إسْعَافُ المُغتربين بفتَاوى العُلمَاءِ الرَّبانيين
لأصحاب الفضيلة العلماء:-
عبد العزيز بن عبد الله بن باز    (رحمه الله)
محمد بن صالح العثيمين           (رحمه الله)
عبد الرزاق عفيفي                  (رحمه الله)
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (حفظه الله)
صالح بن فوزان الفوزان           (حفظه الله)
اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء
هيئة كبار العلماء

================
جمع وترتيب
متعب بن عبدالله القحطاني
================
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

وبعد:
فهذه أسئلة وفتاوى تهم المسلم في بلاد الغربة، جمعتها ولملمت شتاتها من فتاوى العلماء الراسخين الموثوق بعلمهم وتقواهم –ولا نزكي على الله أحداً– وكما تعلم أخي القارئ «أن القارئ للكتاب أبصر بمواقع الخلل من منشئه» كما قال إبراهيم الصولي،"وأن من ألّف فقد أُستهدف" كما قال عمرو بن بحر الجاحظ، والتأليف (الجمع) أشق من الإنشاء ابتداءً ،حيث أنه اختيار والاختيار كما قال عنه ابن الجوزي –رحمه الله– في عبارته الشهيرة: (لكل شيء صناعة، وصناعة العقل حسن الاختيار)، ويقول إمام القراء أبو عمرو بن العلا –رحمه الله- في معنى قوله-: (المرء في فسحة من عقله وفي سلامة من أفواه الناس ما لم يؤلف كتاباً أو يقلْ شعراً).

ولكن الذي دعاني إلى جمع هذه الفتاوى أسباب منها:
1- مشاركة إخواني المسلمين الذين في بلد الغربة على كشف إشكالاتهم والإجابة على بعض ما قد يعترضهم من مسائل شرعية أو اجتماعية أو غيرها.

2- الحيلولة على من يفتي بغير علم فَيَضَّلَ ويُضل، وذلك بأن يجد المستشكل فتاوى العلماء الراسخين في متناول يده.

قال أبو محمد عبد الحق الأشبيلي:
لا يخدعنك عن دين الهُدى نفــــرٌ
لم يرزقوا في التماس الحق تأييداً
عُمي القلوب عروا عن كل قائـدةٍ
لأنهـــم كفروا بالــلـــــه تقلــــيداً


3- سفر بعض الأقارب والمعارف إلى بلاد الكفار، وبعضهم يطلب إجابة عند بعض العلماء لبعض الإشكالات أو المسائل التي تشكل عليهم مما دعا إلى جمع هذه الفتاوى المتناثرة في كتب أهل العلم وترتيبها على حسب الموضوعات المناسبة لها خدمة لهم ولإخواني المسلمين.

4- لم أجد من خلال البحث الناقص كتاباً يجمع فتاوى للعلماء تهم المسلم في بلاد الغرب أو الشرق (بلاد الكفار) إلا بعض الرسائل المقتضبة في دائرة الممكن وذلك بعد أن بدأت في جمع الفتاوى وقطعت مرحلة لا بأس بها.

عملي في الكتاب:
أولاً: وضعت مقدمة مختصرة للكتاب.
ثانياً: رجعت إلى كتب الفتاوى المطبوعة الخاصة بالشيخ عبدالعزيز بن باز–رحمه الله– والشيخ عبدالرزاق عفيفي –رحمه الله– والشيخ محمد بن عثيمين –رحمه الله– والشيخ صالح الفوزان –حفظه الله– والشيخ عبدالله الجبرين –حفظه الله- وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وأبحاث هيئة كبار العلماء ثم بحثت عن ما أظنه يحتاجه المسلم في بلاد الغربة، وضميتها لهذا الكتاب.

ثالثاً: رقمت الآيات وعزوتها إلى سورها.

رابعاً: وضعت عناوين للفتاوى التي لا يوجد لها عنوان في الكتاب المطبوع على قدر المستطاع.

خامساً: خرجت الأحاديث وعزوتها إلى مصادرها بشكل مختصر، واستفدت من مصادر الفتاوى وتخريج المُعدّين لهذه الكتب، مع التصرف فيها والحذف والإضافة لتمام الفائدة منها.

سادساً: قمت بترتيب الفتاوى على عدة أقسام وهي:
القسم الأول /  فتاوى العقيدة.
القسم الثاني / فتاوى تتعلق بعيسى –عليه السلام–.
القسم الثالث / فتاوى الدعوة إلى الله.
القسم الرابع / فتاوى القرآن الكريم.
القسم الخامس / فتاوى العين والحسد.
القسم السادس / فتاوى الدعاء.
القسم السابع / فتاوى الطهارة.
القسم الثامن / فتاوى الصلاة.
القسم التاسع / فتاوى الجنائز.
القسم العاشر / فتاوى الزكاة والصدقة.
القسم الحادي عشر / فتاوى الصيام.
القسم الثاني عشر / فتاوى العقيقة والأضحية.
القسم الثالث عشر /  فتاوى النكاح.
القسم الرابع عشر  / فتاوى الشهادة.
القسم الخامس عشر/ فتاوى الأطعمة والذبائح.
القسم السادس عشر / فتاوى تتعلق بالنساء.
القسم السابع عشر / فتاوى البيوع.
القسم الثامن عشر / فتاوى متنوعة.

سابعاً: وضعت فهرس للموضوعات.

وقد حرصت قدر الإمكان على أن يأتي هذا الكتاب شاملاً لأكثر ما يمكن من الفتاوى التي تهم المسلم في بلد الغربة، بحيث يكون له هذا السِفْرُ أنيساً له في ذلك السَفَرُ، وواحة غناء يتفيء في ظلالها ويستقي من عذب ماءها ويستنشق طيب عبيرها، ولا أدعي أنني قد أوفيت بذلك تماماً، فالكمال لله وحده، ولابد لمن نظر فيه أن يجد فيه نقصاً واختلافاً، فإن الله عز وجل قال: "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا" [النساء: 82].

وقد ورد أن الإمام الشافعي –رحمه الله– لما فرغ من كتابه العظيم (الأم) سأل الناس عن الكتاب فأثنوا خيراً، فقال: «لابد أن تجدوا فيه اختلافاً» ثم استدل بالآية السابقة، وقال البيساني: « إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً إلا قال في غده: لو غُيِّر هذا لكان هذا أحسن، ولو زيد كذا لكان يُستحسن، ولو قُدم هذا لكان أفضل، ولو تُرك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر».

لذا فقد توكلت على الله تعالى، ورأيت إخراج الكتاب في صورته الحالية، وإن كان هناك فصول أخرى تنقصه، فإن موضوع الفتاوى لا يكاد ينتهي، وأرجو من القاري ألا يشدِّد عليَّ إن رأى عيباً أو نقصاً، فقد اجتهدت قدر طاقتي.

ولكن عذري أنني بشر، وأن النقص والعيب والسهو والنسيان من لوازم البشرية، غير أنني بذلت جهدي وطاقتي، فإن أكن قد وفقت فذلك من فضل الله تعالى وكرمه، ولا أتوجه بالحمد والشكر إلا إليه.

هو ولي ذلك وأهله سبحانه وتعالى، لا يهدي للخير إلا هو، ولا يعصم من الشر إلا هو.

وإن أكن قد زللت، أو قصرت، أو فاتني أشياء، فإن ذلك من ضعف نفسي ونقصانها، وشرع الله مبرأ منه، وأسأل الله أن يغفر لي ولوالدي ولمشايخي ولجميع المسلمين، وأن يتقبل هذا العمل، وأن يجعله خالصاً لوجهه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
متعب بن عبد الله بن عبد الله القحطاني
الدمام في 28/ 7/ 1426هـ
ص. ب 204
أبومعن 31913

----------------
فتـــاوى العقيــدة
----------------
حكم أكل طعام عيد النصارى
س1 ما حكم أكل الطعام الذي يعد من أجل عيد النصارى؟ وما حكم إجابة دعواتهم عند احتفالهم بمولد المسيح عليه السلام؟

ج: لا يجوز الاحتفال بالأعياد المبتدعة، كعيد الميلاد للنصارى, وعيد النيروز والمهرجان وكذا ما أحدثه المسلمون كالميلاد في ربيع الأول وعيد الإسراء في رجب ونحو ذلك, ولا يجوز الأكل من ذلك الطعام الذي أُعد للاحتفال بتلك الأعياد, ذلك لان إجابتهم تشجيع لهم, وإقرار لهم على تلك البدع، ويكون هذا سبباً في انخداع الجهلة بذلك, واعتقادهم أنه لا بأس به, والله أعلم.
{الكنز الثمين ابن جبرين صـ35}.
*        *        *
معاملة المسلم لغير المسلم
س2 / ما هو الواجب على المسلم تجاه غير المسلم, سواء كان ذمياً في بلاد المسلمين أو كان في بلاده أو المسلم يسكن في بلاد ذلك الشخص غير المسلم.

والواجب الذي أريد توضيحه هو المعاملات بكل أنواعها, ابتداءً من إلقاء السلام وانتهاءً بالاحتفال مع غير المسلم في أعياده, وهل يجوز اتخاذ صديق عمل فقط؟ أفيدونا أثابكم الله.

ج / إن من المشروع للمسلم بالنسبة إلى غير المسلم أموراً متعددة, منها:
أولاً: الدعوة إلى الله عز وجل بأن يدعوه إلى الله ويبين له حقيقة الإسلام, حيث أمكنه ذلك وحيث كانت لديه البصيرة, لأن هذا هو أعظم الإحسان وأهم ألاحسان, الذي يهديه المسلم إلى مواطنه, والى من اجتمع به من اليهود أو النصارى أو غيرهم من المشركين لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "مَنْ دَلَّ على خير فله مثل أجر فاعله" رواه الإمام مسلم في صححه.

وقوله عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر, وأمره إن يدعوا إلى الإسلام قال: "فوالله لأن يهدى الله بك رجلاً خير لك من حمر النعم" متفق على صحته, وقال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور مَنْ تبعه, لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً, ومَنْ دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام مَنْ تبعه, لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً" رواه مسلم في صحيحة, فدعوته إلى الله وتبليغه الإسلام, ونصيحته في ذلك من أهم المهمات ومن أفضل القربات.

ثانياً: لا يجوز أن يظلمه في نفس ولا في مال ولا في عرض, إذا كان ذمياً أو مستأمناً أو معاهداً فإنه يؤدي إليه الحق فلا يظلمه في ماله لا بالسرقة ولا بالخيانة ولا بالغش ولا يظلمه في بدنه لا بضرب ولا بغيره, لأن كونه معاهداً أو ذمياً في البلد أو مستأمناً يعصمه.

ثالثاً: لا مانع من معاملته في البيع والشراء والتأجير ونحو ذلك, فقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه اشترى من الكفار عباد الأوثان واشترى من اليهود وهذه معامله, وقد توفي عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام اشتراه لأهله.

رابعاً: في السلام لا يبدؤه بالسلام, لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام" خرَّجه مسلم في صحيحه, وقال: "إذا سلّم عليكم أهل الكتاب, فقولوا: وعليكم" فالمسلم لا يبدأ الكافر بالسلام, ولكن يرد عليه بقوله (وعليكم) لقول النبي –عليه الصلاة والسلام-: "إذا سلّم عليكم أهل الكتاب، فقولوا: وعليكم" متفق على صحته، هذا من الحقوق المتعلقة بين المسلم والكافر.

ومن ذلك أيضاً حسن الجوار إذا كان جاراً تحسن إليه ولا تؤذيه في جواره, وتتصدق عليه إذا كان فقيراً, تهدى إليه وتنصح له فيما ينفعه, لأن هذا مما يسبب رغبته في الإسلام ودخوله فيه, ولأن الجار له حق, قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه" متفق على صحته, وإذا كان الجار كافراً كان له حق الجوار وإذا كان قريباً وهو كافر صار له حقان حق الجوار وحق القرابة.

ومن المشروع للمسلم أن يتصدق على جاره الكافر وغيره من الكفار غير المحاربين من غير الزكاة، لقوله تعالى: "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" الممتحنة: 8.

وللحديث الصحيح عن أسماء بنت أبي بكر –رضي الله عنهما– أن أمها وفدت عليها بالمدينة في صلح الحديبية وهي مشركة تريد المساعدة فاستأذنت أسماء النبي (صلى الله عليه وسلم) في ذلك: هل تصلها؟ فقال: «صليها» ا.هـ.

أما الزكاة فلا مانع من دفعها للمؤلفة قلوبهم من الكفار، لقول الله عز وجل: "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " التوبة: 60.

أما مشاركة الكفار في احتفالاتهم بأعيادهم فليس للمسلم أن يشاركهم في ذلك.
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، ابن باز 6 / 364.