آداب الدعاء:
1 – أن تؤمن بالله سبحانه، وبأنه وحده الذي يملك مقادير كل شيء، وأنه وحده الضار النافع، وأن تستجيب لما نزل إليك من هدى ودين، قال تعالى: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)" سورة البقرة: 186.

2 – حضور القلب وعدم الشك في الإجابة، قال عليه الصلاة والسلام: «القلوب أوعية وبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله أيها الناس فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة فإنه لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل».

3 – عدم استعجال الجواب فإن لله حكمة في كل فعل قد تغيب عنا فإن تأخرت الإجابة فليس ذلك إلا لحكمة علمها الله وغابت عنك، فمن آداب الدعاء أن لا تستعجل الإجابة، قال عليه الصلاة والسلام: «يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي».

4 – أن لا يكون في الدعاء إثم أو قطيعة رحم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها» فقال الحاضرون: إذن نكثر في الدعاء فإنه لا يضيع، فقال لهم عليه الصلاة والسلام: «الله أكثر».

5 – عدم رفع الصوت ففي الصحيحين عن أبي موسى الأشعر رضي الله عنه قال: رفع الناس أصواتهم بالدعاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعو أصم ولا غائباً إنما تدعون سميعاً بصيراً».

6 – ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال عليه الصلاة والسلام: «لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لكم».

7 – تحري الحلال في المأكل والمشرب، قال عليه الصلاة والسلام: «... ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك» 59.

الدعاء عبادة:
إن الدعاء عبادة، بل هو مخ العبادة فالذي يدعو الله إنما يقول بالقدرة الكاملة، ويعترف بأن بيده مقاليد الأمور وأنه المالك لكل شيء، وأنه المتصرف في شئون المخلوقات، لذلك فقد سمى القرآن الدعاء عبادة.

قال الله تعالى: "ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِن َّالَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ" وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الدعاء هو العبادة).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: «الدعاء مخ العبادة».

دعاء غير الله شرك:
لذلك فمن دعا غير الله ظاناً أن له قدرة أو مشاركة مع الله في تصريف الكون فقد أشرك.

قال تعالى: "وَأَن َّالْمَسَاجِدَ لله فَلا تَدْعُوا مَعَ اللِّه أَحَدًا (18)" سورة الجن: 18.

الدعاء استعانة لا استخدام:
والدعاء هو طلب العون من الله، بعد أن يعمل الإنسان ما أمره الله وأعطاه القدرة على فعله من الأسباب المادية، وليس من الدعاء في شيء أن يطلب الإنسان من ربه تحقيق كل أغراضه وآماله وهو في مكانه لا يمارس عملاً أو يقوم بواجب قدره الله عليه، فيطلب من الله أن يزرع له الأرض، ويحصد له الحبوب، ويطحنها، ويعجنها، ويخبزها، ويلقمه إياها، وينزع السلاح من عدوه، ويسوقه مكتوفاً إليه، ويضربه وهو لا يعمل شيئاً!

فليس هذا دعاء إنما هو استخدام، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

الدعاء بالأسماء الحسنى:
وأحسن الدعاء أن يدعو العبد ربه بأسمائه الحسنى.

قال تعالى: "وَلله الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا".

الخلاصة:
*بين المؤمن وخالقه علاقة مشاهدة فالمؤمن يدعو، والله يجيب.

نشاهد إجابة الله للدعاء في استسقاء المسلمين عند شدة الجفاف، وفي علاج المرض وخاصة بعد عجز الأطباء.

*ويزعم الملحدون أن هذا من تأثير العقائد، والعقائد لا تغير الحقائق إنما التأثير لله أولاً وأخيراً.

*لقد اشتهر المسلمون الصادقون في التاريخ بتأييد الله لهم على عدوهم الذي كان يفوقهم دائماً بالعدد والعُدد.

*للدعاء آداب هي:
-1 الإيمان بالله، والاستجابة لأوامره.
-2 حضور القلب وعدم الشك في الإجابة.
-3 عدم استعجال الإجابة.
-4 أن لا يكون في الدعاء إثم أو قطيعة رحم.
-5 عدم رفع الصوت.
-6 ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
-7 تحري الحلال في المأكل والمشرب.

*الدعاء عبادة بل هو مخ العبادة، إنه ثقة ولجوء إلى قوة الله وقدرته.

*من دعا غير الله ظاناً أن له قدرة غيبية أو مشاركة في تصريف الأمور فقد أشرك.

*يجب الأخذ بالأسباب التي أقدرنا الله على فعلها، وإلا كان دعاؤنا استخداماً -أستغفر الله- لا أطلب عون.

*أحسن صورة الدعاء أن يدعو العبد ربه بأسمائه الحسنى.

ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء.

أسس معرفتنا بالله:
أولاً:
عرفنا الله بآياته في مخلوقاته، وتقوم هذه المعرفة على قواعد عقلية ثلاث يعرفها العقل من الصلة الوثيقة بين الفعل وفاعله:
أ) لا فعل إلا بفاعل فالعدم لا يفعل شيئاً.
ب) الفعل مرآة لقدرة فاعلة وبعض صفاته فلا يكون شيء في الفعل إلا إذا كان الفاعل يملك القدرة أو الصفة التي تمكنه من فعل ذلك الشيء.

ج) ليس الفاعل من لا يملك القدرة على الفعل لأنه فاقد الشيء لا يعطيه وبتطبيق هذه الأسس:
(1)عرفنا أن هذه الأحداث التي حدثت في الكون وتحدث وستحدث لا ينشئها العدم، وإنما هي شاهدة بأن لها خالقاً يكونها وينشئها.

قال تعالى: "أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ... ".

(2) وبتأملنا في هذه الأحداث والمخلوقات وجدناها تشهد أنها من خلق حكيم، عليم، خبير، محيي مميت، رزاق، مريد، قادر، هاد، حاكم، مُهيمن، سميع، بصير، حي، دائم، واحد.

قال تعالى: "إِن َّفِي السَّمَاوَاتِ وَالأرضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3)" سورة الجاثية: 3.

(3) وإذا تأملنا في شتى أرجاء الكون لا نجد إلا مخلوقات عاجزة لا علم لها ولا إرادة ولا خبرة ولا دوام ولا هداية، فعرفنا أنها مخلوقات محتاجة إلى خالق حكيم عليم خبير يختلف عنها في الذات والصفات، تحتاج إليه جميع المخلوقات وهو الغني الصمد الذي لا يحتاج لأحد هو الله سبحانه.

قال تعالى: "يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِن َّالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللِّه لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّه حَق َّقَدْرِهِ (74)" الحج: 73، 74.

وقال تعالى: "وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللِّه لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20)" سورة النحل: 20.

ثانياً:
كمل لنا الرسل الذي عرفنا صدقهم معرفتنا بربنا التي نحتاج إليها.

ثالثاً:
عرفنا ربنا وقربه منا بإجابته لدعاء الذين يستجيبون له ويؤمنون به، وأوضح ظاهرة لذلك هي دعاء الاستسقاء.

قال تعالى: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)" البقرة: 186.

رابعاً:
عرفنا الله بإحساس فطري في أصل يدلنا عليه ويظهر جلياً كلما أصاب الإنسان محنة أو شدة.

والإنسان يلجأ إلى ربه بالدعاء.
قال تعالى: "وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللِّه ثُم َّإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُم َّإِذَا كَشَفَ الضُّر َّعَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54)" سورة النحل: 53، 54.

وهل أحطنا بالله علماً؟
إن العلم البشري لم يحط بالله علماً، بل إن علم الإنسان لم يحط بالإنسان نفسه علماً، فكل يوم وهو يعرف الجديد عن نفسه.

ولقد جاءت امرأة إنجليزية إلى الشيخ الحكيمي، وكان عالماً يمنياً اهتدى على يده كثير من البريطانيين، فأرادت هذه المرأة أن تُحرج هذا العالم المسلم فقالت: لا والله أيها الشيخ إلا إذا أخبرتني كم طول الله؟ وكم عرضه؟ فأخبرها العالم: أن علمنا بالله محدود وأن الله لا يقاس بمثل هذه المقاييس: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ".

وقال لها: هل تحبين زوجك؟ -وكان معها- قالت: نعم.

قال: وهل تشعرين بوجود الحب؟ قالت: نعم.

قال: أما أنا فسأنكر وجود حب فيك لزوجك إلا إذا قلت لي كم رطلاً وزن حبك لزوجك وكم طول هذا الحب وكم عرضه؟!

فعرفت أنها اشترطت لإيمانها شرطاً سخيفاً.

هل الإحاطة شرط للإيمان؟
وهكذا نجد أنه يكفينا للإيمان بالله أن نتأكد من وجوده وأن نعرف أسماءه وصفاته وأنه صاحب الكمال الأعلى وأنه "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" وأن نعرف كلامه ورسله وإرادته من خلقنا وإماتتنا وبعثنا.

وكل هذه الأمور قد عرفناها بأدلتها، وهناك أمور كثيرة عن ذات الله وكيفية أعماله وأفعاله، وكثير من شئونه لا تزال مجهولة بالنسبة لنا ولكن نقص العلم هذا لا يدفعنا إلى إنكار الحق الذي عرفناه، فإن فعلنا كنا كمن ينكر وجوده لأنه جاهل بحقيقة نفسه؟ وجاهل بعدد المسام في جلده، وجاهل بعدد شعر رأسه، وجاهل بعدد حبات ترابها ورمالها! وعدد أشجارها وحشائشها!

وهكذا نعرف سفاهة وزيغ من أراد أن يجعل عدم إحاطته بكل أمور شيء من الأشياء سبباً لإنكار وجود ذلك الشيء.

لماذا لم نحط علماً بالله؟
إن الله سبحانه ليس لشأنه حد محدود، وقد علمنا أن العلم البشري محدود، وأنه إلى الآن لم يتجاوز معرفة النجوم في السماء التي هي زينة السماء الدنيا، فكيف لمحدود أن يحيط بمن ليس له حدود؟

وكيف لمن لم يتجاوز بمعرفته زينة السماء الدنيا أن يحيط بمن: "وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ"!

وهل يمكن لكأس أن يستوعب مياه البحر؟!

فعلمنا محدود ووسائل علمنا محدودة، فهي ككأس صغير لا يستوعب من بحار الأمور الإلهية إلا بقدره وصدق الله العظيم حيث يقول: "يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)" سورة البقرة: 255.

الخلاصة:

أسس معرفتنا بالله:
تقوم معرفتنا بالله على قواعد ثلاث:

أ) لا فعل إلا بفاعل.
ب) الفعل مرآة لقدرة فاعله.
ج) ليس الفاعل من لا يملك القدرة على الفعل، وبهذا نعلم أن كل فعل حدث لا بد له من منشئ وخالق قادر حكيم حي دائم، وكل المخلوقات تحتاج إلى خالق حكيم عليم، وهو الغني سبحانه.

وقد كمَّل لنا الرسل معرفتنا بربنا التي نحتاج إليها ووضحوا لنا الطريق ومن ذلك الدعاء "ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ".

ودعاء الاستسقاء ظاهرة كريمة تدلنا على فضل الله واستجابته، كما نعرف الله سبحانه بإحساسنا وفطرتنا، ويظهر ذلك في شدتنا وأهوالنا فنلجأ إليه سبحانه، فيكشف عنا ما نزل بنا من سوء: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ".

وهل أحطنا بالله علماً؟ إذا كان علم الإنسان لم يحط بالإنسان علماً، فكيف يحيط علمنا المحدود بالله سبحانه؟: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ".

ويكفينا للإيمان بالله أن نتأكد من وجوده بالأدلة والبراهين، وأن نعرف أسماءه وصفاته وأنه ليس لشأنه حد محدود: "وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ".

الآيات المتشابهة في القرآن
الآيات المحكمة والمتشابهة:
الآيات المحكمة:
هي الآيات التي تحتمل المعنى الواضح المحكم المحدد الذي لا اشتباه فيه.

والمتشابهة:
هي ما كان لها أكثر من معنى.

الآيات المحكمة أمُّ الكتاب:
وإذا تأملت في الآيات المحكمة وجدت أنها كافية لبيان العقيدة والشريعة والحلال والحرام ومعالم الهدى الذي يحتاج إليه الإنسان.

"هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُن َّأُمُّ الْكِتَابِ" سورة آل عمران: 7.

الحكمة من الآيات المتشابهة:
إن للإنسان علاقة بما في هذا الوجود فهو جزء مرتبط به، لكن الإنسان لا يعرف من ماضي وجوده ووجود هذا الكون إلا اليسير، ولا يعرف من حقائق الوجود إلا ما وقع في نطاق حواسه الضيقة، ولا يعرف من أمر خالقه إلى ما شاهد من آياته الظاهرة، ولا يفهم من حقائق مستقبله في الحياة الأخرى شيئاً.

فكان من تمام الهداية الإلهية أن يعرف الله عبده بهذه الحقائق التي ارتبطت بوجود الإنسان.

وبمعرفة الإنسان بها يكون واعياً لحقائق الوجود ومن لا يعي هذا الوعي يعش ضيق الأفق قصير النظر، غافلاً عما حوله وما يرتبط به من حقائق الوجود الكبرى.

فالآيات المتشابهة في القرآن هي التي تتعرض لهذه الأمور بصورة أشمل وأعم.

ما هي لغة التوعية والتثقيف؟

وهنا يجب أن تعرف أصل لغتك.

فألفاظ اللغة قد حددت للدلالة على أشياء قد تقع في نطاق حواس الإنسان المحدودة.

فبأي لغة إذا تتم توعية الإنسان بالحقائق الكبرى التي لا يعرفها الإنسان؟ والتي ليس في لغته من الألفاظ ما يطابقها؟ وهنا يظهر فضل الله علينا في هدايتنا فقد جعل الله من ألفاظنا المشابهة للحقائق الكبرى آيات لتوعيتنا وهدايتنا، هي الآيات المتشابهة في القرآن.

فاللفظ المتشابه لا ينطبق تمام الانطباق على الحقيقة التي يرمز إليها إنما يشابهها في وجه من الوجوه.

أمثلة:

ومن أمثلة ذلك:

1- لنفرض أنك أردت توعية قوم عاشوا قبل خمسمائة سنة، بما سيحدث من تطور في أساليب الحياة فكيف ستحدثهم عن المذياع (الراديو) أو (التلفزيون) أو (الحافلة الباص) أو (الرادار) أو أي شيء في مستخدمات هذا الزمان، ستحاول أن تأخذ من لغتهم ما يشابه الأشياء الموجودة الآن فتخبرهم عن المذياع فتقول: هو صندوق من حديد ومواد كالخشب يتكلم بكلام شخص في مكان بعيد.

فهل المذياع صندوق كالصندوق الذي يعرفونه؟ أم إنه صندوق آخر فيه المكثفات وفيه الملفات الكهربائية وفيه الهوائيات وفيه الموجات وفيه.. وفيه.. ؟.

إن كلمة صندوق تشابه المذياع مشابهة فقط ولا تنطبق عليه تماماً ولكن هذا اللفظ المشابه ضروري لغرض التوعية.

2- إذا أراد طبيب أو عالم دين أن يتحدث للناس عن حقائق العلم التي يعرفها، وأن يقوم بعملية توعية صحية أو عملية بين مواطنيه.. هل سيعي الناس شيئاً حدثهم الطبيب والعالم بدقائق الحقائق الطبية والذرية؟!

والجواب:
لا.. وإنما على الطبيب أو العالم الذري أن يأخذ ألفاظاً تشابه في وجه من الوجوه حقائق العلم لتوعية الناس بهذه الألفاظ التي لا تنطبق تمام الانطباق على الحقائق العلمية وإنما تشابهها.

ليست الحقيقة كاملة في الألفاظ المتشابهة:
وإذا كان اللفظ المتشابه لا ينطبق على الحقيقة تمام الانطباق.

وإنما يشابهها في وجه من الوجوه ليعطي وعياً عاماً فإن من الضلالة أن يحاول الإنسان معرفة الحقيقة كاملة من الألفاظ المتشابهة التي لا تنطبق على الحقيقة تمام الانطباق.

مثال:
لنفرض أنك أثناء توعيتك لمن عاشوا قبل خمسمائة عام قد قلت لهم: قد أصبح الحديد في زماننا يتكلم.

ولم تشأ أن تعرفهم بكيفية كلام الحديد الذي يعتمد على دوائر كهربائية وموجات وملفات مغناطيسية وذبذبات صوتية ولكنك بعد أن تركتهم أرادوا أن يعرفوا الحقيقة في كلام الحديد من اللفظ المتشابه (الحديد يتكلم).

فقال أحدهم: لقد قال لنا: الحديد يتكلم، وهل يتكلم الحديد بغير لسان؟

إذاً لابد أن للحديد لساناً!

وقال آخر: وهل يمكن أن يكون للحديد لسان دون أن يكون له فم؟ إذاً لا بد للحديد من فم!

وقال آخر: وبما أن للحديد فماً، إذاً لابد أن يتغذى ويأكل!!

وقال آخر: وبما أن الحديد يتغذى ويأكل، إذاً لا بد أن له معدة وأمعاء ولا بد أنه يبحث عن طعامه!!!

فانظر إلى أي ضلال ذهب الذين لم يعرفوا حقيقة الألفاظ المتشابهة وأرادوا معرفة الحقيقة منها.

إيماننا وازدياد وعينا بالآيات القرآنية المتشابهة:
لذلك فالمؤمن العالم يعرف حقيقة الآيات المتشابهة وأنها جاءت من عند الله، وأنها تدل دلالة كاملة على الحقائق التي تخبر عنها فيؤمن بأنها حق من عند الله، ويكتسب لنفسه معرفة ووعياً دون محاولة تعنت للألفاظ: "وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا".

وكل معنى للآيات المتشابهة يناقض الآيات المحكمة نرده ولا نقبله، قال تعالى: "مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُن َّأُمُّ الْكِتَابِ".

الذين في قلوبهم زيغ:
أما الذين في قلوبهم زيغ فيستغلون الآيات المتشابهة، ويحاولون تحويلها وتحريف معانيها وتوجيه بعضها لمناقضة البعض الآخر في جهالة وسفاهة، وهناك مؤسسات أنشأتها الدول الكافرة وظيفتها التلبيس على المسلمين في أمر دينهم، وقد لمست هذه الدول حاجتها لمثل هذه المؤسسات عندما استعمرت هذه الدول بلاد المسلمين لأنها وجدت المقاومة في بلاد المسلمين مدفوعة بالمشاعر الإسلامية أو عندما قويت علاقتنا الثقافية بدول أخرى تطمع في السيطرة علينا بغزو فكري فلم تجد عقبة في طريق الغزو الفكري إلا الإسلام؛ لذلك أنشأت هذه الدول مؤسسات لتشكيك المسلمين في دينهم وفتنتهم عنه.

وأغلب شبهاتهم تقوم على أخذ المعنى الزائف من الآيات المتشابهة التي تحتمل معاني كثيرة.
قال تعالى: "هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُن َّأُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللُّه وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْألَبَابِ (7) رَبَّنَا َلا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)" سورة آل عمران: 7- 8.، هذا وللمفسرين آراء كثيرة في معنى الآيات المتشابهة في القرآن.

الخلاصة:
المحكم هو ما احتمل معنىً واحداً.
والمتشابه ما كان له أكثر من معنى.
والمحكم من القرآن فيه الكفاية لبيان الشريعة والهداية.

والحكمة من المتشابه:
هو بيان أن الإنسان لا يعرف ماضي وجوده أو مستقبله أو الحقائق حوله ما وقع في نطاق حواسه الضيقة ولا يعرف من الحياة الأخرى شيئاً فكان من تمام الهداية أن يعرف الله عبده بهذه الحقائق.

أما لغة التوعية والتثقيف:

فهي للدلالة على ما يقع في نطاق حواسنا.

وقد جعل الله من ألفاظنا المتشابهة آيات لتوعيتنا وهدايتنا، واللفظ المتشابهة وإن كان لا ينطبق على الحقيقة لكنه يشابهها في وجه من الوجوه، كما لو فرض وحدثت قوماً عن شيء لم يروه كآلة ميكانيكية، فإنما تحدثهم بألفاظ لا تنطبق تمام الانطباق على الحقيقة وإنما تشابهها في وجه من الوجوه.

ومن الصعوبة أن يعرف الإنسان الحقيقة كاملة من الألفاظ المتشابهة.

إيماننا بالآيات المتشابهة:
أهل الإيمان يؤمنون بأنها حق من عند الله: "وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا" أما أهل الزيغ فيحاولون تحريفها والتلبيس على المسلمين في أمر دينهم: "فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللُّه".. هدانا الله إلى سواء السبيل.

"سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ رَبِّ الْعَالَمِين (182)".
يتبع إن شاء الله...