منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 حق المرأة في التطليق

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49196
العمر : 72

حق المرأة في التطليق Empty
مُساهمةموضوع: حق المرأة في التطليق   حق المرأة في التطليق Emptyالسبت 25 مارس 2017, 11:28 pm

حق المرأة في التطليق
=============
السؤال: هل يجوز للمرأة طلب التطليق بحكم قضائيّ؟

الجواب:
يجوز للمرأة طلب التطليق في حالات، منها:

1 ـ نشوز الزوج
==========
يقول الحق تعالى: (وإن امرأةٌ خافت مِن بعلِها نشوزًا أو إعراضًا فلا جُناحَ عليهما أن يُصلِحَا بينهما صُلحًا والصلحُ خيرٌ وأُحضِرَت الأنفسُ الشُّحَّ وإن تُحسنوا وتتَّقوا فإن اللهَ كان بما تعملون خبيرًا) (النساء: 128).

قوله تعالى: (وإن امرأةٌ خافت مِن بعلِها نشوزًا) فما المقصود بالخوف؟

الخوف هو توقُّعُ أمر مُحزن أو مُسيء وإن لم يحدث بعدُ، ولكن الإنسان ينتظر هذا الأمر، إن الإنسان حين يخاف فهو يتوقع حدوث الأمر السيئ، فقول الحق سبحانه: (وإن امرأةٌ خافت مِن بعلِها نشوزًا) أي إن النشوز لم يحدث ولكن المرأة تخاف أن يحدث.

لقد رتَّب الحقُّ الحكمَ على مجرد الخوف من النشوز لا بحدوث النشوز بالفعل، وهذه لفتة لكل منّا ألّا يترك المسائل حتى تقع بل عليه أن يتلافَى أسبابها قبل أن تقع، لأنها إن وقَعَت ربما استَعصَى على الإنسان أن يَتداركها.

وقد مر بنا آنفًا نشوزُ الزوجة وكيف عالجه الله تعالى الخبير بخلقه العليم بما يُصلحهم، وفي هذا الفصل يعلّم الله تعالى المرأةَ كيفيةَ التصرف حيالَ إصلاح ذلك النشوز كما علّم الرجلَ فيما سبق (قال العلامة ابن كثير: يقول تعالى مخبِرًا ومشرِّعًا عن الزوجين، تارة في حال نفور الرجل عن المرأة، وتارة في حالة اتفاقه معها، وتارة في حالة فراقه لها، فالحالة الأولى ما إذا خافت المرأة من زوجها أن يَنفِرَ عنها أو يُعرِض عنها فلها أن تُسقِط عنه حقَّها أو بعضَه، من نفقة أو كسوة أو مبيت أو غير ذلك من الحقوق عليه، وله أن يَقبل ذلك منها، فلا جناح عليها في بذلها ذلك له ولا عليه في قبوله منها.

ولهذا قال تعالى: "فلا جُناحَ عليهما أن يُصلِحَا بينهما صُلحًا" يُصلِحَا، بضم الياء وسكون الصاد، وهي قراء الكوفيِّين، وأثبتنا ما ثبت في المخطوطَتَين، وهي قراءة باقي القراء السبعة، لأنها هي التي أثبتها ابن كثير في تفسيره، والمراد فيهما واحد ثم قال: "والصلح خير" أي: من الفراق الشح: حرص النفس على ما مَلَكَت وبخلها به، ومنه "المُشَاحّة" وهي: تنازع الخصم على أمر يبادر كلٌّ منهم إليه ويَحرص عليه حَذَرَ فَوتِه. ولكن تفسير ابن كثير لهذه الآية: "وأُحضرَت الأنفُسُ الشُّحَّ" ليس تفسيرًا لمعنى الجملة بل هو نتيجة لسياق الكلام، والمعنى الصحيح هو ما ذكره الطبريّ [9/279]: وأُحضرَت أنفُسُ النساءِ الشُّحَّ على أنصبائهنَّ من أنفس أزواجهنَّ وأموالهم.

ثم قال [9/ 282]: والشح الإفراط في الحرص على الشيء، وهو في هذا الموضع إفراط حرص المرأة على نصيبها من أيامها من زوجها ونفقتها ولهذا لما كَبِرَت سَودة بنت زَمعة عزَم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على فراقها، فصالحته على أن يُمسكها وتتركَ يومها لعائشة، فقَبِلَ ذلك منها وأبقاها على ذلك، فقد روى الطيالسيّ عن ابن عباس قال: خَشيَت سَودة أن يطلقها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت: يا رسول الله، لا تطلقني واجعل يومي لعائشة. ففعل، ونزلت هذه الآية. قال ابن عباس: فما اصطَلَحَا عليه من شيء فهو جائز. رواه الترمذيّ وقال: حسن غريب رواه الطيالسيّ [2683] واللفظ له، والترمذيّ [3040] وقال: حديث حسن غريب. وصححه الألبانيّ في صحيح الترمذيّ [2434].

وفي الصحيحين عن عائشة قالت: لما كَبِرَت سَودة بنت زَمعة وهَبَت يومها لعائشة فكان النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يَقسم لها بيوم سَودة أخرجه البخاريّ [5212] ومسلم [1463/ 47] وروى الحاكم عن عروة عن عائشة أنها قالت له: يا بن أختي، كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يفضِّل بعضَنا على بعض في مُكثه عندنا، وكان قلَّ يوم إلا وهو يطوف علينا، فيدنو من كل امرأة من غير مَسيس، حتى يبلُغ إلى من هو يومُها فيَبيت عندها، ولقد قالت سَودة بنت زَمعة حين أسَنَّت وفَرِقَت أن يفارقها الرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، يومي لعائشة. فقبل ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم. قالت عائشة: ففي ذلك أنزل الله: "وإن امرأةٌ خافت من بعلِها نشوزًا أو إعراضًا". ورواه أبو داود وابن مَرْدَوَيْهِ نحوه، قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرِّجاه رواه الحاكم في المستدرك [2/186] وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبيّ. وأبو داود [2135] وقال الألبانيّ في صحيح أبي داود [1868]: حسن صحيح.
 
وروى البخاريّ عن عائشة "وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا" قالت: الرجل تكون عنده المرأة ليس بمُستكثِرٍ منها يريد أن يفارقها، فتقول: أجعَلُك من شأني في حِلٍّ. فنزلت هذه الآية أخرجه البخاريّ [5206] بنحوه ورواه الطبريّ في التفسير بنحوه [5/197] وروى ابن أبي حاتم عن خالد بن عَرعَرة قال: جاء رجل إلى عليّ بن أبي طالب فسأله عن قول الله عز وجل: "وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا" قال عليٌّ: يكون الرجل عنده المرأة فتَنبُو عيناه عنها، من دمامتها أو كِبَرِها أو سوء خُلُقها أو قذذها، فتَكرَه فراقَه، فإن وضَعَت له من مهرها شيئًا حَلَّ له، وإن جعَلَت له من أيامها فلا حَرَج. ورواه أبو داود الطيالسيّ وابن جرير رواه الطبريّ في التفسير [5/196ـ 197] وقال الشيخ شاكر: أسانيده صحاح وكذا فسّرها ابن عباس وعَبِيدة السلمانيّ ومجاهد والشعبيّ وسعيد بن جبير وقتادة وغير واحد من السلف والأئمة، ولا أعلم في ذلك خلافًا أن المراد بهذه الآية هذا. والله أعلم.

وروى الشافعيّ عن ابن المسيب أن بنت محمد بن مسلم كانت عند رافع بن خَديج، فكَرِهَ منها أمرًا، إما كِبَرًا أو غيره، فأراد طلاقها فقالت: لا تطلقني واقسم لي ما بدا لك. فأنزل الله عز وجل "وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا.." الآية. وقد رواه الحاكم بأطول من هذا السياق رواه الشافعيّ في مسنده [2/28] وظاهره الإرسال، والحاكم في المستدرك [2/308ـ 309] مطولًا موصولًا، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبيّ.

وقوله: "والصلح خير" قال ابن عباس: يعني التخيير، أن تخيير الزوج لها بين الإقامة والفراق خير من تمادي الزوج على أَثَرَةِ غيرِها عليها.

والظاهر من الآية أن صُلحَهما على ترك بعض حقها للزوج وقبولَ الزوج ذلك خيرٌ من المفارقة بالكلية، كما أمسك النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ سَودة بنت زَمعة على أن ترَكت يومها لعائشة ولم يفارقها، بل ترَكها من جملة نسائه، وفعله ذلك لتتأسَّى به أُمَّتُه في مشروعية ذلك وجوازه، فهو أفضل في حقه عليه الصلاة والسلام.

لما كان الوفاق أحبَّ إلى الله من الفراق قال: "والصلح خير" بل الطلاق بغيض إليه سبحانه وتعالى، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" رواه أبو داود [2178] وابن ماجه [2018] وضعّفه الألبانيّ في ضعيف أبي داود [472].

وقوله: "وإن تُحسنوا وتَتَّقوا فإن اللهَ كان بما تعملون خبيرًا" وإن تتجشَّموا مشقة الصبر على ما تكرهون منهنَّ وتَقسموا لهنَّ أُسوةَ أمثالهنَّ فإن الله عالم بذلك، سيَجزيكم على ذلك أوفر الجزاء. عمدة التفسير4/7 ـ 9).


حق المرأة في التطليق 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49196
العمر : 72

حق المرأة في التطليق Empty
مُساهمةموضوع: رد: حق المرأة في التطليق   حق المرأة في التطليق Emptyالسبت 25 مارس 2017, 11:30 pm

ما هو النشوز؟
سبق وقلنا إن الأصل فيه مأخوذ من النَّشْز، وهو الارتفاع من الأرض، والمفروض فيها أن تكون منبَسِطة، فإن وجدنا فيها نُتوءًا فهذا نسميه نشوزًا.

إن الرجل أخَذ المرأة سكنًا له وبات بينهما مودة ورحمة، فقد أفضَى إليها وأفضَت إليه، فإن خافت أن يَستعليَ عليها زوجها بالنفقة أو بالاحتكار أو ضاعت منها مودته أو رحمته فهذا كله نشوز، فهو قد استعلى عن المستوى الذي يجمع الزوجين.

 وقبل حدوث ذلك فعلى الزوجة أن تكون زكية وتَلحَظ أن ملامح الزوج فيها الاستعلاء فتعالج المسألة قبل أن تقع، فإذا كانت الأسباب من جهتها فعليها أن تعالج هذه الأسباب وترجع إلى نفسها وتصلح الأمر.

وقوله تعالى: (أو إعراضًا) الإعراض هو أنه لا يؤانس الزوجة ولا يحدّثها ولا يلاطفها رغم أنه يعطيها كل حقوقها، هنا على المرأة أن تعالج هذه المسألة أيضًا، إنها قضية بين اثنين قال الله تعالى عنهما: (وقد أفضَى بعضُكم إلى بعض).

وقال سبحانه: (هنَّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنَّ) (البقرة: 187) أي أن الرجل ساتر للمرأة والمرأة ساترة للرجل، ونحن نعرف أن الفتاة حتى ولو كانت عندها جرأة إن دخل عليها أبوها أو أخوها فهي تستر عنهما أيَّ جزء ظاهر من جسدها، أما عندما يدخل عليها زوجها فهي لا تداري عنه شيئًا، ولذلك فليَعرفْ كلُّ رجل متزوج وكل امرأة متزوجة أن بينهما إفضاءً متبادَلًا، فقد أباح الله للرجل من زوجته ما لم يُبِحْه لأحد غيره.

إن على المرأة أن تبحث عن سبب النشوز وسبب الإعراض، فقد تكون قد كَبِرَت في العمر وأصبحت لا تقيم لحياتها الخاصة معه أهميةً وما زال في الرجل بقيةٌ من الميل إلى النساء، وقد يصح أن تكون امرأة أخرى قد استمالته، أو أيّ سبب من الأسباب، هنا على المرأة أن تعالج المسألة علاج العقلاء، فإن كان السبب من إهمالها لحقوقه عليها فتحاول أن توفِّيَه حقَّه وتهيئَ له السكن والرحمة والمودة التي ألَّفَت بين قلبَيهما في بدء الحياة، وإذا كانت كَبِرَت في السن وأصابتها الشيخوخة بما لم تستطع معها القيام بواجباته فلتسمحْ له بالزواج من أخرى، بل وتتنازل عن شيء من قسمتها للزوجة الجديدة، هنا سيتمسك بها الرجل ولا يظلمها.

وقوله تعالى: (فلا جُناحَ عليهما أن يُصلحَا بينهما صُلحًا) إن الصلح هنا مهمة الرجل ومهمة المرأة معًا، أي أن يحلَّ الاثنان المشكلة معًا، لذلك فكلُّ مشكلة لا تتعدى الرجلَ والمرأةَ حلُّها يسير، فالذي يجعل المشاكل صعبة هم هؤلاء الذين يدخلون في المشاكل التي بين الرجل والمرأة وليس بينهم ما بين المرأة والرجل.

إن الرجل قد يختلف مع المرأة ويخرج من المنزل ويهدأ ويعود إلى منزله فتلاطفه الزوجة بكلام تُنهي به الخلاف، لكن لو تدخل أحد من الأقارب فإن المشكلة قد تتفاقم من جرّاء تدخُّل من لا يَملك سببًا أو دافعًا لحل المشكلة، لذلك يجب أن نتنبه إلى قول الحق: (فلا جُناحَ عليهما أن يُصلحَا بينهما صُلحًا) إن الصلح في أول درجاته مسألة بين الرجل والمرأة، وليتذكر الاثنان قول الحق سبحانه: (وعسى أن تَكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم) وكذلك قولَ الحق سبحانه وتعالى: (فإن كَرِهتموهنَّ فعسى أن تَكرَهوا شيئًا ويَجعلَ اللهُ فيه خيرًا كثيرًا) (النساء: 189).

إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يبنيَ الأسرة على الاستقرار فيقول لنا ما معناه: لا تنتظر أيها الرجل ولا تنتظري أيتها المرأة إلى أن يقع الخلاف، فما أن تبدوَ البوادر فعليكم بحلّ المشكلات بأنفسكم، فليس هناك أحد قادر على حلّ المشكلات مثلكم؛ لأنه لا يوجد أحد بينه وبينكم مثلُ ما بين الرجل وزوجته، ولذلك فالزوجان أولَى بحل المشكلات، لذلك قال سبحانه وتعالى: (فلا جُناحَ عليهما أن يُصلحَا بينهما صُلحًا).

لماذا جاء الحق بـ (يُصلحَا بينهما صُلحًا)؟
لأننا في بعض الأحيان نحب الصلح بأخذ شكلية الصلح، أما موضوع الصلح وهو إنهاء الجفوة والمواجيد النفسية فقد لا يوجد، فتقول المرأة بعضًا من الأمور التي لا تقولها المرأة الراضية بأعماقها عن زوجها، وكذلك الرجل.

إن هناك شكلية للصلح وهناك موضوعية للصلح، والذي يعرقل الصلح هو أننا نقوم بالصلح في الشكلية، أما الأسباب الحقيقية فهي مدفونة في النفوس فتتسرب إلى موضوعات أخرى، إن الصلح يجب أن يكون بحقيقة قول الله تعالى: (أن يُصلحَا بينهما صُلحًا والصلحُ خيرٌ) إن الخير يعُمّ على الزوجين وعلى المجتمع عندما تتراضى النفوس.

(قال العلامة محمد رشيد رضا: "والصلحُ خيرٌ" من التسريح والفراق وإن كان بإحسانٍ وأداءِ المهر والمتعة وحفظِ الكرامة كما هو الواجب على المطلِّق، لأن رابطة الزوجية من أعظم الروابط وأحقِّها بالحفظ، وميثاقُها من أغلظ المواثيق وأجدَرِها بالوفاء، وعروضُ الخلاف والكراهةِ وما يترتب عليها، من النشوز والإعراض وسوء المعاشرة لِمَن يقف عند حدود الله، من الأمور الطبيعية التي لا يمكن زوالها من بين البشر، والشريعةُ العادلة الرحيمة هي التي تُراعَى فيها السننُ الطبيعية والوقائعُ الفعلية بين الناس، ولا يُتصور في ذلك أكملُ مما جاء به الإسلام؛ فإنه جعل القاعدةَ الأساسية هي المساواةَ بين الزوجين في كل شيء، إلا القيامَ برياسة الأسرة والقيامَ على مصالحها؛ لأنه أقوى بدنًا وعقلًا وأقدرُ على الكسب وعليه النفقةُ، قال: "ولهنَّ مثلُ الذي عليهنَّ بالمعروفِ وللرجالِ عليهنَّ درجةٌ واللهُ عزيزٌ حكيمٌ" [البقرة: 228].

وهذه الدرجة هي التي بيَّنها بقول الله عز وجل: "الرجالُ قوَّامون على النساءِ بما فضَّل اللهُ بعضَهم على بعضٍ وبما أنفَقوا من أموالِهم" [النساء: 34] وفرَض عليهم العدلَ والإحسانَ في هذه الرياسة، فيجب على الرجل وراء النفقة على امرأته أن يعاشرها بالمعروف وأن يُحصِّنَها ويُعِفَّها ويُحصِّنَ نفسَه ويُعِفَّها بها، ولا يجوز له أن يجعلَ لها ضَرَّةً شريكةً في ذلك إلا إذا وَثِقَ من نفسه بالعدل بينهما، وإنما أُبيح له ذلك بشرطه لأنه من ضرورات الاجتماع، ولا سيما في أزمنة الحروب التي يقلّ فيها الرجال ويكثر النساء.

فإن أراد ذلك أو فعَله أو وقَع بينهما النفور بسبب آخر فيجب على كل منهما أن يتحرَّى العدل والمعروف، فإن خافَا ألَّا يُقيمَا حدود الله فعَلَى الذي يريد منهما أن يَخلُصَ من الآخر أن يَستَرضيَه. وكما جعل الله الطلاقَ للرجل لأنه أحرَصُ على عصمة الزوجية لِمَا تَكلَّفَه من النفقة، ولأنه أبعَدُ عن طاعة الانفعال العارض، جعَل للمرأة حقَّ الفسخ إذا لم يَفِ بحقوقها من النفقة والإحصان. وقيل: إن كلمة "خير" ليست للتفضيل وإنما هي لبيان خيرية الصلح في نفسه. تفسير المنار5/364).

ويقول الحق من بعد ذلك: (وأُحضرَتِ الأنفُسُ الشُّحَّ وإن تُحسنوا وتَتَّقوا فإن اللهَ كان بما تعملون خبيرًا) كأن الحق يقول: إنني عندما أطلب من المرأة أن تتنازل عن شيء من نفقتها أو أن تتنازل له عن ليلتها لينام عند الزوجة الأخرى أعلم أن هذا طلب قد يصعب على النفس. وكذلك تنازُلُ الرجل عن مقاييسه.

والحق يحذِّرنا: إياكم أن يستوليَ الشحُّ على تصرفاتكم بالسنبة لبعضكم البعض (قال العلامة محمد رشيد رضا: "وأُحضرَتِ الأنفُسُ الشُّحَّ" بيَّن لنا سبحانه وتعالى في هذه الحكمةِ السببَ الذي قد يحُول بين الزوجين وبين الصلح الذي فيه الخيرُ وحسمُ مادة الخلاف والشقاق لأجل أن نَتَّقيَه ونجاهدَ أنفسَنا في ذلك، وهو الشحُّ، ومعناه: البخل الناشئ عن الحرص.

ومعنى إحضارِه الأنفُسَ أنها عُرضةٌ له فإذا جاء مقتَضَى البذل ألَمَّ بها ونهَاها أن تبذُل ما ينبغي بذلُه لأجل الصلح وإقامة المصلحة، فالنساء حريصاتٌ على حقوقهنَّ في القَسْم والنفقة وحسن المعاشرة شحيحاتٌ بها، والرجال أيضًا حريصون على أموالهم أَشِحَّةٌ بها، فينبغي لكل منهما أن يتذكر أن هذا من ضعف النفس الذي يضرّه ولا ينفعه، وأن يعالجَه فلا يَبخَلَ بما ينبغي بذلُه والتسامحُ فيه لأجل المصلحة، فإن من أقبَحِ البخل أن يَبخَلَ أحد الزوجين في سبيل مرضاة الآخر بعد أن أفضَى بعضهما إلى بعض وارتَبَطَا بذلك الميثاق العظيم، بل ينبغي أن يكون التسامح بينهما أوسَعَ من ذلك.

وهو ما تشير إليه الآية الآتية: (وإن تُحسنوا وتَتَّقوا فإن اللهَ كان بما تعملون خبيرًا) أي وإن تُحسنوا العشرة فيما بينكم، فتَتراحموا وتَتعاطفوا، ويَعذِرَ بعضُكم بعضًا، وتتقوا النشوز والإعراض وما يترتب عليهما من منع الحقوق أو الشقاق، فإن الله كان بما تعملونه من ذلك خبيرًا، لا يَخفَى عليه شيء من دقائقه وخفاياه ولا مِن قَصْدِكم فيه، فيجزي الذين أحسَنوا منكم بالحسنى والذين اتَّقَوا بالعاقبة الفُضلَى.

قال بعض المفسرين: المراد بهذه الجملة حثُّ الرجال على الحرص على نسائهم وعدم النشوز والإعراض عنهنَّ وإن كَرِهوهنَّ لكِبَرِهنَّ أو دَمَامتهنَّ، كما قال في آية أخرى: "فإن كَرهتموهنَّ فعسى أن تَكرَهوا شيئًا ويَجعلَ اللهُ فيه خيرًا كثيرًا" [النساء: 19] تفسير المنار5/365).

إن هناك فرقًا بين الحقوق التي قد يتمسك بها أحد الزوجين وبين الإحسان الذي يَتطوع به، فإلى جانب العدل الذي هو إعطاء الحق فقط يوجد الفضل وهو أن يتنازل الإنسان عن حقه بالتراضي لأخيه، قال تعالى: (وإن تُحسنوا وتَتَّقوا فإن اللهَ كان بما تعملون خبيرًا) ولْتَحذَرِ النساء أن تُكلِّفنَ أزواجَهنَّ ما لا يُطيقون فيُوقِعنَهم في غضب الله ومعصيته.

وأذكِّرُهنَّ بقول الله تعالى: (احشُروا الذين ظلَموا وأزواجَهم وما كانوا يَعبدون) (الصافات: 22) فإن تقديم الزوجات على الأزواج يدلّ على أن الزوجات هنَّ اللاتي قُمنَ بإغراء الأزواج بالمَطالب ودَفْعِهم إلى الشر والاختلاس لتلبية مطالبهنَّ، أو الوقوعِ في الحرام واتخاذِ الأخدان والإعراضِ عن شرع الله خشيةَ تَعَرُّضهم لما يُسمُّونه بالقوانين الجديدة التي تضيِّق على الرجال ما وسَّعه الله عليهم.


حق المرأة في التطليق 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49196
العمر : 72

حق المرأة في التطليق Empty
مُساهمةموضوع: رد: حق المرأة في التطليق   حق المرأة في التطليق Emptyالسبت 25 مارس 2017, 11:32 pm

2 ـ الخلع
=====
يقول سبحانه وتعالى: (ولا يَحِلُّ لكم أن تأخذوا مما آتيتموهنَّ شيئًا إلَّا أن يَخَافَا ألَّا يُقيمَا حدودَ اللهِ فإن خفتم ألَّا يُقيمَا حدودَ الله فلا جناحَ عليهما فيما افتَدَت به) [البقرة: 229] (قال العلامة ابن كثير: فأما إذا لم يكن لها عذر وسألت الافتداء به فقد روى الإمام أحمد عن ثوبان قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "أيُّما امرأةٍ سألت زوجَها الطلاقَ في غير ما بأس فحرامٌ عليها رائحةُ الجنة".

وهكذا رواه أبو داود وابن ماجه وابن جرير رواه أحمد في المسند [5/283] وأبو داود [2226] وابن ماجه [2055] والطبريّ في التفسير [2/285] والحاكم في المستدرك [2/200] وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبيّ. والبيهقيّ في السنن الكبرى [14860، 14861] وصححه الألبانيّ في صحيح ابن ماجه [1672].

وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "المختَلِعات والمنتَزِعات هنَّ المنافقات" رواه أحمد في المسند [2/414] والنسائيّ في المجتبَى [3461] بلفظ: "المنتَزِعات والمختَلِعات هنَّ المنافقات" وصححه الألبانيّ في صحيح النسائيّ [3238] ثم قد قال طائفة كثيرة من السلف وأئمة الخلف إنه لا يجوز الخلع إلا أن يكونَ الشقاق والنشوز من جانب المرأة فيجوزَ للرجل حينئذ قبولُ الفدية، واحتجوا بقوله تعالى: "ولا يَحِلُّ لكم أن تأخذوا مما آتيتموهنَّ شيئًا إلَّا أن يَخَافَا ألَّا يُقيمَا حدودَ اللهِ" قالوا: فلم يُشرَع الخلع إلا في هذه الحالة، فلا يجوز في غيرها إلا بدليل، والأصل عدمه.

وممن ذهب إلى هذا ابنُ عباس وطاووس وإبراهيم وعطاء والحسن والجمهور، حتى قال مالك والأوزاعيّ: لو أخَذ منها شيئًا وهو مضارٌّ لها وجب ردُّه إليها وكان الطلاق رجعيًّا.

قال مالك: وهو الأمر الذي أدركتُ الناس عليه.

وذهب الشافعي رحمه الله إلى أنه يجوز الخلع في حال الشقاق وعند الاتفاق بطريق الأولى والأحرى. وهذا قول جميع أصحابه قاطبةً.

وقد ذكر ابن جرير أن هذه الآية نزلت في شأن ثابت بن قيس بن شماس وامرأته حبيبة بنت عبد الله بن أُبَيّ ابن سلول قال الشيخ أحمد شاكر: هكذا قال الحافظ ابن كثيرًا هنا، وأخشى أن يكون وهمًا منه؛ فإن الروايات فيها "حبيبة بنت سهل الأنصاريّ" و "جميلة بنت عبد الله بن أُبَيّ ابن سلول.

ولنذكر طرق حديثها واختلاف ألفاظه:
روى الإمام مالك عن حبيبة بنت سهل الأنصاريّ أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، وأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغَلَس، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من هذه؟" قالت: أنا حبيبة بنت سهل. فقال: "ما شأنك؟" فقالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس. لِزوجِها، فلما جاء زوجها ثابت بن قيس قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "هذه حبيبة بنت سهل قد ذكَرَت ما شاء الله أن تذكُر" فقالت حبيبة: يا رسول الله، كلُّ ما أعطاني عندي. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "خذْ منها" فأخَذ منها وجلسَت في أهلها. ورواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائيّ من طريق مالك رواه مالك في الموطأ [ص564] وأحمد في المسند [6/433ـ 434] والطبريّ في التفسير [2/280ـ 281] والنسائيّ [3408] وأبو داود [2227] وصححه الألبانيّ في صحيح أبي داود [1948].

وروى البخاريّ عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس أتت النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت: يا رسول الله، ما أَعِيب عليه في خُلُق ولا دِين، ولكني أكرَه الكفر في الإسلام. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "أترُدِّين عليه حديقته؟" قالت: نعم. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "اقبَل الحديقة، وطلِّقها تطليقة". ورواه النسائيّ، وهكذا رواه البخاريّ من طرق عن ابن عباس، وفي بعضها أنها قالت: لا أطيقه. يعني بُغضًا.

وهذا الحديث من أفراد البخاريّ من هذا الوجه أخرجه البخاريّ [9/349ـ 354] ونصّ الحافظ في الفتح [9/436] على أنه من أفراده دون مسلم وروى أبو القاسم البغويّ عن عكرمة عن ابن عباس أن جميلة بنت سلول أتت النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت: والله ما أَعتِب على ثابت بن قيس في دِين ولا خُلُق، ولكني أكره الكفر في الإسلام، لا أُطيقه بُغضًا. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "تَرُدّين عليه حديقته؟" قالت: نعم. فأمره النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يأخذ ما ساق ولا يزداد. وقد رواه ابن مَرْدَوَيْهِ وابن ماجه، وإسناده جيد مستقيم رواه ابن ماجه [2056] بلفظه، والطبريّ في التفسير [2/281] بمعناه، وصححه الألبانيّ في صحيح ابن ماجه [1673].

وروى ابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كانت حبيبة بنت سهل تحت ثابت بن قيس بن شماس، وكان رجلًا دميمًا، فقالت: يا رسول الله، والله لولا مخافةُ الله إذا دخَل عليَّ بَسَقتُ في وجهه بَسَق: لغةٌ في بَصَق. لسان العرب [10/20] فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "أَترُدِّين عليه حديقته؟" قالت: نعم. فرَدَّت عليه حديقته. قال: ففرّق بينهما الرسول صلى الله عليه وسلم.

رواه ابن ماجه [2057] وأحمد في المسند [4/3] من طريق حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو، ومن طريق الحجاج عن محمد بن سليمان بن أبي حثمة عن عمه سهل بن أبي حثمة، فذكر الحديث وزاد في آخره: قال: فكان ذلك أول خلع كان في الإسلام. وذكره الهيثميّ في الزوائد [5/4ـ 5] وقال: رواه أحمد والبزار والطبرانيّ، وفيه الحجاج بن أرطأة، وهو مدلِّس. وضعّفه الألبانيّ في ضعيف ابن ماجه [466] وانظر الإرواء [7/103] وقولها "بَسَقَت" هكذا ثبت بالسين في الأزهرية، وفي المطبوعة "بَصَقَت" بالصاد، وفي المسند "بَزَقَت" بالزاي، وكلُّ ذلك صحيح لغةً.

وقد اختلف الأئمة رحمهم الله في أنه: هل يجوز للرجل أن يفاديَها بأكثر مما أعطاها؟ فذهب الجمهور إلى جواز ذلك لعموم قوله تعالى: "فلا جُناحَ عليهما فيما افتَدَت به" وروى ابن جرير عن كثير مولى سمرة أن عمر أُتيَ بامرأة ناشز، فأمَر بها إلى بيت كثير الزِّبْل، ثم دعا بها فقال: كيف وجدتِ؟ فقالت: ما وجدتُ راحة منذ كنت عنده إلا هذه اللياليَ التي حبَستَني! فقال لزوجها: اخلَعها ولو من قُرْطِها. ورواه عبد الرزاق مثله وزاد: فحَبَسَها له ثلاثة أيام رواه الطبريّ في التفسير [2/287] والبيهقيّ في السنن الكبرى [14852] وهو أثر منقطع؛ لأن كثير بن أبي كثير مولى سمرة تابعيّ يَروي عن صغار الصحابة، وروايتُه عن عمر مرسَلة، كما في التهذيب وقال البخاريّ: وأجاز عثمان الخُلعَ دون عِقَاص رأسها.

وروى عبد الرزاق عن الرُّبَيِّع بن مُعوِّذ بن عَفراء قالت: كان لي زوج يُقِلُّ عليَّ الخير إذا حَضَرني ويَحرمني إذا غاب عني. قالت: فكانت منّي زلَّةٌ يومًا، فقلت: أختلع منك بكل شيء أملكه! قال: نعم. قالت: ففعلتُ. قالت: فخاصَمَ عمّي معاذُ بن عَفراء إلى عثمان بن عفان فأجاز الخلع وأمره أن يأخذ عِقَاص رأسي فما دونه. أو قالت: ما دون عِقَاص الرأس رواه الطبريّ في التفسير [2/287] من طريق عبد الرزاق، وإسناده صحيح. وابن سعد في الطبقات الكبرى [8/328] بإسنادين صحيحين.

ومعنى هذا أنه يجوز أن يأخذ منها كلَّ ما بيدها من قليل وكثير ولا يترك لها عقاص شعرها، وبه يقول ابن عمر وابن عباس ومجاهد وغيرهم، وهذا مذهب مالك والليث والشافعيّ وأبي ثور، واختاره ابن جرير.

وقال أصحاب أبي حنيفة: إن كان الإضرار من قِبَلِها جاز أن يأخذ منها ما أعطاها ولا تجوز الزيادة عليه، فإن ازداد جاز في القضاء، وإن كان الإضرار من جهته لم يَجُزْ أن يأخذ منها شيئًا، فإن أخذ جاز في القضاء.

وقال الإمام أحمد وأبو عُبيد وإسحاق: لا يجوز أن يأخذ أكثر مما أعطاها. وهذا قول سعيد بن المسيب وعطاء والزهريّ وغيرهم. عمدة التفسير 2/113ـ 116).

الحق سبحانه أراد أن يجعل للمرأة مخرجًا إن أُرِيدَ بها الضررُ وهي لا تَقبل هذا الضرر، فيأتي الشرع ويقرر بأنهما إذا خافَا ألّا يقيمَا حدود الله فللمرأة أن تفتديَ نفسَها بشيء من المال شريطةَ ألّا يَزيد على المهر.

وفي ذلك تَروي جميلة أختُ عبد الله بن أُبَيّ، وكانت زوجةَ ثابت بن قيس، أنها ذهبت إلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقالت له: أنا لا أتَّهم ثابتًا في دينه ولا في خُلُقه، ولكني لا أحب الكفر في الإسلام.

لقد عاشت معه وهي تُبغضه وتشعر أنها لن تؤديَ حقه، ولا تريد أن تكفُر بعشرة رجل كان المفروض لو أنها أحبَّته أن تعطيَه من نفسها المودةَ والرحمةَ وصِدْقَ العاطفة، وأراد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يَعلم منها ذلك فقالت: لقد رفعتُ الخِبَاء فوجدتُه في عدة الرجال هو أشدَّهم سوادًا وأقصَرَهم قامةً وأكثَرَهم دَمَامةً، وأريد أن أُفلِتَ منه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتَرُدِّين عليه حديقته؟" قالت: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقبَل الحديقة وطلِّقها تطليقة" ورَدَّت المرأة الحديقة، وبذلك خلَعَت نفسَها من زوجها لأنها تخاف ألّا تؤديَ له حقًّا من حقوق الزوجية، وافتَدَت نفسَها بما قدَّمه لها من مهر.

(قال ابن رشد: واسم الخلع والفدية والصلح والمبارأة، كلها تَؤول إلى معنًى واحد، وهو بذلُ المرأة العِوَضَ على طلاقها، إلا أن اسم الخلع يَختصّ ببذلها له جميعَ ما أعطاها، والصلح ببعضه، والفدية بأكثره، والمبارأة بإسقاطها عنه حقًّا لها عليه، على ما زعَم الفقهاء. بداية المجتهد [3/129].

وأخرج البخاريّ [2576] عن ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت: يا رسول الله، ما أَنقِم على ثابت في دين ولا خُلُق، إلا أني أخاف الكفر. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "فتَرُدِّين عليه حديقته؟" فقالت: نعم. فرَدَّت عليه وأمَرَه ففارَقَها.

أي لا أريد مفارقته لسوء خُلُقه ولا لنقصان دينه ولكني لا أُطيقه بُغضًا، وهذا ظاهره أنه لم يصنع بها شيئًا يقتضي الشكوى منه بسببه، لكن تقدم من رواية النسائيّ أنه كسَر يدها، فيُحمل على أنها أرادت أنه سيِّئ الخلق لكنها ما تَعيبه بذلك بل بشيء آخر، بل وقع التصريح بسبب آخر وهو أنه كان دميم الخِلْقة، ففي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند ابن ماجه: كانت حبيبة بنت سهل عند ثابت بن قيس، وكان رجلًا دميمًا، فقالت: والله لولا مخافة الله إذا دخل عليَّ لَبَصَقت في وجهه.

وأخرج عبد الرزاق عن معمر قال: بلغني أنها قالت: يا رسول الله بي من الجمال ما ترى، وثابت رجل دميم. وفي رواية معتمر بن سليمان عن فضيل عن أبي جرير عن عكرمة عن ابن عباس: أول خلع كان في الإسلام امرأة ثابت بن قيس، أتت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت: يا رسول الله، لا يجتمع رأسي ورأس ثابت أبدًا، إني رَفَعتُ جانب الخِبَاء فرأيته أقبَلَ في عدة، فإذا هو أشدُّهم سوادًا وأقصرُهم قامةً وأقبحُهم وجهًا. فقال: "أترُدِّين عليه حديقته؟" قالت: نعم، وإن شاء زدته. ففرَّق بينهما.

قوله: ولكني أكره الكفر في الإسلام. وكأنها أشارت إلى أنها قد تَحملها شدةُ كراهتها له على إظهار الكفر لينفسخ نكاحها منه، وهي كانت تعرف أن ذلك حرام لكن خَشيَتْ أن تَحملَها شدةُ البغض على الوقوع فيه. ويَحتمل أن تريد بالكفر كفرانَ العشير، إذ هو تقصير المرأة في حق الزوج. وقال الطِّيبيّ: المعنى: أخاف على نفسي في الإسلام ما ينافي حُكمَه، من نشوزٍ وفَرْكٍ وغيره مما يُتوقَّع من الشابة الجميلة المُبغِضة لزوجها إذا كان بالضدّ منها، فأطلَقَت على ما ينافي مقتَضَى الإسلامِ الكفرَ. ويَحتمل أن يكون في كلامها إضمارٌ، أي: أكره لوازم الكفر من المعاداة والشقاق والخصومة. فتح الباري 10/496 ـ 502 بتصرف.

قال الحافظ في الفتح: "باب الخلع" بضم المعجمة وسكون اللام، وهو في اللغة فراق الزوجة على مال، مأخوذ من خلع الثوب، لأن المرأة لباسُ الرجل معنًى، وضُمَّ مصدرُه تفرقةً بين الحسّيّ والمعنويّ.

وذكر أبو بكر بن دُريد في أماليه أن أولُ خُلع كان في الدنيا أن عامر بن الظَّرِب ـ بفتح المعجَمة وكسر الراء ثم موحَّدة ـ زوَّج ابنتَه من ابن أخيه عامر بن الحارث ابن الظرب، فلما دخَلَت عليه نَفَرَت منه، فشكا إلى أبيها، فقال: لا أجمع عليك فراقَ أهلِك ومالِك، وقد خلعتُها منك بما أعطَيتَها. قال: فزعم العلماء أن هذا كان أولَ خلع في العرب اهـ

ويسمَّى أيضًا فدية وافتداء. وأجمع العلماء على مشروعيته، إلا بكرَ بن عبد الله المُزَنيّ التابعيّ المشهورَ فإنه قال: لا يَحِلّ للرجل أن يأخذ من امرأته في مقابل فراقها شيئًا لقوله تعالى: "فلا تأخذوا منه شيئًا" فأورَدوا عليه "فلا جناحَ عليهما فيما افتَدَت به" [البقرة: 229] فادَّعَى نَسْخَها بآية النساء. أخرجه ابن أبي شيبة وغيره عنه، وتُعُقِّب مع شذوذه بقوله تعالى في النساء أيضًا: "فإن طِبْنَ لكم عن شيءٍ منه نفسًا فكُلُوه.." [النساء: 4] وبقوله فيها: "فلا جناحَ عليهما أن يُصلِحَا.." [النساء: 128] الآيةِ، وبالحديث. 


وكأنه لم يثبُت عنده أو لم يبلُغه. وانعقد الإجماع بعده على اعتباره، وأن آية النساء مخصوصة بآية البقرة وبآيتَي النساء الأُخرَيَين. وضابطُه شرعًا: فراقُ الرجل زوجتَه ببذلٍ قابلٍ للعِوَض يحصُل لجهة الزوج. وهو مكروه إلا في حال مخافةَ ألّا يُقيمَا أو واحدٌ منهما ما أُمِرَ به. وقد ينشأ ذلك عن كراهة العشرة إما لسوء خُلُق أو خَلْق. وكذا تُرفع الكراهة إذا احتاجَا إليه خشيةَ حنثٍ يَؤول إلى البينونة الكبرى.

قوله: "وكيف الطلاق فيه" أي هل يقع الطلاق بمجرده أو لا يقع حتى يُذكَر الطلاق إما باللفظ وإما بالنية؟ وللعلماء فيما إذا وقع الخلع مجردًا عن الطلاق لفظًا ونيةً ثلاثةُ آراء، وهي أقوال للشافعيّ: أحدُها: ما نَصّ عليه في أكثر كتبه الجديدة أن الخلع طلاق. وهو قول الجمهور.

فإذا وقع بلفظ الخلع وما تَصَرّفَ منه نَقَصَ العدد، وكذا إن وقع بغير لفظه مقرونًا بنيته. وقد نص الشافعيّ في "الإملاء" على أنه من صرائح الطلاق. وحجة الجمهور أنه لفظ لا يملكه إلا الزوج فكان طلاقًا، ولو كان فسخًا لما جاز على غير الصداق كالإقالة، لكن الجمهور على جوازه بما قلَّ وكثُر فدلَّ على أنه طلاق.

الثاني: وهو قول الشافعيّ في القديم، ذكره في "أحكام القرآن" من الجديد، أنه فسخ وليس بطلاق. وصح ذلك عن ابن عباس، أخرجه عبد الرزاق، وعن ابن الزبير. ورُوي عن عثمان وعليّ وعكرمة وطاوس. وهو مشهور مذهب أحمد... وقد استشكله إسماعيل القاضي بالاتفاق على أن من جعَل أمَر المرأة بيدها ونوَى الطلاق فطلَّقَت نفسَها طَلَقَت. وتُعُقِّب بأن محلَّ الخلاف ما إذا لم يقع لفظُ طلاقٍ ولا نيةٌ وإنما وقع لفظ الخلع صريحًا أو ما قام مقامه من الألفاظ مع النية، فإنه لا يكون فسخًا تقع به الفرقة ولا يقع به طلاق.

واختلف الشافعية فيما إذا نوَى بالخلع الطلاقَ وفرَّعنا على أنه فسخ، هل يقع الطلاق أم لا؟ ورجّح الإمام عدم الوقوع واحتَجّ بأنه صريح في بابه وجَد نَفَاذًا في محلّه فلا ينصرف بالنية إلى غيره.

وصرح أبو حامد والأكثر بوقوع الطلاق، ونقله الخُوَارَزميّ عن نصّ القديم، قال: هو فسخ لا ينقُص عددَ الطلاق إلا أن يَنويَا به الطلاقَ.

ويُخدَش فيما اختاره الإمام أن الطحاويّ نقَل الإجماعَ على أنه إذا نوَى بالخلع الطلاقَ وقَع الطلاقُ، وأن محلّ الخلاف فيما إذا لم يصرّح بالطلاق ولم يَنْوِهِ.

الثالث: إذا لم يَنْوِ الطلاق لا يقع به فرقة أصلًا. ونَصّ عليه في "الأم" وقوّاه السبكيّ من المتأخرين، وذكر محمد بن نصر المروزيّ في كتاب "اختلاف العلماء" أنه آخر قولَي الشافعيّ. فتح الباري [10/496: 502] بتصرف، وانظر في الموضوع "الفقه الإسلاميّ وأدلته" [7/480 ـ 508] "المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم" [8/133 ـ 230] و"بداية المجتهد" [3/129 ـ 142]).

وعندما نتأمل قول الحق سبحانه وتعالى: (فإن خفتم ألّا يُقيمَا حدودَ الله فلا جُناحَ عليهما فيما افتَدَت به تلك حدودُ اللهِ فلا تَعتَدُوها ومن يَتعَدَّ حدودَ اللهِ فأولئك هم الظالمون) (البقرة: 229) نجد أن الحق سبحانه يأمر وليَّ الأمر أن يتدخل إن خافَا ألّا يُقيمَا حدود الله، وبذلك يعطي للحاكمِ المسلم أو وليِّ الأمر أن يتدخل لتفتديَ المرأة نفسَها بقدرٍ من المال لا يزيد على قيمة مهرها، ونحن نعرف أن الحق سبحانه وتعالى قد وضع بعضًا من الحدود ومنَع التعدِّيَ عليها، ووضَع الحقُّ حدودًا ومنَع الاقتراب منها. وحدود الله كما نعرف هي ما شرَعه الله لعباده مبيِّنًا الحدَّ الفاصل بين الحلال والحرام، وحدودُ الله تَرِدُ في آيات القرآن الكريم على نحوَين:
الأول: هو أن يأتيَ قول الحق: (تلك حدودُ اللهِ فلا تَعتَدُوها ومن يَتعَدَّ حدودَ اللهِ فأولئك هم الظالمون) والمقصود بذلك أن يطبق المؤمن الأوامر التي أنزلها الله، وليس من حق أحد أن يعتديَ على حدود قد وضعها الله أو يتعدّاها إلى غيرها.

الثاني: وهو قوله سبحانه وتعالى: (تلك حدودُ الله فلا تَقرَبوها) (البقرة: 187) والمقصود بذلك أن الحق يريد أن يحصّن النفس البشرية من تأثير المحرَّمات عليها، وحتى لا تُلِحَّ هذه المحرَّمات على النفس أن تفعل أو تقبل ما حرّمه الله، فإذا ما كان المؤمن بعيدًا عن دائرة المحرَّمات ولا يَقترب منها فإنه بذلك يضمن لنفسه السلامة من الوقوع في الخطأ (وقوله: "تلك حدودُ اللهِ فلا تَعتَدُوها ومن يَتعَدَّ حدودَ اللهِ فأولئك هم الظالمون" أي هذه الشرائع التي شَرَعها لكم هي حدوده فلا تتجاوزوها، كما ثبت في الحديث الصحيح: "إن اللهَ حَدَّ حدودًا فلا تَعتَدُوها، وفرَض فرائضَ فلا تضيِّعوها، وحرَّم مَحارمَ فلا تَنتهِكوها، وسكَت عن أشياءَ رحمةً لكم غيرَ نسيان فلا تَسألوا عنها" رواه الحاكم في المستدرك [4/115] من حديث أبي ثعلبة الخُشَنيّ ـ رضي الله عنه ـ وسكت عنه عمدة التفسير 2/116ـ 117).

إذًا فحدود الله تشتمل على نَوَاهٍ أمَر الله تعالى بالابتعاد عنها وتشتمل على أوامرَ من الله تعالى أمَر بالتزامها. إن الحق سبحانه وتعالى يريد بأوامره أن تظل في مجالها من الفعل بـ "افعل" ويريد بالنواهي أن تظل في مجالها من عدم الفعل بـ "لا تفعل" لأن الإنسان إن غيَّر نظام "لا تفعل" إلى "افعل" أو نقَل نظام "افعل" إلى "لا تفعل" إنما يكون ذلك سببًا في اختلال نظام الحياة، وإن اختلَّ نظام الحياة فسوف يقع الظلم.

والظلم إن كان من معانيه أن تأخذ حقًّا من صاحبه وتعطيَه لمن لا حقَّ له فإن من معانيه أيضًا أن ينقُل الإنسان أمرًا من دائرة "افعل" إلى دائرة "لا تفعل" أو أن ينقُل الإنسان أمرًا من دائرة "لا تفعل" إلى دائرة "افعل".

وتشريع الطلاق بالأسس والأوامر والنواهي التي وضعها الله يجب أن يطبَّق بنصوص ونوايَا الإيمان، وإن حاوَل أحد بالتشريع البشريّ ولو بحسن نية أن يتدخل في هذه الحدود فإنه يُفسد على الزوجين حياتهما ويُحيلها إلى بركان من المشاكل والصعاب بعد أن كانت وَفْقَ شرع الله تعالى إما عشرةً بالمعروف أو تسريحًا بإحسان، وفي ذلك ظلم للنفس وظلم للمجتمع.


حق المرأة في التطليق 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49196
العمر : 72

حق المرأة في التطليق Empty
مُساهمةموضوع: رد: حق المرأة في التطليق   حق المرأة في التطليق Emptyالسبت 25 مارس 2017, 11:35 pm

3 ـ الإيلاء
=======
يقول الحق سبحانه وتعالى: (لِلَّذين يُؤْلُون مِن نسائهم تَربُّصُ أربعةِ أشهرٍ فإن فاءُوا فإن اللهَ غفورٌ رحيمٌ. وإن عزَموا الطلاقَ فإن اللهَ سميعٌ عليمٌ) (البقرة: 226 ـ 227).

هذا تشريع للذين يُقسمون ألّا يجامعوا نساءهم عقابًا وأدبًا لهنَّ، والعقاب فترة زمنية أقصاها أربعة أشهر، لكن أكثر من ذلك فهو أمر مرفوض.

لماذا؟
إن الرجل قد يعاقب زوجته بالجماع دون يمين، ولكنه قد يضعُف، لذلك يشدّد على نفسه باليمين. وكان الرجل قديمًا يَعضُل المرأةَ ويُشعرها بالذنب ولا يَقرَب المرأةَ فترة، ثم يكرر القَسَمَ مرة أخرى لفترة أخرى، والمرأة قد تستغل دلالها على الزوج بجمالها فتُذلّه بأن تمنعه من الاقتراب منها، لذلك شرَع الحق مدةَ أربعة أشهر وبعدها يكون أمر آخر، إن الله سبحانه وتعالى قد حدّد مدةَ عدمِ الاقتراب بيمين هي أربعة أشهر، لك أيها الزوج أن تَحلف ألّ‍ا تَقرَب امرأتَك أربعة أشهر للتأديب، ولكن إن زاد الأمر على أربعة أشهر فذلك ضرر وإذلال لا يرضاه الله (قال العلامة ابن كثير: الإيلاء الحَلِف، فإذا حلف الرجل ألّا يجامع زوجته مدةً فلا يخلو إما أن يكون أقلَّ من أربعة أشهر أو أكثرَ منها، فإن كانت أقلَّ فله أن ينتظر انقضاء المدة ثم يجامع امرأته، وعليها أن تصبر، وليس لها مطالبتُه بالفَيئة في هذه المدة، وهذا كما ثبت في الصحيحين عن عائشة أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ آلَى من نسائه شهرًا، فنزَل لتسع وعشرين وقال: "الشهر تسع وعشرون" أخرجه البخاريّ [2468] مطولًا ومسلم [1475/ 35] بنحوه ولهما عن عمر بن الخطاب نحوه أخرجه البخاريّ [5203] ومسلم [1479/ 30] مطولًا.

فأما إن زادت المدة على أربعة أشهر فللزوجة مطالبةُ الزوج عند انقضاء أربعة أشهر إما أن يَفيءَ ـ أي يجامع ـ وإما أن يطلِّق، فيُجبِرُه الحاكم على هذا أو هذا لئلَّا يَضرَّ بها، ولهذا قال تعالى: "لِلَّذين يُؤلُون من نسائهم" أي يَحلفون على ترك الجماع من نسائهم. فيه دلالة على أن الإيلاء يَختصّ بالزوجات دون الإماء كما هو مذهب الجمهور "تَرَبُّصُ أربعة أشهر" أي ينتظر الزوج أربعة أشهر من حين الحلف ثم يُوقَف ويُطالَب بالفَيئة أو الطلاق.

ولهذا قال: "فإن فاءُوا" أي رجعوا إلى ما كانوا عليه. وهو كناية عن الجماع. قاله ابن عباس وغير واحد، منهم ابن جرير رحمه الله "فإن الله غفور رحيم" لِمَا سلَف من التقصير في حقهنَّ بسبب اليمين.

وقوله: (فإن الله غفور رحيم) فيه دلالة لأحد قولَي العلماء، وهو القديم عن الشافعيّ، أن المُوليَ إذا فاء بعد الأربعة الأشهر أنه لا كفارة عليه، ويَعتضد بما تقدم في الحديث عند الآية التي قبلها عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "مَن حلَف على يمين فرأى غيرَها خيرًا منها فتَرْكُها كفارتُها" رواه أحمد في المسند [2/185] وقال الشيخ شاكر [3736]: إسناد صحيح كما رواه أحمد وأبو داود والترمذيّ.

والذي عليه الجمهور، وهو الجديد من مذهب الشافعيّ، أن عليه التكفيرَ لعموم وجوب التكفير على كل حالف، كما تقدم أيضًا في الأحاديث الصحاح والله أعلم. عمدة التفسير 2/106).

والذي يدلنا على أن الحق سبحانه وتعالى وهو خالق الغرائز والميول والعواطف قد قنَّن لها التقنين السليم، هو ما رُوي أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله تعالى عنه ـ كان يمرّ ليلًا يتفقد أحوال رعيته، فسمع امرأة في جوف الليل، حيث لا ضجة ولا ضجيج وإنما سكون يخلو فيه كل إنسان إلى خِلِّه وشوقه، تقول المرأة:

تَطاوَلَ هذا الليلُ واسوَدَّ جانبُه وأرَّقَني أنْ لا خليلٌ أُلَاعبُه
فواللهِ لولا اللهُ أنِّي أراقبُــه لَحُـرِّكَ من هذا السرير جوانبُه

إن هذه المرأة امتدَّ بها الأرق واستبدَّ بها الشوق إلى الرجل ولكن تقوى الله التي منَعَتها، ويذهب عمر بن الخطاب ـ رضي الله تعالى عنه ـ بفطرته السلمية وأَلْمَعيَّتِه المفرطة إلى ابنته حفصة ويقول لها: يا حفصة، كم تصبر المرأة على بُعد الرجل عنها؟ فتقول حفصة بوضوح: يا أبت، من ستة أشهر لأربعة.

فأخذ عمر بن الخطاب على نفسه ألّا يظلَّ جنديّ من جنود المسلمين بعيدًا عن أهله أكثر من ذلك (قال العلامة ابن كثير: وقد ذكر الفقهاء وغيرهم في مناسبة تأجيل المُولِي بأربعة أشهر الأثرَ الذي رواه الإمام مالك بن أنس في الموطأ عن عبد الله بن دينار، قال: خرج عمر بن الخطاب من الليل فسمع امرأة تقول:

تَطاوَلَ هذا الليلُ واسوَدَّ جانبُه وأرَّقَني أنْ لا خليلٌ أُلَاعبُه
فـــواللهِ لولا اللهُ أنِّي أراقبُه لَحُرِّكَ من هذا السرير جوانبُه


فسأل عمر ابنته حفصة: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: ستة أشهر أو أربعة أشهر. فقال عمر: لا أحبس أحدًا من الجيش أكثر من ذلك. وقد رُوي هذا من طرق، وهو من المشهورات. عمدة التفسير 2/107).

إذًا فقول الحق سبحانه وتعالى: (لِلَّذين يُؤْلُون مِن نسائهم تَربُّصُ أربعةِ أشهرٍ فإن فاءُوا فإن اللهَ غفورٌ رحيمٌ) لقد سبق الحقُّ عمرَ، وبعد ذلك يترك الحق لواقع الحياة أن يُظهر ما أنزله الله من أمر، إن عمر بن الخطاب يستنبط حكمًا فلا يجعل جنديًّا يبعد عن بيته أكثر من أربعة أشهر، والحق حين قرر أن للرجل أن يقسم ويحلف ألّا يَقرَب امرأتَه حدَّد ذلك بأربعة أشهر، وإن شاء الرجل أن يقترب من زوجته قبل أربعة أشهر فليكفر عن اليمين وتنتهي المسألة ويصير من حقه الاقترابُ والامتزاجُ بزوجته، أما إن زاد الزمن على أربعة أشهر فهنا من حق الزوجة أن تطلب منه الطلاق، ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى بعد هذه الآية: (وإن عزَموا الطلاقَ فإن اللهَ سميعٌ عليمٌ) [البقرة: 227].

(قوله: "وإن عزَموا الطلاقَ" فيه دلالة على أن الطلاق لا يقع بمجرد مُضيّ الأربعة أشهر، كقول الجمهور. وذهب آخرون إلى أنه يقع بمُضيّ أربعة أشهر تطليقةٌ. وهو مرويّ بأسانيد صحيحة عن عمر وعثمان وعليّ وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وزيد بن ثابت، وبه يقول ابن سيرين ومسروق والقاسم وسالم وغيرهم من التابعين.

ثم قيل: إنها تَطلُق بمُضيّ الأربعة أشهر طلقةً رجعيةً. قاله سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ومكحول وربيعة وغيرهم. وقيل: إنها تَطلُق طلقةً بائنة.

والذي عليه الجمهور أن يُوقَف فيُطالَب إما بهذا أو بهذا ولا يقع عليها بمجرد مُضيِّها طلاقٌ. وروى مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال: إذا آلَى الرجل من امرأته لم يقَع عليه طلاق وإن مَضَت أربعة أشهر، حتى يُوقَف، فإما أن يطلِّق وإما أن يَفيء. وأخرجه البخاريّ. وروَى الشافعيّ عن سليمان بن يسار قال: أدركت بضعة عشر من أصحاب النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلهم يُوقِفُ المُولِيَ.

وروى ابن جرير عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال: سألت اثنَي عشرَ رجلًا من الصحابة عن الرجل يُولِي من امرأته فكلهم يقول: ليس عليه شيء حتى تَمضيَ الأربعة الأشهر، فيُوقَف، فإن فاء وإلا طلَّق رواه الطبريّ في التفسير [4642 شاكر] ورواه الدارقطنيّ رواه الدارقطنيّ في سننه [3995] وهو مذهب مالك والشافعيّ وأحمد ابن حنبل وأصحابهم. وهو اختيار ابن جرير أيضًا.

وهو قول الليث وإسحاق بن راهَوَيه وأبي عبيد وأبي ثور وداود. عمدة التفسير 2/107) هذا هو الحد الفاصل للتأديب، أربعة أشهر من عدم التواصل في الفراش.

إن المرأة من خلق الله، والرجل من خلق الله، والله لا يحب أن يُظلم أحدٌ من خلقه، فإذا ما بالَغَ الرجل في عقاب زوجته للتأديب كان لابد للحق أن يحميَ المرأة من الرجل حتى لو كان ذلك بأبغض الحلال إليه سبحانه "الطلاق" وقد اختلف العلماء في كيفية حدوث هذا الطلاق، أبو حنيفة يقول: إن الطلاق يقع بمُضيّ هذه المدة.

والشافعيّ يقول: إن حق المرأة أن ترفع أمر الزواج إلى القاضي فإما أن يأمر الزوج بالفَيئة ـ أي العودة إلى سابق عهده معها ـ أو الطلاق.

(حكم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الإيلاء ثبت في صحيح البخاريّ عن أنس قال: آلَى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من نسائه، وكانت انفكَّت رجله فأقام في مَشْرُبة له تسعًا وعشرين ليلة، ثم نزل، فقالوا: يا رسول الله آلَيتَ شهرًا‍! فقال: "إن الشهر يكون تسعًا وعشرين" أخرجه البخاريّ [5289 ، 5201] بلفظ: "الشهر تسع وعشرون" وقد قال سبحانه: "لِلَّذين يُؤْلُون مِن نسائهم تَربُّصُ أربعةِ أشهرٍ فإن فاءُوا فإن اللهَ غفورٌ رحيمٌ. وإن عزَموا الطلاقَ فإن اللهَ سميعٌ عليم" الإيلاء لغةً: الامتناع باليمين. وخُصَّ في عرف الشرع بالامتناع باليمين من وطء الزوجة، ولهذا عُدِّيَ فعلُه بأداة "مِن" تضمينًا له معنى "يَمتنعون من نسائهم" وهو أحسن من إقامة "من" مقام "على".

وجعل سبحانه للأزواج مدة أربعة أشهر يَمتنعون فيها من وطء نسائهم بالإيلاء، فإذا مضت فإما أن يَفيءَ وإما أن يطلِّق، وقد اشتهر عن عليّ وابن عباس أن الإيلاء إنما يكون في حال الغضب دون الرضا، كما وقع للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع نسائه. وظاهرُ القرآن مع الجمهور.

وقد تناظر في هذه المسألة محمد بن سيرين ورجل آخر، فاحتَجَّ على محمد بقول عليٍّ، فاحتَجَّ عليه محمد بالآية فسكت.

وقد دلت الآية على أحكامٍ منها هذا.

ومنها أن من حلف على ترك الوطء أقلَّ من أربعة أشهر لم يكن مُؤلِيًا، وهذا قول الجمهور، وفيه قول شاذّ أنه مُؤْلٍ.

ومنها أنه لا يثبُت له حكمُ الإيلاء حتى يحلف على أكثر من أربعة أشهر، فإن كانت مدة الامتناع أربعة أشهر لم يثبُت له حكم الإيلاء؛ لأن الله جعل لهم مدة أربعة أشهر وبعد انقضائها إما أن يطلِّقوا وإما أن يَفيؤوا. وهذا قول الجمهور، ومنهم أحمد والشافعيّ ومالك. وجعله أبو حنيفة مُؤْلِيًا بأربعة أشهر سواء، وهذا بناءً على أصله أن المدة المضروبة أجلٌ لوقوع الطلاق بانقضائها، والجمهور يجعلون المدة أجلًا لاستحقاق المطالَبة.

وهذا موضع اختَلَف فيه السلف من الصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ والتابعين ومَن بعدهم، فقال الشافعيّ: حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال: أدركت بضعة عشر رجلًا من الصحابة كلُّهم يُوقِفُ المُؤْلِيَ. يعني بعد أربعة أشهر رواه الشافعيّ في مسنده [139] وإسناده صحيح وروَى سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال: سألت اثنَي عشر رجلًا من أصحاب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن المُؤْلِي فقالوا: ليس عليه شيء حتى تَمضيَ أربعة أشهر رواه الدارقطنيّ [3995] وإسناده قويّ وهذا قول الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

وقال عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت: إذا مضت أربعة أشهر ولم يَفِئْ فيها طَلَقَت منه بمُضيِّها رواه البيهقيّ في السنن الكبرى [15227] عن ابن مسعود، وإسناده صحيح وهذا قول جماعة من التابعين وقول أبي حنيفة وأصحابه، فعند هؤلاء يستحق المطالبة قبل مُضيّ الأربعة الأشهر، فإن فاء وإلا طَلَقَت بمُضيِّها. وعند الجمهور لا يستحق المطالبة حتى تمضيَ الأربعة الأشهر، فحينئذ يقال: إما أن تفيء وإما أن تطلِّق. وإن لم يَفِئْ أُخذ بإيقاع الطلاق، إما بالحاكم وإما بحبسه حتى يطلِّق.

قال المُوقِعون للطلاق بمُضيّ المدة: آية الإيلاء تدل على ذلك من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن عبد الله بن مسعود قرأ: "فإن فاءُوا فإن اللهَ غفورٌ رحيمٌ" فإضافة الفَيئة إلى المدة تدل على استحقاق الفَيئة فيها، وهذه القراءة إما أن تَجريَ مَجرَى خبر الواحد فتوجب العمل وإن لم توجب كونَها من القرآن، وإما أن تكون قرآنًا نُسخ لفظُه وبقيَ حكمُه، لا يجوز فيها غير هذا ألبتة.

الثاني: أن الله سبحانه جعل مدة الإيلاء أربعة أشهر، فلو كانت الفيئة بعدها لزادت على مدة النص، وذلك غير جائز.

الثالث: أنه لو وطئها في مدة الإيلاء لوقعت الفيئة موقعها، فدل على استحقاق الفَيئة فيها.

قالوا: ولأن الله سبحانه وتعالى جعل لهم تربص أربعة أشهر ثم قال: "فإن فاءُوا فإن اللهَ غفورٌ رحيمٌ. وإن عزَموا الطلاقَ" وظاهر هذا أن هذا التقسيم في المدة التي لهم فيها التربص، كما إذا قال لغريمه: أصبر عليك بدَيني أربعة أشهر، فإن وفَّيتَني وإلا حبستك. ولا يفهم من هذا إلّا: إن وفَّيتَني في هذه المدة.

ولا يفهم منه: إن وفَّيتَني بعدها، وإلا كانت مدة الصبر أكثر من أربعة أشهر. وقراءة ابن مسعود صريحة في تفسير الفيئة بأنها في المدة، وأقل مراتبها أن تكون تفسيرًا. قالوا: ولأنه أجل مضروب للفرقة فتَعقُبُه الفرقة كالعدة، وكالأجل الذي ضُرب لوقوع الطلاق، كقوله: إذا مضت أربعة أشهر فأنت طالق.

قال الجمهور: لنا من آية الإيلاء عشرة أدلة:
أحدها: أنه أضاف مدة الإيلاء إلى الأزواج وجعلها لهم ولم يجعلها عليهم، فوجب ألّا يستحق المطالبة فيها بل بعدها، كأجل الدَّين، ومن أوجب المطالبة فيها لم يكن عنده أجلٌ لهم، ولا يَعقل كونَها أجلًا لهم، ويَستحق عليهم فيها المطالبة.

الثاني: قوله "فإن فاءُوا فإن اللهَ غفورٌ رحيمٌ" فذكر الفَيئة بعد المدة بفاء التعقيب، وهذا يقتضي أن يكون بعد المدة، ونظيره قوله سبحانه: "الطلاقُ مرتان فإمساكٌ بمعروف أو تسريحٌ بإحسان" وهذا بعد الطلاق قطعًا.

فإن قيل: فاء التعقيب توجب أن يكون بعد الإيلاء لا بعد المدة.

قيل: قد تقدم في الآية ذكر الإيلاء ثم تلاه ذكر المدة ثم أعقبها بذكر الفيئة، فإذا أوجبت الفاء التعقيب بعد ما تقدم ذكره لم يَجُزْ أن يعود إلى أبعد المذكورَين ووجب عودُها إليهما أو إلى أقربِهما.

الثالث: قوله "وإن عزموا الطلاق" وإنما العزم ما عزَم العازم على فعله، كقوله تعالى: "ولا تَعزِموا عقدةَ النكاح حتى يَبلُغَ الكتابُ أجَلَه".

فإن قيل: فتركُ الفَيئة عزمٌ على الطلاق؟

قيل: العزم هو إرادة جازمة لفعل المعزوم عليه أو تركه، وأنتم تُوقِعون الطلاق بمجرد مُضيّ المدة وإن لم يكن منه عزمٌ لا على وطء ولا على تركه، بل لو عزم على الفيئة ولم يجامع طلَّقتم عليه بمضيّ المدة، ولم يَعزم الطلاق، فكيفما قدَّرتم فالآية حجة عليكم.

الرابع: أن الله سبحانه خيَّره في الآية بين أمرين، الفيئة أو الطلاق، والتخيير بين أمرين لا يكون إلا في حالة واحدة كالكفارات، ولو كان في حالتَين لكان ترتيبًا لا تخييرًا، وإذا تقرر هذا فالفيئةُ عندكم في نفس المدة، وعزمُ الطلاق بانقضاء المدة، فلم يقع التخيير في حالة واحدة.

فإن قيل: هو مخيَّر بين أن يفيءَ في المدة وبين أن يترك الفيئة، فيكون عازمًا للطلاق بمضيّ المدة.

قيل: ترك الفيئة لا يكون عزمًا للطلاق وإنما يكون عزمًا عندكم إذا انقضت المدة، فلا يتأتى التخيير بين عزم الطلاق وبين الفيئة ألبتة؛ فإنه بمضيّ المدة يقع الطلاق عندكم فلا يمكنه الفيئةُ، ولم يحضُر وقتُ عزم الطلاق الذي هو مضيّ المدة، وحينئذ فهذا دليل خامس مستقلّ.

السادس: أن التخيير بين أمرين يقتضي أن يكون فعلهما إليه، وصح منه اختيارُ فعلِ كلٍّ منهما وتركِه، وإلا لبَطَل حكمُ خياره، ومُضيُّ المدة ليس إليه.

السابع: أنه سبحانه قال: "وإن عزَموا الطلاقَ فإن اللهَ سميعٌ عليمٌ" فاقتضى أن يكون الطلاق قولًا يُسمَع؛ لِيَحسُنَ ختمُ الآية بصفة السمع.

الثامن: أنه لو قال لغريمه: لك أجلُ أربعة أشهر، فإن وفَّيتَني قَبِلتُ منك وإن لم تُوَفِّني حبستُك. كان مقتضاه أن الوفاء والحبس بعد المدة لا فيها، ولا يَعقل المخاطَب غير هذا.

فإن قيل: ما نحن فيه نظير قوله: لك الخيار ثلاثةَ أيام، فإن فسَختَ البيعَ وإلا لَزِمَكَ. ومعلوم أن الفسخ إنما يقع في الثلاث لا بعدها.

قيل: هذا من أقوى حُججنا عليكم، فإن موجَبَ العقدِ اللزومُ، فجعَل له الخيارَ في مدة ثلاثة أيام فإذا انقضت ولم يَفسَخ عاد العقد إلى حكمه وهو اللزوم، وهكذا الزوجة لها حقّ على الزوج في الوطء كما له حقّ عليها، قال تعالى: "ولهنَّ مثلُ الذي عليهنَّ بالمعروف" [البقرة: 228] فجعَل له الشارعُ امتناعَ أربعة أشهر لا حقَّ لها فيهنَّ، فإذا انقضت المدة عادت على حقها بموجَبِ العقد، وهو المطالَبةُ لا وقوعُ الطلاق، وحينئذ فهذا دليل تاسع مستقلّ.

العاشر: أنه سبحانه جعل للمُؤلِينَ شيئًا، وعليهم شيئَين، فالذي لهم تربُّصُ المدة المذكورة، والذي عليهم إما الفيئة وإما الطلاق، وعندكم ليس عليهم إلا الفيئةُ فقط وأما الطلاقُ فليس عليهم بل ولا إليهم، وإنما هو إليه سبحانه عند انقضاء المدة فيُحكَمُ بطلاقها عقيب انقضاء المدة شاء أو أبَى، ومعلوم أن هذا ليس إلى المُؤلِي ولا عليه، وهو خلاف ظاهر النص.

قالوا: ولأنها يمين بالله تعالى توجب الكفارة فلم يقع بها الطلاق كسائر الأيمان، ولأنها مدة قدَّرها الشرع لم تتقدَّمها الفرقة فلا يقع بها بينونة كأجَلِ العِنِّين، ولأنه لفظ لا يصح أن يقع به الطلاق المعجَّل فلم يقع به المؤجَّل كالظهار، ولأن الإيلاء كان طلاقًا في الجاهلية فنُسخ، كالظهار، فلا يجوز أن يقع به الطلاق؛ لأنه استيفاء للحكم المنسوخ ولِمَا كان عليه أهل الجاهلية، قال الشافعيّ: كانت الفِرَقُ الجاهلية تحلف بثلاثة أشياء، بالطلاق والظهار والإيلاء، فنقَل الله سبحانه وتعالى الإيلاءَ والظهارَ عما كان عليه في الجاهلية من إيقاع الفرقة على الزوجة إلى ما استقرَّ عليه حكمهما في الشرع، وبَقيَ حكم الطلاق على ما كان عليه. هذا لفظه الأم للشافعيّ [5/277] بنحوه.

قالوا: ولأن الطلاق إنما يقع بالصريح والكناية، وليس الإيلاء واحدًا منهما، إذ لو كان صريحًا لوقع معجَّلًا إن أطلَقَه أو إلى أجلٍ مسمًّى إن قيَّده، ولو كان كنايةً لرجع فيه إلى نيته. ولا يَرِدُ على هذا اللعانُ؛ فإنه يوجب الفسخ دون الطلاق، والفسخ يقع بغير قول، والطلاق لا يقع إلا بالقول.

قالوا: وأما قراءة ابن مسعود فغايتها أن تدل على جواز الفيئة في مدة التربص لا على استحقاق المطالبة بها في المدة. وهذا حقّ لا ننكره.

وأما قولكم: جواز الفَيئة في المدة دليل على استحقاقها فيها. فهو باطل بالدَّين المؤجَّل.

وأما قولكم: إنه لو كانت الفيئة بعد المدة لزادت على أربعة أشهر. فليس بصحيح؛ لأن الأربعة الأشهر مدةٌ لزمن الصبر الذي لا يستحق فيه المطالبة، فبمجرد انقضائها يستحق عليه الحق، فلها أن تعجّل المطالبة به وإما أن تُنظره.

وهذا كسائر الحقوق المعلقة بآجال معدودة إنما تستحق عند انقضاء آجالها. ولا يقال: إن ذلك يستلزم الزيادةَ على الأجل، فكذا أجلُ الإيلاء سواء.

ودلت الآية على أن كل من صح منه الإيلاء بأيّ يمين حلف فهو مُؤْلٍ حتى يَبَرَّ، إما أن يَفيء وإما أن يطلِّق، فكان في هذا حجة لِمَا ذهَب إليه مَن يقول من السلف والخلف: إن المُؤلِيَ باليمين بالطلاق إما أن يَفيء وإما أن يطلق.

ومن يُلزمه الطلاقَ على كل حال لم يُمكنه إدخالُ هذا اليمين في حكم الإيلاء، فإنه إذا قال: إن وطئتُك إلى سنة فأنتِ طالق ثلاثًا. فإذا مضت أربعة أشهر لا يقولون له: إما أن تطأ وإما أن تطلِّق.

بل يقولون له: إن وطئتَها طَلَقَت، وإن لم تَطَأها طلَّقنا عليك.

وأكثرهم لا يمكِّنه من الإيلاج لوقوع النزع الذي هو جزء الوطء في أجنبية.

ولا جواب عن هذا إلا أن يقال بأنه غير مُؤْلٍ، وحينئذٍ يقال: فلا تُوقِفُوه بعد مضيّ الأربعة الأشهر وقولوا إن له أن يمتنع من وطئها بيمين الطلاق دائمًا.

فإن ضربتم له الأجل أثبتُّم له حكم الإيلاء من غير يمين، وإن جعلتموه مُؤليًا ولم تجيزوه خالفتم حكم الإيلاء وموجَب النص. فهذا بعض حجج هؤلاء على منازعيهم.

فإن قيل: فما حكم هذه المسألة، وهي إذا قال: إن وطئتُكِ فأنت طالق ثلاثًا؟

قيل: اختلف الفقهاء فيها: هل يكون مُؤليًا أم لا؟ على قولين، وهما روايتان عن أحمد وقولان للشافعيّ في الجديد، أنه يكون مُؤليًا، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك.

وعلى القولين فهل يمكَّن من الإيلاج؟ فيه وجهان لأصحاب أحمد والشافعيّ:
أحدهما: أنه لا يمكَّن منه بل يحرَّم عليه، لأنها بالإيلاج تَطلُقُ عندهم ثلاثًا، فيصير ما بعد الإيلاج محرمًا فيكون الإيلاج محرَّمًا. وهذا كالصائم إذا تيقن أنه لم يَبقَ إلى طلوع الفجر إلا قدرُ إيلاج الذكر دون إخراجه حرُم عليه الإيلاجُ وإن كان في زمن الإباحة، لوجود الإخراج في زمن الحظر، كذلك ها هنا يحرُم عليه الإيلاجُ وإن كان قبل الطلاق لوجود الإخراج بعده.

والثاني: أنه لا يحرُم عليه الإيلاج. قال الماورديّ: وهو قول سائر أصحابنا. لأنها زوجته. ولا يحرُم عليه الإخراجُ لأنه تركٌ وإن طَلَقَت بالإيلاج، ويكون المحرَّمُ بهذا الوطءِ استدامةَ الإيلاج لا الابتداء والنزع.

وهذا ظاهر نص الشافعيّ، فإنه قال: لو طلع الفجر على الصائم وهو مجامع وأخرَجَه مكانه كان على صومه، فإن مكث بغير إخراجه أفطر ويكفّر. وقال في كتاب الإيلاء: ولو قال: إن وطئتُكِ فأنت طالق ثلاثًا. وُقف، فإن فاء، فإذا غيَّب الحشفة طَلَقَت منه ثلاثًا، فإن أخرَجَه ثم أدخَلَه فعليه مهرُ مثلها.

قال هؤلاء: ويدل على الجواز أن رجلًا لو قال لرجل: ادخُل داري ولا تقُم. استباح الدخولَ لوجوده عن إذن، ووجب عليه الخروج لمنعه من المقام، ويكون الخروج وإن كان في زمن الحظرِ مباحًا لأنه تركٌ.

كذلك هذا المُؤلِي يستبِيح أن يُولِجَ ويَستبيح أن يَنزِع، ويحرُم عليه استدامةُ الإيلاج.

والخلافُ في الإيلاج قبل الفجر والنزعِ بعده للصائم كالخلاف في المُؤلِي.

وقيل: يحرم على الصائم الإيلاجُ قبل الفجر ولا يحرم على المُؤلِي، والفرق أن التحريم قد يطرأ على الصائم بغير الإيلاج فجاز أن يحرُم عليه الإيلاجُ، والمُؤلِي لا يطرأ عليه التحريم بغير الإيلاج فافتَرَقَا.

وقالت طائفة ثالثة: لا يحرُم عليه الوطء ولا تَطلُقُ عليه الزوجة، بل يوقَف ويقال له ما أمَرَ اللهُ؛ إما أن تَفيءَ وإما أن تطلِّق.

قالوا: وكيف يكون مُؤلِيًا ولا يمكَّن من الفيئة بل يُلزَم بالطلاق، وإن مُكِّن منها وقع به الطلاق، فالطلاق واقع به على التقديرين مع كونه مُؤلِيًا؟ فهذا خلاف ظاهر القرآن، بل يقال لهذا: إن فاء لم يقع به الطلاق، وإن لم يَفِئْ أُلزِمَ بالطلاق.

وهذا مذهب من يرى اليمين بالطلاق لا يوجب طلاقًا وإنما يجزئه كفارةُ يمين. وهو قول أهل الظاهر وطاووس وعكرمة وجماعة من أهل الحديث واختيارُ شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه. زاد المعاد 5/324 ـ 353).


حق المرأة في التطليق 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49196
العمر : 72

حق المرأة في التطليق Empty
مُساهمةموضوع: رد: حق المرأة في التطليق   حق المرأة في التطليق Emptyالسبت 25 مارس 2017, 11:38 pm

4 ـ الظهار
======
قال الله تعالى: (قد سَمِعَ اللهُ قولَ التي تجادلُك في زوجِها وتشتكي إلى اللهِ واللهُ يَسمعُ تَحَاوُرَكما إن اللهَ سميعٌ بصيرٌ. الذين يُظاهرون منكم من نسائِهم ما هُنَّ أمَّهاتِهم إنْ أمَّهاتُهم إلّا اللائي وَلَدْنَهم وإنهم لَيَقولون مُنكَرًا من القولِ وزُورًا وإن اللهَ لَعفوٌّ غفورٌ. والذين يُظاهرون مِن نسائِهم ثم يعودون لِمَا قالوا فتحريرُ رقبةٍ مِن قبلِ أن يَتَماسَّا ذلكم تُوعَظون به واللهُ بما تعملون خبيرٌ. فمن لم يَجِدْ فصيامُ شهرَين متتابعَين مِن قبلِ أن يَتَماسَّا فمن لم يَستطعْ فإطعامُ ستين مسكينًا ذلك لتؤمنوا باللهِ ورسولِه وتلك حدودُ اللهِ وللكافرين عذابٌ أليمٌ) (المجادلة: 1ـ 4).

المجادلة هي خَولة بنت ثعلبة، وكانت زوجةً لرجل من الأنصار اسمه أوس بن الصامت، ذهبت تشتكي إلى الله تعالى زوجَها وتقول للرسول صلى الله عليه وسلم: أكَلَ مالي وأفنَى شبابي ونَثَرتُ له بطني، حتى إذا كَبِرَت سنّي وانقَطَع ولدي ظاهَرَ منّي وقال: أنتِ عليَّ كَظَهْرِ أمي. ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعةً ثم دخل عليَّ يريدني عن نفسي، قلت: كَلّا، لا تَخلُصُ إليَّ حتى يحكم الله تعالى ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فينا بحكمه. فأنزل الله تعالى: (قد سَمِعَ اللهُ قولَ التي تجادلُك في زوجِها وتشتكي إلى اللهِ واللهُ يَسمعُ تَحَاوُرَكما) أي سَمِعَ الله تعالى تَخَاطُبَكما فيما بينكما.

(قال العلامة ابن القيم: ثبت في السنن والمسانيد أن أوس ابن الصامت ظاهَرَ من زوجته خَولة بنت مالك بن ثعلبة وهي التي جادَلَت فيه الرسولَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ واشتَكَت إلى الله وسَمعَ الله شكواها من فوق سبع سموات، فقالت: يا رسول الله، إن أوس بن الصامت تزوجني وأنا شابة مرغوب فيَّ، فلما خَلَا سنّي ونَثَرتُ له بطني جعلَني كأمه عنده. فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما عندي في أمرِكِ شيء" فقالت: اللهم إني أشكو إليك رواه ابن ماجه [2063] وصححه الألبانيّ في صحيح ابن ماجه [1678] والحاكم في المستدرك [2/481] وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه. والبيهقيّ في السنن الكبرى [15243] ورجاله ثقات. ورُويَ أنها قالت: إن لي صبيةً صغارًا، إن ضَمَّهم إليه ضاعوا، وإن ضَمَمَتُهم إليَّ جاعوا‍! فنزل القرآن. 


وقالت عائشة: الحمد لله الذي وَسِعَ سمعُه الأصواتِ، لقد جاءت خَولة بنت ثعلبة تشكو إلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنا في كِسْرِ البيت يَخفَى عليَّ بعض كلامها، فأنزل الله عز وجل: "قد سَمِعَ اللهُ قولَ التي تجادلُك في زوجِها وتشتكي إلى اللهِ واللهُ يَسمعُ تَحَاوُرَكما إن اللهَ سميعٌ بصيرٌ" رواه النسائيّ في المجتَبَى [3460] وأحمد في المسند [6/46] وصححه الألبانيّ في صحيح النسائيّ [3237] فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لِيُعتِقْ رقبة" قالت: لا يجد. قال: "فيصوم شهرَين متتابعَين" قالت: يا رسول الله، إنه شيخ كبير ما به من صيام. قال: "فليُطعِمْ ستين مسكينًا" قالت: ما عنده من شيء يَتصدق به. قالت: فأتى ساعتَئذٍ بعِرْق من تمر، قلت: يا رسول الله، فإني أُعينه بعِرْق آخر. قال: "أحسَنتِ، فأطعِمِي عنه ستين مسكينًا وارجِعِي إلى ابن عمك" رواه أبو داود [2214] وحسّنه الألبانيّ في صحيح أبي داود [1934] وابنُ حبان [4279] بنحوه، وابنُ جرير [28/5] والبيهقيّ في السنن الكبرى [15274، 15288].

وفي السنن أن سلمة بن صخر البَيَاضيّ ظاهَرَ من امرأته مدةَ شهر رمضان ثم واقَعَها ليلةً قبل انسلاخه، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أنتَ بذاكَ يا سلمة؟" قال: قلت: أنا بذاكَ يا رسول الله ـ مرتين ـ وأنا صابر لأمر الله، فاحكم فيَّ بما أراك الله. قال: "حرِّر رقبة" قلت: والذي بعثك بالحق نبيًّا ما أَملِك رقبةً غيرها! وضربتُ صفحة رقبتي، قال: "فصُمْ شهرَين متتابعَين" قال: وهل أصبتُ الذي أصبتُ إلا في الصيام! قال: "فأَطعِمْ وَسْقًا مِن تمر بين ستين مسكينًا" قلت: والذي بعثك بالحق لقد بِتْنَا وَحْشَين ما لنا طعام! قال: "فانطَلِقْ إلى صاحب صدقة بني زُريق فليَدفعْها إليك، فأطعِمْ ستين مسكينًا وَسْقًا من تمر، وكُلْ أنت وعيالُك بقيَّتَها" قال: فرُحتُ إلى قومي فقلتُ: وجدتُ عندكم الضيقَ وسُوءَ الرأي ووجدتُ عند الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ السَّعةَ وحُسنَ الرأي، وقد أمَرَ لي بصدقتكم رواه أحمد في المسند [5/436] وأبو داود [2213] والترمذيّ [1200] وقال: هذا حديث حسن. وابن ماجه [2062] والبيهقيّ في السنن الكبرى [15257] وصحّحه الحاكم [2/203] وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرّجاه. وحسّنه الألبانيّ في صحيح أبي داود [1933].

وفي جامع الترمذيّ عن ابن عباس أن رجلًا أتى النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد ظاهَرَ من امرأته فوقَعَ عليها، فقال: يا رسول الله إني ظاهَرتُ من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفّر! قال: "وما حَمَلَكَ على ذلك يرحمك الله؟" قال: رأيت خَلخَالَها في ضوء القمر. قال: "فلا تَقرَبْها حتى تفعل ما أمَرَك الله". قال: هذا حديث حسن غريب صحيح رواه الترمذيّ [1199] وأبو داود [2223] والنسائيّ في المجتبَى [3457] وحسّنه الألبانيّ في صحيح الترمذيّ [958].

وفيه أيضًا عن سلمة بن صخر عن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المظاهِرِ يواقِع قبل أن يكفّر فقال: "كفارة واحدة". وقال: حسن غريب رواه الترمذيّ [1198] وابن ماجه [2064] وصحّحه الألبانيّ في صحيح الترمذيّ [957].

وفي مسند البزار عن إسماعيل بن مسلم عن عمرو بن دينار عن طاووس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: أتى رجل إلى النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: إني ظاهرت من امرأتي ثم وقعت عليها قبل أن أكفّر! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ألم يقُل الله "من قبل أن يَتَماسّا"؟ فقال: أعجَبَتني. فقال: "أمسِكْ عنها حتى تكفّر" رواه البيهقيّ في السنن الكبرى [7/386] قال البزار: لا نعلمه بإسناد أحسن من هذا، على أن إسماعيل بن مسلم قد تُكُلِّم فيه، وروى عنه جماعة كثيرة من أهل العلم.

فتضمنت هذه الأحكام أمورًا، أحدها إبطال ما كانوا عليه في الجاهلية وفي صدر الإسلام من كون الظهارِ طلاقًا، ولو صرَّح بنيَّته له فقال: أنتِ عليَّ كظهر أمي، أعني به الطلاق. لم يكن طلاقًا وكان ظهارًا، وهذا بالاتفاق، إلا ما عساه من خلاف شاذّ، وقد نصّ عليه أحمد والشافعيّ وغيرهما. قال الشافعيّ: ولو ظاهَرَ يريد طلاقًا كان ظهارًا، أو طلَّق يريد ظهارًا كان طلاقًا. هذا لفظه فلا يجوز أن يُنسب إلى مذهبه خلافُ هذا. ونص أحمد على أنه إذا قال: أنتِ عليَّ كظهر أمي، أعني به الطلاق. أنه ظهار ولا تَطلُقُ به. وهذا لأن الظهار كان طلاقًا في الجاهلية فنُسخ فلم يَجُزْ أن يُعاد إلى الحكم المنسوخ.

وأيضًا فأوسُ بن الصامت إنما نوَى به الطلاقَ على ما كان عليه، وأُجرِيَ عليه حكمُ الظهار دون الطلاق. وأيضًا فإنه صريح في حكمه فلم يَجُزْ جعلُه كنايةً في الحكم الذي أبطله عز وجل بشرعه، وقضاءُ الله أحق وحكمُ الله أوجَبُ.

ومنها أن الظهار حرام لا يجوز الإقدام عليه لأنه كما أخبر الله عنه "منكَرًا من القول وزُورًا" وكلاهما حرام.

والفرق بين جهة كونه منكَرًا وجهة كونه زورًا أن قوله: أنتِ عليَّ كظهر أمي. يتضمن إخبارَه عنها بذلك وإنشاءه تحريمَها، فهو يتضمن إخبارًا وإنشاءً، فهو خبر زور وإنشاء منكر، فإن الزور هو الباطل خلاف الحق الثابت، والمنكَر خلاف المعروف. وختَمَ سبحانه الآية بقوله تعالى: "وإن اللهَ لَعفوٌّ غفورٌ" وفيه إشعار بقيام سبب الإثم الذي لولا عفو الله ومغفرته لأخَذَ به.

ومنها أن الكفارة لا تجب بنفس الظهار وإنما تجب بالعَود. وهذا قول الجمهور. وروَى الثوريّ عن ابن أبي نَجيح عن طاووس قال: إذا تكلَّم بالظهار فقد لَزِمَه. وهذه رواية ابن أبي نَجيح عنه.

وروَى مَعمَر عن طاووس عن أبيه في قوله تعالى: "ثم يعودون لما قالوا" قال: جعَلَها عليه كظهر أمه ثم يعود فيَطَؤُها، فتحريرُ رقبة.

وحكى الناس عن مجاهد أنه تجب الكفارة بنفس الظهار. وحكاه ابن حزم عن الثوريّ وعثمان البَتّيّ. وهؤلاء لم يَخْفَ عليهم أن العَوْدَ شرط في الكفارة، ولكن العَوْدَ عندهم هو العَوْدُ إلى ما كانوا عليه في الجاهلية من التظاهر، كقوله تعالى في جزاء الصيد: "ومن عاد فينتقم الله منه" [المائدة: 95] أي: عاد إلى الاصطياد بعد نزول تحريمه، ولهذا قال: "عفا الله عما سلف" قالوا: ولأن الكفارة إنما وجبت في مقابلة ما تكلم به من المنكر والزور، وهو الظهارُ دون الوطء أو العزمُ عليه. قالوا: ولأن الله سبحانه لما حرم الظهار ونهى عنه كان العَوْدُ هو فعلَ المنهيِّ عنه كما قال تعالى: "عسى ربُّكم أن يَرحَمَكم وإن عدتُّم عُدنَا" [الإسراء: 8] أي: إن عدتُّم إلى الذنب عُدنَا إلى العقوبة. العَوْدُ هنا نفس فعل المنهيِّ عنه.

قالوا: ولأن الظهار كان طلاقًا في الجاهلية فنُقل حكمُه من الطلاق إلى الظهار ورُتِّب عليه التكفير وتحريمُ الزوجة حتى يكفّر، وهذا يقتضي أن يكون حكمه معتَبَرًا بلفظه كالطلاق.

ونازعهم الجمهور في ذلك وقالوا: إن العَوْدَ أمر وراء مجرد لفظ الظهار، ولا يصح حمل الآية على العود إليه في الإسلام لثلاثة أوجه:
أحدها: أن هذه الآية بيان لحكم من يظاهر في الإسلام، ولهذا أتى فيها بلفظ الفعل مستقبَلًا فقال: "يظاهرون" وإذا كان هذا بيانًا لحكم ظهار الإسلام فهو عندكم نفس العَود، فكيف يقول بعده: "ثم يعودون" وإن معنى هذا العَود غير الظهار عندكم؟

الثاني: أنه لو كان العَود ما ذكرتم وكان المضارع بمعنى الماضي كان تقديره: والذين ظاهَروا من نسائهم ثم عادوا في الإسلام. ولَمَا وجَبَت الكفارة إلا على من ظاهر في الجاهلية ثم عاد في الإسلام، فمن أين توجبونها على من ابتدأ الظهار في الإسلام غير عائد؟

فإن هنا أمرين، ظهارٌ سابقٌ وعَودٌ إليه، وذلك يُبطل حكم الظهار الآن بالكلية، إلّا أن تجعلوا "يظاهرون" لفرقة و"يعودون" لفرقة، ولفظَ المضارع نائبًا عن لفظ الماضي، وذلك مخالف للنَّظم ومُخرِج عن الفصاحة.

الثالث: أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمَرَ أوس بن الصامت وسلمة بن صخر بالكفارة ولم يسألهما هل تَظاهَرَا في الجاهلية أم لا.

فإن قلتم: ولم يسألهما عن العَود الذي تجعلونه شرطًا، ولو كان شرطًا لَسَألَهما عنه.

قيل: أما من يجعل العَود نفسَ الإمساك بعد الظهار زمنًا يمكن وقوعُ الطلاق فيه فهذا جارٍ على قوله وهو نفس حجته، ومن جعل العود هو الوطء والعزم قال: سياق القصة بيِّن في أن المتظاهرين كان قَصدُهم الوَطْءَ، وإنما أمسكوا له. وسيأتي تقرير ذلك إن شاء الله تعالى.

وأما كون الظهار منكَرًا من القول وزورًا فنعم هو كذلك، ولكن الله عز وجل إنما أوجب الكفارة في هذا المنكَر والزور بأمرَين، به وبالعَود، كما أن حكم الإيلاء إنما يترتب عليه وعلى الوطء لا على أحدهما.

وقال الجمهور: لا تجب الكفارة إلا بالعَود بعد الظهار. ثم اختلفوا في معنى العَود: هل هو إعادة لفظ الظهار بعينه أو أمر وراءه؟ على قولين، فقال أهل الظاهر كلهم: هو إعادة لفظ الظهار. ولم يَحكُوا هذا عن أحد من السلف ألبتة، وهو قول لم يُسبَقوا إليه، وإن كانت هذه الشَّكَاةُ لا يكاد مذهب من المذاهب يخلو عنها.

قالوا: فلم يوجب الله سبحانه الكفارة إلا بالظهار المُعاد لا المبتدأ.

قالوا: والاستدلال بالآية من ثلاثة وجوه:
أحدها: أن العرب لا يُعقل في لغاتها العودُ إلى الشيء إلا فِعْلَ مثله مرة ثانية. قالوا: وهذا كتاب الله وكلام رسوله وكلام العرب بيننا وبينكم، قال تعالى: "ولو رُدُّوا لعادُوا لِمَا نُهُوا عنه" [الأنعام: 28] فهذا نظير الآية سواءٌ في أنه عدَّى فعل العود باللام، وهو إتيانهم مرة ثانية بمثل ما أتَوا به أولًا. وقال تعالى: "وإن عُدتم عُدنَا" [الإسراء: 8] إن كرَّرتم الذنب كرَّرنا العقوبة. ومنه قوله تعالى: "ألم تَرَ إلى الذين نُهُوا عن النجوى ثم يعودون لِمَا نُهُوا عنه" [المجادلة: 8] وهذا في سورة الظهار نفسها، وهو يبين المراد من العود فيه، فإنه نظيره فعلًا وإرادةً، والعهد قريب بذكره. قالوا: وأيضا فالذي قالوه هو لفظ الظهار، فالعود إلى القول هو الإتيان به مرة ثانية، لا تَعقل العرب غير هذا.

قالوا: وأيضًا فيما عدا تكرار اللفظ إما إمساك وإما عزم وإما فعل، وليس واحد منها بقول، فلا يكون الإتيان بها عودًا لا لفظًا ولا معنًى، ولأن العزم والوطء والإمساك ليس ظهارًا فيكون الإتيان بها عودًا إلى الظهار. 


قالوا: ولو أريد بالعَود الرجوعُ في الشيء الذي منع منه نفسه ـ كما يقال: عاد في الهبة ـ لقال: ثم يعودون فيما قالوا. كما في الحديث: "العائد في هبته كالعائد في قَيئه" أخرجه البخاريّ [2621] ومسلم [1622/7] عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما واحتج أبو محمد ابن حزم بحديث عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ بأن أوس بن الصامت كان به لَمَمٌ فكان إذا اشتد به لَمَمُه ظاهَرَ من زوجته، فأنزل الله عز وجل فيه كفارة الظهار رواه أبو داود [2219] وصحّحه الألبانيّ في صحيح أبي داود [1939] فقال: هذا يقتضي التكرار ولا بد.

قال: ولا يصح في الظهار إلا هذا الخبر وحده. قال: وأما تشنيعكم علينا بأن هذا القول لم يقُل به أحد من الصحابة فأَرُونَا مَن مِن الصحابة قال إن العود هو الوطء أو العزم أو الإمساك أو هو العود إلى الظهار في الجاهلية، ولو عن رجل واحد من الصحابة، فلا تكونون أسعَدَ بأصحاب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ منّا أبدًا.

ونازعهم الجمهور في ذلك وقالوا: ليس معنى العَود إعادةَ اللفظ الأول؛ لأن ذلك لو كان هو العَودَ لقال: ثم يُعيدون ما قالوا. لأنه يقال: أعاد كلامه بعينه. وأما "عاد" فإنما هو في الأفعال، كما يقال: عاد في فعله وفي هبته. فهذا استعماله بـ "في". ويقال: عاد إلى عمله وإلى ولايته وإلى حاله وإلى إحسانه وإساءته.

ونحو ذلك، و: عاد له أيضًا. وأما القول فإنما يقال: أعاده. كما قال ضِمَاد بن ثعلبة للنبيّ صلى الله عليه وسلم: "أَعِدْ عليَّ كلماتك" وكما قال أبو سعيد: "أَعِدْها عليَّ يا رسول الله" وهذا ليس بلازم، فإنه يقال: أعاد مقالته وعاد لمقالته. وفي الحديث: "فعاد لمقالته" بمعنى أعادها سواء. وأفسَدُ من هذا رَدُّ من رَدَّ عليهم بأن إعادة القول مُحال كإعادة أمس. قال: لأنه لا يتهيأ اجتماع زمانَين. وهذا في غاية الفساد، فإن إعادة القول من جنس إعادة الفعل، وهي الإتيان بمثل الأول لا بعينه. والعجب من متعصب يقول: لا يُعتد بخلاف الظاهرية. ويبحث معهم بمثل هذه البحوث ويردّ عليهم بمثل هذا الردّ.

وكذلك رَدُّ من رَدَّ عليهم بمثل "العائد في هبته" فإنه ليس نظير الآية، وإنما نظيرها "ألم تَرَ إلى الذين نُهُوا عن النجوى ثم يعودون لِمَا نُهُوا عنه" ومع هذا فهذه الآية تبين المراد من آية الظهار، فإن عودهم لما نُهُوا عنه هو رجوعهم إلى نفس المنهيّ عنه، وهو النجوى، وليس المراد به إعادةَ تلك النجوى بعينها بل رجوعهم إلى المنهيّ عنه. وكذلك قوله تعالى في الظهار: "ثم يعودون لِمَا قالوا" أي لقولهم. فهو مصدر بمعنى المفعول، وهو تحريم الزوجة بتشبيهها بالمحرَّمة، فالعود إلى المحرَّم هو العود إليه وهو فعله، فهذا مأخذ من قال إنه الوطء.

ونكتة المسألة أن القول في معنى المقول، والمقول هو التحريم، والعود له هو العود إليه، وهو استباحته عائدًا إليه بعد تحريمه، وهذا جارٍ على قواعد اللغة العربية واستعمالها، وهذا الذي عليه جمهور السلف والخلف، كما قال قتادة وطاووس والحسن والزهريّ ومالك وغيرهم، ولا يُعرف عن أحد من السلف أنه فسّر الآية بإعادة اللفظ ألبتة، لا من الصحابة ولا من التابعين ولا من بعدهم. وها هنا أمر خفيَ على من جعَله إعادةَ اللفظ، وهو أن العَودَ إلى الفعل يَستلزم مفارقةَ الحالة التي هو عليها الآن وعَودَه إلى الحال التي كان عليها أولًا، كما قال تعالى: "وإن عُدتم عُدنَا" ألا ترى أن عَودَهم مفارقةُ ما هم عليه من الإحسان وعَودُهم إلى الإساءة، وكقول الشاعر:
وإن عاد للإحسان فالعَودُ أحمدُ


حق المرأة في التطليق 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49196
العمر : 72

حق المرأة في التطليق Empty
مُساهمةموضوع: رد: حق المرأة في التطليق   حق المرأة في التطليق Emptyالسبت 25 مارس 2017, 11:41 pm

والحال التي هو عليها الآن التحريم بالظهار، والتي كان عليها إباحةُ الوطء بالنكاح الموجِب للحلّ، فعودُ المظاهر عودٌ إلى حلٍّ كان عليه قبل الظهار، وذلك هو الموجِب للكفارة، فتأمَّلْهُ.

فالعَودُ يقتضي أمرًا يعود إليه بعد مفارقته. وظهَر سرّ الفرق بين العود في الهبة وبين العود لما قال المظاهر، فإن الهبة بمعنى الموهوب، وهو عينٌ يتضمن عودُه فيه إدخالَه في مِلكه وتصرفَه فيه كما كان أولًا، بخلاف المظاهر فإنه بالتحريم قد خرج عن الزوجية، وبالعود قد طلب الرجوع إلى الحال التي كان عليها معها قبل التحريم، فكان الأليَقُ أن يقال: عاد لكذا. يعني: عاد إليه. وفي الهبة: عاد إليها.

وقد أمر النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوس بن الصامت وسلمة بن صخر بكفارة الظهار، ولم يَتلفَّظَا به مرتَين، فإنهما لم يُخبِرَا بذلك عن أنفسهما ولا أخبَر به أزواجُهما عنهما ولا أحد من الصحابة، ولا سألهما النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم: هل قلتما ذلك مرة أو مرتين؟ ومثل هذا لو كان شرطًا لَمَا أُهمِل بيانُه.

وسر المسألة أن العود يتضمن أمرين، أمرًا يعود إليه وأمرًا يعود عنه، ولا بد منهما، فالذي يعود عنه يَتضمن نَقضَه وإبطالَه والذي يعود إليه يَتضمن إيثارَه وإرادتَه، فعَودُ المظاهر يَقتضي نَقْضَ الظهار وإبطالَه وإيثارَ ضدِّه وإرادتَه، وهذا عين فهم السلف من الآية، فبعضهم يقول: إن العود هو الإصابة. وبعضهم يقول: الوطء. وبعضهم يقول: اللمس. وبعضهم يقول: العزم.

وأما قولكم: إنه إنما أوجب الكفارة في الظهار المُعاد. إن أردتم به المُعاد لفظُه فدعوى بحسَب ما فهمتموه، وإن أردتم به الظهار المُعاد فيه لِما قال المظاهِر لم يَستلزم ذلك إعادةَ اللفظ الأول. وأما حديث عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ في ظهار أوس بن الصامت فما أصحَّه وما أبعَدَ دلالتَه على مذهبكم.

ثم الذين جعلوا العود أمرًا غيرَ إعادة اللفظ اختلفوا فيه: هل هو مجرد إمساكها بعد الظهار أو أمر غيره؟ على قولين، فقالت طائفة: هو إمساكها زمنًا يتسع لقوله "أنتِ طالق" فمتى لم يصلْ الطلاقَ بالظهار لَزِمَته الكفارة. وهو قول الشافعيّ. قال منازعوه: وهو في المعنى قول مجاهد والثوريّ، فإن هذا النفَس الواحد لا يُخرج الظهار عن كونه موجِبَ الكفارة، ففي الحقيقة لم يوجب الكفارةَ إلا لفظُ الظهار، وزمنُ قوله "أنت طالق" لا تأثير له في الحكم إيجابًا ولا نفيًا، فتعليق الإيجاب به ممتنع، ولا تسمَّى تلك اللحظة والنفَس الواحد من الأنفاس عودًا، لا في لغة العرب ولا في عرف الشارع، وأيّ شيء في هذا الجزء اليسير جدًّا من الزمان من معنى العود أو حقيقته؟

قالوا: وهذا ليس بأقوى من قول من قال: هو إعادة اللفظ بعينه. فإن ذلك قول معقول يفهم منه العود لغة وحقيقة، وأما هذا الجزء من الزمان فلا يفهم من الإنسان فيه العود ألبتة. قالوا: ونحن نطالبكم بما طالبتم به الظاهرية؛ من قال هذا القول قبل الشافعيّ؟ قالوا: والله سبحانه أوجب الكفارة بالعود بحرف "ثم" الدالة على التراخي عن الظهار، فلا بد أن يكون بين العود وبين الظهار مدة متراخية، وهذا ممتنع عندكم، وبمجرد انقضاء قوله "أنتِ عليَّ كظهر أمي" صار عائدًا ما لم يَصِلْهُ بقوله "أنت طالق" فأين التراخي والمهلة بين العود والظهار؟ والشافعيّ لم ينقُل هذا عن أحد من الصحابة والتابعين وإنما أخبر أنه أولَى المعاني بالآية، فقال: الذي عقَلتُ مما سمعت في "يعودون لما قالوا" أنه إذا أتت على المظاهِرِ مدةٌ بعد القول بالظهار لم يحرِّمها بالطلاق الذي يحرّم به وجبت عليه الكفارة، كأنهم يذهبون إلى أنه إذا أمسك ما حرَّم على نفسه أنه حلال فقد عاد لما قال فخالَفَه فأحَلَّ ماحرَّم، ولا أعلم له معنًى أولى به من هذا الأم للشافعيّ [5/279] ومختصر المُزَنيّ [203، 204] والذين جعلوه أمرًا وراء الإمساك اختلفوا فيه، فقال مالك في إحدى الروايات الأربع عنه، وأبو عبيد: هو العزم على الوطء.

وهذا قول القاضي أبي يَعلَى وأصحابه. وأنكره الإمام أحمد. وقال مالك: يقول: إذا أجمَع لَزِمَته الكفارة، فكيف يكون هذا لو طلقها بعد ما يجمع، أكان عليه كفارة؟ إلا أن يكون يذهب إلى قول طاووس: إذا تكلم بالظهار لزمه مثل الطلاق!

ثم اختلف أرباب هذا القول فيما لو مات أحدهما أو طلّق بعد العزم وقبل الوطء، هل تستقر عليه الكفارة؟ فقال مالك وأبو الخطاب: تستقر الكفارة. وقال القاضي وعامة أصحابه: لا تستقر.

وعن مالك رواية ثانية أنه العزم على الإمساك وحده. ورواية الموطأ خلاف هذا كله أنه العزم على الإمساك والوطء معًا. وعنه رواية رابعة أنه الوطء نفسه.

وهذا قول أبي حنيفة وأحمد، وقد قال أحمد في قوله تعالى "ثم يعودون لما قالوا" قال: الغشيان، إذا أراد أن يَغشَى كفّر. وليس هذا باختلاف رواية بل مذهبُه الذي لا يُعرف عنه غيرُه أنه الوطءُ ويَلزَمه إخراجُها قبله عند العزم عليه.

واحتج أرباب هذا القول بأن الله سبحانه قال في الكفارة: "من قبل أن يَتماسّا" فأوجب الكفارة بعد العود وقبل التَّمَاسّ، وهذا صريح في أن العود غير التَّمَاسّ وأن ما يحرم قبل الكفارة لا يجوز كونه متقدمًا عليها. 


قالوا: ولأنه قصَد بالظهار تحريمَها، والعزمُ على وطئها عودٌ فيما قصده. قالوا: ولأن الظهار تحريم، فإذا أراد استباحتها فقد رجع في ذلك التحريم فكان عائدًا. قال الذين جعلوه الوطءَ: لا ريب أن العَودَ فعلُ ضدِّ قولِه، كما تقدم تقريره، والعائد فيما نُهيَ عنه وإليه وله هو فاعلُه لا مريدُه، كما قال تعالى: "ثم يعودون لِما نُهُوا عنه" فهذا فعل المنهيّ عنه نفسه لا إرادته. ولا يَلزَمُ أربابَ هذا القول ما ألزَمَهم به أصحاب العزم، فإن قولهم: إن العود يتقدم التكفيرَ والوطءُ متأخر عنه. فهم يقولون: إن قوله تعالى "ثم يعودون لما قالوا" أي يريدون العود. كما قال تعالى: "فإذا قرأتَ القرآنَ فاستعِذْ بالله" [النحل: 98] وكقوله تعالى: "إذا قمتُم إلى الصلاةِ فاغسِلوا وجوهَكم" [المائدة: 6] ونظائرِه، مما يُطلق الفعل فيه على إرادته لوقوعه بها.

قالوا: وهذا أولَى من تفسير العَود بنفس اللفظ الأول، وبالإمساك نَفَسًا واحدًا بعد الظهار، وبتكرار لفظ الظهار، وبالعزم المجرد لو طلّق بعده، فإن هذه الأقوال كلها قد تبيَّن ضعفُها، فأقرب الأقوال إلى دلالة اللفظ وقواعد الشريعة وأقوال المفسرين هو هذا، وبالله التوفيق.

ومنها أن من عجز عن الكفارة لم تسقط عنه، فإن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعان أوس ابن الصامت بعِرْق من تمر وأعانته امرأته بمثله حتى كفّر، وأمَر سلمةَ بن صخر أن يأخذ صدقة قومه فيكفّر بها عن نفسه، ولو سقَطَت بالعجز لَمَا أمَرهما بإخراجها، بل تَبقَى في ذمته دَينًا عليه، هذا قول الشافعيّ وأحد الروايتَين عن أحمد. وذهبت طائفة إلى سقوطها بالعجز كما تسقط الواجبات بعجزه عنها وعن إبدالها.
وذهبت طائفة أن كفارة رمضان لا تَبقَى في ذمته بل تسقط، وغيرها من الكفارات لا تسقط، وهذا الذي صحّحه أبو البركات ابن تيمية.

واحتج من أسقطها بأنها لو وجبت مع العجز لما صُرفت إليه، فإن الرجل لا يكون مَصرِفًا لكفارته كما لا يكون مَصرِفًا لزكاته.

وأرباب القول الأول يقولون: إذا عجز عنها وكفّر الغير عنه جاز أن يَصرِفَها إليه كما صرَف النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ كفارةَ مَن جامَع في رمضان إليه وإلى أهله، وكما أباح لسلمة بن صخر أن يأكل هو وأهله من كفارته التي أخرجها عنه من صدقة قومه. وهذا مذهب أحمد روايةً واحدةً عنه في كفارة من وَطِئَ أهلَه في رمضان، وعنه في سائر الكفارات روايتان. والسُّنة تدل على أنه إذا أعسر بالكفارة وكفّر عنه غيره جاز صرف كفارته إليه وإلى أهله.

فإن قيل: فهل يجوز له إذا كان فقيرًا له عيال وعليه زكاة يحتاج إليها أن يصرفها إلى نفسه وعياله؟

قيل: لا يجوز ذلك لعدم الإخراج المستحَقِّ عليه، ولكن للإمام أو الساعي أن يدفع زكاته إليه بعد قبضها منه، في أصح الروايتين عن أحمد.

فإن قيل: فهل له أن يسقطها عنه؟

قيل: لا. نَصّ عليه، والفرق بينهما واضح.

فإن قيل: فإذا أذِن السيد لعبده في التكفير بالعتق فهل له أن يُعتق نفسه؟

قيل: اختلفت الرواية فيما إذا أذِن له في التكفير بالمال هل له أن ينتقل عن الصيام إليه؟ على روايتين:
إحداهما: أنه ليس له ذلك وفرضُه الصيامُ.
والثانية: له الانتقال إليه ولا يلزمه؛ لأن المنع لحقّ السيد وقد أذِن له فيه.

فإذا قلنا: له ذلك. فهل له العتق؟ اختلفت الرواية فيه عن أحمد، فعنه في ذلك روايتان. ووجه المنع أنه ليس من أهل الولاءِ، والعتقُ يعتمد الولاء. واختار أبو بكر وغيره أن له الإعتاق. فعلى هذا هل له عتقُ نفسه؟ فيه قولان في المذهب، ووجه الجواز إطلاقُ الإذن، ووجه المنع أن الإذن في الإعتاق ينصرف إلى إعتاق غيره، كما لو أَذِنَ له في الصدقة انصرَف الإذنُ إلى الصدقة على غيره.

ومنها أنه لا يجوز وطءُ المظاهَرِ منها قبل التكفير. وقد اختُلف ها هنا في موضعين:
أحدهما: هل له مباشرتها دون الفرج قبل التكفير أم لا؟
والثاني: أنه إذا كانت كفارته الإطعامَ فهل له الوطء قبله أم لا؟

وفي المسألتين قولان للفقهاء، وهما روايتان عن أحمد وقولان للشافعيّ. ووجه منع الاستمتاع بغير الوطء ظاهرُ قوله تعالى: "من قبلِ أن يَتماسّا" ولأنه شبَّهها بمن يحرُم وطؤُها ودواعيه. ووجه الجواز أن التَّماسَّ كناية عن الجماع، ولا يَلزم من تحريم الجماع دواعيه، فإن الحائض يحرُم جماعُها دون دواعيه، والصائم يحرُم منه الوطءُ دون دواعيه، والمَسبِيَّةُ يحرُم وطؤُها دون دواعيه. وهذا قول أبي حنيفة.

والثاني: وقوع صيامهما قبل التَّماسِّ.

فلا يكون قد أتَى بما أُمر به إلا بمجموع الأمرَين.

ومنها أنه سبحانه وتعالى أطلَق إطعام المساكين ولم يقيّده بقدر ولا تتابع، وذلك يقتضي أنه لو أطعمهم فغدّاهم وعشّاهم من غير تمليك حَبٍّ أو تمرٍ، جاز وكان ممتثلًا لأمر الله. وهذا قول الجمهور ومالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وسواء أطعمهم جملةً أو متفرِّقين.

ومنها أنه لابد من استيفاء عدد السِّتِّين، فلو أطعم واحدًا ستِّين يومًا لم يُجْزِهِ إلا عن واحد. هذا قول الجمهور، مالك والشافعيّ وأحمد في إحدى الروايتين عنه.

والثانية: أن الواجب إطعام ستين مسكينًا ولو لواحد. وهو مذهب أبي حنيفة.

والثالثة: إن وجَد غيرَه لم يُجْزِه وإلا أجزأه. وهو ظاهر مذهبه، وهي أصح الأقوال.

ومنها أنه لا يجزئه دفع الكفارة إلا إلى المساكين، ويدخل فيهم الفقراء كما يدخل المساكين في لفظ الفقراء عند الإطلاق.

وعمّم أصحابنا وغيرهم الحكم في كل مَن يأخذ من الزكاة لحاجته، وهم أربعة، الفقراء والمساكين وابن السبيل والغارم لمصلحته والمكاتب. وظاهر القرآن اختصاصُها بالمساكين فلا يتعداهم.

ومنها أن الله سبحانه أطلق الرقبة ها هنا ولم يقيّدها بالإيمان وقيّدها في كفارة القتل بالإيمان، فاختلف الفقهاء في اشتراط الإيمان في غير كفارة القتل على قولين، فشرَطه الشافعيّ ومالك وأحمد في ظاهر مذهبه، ولم يشترطه أبو حنيفة ولا أهل الظاهر.

والذين لم يشترطوا الإيمان قالوا: لو كان شرطًا لبيَّنه الله سبحانه كما بيَّنه في كفارة القتل، بل يُطلَق ما أطلَقه ويُقيَّد ما قيّده، فيُعمَل بالمطلَق والمقيّد. وزادت الحنيفة أن اشتراط الإيمان زيادة على النص، وهو نسخ، والقرآن لا يُنسخ إلا بالقرآن أو خبر متواتر.

قال الآخرون، واللفظ للشافعيّ: شرَط الله سبحانه في رقبة القتل مؤمنة، كما شرَط العدل في الشهادة وأطلَق الشهود في مواضع، فاستدللنا به على أن ما أطلَق من الشهادات على مثل معنَى ما شرَط، وإنما رَدَّ الله أموال المسلمين على المسلمين لا على المشركين، وفرَض الله الصدقات فلم تَجُزْ إلا للمؤمنين، فكذلك ما فرَض من الرقاب لايجوز إلا للمؤمنين الأم للشافعيّ [5/280] مختصر المُزَنيّ [204] فاستدل الشافعيّ بأن لسان العرب يقتضي حَمْلَ المطلَق على المقيّد إذا كان من جنسه، فحَمَل عُرفَ الشرع على مقتَضَى لسانهم.

وهاهنا أمران:
أحدهما: أن حمل المطلق على المقيد بيان لا قياس.
والثاني: إنه إنما يُحمل عليه بشرطين:
أحدهما اتحاد الحكم.
والثاني ألّا يكون للمطلق إلا أصل واحد، فإن كان بين أصلَين مختلفَين لم يُحمل إطلاقُه على أحدهما إلا بدليل يعيّنه.

قال الشافعيّ: ولو نذَر رقبة مطلَقة لم يُجْزِه إلا مؤمنة. وهذا بناءً على هذا الأصل وأن النذر محمول على واجب الشرع، وواجبُ العتق لا يتأدَّى إلا بعتق المسلم، ومما يدل على هذا أن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لِمَن استفتَى في عتق رقبة منذورة: "ائتِني بها" فسألها: "أين الله؟" قالت: في السماء. قال: "من أنا؟" قالت: أنت رسول الله. قال: "أَعتِقْها؛ فإنها مؤمنة" أخرجه مسلم [537/33] بلفظ: "ائتِني بها" فأتيته بها فقال لها: "أين الله؟" قالت: في السماء. قال: "من أنا؟" قالت: أنت رسول الله. قال: "أَعتِقْها؛ فإنها مؤمنة" قال الشافعيّ: فلما وصفت الإيمان أمر بعتقها.

وهذا ظاهر جدًّا أن العتق المأمور به شرعًا لا يُجزئ إلا في رقبة مؤمنة، وإلا لم يكن للتعليل بالإيمان فائدة، فإن الأعمَّ متى كان علةً للحكم كان الأخصُّ عديمَ التأثير.

وأيضًا فإن المقصود من إعتاق المسلم تفريغُه لعبادة ربه وتخليصُه من عبودية المخلوق إلى عبودية الخالق، ولا ريب أن هذا أمر مقصود للشارع محبوب له فلا يجوز إلغاؤه، وكيف يستوي عند الله ورسوله تفريغُ العبد لعبادته وحده وتفريغُه لعبادة الصليب أو الشمس والقمر والنار‍! وقد بيّن سبحانه اشتراط الإيمان في كفارة القتل وأحال ما سكت عنه على بيانه، كما بيّن اشتراط العدالة في الشاهدَين وأحال ما أطلقه وسكت عنه على ما بيّنه، وكذلك غالبُ مطلَقات كلامه سبحانه ومقيّداته لمن تأمّلها، وهي أكثر من أن تُذكر، فمنها قوله تعالى فيمن أمَر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس: "ومَن يَفعلْ ذلك ابتغاءَ مرضاتِ اللهِ فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا" [النساء: 114].

وفي موضع آخر بل مواضعَ يعلّق الأجر بنفس العمل اكتفاءً بالشرط المذكور في موضعه، وكذلك قوله تعالى: "فمَن يَعملْ من الصالحات وهو مؤمنٌ فلا كُفرانَ لِسَعيه" [الأنبياء: 94] وفي موضع يعلّق الجزاء بنفس الأعمال الصالحة اكتفاءً بما عُلم من شرط الإيمان، وهذا غالب في نصوص الوعد والوعيد.

ومنها أنه لو أعتق نصفَي رقبتَين لم يكن معتقًا لرقبة. وفي هذا ثلاثة أقوال للناس، وهي روايات عن أحمد، ثانيها الإجزاءُ، وثالثُها وهو أصحُّها أنه إن تكملت الحرية في الرقبتَين أجزأه وإلا فلا، فإنه يصدُق عليه أنه حرّر رقبة، أي جعلها حرّة، بخلاف ما إذا لم تكمُل الحرية.

ومنها أن الكفارة لا تسقط بالوطء قبل التكفير ولا تتضاعف بل هي بحالها كفارة واحدة، كما دل عليه حكم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي تقدم.

قال الصلت بين دينار: سألت عشرة من الفقهاء عن المظاهر يجامع قبل أن يكفّر، فقالوا: كفارة واحدة. قال: وهم الحسن وابن سيرين ومسروق وبكر وقتادة وعطاء وطاووس ومجاهد وعكرمة. قال: والعاشر أُراه نافعًا. وهذا قول الأئمة الأربعة.

وصح عن ابن عمر وعمرو بن العاص أن عليه كفارتَين.

وذكَر سعيد بن منصور عن الحسن وإبراهيم في الذي يظاهر ثم يَطأُها قبل أن يكفّر: عليه ثلاث كفارات.

وذكَر عن الزهريّ وسعيد بن جبير وأبي يوسف أن الكفارة تسقط.

ووجه هذا أنه فات وقتها ولم يَبقَ له سبيل إلى إخراجها قبل المَسيس.

وجوابُ هذا أن فوات الأداء لا يُسقط الواجب في الذمة، كالصلاة والصيام وسائر العبادات.

ووجه وجوب الكفارتين أن إحداهما للظهار الذي اقترن به العَودُ، والثانية للوطء المحرّم، كالوطء في نهار رمضان وكوطء المُحرِم. ولا يُعلم لإيجاب الثلاث وجه إلا أن يكون عقوبةً على إقدامه على الحرام.

وحكمُ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدل على خلاف هذه الأقوال. والله أعلم).

وإياك أن يَخطِرَ ببالك عندما تقرأ قول الله تعالى: (واللهُ يَسمعُ تَحَاوُرَكما إن اللهَ سميعٌ بصيرٌ) أن السمع والبصر من الله تعالى كاستماع المخلوقين أو رؤيتهم، عزَّ ربنا عن أن يُشبهه شيء من خلقه، وجلَّ عن أن يكون فعلُ أحد من خلقه شبيهًا بفعله، وقد كانت أم المؤمنين عائشة في البيت قريبةً من المجادِلة وهي تشتكي إلى الله وتَقُصّ على رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حكايتها، فسمعت شيئًا وخَفيَ عليها أشياء، فلما أنزل الله تعالى الآية حَمِدَت اللهَ تعالى وسبّحته ونزّهته أن يكون له مثيل أو شبيه، فقالت رضي الله تعالى عنها: سبحان من وَسِعَ سمعُه الأصواتِ.

وقوله تعالى: (واللهُ يَسمعُ تَحَاوُرَكما إن اللهَ سميعٌ بصيرٌ) إشارةٌ إلى أن الله سيزيل شكواها وبَلواها، ولهذا ذكَر حُكمَها وحُكمَ غيرها على وجه العموم، فكانت هذه الشكوى رحمة للمؤمنين أبطل الله تعالى بها طلاق الجاهلية وشرَع للأمة ما يَحفظ به حياةَ الأسرة المسلمة، كما أنه سبحانه حرّم الأمومة للرجل الذي يجعل امرأته كأمِّه، كما حرَّم من قبلُ عادة التبنِّي وجعل الأسوة في النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم أنزل سبحانه: (ادعوهم لآبائهم هو أقسطُ عند الله فإن لم تَعلموا آباءهم فإخوانُكم في الدين ومَواليكم) [الأحزاب: 5] فعاد زيد بن حارثة ـ رضي الله تعالى عنه ـ إلى اسم أبيه بدلًا من: زيد بن محمد.

وقوله تعالى: (والذين يُظاهرون مِن نسائِهم ثم يعودون لِمَا قالوا فتحريرُ رقبةٍ مِن قبلِ أن يَتَماسَّا ذلكم تُوعَظون به واللهُ بما تعملون خبيرٌ. فمن لم يَجِدْ فصيامُ شهرَين متتابعَين مِن قبلِ أن يَتَماسَّا فمن لم يَستطعْ فإطعامُ ستين مسكينًا ذلك لتؤمنوا باللهِ ورسولِه وتلك حدودُ اللهِ وللكافرين عذابٌ أليمٌ) (المجادلة: 3 ـ 4).

الله تبارك وتعالى شرَع العقوبة في حالة الرغبة في العودة، لأن خَولة المجادِلة كانت ترغب في العودة إلى زوجها أوس بن الصامت، يدلّ على ذلك أنها قالت للنبيّ صلى الله عليه وسلم: "إن لي صبيةً صغارًا، إن ضمَّهم إليه ضاعوا، وإن ضَمَمتهم إليَّ جاعوا" لذلك شرَع ربنا الرحمن الرحيم العودةَ وجعَل لها كفارةً قبل التَّماسِّ هي تحرير رقبة، فإم لم يَجِدْ فصيامُ شهرَين متتابعَين، فإن لم يَجِدْ فإطعامُ ستين مسكينًا.

والسؤال: إذا لم يكن الرجل يستطيع ذلك؟‍
على الناس أن تُعينَه، وأولَى الناس به زوجتُه إن كان في استطاعتها فلتتصدقْ عليه، أو يُتصدَّقُ عليه من أموال الصدقة (عن سلمة بن صخر الأنصاري قال: كنت امرَأً قد أُوتِيتُ من جماع النساء ما لم يُؤتَ غيري، فلما دخل رمضان تظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان؛ فَرَقًا من أن أصيب في ليلى شيئًا فأتتابَعَ في ذلك إلى أن يدركني النهار وأنا لا أقدرُ أن أنزِعَ، فبينما هي تخدمني من الليل إذ تكشَّف لي منها شيء فوثبت عليها، فلما أصبحتُ غدوتُ على قومي فأخبرتُهم خبري وقلت: انطلقوا معي إلى النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأُخبرَه بأمري. فقالوا: لا، والله لا نفعل؛ نَتخوّف أن يَنزل فينَا أو يقول فينَا رسول الله مقالة يَبقَى علينا عارُها، ولكن اذهب أنت فاصنع ما بدا لك. قال: فخرجت حتى أتيتُ النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبرته خبري فقال لي: "أنتَ بذاك؟" فقلت: أنا بذاك. قال: "أنت بذاك؟" قلت: أنا بذاك. قال: "أنت بذاك؟" قلت: أنا بذاك، وها أنذَا فأَمْضِ فيَّ حُكمَ الله عز وجل، فإني صابر له. قال: "أعتِقْ رقبة" قال: فضربت رقبتي بيدي وقلت: لا، والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملِك غيرها. قال: "فصُمْ شهرَين متتابعَين" قلت: يا رسول الله، وهل أصابني ما أصابني إلا في الصيام. قال" فأَطعِمْ ستين مسكينًا" فقلت: والذي بعثك بالحق لقد بِتْنَا ليلتنا هذه وَحشَى ما لَنَا عَشاء. قال: "اذهَب إلى صاحب صدقة بني زُريق فقل له فَلْيَدْفَعْها إليك، فأطعم عنك منها وَسْقًا من تمر ستين مسكينًا، ثم استعِنْ بسائره عليك وعلى عيالك" قال: فرجعت إلى قومي فقلت: وجدتُ عندكم الضيق وسُوءَ الرأي ووجدتُ عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ السَّعةَ والبركةَ، قد أمَر لي بصدقتكم فادْفَعوها إليَّ. فدَفَعوها إليَّ رواه أحمد في المسند [5/37، 436] وأبو داود [2213] والترمذيّ [1198، 1200] وابن ماجه [2062] وصححه الألبانيّ في صحيح أبي داود [1933]).


حق المرأة في التطليق 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49196
العمر : 72

حق المرأة في التطليق Empty
مُساهمةموضوع: رد: حق المرأة في التطليق   حق المرأة في التطليق Emptyالأحد 26 مارس 2017, 11:55 am

5 ـ اللعــــــــــــــان
==========
قال الله تعالى: (والذين يَرمُون أزواجَهم ولم يكن لهم شهداءُ إلا أنفسُهم فشهادةُ أحدِهم أربعُ شهاداتٍ بالله إنه لَمن الصادقين * والخامسةُ أن لعنةَ اللهِ عليه إن كان من الكاذبين * ويَدرأُ عنها العذابَ أن تَشهدَ أربعَ شهاداتٍ باللهِ إنه لَمن الكاذبين * والخامسةَ أن غَضَبَ اللهِ عليها إن كان من الصادقين) (النور: 6 ـ 9).

رُوي في سبب نزول هذه الآيات الكريمات أن رجلًا جاء إلى النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال له: يا رسول الله، لو أن رجلًا وجد مع امرأته رجلًا فتكلَّم جلدتموه أو قتَل قتلتموه أو سكَت سكَت على غيظ!

فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "اللهم افتَحْ" أي بيِّن لنا الحكم في هذا (قال العلامة ابن القيم: ثبت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد أن عُوَيمِرًا العَجلانيّ قال لعاصم بن عديّ: أرأيت لو أن رجلًا وجد مع امرأته رجلًا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فسَلْ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فسأل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكَرِهَ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المسائلَ وعابَها، حتى كَبُرَ على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم إن عُوَيمِرًا سأل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ذلك فقال: "قد نزَل فيك وفي صاحبتك، فاذهب فَأْتِ بها" فتَلَاعَنَا عند الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما فَرَغَا قال: كذبتُ عليها يا رسول الله إن أمسكتُها. فطلَّقَها ثلاثًا قبل أن يأمره الرسول صلى الله عليه وسلم.

قال الزهريّ:
فكانت تلك سُنّةَ المتلاعنَين.

قال سهل:
وكانت حاملًا، وكان ابنها يُنسب إلى أمّه، ثم جرت السُّنة أن يَرِثَها وتَرِثَ منه ما فرَض الله لها.

وفي لفظ: فتَلَاعَنَا في المسجد، ففارَقَها عند النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "ذاكُمُ التفريقُ بين كل متلاعنَين" أخرجه البخاريّ [5308] ومسلم [1492/4].

وقول سهل: وكانت حاملًا.. إلى آخره، هو عند البخاريّ من قول الزهريّ.

وللبخاريّ: ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "انظُروا، فإن جاءت به أسحَمَ أدعَجَ العينَين عظيمَ الألْيَتَيْن خَدَلَّجَ الساقَين فلا أحسَب عُوَيمِرًا إلا قد صدَق عليها، وإن جاءت به أحيمِرَ كأنه وَحَرَةٌ فلا أحسَب عُوَيمِرًا إلا قد كذَب عليها" فجاءت به على النعت الذي نعت به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من تصديق عويمر.
وفي لفظ: وكانت حاملًا فأنكَرَ حَمْلَها أخرجه البخاريّ [4746].

وفي صحيح مسلم من حديث ابن عمر أن فلان بن فلان قال: يا رسول الله، أرأيتَ لو وجَد أحدنا امرأتَه على فاحشة كيف يصنع؟ إن تكلَّم تكلَّم بأمر عظيم وإن سكَت سكَت على مثل ذلك!

قال: فسكت النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم يُجِبْه، فلما كان بعد ذلك أتاه فقال: إن الذي سألتُك عنه قد ابتُلِيتُ به.

فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات في سورة النور: "والذين يَرمُون أزواجَهم.." فتلاهُنَّ عليه ووعَظه وذكَّره وأخبره أن عذاب الدنيا أهونُ عليه من عذاب الآخرة، قال: لا، والذي بعثك بالحق ما كذبتُ عليها.

ثم دعاها فوعَظها وذكَّرها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهونُ من عذاب الآخرة، قالت: لا، والذي بعثك بالحق إنه لكاذب.

فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسةُ أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم ثنَّى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسةَ أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ثم فرَّق بينهما أخرجه مسلم [1493/4].

وفي الصحيحين عنه قال الرسول صلى الله عليه وسلم للمتلاعنَين: "حسابُكما على الله، أحدُكما كاذب، لا سبيلَ لك عليها" قال: يا رسول الله، مالي؟ قال: لا مال لك؛ إن كنت صَدَقتَ عليها فهو بما استَحلَلتَ من فرجها، وإن كنت كَذَبتَ عليها فهو أبعدُ لك منها".

وفي لفظ لهما: فرَّق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين المتلاعنَين وقال: "والله إن أحدَكما كاذب، فهل منكما تائبٌ؟" أخرجه البخاريّ [5311] ومسلم [1493/6].

وفيهما عنه أن رجلًا لاعَنَ على عهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ففرق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بينهما وألحَقَ الولدَ بأمه أخرجه البخاريّ [5315] ومسلم [1494/8].

وفي صحيح مسلم من حديث ابن مسعود ـ رضي الله تعالى عنه ـ في قصة المتلاعنَين: فشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لَمن الصادقين، ثم لَعَنَ الخامسةَ أن لعنةَ الله عليه إن كان من الكاذبين، فذهبت لتَلعَنَ فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: "مَهْ" فأبَتْ فلَعَنَتْ، فلما أدبَرَا قال: "لعلها أن تجيءَ به أسودَ جَعْدًا" فجاءت به أسودَ جَعْدًا أخرجه مسلم [1495/10].

وفي صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك أن هلال بن أمية قذَف امرأتَه بشَريك بن سَحمَاء، وكان أخَا البَرَاء بن مالك لأمّه، وكان أولَ رجل لاعَنَ في الإسلام، فقال النبيّ: "أَبصرُوها فإن جاءت به أبيَضَ سَبْطًا قَضيءَ العينَين فهو لهلال بن أمية، وإن جاءت به أكحَلَ جَعْدًا حَمْشَ الساقَين فهو لشَريك بن سَحماء" قال: فأُنبئتُ أنها جاءت به أكحَلَ جَعْدًا حَمْشَ الساقَين أخرجه مسلم [1496/11].

وفي الصحيحين من حديث ابن عباس نحو هذه القصة، فقال له رجل: أهي التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو رَجَمتُ أحدًا بغير بيّنة لَرَجمتُ هذه"؟ فقال ابن عباس: لا، تلك امرأة كانت تُظهر في الإسلام السُّوءَ أخرجه البخاريّ [5310] ومسلم [1497/12].

ولأبي داود في هذا الحديث عن ابن عباس: ففرّق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بينهما وقضى ألّا يُدعَى ولدها لأبٍ، ولا تُرمَى ولا يُرمَى ولدُها، ومَن رمَاها أو رمَى ولَدَها فعليه الحدّ، وقَضَى ألّا بيتَ لها عليه ولا قُوتَ؛ من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ولا متوفًّى عنها رواه أبو داود [2256] وأحمد في مسنده [1/239] والطيالسيّ [2667] والطبريّ [9/83] وضعفه الألبانيّ في ضعيف أبي داود [496].

وفي القصة قال عكرمة: فكان بعد ذلك أميرًا على مصر، وما يُدعَى لأبٍ.

وذكر البخاريّ أن هلال بن أمية قذَف امرأتَه عند الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بشَريك بن سَحماء فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "البينةَ أو حدٌّ في ظهرك" فقال: يا رسول الله، إذا رأى أحدُنا على امرأته رجلًا يَنطلق يَلتمس البينة؟

فجعل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "البينةَ وإلا حدٌّ في ظهرك" فقال: والذي بعثك بالحق إني لَصادق، ولَيَنُزِلَنَّ اللهُ ما يبرِّئ ظهري من الحدِّ.

فنزل جبريل ـ عليه السلام ـ وأنزل عليه: "والذين يَرمُون أزواجَهم..." الآيات، فانصرف النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليها، فجاء هلال فشهد والنبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "إن اللهَ يَعلم أن أحدَكما كاذبٌ، فهل منكما تائبٌ؟" فشَهِدَت، فلما كانت عند الخامسة وقَفوها وقالوا: إنها موجِبة.

قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: فتلَكّأتْ ونَكَصَتْ حتى ظَننّا أنها ترجع، ثم قالت: لا أَفضَح قومي سائرَ اليوم. فمَضَت، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أبصِروها، فإن جاءت به أكحَلَ العينَين سابغَ الأَلْيَتَيْن خَدَلَّجَ الساقَين فهو لشَريك بن سَحماء" فجاءت به كذلك، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لولا ما مَضَى من كتاب الله كان لي ولها شأن".

وأخرجه البخاريّ [5307] بلفظ: أن هلال بن أمية قذف امرأته فجاء فشهد والنبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "إن الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟" ثم قامت فشَهِدَت وفي الصحيحين أن سعد بن عبادة قال: يا رسول الله، أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلًا أيقتله؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا" فقال سعد: بلى، والذي بعثك بالحق. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "اسمَعوا إلى ما يقول سيدكم" وفي لفظ آخر: يا رسول الله، إن وجدت مع امرأتي رجلًا أُمهِلُه حتى آتيَ بأربعة شهداء؟ قال: "نعم" وفي لفظ آخر: لو وجدت مع أهلي رجلًا لم أَهِجْهُ حتى آتيَ بأربعة شهداء؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "نعم" قال: كلّا، والذي بعثك بالحق نبيًّا إن كنتُ لَأَعاجِلُه بالسيف قبل ذلك.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "اسمَعوا إلى ما يقول سيّدكم، إنه لَغَيور، وأنا أغيَرُ منه، واللهُ أغيَرُ منّي" وفي لفظ: لو رأيتُ مع امرأتي رجلًا لَضَربتُه بالسيف غيرَ مُصفِّح.

فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أتعجَبون من غَيرة سعد، فوالله لأنَا أغيَرُ منه، واللهُ أغيَرُ مني، ومن أجل ذلك حرَّم الفواحش ما ظهَر منها وما بطَن، ولا شخصَ أغيَرُ من الله، ولا شخصَ أحبُّ إليه العذرُ من الله، من أجل ذلك بعَث اللهُ المرسَلين مبشِّرين ومنذِرِين، ولا شخصَ أحبُّ إليه المِدْحةُ من الله، من أجل ذلك وعَد الله الجنةَ" أخرجه البخاريّ [7416].

بلفظ: "تَعجبون من غَيرة سعد؟ واللهِ لَأَنَا أغيَرُ منه، واللهُ أغيَرُ مني، ومن أجل غَيرةِ اللهِ حرَّم الفواحشَ ما ظهَر منها وما بطَن، ولا أحدَ أحبُّ إليه العذرُ من الله، ومن أجل ذلك بعَث المبشِّرين والمنذِرِين، ولا أحدَ أحبُّ إليه المدحَةُ من الله، ومن أجل ذلك وعَد اللهُ الجنةَ" ومسلم [1498/14 ـ 16 و1499/17] زاد المعاد 5/353 ـ 358).

إن الله يترك لِأَقْضيةِ الكون حاجة التشريع، فلا يُنزل التشريع مرة واحدة، ونضرب على ذلك مثلًا، ولله المثل الأعلى: لو أن أحدًا أتاك بزجاجة ماء بارد وأنت في غير حاجة إلى هذا الماء، أيكون قد فعل لك فعلًا مَرْضيًّا تنتفع به!

ولكن لو جاءك بهذا الماء المثلج وأنت في حالة ظمأ شديد، حينئذ يكون قد أسدَى إليك معروفًا عظيمًا؛ لأن الماء في هذه الحالة يكون له قيمة كبيرة عندك، لأنه سينقذ حياتك من الهلاك.

كذلك إذا لم يكن ثَمّةَ حكمٌ في مسألة من المسائل فنَستَشرِف إلى حكم كأننا نريد حكمًا من الله تعالى، وحينما يأتي الحكم في هذا الوقت يكون أثبَتَ.

وحين سأل الرجلُ الرسولَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنزل الله تعالى آية "اللعان" لأنه توجد أشياء الزوج يلاحظها، وقد يَضع يده عليها ولكنه لا يستطيع أن يأتيَ بأربعة شهود، فماذا يفعل؟ لقد وضع ربنا سبحانه وتعالى حكمًا لهذه الحالة بهذه الآية.

وقول الله تعالى: (فشهادةُ أحدِهم أربعةُ شهاداتٍ باللهِ إنه لَمن الصادقين) يقول له: أأنت تَرمي زوجتك بكذا؟ فيقول: نعم. فيقول له: فاشهَدْ أربعَ شهادات، قل: أُشهد اللهَ أنني صادق فيما رَمَيتُ به امرأتي. ويشهد شهادة خامسة: أن لعنةَ الله عليَّ إن كنتُ كاذبًا.

ثم يؤتَى بها ويقال لها: زوجُك يدَّعي عليك بكذا وكذا، فإن أنكَرَت ذلك يقال لها: اشهَدي أربعَ شهادات أنه كاذب، قولي: أُشهد اللهَ أنه كاذب. والخامسة: أن غَضَبَ الله عليَّ إن كان من الصادقين.

والسؤال: وإن حلَف الاثنان؟
يقال لهما: أنتما لا تصلُحان معًا، فلا تحلُّ لك أبدًا، ويفرَّق بينهما.

وقوله تعالى: (لَمن الصادقين) أي فيما رمَى به زوجتَه.

وقوله تعالى: (ويَدرأُ عنها العذابَ) أي يَدفع عنها العذابَ (أن تَشهدَ أربعَ شهاداتٍ باللهِ إنه لَمن الكاذبين * والخامسةَ أن غَضَبَ اللهِ عليها إن كان من الصادقين) هذا التشريع فضل من الله تعالى؛ لأنه أنهَى المسائلَ على خيرِ ما تَنتهي عليه، ولذلك يقول ربنا جل شأنه: (ولولا فضلُ اللهِ عليكم ورحمتُه وأن اللهَ توابٌ حكيمٌ) (النور: 10) لكنتم فُضِحْتُم، فعَصَمَكم فضلُ الله تعالى في تشريع الحُكم المناسب لكل حالة.

ولنلحظ فضل الله في التشريع:
أولًا: حكم الزاني.
قال تعالى: (الزانيةُ والزاني فاجلِدُوا كلَّ واحدٍ منهما مائةَ جلدةٍ ولا تأخُذْكم بهما رأفةٌ في دينِ اللهِ إن كنتم تؤمنون باللهِ واليومِ الآخِرِ وَلْيَشهَدْ عذابَهما طائفةٌ من المؤمنين) (النور: 2).

ثانيًا: نكاح الزانية والزاني.
قال تعالى: (الزاني لا يَنكِحُ إلا زانيةً أو مُشرِكةً والزانيةُ لا يَنكِحُها إلا زانٍ أو مُشرِكٌ وحُرِّمَ ذلك على المؤمنين).

ثالثًا: حكم من يَرمي المحصنَةَ البعيدة.
قال سبحانه: (والذين يَرمُون المُحصَنَاتِ ثم لم يَأتُوا بأربعةِ شهداءَ فاجلِدُوهم ثمانين جَلدةً ولا تَقبلُوا لهم شهادةً أبدًا وأولئك هم الفاسقون) (النور: 4).

رابعًا: حكم من يَرمي زوجته.
قال تعالى: (والذين يَرمُون أزواجَهم ولم يكن لهم شهداءُ إلا أنفسُهم فشهادةُ أحدِهم أربعُ شهاداتٍ بالله إنه لَمن الصادقين * والخامسةُ أن لعنةَ اللهِ عليه إن كان من الكاذبين * ويَدرأُ عنها العذابَ أن تَشهدَ أربعَ شهاداتٍ باللهِ إنه لَمن الكاذبين * والخامسةَ أن غَضَبَ اللهِ عليها إن كان من الصادقين * ولولا فضلُ اللهِ عليكم ورحمتُه وأن اللهَ توابٌ حكيمٌ).

ثم البلاء العظيم:
الذي يَرمي غيرَ زوجته، بل مَن تكون في مرتبة الأم، والأدهَى أنها ليست أمَّ واحدٍ بل أمّ المؤمنين جميعًا، التي هي أمُّنا وسيدتنا عائشة الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق رضي الله تعالى عنهما (وهي قول الله تعالى: "إن الذين جاءُوا بالإفكِ عصبةٌ منكم لا تَحسَبوه شرًّا لكم بل هو خيرٌ لكم لكلِّ امرئٍ منهم ما اكتَسَب من الإثمِ والذي تَولَّى كِبْرَه منهم له عذابٌ عظيمٌ * لولا إذ سمعتموه ظَنَّ المؤمنون والمؤمناتُ بأنفسهم خيرًا وقالوا هذا إفكٌ مُبِينٌ * لولا جاءُوا عليه بأربعةِ شهداءَ فإذ لم يأتوا بالشهداءِ فأولئك عند اللهِ هم الكاذبون * ولولا فضلُ الله عليكم ورحمتُه في الدنيا والآخرة لَمَسَّكم في ما أَفَضتُّم فيه عذابٌ عظيمٌ * إذ تَلقَّونَه بألسنتِكم وتقولون بأفواهِكم ما ليس لكم به علمٌ وتَحسَبونه هَيِّنًا وهو عند اللهِ عظيمٌ * ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكونُ لنا أن نتكلَّمَ بهذا سبحانك هذا بهتانٌ عظيمٌ * يَعِظُكُم اللهُ أن تَعودوا لِمثلِه أبدًا إن كنتم مؤمنين * ويُبيِّنُ اللهُ لكم الآياتِ واللهُ عليمٌ حكيمٌ * إن الذين يحبُّون أن تَشيعَ الفاحشةُ في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليمٌ في الدنيا والآخرةِ واللهُ يَعلمُ وأنتم لا تَعلمون * ولولا فضلُ اللهِ عليكم ورحمتُه وأن اللهَ رءوفٌ رحيمٌ" النور: 11 ـ 20) فجاءت المناسبة في أن يذكر الله تعالى هذه الحادثة هنا.

لماذا؟
لأن الله سبحانه يريد أن يعطيَ الأُسوة في بيت النبوة، بمعنى: إذا كانت هناك امرأة شريفة عفيفة اتُّهِمَت من خصومٍ لها بالباطل، فيقال لها: اصبِري واحتَسِبِي ولا تَحزَني؛ فقد قيل ذلك لِمَنْ هي أفضل منكِ.

فيكون ذلك من باب التسلية (راجِع "حديث الإفك" ضمن أحداث غزوة بني المصطَلِق في كتاب "غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم" للشيخ الإمام محمد متولّي الشعراويّ، وهو من منشورات مكتبة التراث الإسلاميّ.


حق المرأة في التطليق 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49196
العمر : 72

حق المرأة في التطليق Empty
مُساهمةموضوع: رد: حق المرأة في التطليق   حق المرأة في التطليق Emptyالأحد 26 مارس 2017, 11:56 am

6 ـ التفريق للضرر
جاء في "لسان العرب": الضُّرّ والضَّرّ بفتح الضاد أو ضمّها، ضد النفع، وكل ما كان من سُوء حال وفقر وشدة في بدن فهو ضرّ لسان العرب لابن منظور [4/482] والضّرّ يعني أيضًا الضيق.

ولم يعرِّف الفقهاء الضرر في الاصطلاح الشرعيّ، وكأنهم تركوه لمعناه اللغويّ، وأن هذا المعنى هو المراد من الضرر شرعًا.

ويمكن أن نعرِّف الضرر الذي يَلحَق الزوجةَ ويُبيح لها طلبَ التفريق بسببه بأنه: كلّ ما يُلحق الأذى أو الألَمَ ببدن الزوجة أو نفسها أو يعرِّضها للهلاك.

ويمكن تقسيم الضرر المبرِّر للتفريق بين الزوجين والذي يصدُر من الزوج ضد زوجته إلى قسمين أو نوعين:
الأول: ضرر مادّيّ. وهو كل ما يُلحق الأذى ببدن المرأة، ومنه ضربُها باليد أو بآلة وبإحداث جرح في بدنها أو كدمة أو كسر ونحو ذلك.

ومن الضرر المادّيّ إلحاقُ الأذى ببدن المرأة بغير الضرب والجرح، كإلقاء الماء الحارّ عليها ونحو ذلك مما لا يجوز فعله شرعًا ويُلحق الأذى ببدن المرأة.

والثاني: ضرر معنويّ أو نفسيّ. وهو كل ما يُلحق الألمَ في نفس الزوجة، ومنه إسماعُها الكلامَ القبيحَ من سبٍّ وشتمٍ لها ولوالدَيها، أو تشبيهُها بما يُعتبَر شتمًا لها مثلُ تشبيهِها بالكلب أو الحمار أو تشبيهِ والدَيها بذلك.

ومن الضرر المعنويّ أيضًا تركُ الكلام معها أو تركُ المبيت في فراشها دون وجه حقّ، وهو ما يسمَّى بالهجر.

ومنه أيضًا تركُ وطئها دون مبرّر شرعيّ مثل مرضه. ومن الضرر المعنويّ ما يكون بمظهر الزوج، مثل إظهار العبوس لها وتقطيب الحاجبَين في مواجهتها، ورفع الصوت عليها، وعدم الإصغاء لحديثها معه كأن يتشاغل عنها بشيء ما أو يتركها تتكلم ويَمضي.

والضرر بنوعَيه هل يبرر للزوجة طلب التفريق أم لا؟

والجواب: صرح المالكية بجواز التفريق للضرر، كما ذكر غيرهم جوازَ طلب التفريق لبعض أنواع الضرر، ونذكر فيما يلي أقوالهم، علمًا بأن المالكية أكثر الفقهاء أخذًا بالتفريق للضرر.

أولًا: جاء في الشرح الكبير للدردير: "ولها ـ أي للزوجة ـ التطليق على الزوج بالضرر، وهو ما لا يجوز شرعًا، كهجرها بلا موجِب شرعيّ، وضربها كذلك، وسبِّها وسبِّ أبيها نحو: يا بنت الكلب، يا بنت الكافر، يا بنت الملعون.

كما يقع كثيرًا من رعاع الناس، ويؤدَّب على ذلك زيادةً على التطليق، وكوطئها في دبرها الشرح الكبير للدردير [7/345].

ثانيًا: وقالوا: ولها التطليق بالضرر. قال ابن فرحون: من الضرر قطعُ كلامه عنها وتحويلُ وجهه في الفراش عنها، وإيثارُ امرأةٍ عليها، وضربُها ضربًا مؤلمًا مواهب الجليل شرح مختصر خليل للحطاب [4/17].

ترك الوطء ضرر بالزوجة يبرّر طلبَها التفريقَ وترك الوطء ضرر بالزوجة يبرّر طلبَها التفريقَ من زوجها، وبهذا صرح المالكية، فقد جاء في "التاج والإكليل" للمّوّاق في فقه المالكية: قال مالك: من يريد العبادة أو ترك الجماع لغير ضرر ولا علة قيل له: إمّا وَطِئتَ أو طَلَّقتَ التاج والإكليل للمَوّاق [4/17].

بل إن شيخ الإسلام يجعل تَرْكَ الوطءِ مبرِّرًا لفسخ النكاح في كل حال حتى لو لم يَقصد الزوج الإضرارَ بزوجته، فقد قال رحمه الله تعالى: وحصولُ الضرر لزوجة بترك الوطء مقتَضٍ للفسخ بكل حال، سواء كان بقصد من الزوج أو بغير قصد، ولو مع قدرته وعجزه، كالنفقة وأَوْلَى الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية [247].

وإذا ثبت إضرارُ الزوج بزوجته بالبينة المعتبَرة فلا يُشترط إثباتُ تكراره لطلب التفريق، بل يكفي إثباتُ حصوله مرة واحدة، فقد جاء في "مختصر خليل" وشرحه للدردير: ولها ـ أي للزوجة ـ التطليق على الزوج بالضرر ولو لم تَشهَدْ البينة ـ الشهود ـ بتكرُّره. وقال الدسوقيُّ في "حاشيته" تعليقًا على هذا القول: قوله: ولم لم تَشهَد البينة بتكرُّره، بل شَهِدَت بأنه حصَل لها مرة واحدة فلها التطليق بها على المشهور الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقيّ [2/345].

والواقع بالتفريق للضرر طلقةٌ بائنةٌ، فقد جاء في "حاشية الدسوقي" على "الشرح الكبير" للدردير: قوله: ولها التطليق بالضرر، أي لها التطليق طلقةً واحدةً وتكون بائنةً الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقيّ [2/345] وذلك بأن يأمر الحاكم بطلاقها، فإن امتَنَع طلَّق عليه القاضي الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقيّ [2/345].


حق المرأة في التطليق 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49196
العمر : 72

حق المرأة في التطليق Empty
مُساهمةموضوع: رد: حق المرأة في التطليق   حق المرأة في التطليق Emptyالأحد 26 مارس 2017, 11:57 am

7 ـ زوجة المفقود
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: والصواب في امرأة المفقود مذهبُ عمر بن الخطاب ـ رضي الله تعالى عنه ـ وغيرِه من الصحابة، وهو أنها تتربص أربع سنين ثم تَعتدّ للوفاة، ويجوز لها أن تتزوج بعد ذلك، وهي زوجة الثاني ظاهرًا وباطنًا.

وعلى الأصحّ لا يُعتبَر الحاكم، فلو مَضَت المدة والعدة تَزَوَّجَت بلا حاكم الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية [281].

وقال الدكتور عبد الكريم زيدان:
أرجِّح لزومَ رفعِ الزوجة أَمْرَها إلى الحاكم لطلب التفريق إذا رَغِبَتْ فيه، ولا يكفي تربُّصُها مدةَ الأجل من تلقاء نفسها دون مراجعةِ الحاكم وتقديرِه هذا الأجلَ، كما ذهب إلى ذلك الحنابلة، إذ قالوا: ولا تَفتقر في ذلك التربص إلى حُكم حاكم لِضربِ المدةِ وعدةِ الوفاة. كشاف القناع [3/266].

ووجه هذا الترجيح أن التفريق لفقد الزوج مختلَف في جوازه عند الفقهاء، وما اختلفوا فيه لا يَرتفع ويَستقرّ على رأي مُلزِم بالنسبة لذوي الشأن والعلاقة فيه إلا بحكم الحاكم؛ لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف فيما حكَم فيه بالنسبة لذوي الشأن كما هو معروف.

ولكن ما حكم هذا التفريق من جهة بقائه وترتُّبِ كامل آثاره أو بطلانه وزوال آثاره إذا عاد الزوج المفقود؟

يجيب الدكتور عبد الكريم زيدان:
قد يختلف الحكم باختلاف الأحوال، فقد يعود المفقودُ وزوجتُه لم تتزوج بعدُ، أو تزوَّجَت ولم يَدخل بها الزوج الثاني، أو تزوَّجَت وقد دخَل بها الزوج الثاني، ولكلّ حالة من هذه الحالات حكمُها من جهة بطلان حكم التفريق أو عدم بطلانه.

كما نوضح فيما يلي:
الحالة الأولى:
إذا عاد المفقود حيًّا وزوجته لم تتزوج، بالرغم من الحكم بالتفريق بينها وبينه، فهي زوجته بنكاحها الأول معه، أي لا تحتاج إلى تجديد عقد النكاح معه.

الحالة الثانية:
وإن عاد الزوج المفقود بعد أن تزوَّجَت، فإن كانت عودته قبل دخول الثاني بها فهي زوجة المفقود، تُرَدُّ إليه بنكاحها الأول كما لو لم تتزوج.

قال الإمام أحمد:
أما قبل الدخول فهي امرأته.

الحالة الثالثة:
وإن قَدِمَ الزوج المفقود بعد زواج زوجته ودخولِ الزوج الثاني بها فالحكم أن يُخيَّر زوجها الأول، المفقودُ الذي عاد، بين أَخْذِها فتكون زوجتَه بالعقد الأول وبين أَخْذِ صداقها ـ مهرِها ـ وتكون زوجةً للثاني).


حق المرأة في التطليق 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
حق المرأة في التطليق
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» هل تقطع المرأة صلاة المرأة إذا مرت بين يديها؟
» نظر المرأة إلى عورة المرأة
» كسر المرأة
» حكم لمس المرأة
» حج المرأة عن أمهـا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: فـقـــــــــه الــدنــيـــــــا والديـــــن :: فتاوى النِّساء للشَّعراوي-
انتقل الى: