثالها)، أليس العدد مذكرا؟ ثم كرر اللفظ في قوله: (فإنما أنّث)! وقال في نهاية النص: "فجعل التأنيث على معنى الأمثال" فأين التأنيث المحمول على المعني؟! أليس المذكر هو المحمول على المعني؟ ولو سلمنا جدلا بسلامة النص لانتفى الحمل على المعنى، وأصبح العدد مؤنثا، والمعدود مذكرا، فيكون موافقا للقاعدة النحوية.


ولا يحق لنا أن نخطي صاحب النص، فربما يكون ذلك خطأً من الناسخ، وقد تكون "ضد" هنا بمعني "مثل".


وإذا كان لنا أن نعجب، فعجب من محقق الكتاب إذ يمر على النص مر الكرام دون أدني تعليق في الهامش، وكان ينبغي أن يعلق وبيدي رأيه، ولكن يبدو أنه ترك الأمر لغيره، ويرى الباحث أن النص ينبغي أن يكون على هذه الصورة: "..فردوه على المعنى فذكروا، وهذا مثل قوله: فله عشر أمثالها، حيث ذكر العدد، والأمثال مذكر، وكان حقه التأنيث (عشرة)، فإنما ذكر؛ لأن الأمثال في المعنى هي الحسنات، وهي مؤنث فجعل التذكير على معنى الأمثل لا على لفظها، وكذلك هنا، جعل التذكير على معنى المائة".


لحظ الباحث أن كل الكلمات التي ذكرت أفعالها كلها مفردة عدا "النساء" فهي جمع تكسير، و"ثمرات" جمع تأنيث، ومن ثم فهذان الجمعان يجوز في أفعالهما التذكير والتأنيث، وقد حفظ لنا القرآن نماذج عدة لجمع التأنيث، تارة يذكر الفعل، وأخرى يؤنث، ومن ذلك كلمة "البينات" إذ وردت فاعلا ثماني مرات، أربعة منها فعلها مذكر، والأخرى أفعالها مؤنثة.


ومن ثم فلسنا على وفاق والقول بأن "الجموع كلها مؤنثة إلا جمع المذكر، غير أن بعضها واجب التأنيث، وبعضها جائز التأنيث، فمن واجب التأنيث الجمع المختوم بالألف والتاء، بصرف النظر عن مفرده حقيقي أو غير حقيقي".


وكل الكلمات المؤنثة أفعالها لم يفصل بينها وبين أفعالها فاصل، ومن ثم فتأنيثها أولى من تذكيرها فضلا عن مراعاة لفظها المؤنث.


وكل الكلمات التي أنثت أفعالها مؤنثة لفظا ماخلا (سبيل) فتأنيثها معنوي، وهذه مثل (الطريق والدار)، وهي مذكرة في لغة تميم ونجد، ومؤنثة في لغة الحجاز ، وقد جمع القرآن ـ بما فيه قراءة حفص ـ بين اللغتين، فالمذكر في قوله: "وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا" والمؤنث في قوله تعالى: "هذه سبيلي".


نلحظ أن قراءة حفص قد جاءت على اللغة الفصحى إبان هذه الظاهرة، فلم يكن فيها شذوذ، ومن ثم لم يكن فيها مخالفة للقاعدة النحوية الخاصة بالمذكر والمؤنث، وربما يكون هذا مما ساعد على شيوعها ونشرها.


الإفـراد والجمع:

تحرص اللغات على تمييز فكرة الإفراد وفكرة الجمع، ففي الكثرة الغالبة منها يوجد مفرد وجمع، ولكنها تتخذ في هذا المعنى العقلي العام طرائق شتي لتصويره والتعبير عنه، فمن اللغات ما يميز في الصيغة بين المفرد وغيره، فيكون للمفرد صيغة ولغيره أخرى مثني كان أو جمعا، وهذا شأن معظم اللغات الأوربية، أما اللغات السامية ـ والعربية إحداها ـ فتتخذ لهذا ثلاث صيغ: إحداها للمفرد والثانية للمثني والثالثة للجمع، بل لم يقف الأمر عند هذا الحد، إنما نجد لغة كالعربية تفرق بين الجموع في حالتي القلة والكثرة، فتجعل لكلٍ صيغا معروفة متفقا عليها .


ولن يعرض الباحث لموضوع الإفراد والجمع كما تصوره كتب الصرف والنحو، وإنما يتم له ذلك من خلال قراءة حفص، إذ ثمة كلمات احتملت قراءاتها بالإفراد والجمع للتعرف على موقف قراءة حفص من مثل تلك الكلمات، وما الذي جعل مثل تلك الكلمات تحتمل القراءتين؟.



الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 02 يونيو 2021, 12:57 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب   الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Emptyالإثنين 01 نوفمبر 2010, 7:00 am

موقف قراءة حفص من هذه الظاهرة :

بالنظر والدرس لقراءة حفص من خلال رواية المصحف المتداولة ومن خلال كتب القراءات يبدو للباحث أن قراءة حفص قد حرصت على الجمع بين الصيغتين في كثير من الكلمات التي تنوعت قراءتها ما بين الإفراد والجمع، ويسوق عدة نماذج لكليهما تدليلا على ما انتهى إليه:


أولا : مما جاء بالإفراد في رواية حفص:

قوله تعالى: (رسالته) المائدة 67، قرئ بالإفراد وبالجمع، والإفراد قراءة حفص . وعلى شاكلته كلمات: (مكانتكم)  الأنعام 135، (ذريته)  الأعراف 172، يس 41، الطور 21و(عشيرتكم)  التوبة24، و(الريح)  إبراهيم 18 والإسراء 69 والأنبياء 81 وسبأ 12 وص 36، و(بينة)  فاطر 4، و(مفازتهم)  الزمر 61


ثانيا : ما جاء على الجمع عند حفص:

قوله تعالى: (الرياح) البقرة 164 والأعراف 57 والحجر 22 والكهف 45 والفرقان 48 والنمل 63 والروم 48 وفاطر 9 والجاثبة 5، حيث قرئ بالجمع وبالإفراد ، والجمع قراءة حفص .

وعلى مماثلة هذا المثال قوله تعالى: (كتبه)  البقرة 285 والأنبياء 104 والتحريم 12، و(عظاما)  المؤمنون 14، و(ذرياتنا)  الفرقان 74، و(آثـار)  الروم 50، و(ثمرات)  فصلت 47.

وبعد هذا العرض تبين للباحث أن بعض الكلمات ليس بين إفرادها وجمعها من دلالات سوي أن الجمع يدل على الكثرة والمفرد يدل على الجنس كالكتب والكتاب ، وبعضها ارتبط مفردها وجمعها بدلالة أخرى اقترنت بها في الآيات مثل: (الريح والرياح)؛ فالإفراد مرتبط بالعذاب، والجمع مرتبط بالرحمة، ودليل ذلك قول رسول الله e "اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا"، الحديث يؤكد أن مواضع الرحمة بالجمع، ومواضع العذاب بالإفراد؛ ولهذا اتفقوا على الجمع في قوله: (يرسل الرياح مبشرات)، والإفراد في (إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم) .

لحظ الباحث أن كل الكلمات احتمل الرسم قراءتيها؛ حيث إنها مكتوبة بشكل واحد، وربما دفع هذا الباحث أن يردَّ الخلاف بين الإفراد والجمع إلى خلاف مقطعي، أي في نوع المقطع، وبالتحديد ينحصر الخلاف في النوع المقطعي المفتوح، ويشمل المقطعين: القصير (ص ح) والمتوسط (ص م)، فكل الكلمات مفردة كانت أو مجموعة المقطع قبل الأخير منها أحد هذين المقطعين، وبتحويله إلى المقطع الآخر تتغير دلالة الكلمة صرفيا، فتتحول من الإفراد إلى الجمع أو العكس، فمثلا كلمة (بينت) فاطر4 هكذا رسمها في المصحف، وعليه فهي مفردة، والمقطع قبل الأخير قصير، وبإطالته تتحول دلالتها من الإفراد إلى الجمع (بينات)، ومثلها (ثمرت)؛ ومن ثم نقول: إذا كان المقطع قصيرا فدلالة الكلمة الإفراد، فإذا أطيل فدلالتها الجمع، ولكن يبدو أن في هذه القاعدة شذوذا؛ حيث إن بعض الكلمات إذا كان المقطع قبل الأخير منها قصيرا كانت دلالتها الجمع فإذا أطيل صارت دلالتها الإفراد، وخير نموذج لهذا كلمة (كتب وكتاب).

وهذا التحليل دفع الباحث أن ينوّه إلى ضرورة دراسة الصرف العربي باستخدام النظام المقطعي، كما فعل د.عبدالصبور شاهين .


الممنوع من الصرف :

بدءا يشير الباحث إلى أنه لن يدرس هذه الظاهرة من منظور صرفي عام، فذلك مذكور في مظانه المتقدمة، إنما يعرض لها من خلال قراءة حفص ومدي موافقتها ومخالفتها للشروط التي أرساها العلماء التي تمنع الاسم من الصرف، ولعل هذا ما دفع الباحث أن يشير هنا إلى بعض الشروط التي بها يمنع الاسم من الصرف والتي ينظر إليها حينما تُدرس مثل هذه القراءة. فمما يمنع الاسم من الصرف: التأنيث والعجمة وكل جمع ينتهي بألف بعده حرفان أو ثلاثة.

ومن الكلمات التي تنوعت قراءتها ما بين صرفها ومنعها من الصرف :

ـ ثمود: هود 68 وكذلك في كل مواضعها في القرآن، قرئ بالتنوين ومن غير تنوين، وقراءة حفص من غير تنوين . وفي التحليل قال الزجاج: "إذا كان (ثمود) اسما للقبيلة لم ينصرف، وإذا كان اسما للحيّ صُرفت، وكذلك كل الأسماء التي تطلق على القبائل والأحياء" ، وذكر العلماء أن علة عدم الصرف هنا التأنيث والعلمية .

ـ تتـرا : المؤمنون 44، قرئ بالتنوين ومن غير تنوين، وقراءة حفص من غير تنوين ، وعلة عدم تنوينها أنها بمنزلة تقوي، وأكثر العرب على عدم صرفها ،  فالألف ألف تأنيث مثل (سكري)، أما التنوين فعلى أن الألف ألف تنوين .

ـ سلاسل ، قوارير: الإنسان 4 و15، قرئ بالتنوين ومن غير تنوين، وهذه قراءة حفص . والأصل عدم التنوين؛ لأنه جمع ينتهي بألف بعده حرفان في (سلاسل) وثلاثة في (قوارير)، وعلة منع هذا الجمع من الصرف أنه جمع على مثال ليس يكون في الواحد ، بمعنى أنه ليس في الأسماء المفردة وزن على هذين الوزنين، أما صرفه أو تنوينه فهو لغة فيه أو مراعاة للتوافق الموسيقى بين فواصل الآيات، وهذا في نظر الباحث أقرب إلى الترجيح.

ومن خلال هذه النماذج المحدودة تبين للباحث أن قراءة حفص قد خلت ـ إن جاز التعبير ـ من (الشذوذ النحوي) إزاء هذه الظاهرة؛ حيث جاءت متوافقة وقواعد النجاة وشروطهم في الاسم الممنوع من الصرف ، ولعل هذه ميزة تضاف إلى ميزات قراءة حفص من حيث السمات اللغوية، ولعل ذلك مما ساعد على شيوعها سيوعا كبيرا في العالم الإسلامي.


المصادر والمشتقات :

لن يعرض الباحث لأشكال المصادر والمشتقات كلها كما عرض لها النجاة في مؤلفاتهم، إنما يدور في فلك قراءة حفص واستعمالها للصيغ التي وردت في قراءات أخرى بصيغ أخرى .


أولا المصـادر:

ويقف الباحث عنـد :

1ـ الثلاثي وتعدد صيغه :

لقد نص التصريفيون على أن (فعـل) بفتح العين يكون متعديا كـ(ضربه) ولازما كـ(قعـد)، والمصدر القياسي لهذا البناء (فعل) بفتح الفاء وسكون العين، كـ(ضرب ضربا ورد ردا).


وعلى هذا البناء القياسي جاءت قراءة حفص في قوله تعالى:

ـ دفـع : في (لولا دفع الله الناس)؛ حيث قرئ (دفع) هكذا وقرئ (دفاع)، والأولى قراءة حفص ، و(دفاع) مصدر (دافع)، ويجوز أن يكون مصدرا آخر لـ(دفـع)، وكلاهما متفق في المعنى.

ـ مهـدا : في قوله تعالى: (جعل لكم الأرض مهدا)، حيث قرئ المصدر (مهدا) و(مهادا)، والأولى قراءة حفص . وذكروا في التحليل أن (مهدا) مصدر ثلاثي من (مهدتها مهدا) مثل (فرشتها فرشا)، و(مهادا) اسم للأرض أي فراشا .

2ـ المصدر الرباعي :

من المصادر الرباعية (إفعال) مصدر لـ(أفعل). ومما جاء عليه في قراءة حفص:

ـ إحسانا : في قوله: (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا) الاحقاف 15، حيث قرئ (إحسانا) و(حسنا)، والأولى قراءة حفص .

ـ إسرارهم : في قوله: (والله يعلم إسرارهم) محمد 26، حيث قرئ بكسر الهمزة وبفتحها والأولى قراءة حفص .

ـ إطعام : في قوله: (أو إطعام في يوم) البلد 14 ؛ قرئ (إطعام) و(أطعم)، والأولى قراءة حفص .

3ـ المصدر الميمي :

يصاغ من الثلاثي على وزن (مفعل) بفتح الميم والعين وسكون الفاء نحو: (منصر ومضرب)، ما لم يكن مثالا صحيح اللام؛ حيث تحذف فاؤه في المضارع نحو (وعد يعد)، فإنه يكون على زنة (مفعل) بكسر العين كـ(موعد)، وثمة كلمات شذت عن هذه القاعدة يمكن الرجوع إليها في مظانها. ومن غير الثلاثي يكون على وزن اسم المفعول مثل (مقام) بضم الميم من (أقـام) ، وقد احتفظت قراءة حفص لنا بصور من كلا البناءين.


نذكر منها على سبيل المثال :

ـ مدخلا : في قوله (ندخلكم مدخلا كريما) النساء 31، حيث قرئ بضم الميم وفتحها، والضم قراءة حفص ، وهو مصدر من (أدخل)، ودليله قوله : (قل رب أدخلني مدخل صدق) ، ومثله في الأحزاب13 (يا أهل يثرب لا مقام لكم) .

ـ مجراها : في (بسم الله مجراها ومرساها) هود 41، حيث قرئ بفتح الميم وضمها، والفتح قراءة حفص ، والفتح مصدر (جرى) ، وقد اختارها الطبري لقربها من قوله: (تجرى بهم) بالفتح ، وذكر مكي أن الفتح والضم لغتان .

ـ مهلك : الكهف 59 والنمل 49، حيث قرئ بفتح الميم وكسر اللام، وبضم الميم وفتح اللام، وبفتحهما، والأولى قراءة حفص ، وهو مصدر من (هلك) .

ثانيا:  المشتقات :

ويقف الباحث عنـد :

1ـ اسم الفاعل :

من نافلة القول أن اسم الفاعل من الثلاثي على زنة فاعل ، ومما تنوعت القراءة فيه، وجاء علي وزن فاعل في قراءة حفص :

ـ مالك : الفاتحة4، حيث قرئ (مالك وملك)، والأولى قراءة حفص ، وهذه الكلمة فيها أربع لغات (مالك وملك ـ بكسر اللام ـ ومليك وملك ـ بسكون اللام) ، والقرآن لم يستعمل سوى (مالك وملك) بكسر اللام. ومالك اسم فاعل من الملك بالكسر، أما ملك فمن الملك بالضم، و(ملك) يدخل تحت (مالك) لقوله: (مالك الملك)، وقد فاضل العلماء بين القراءتين ، فبينما رجح بعضهم (مالك)  رجح آخرون (ملك) ، وثمة من رفض المفاضلة؛ لأن كلتيهما متواترة عن رسول الله e وقد اتصف بهما رب العزة ، وهذا ما نرجحه من الناحية الشرعية.

ـ حافظا : في قوله (والله خير حافظا) يوسف64، قرئ (حافظا وحفظا)، والأولى قراءة حفص ، واسم الفاعل للمبالغة على تقدير (فالله خير الحافظين) فاكتفى بالواحد عن الجمع، ويقويه أنها في مصحف ابن مسعود (الحافظين)، وليكون مطابقا لقوله تعالى على لسانهم: (إنا له لحافظون) قبله، و(أرحم الرحمين) بعده .

2ـ اسم المفعول :

يأتي من الثلاثي على وزن (مفعول)، ومن غيره على وزن مضارعه مع إبدال حرف المضارعة ميما مضمومة وفتح ما قبل الآخر، ومما جاء على هذا الوزن في قراءة حفص وبأوزان أخرى


في قراءات أخرى :

ـ المخلصين : يوسف 24، مخلصا : 51 مريم ، حيث قرئ بفتح اللام وبكسرها، والفتح قراءة حفص ، وهذا يدل على أن الله أخلصهم .

ـ مفرطون : النحل 62، قرئ بفتح الراء وبكسرها، والفتح قراءة حفص ، ودلالتها أن الإفراط لم يقع منهم، بل وقع عليهم.


تعليق عـام :

في خاتمة هذا الفصل يوجز الباحث أهم النتائج، فمن خلال عرضه لظاهرة (تناوب أصوات المد القصيرة) تبين أن لغة الحجاز قد استعملت الحركات الثلاث في الكلمات التي تناوبت الحركات على فائها، فتارة تستعمل الضم، وأخرى تميل إلى الكسر، وكثيرا ما تؤثر الفتح؛ ولذا كان الفتح أكثر أصوات المد وضوحا بارزا في قراءة حفص، وقد أرجع الباحث سبب ذلك إلى خفة الفتح ، حيث يتواءم ذلك وتحضر القبائل الحجازية ـ موطن قراءة حفص ـ ويعد الضم في رأي الباحث مرحلة سابقة للكسر والفتح، كما يعد الكسر مرحلة ثانية، أما الفتح فهو مظهر من مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف، وتناوب أصوات المد قد يكون له أثر دلالي أحيانا، وغالبا ما يكون له أثر صرفي، حيث تكون إحدى القراءتين اسما، والأخرى مصدرا، وقد لا يعدو كونه لغات في الكلمة.

ومن خلال العرض لظاهرة (تحريك عين الكلمة وإسكانها) تبين أن قراءة حفص قد احتفظت لنا بنماذج كثيرة من اللغتين، وهذا يعنى أن لغة الحجاز لم تؤثر المقاطع المفتوحة فحسب، كما أنها لم تؤثر المقاطع المغلقة، وإنما جمعت بينهما، ويرى الباحث أن الأصل التحريك أو المقطع المفتوح، فهو يمثل اللغة الأولى، أما الإسكان أو المقطع المغلق فيعد لغة ثانية، لجأت إليه اللغة تخفيفا؛ ومن ثم فهو أحد مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف.

ومن خلال العرض لظاهرة التشديد والتخفيف تبين أن قراءة حفص قد جمعت بين اللغتين، وإن كان استعمالها للتخفيف أكثر، فهذا يؤكد ما أشار إليه الباحث في الفصل السابق إبان هذه الظاهرة في الأفعال؛ حيث انتهى إلى أن لغة الحجاز ـ أو قراءة حفص ـ قد آثرت الجمع بين اللغتين، وإن كان إيثارها للتخفيف أوضح وأبين؛ إذ لمس الباحث عدة مظاهر للتخفيف، ولا غرابة في ذلك؛ لأن القبائل الحجازية قبائل متحضرة تميل كثيرا للتخفيف.

ومن خلال العرض لظاهرة (التذكير والتأنيث) تبين أن قراءة حفص قد جاءت على اللغة الفصحى، لم يكن بها أدنى شذوذ لغوى، حيث جاءت موافقة تماما لقواعد النجاة الخاصة بهذه الظاهرة، إذ ذكّرت الكلمات المؤنثة لفظا التي فصل بينها وبين أفعالها فاصل، وأنّثت الكلمات التي لم يفصل بينها وبين أفعالها فاصل. ولعل خلو القراءة من الشذوذ النحوي إزاء هذه الظاهرة مما ساعد على نشرها وشيوعها في أقطار العالم الإسلامي.

ومن خلال العرض لظاهرة (الإفراد والجمع) تبين أن قراءة حفص قد جمعت بينهما، وهذا يرجع إلى أن تلك الكلمات التي تنوعت قراءتها ما بين الإفراد والجمع قـد احتملها الرسم العثماني؛ لأن شكلها واحد، ولعل هذا ما جعل الباحث أن يرجع الخلاف بينهما إلى خلاف مقطعي، وفي ضوء تحليل هذه الظاهرة باستخدام المقاطع الصوتية نوّه الباحث إلى ضرورة دراسة الصرف العربي باستخدام نظام المقاطع بجانب النظام التقليدي؛ حيث يسهل استخدامه في دراسة الاسم والفعل والحرف، في حين أن النظام القديم يصعب تطبيقه على الحروف، ولعل دراسة د.عبد الصبور شاهين (المنهج الصوتي للبنية العربية رؤية جديدة للصرف العربي) بادرة طيبة لتطبيق هذا النظام الحديث.

ومن خلال ظاهرة (الممنوع من الصرف) والنماذج القليلة التي عرض لها الباحث تبين أن قراءة حفص قد جاءت على اللغة الفصحى موافقة لقواعد النحاة في هذه الظاهرة؛ حيث إنها لم تصرف اسما فيه علة تمنعه من الصرف.

ومن خلال العرض الموجز لظاهرة (المصادر والمشتقات) تبين للباحث أن قراءة حفص جاءت البناء القياسي للمصادر والمشتقات، وإن الخلاف في القراءات قد يحوّل المصدر أو المشتق من صورة إلى أخرى، وقد يكون الخلاف في القراءتين مجرد خلاف لهجي، وقد يكون له تأثير دلالي، وفي كل الأحوال لا ينبغي ترجيح قراءة على أخرى؛ فالقراءة ذات سند متصل؛ فتقدم على قواعد النحاة ورؤى المفسرين.



الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 02 يونيو 2021, 1:02 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب   الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Emptyالإثنين 01 نوفمبر 2010, 7:02 am

الباب الثانـي الدراسة التراكيبية

لقد خصص الباحث هذا الباب للدراسة التركيبية، وهو يشمل ثلاثة فصول:

الفصل الأول: الجملة الفعلية دراسة في البنية والتركيب، ويشمل عدة مباحث:

الأول : بنية الفعل وأثرها في التركيب

الثاني : بنية الفعل والزمن النحوي

الثالث : الحركة الإعرابية وأثرها في التركيب

الرابع : تنوع الفاعل المضمر

الخامس: النصب بعامل مقدر

أما الفصل الثاني فقد جعله الباحث للجملة الاسمية دراسة في الحركة والتركيب، ويحتوى أربعة مباحث :

الأول : الحركة الإعرابية وأثرها في التركيب

الثاني : الحركة الإعرابية والتوابع

الثالث : التنوين وأثره في التركيب

الرابع : الأساليب (معاني الجمل)

وأما الفصل الثالث فقد خُصّص لدراسة الحروف بنيتها ودلالتها التركيبية، ويقتصر على هذه الحروف : (إن ، ربما ، لام الأمر ، لا ).


الفصل الأول

الجملة الفعلية دراسة في البنية والتركيب

ويشمل هذه المباحث:

بنيـة الفعـل وأثـرها فـي التركيب

بنيـة الفعـل والزمـن النحـــوي

الحركة الإعرابية وأثرها  في التركيب

تنـــوع الفاعــل المضــــمر

النصـب بعامـــل مقــــــدر


بنية الفعل وأثرها في التركيب :

ليس المقصود بدراسة البنية هنا الدرس الصرفي المورفولوجى Morphology، إنما المقصود أثر اختلاف ضبط البنية على التركيب  Syntax ، من حيث التجرد والزيادة ، واللزوم والتعدي ، والإسناد للفاعل والمفعول عند حلوله محل الفاعل.

أولا : من حيث التجرد والزيادة :

لقد جمعت قراءة حفص بين صيغتي المجرد والمزيد في كثير من الأفعال، ولا شك أن لذلك أثرا على التركيب، و يتضح لنا ذلك من  خلال عرض عدة نماذج من كلتا الصيغتين .

1ـ الصيغ المجردة :

ـ يكذبون : في قوله تعالى (ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون) البقرة 10، حيث قرئ بتخفيف الذال وتشديدها، والتخفيف قراءة حفص ، ودلالتها يكذبون عليك بأنك ساحر ومجنون، وهو غير متعد، أما الثانية فمن التكذيب، والقراءتان متقاربتان؛ لأن من كذّب (بالتشديد) النبي فقد كذب .

ـ كذبوا : في (وظنوا أنهم قد كذبوا) يوسف 110، قرئ بتخفيف الذال وتشديدها، والتخفيف قراءة حفص ، ودلالتها أن الظن للكفرة بمعنى الشك، وتقديره: وظن الكفرة أن الرسل قد كذبوا فيما وعدوا به من النصر.

ـ نزل : في قوله تعالى: (نزل به الروح الأمين) الشعراء 193، (وما نزل من الحق) الحديد 16، حيث قرئ بالتخفيف والتشديد، والتخفيف قراءة حفص ، ودلالتها أن الفاعل في الأولى (الروح) وفي الثانية مقدر يعود على الكتاب، والقراءة الأخرى فتجعل الفاعل مفعولا.

2ـ الصيغ المزيدة :

ـ ليضلون : الأنعام 119، قرئ بضم الياء وبفتحها، والضم قراءة حفص ، ودلالته أن الفعل مضارع (أضل) وهو مزيد متعد يفيد أن الضلال واقع منهم على غيرهم، أما الفتح فمن (ضلّ)، ودلالته أنهم ضلوا ولم يُضِلوا غيرهم .

ـ يظهر : في الآية (أن يُظهر في الأرض الفساد) المؤمن 26، قرئ بضم الياء وكسر الهاء وبفتحهما، والأولى قراءة حفص ، ودلالتها أن الفعل مضارع (أظهر) الرباعي، ونصب الفساد به، أما القراءة الأخرى فالفساد فيها فاعل.

ـ نرى : في الآية (نُرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا منه يحذرون) القصص6، قرئ بنون مضمومة وراء مكسورة وبياء وراء مفتوحتين، والأولى قراءة حفص ، ودلالتها أنه رد الكلام على قوله (ونريد أن نمنّ)، فأتى بالكلام على سنن واحد، ونصب (فرعون) ومن بعده بتعدي الفعل إليهم، و(الله) هو الفاعل، أما الأخرى فـ(فرعون) هو الفاعل.

ـ كفلها : في قوله: (وكفّلها زكريا) آل عمران37، قرئ بالتشديد والتخفيف، والتشديد قراءة حفص ، ودلالته أن زكريا مفعول، و(الله) هو المكفل، أما التخفيف فدلالته أن زكريا فاعل .

وبعد فقد تبين أن قراءة حفص حافظت على استعمال الصيغتين، وكلتاهما سمة للغة الحجاز، وكلتاهما لها أثرها في دلالة التركيب، كما هو واضح في تحليل النماذج.


ثانيا : من حيث اللزوم والتعدي :

ـ تسوى : في الآية (لو تسوى بهم الأرض) النساء 42، قرئ بضم التاء وتخفيف السين وبفتح التاء وتشديد السين، والأولى قراءة حفص ، ودلالتها لو سواهم الله والأرض، فصاروا ترابا مثلها بتصييره إياهم ، فالفعل هنا متعد .

ـ يصلحا : في الآية (أن يصلحا بينهما صلحا) النساء 128، قرئ بضم الياء وإسكان الصاد وكسر اللام وبفتح الياء والصاد مشددة بعدها ألف ولام مفتوحة، والأولى قراءة حفص ، وهي من (أصلح)، والعرب تقيم الاسم مقام المصدر (إصلاحا)؛ كقوله (من ذا الذي يقرض الله قرضا)، ولم يقل (إقراضا) ، و(أصلح) متعد  ينصب مفعولا.

ـ تساقط : في الآية (تساقط عليك رطبا جنيا) مريم 25، قرئ بضم التاء وكسر القاف وتخفيف السين وبفتح القاف وتشديد السين، والأولى قراءة حفص ، ودلالتها أن الفعل مضارع (ساقطت) وهو متعد إلى الرطب، فنصبه به والفاعل النخلة، أي تساقط النخلة رطبا جنيا عليك ، وعلى شاكلة هذا النموذج :

ـ تظاهرون : في قوله تعالى (ما جعل أزواجكم اللائى تظاهرون منهن أمهاتكم) الأحزاب4 ؛ حيث قرئ بضم التاء وتخفيف الطاء وكسر الهاء خفيفة وبفتح التاء والياء مع تخفيف الطاء وبفتح التاء والهاء مع تشديد الظاء من غير ألف، والأولى قراءة حفص .

ومن خلال عرض هذه النماذج تبين أن قراءة حفص قد آثرت الصيغة المتعدية وهذا يعني أن التركيب لا تتم دلالته إلا بنصب مفعول؛ حيث توجب هذه الصيغة وجود مفعول في الجملة، أما الصيغة الأخرى فتكتفي بفاعلها وبه تتم دلالة التركيب، والصيغة المتعدية صيغة خفيفة ، اتسمت بها لغة الحجاز ، ولعل إيثار هذه الصيغة يعد مظهرا من مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف .

ثالثا : من حيث الإسناد :

ثمة أفعال كثيرة  قرئت مسندة للفاعل ومسندة للمفعول، وقد احتفظت لنا قراءة حفص بنماذج كثيرة منهما، ونعرض بعضها هنا لبيان أثر ذلك في التركيب.

1ـ الإسناد للفاعل :

ـ يغـل : في الآية (ما كان لنبي أن يغل)  آل عمران 161، ودلالة البناء للفاعل أنه من الغلول، ومعناه أن يخون أصحابه بأخذ شي من الغنيمة خفية ، وقد ذكر ابن جرير أن الآية نزلت بسبب قطيفة من الغنائم فُقدتْ يوم بدر، فقال بعض من مع رسول الله e: "لعل رسول الله أخذها"؛ ومن ثم رجح هذه القراءة؛ لأنها تنفي أن يقع غلول من الأنبياء؛ لأنه جرم عظيم . وربما كان هذا الترجيح ـ في حد ذاته ـ هو الذي جرأ "جولد زيهر" أن ينكر القراءة الأخرى، يقول: "وقراءة الفعل مبنيا للفاعل توقع اتهاما موجها للنبي e ، وقد بدا هذا الاتهام غير لائق في نظر المؤمنين؛ حيث يفسح المجال لنسب عمل غير صالح للنبي e ، فأزال كثير من القراء هذا الإشكال بقراءة الفعل مبنيا للمفعول، وبهذا حذفت الريبة غير اللائقة التي ألحقت بالنبي" ، فهذا النص الاستشراقي يؤخذ منه أن القراءة المتواترة بناء الفعل للفاعل فحسب، أما القراءة الأخرى فمن صنع القراء لإزالة الاتهام الموجه للنبي e وهذا غير مقبول، فالقراءتان متواترتان أقرهما النبي e ؛ حيث إن الاتهام قد وقع من بعض المسلمين، وكان ذلك في سريرة أنفسهم، فجاءت الآية ـ في قراءة حفص ـ ردا عليهم وتعليما لهم .

ـ يدخلون: في قوله تعالى (فأولئك يدخلون الجنة)  النساء 124 ومريم60، والبناء للفاعل دلالته أنه جعل الفعل للداخلين؛ لأن من أذن له الله في دخول الجنة أو النار فهو الداخل ، فضلا عن أن البناء للفاعل يؤكد أن دخول الجنة أو النار يرجع إلى عمل العبد.

ـ حـرم : في قوله (قد فصل لكم ما حرم عليكم)  الأنعام 119.

ـ نوحي : في (ما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم)  يوسف 109


2ـ الإسناد للمفعول :

ـ ترجعون : في الآية (ثم إليه ترجعون) البقرة 28 وما ماثله في كل المواضع من الماضي والمضارع إذا كان من رجوع الآخرة ، ودلالة البناء للمفعول أن الفعل متعد، لابد له من مفعول لإتمام التركيب، والفعل (رجع) يأتي لازما ومتعديا، والبناء للمفعول أفصح؛ لأن الفعل مسند لله في الأفعال السابقة لهذا الفعل في الآية (فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) فكان سياق هذا الإسناد أن يكون (ثم إليه مرجعكم)، لكنه كان يفوت تناسب الفواصل، فحذف الفاعل للعلم به . أضف إلى هذا أن البناء للمفعول يجعل الإنسان مقهورا في عملية الإماتة والإحياء والإرجاع، فيرغب المحسن في ازدياد الخير، ويخشى المسيء عاقبته، فينتهي عما يفعل.

وعلى شاكلة هذا النموذج الفعل (سعدوا) في قوله تعالى: (وأما الذين سعدوا ففي الجنة)  هود 108، فهذا الفعل صالح لأن يكون لازما ومتعديا، تقول: سعد زيد ـ بالفتح ـ وسعده الله، مثل (جبر)، تقول: جبر زيد وجبره الله ، ومنه قول الشاعر :

قد جبر الدين الإله فجبر      وعور الرحمن من ولى العور

كذلك من الأفعال التي جاءت في قراءة حفص مسندة للمفعول :

ـ يوصي : في (من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار)  النساء 12.

ـ أحل : في (وأحل لكم ما وراء ذلكم)  النساء 24.

ـ يضل : في (إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا) التوبة 37.

وبعد عرض هذه النماذج تبين أن قراءة حفص قد حافظت على استعمال صيغتي المجرد والمزيد، وكلتاهما سمة اتسمت بها لغة الحجاز، وكلتاهما لها أثرها في دلالة التركيب كما اتضح لنا من خلال تحليل النماذج .

آثرت الصيغة المتعدية وهذا يعنى أن التركيب لا تتم دلالته إلا بنصب مفعول؛ حيث توجب هذه الصيغة وجود مفعول في الجملة، أما الصيغة الأخرى فتكتفي بفاعلها وبه تتم دلالة التركيب، والصيغة المتعدية صيغة خفيفة، اتسمت بها لغة الحجاز، ولعل إيثار هذه الصيغة يعد مظهرا من مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف جمعت بين الإسناد للفاعل والإسناد للمفعول، ويمكن القول بأن الإسناد للفاعل يفيد التخصيص والتحديد؛ حيث يتضح الفاعل في حين أن الإسناد للمفعول غالبا ما تكون دلالته التعميم والإبهام، ولكل دلالة بلاغية، تتضح من خلال السياق.

بنية الفعل والزمن النحوي :

ينصب اهتمام الباحث في درس هذه الظاهرة على أثر اختلاف ضبط البنية على الزمن النحوي للفعل، وربما تضطره القراءات أن يعرض لزمن الماضي وزمن المستقبل (الأمر) فحسب، حيث أن الأفعال التي تنوعت قراءتها ـ على حد علم الباحث ـ ما بين الماضي والأمر، ولا شك أن لذلك أثرا على التركيب، ويعرض الباحث عدة نماذج لتبيان هذا الأثر.

1ـ زمن الماضي :

ـ تطـوع : في الآية (ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم)، و(فمن تطوع خيرا فهو خير له) البقرة 158 و184، حيث قرئ بالتاء وتخفيف الطاء وفتح العين وبالياء وتشديد الطاء وإسكان العين، والأولى قراءة حفص ، ودلالتها أن الفعل ماض في موضع الاستقبال؛ لأن الماضي يقوم مقام المستقبل في الشرط .

ـ قـال : في (قال ربي يعلم القول في السماء والأرض) الأنبياء 4 و(قال رب احكم بالحق) الأنبياء 112 و(قال كم لبثتم) المؤمنون 112 و(قال أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم) الزخرف 24

هذا الفعل في كل المواضع قرئ بفتح القاف بعدها ألف ولام مفتوحة وبضم القاف وإسكان اللام من غير ألف، والأولى قراءة حفص ، ودلالتها أن الفعل ماض، والماضي أشد توكيدا، وفاعله غائب، والتركيب خبري من حيث الأسلوب.


2ـ زمن الأمر :

ـ اتخذوا : في (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) البقرة 125، قرئ بكسر الخاء وبفتحها، والكسر قراءة حفص ، والكسر على الأمر الواقع من رب العزة للمسلمين، أما الفتح فيفيد الحديث عن غيب، والكسر يوافق قول عمر: "أفلا نتخذه مصلى"؛ ومن ثم رجحه بعض العلماء، وقالوا: هو أجود وأحسن .

ـ قـل : في قوله تعالى: (قل سبحان ربي) الإسراء 93 و(قل إنما أدعو ربي) الجن 19 قرئ على المضي (قـال) والأمر (قـل)، والأمر قراءة حفص . وقد سبق الحديث عن ذلك في (الماضي).



الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 02 يونيو 2021, 1:06 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب   الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Emptyالإثنين 01 نوفمبر 2010, 7:04 am

ومن خلال العرض لهذه الظاهرة تبين أن قراءة حفص قد آثرت الزمن الماضي في المواضع التي بحاجة إلى شديد تأكيد؛ لأن الماضي أشد توكيدا، والدليل على ذلك أنه يستعمل في موضع الاستقبال لاسيما إذا كان شرطا كما في (تطوع)، والماضي له دلالة بلاغية؛ حيث يجعل أسلوب الكلام أسلوبا خبريا، وآثرت الأمر في المواضع لا تحتمل الشك؛ حيث إن الأسلوب إنشائي أمري، وغالبا ما يأتي ذلك في المواضع التي يأمر الله فيها نبيه e أن يأمر قومه بأمر لم يسبق إليه.

الحركة الإعرابية وأثرها في التركيب :

يتحدث الباحث في هذه الظاهرة عن الأفعال التي تنوعت قراءتها ما بين الرفع والنصب والجزم ، ولا شك أن تنوع الحركة الإعرابية يؤدى إلى تنوع دلالة التركيب ويتضح هذا من خلال عرض عدة نماذج من قراءة حفص .

1ـ حركة الرفع :

من الأفعال التي جاءت مرفوعة في قراءة حفص :

ـ يكفر : في (إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم) البقرة 271، قرئ بالرفع وبالجزم، والرفع قراءة حفص ، وفي التحليل لدلالة الرفع ذكروا أنه على الاستئناف، ودليله قوله: (ومن عاد فينتقم الله منه) المائدة 95 بالرفع ، وقيل: عطف نسق على ما بعد الفاء، وهو الأفصح؛ لأن الأفصح من الكلام في النسق على جواب الجزاء الرفع، وإنما الجزم تجويزه ، والرفع أبين، قال سيبويه: "الرفع هو الوجه الجيد؛ لأن الكلام الذي بعد الفاء يجري مجراه في غير الجزاء" ، وذكر أبو حيان أن الرفع أبلغ وأعم من الجزم ؛ فبينما الجزم على أنه معطوف على جواب الشرط الثاني يدل الرفع على أن التكفير مترتب من جهة المعنى على بذل الصدقات أبديت أو أخفيت، وإن كان الإخفاء خيرا من الإبداء .

ـ فيغفر، يعذب: في (إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) البقرة 284، قرئ بالرفع والجزم، والرفع قراءة حفص ، ودلالة الرفع القطع والاستئناف ، وذكر أبو حيان أن الرفع على وجهين أحدهما أن يجعل الفعل خبرا لمبتدأ محذوف ، والآخر أن يعطف جملة على جملة من فعل وفاعل .

ـ يرثني : في (فهب لي من لدنك وليا يرثني) مريم 6، قرئ بالرفع والجزم، والرفع قراءة حفص ، ودلالته أنه في موضع نعت لولى؛ لأنه نكرة، ويؤكده قوله (أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا) المائدة 114، فلا خلاف على قراءتها رفعا، أضف إلى هذا أن زكريا سأل ربه وليا وارثا علمه ونبوته، فليس المعنى على الجواب، أي ليس المعنى: إن وهبت لي وليا يرثني، بل رد أبو عبيدة قراءة الجزم، وقال: كيف يخبر زكريا الله وهو أعلم به منه؟" ، ونظيره قوله: (ردءا يصدقني)  القصص 60

ـ يقول : في قوله تعالى: (فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ويقول الذين آمنوا أهولاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم) المائدة 53، قرئ بالرفع وبالنصب، والرفع قراءة حفص ، وهو على القطع والاستئناف .

2ـ حركة النصب :

من الأفعال التي تنوعت قراءتها وجاءت منصوبة في قراءة حفص :

ـ فيضاعفه : في (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له) البقرة 245، حيث قرئ بالنصب وبالرفع، والنصب قراءة حفص ، ودلالة النصب أنه على جواب الاستفهام ، أي من المقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له؟ إذن (يضاعفه) جواب الاستفهام، وذلك مثل قولك: من أخوك؟ فنكرمه ـ بالنصب ـ لأن الأفصح في جواب الاستفهام بالفاء إذا لم يكن قبله ما يعطف عليه نصبه ، وفي هذه القراءة رد على من قـال : "إذا كان الاستفهام عن المسند إليه الحكم لا عن الحكم فلا يجوز النصب بإضمار (أن) بعد الفاء في الجواب، فهو قول محجوج بهذه القراءة المتواترة، وقد جاء في الحديث (من يدعوني فأستجيب له) بالنصب وكذلك سائر أدوات الاستفهام .

ـ يأمركم : في (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا) آل عمران 80 قرئ بالنصب والرفع، والنصب قراءة حفص ، وفي تحليل هذه القراءة كان للعلماء أقوال كثيرة، منها: هو رد على (أن يؤتيه) ، وقيل: عطف على (ثم يقول)، وتأويل القراءة: (ولا أن يأمركم)؛ لأن الآية نزلت في سب القوم الذين قالوا لرسول الله e: أتريد أن نعبدك؟ فأخبرهم الله أنه ليس لنبيه e أن يدعو الناس إلى عبادة نفسه ولا إلى اتخاذ الملائكة والنبيين أربابا .

ـ نكذب .. ونكون : في (فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) الأنعام27 حيث قرئ بالنصب والرفع، والنصب قراءة حفص ، وفي تحليل هذه القراءة قيل: النصب على جواب التمني بالواو؛ لأن الواو في الجواب كالفاء، ومنه :

لا تنه عن خلق وتأتي مثله       عار عليك إذا فعلت عظيم

وذكر الطبري أن هذا هو رأى البصريين وبعض الكوفيين؛ حيث قالوا: والعرب تجيب بـ(الواو وثم) كما تجيب بـ(الفاء)، يقولون: (ليت لي مالا فأعطيك، وأعطيك، ثم أعطيك) بالنصب ، وذكر بعضهم  أن النصب على جواب التمني بإضمار (أن)، والواو للعطف عطف مصدر على مصدر متوهم قبله، كأنه قال: "يا ليتنا يكون لنا رد وانتفاء من التكذيب وكون من المؤمنين) فحمل (نكذب ونكون) على مصدر (نرد) في الرفع؛ إذ لم يمكن حمل العطف على نرد لانقلاب المعنى إلى الرفع، فلابد من إضمار (أن) لتكوّن مع الفعل مصدرا، فيعطف مصدر على مصدر، ويؤكد أبوحيان هذا الرأي  بقوله: "إن نصب الفعل بعد الواو ليس على جهة الجواب لأن الواو لا تقع في جواب الشرط ، فلا ينعقد مما قبلها ولا مما بعدها شرط وجواب، وإنما هي واو الجمع يعطف ما بعدها على المصدر المتوهم قبلها .. وحجة من قال بأنها جواب أنها تنصب في المواضع التي تنصب فيها الفاء، فتوهم أنها جواب"، ونقل عن سيبويه "والواو تنصب ما بعدها في غير الواجب من حيث انتصب مما بعد الفاء، والواو معناها ومعنى الفاء مختلفان، ألا ترى في : (لا تنه عن خلق وتأتي مثله) لو أدخلت الفاء هنا لأفسدت المعنى، وإنما أراد أن لا يجتمع النهي والإتيان، وتقول: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، لو أدخلت الفاء فسد المعنى"، فسيبويه يوضح أنها ليست بجواب ، وذهب الكوفيون إلى أن الواو هنا واو الصرف، وهى كقولك: لا يسعني شئ ويعجز ـ بالنصب ـ عنك، وبهذا أخذ الطبري، ورفض النصب على الجواب، حيث قال عن هذه القراءة: "إني أظن بقارئه أنه توخى تأويل قراءة عبد الله (فلا نكذب) بالفاء، على وجه جواب التمني بالفاء، ومعناه: لو أنا رددنا إلى الدنيا ما كذبنا بآيات ربنا ولكنا من المؤمنين" ثم قال: "فإن يكن الذي حكى عن العرب من السماع منهم الجواب بالواو وثم كهيئة الجواب بالفاء صحيحا، فلا شك في صحة قراءة من قرأ بالنصب على جواب التمني بالواو، على تأويل قراءة عبد الله بالفاء، وإلا فإن القراءة بذلك بعيدة المعنى من تأويل التنزيل، ولست أعلم سماع ذلك من العرب صحيحا، بل المعروف من كلامها الجواب بالفاء والصرف بالواو" .

ـ فأطلع : في (لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى) غافر 37 ومثله (فتنفعه) في قوله: (لعله يزكي أو يذكر فتنفعه الذكرى) عبس 4، حيث قرئ بالنصب وبالرفع، والنصب قراءة حفص ، وعلة النصب أن الفاء وقعت في جواب الترجي، وقد ذكر العلماء أن (لعل) في الترجي أخت (ليت) في التمني ، غير أن النحويين لم يجمعوا على هذا السبب للنصب، إنما أجازه الكوفيون، واحتجوا بهذه القراءة ، ولعل هذا مما دفع الباحث أن يصف المنهج الكوفي بأنه منهج وصفي؛ حيث لم يرفضوا قراءة متواترة ، بل كانوا أشد احتراما للقراءات.

3ـ حركة الجزم :

من الأفعال  التي تنوعت قراءتها ، وجاءت مجزومة في قراءة حفص :

ـ تضار : في قوله تعالى  (لا تضار والدة بولدها)، (لا يضار كاتب ولا شهيد) البقرة 233 و282، حيث قرئ بفتح الراء وبضمها، والفتح قراءة حفص ، وفتح الراء على الجزم بـ(لا) الناهية، والأصل (تضاررْ)، ثم حدث إدغام بين المثلين ففتح لالتقاء الساكنين؛ لأن الفتحة أخف الحركات ، وقيل: حرك بالفتحة لمجانسة الألف قبلها ، قال أبو حيان: "والمشدد إذا كان مجزوما كانت حركته الفتحة" .

ـ يجعل: في (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا) الفرقان 10 قرئ بالجزم والرفع ، والجزم قراءة حفص ، والجزم ردّ على موضع (جعل)، وموضعه الجزم؛ لأنه جواب الشرط، وإن كان ماضيا فمعناه الاستقبال .

ـ يضاعف .. يخلد : في (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) الفرقان 69، قرئ بالجزم والرفع، والجزم قراءة حفص، والجزم على البدل من (يلق) و(يخلد) على العطف .

وبعد هذا العرض تبين للباحث أنه يجوز في جواب الأمر الرفع والجزم، والرفع أولى؛ لأنه أفصح، ورفعه على الاستئناف أو النعت، وتصير دلالة الأمر تامة من غير جواب، كذلك الأمر بالنسبة للمعطوف على جواب الأمر، يجوز فيه الرفع والجزم، الرفع أفصح على القطع ويصبح تركيبا مستقلا. وجاءت قراءة حفص متوافقة وقواعد النحاة في الحركات الثلاث، أما اختلافهم في تفسير الظاهرة ـ كما في نصب (نكذب ونكون) ـ فلم يُخرج القراءة عن موافقتها لقواعدهم بوصف عام. وساعدت قراءة حفص على تأكيد القاعدة التي تجيز النصب على جواب الاستفهام بالفاء سواء الاستفهام عن الحكم أو المسند إليه الحكم، كما ساعدت على تأكيد القاعدة.


تنوع الفاعل المضمر :

في ضوء هذه الظاهرة يتحدث الباحث عن ضمير الفاعل من حيث كونه للمتكلم والمخاطب والغائب ، ومن حيث تذكيره وتأنيثه ، وأثر ذلك في التركيب .

أولا: من حيث التكلم والخطاب والغيب :

1ـ الفاعل المتكلم :

ثمة أفعال زمنها استمراري احتمل رسمها كتابة أحرف مضارعتها بالنون والتاء والياء؛ ومن ثم تنوعت قراءاتها ما بين الأحرف الثلاثة، ولا ريب أن تنوع قراءتها ليس نتيجة الرسم، إنما يرجع إلى السند المتواتر، وساعد الرسم على استيعابها، وتنوع أحرف المضارعة دلالته تنوع الفاعل، فالنون تعنى أن الفاعل متكلم، والتاء للفاعل المخاطب، أما الياء فللغائب، وقد جاءت في قراءة حفص بالنون؛ ومن ثم فالفاعل متكلم ويسوق الباحث عدة نماذج تأكيدا لما انتهي إليه .

ـ نعف .. نعذب : في (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين) التوبة66، قرئ بالنون وبالياء، والنون قراءة حفص ، ونلحظ أن هذه القراءة تجعل الكلام على نسق واحد، فالمتكلم في الأفعال الثلاثة في الآية واحد.

ـ لنجزين : في (ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) النحل 96، قرئ بالنون وبالياء، والنون قراءة حفص ، وفي القراءة مظهر بلاغي، هو الالتفات من الغائب إلى المتكلم.

ـ نجازي : في (ذلك جريناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور) سبأ 17، قرئ بالنون وبالياء، والنون قراءة حفص ، والسياق هنا واحد؛ لأن الفاعل في (جزيناهم ونجازى) واحد.

ـ نتقبل .. نتجاوز : في (أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا وتتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة) الأحقاف 16، قرئ بالنون وبالياء، والنون قراءة حفص .

ـ نقول : في (ما يبدل القول لدى وما أنا بظلام للعبيد. يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد) ق 30، قرئ بالنون وبالياء ، والنون قراءة حفص ، والكلام هنا على نسق واحد .

2ـ الفاعل المخاطب :

كذلك هناك أفعال تنوعت قراءتها ما بين المخاطب والغائب والمتكلم، وقد جاءت في قراءة حفص بالتاء؛ دلالتها الخطاب، نعرض لنماذج منها:

ـ تقولون : في (أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى) البقرة 140، قرئ بالتاء وبالياء، والتاء قراءة حفص ، والكلام هنا يسير في سياق واحد؛ حيث قبله خطاب في (قولوا آمنا).

ـ تستطيعون : في (فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا) الفرقان 19، قرئ بالتاء وبالياء، والتاء قراءة حفص ، وفيها التفات من الغيب إلى الخطاب.

ـ تخفون .. تعلنون : في (ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون) النمل 25، قرئ بالتاء وبالياء، والتاء قراءة حفص ، وفي القراءة التفات من الغيب إلى الخطاب .

ـ عجبت : في (فأستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا. إنا خلقناهم من طين لازب. بل عجبت ويسخرون) الصافات 12، قرئ بفتح التاء وبضمها ، والفتح قراءة حفص ، ودلالة الفتح أن الفاعل مخاطب ، وهذا يعنى أن العجب قد وقع من رسول الله e، أما الضم فدلالته وقوع العجب من الله تعالى ، وقد نعتت هذه القراءة الأخيرة من المستشرقين بالوهم؛ حيث يقول جولد زيهر: "إن الطبري أقر القراءتين، ولم يفضل واحدة على أخرى، وبذلك أعطى القراءة الموهمة ما لا يليق مكانا مساويا للقراءة المشهورة" . ولا شك أن هذه القراءة صحيحة، أما هذا الوصف فهو واهٍ ، مصدره حقد في صدور المستشرقين تجاه الإسلام.



الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 02 يونيو 2021, 1:08 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب   الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Emptyالإثنين 01 نوفمبر 2010, 7:06 am

3- الفاعل الغائب :

من الأفعال التي تنوعت قراءة أحرف مضارعتها ما بين الياء والتاء والنون، وجاءت في قراءة حفص بالياء :

يكفـر : في (إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير) البقرة 271، قرئ بالياء والنون، والياء قراءة حفص ، وهذه القراءة تجعل الكلام على نسق واحد ؛ إذ قبلها (فإن الله يعلمه) وبعدها (والله بما تعملون خبير).

ـ يوفيهم : في (وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين) آل عمران 57، قرئ بالياء وبالنون، والياء قراءة حفص ، وفيها التفات من المتكلم أي الغائب، حيث قبلها (ثم إليّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون).

ـ يؤتيهم : في (والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم) النساء 152، قرئ بالياء والنون، والياء قراءة حفص ، وفي القراءة التفات بالنسبة لسابقها من الكلام؛ حيث قبلها (وأعدتنا للكافرين عذابا مهينا)، واتساق بالنسبة لما بعدها؛ إذ بعدها (وكان الله غفورا رحيما).

ـ يحشر : في (ويوم يحشرهم يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس) الأنعام 128، قرئ بالياء والنون، والياء قراءة حفص ، والكلام على نسق واحد، فقبلها (لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون) وكله غيب.

ـ وضعت : في (والله أعلم بما وضعت) آل عمران 36، قرئ بفتح العين وإسكان التاء وبإسكان العين وضم التاء وفتحها، والأولى قراءة حفص ، ودلالتها الإخبار من الله عن أم مريم ، والتاء دليل التأنيث وليست باسم ، والفاعل ضمير مستتر عائد على أم مريم ، وفي القراءة التفات ، فقلبها " رب إني وضعتها أنثي " وبعدها " إني سميتها مريم وإني أعيدها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ".

ثانيا : من حيث التذكير والتأنيث :

ثمة أفعال مضارعة تنوعت قراءة حرف المضارعة فيها ما بين الياء والتاء، ودلالة الياء أن الفاعل مذكر، ودلالة التاء أن الفاعل مؤنث، وقد آثرت قراءة حفص تذكير الفاعل على تأنيثه؛ إذ نجد أفعالا كثيرة جاءت في قراءة حفص بالياء، وهي بالتاء في قراءات أخرى، في حين أننا لا نكاد نجد إلا فعلا واحدا أنّث فاعله في قراءة حفص، وجاء مذكرا في قراءات أخرى، ونعرض عدة نماذج تأكيدا لما تبين لنا:

ـ يغشى : في قوله تعالى (أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم) آل عمران 154، حيث قرئ بالياء وبالتاء، والياء قراءة حفص ، والياء رد على النعاس  أي النعاس هو الذي يغشى الطائفة من المؤمنين دون الأمنة .

ـ يسقى : في (وفي الأرض قطع متجورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد) الرعد 4، قرئ بالياء والتاء، والياء قراءة حفص ، ودلالة الياء أن الفاعل المضمر يعود على الزرع فهو مذكر.

ـ يوقد : في (الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكلة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درى يوقد من شجرة مباركة) النور35، قرئ بالياء والتاء، والياء قراءة حفص ، وهذا يعنى أن الفاعل المضمر مذكر عائد على المصباح أو الكوكب دون الزجاجة .

ـ يغلـى : في (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالسيل يغلى في البطون) الدخان 45، قرئ بالياء والتاء، والياء قراءة حفص ؛ عودا على الطعام دون الشجرة .

يمني : في (ألم بك نطفة من منى يمنى) القيامة 37، قرئ بالياء والتاء، والياء قراءة حفص ، ودلالتها أن الفاعل مذكر يعود على المنى دون النطفة .

كل هذه النماذج آثرت قراءة حفص فيها تذكير الفاعل، أما النموذج الذي لم يقع غيره تحت نظر الباحث والذي جاء بتأنيث الفاعل فهو في قوله تعالى:

ـ لتحصنكم : في (وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من باسكم) الأنبياء 80، قرئ بالتاء والياء، والتاء قراءة حفص  عودا على صنعة أو معنى لبوس، لأن معناه الدرع.

وبعد هذا العرض لظاهرة (تنوع الفاعل المضمر) تبين أن قراءة حفص :

ـ أولا: جمعت بين الضمائر الثلاثة، ودلالة التنوع بلاغية تتمثل في مظهرين: أحدهما اتحاد السياق، وهذا يعنى مجئ الكلام على نسق واحد في الآية التي تحمل فعلا تنوعت قراءته، وقد جاء في قراءة حفص موافقا لما قبله أو ما بعده من الأفعال من حيث ضمير الفاعل. أما الآخر فهو الالتفات، وهذا يعنى أن الفعل الذي تنوعت قراءته قد جاء في قراءة حفص مخالفا لما قبله أو ما بعده من حيث الفاعل المضمر، والالتفات من محاسن الكلام؛ حيث يؤدي إلى تنوع الأسلوب، والتنوع أحسن تطرية وتجديدا لنشاط السامع وأكثر إيقاظا للإصغاء إليه من إجرائه على أسلوب واحد ، إضافة إلى هذا فإن المخالفة بين الضمائر يمكن أن تكون مجالا خصبا لدلالات متعددة تتوقف على صياغة النص، ولعل تلك الدلالات كانت مما توخاه عبد القاهر من نظرية النظم التي سبق بها دعاة النظريات اللغوية الحديثة في تحليل النص، وربما يستوقفنا هذا الأمر لننوه إلى ضرورة درس النص القرآني درسا لغويا مستعينا بنظرية النظم، مفيدا من معطيات النظريات اللغوية الحديثة كالبنيوية والأسلوبية؛ لمزيد من فهم أسراره.


ـ ثانيا : في ظاهرة التذكير والتأنيث لمس الباحث أنه حينما يتنازع فاعلان أحدهما مذكر والأخر مؤنث على الفعل فإن قراءة حفص تؤثر الأقوى، وهو المذكر.


النصب بعامل مقدر :

في هذا المبحث يعرض الباحث لعدة نماذج من الكلمات التي قرئت بالنصب والرفع، والنصب قراءة حفص، وعامل النصب فيها مقدر، ويكاد يكون في كل النماذج (فعلا)، والمنصوب مفعول، والنصب هنا له أثر على التركيب، فبينما دلالة الرفع أن الجملة اسمية (مبتدأ وخبر) تفيد دلالة النصب أن الجملة فعلية (فعل وفاعل ومفعول) محذوف فعلها وفاعلها، والفتح أخف من الضم، ولعله أحد مظاهر الخفة التي اتسمت بها لغة الحجاز، والتي تعد قراءة حفص نموذجا لغويا راقيا لها في رأيي. ولعل في تحليل النماذج الآتية تبيانا أوضح لما نريد أن نثبته:

ـ وصية : في (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج)  البقرة 240 والنصب هنا على المصدر، أي فليوصوا وصية، والاختيار في المصادر إذا وقعت مواقع الأمر النصب، مثل (فضرب الرقاب) ومنه قول الشاعر :

شكا إلى جملي طول السرى         صبرا جميلا فكلانا مبتلي

معذرة : في (وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم)  الأعراف 164، والنصب على المصدر، قال سيويه: والنصب أكثر وأجود .

ـ متاع : في (يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم) يونس 23  قال ابن خالويه: النصب على الحال ، وقال مكي: النصب على أنه مفعول له؛ أي بغيكم على أنفسكم من أجل متاع الحياة الدنيا، أي يبغي بعضكم على بعض لأجل متاع الحياة الدنيا، ويجوز أن يكون النصب على المصدر ، والباحث يرجح النصب على أنه مفعول لأجله.

ـ قول : في (ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون) مريم 34 . والنصب على المصدر، كما تقول: هذا قولا حقا وقول الحق ، قال مكي: أعمل فيه ما دل على الكلام؛ لأن قوله (ذلك عيسى ابن مريم) يدل على (أحق ذلك) فكأنه قال: أحق قول الحق، كما تقول: هذا زيد الحق لا الباطل .

ـ الريح: في (ولسليمان الريح غدوها شهر)  سبأ12 والنصب بفعل يقدربـ(سخرنا)

ـ تنزيل : في (تنزيل العزيز الرحيم)  يس 5، والنصب على المصدر ، ونظيره (صنع الله الذي أتقن كل شئ) النمل 88

ـ حمالة : في (وامرأته حمالة الحطب)  المسد4، والنصب بفعل ذم ، ويرى الباحث أنه يجوز هنا النصب على الحال.


تعليق عـام :

ختاما لهذا الفصل تبين للباحث أن قراءة حفص قد حافظت على استعمال صيغتي المجرد والمزيد، وكلتاهما سمة اتسمت بها لغة الحجاز، وكلتاهما لها أثرها في دلالة التركيب، كما اتضح لنا من خلال تحليل النماذج .

وآثرت الصيغة المتعدية وهذا يعنى أن التركيب لا تتم دلالته إلا بنصب مفعول؛ حيث توجب هذه الصيغة وجود مفعول في الجملة ، أما الصيغة الأخرى فتكتفي بفاعلها وبه تتم دلالة التركيب، والصيغة المتعدية صيغة خفيفة، اتسمت بها لغة الحجاز، ولعل إيثار هذه الصيغة يعد مظهرا من مظاهر التطور اللغوي نحو التخفيف.

وجمعت بين الإسناد للفاعل والإسناد للمفعول، وإن كاد الإسناد للفاعل يكون أكثر ويمكن القول بأن الإسناد للفاعل يفيد التخصيص والتحديد؛ حيث يتضح الفاعل في حين أن الإسناد للمفعول غالبا ما تكون دلالته التعميم والإبهام، ولكل دلالة بلاغية تتضح من خلال السياق، وتكاد قراءة حفص تكون قد حافظت على إبراز تلك الدلالة.

كما آثرت الزمن الماضي في المواضع التي بحاجة إلى شديد تأكيد؛ لأن الماضي أشد توكيدا، والدليل على ذلك أنه يستعمل في موضع الاستقبال لا سيما إذا كان شرطا كما في (تطوع)، والماضي له دلالة بلاغية؛ حيث يجعل أسلوب الكلام أسلوبا خبريا، وآثرت الأمر في المواضع لا تحتمل الشك؛ حيث أن الأسلوب إنشائي أمري، وغالبا ما يأتي ذلك في المواضع التي يأمر الله فيها نبيه e أن يأمر قومه بأمر لم يسبق إليه.

وفي جواب الطلب يجوز الجزم والرفع على الاستئناف أو النعت، وهو أولى؛ لأنه أفصح، وتصير دلالة الأمر تامة من غير جواب، كذلك المعطوف على جواب الأمر فيه الرفع والجزم، الرفع أفصح على القطع، ويصبح تركيبا مستقلا.


وجاءت قراءة حفص متوافقة وقواعد النحاة في الحركات الثلاث، أما اختلافهم في تفسير الظاهرة، فلم يخرج القراءة عن موافقتها لقواعدهم بوصف عام.


ساعدت قراءة حفص على تأكيد القاعدة التي تجيز النصب على جواب الاستفهام بالفاء سواء الاستفهام عن الحكم أو المسند إليه الحكم، وكذا التي تجيز النصب بالفاء على جواب الترجي. وجمعت بين الضمائر الثلاثة للفاعل المضمر، ودلالة التنوع بلاغية تتمثل في مظهرين: الأول هو اتحاد السياق، وهذا يعنى مجئ الكلام على نسق واحد في الآية التي تجعل فعلا تنوعت قراءته وقد جاء في قراءة حفص موافقا لما قبله أو ما بعده من الأفعال من حيث ضمير الفاعل. والثاني: الالتفات، وهذا يعنى أن الفعل الذي تنوعت قراءته قد جاء في قراءة حفص مخالفا لما قبله أو ما بعده من حيث الفاعل المضمر، والالتفات من محاسن الكلام ؛ حيث يؤدي إلى تنوع الأسلوب، والتنوع أحسن تطرية وتجديدا لنشاط السامع وأكثر أيقاظا للإصغاء إليه من إجرائه عل أسلوب واحد، إضافة إلى هذا فإن المخالفة بين الضمائر يمكن أن تكون مجالا خصبا لدلالات متعددة تتوقف على صياغة النص، وربما كانت تلك الدلالات مما توخاه عبد القاهر من نظرية النظم التي سبق بها دعاة النظريات اللغوية الحديثة التي تحلل النص تحليلا أسلوبيا، وهنا ننوّه إلى ضرورة درس النص القرآني ـ لمزيد من فهمه ـ درسا لغويا مستعينا بنظرية النظم مع الإفادة من معطيات النظريات اللغوية الحديثة.


وفي ظاهرة التذكير والتأنيث انتهى الباحث إلى أنه حينما يتنازع فاعلان أحدهما مذكر والآخر مؤنث على الفعل فإن قراءة حفص تؤثر الأقوى، وهو المذكر.


وفي الكلمات التي قرئت بالنصب والرفع آثرت قراءة حفص النصب، والعامل فيه مقدر، وهو في الغالب (فعل)، والمنصوب مفعول، والنصب هنا له أثر على التركيب، فبينما دلالة الرفع أن الجملة اسمية (مبتدأ وخبر) تفيد دلالة النصب أن الجملة فعلية (فعل وفاعل ومفعول)، والفتح أخف من الضم، ولعله أحد مظاهر الخفة التي اتسمت بها لغة الحجاز التي تمثلها قراءة حفص.



الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 02 يونيو 2021, 1:09 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب   الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Emptyالإثنين 01 نوفمبر 2010, 7:10 am

الفصل الثاني

الجملة الاسمية دراسة في الحركة والتركيب


ويشمل المباحث الآتية:

الحركة الإعرابية وأثرها  في التركيب


الحركة الإعرابية وأثرها في التوابـع


التنويـن وأثــره فـي التركيــب


الأسـاليـب  (معـاني الجمـــل)



الحركة الإعرابية وأثرها في التركيب :

في ضوء هذه الظاهرة يعرض الباحث لمجموعة من الكلمات تنوعت قراءتها ما بين الرفع والنصب والجر؛ ليوضح أثر حركة الإعراب على التركيب.

أولا : حركة الرفع :

يسوق الباحث عدة نماذج من الكلمات التي جاءت مرفوعة في قراءة حفص، في حين أنها منصوبة ومجرورة في قراءات أخرى.

1ـ الرفع على الابتداء :

ـ لباس التقوى : في قوله تعالى (يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسا بوارى سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير) الأعراف 26، قرئ بالرفع والنصب، والرفع قراءة حفص ، ودلالة الرفع أن (لباس) مبتدأ، و(خير) خبره، و(ذلك) نعت لـ(لباس)، ويؤكد هذا أنها بدون (ذلك) قي قراءة ابن مسعود ، وقد رجح الطبري ومكي قراءة الرفع ، في حين أن القرطبي اختار النصب عطفا على سابقه .

ـ النجوم : في (وسخرنا لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره) النحل 12، قرئ بالرفع والنصب، والرفع قراءة حفص ، ودلالة الرفع أن النجوم مبتدأ، ومسخرات خبره، وبالتالي الجملة استئنافية أو حالية، ولا يجوز أن تكون عطفا، وذلك كقولك: كلمت زيدا وعمرو قائم .

ـ الحق : في (قال فالحق والحق أقول) ص 84، قرئ بالرفع والنصب، والرفع قراءة حفص ، والرفع على الابتداء خبره محذوف؛ تقديره قولي، وقيل: خبر مبتدؤه محذوف (أنا الحق) ، ولعل كونه مبتدأ أقوى؛ لأن في (قال) قبله، وفي (أقول بعده) ما يقوى كون الخبر محذوفا، تقديره قولي.

ـ البحـر : في (ولو أنما ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر بعده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله) لقمان 27، قرئ بالرفع والنصب، الرفع قراءة حفص ، والرفع على الابتداء، والجملة الفعلية خبره، وأظن أن الواو هنا للعطف، عطف جملة على جملة.

ـ آيـات : في قوله (إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين. وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقتون) الجاثية 4، قرئ بالرفع والنصب، والرفع قراءة حفص ، والرفع على الابتداء، وشبه الجملة خبره.

2ـ الرفع على الخبر :

هناك كلمات قرنت بالرفع والنصب ، والرفع قراءة حفص ، والرفع على الخبر في كل الكلمات التي سنعرض لنماذج منها :

ـ عمـل : في (إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح)  هود 46، فـ(عمل) خبر (إنّ) و(غير) بدل أو نعت، ومعناه: إن سؤالك إياي أن أنجى كافرا ليس من أهلك عملٌ غير صالح ، أما النصب فعلى أنه فعل مفعوله (غير).

ـ مسخرات : عرض لها الباحث عند تحليل (النجوم) في الرفع على الابتداء.

ـ أربـع : في (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين) النور 6، ودلالة الرفع أنه خبر؛ مبتدؤه شهادة.

ـ رب : في قوله: (واذكر اسم ربك وتمثل إليه تبتيلا. رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو)  المزمل 9، ودلالته أنه خبر، مبتدؤه محذوف، وتقديره (هو رب).

ـ فـكّ : في (وما أدراك ما العقبة فك رقبة) البلد 13، قرئ بالضم والفتح، والضم قراءة حفص ، ودلالته أنه خبر أي (اقتحام العقبة فك رقبة)، ومثلها إطعام في (إطعام في يوم ذي مسغبة) ، أما الفتح فيهما فدلالته أنهما فعلان مبنيان.

بعد عرض هذه النماذج للكلمات التي جاءت في قراءة حفص بالرفع تبين أن دلالة هذه الحركة أنها تجعل الكلمة تمثل تركيبا مستقلا داخل التركيب الكلى للآية ، في حين أن نصها يجعلها ـ لا شك ـ م الجملة الاسمية دراسة في الحركة والتركيب


الحركة الإعرابية وأثرها في التوابع :

بدءا يشير الباحث إلى أنه لن يعرض للتوابع عرضا تقليديا ؛ فلذلك مذكورا في مظانه المتقدمة، وإنما يعرض لذلك من خلال الكلمات التي تنوعت قراءتها رفعا ونصبا وجرا، ويتم العرض تبعا لقراءة حفص:

أولا : النعـت :

هو وصف لما قبله، ومما يتبعه فيه الإعرابُ .. ومن الكلمات التي جاءت نعتا في قراءة حفص :

ـ أليـم : في قوله (والذين سعوا في آياتنا معا جزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم) سبأ 5، و(الذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم) الجاثية 11، قرئ بالرفع والجر، والرفع قراءة حفص ، ودلالته أنه نعت للعذاب .

ـ غيـر : في (هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض) فاطر 3، قرئ بالرفع والجر، والرفع قراءة حفص ، والرفع على النعت لـ(خالق) قبل دخول حرف الجر الزائد ، فالرفع حملا على المعني.

ـ خضر : في (عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق) الإنسان 21، قرئ بالرفع والجر، والرفع قراءة حفص ، ووجهه أنه نعت لثياب.

ـ الرحمن : في قوله (جزاء من ربك عطاء حسابا. رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن) النبأ 37، قرئ بالجر والرفع، والجر قراءة حفص ، ودلالته أنه نعت لـ(رب)، و(رب) بدل من (ربك).


ثانيا : التوكيـد :

لم يقع تحت يدي الباحث من النماذج التي تمثل التوكيد مما تنوعت قراءته إلا نموذج واحد للتوكيد المعنوي :

ـ كلّـه : في (إن الأمر كله لله) آل عمران 154، حيث قرئ بالنصب والرفع، والنصب قراءة حفص ، والنصب هنا على التوكيد للأمر، و(لله) الخبر ، وقيل: النصب على النعت ، والباحث يرجح النصب على التوكيد، وقال الأخفش: النصب أجود ، وجحه ابن عطية، وقال أبو حيان: لا ترجح، فكلتاهما متواترة .


ثالثا : العطف :

ـ زرع : في قوله: (وفي الأرض قطع متجورات وجنات من أعتاب وزرع ونخيل) الرعد4، قرئ بالرفع والجر، والرفع قراءة حفص ، وهو عطف جنات.

ـ أرجلكم : في (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) المائدة 6، قرئ بالنصب وبالجر، والنصب قراءة حفص، ودلالته أنه عطف على أول الكلام؛ لأن مما أوجب الله غسله فقد حصره بحد، وما أوجب مسحه أهمله بغير حد ، فعطف محدودا على محدود .

وثمة أحاديث كثيرة تعضد أن غسل الرجلين فرض، منها أن النبي e رأي رجلا يتوضأ وهو يغسل رجليه فقال: بهذا أمرت ، واختار مكي النصب ، ورجحه القرطبي مستدلا بالحديث: "ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار"، ومعلوم أن النار لا يعذب بها إلا من ترك الواجب، وثمة إجماع على أن من غسل رجليه فقد أدي الواجب ، وقال الأخفش : النصب أسلم وأجود ، والباحث يرجح النصب ؛ لاتفاق ظاهره والقاعدة الفقهية، أما الكسر فيحتاج إلى تأويل.

ـ لؤلؤا : في قوله: (أن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا) الحج 23، قرئ بالنصب والجر، والنصب قراءة حفص ، ويرجح الباحث أن النصب عطف على محل أساور إذ محلها النصب، وقد ذكر النحاة أن النصب بفعل مضمر تقديره (يحلون) .


رابعا : البـدل :

ـ اللـه : في (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد. الله الذي له ما في السموات والأرض) إبراهيم 2، قرئ بالجر والرفع، والجر قراءة حفص ، ودلالته أنه يدل من الحميد أو ربهم .

ـ عالـم : في (سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة) المؤمنون 92، قرئ بالجر والرفع، والجر قراءة حفص ، وهو يدل من الله.

ـ الله ربكم : في (أتدعون بعلا وتذرون أحس الخالقين الله ربكم ورب آبائكم الأولين) الصافات 126، قرئ بالنصب والرفع، والنصب قراءة حفص ، وهو على البدل من أحسن الخالقين .


التنوين وأثـره في التركيب :

في ظل هذا المبحث يعرض الباحث لمجموعة من الكلمات التي جاءت منونة في قراءة حفص ومتروكة التنوين في قراءات أخرى؛ لنرى مدي أثر التنوين في التركيب، والكلمات إلى عرض لها الباحث مجرد نماذج اختارها عشوائيا، حيث سواها كثير.

ـ فدية طعام : في (وعلى الذين يطبقونه فدية طعام مسكين) البقرة 184، حيث قرئ فدية بالتنوين وطعام بالرفع ومن غير تنوين فدية وجر طعام، والأولى قراءة حفص ، ودلالة التنوين أن طعاما مرفوع على البدل ؛ حيث لا يجتمع التنوين والإضافة.

ـ درجات : في (نرفع درجاتٍ مَن نشاء) الأنعام 83 ويوسف 76، قرئ بالتنوين ومن غير تنوين، والتنوين قراءة حفص ، ودلالته إرادة التقديم والتأخير، كأنه قال: (نرفع من نشاء درجات) فمن في موضع نصب على المفعول، وكذلك درجات في موضع نصب، ولكن على أحد أربعة أوجه: مفعول ثان أو بدل أو حال أو تمييز .

ـ ثلثمائة سنين : في (ولبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين) الكهف 25، قرئ ثلثمائة بالتنوين ومن غير تنوين، والتنوين قراءة حفص ، ومعلوم أن تمييز المائة يكون مفردا مضافا إلى العدد، ومن ثم ذكر العلماء أن سنين منصوب بـ(لبثوا)، ثم أبدل منها ثلثمائة، فكأنه قال: (ولبثوا سنين ثلثمائة)، كقولك: صمت أياما خمسة. وذكروا أنه يجوز نصب ثلثمائة بـ(لبثوا)، و(سنين) بدل منها أو مفسرة لها ، وقيل سنين عطف بيان على ثلاث ، وقيل: بدل من مائة بمعنى مئات ، والتنوين هو الاختيار؛ لأنه المستعمل المشهور ، أما ترك التنوين فيؤدي إلى جر سنين على الإضافة؛ ومن ثم نلحظ مدى أثر التنوين في التركيب، مما جعل العلماء يختلفون في تحديد موقع سنين من الإعراب.

ـ عزير ابن : في (وقالت اليهود عزير ابن الله) التوبة 30، قرئ بالتنوين ومن غير تنوين والتنوين قراءة حفص . وفي التحليل ذكر العلماء أن (عزير) اسم أعجمي خفيف أو عربي مشتق مرفوع بالابتداء، و(ابن) خبره، ثم ذكروا أن التنوين لا يحذف إلا إذا كان (ابن) صفة لكثرة الاستعمال ، يقول سيبويه: "يحذف التنوين من بعض الأسماء لغير إضافة ولا دخول ألف ولام ولا لأنه لا ينصرف، وكان القياس أن يثبت التنوين فيه، وذلك كل اسم غالبا وصف بـ(ابن) ثم أضيف إلى اسم غالب أو أمّ أو كنية، وذلك قولك: هذا زيد بن عمرو، وإنما حذفوا التنوين؛ حيث كثر في كلامهم؛ لأن التنوين حرف ساكن، وقع بعده حرف ساكن ، ويقول أبو حيان: "لا يلتقي ساكنان في الوصل إلا أولهما حرف لين وثانيهما مدغم نحو الضآلين، وربما فـرّ من التقائهما بجعل الألف همزة، وهو لغة في  تميم، وإن كان الساكن الأول تنوينا والثاني ابن أو ابنة صفة بين علمين حذف باتفاق، وإن كان بين اسمين متفقين لفظا غير علمين حذف باختلاف، نحو: جاء زيد بن عمرو، وضل بن ضل، ففيه لغتان: لغة تميم تثبت التنوين في الأول والألف في الثاني، ولغة الحجاز تحذف التنوين والألف" ، ومن ثم رفض أبوحيان أن (عزير) اسم أعجمي خفيف فانصرف، لأن الذي ينصرف مثل نوح ولوط؛ إذ إنه على ثلاثة أحرف، إنما هو اسم أعجمي، جاء على هيئة المصغر كسليمان جاء على هيئة عثمان ، وذكر مكي أن علة حذف التنوين إذا كان ابن نعتا أن الصفة والموصوف كالاسم الواحد ، وقال القرطبي: ترك التنوين لاجتماع الساكنين .

وربما يوضح هذا النموذج بخاصة لنا مدي أثر التنوين في التركيب ، حيث إن إثباته يجعل ما بعده خبرا ، في حين أن تركه يجعله نعتا ، والتنوين في هذه الآية ـ في رأي الباحث ـ أقوي ؛ لأن اليهود أخبرت أن عزيرا ابن الله ـ تعالى الله عما يقولون ـ ويؤكد هذا أن الفراء ذكر أن الوجه في هذه الآية أن ينون ؛ لأن الكلام ناقص وابن في موضع خبر ، ونقل أبو شامة عن الزجاج : لا اختلاف بين النحويين أن إثبات التنوين أجود .



الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 02 يونيو 2021, 1:13 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب   الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Emptyالإثنين 01 نوفمبر 2010, 7:12 am

الأساليب (معاني الجمل) :

يعرض الباحث لثلاثة أساليب فحسب ، وهـي: أسلوب الخبر وأسلوب الاستفهام وأسلوب النداء :

أولا ـ  أسلوب الخبر :

مما قرئ على الخبر في قراءة حفص :

ـ إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون) الأعراف 81، قرئ بهمزة واحدة على الخبر وبهمزتين على الاستفهام ، والأولى قراءة حفص ، والخبر تفسير للفاحشة الموضحة في قوله: (ولوطا إذ قال لقومه أتاتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين) 80 ، فلم يحسن إدخال ألف الاستفهام عليه؛ لأنها تقطع ما بعدها مما قبلها ، ورجح أبو عبيد والكسائى وغيرهما قراءة الخبر، واحتجوا بقوله: (أفإن مت فهم الخالدون) ولم يقل (أفهم الخالدون)، و(أفإن مات أو قتل انقلبتم) ولم يقل (أنقلبتم)، وعلق القرطبي على هذا قائلا: وهذا من أقبح الغلط؛ لأنهم شبهوا شيئين بما لا يشتبهان، لأن الشرط وجوابه شي واحد كالمبتدأ والخبر، فلا يجوز (أزيد أمنطلق)، وقصة لوط فيها جملتان، فلك أن تستفهم عن كل واحدة منها .

ـ إن لنا لأجرا : في (وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغائبين. قال نعم وإنكم لمن المقربين) الأعراف 113، قرئ بالخبر والاستفهام، والخبر قراءة حفص ، ودلالة قراءة الخبر قال فيها أبو حيان: "(إنّ) على الخبر، واشتراط الأجر وإيجابه على تقدير الغلبة ولا يريدون مطلق الأجر، بل المعنى (لأجرا عظيما)، ولهذا قال الزمخشرى: والتنكير للتعظيم، وجواب الشرط محذوف، أي: نعم إن لكم لأجرا وإنكم لمن المقربين" .

ـ أن كان ذا مال وبنين : : القلم 14، قرئ بهمزة واحدة على الإخبار، وبهمزتين على الاستفهام، والأولى قراءة حفص .


ثانيا ـ أسلوب الاستفهام :

ثمة كلمات قرنت بهمزة واحدة ، وبهمزتين ، والثانية قراءة حفص ، ودلالتها الاستفهام، ويسوق الباحث منها على سبيل المثال :

ـ " أئنك لانت يوسف"  يوسف 90

ـ " أئذا كنا عظاما"  النازعات 11

ـ "أو أباؤنا الأولون" الواقعة 48، قرئ بفتح الواو وبإسكانها، والفتح قراءة حفص ، ودلالتها الاستفهام ، إنما الأخرى فدلالتها العطف .


ثالثا ـ أسلوب النداء :

لن يعرض الباحث لأسلوب النداء كما في كتب النحو، فذلك يغني عن ذكره، إنما يكتفي بما تقتضيه قراءة حفص، ومن ثم يعرض لثلاثة نماذج من الكلمات تنوعت قراءتها ويدرسها حسب ما جاء في قراءة حفص :

ـ ابن أم : في قوله (وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم أن القوم استضعفوني) الأعراف 150 و(قال يا ابن لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي) طه 94، قرئت (أمّ) بفتح الميم وكسرها، والفتح قراءة حفص ، وفي تحليل هذه القراءة ذكر الطبري أن الفتح على الندبة (ابن أماه) ، وقيل: إن فتح الميم على أن الاسمين (ابن وابنة) بمثابة اسم واحد  كـ(خمسة عشر)، فبني على الفتح، وقيل: إنما جاز الفتح في (ابن أم وابن عم)؛ لكثره  الاستعمال، والفتح تخفيف، ولا يجوز ذلك في غيرهما، وقال المبرد: أراد (يا ابن أمي)، فقلب الياء ألفا، فقال: (يا ابن أما)، ثم حذف الألف استخفافا، كما حذفت الياء من (يا ابن أمي)؛ اكتفاء بالكسرة (ابن أم) .

واعتمادا على رأي المبرد هذا يمكن للباحث أن ينسب هذه اللغة لتميم؛ لأن حذف الألف هو تقصير للمقطع المتوسط المفتوح، بمعنى تقصير الحركة الطويلة، ومعروف أن إثبات الحركة لهجة الحجاز، وتقصيرها أو حذفها لغة تميم، غير أن كون قراءة حفص قراءة حجازية يؤكد أن هذه اللغة حجازية، وربما اكتسبتها من لغة تميم، واستعملتها كـ(لغة ثانية) بجانب لغتها الأولى.

ـ يا بني : هود 42 ويوسف 5 ولقمان 13 والصافات 102، حيث قرئ بفتح الياء مشددة وبكسرها مشددة وبإسكانها خفيفة، والأولى قراءة حفص ، ودلالة الفتح أنه أراد (يا بنياه)، فاستقط الألف والهاء وأبقي الياء على فتحها؛ دلالة على ما سقط ، ويفسر مكي أصل (بني) فيذكر أن من فتح استثقل اجتماع الياءت والكسرات؛ حيث إن فيه ثلاث ياءات: الأولى ياء التصغير والثانية لام الفعل في (ابن)؛ حيث إن الأصل (بني) على فعل، والتصغير يرد المصغرات إلى أصولها، فرُدت الياء؛ لأنها أصلية، والثالثة ياء الإضافة التي ينكسر ما قبلها أبدا، فأبدل من الكسرة التي قبل ياء الإضافة فتحة، فانقلبت ياء الإضافة ألفا، ثم حذفت الألف كما تحذف الياء في النداء، وبقيت الفتحة تدل على الألف المحذوفة .

ـ يا أبت : يوسف 4 ، 100 ، مريم 42 ، 43 ، 44 ، 45 ، القصص 26، قرئ بكسر التاء وبفتحها، والكسر قراءة حفص ، ودلالة الكسر أنه أراد الإضافة إلى النفس فاجتزأ بالكسرة من الياء ؛ لكثرة الحذف في النداء ، والكسر اللغة الفاشية المستعملة ، ومن ثم هو الاختيار عند مكي ، ويمكن أن ننسب هذه اللغة للغة الحجازية ؛ حيث أنها قراءة حفص .


تعليق عـام  :

وفي ختام هذا الفصل يوجز الباحث أهم نتائجه، فمن خلال مبحث (الحركة الإعرابية وأثرها في التركيب) تبين للباحث الآتـي:

ـ بالنسبة لحركة الرفع :

بعد عرض النماذج للكلمات التي جاءت في قراءة حفص بالرفع تبين أن دلالة هذه الحركة أنها تجعل الكلمة تمثل تركيبا مستقلا داخل التركيب الكلي للآية ، في حين أن نصبها يجعلها ـ لا شك ـ مرتبطة بما قبلها من الكلام ، ولعل تعدد تركيبات قصيرة الكلمات أشد توكيدا من تركيب واحد كثير الكلمات ، فضلا عن أن الرفع أقوى من النصب ، فالرفع عمدة والنصب فضلة .


ـ بالنسبة لحركة النصب :

بعد عرض النماذج للكلمات المنصوبة بعد (كان) تبين أن قراءة حفص آثرت أن يكون التركيب جملة اسمية مسبوقة بفعل ناقص، على حين أن الرفع دلالته أن الجملة فعلية فعلها تام لازم، ويمكن القول بأن في كل المواضع المماثلة للنماذج التي عرض لها الباحث قراءة حفص لم تستعمل (كـان) تامة، بل تستعملها ناقصة.

كذلك لحظنا من خلال قوله تعالى: (ليس البر أن تولوا) وما ماثله أن قراءة حفص قد جاءت على اللغة الفصحى؛ حيث نصبت الاسم المعرف بـ(أل) على أنه خبر مقدم، والمصدر المؤول اسم ليس مؤخر، وكان المصدر أولى أن يكون اسما لأنه لا يتنكر والبر قد يتنكر، و(أن والفعل) أقوى في التعريف، ومثله (وما كان حجتهم إلا أن قالوا) و(ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى أن كذبوا) و(فكان عاقبتهما أنهما في النار). أضف إلى هذا أن المعنى النحوي المتوخي من التقديم والتأخير هو التوكيد.

ولحظنا أيضا في النماذج التي تمثل النصب على الحال أن قراءة حفص جاءت موافقة لقواعد النحاة فيها جميعا باستثناء (سواء) في قوله: (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد) الحج 25 و(أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) الجاثية 21؛ حيث وصفها سيبويه بأنها لغة رديئة.

كما لحظنا أيضا أن قراءة حفص في موقفها من الكلمات التي تنوعت قراءاتها ما بين النصب على أنها ظروف والرفع على أنها اسماء ، آثرت ـ قراءة حفص ـ النصب على الظرفية .


ـ بالنسبة لحركة الجر :

بعد عرض هذه النماذج لحظ البحث أن كل الكلمات المضافة على زنة اسم الفاعل واسم الفاعل إذا نون أفاد دلالة الحال والاستقبال، وإذا لم ينون اختصت دلالته بالماضي، وقد لا ينون مع إفادته الاستقبال وإنما يحذف التنوين استخفافا، وهو كثير في كلام العرب، وحذفه حسن فإذا ما نظرنا إلى النماذج التي عرضنا لها نجد أن اسم الفاعل فيها دلالته الماضي حيث حذف التنوين فيها ليس استخفافا، وإنما للإضافة، ولا يجتمع التنوين والإضافة، والتنوين علم التنكير، والإضافة موضوعة للتعريف، وثمة المضاف إلى معرفة، ومضاف إلى نكرة، ومضاف إلى المعرفة معرفة، والمضاف إلى النكرة نكرة، غير أنه أفاد من الإضافة معنى التخصيص، والنماذج التي عرضنا لها من النوع الأول "المضاف إلى المعرفة ".

ومن خلال العرض لمبحث (التنوين وأثره في التركيب) تبين أن التنوين له أثر في التنوين، ففي حالة ترك التنوين تكون الكلمة التالية للكلمة المنونة مضافة إليها، أما التنوين فيغيّر إعراب تلك الكلمة من الإضافة إلى النعت أو البدل أو المفعول؛ حيث لا يجتمع التنوين والإضافة، بل ويتعدى أثر التنوين في التركيب ذلك كما في قوله (عزير ابن)، فالتنوين يجعل كلمة (ابن) خبرا، في حين أن ترك التنوين يجعلها نعتا.

وفي مبحث الأساليب تبين أن اختلاف القراءات أدى إلى تنوع الأساليب ما بين الخبر والإنشاء (الاستفهام)، وقد زاوجت قراءة حفص بينهما، فبينما قرأت بعض الآيات على الخبر قرأت آيات أخَر على الاستفهام، أما أسلوب النداء فانحصر الخلاف بين القراءات في ضبط حركة المنادى أو المضاف إلى المنادى (ابن).

ويمكن القول بوصف عام : أن قراءة حفص قد جاءت موافقة لقواعد النحاة ، ولم ترد بها ظواهر لغوية شاذة ، وربما ساعد ذلك على نشرها وشيوعها في شتي أقطار العالم الإسلامي.


الفصل الثالث

الحروف دراسة في البنية والدلالة


يشمل هذه الحروف :

إن الثقيلة : كسر همزتها وفتحها

إن الخفيـفة : بعض دلالاتــها

ربمـا : بنيتـها ودلالتــــها

لام الأمـر : تحريكـها وإسكانها

لا النافيـة : إعمالهـا وإهمالهـا


بدءا يشير الباحث إلى أنه يعرض للحروف وعملها كلها، فذلك مذكور في مظانه المتقدمة، إنما يعرض فحسب للحروف التي تنوعت قراءتها، وكان لذلك التنوع أثر في التركيب، ويتم عرض ذلك من خلال قراءة حفص:

ـ إنّ وأنّ من حيث كسر الهمزة وفتحها :

لعل من ناقلة القول أن ثمة مواضع لكسر الهمزة وأخرى توجب فتحها، ونوجزها فيما يلي :

أولا : مواضع الكسر :

ـ الابتداء: نحو " إنا أعطيناك الكوثر " . الكوثر 1

ـ أول الصلة: نحو " وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء " . القصص 76

ـ أول الصفة : نحو " مررت برجل إنه فاضل " .

ـ أول الجملة الحالية : نحو " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون " . الأنفال 5

ـ أول الجملة المضاف إليها ما يختص بالجمل ، نحو " جلست حيث إن زيدا " .

ـ قبل اللام المعلقة : نحو " والله يعلم إنك لرسوله " . المنافقون 1

ـ بعد القول : نحو " قال : إنى عبد الله " . مريم 30

ـ أن تقع خبرا عن اسم عين : نحو " زيد إنه فاضل " .

ـ جوابا للقسم : نحو " حم والكتاب المبين إنا انزلناه " . الدخان 1 : 3


ثانيا ـ مواضع الفتح  :

ـ أن تقع فاعلا : نحو " أو لم يكفهم أنا أنزلناه " . العنكبوت 51

ـ أن تقع نائبا عن الفاعل : نحو " أوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن " . هود 36 و" أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن " . الجن 1

ـ أن تقع مفعولا لغيرالقول : نحو " ولا تخافون أنكم أشركتم بالله " . الأنعام 81

ـ أن تقع مبتدأ : نحو " ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة " فصلت 39

ـ أن تقع خبرا : نحو " اعتقادي أنك فاضل " .

ـ أن تقع في موضع جر : نحو " ذلك بأن الله هو الحق " الحج 6  ونحو " إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون " الذاريات 23

ـ أن تقع تابعا : نحو " وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم " الأنفال 7


ثالثا : ما يجوز فيه الكسر والفتح  :

ـ بعد إذا الفجائية : نحو " خرجت فإذا إن زيدا بالباب " بكسر الهمزة وفتحها

ـ بعد الفاء الجزائية : نحو " من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم " الأنعام 54 . بكسر الهمزة وفتحها .

ـ في نحو : " أول قولي إنى أحمد الله " . بكسر الهمزة وفتحها



الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 02 يونيو 2021, 1:17 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب   الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Emptyالإثنين 01 نوفمبر 2010, 7:13 am

ـ مواضع الكسر في قراءة حفص :

ثمة مواضع كثيرة لـ(إنّ) قرئت بكسر الهمزة وفتحها، والكسر قراءة حفص، ونذكر منها هذه النماذج :

ـ إني لكم : في "ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إنى لكم نذير مبين)  هود 25، والكسر على الاستئناف والابتداء الذي يأتي بعد القول؛ لأن في الإرسال معنى القول، أو القول محذوف، والأصل (فقال : إني)، وهذا كثير مستعمل في القرآن وكلام العرب، ومنه قوله (الملائكة يدخلون عليهم من كل باب: سلام عليكم)، ومن ثم رجح بعض العلماء قراءة الكسر؛ لأنه على الأصل في وقوعه بعض القول المضاف إلى القائل؛ إذ إنه مخبر عن نفسه، تقول: "قال زيد: إني نذير لكم" ولا تقول: "قال زيد: أنه نذير لكم" .

ـ وإنّ الله : في (ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضي أمرا فإنما يقول له كن فيكون وإن الله ربى وربكم فاعبدوه)  مريم 36، والكسر على الابتداء والاستئناف، ويؤكد هذا أنها في مصحف ابن مسعود من غير واو ، وحذف الواو يقتضي الكسر على الاستئناف.

ـ إنى أنا : في (فلما آتاها نودي يا موسي إني أنا ربك)  طه 12، والكسر على الاستئناف، ومن ثم فليس لها موضع من الإعراب، وقيل: على إضمار القول ، وإذا كان كذلك ففي موضع نصب مقول القول.

ـ إن هذه : في (كلوا من الطيبات وأعملوا صالحا إنى بما تعملون عليم وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون)  المؤمنون 52 والكسر على الاستئناف وعلى الابتداء؛ حيث إن الكلام قد تم عند قوله: (عليم) ثم استأنف فكسر، ومن ثم فالواو ابتدائية .


ـ مواضع الفتح في قراءة حفص :

مما جاء مفتوح الهمزة في قراءة حفص ، مكسورها في قراءات أخرى :

ـ أنه من عمل .. فإنه غفور: في (كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم)  الأنعام 54، والفتح دلالته أنه أعمل الكتابة في الأولى، وجعل الثانية معطوفة عليها ، والمعنى (كتب ربكم على نفسه الرحمة بأنه من عمل ..) فلما أسقط الخافض وصل الفعل إلى " أن " فعمل فيها الفتح .

ـ أن الله مع المؤمنين : في (ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين وإن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين)  الأنفال 19، وفي التحليل للفتح ذكر العلماء أنه رد على (أن الله موهن) ، وقيل: عطفا على موضع (لو كثرت)، كأنه قال: لكثرتها ولأن الله مع المؤمنين، ويكون موضع (أنّ) النصب على هذا القول ، والفتح يؤدي إلى ارتباط الكلام بعضه ببعض وانتظامه، ومن ثم فهو حسن.

ـ أنك لا : في قوله (إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى)  طه 119، والفتح عطف على المصدر المنسبك من (ألا تجوع) أي أن لك انتفاء جوعك وانتفاء ظمئك .

ـ أنه تعالى .. أنا منا المسلمون : في اثني عشر موضعا من سورة الجن  ، في آيات متوالية من 3 : 14، وفي تعليل الفتح ذكر العلماء أنه عطف على قوله: (أنه استمع ..) ، وقيل: عطف على المضمر في (آمنا به)، وذكر مكي أن العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الخافض فيه قبح، والعطف على (أنّ) أجود لكثرة حذف حرف الجر مع (أنّ) ، والمعنى في فتح (أنّ) عطفا على الهاء أتم وأبين منه إذا عطفت على (أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن) ، وهذا رأي مقبول لو كان الكلام كله عل نسق واحد، والفاعل فيه واحد، وربما فطن أبو حيان إلى ذلك؛ حيث ذكر أن بعض مواضع أن لا يحسن فيها العطف على (آمنا به) ، ولعل من تلك المواضع (أنا لمسنا السماء)، وما فطن إليه أو حيان سبق إليه الفراء؛ إذ يقول: "فتحت أن لوقوع الإيمان علها، وأنت تجد الإيمان بحسن في بعض ما فتح دون بعض فلا يمنعك ذلك من إمضائهن على الفتح" ، فالفراء يرى أن الفتح في بعض المواضع لا يناسب الإيمان بيد أنه لا ضير في الفتح سيرا على سنن واحد.

أضف إلى هذا أن الفتح ربما يؤدى إلى إحداث انسجام وتوافق موسيقى داخل الآيات، فضلا عن أنه يجعل الكلام كله مرتبطا بعضه ببعض، كأنه إخبار لحدث واحد، يوجب على القارئ قراءة كل الآيات حتى يتم فهمه.

ـ أنا صببنا: في قوله (فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا)  عبس 25، ودلالة الفتح هنا أنه بدل اشتمال من الطعام؛ لأن انصباب الماء واشتقاق الأرض سبب لحدوث الطعام .


ـ إنْ الخفيفة .. وبعض دلالاتها:

من دلالات " إن " المكسورة الساكنة أنها تكون مخففة من الثقيلة، وتكون نافية، ويعرض الباحث مجموعة من النماذج لهاتين الدلاتين من الآيات التي تنوعت قراءتها؛ لنرى مدى أثرها في التركيب ، ومدى موافقة قراءة حفص لقواعد النحويين إزاء هاتين الدلالتين لـ(إن).


أولا : إنْ المخفّفة من الثقيلة :

ونلمسها في موضع واحد في قوله تعالى: (إن هذان لساحران) طه 63، حيث قرئ بتخفيف (إن) و(هذان) بالألف وبتشديد (إن) و(هذان) بالألف أيضا، وبتشديد (إن) و(هذين) بالياء، والأولى قراءة حفص ، وأفاض العلماء في تعليل كل قراءة وتخريجها ولن يعرض الباحث لتلك التعليلات، فحسبه الإشارة إلى مراجعها ، وإنما يعرض لتحليل قراءة حفص وقراءته بـ(إن) مكسورة ساكنة، و(إنْ) هذه إذا خففت بطل عملها عند الكوفيين، ويجوز الإعمال عند البصريين والإهمال أكثر، وتدخل اللام على خبرها فرقا بينها وبين (إن) النافية ، ولذا نرى أن الإهمال هو اللغة الفصحى، وأن الإعمال لغة فصيحة، وعلى اللغة الفصحى جاءت قراءة حفص، ولعل هذا مما جعلها تنال ترجيح العلماء، يقول مكي: "والذي خفف اجتمع له موافقة الخط وصحة الإعراب، وقال القرطبي عنها: "سلمت من مخالفة المصحف ومن فساد الإعراب"، أما البناء الدمياطي يصفها بأنها أوضح القراءات .


ثانيـا : إنْ النافيــة :

هذه تأتي للنفي بمعنى (مـا)، وغالبا ما تكون في أسلوب قصر، كما في (إنْ الكافرون إلا في ضلال)، غير أن مثل هذا المثال لا خلاف على قراءته، إنما يقع الخلاف إذا كان في التركيب الحرفان (إنْ .. لما)، حيث يقرأ (لما) بالتشديد وبالتخفيف ولكليهما أثـر على دلالة (إنْ) الساكنة، ولمزيد من التأكيد نعرض عدة نماذج لهذه الظاهرة مما تنوعت قراءته :

ـ " إن كل لما جميع لدينا مخضرون " يس 32

ـ " إن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا " الزخرف 35

ـ " إن كل نفس لما عليها حافظ " الطارق 4

قرئت (لمـا) في هذه الآيات بالتشديد والتخفيف، والتشديد قراءة حفص ، ودلالة (إنْ) الخفيفة مع (لما) النفي، و(لما) بمعنى (إلا) ، فالتركيب جمع بين أداتي نفي واستثناء يفيدان معنى القصر، ودلالة القصر المزيد من التوكيد لمعنى الجملة أو توكيد الربط بين المبتدأ والخبر. وأسلوب القصر هذا يستعمل في موقفين: الأول موقف الإنكار من المخاطب، واستعماله هنا استعمال ظاهر ـ كما يقول البلاغيون ـ أما الثاني فموقف التسليم والاعتقاد من المخاطب، لكنه ينزل منزلة المنكر تأكيدا، ويسعى البلاغيون إلى استعماله هنا استعمالا في غير الظاهر ، فإذا ما نظرنا للآيات وجدناها جمعت بين الموقفين؛ ففي توجيهها للمسلمين استعمال في غير الظاهر، وفي خطابها للكافرين استعمال ظاهر؛ لأنهم منكرون، وربما يذكرنا هذا التحليل بنظرية (النظم) عند عبد القاهر الخاصة بأسلوب القرآن القائم على الاختيار والتأليف .

وبعد فقد تبين للباحث أن قراءة حفص قد جمعت بين كسر (إن) وفتحها في مواضع كثيرة، ودلالة الكسر غالبا القطع والابتداء والاستئناف، فتؤثر الكسر حينما تريد قطع ما قبل إن عما بعدها، أما إذا أرادت أن تربط بين ما قبل (إن) بما بعدها فتحت؛ لأن الفتح دلالته ارتباط الكلام بعضه ببعض؛ ليسير على سياق واحد والمعنى مرتبط بعضه ببعض.

كذلك تبين أن قراءة حفص قد جاءت على اللغة الفصحى، حيث وافقت القاعدة العامة للنحاة الخاصة بـ(إن) المخففة من الثقيلة، فالقاعدة الإهمال، وعليه قراءة حفص وكذلك (إن) النافية مع (لما) حينما تكون بمعنى (إلا). وربما كان هذا مما ساعد على نشرها وشيوعها في مختلف الأقطار الإسلامية.


ـ ربّمـا .. بنيتها ودلالتها :

بداية يشير الباحث إلى أن (ربما) لم ترد إلا في موضع واحد تنوعت قراءته بين التشديد والتخفيف، وكان التخفيف قراءة حفص ، وهو قوله (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين).

وربما في دلالتها تجمع بين التقليل والتأثير، يقول ابن هشام: "يتردد معناها بين التقليل والتكثير، والتكثير أكثر، ومنه (ربما يود الذين كفروا)، والتقليل مثل الحديث (يارب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة)، ونظيرها للتكثير (كم) الخبرية، وللتقليل (قـد) ، وهى حرف جر عند البصرين؛ لأنها لا تفيد معنى في ذاتها، واسم عند الكوفيين حملا على (كم) فكلاهما يفيد العدد ، وغالبا ما تدخل على الاسم، وإذا دخلت عليها ما كفتها عن العمل، وهيئتها للدخول على الجملة الفعلية، ويغلب أن يكون فعلها ماضيا لفظا ومعنى، ويجوز أن يكون الفعل مستقبلا، ومنه (ربما يود الذين كفروا)، وقيل: هو مؤول بالماضي، قال ابن هشام: "وفيه تكلف، والدليل على صحة استقبال ما بعدها قول هند أم معاوية : (يا رب قائلة غدا * يا لهف أم معاوية)، والباحث يرجح دخولها على المستقبل كما في صريح الآية.

أما من حيث تخفيفها وتشديدها فقد ذكر العلماء أنهما لغتان، التشديد لغة تميم وقيس، والتخفيف لغة الحجاز ، ومن ثم كانت قراءة حفص.


ـ لام الأمــر :

الأصل في لام الأمر الكسر، ويجوز الإسكان إذا سبقت بالفاء أو الواو ، فلس ثمة اختلاف بين النحاة في ذلك، وإنما دار النزاع بينهم في كسر اللام وإسكانها بعد (ثم)، مثل: (ثم ليقطع) في قوله تعالى (من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينتظر هل يذهبن كيده ما يغيظ) الحج 15، وقوله: (ثم ليقضوا) في (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا مدافع لهم .. ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم) الحج 29، حيث قرئ بإسكان اللام وكسرها، والإسكان قراءة حفص ؛ ومن ثم كانت قراءة حفص مجالا خصبا لإسهاب القول فيها من أهل العربية، ما بين مؤيد محتج بها على إرساء قاعدة في ذلك ، ومعارض بل منكر لها، ومن أولئك المعارضين المبرد؛ إذ رفض إسكان اللام بعد (ثم) ، وكذلك ابن جنى الذي وصفها بالقبح في قوله: "الحرف الذي ينزل مع ما بعده كالجزء الواحد منه فاء العطف وواوه .. أما قراءة الكوفيين (ثم ليقطع) بإسكان اللام فقبيح عندنا؛ لأن (ثـم) منفصلة) ، ثم يأتي النحاس فيصف إسكان اللام بعد (ثـم) بـ"أنه بعيد في العربية؛ لأن (ثـم) حرف يوقف عليه وينفرد" .

وفي مقابل هؤلاء نجد من يمثل الفريق الآخر كالفراء؛ حيث يذكر أن "إسكان اللام يجوز بعد الفاء والواو كثيرا وبعد (ثم) قليلا؛ لأنه حرف منفصل" ، كذلك ابن خالويه، إذ يجيز إسكان اللام بعد (ثم)، ويضيف مقررا "أن القراءة سنة متبعة  يأخذها لاحق عن سابق، ولا تجعل على قياس العربية" ، أما أبو على الفارسي فيصف الإسكان بالاستقامة في اللسان العربي، يقول: "من أسكن جعل الميم من (ثم) بمنزلة الفاء والواو، وهذا مستقيم" .

وعلى نهج هؤلاء نجد صاحب الشافية وشارحها، حيث جاء في شرح الشافية "..و(ثـم) تشبه الفاء والواو، فجعل عليهما، ولكن أقل منهما؛ لأن (ثم) على ثلاثة أحرف، وهي كذلك أقل دخولا على الأمر" . وسلك هذا المنهج ابن هشام مضيفا أن "في ذلك ردّ على من قال: إنه خاص بالشعر" ، وكذلك السيوطي .

والباحث يرجح الرأي الذي يجيز الإسكان، ويرى أن إسكان اللام مظهر من مظاهر التخفيف في اللسان العربي، ونلمس هذه الظاهرة في إسكان الهاء من (هو وهي) بعد (الفاء والواو واللام وثـم)، وهذه الظاهرة شائعة في قراءة أهل الكوفة إلا حفصا ، وربما يرجع هذا إلى أن قراءة حفص تتسم بالسمات اللغوية الحجازية، أما سائر قراءات الكوفيين فتتسم بالسمات اللغوية البدوية ـ كتميم ـ وظاهرة إسكان الهاء هذه شاعت في اللغة البدوية، وهي مظهر من مظاهر التخفيف.



الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 02 يونيو 2021, 1:19 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب   الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Emptyالإثنين 01 نوفمبر 2010, 7:14 am

ـ لا النافية بين الإعمال والإهمال :

لا خلاف على أن " لا " تعمل عمل (إن) إذا أريد بها نفي الجنس بأسره، بحيث لا يخرج عنه واحد من أفراده، وشرط تحتم عملها أن يليها اسمها وألا تتكرر، فإن تكررت جاز الإعمال والإهمال .

فإذا ما نظرنا إلى قراءة حفص وجدناها قد جمعت بين اللغتين: الإعمال والإهمال، فيما تكررت فيه " لا " ونعرض عدة نماذج تأكيدا لذلك :

ـ لا رفث ولا فسوق : في (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) البقرة 197، حيث قرئ بالنصب من غير تنوين وبالرفع منونا، والأولى قراءة حفص ، والنصب على أن " لا " هي (لا) التبرئة التي تعمل عمل (إن)، والاسم مبنى على الفتح، فزال التنوين؛ لأنه اسم نكرة، والإجماع على الفتح في (جدال) يقوى الفتح في (رفث وفسوق)؛ ليكون الكلام على نسق واحد .

ـ لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة : البقرة 254

ـ لا بيع فيه ولا خلال : إبراهيم 31

ـ لا لغو فيها ولا تأثيم : الطور 23

قرئ ما بعد ( لا ) بالرفع منونا وبالنصب من غير تنوين، والأولى قراءة حفص ، والرفع على الابتداء، و" لا " مهملة غير عاملة.

وبعد .. فقد تبين أن ( لا ) تعمل عمل ( إن ) شريطة ألا تتكرر، فإذا ما تكررت جاز الإعمال والإهمال، وقد جمعت بينهما قراءة حفص، وكلتاهما لغة حجازية؛ لأن قراءة حفص حجازية.


تعليق عـام :

ختاما لهذا الفصل ، يوجز الباحث أهم ما انتهى إليه من نتائج :

ـ إنّ : لقد تبين أن قراءة حفص قد جمعت بين كسر إن وفتحها في مواضع كثيرة ودلالة الكسر غالبا القطع والابتداء والاستئناف، فتؤثر الكسر حينما تريد قطع ما قبل (إنّ) عما بعدها، أما إذا أرادت أن تربط بين ما قبلها بما بعدها فتحت؛ لأن الفتح دلالته ارتباط الكلام بعضه ببعض؛ ليسير على سياق واحد والمعنى مرتبط بعضه ببعض.

كذلك تبين أن قراءة حفص قد جاءت على اللغة الفصحى، حيث وافقت القاعدة العامة للنحاة الخاصة بـ( إن ) المخففة من الثقيلة، فالقاعدة الإهمال، وعليه قراءة حفص، وكذلك (إن) النافية مع ( لما ) حينما تكون بمعنى ( إلا ). وربما كان هذا مما ساعد على نشرها وشيوعها في مختلف الأقطار الإسلامية.

ـ ربما : تبين أن " ربما " لم ترد إلا في موضع واحد تنوعت قراءته بين التشديد والتخفيف، وكان التخفيف قراءة حفص، وهو قوله: (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين)، والتخفيف لغة الحجاز، حيث نص العلماء على ذلك، فضلا عن أنه قراءة حفص، كما أنهم ذكروا في دلالتها أنها تجمع بين التقليل والتكثير ، والتكثير أكثر، ومنه (ربما يود الذين كفروا)، وهذه الآية تؤكد دخولها على المستقبل.

ـ لام الأمر: لقد اختلف العلماء حول إسكان هذه اللام بعد "ثـم"، فمنهم من رفض، ومن ثم لم يرجحوا قراءة حفص بالإسكان، أما الآخرون فقد أجازوا ذلك، واحتجوا بالقراءة، ورجح الباحث الرأي الأخير، ويرى أن إسكان اللام مظهر من مظاهر التخفيف في اللسان العربي ، ونلمس هذه الظاهرة في إسكان الهاء من (هو وهي) بعد (الفاء والواو واللام وثم)، وهذه الظاهرة شائعة في قراءة أهل الكوفة إلا حفصا، وربما يرجع هذا إلى ان قراءة حفص تتسم بالسمات اللغوية الحجازية، أما سائر قراءات الكوفيين فتتسم بالسمات اللغوية البدوية ـ كتميم ـ وظاهرة إسكان الهاء هذه شاعت في اللغة البدوية ، وهي مظهر من مظاهر التخفيف.

ـ لا : بعد العرض الموجز تبين أن " لا " تعمل عمل " إن " شريطة ألا تتكر فإذا ما تكررت جاز الإعمال والإهمال ، وقد جمعت بينهما قراءة حفص ، وكلتاهما لغة حجازية؛ لأن قراءة حفص حجازية.


خاتمــة

في هذه الخاتمة يوجز الباحث بعض ما انتهى إليه من النتائج التي ذكرها عقب كل فصل راجيا أن تكون مفيدة جديدة.

ـ في المقدمة وردت الإشارة إلى أن ثمة تفاسير لم تشر إلى قراءة حفص، وربما أوردت له قراءات مخالفة ـ تصريحا أو ضمنا ـ وقد وضعت عدة احتمالات لذلك، منها : أن تكون تلك القراءات قد رواها راو أخر غير عبيد بن الصباح وعمرو بن الصباح ـ وهما الراويان اللذان على روايتهما المصحف الذي بين أيدينا ـ ذلك الراوي وصلت روايته إلى أولئك المفسرين ولم تصل إلينا، ومن ثم راح الباحث يفتش في كتب القراءات؛ ليؤكد هذا الاحتمال، فوقعت عيناه على كتاب للشيخ على محمد الضباع بعنوان "صريح النص في الكلمات المختلف عن حفص"، في هذا الكتاب جمع المؤلف الكلمات التي اختلف فيها رواة حفص، فكانت الاختلافات في الجانب الصوتي، ولم يذكر أية قراءة من القراءات التي وردت في كتب التفاسير، ومن ثم استبعد الباحث هذا الاحتمال. وثمة احتمال آخر مفاده أن تكون تلك القراءات قد نسبت لحفص خطأ من المفسرين، غير أن الباحث يكاد يستبعد هذا الاحتمال، أو أن تكون القراءات خطأ من الناسخ، وربما يصدق هذا في بعض القراءات. أو أن يكون المفسرون قد اعتمدوا على قراءة أبى بكر عن عاصم، وأطلقوا عليها "قراءة عاصم"، ويرجح الباحث هذا الاحتمال حيث يصدق على بعض القراءات مما أورده المفسرين.

ـ كان للباحث وقفة مع الحديث أنزل القرآن على سبعة أحرف"، وقد انتهى منها إلى أن دلالة العدد فيه الكثرة والاتساع، والقراءات سواء أكانت سبعة أم عشرة أم أكثر، إنما هي جزء من الأحرف ـ بعضها ـ غير محدد، حيث يصعب التدليل على أنها حرف أو حرفان أو أكثر. ومن ثم يخالف الباحث الرأي القائل بأن القراءات حرف واحد من السبعة، وقد محيت الأحرف الستة، كما أنه يخالف الرأي الذي ينكر وجود صلة بين القراءات والأحرف.

ـ تبين للباحث أيضا أن القرآن لم ينزل بلهجة قريش الخاصة، وإنما نزل بلغة أدبية راقية نموذجية جمعت بين لغات شتى القبائل العربية، غير قريشا حرصت على احتضانها وتمثيلها، فكان ذلك مطابقا لقول عثمان، "إذا اختلفتم في شي فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم".

ـ تأكد للباحث أن السماع والمشافهة فحسب كانا هما الأساس في قبول أية قراءة، ولم يكن الرسم قطّ سببا في تعدد القراءات وتنوعها، بل ربما ساعد على استيعابها من قِبَل القراء؛ نظرا لخلوه من النقط والشكل، باستثناء بعض الكلمات التي لا يحتملها رسم واحد ـ كالحذف والذكر ـ الأمر الذي جعل الباحث يؤكد أن بين المصاحف العثمانية اختلافا ضئيلا؛ لكي يتحقق شرعا موافقة الرسم، ومن ثم أكد الباحث إبطال مزاعم المستشرقين بأن تعدد القراءات نشأ بسب الرسم الخالى من النقط والشكل.

ـ لم يكن موقف النحاة من القراءات واحدا، إنما اختلفوا، فبينما رفض البصريون قلة من القراءات؛ لأنها خالفت قواعدهم المستقاة من كلام العرب نظما ونثرا، قَبِلَ الكوفيون كل القراءات، بل وجعلوا القراءة الشاذة عند البصريين شاهدا ودليلا على قاعدة أرسوها، وقد أخذ متأخرو النحاة مثل ابن مالك وأبى حيان برأي الكوفيين، وإليه يميل الباحث، ويرى أن البصريين في موقعهم من القراءات يمثلون المنهج المعياري الذي يدرس الظاهرة في ضوء قواعد ثابتة ما يخرج عنها يعد شاذا، في حين أن الكوفيين يمثلون المنهج الوصفي الذي يعتمد على وصف الظاهرة ثم إرساء قاعدة لها.

ـ من خلال الترجمة التي أوجزها الباحث في تمهيد البحث لعاصم وشيوخه ورواته تبين له أن قراءة حفص قراءة حجازية؛ حيث إن عاصما كوفي أسدى، تلقى هذه القراءة عن أبى عبد الرحمن السلمي عن على بن أبى طالب وعثمان ابن عفان عن رسول الله e ، فالشيوخ كلهم ينتمون للبيئة الحجازية؛ إذ إنهم من قريش؛ ومن ثـمّ فالقراءة حجازية، وهذه النتيجة يترتب عليها أمران:

ـ الأول : أن القارئ لم يتأثر في قراءته ببيئته اللغوية التي يعيش فيها؛ ومن ثم فالظواهر اللغوية التي تبرز في قراءته لم تكن نتيجة تأثره ببيئته، وإنما ذلك لأن القراءة سنة متبعة، ولذا فإنّا لا نؤيد الرأي الذي يرى بأنه لا غرابة أن نجد الإمالة في قراءات الكوفة؛ لأن الكوفة كانت مهبط القبائل البدوية التي اشتهرت فيها الإمالة.

ـ والآخر : أن كل الظواهر اللغوية التي حفظتها لنا قراءة حفص ـ سواء أنسبها العلماء لقبائل شرق الجزيرة أو لقبائل غرب الجزيرة ـ هي ظواهر عرفتها لغة الحجاز واستعملتها؛ لأن القراءة حجازية؛ ومن ثم تبطل مزاعم المستشرقين في تقسيم الجزيرة العربية إلى كتلتين: غربية وشرقية، كل منهما ذات سمات خاصة بها لم توجد في الأخرى.

ـ من أهم الظواهر اللغوية التي برزت في قراءة حفص، وعدّها الباحث ظواهر حجازية ـ بصرف النظر عن نسبة العلماء تلك الظواهر لقبيلة بعينها ـ ما يلي:

ـ ظاهرة الانسجام الصوتي أو المماثلة الصوتية، وقد نسبها العلماء لقبائل شرق الجزيرة العربية.

ـ ظاهرة الإمالة وإن لم ترد فيما اشتُهِر عن حفص إلا في موضع واحد، فهذا يؤكد استعمال اللغة الحجازية لهذه الظاهرة على الرغم من أن معظم العلماء قد نسبوها لقبائل شرق الجزيرة، أما الفتح ـ وهو ضد الإمالة ـ فقد ظهر بصورة بارزة في قراءة حفص؛ وهذا يؤكد حجازية القراءة؛ حيث إنه لا نزاع بين العلماء أن الفتح سمة من سمات اللغة الحجازية.

ـ ظاهرة تحقيق الهمز؛ فقد تبين للباحث أن الهمز سمة من سمات لغة القبائل البدوية وكونه يسيطر على قراءة حفص ـ وهي قراءة حجازية ـ فهذا يؤكد استخدام اللغة الحجازية لهذه الظاهرة.

ـ ظاهرة حذف ياءات الزوائد، فقد ذكر العلماء أنها سمة من سمات لغة هذيل، وهذا يؤكد من ناحية أخرى إنزال القرآن بمختلف لغات العرب. وظاهرة تحريك ياءات الإضافة وإسكانها، فكلتاهما مزجت بينهما قراءة حفص، وهذا يؤكد على ذيوع الظاهرتين في اللغة الحجازية.

ـ ظاهرتا المماثلة والمغايرة بين عين الماضي والمضارع، وقد نتج عن ذلك وجود اللغة الثالثة في قراءة حفص والتي جاءت نتيجة تركب لغتين كما في (حسب بحسب  وقنط بقنط ـ بالفتح ـ ومت ـ بكسر الميم ـ يموت).

ـ ظاهرتا التشديد والتخفيف في الأفعال والأسماء، والتخفيف يعد مظهرا من مظاهر التطور اللغوي الذي وسمت به لغة الحجاز.

ـ ظاهرة المجرد والمزيد في الأفعال والأسماء، وانتهى الباحث إلى أن قراءة حفص آثرت الصيغة المزيدة في الأفعال التي احتملت قراءتها الصيغتين مثل (أسرِ، ونسقيكم)، ويفاد من هذا أن لغة الحجاز قد استعملت هذه الصيغة المزيدة، ومن ثم يخالف الباحث الرأي القائل بأن المجرد لغة الحجاز والمزيد لغة تميم، إنما كلتاهما جمعت بينهما لغة الحجاز.

ـ ظاهرة تناوب أصوات المد في فاء الكلمة، أعنى الحركات الثلاثة، فقد جمعت بينهما قراءة حفص، وهذا يعنى أن لغة الحجاز قد استعملت الحركات الثلاثة، ولم تؤثر الحركة الخفيفة دوما، وإن كان لها كبير نصيب منها.

ـ ظاهرة تحريك عين الاسم وإسكانها، فقد جمعت بينهما قراءة حفص، وهذا يفيد أن لغة الحجاز قد استعملت اللغتين، فتارة تؤثر المقاطع المفتوحة ـ أي تحريك العين ـ وأخرى تعدل إلى المقاطع المغلقة تخفيفا ـ أي إسكان العين ـ وإن كانت نسبة المقاطع المفتوحة أكثر.

ـ ظاهرة التذكير والتأنيث، وذلك في الكلمات التي قرئت أفعالها بياء المذكر وتاء المؤنث، فقد جمعت بينهما قراءة حفص، تارة تؤنث الفعل؛ مراعاة لفظ، وأخرى تذكر حملا على المعنى، وهذا يؤكد استعمال لغة الحجاز للغتين.

ـ ظاهرة الإفراد والجمع في الكلمات التي احتمل الرسم قراءتها بالصيغتين، فقد راودت بينهما قراءة حفص، ولحظ الباحث أن دلالتهما تكاد تكون واحدة، فالجمع للكثرة، والإفراد على الجنس، والخلاف بينهما في الرسم خلاف مقطعي محصور في المقطعين المفتوحين.

ـ الظواهر التركيبية في قراءة حفص قد جاءت متوافقة وقواعد النحاة باستثناء ظاهرة (إسكان لام الأمر بعد ثـم)؛ حيث أسكنت قراءة حفص اللام، ومنع ذلك البصريون؛ ومن ثم ردوا قراءة حفص، وأجاز ذلك الكوفيون والنحاة المتأخرون أمثال ابن مالك وأبى حيان، ولعل ندرة الشاذ في قراءة حفص كان سببا قويا من أسباب انتشار قراءة حفص وذيوعها ونشرها في شتى الأقطار الإسلامية.

ـ من الظواهر التركيبية في قراءة حفص والتي لفتت نظر الباحث ظاهرة تنوع الضمائر، وهذا التنوع يسميه البلاغيون " الالتفات " وهو يُدرس في (علم المعاني)، والباحث يرى أن الالتفات ظاهرة تركيبية؛ لأن المعاني هي المتوخاة من علم النحو، كما فطن إلى ذلك عبد القاهر، وهو يعد أول من أرسى نظرية النظم التي تربط بين النحو وعلم المعاني حينما قال: " النظم توخي معاني النحو"، وبها سبق بها البنيويين والأسلوبيين المحدثين، وهذا الأمر دفع الباحث أن ينوّه إلى ضرورة درس النص القرآني درسا لغويا في ضوء نظرية النظم والنظريات اللغوية الحديثة ذات الصلة.



الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 02 يونيو 2021, 1:21 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49191
العمر : 72

الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب   الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب Emptyالإثنين 01 نوفمبر 2010, 7:15 am

قائمة المراجع:


ـ إبراز المعاني من حرز الأماني. أبو شامة (عبد الرحمن بن إسماعيل). تحقيق: إبراهيم عطوة ـ ط/1982


ـ إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر. البنا الدمياطي. تحقيق: شعبان محمد إسماعيل.. ط/أولى القاهرة 1987


ـ الإتقان في علوم القرآن. السيوطي. ط/بيروت 1973


ـ أثر القراءات في الأصوات والنحو. عبد الصبور شاهين. ط/القاهرة 1987


ـ الاحتجاج للقراءات. سعيد الأفغاني. مجلة مجمع اللغة العربية عدد 34/1974


ـ إحياء النحو. إبراهيم مصطفى. ط/لجنة التأليف والنشر 1937


ـ ارتشاف الضرب من لسان العرب. أبوحيان . تحقيق: مصطفى أحمد النحاس. ط/القاهرة جـ1/1984  جـ2/1987  جـ3/1989


ـ أسرار العربية. أبو بركات الأنباري . ت:محمد البيطار. ط/دمشق 1957


ـ أصوات العربية في ضوء المنهج المقارن. د/رفعت الفرنواني. ط3/1993


ـ الأصوات اللغوية. د/إبراهيم أنيس. ط/سادسة 1984


ـ إعراب ثلاثين سورة. ابن خالويه. ط/دار التربية العراق.


ـ إعراب القراءات السبع وعللها. ابن خالويه. ط/أولى القاهرة 1992


ـ الأعـلام. خير الدين الزركي. ط/ثالثة بدون تاريخ.


ـ الأفعـال. ابن القوطية. ت:علي فودة. ط/ثانية القاهرة 1993


ـ الاقتراح في علم أصول النحو. السيوطي. ط/القاهرة 1976


ـ الإمالة في القراءات واللهجات. د/عبدالفتاح شلبي. ط/ثانية 1971


ـ إنباه الرواة على أنباه النحاة. القفطي. ط/أولى القاهرة 1986


ـ الإنصاف في مسائل الخلاف. أبو بركات الأنباري. ط/دار الفكر بدون تاريخ.


ـ البحر المحيط. أبو حيان. ط/ثانية دار الفكر 1983


ـ البرهان في علوم القرآن. الزركشي. ط/دار التراث القاهرة 1986


ـ بغية الوعاة. السيوطي. ط/أولى 1964


ـ البيان في روائع القرآن. د/تمام حسان. ط/أولى 1993


ـ تاريخ آداب العرب. الرافعي. ط/ثانية بيروت 1974


ـ تاريخ القرآن. د.عبدالصبور شاهين. ط/القاهرة 1966


ـ التأنيث في العربية. رشيدة عبدالحميد اللقاني. ط/الإسكندرية 1990


ـ تأويل مشكل القرآن. ابن قتيبة. ت: السيد أحمد صقر. ط/ثانية القاهرة 1973


ـ تحبير التيسير في قراءات الأئمة العشرة. ابن الجزري. ط/أولى بيروت 1983


ـ تذكرة الحفاظ. الذهبي. ط/دار إحياء التراث العربي بيروت. مصورة من النسخة الهندية ط/1956


ـ تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد. ابن مالك. ت: محمد كامل بركات. ط/دار الكاتب العربي 1967


ـ التطور اللغوي مظاهره وعلله. د/رمضان عبدالتواب. ط/ثانية 1990


ـ التعريفات. الجرجاني. ط/أولى القاهرة 1990


ـ التعريف والتنكير في النحو العربي. د/أحمد عفيفي. ط/القاهرة 1992


ـ التفسير الكبير. فخر الدين الرازي. ط/دار الفكر بيروت (بدون تاريخ).


ـ تهذيب التهذيب. ابن حجر العسقلاني. ط/أولى بيروت 1326


ـ جامع البيان عن تأويل القرآن. الطبري. ط/ثانية القاهرة 1969


ـ الجامع لأحكام القرآن. القرطبي. ط/دار الشعب (بدون تاريخ)


ـ الجرح والتعديل. الرازي. ط/أولى بيروت 1952


ـ جمال القراء وكمال الإقراء. علم الدين السخاوي. ط/ بدون تاريخ


ـ الجمع الصوتي الأول للقرآن. لبيب السعيد. ط/القاهرة 1967


ـ الجملة الاسمية. فاروق مهني. ط/دار حراء المنيا 1984


ـ الحجة في علل القراءات السبع. أبو علي الفارسي.ت: د.عبدالفتاح شلبي ط/الهيئة العامة للكتاب 1983


ـ الحجة في علل القراءات السبع. ابن خالويه. ت: د.عبدالعال سالم مكرم. ط/خامسة 1990


ـ الخصائص: ابن جني. ت: محمد علي النجار. ط/ثانية بيروت بدون تاريخ.


ـ دراسات في النحو والقراءات. د/أحمد مكي الأنصاري. مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة عدد 31/1973


ـ دراسة الأسلوب. د/أحمد درويش. ط/مكتبة الزهراء القاهرة.


ـ دراسة الصوت اللغوي. د/أحمد مختار عمر. ط/القاهرة 1991


ـ دراسة في صيغتي (فعل وأفعل). د/علم الدين الجندي. مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة عدد 32/1973


ـ دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة. موريس بوكاي. ليبيا (د.ت).


ـ دراسة اللهجات العربية القديمة. د/داود سلوم. ط/أولى 1986


ـ الدفاع عن القرآن ضد النحويين والمستشرقين. د/أحمد مكي الأنصاري. 1973


ـ روح المعاني (تفسير). الألوسي. ط/دار إحياء التراث العربي بيروت.


ـ السبعة في القراءات. ابن مجاهد. ت: د/شوقي ضيف. ط/ثانية القاهرة 1980


ـ سر صناعة الإعراب. ابن جني. ط/أولى 1954


ـ سير أعلام النبلاء. شمس الدين الذهبي. ط/بيروت 1982


ـ شذا العرف في فن الصرف. الشيخ الحملاوي. ط/المكتبة الثقافية بيروت.


ـ شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك. ابن عقيل. تحقيق: محمد محيي الدين. ط/عشرون القاهرة 1980


ـ شرح درّة الغوّاص. شهاب الدين الخفاجي. ط/أولى 1299


ـ شرح ديوان طرفة. الأعلم الشنتمري. ت: رحاب خضر. ط/دار الفكر. بيروت.


ـ شرح الشافية. رضي الدين الاستراباذي. ط/بيروت 1975


ـ شرح المفصل. ابن يعيش. ط/عالم الكتب بيروت.


ـ الصاحبي في فقه اللغة. ابن فارس. ت: السيد أحمد صقر. ط/القاهرة 1977


ـ الصراع بين النحاة والقراء. علم الدين الجندي. مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة ـ الأعداد (33 ، 34 ، 36 ، 37).


ـ صريح النص في الكلمات المختلف فيها عن حفص. علي محمد الضباع. ط/مصطفى الحلبي 1346


ـ طبقات الحفاظ. السيوطي. تحقيق: علي محمد عمر. ط/أولى 1973


ـ العنوان في القراءات السبع. ابن خلف الأنصاري. ط/أولى بيروت 1985


ـ غاية النهاية في طبقات القراء. ابن الجزري. ط/ثانية بيروت 1980


ـ الفتـاوي. ابن تيمية. ط/ثالثة 1403


ـ فتح الباري شرح صحيح البخاري. ابن حجر العسقلاني. ط/دار الفكر بيروت.


ـ فتح القدير. الشوكاني. ط/ثانية 1964


ـ الفهرست. ابن النديم. ط/بيروت 1978


ـ في الأدب الجاهلي. د/طه حسين. ط15 القاهرة 1984


ـ في الأصوات اللغوية دراسة في أصوات المد. د/غالب فاضل. ط/العراق 1984


ـ في التطور اللغوي. د/عبدالصبور شاهين. ط/ثانية 1985


ـ في اللهجات العربية. د/إبراهيم أنيس. ط/ثامنة القاهرة 1990


ـ القراءات في نظر المستشرقين. د/عبدالفتاح القاضي. ط/مجمع البحوث الإسلامية القاهرة 1972


ـ قراءات القراء المعروفين. أحمد الأندرابي. ط/ثالثة 1986


ـ القراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث. د/عبدالصبور شاهين. ط/القاهرة.


ـ القراءات وأثرها في علوم العربية. د/سالم محيسن. ط/القاهرة 1984


ـ القراءات واللهجات. عبد الوهاب حمودة. ط/أولى القاهرة 1984


ـ القرآن المعجزة الكبرى. محمد أبوزهرة. ط/دار الفكر العربي بيروت 1397


ـ الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة. الذهبي. تحقيق: موسى محمد الموسى. ط/القاهرة 1972


ـ الكامـل. ابن الأثير الجزري. ط/دار الفكر بيروت.


ـ الكتـاب. سـيبويه. تحقيق: عبدالسلام هارون. ط/القاهرة.


ـ كشف الظنون. حاجي خليفة. ط/مكتبة المثنى بغداد.


ـ الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها. مكي القيسي. تحقيق: محي الدين رمضان ط/ 1974


ـ كنز المعاني شرح حرز الأماني. محمد بن الحسين الموصلي. ط/أولى القاهرة.


ـ لسان الميزان. ابن حجر العسقلاني. ط/ثانية الهند 1971


ـ اللغة العربية معناها ومبناها. د/تمام حسان. ط/ثانية القاهرة 1979


ـ اللغة وبناء الشعر. د/حماسة عبداللطيف. ط/أولى القاهرة 1992


ـ اللهجات العربية في التراث. د/علم الدين الجندي ط/الدار العربية للكتاب 1983


ـ اللهجات العربية في معاني القرآن للفراء. د/صبحي عبدالحميد. ط/أولى 1986


ـ ما ينصرف وما لا ينصرف. الزجاج. ت: هدى قراعة ط/ثانية القاهرة 1994


ـ المحتسب في وجوه شواذ القراءات. ابن جني. ط/القاهرة 1969


ـ مختصر أصول القراءات. أبوالعباس المهدوي. ملحق بتفسير "التحصيل لفوائد التفصيل الجامع لعلوم التنزيل". مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 79 تفسير.


ـ مدخل إلى علم اللغة. د/محمود فهمي حجازي. ط/ثانية القاهرة.


ـ مذاهب التفسير الإسلامي. جولد زيهر. ط/ثانية 1983


ـ المذكر والمؤنث. ابن التستري. ت: د.أحمد عبدالمجيد هريدي. ط/أولى 1983


ـ المذكر والمؤنث. الفـراء. ت:د.رمضان عبدالتواب. ط/القاهرة 1975


ـ المزهر في علوم اللغة. السيوطي. ت: محمد أبوالفضل إبراهيم. بيروت 1986


ـ المستوى اللغوي للفصحى واللهجات. د/محمد عيد. ط/عالم الكتب 1981


ـ المصـاحف. أبوداود السجستاني. تحقيق: آرثر جفري. ط/أولى القاهرة 1936


ـ معاني القرآن. الأخفـش. ت: هدى محمود قراعة. ط/أولى القاهرة 1990


ـ معاني القرآن. الفراء. ت: محمد علي النجار. ط/ثانية القاهرة 1980


ـ معجم الأدباء. ياقوت الحموي. د/ دار المستشرق بيروت


ـ معجم المذكر والمؤنث. محمد أحمد قاسم. ط/أولى بيروت 1989


ـ المعجم المفهرس لألفاظ القرآن. محمد فؤاد عبدالباقي. ط/دار الشعب.


ـ معرفة القراء الكبار. الذهبـي. ت: محمد سيد جاد الحق ط/أولى 1969


ـ مغني اللبيب. ابن هشام. ت: مازن المبارك. ط/خامسة بيروت 1979


ـ المقتضـب. أبوالعباس المبرد. ت:محمد عبدالخالق عضيمة. القاهرة 1399


ـ مقدمتان في علوم القرآن. "تحقيق" آرثر جفري. ط/ثانية القاهرة 1972


ـ من أسرار اللغة. د/إبراهيم أنيس. ط/ثانية 1958


ـ منجد المقرنين. ابن الجزري. ط/القاهرة 1350


ـ المنصف شرح تصريف المازني. ابن جني. ط/أولى 1354


ـ من لغات العرب "لغة هذيل". د/عبدالجواد الطيب. ط/القاهرة 1985


ـ من مظاهر التخفيف في اللسان العربي. د/حمزة النشرتي. ط/القاهرة 1986


ـ المنهج الصوتي للبنية العربية رؤية جديدة للصرف العربي. د/عبدالصبور شاهين. ط/أولى 1977


ـ من وظائف الصوت اللغوي. د/أحمد كشك. ط/أولى 1983


ـ المهذب في القراءات العشر. د/ سالم محيسن. ط/ثانية 1978


ـ ميزان الاعتدال. الذهبـي. ت: محمد علي البيجاوي. ط/ بيروت 1986


ـ النشر في القراءات العشر. ابن الجزري. ط/ دار الكتب العلمية بيروت.


ـ همع الهوامع. السيوطي. ط/دار المعرفة بيروت.


ـ وفيات الأعيان. ابن خلّكان. ط/دار الثقافة بيروت.


فهرس الموضوعات


مقـدمــة 5


نماذج من تفاسير لم تشر إلي قراءة حفص 15


التمهيــد 21


المبحث الأول 22


تاريخ القرآن وقراءاته 22


المبحث الثاني 48


ترجمـة موجـزة 48


لـ( عاصـم وشـيـوخه ورواتـــه) 48


الباب الأول 60


دراســة البنيـة 60


الفصل الأول 64


الأسس الصوتية لبعض تغيرات البنية 64


الانسجام الصوتي 66


الفتـح والإمـالة 78


الهمـز تحقيقا وتسهيلا 86


ياءات الزوائد حذفا وإثباتا 92


ياءات الإضافة إسكانا وتحريكا 98


تعليق عـام 103


الفصل الثاني 105


الفعـل دراسة في الشكل والبنية 105


الضبط الحركي لـ( فاء وعين) الفعل 107


التشديد والتخفيف 130


المجـرد والمزيـد 153


اسم الفعل بنيته ودلالته 158


تعليق عـام 162


الفصل الثالث 167


الاسم دراسة في البنية والدلالة 167


الضبط الحركي والأثر الدلالي 169


التشديد والتخفيف 206


التذكير والتأنيث 214


الإفـراد والجمع 225


الممنوع من الصرف 231


المصادر والمشتقات 235


تعليق عـام 243


الباب الثانـي 248


الدراسـة التركيبية 248


الفصل الأول 251


الجملة الفعلية دراسة في البنية والتركيب 251


بنية الفعل وأثرها في التركيب 253


بنية الفعل والزمن النحوي 266


الحركة الإعرابية وأثرها في التركيب 270


تنوع الفاعل المضمر 284


النصب بعامل مقدر 297


تعليق عـام 301


الفصل الثاني 306


الجملة الاسمية دراسة في الحركة والتركيب 306


الحركة الإعرابية وأثرها في التركيب 308


الحركة الإعرابية وأثرها في التوابع 326


التنوين وأثـره في التركيب 332


الأساليب (معاني الجمل) 338


تعليق عـام 345


الفصل الثالث 351


الحروف دراسة في البنية والدلالة 351


إنّ وأنّ من حيث كسر الهمزة وفتحها 353


إنْ الخفيفة وبعض دلالاتها 363


ربّمـا .. بنيتها ودلالتها 369


لام الأمــر 371


لا النافية بين الإعمال والإهمال 375


تعليق عـام 378


خاتمــة 381


قائمــة المراجع 394



المؤلـف هـو

ـ د/علاء إسماعيل الحمزاوي ـ من مواليد 1967م المنيا ـ مصر.

ـ حصل على درجة الليسانس في الآداب (لغة عربية) 1990 جامعة المنيا (جيد جدا).

ـ حصل على دبلوم الدراسات العليا (تمهيدي الماجستير) 1992 جامعة المنيا (جيد).

ـ حصل على درجة الماجستير في العلوم اللغوية 1995 جامعة المنيا (ممتاز).

ـ حصل على درجة الدكتوراه في العلوم اللغوية 1998 بمرتبة الشرف من جامعة المنيا وجامعة لوميير (كلية اللغات والترجمة) بفرنسا.

ـ يعمل أستاذا مساعدا للعلوم اللغوية بجامعة المنيا وبجامعة القصيم.


له من الدرسات والبحوث


ـ الخصائص اللغوية لرواية حفص دراسة في البنية والتركيب


ـ التعبير الاصطلاحي في الأمثال العربية دراسة تركيبية دلالية.


ـ الأفعال اللاشخصية في القرآن الكريم تحليل تركيبي دلالي في ضوء علم اللغة التقابلي.


ـ الجملة الدنيا والجملة الموسعة في كتاب سيبويه دراسة وصفية تحليلية.


ـ السلب مفهومه ومظاهره في العربية دراسة تطبيقية على "شجرة البؤس".


ـ البنى التركيبية للأمثال العامية دراسة وصفية تحليلية.


ـ الأمثال العربية والأمثال العامية مقارنـة دلاليـة.


ـ موقف شوقي ضيف من الدرس النحوي دراسة في المنهج والتطبيق.


ـ دور اللهجة في التقعيد النحوي دراسة إحصائية تحليلية في ضوء "همع الهوامع" للسيوطي.


ـ معايير الوقف والابتداء عند الأشموني في ضوء الاقتضاء الدلالي والصناعة التركيبية.


ـ نحو العربية (رؤية جديدة للنحو العربي) لـ(أندريه رومان) ـ ترجمة عن الفرنسية.



الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 02 يونيو 2021, 1:24 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فتاوى السفر وضعف البنية والنسيان والقضاء
» الخصائص العامة للاستشراق
» توبة شاب مغربي بعد سماعه لقراءة إمام الحرم المكي
» الخصائص العقلية للمُعاق بصرياً
» عمل دراسة جدوي لأي مشروع

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: كتابات في القرآن-
انتقل الى: