منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الفصل الرابع: الأزهر في ظلال الفاطميين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49184
العمر : 72

الفصل الرابع: الأزهر في ظلال الفاطميين Empty
مُساهمةموضوع: الفصل الرابع: الأزهر في ظلال الفاطميين   الفصل الرابع: الأزهر في ظلال الفاطميين Emptyالسبت 02 أبريل 2016, 12:50 am

الفصل الرابع: الأزهر في ظلال الفاطميين
--------------------------------------
تمهيد:
مما تقدم نعلم أن الأزهر بدىء في بنائه في 24 جمادى الأولى عام 359 ه‍-إبريل 970 م، وافتتح للصلاة في يوم الجمعة 7 رمضان 361 ه‍: 972 م، وبدأ نظام الحلقات العلمية فيه من عام 365 ه‍: 976 م، وصار جامعة إسلامية كبيرة من عام 378 ه‍: 988 م.

وإن الفضل في ذلك يرجع الى المعز وقائده جوهر، ثم إلى أسرة القاضي النعمان الشيعي، ثم إلى الوزير يعقوب بن كلس.

وكان المسجد منذ نشأته يسمى جامع القاهرة باسم العاصمة الجديدة، وقد تكون تسميته بالجامع الأزهر قد تأخرت قليلا عن التسمية الأولى، ويرجح عنان 1 أن اسم «الجامع الأزهر» أطلق عليه بعد إنشاء القصور الفاطمية في عصر العزيز باللّه، فقد كان يطلق عليها اسم القصور الزاهرة، ومنها أطلق على جامع القاهرة وهو مسجد الدولة الرسمي اسم الجامع الأزهر، واستمر مسجد القاهرة الجامع يعرف باسم جامع القاهرة 2أو الجامع الأزهر حتى عصر المقريزي في أوائل القرن التاسع، ثم تقلص الاسم
القديم -جامع القاهرة- شيئا فشيئا وغلب عليه اسم الجامع الأزهر، أو جامع الأزهر حتى عصرنا.
__________
1) 20 تاريخ الجامع الأزهر لعنان

2) ورد في اخبار العزيز باللّه انه أقام طعاما في جامع القاهرة-و هو الأزهر الشريف-لمن يحضر في رجب وشعبان ورمضان.

ولا بد أن يكون الأزهر قد أسهم في الحركة العقلية والعلمية في عصر المعز والعزيز باللّه، وأن يكون أعلام الدين واللغة والأدب قد اتخذوا منه حلقة علمية منظمة.

فلقد جاء قوم من علماء المغاربة في ركب المعز، ومن أشهرهم النعمان بن محمد الذي تولى القضاء في مصر هو وأولاده وأسرته عهدا طويلا في ظلال الحكم الفاطمي، وكانت هذه الأسرة تقوم بالقضاء وبالدعوة والتأليف في المذهب الشيعي، وتتخذ من الأزهر مكانا مختارا لنشاطها العلمي، وكذلك ابن كلس الذي أشرف على تنظيم الأزهر تنظيماً جامعياً علمياً عالياً.

ومن أشهر العلماء الذين شهدوا عصر المعز والعزيز: ابن زولاق المصري المؤرخ 1 (306 - 387 ه‍)، وعبد الغنى المصري (332 - 409 ه‍) وكان حافظ مصر في عصره 2، والحسن بن الهيثم المصري الفيلسوف 3 واشتهر بعد عصر العزيز وتوفي عام 430 ه‍ وابن يونس المصري المنجم المتوفى عام 399 ه‍ 4و الجوفى النحوى المتوفى عام 430 ه‍ 5.  ولا شك أن هؤلاء العلماء وغيرهم قد كانت لهم حلقات في الأزهر.

ومن الأدباء والشعراء في هذا العهد أبو الرقعمق المتوفى عام
__________
1) 238 ج‍ 1 ابن خلكان، 225 - 230 ج‍ 7 معجم الأدباء. . وله كتاب في سيرة المعز وآخر في سيرة العزيز.

2) 547 ج‍ 1 ابن خلكان
3) 114 و115 إخبار العلماء بأخبار الحكماء للقفطي.
4) 85 و86 ج‍ 2 ابن خلكان.
5) 6 ج‍ 2 المرجع نفسه.


399 ه‍ الشاعر 1و ابن وكيع الشاعر المتوفى عام 393 ه‍ 2، والتهامي الشاعر المتوفى عام 416 ه‍ 3و المسبحي المصري الكاتب (366 - 420 ه‍) 4، وأبو القاسم 5عبد الغفار شاعر دولة العزيز والحاكم وقتله الحاكم عام 395 ه‍. . ولا شك أن هؤلاء الأدباء والشعراء كانوا يحفلون بإلقاء ثمرات قرائحهم على تلاميذهم في حلقات الأزهر العلمية الحافلة 6.

الأزهر في عصر الحاكم:
وفي عصر الحاكم 7استمر الأزهر يؤدي مهمته العلمية، وإن كان الأزهر فوجىء بإقامة الخليفة جامعة جديدة سماها «دار الحكمة» أو دار العلم الشهيرة في سنة 395 ه‍- 1005 م.

ولكن الأزهر كان يومئذ بفعل الظروف والتطورات التي أشرنا إليها قد بدأ حياته الجامعية، ومع أن دار الحكمة لبثت مدى حين تنافس الأزهر وتستأثر دونه بالدراسة المتصلة المنظمة، فإنها لم تلبث لصرامة نظمها وإغراق برامجها في الشؤون المذهبية، أن اضطربت أحوالها وضعف نفوذها العلمي، هذا بينما كان الأزهر يسير في سبيل حياته الجامعية الوليدة بخطى بطيئة ولكن محققة، ويسير في نفس الوقت إلى التحرر من أغلال تلك الصبغة المذهبية العميقة التي كادت في البداية أن تقضي على صبغته الجامعية الصحيحة.

وقد وقف الحاكم وقفية على الأزهر ودار الحكمة وغيرها من
المساجد، وجامع الحاكم، وجامع المقس، وجامع راشدة، لإقامة الشعائر الدينية فيها، وصيانة مبانيها.
__________
1) 70 و71 ج‍ 1 المرجع نفسه، 310 - 334 ج 1 اليتيمة

2) 243، 244، ج‍ 1 المرجع نفسه 356 - 384 ج‍ 1 اليتمية.
3) 53 - 55 ج‍ 2 المرجع نفسه
4) 342 - 343 ج‍ 2 المرجع نفسه.
5) 396 ج‍ 3 المرجع نفسه.
6) ويروى أن النساء كن يحضرن في الجامع الأزهر (226 ج‍ 2 الخطط للمقريزي).
7) ولد بالقاهرة عام 375 ه‍ وتولى الخلافة عام 386 ه‍ وقتل عام 411 ه‍.


وهذا هو نص الاشهاد الشرعي على هذه الوقفية:
«هذا كتاب أشهد قاضي القضاة مالك بن سعيد بن مالك الفارقي على جميع ما نسب اليه مما ذكر، ووصف فيه، من حضر من الشهود في مجلس حكمه وقضائه بفسطاط مصر في شهر رمضان سنة اربعمائة، أشهدهم وهو يومئذ قاضي عبد اللّه ووليه المنصور أبي علي الحاكم بأمر اللّه أمير المؤمنين ابن الامام العزيز باللّه صلوات اللّه عليهما، على القاهرة المعزية ومصر والاسكندرية والحرمين حرسهما اللّه، وأجناد الشام والرقة والرحبة ونواحي المغرب وسائر أعمالهن، وما فتحه اللّه ويفتحه لأمير المؤمنين من بلاد الشرق والغرب، بمحضر رجل متكلم - أنه صحت عنده معرفة المواضع الكاملة والحصص الشائعة التي يذكر جميع ذلك ويحدد هذا الكتاب، وأنها كانت من أملاك الحاكم إلى أن حبسها على الجامع الأزهر بالقاهرة المحروسة، والجامع براشدة والجامع بالمقس، اللذين أمر بإنشائهما وتأسيس بنائهما، وعلى دار الحكمة بالقاهرة المحروسة التي وقفها، والكتب التي فيها قبل تاريخ هذا الكتاب، منها ما يخص الجامع الأزهر والجامع براشدة ودار الحكمة بالقاهرة المحروسة مشاعاً جميع ذلك غير مقسوم: ومنها ما يخص الجامع بالمقس على شرائط يجري ذكرها. فمن ذلك ما تصدق به على الجامع الأزهر بالقاهرة المحروسة، والجامع براشدة ودار الحكمة بالقاهرة المحروسة، جميع الدار المعروفة بدار الضرب وجميع القيسارية المعروفة بقيسارية الصوف وجميع الدار المعروفة بدار الخرق الجديدة الذي كله بفسطاط مصر.

ومن ذلك ما تصدق به على جامع المقس جميع أربعة الحوانيت والمنازل التي علوها والمخزنين الذي ذلك كله بفسطاط مصر بالراية، في جانب العرب من الدار المعروفة كانت بدار الخرق، وهاتان الداران المعروفتان بدار الخرق في الموضع المعروف بحمام الفار.

ومن ذلك جميع الحصص الشائعة من أربعة الحوانيت المتلاصقة التي بفسطاط مصر بالراية أيضا بالموضع المعروف بحمام الفار، وتعرف هذه الحوانيت بحصص القيسي بحدود ذلك كله وأرضه، وبنائه وسفله وعلوه وغرفه ومرتفقاته وحوانيته وساحاته وطرقه وممراته، ومجاري مياهه، وكل حق هو له داخل فيه وخارج عنه، وجعل ذلك كله صدقة موقوفة محرمة محبسة بتة، لا يجوز بيعها ولا هبتها ولا تمليكها، باقية على شروطها، جارية على سبلها المعروفة في هذا الكتاب، لا يوهنها تقادم السنين ولا تغير بحدوث حدث، ولا يستثنى فيها ولا يتأول، ولا يستفتى بتجدد تحبيسها مدى الأوقات، وتستمر شروطها على اختلاف الحالات حتى يرث اللّه الأرض والسماوات، على أن يؤجر ذلك في كل عصر من ينتهي اليه ولايتها ويرجع إليه أمرها بعد مراقبة اللّه واجتلاب ما يوفر منفعتها من إشهارها عند ذوي الرغبة في إجارة أمثالها؛ فيبتدأ من ذلك بعمارة ذلك على حسب المصلحة وبقاء العين ومرمته، من غير إجحاف بما حبس ذلك عليه، وما فضل كان مقسوماً على ستين سهماً.

من ذلك الجامع الأزهر بالقاهرة المحروسة المذكور في هذا الاشهاد الخمس والثمن ونصف السدس ونصف التسع، يصرف ذلك فيما فيه عمارته ومصلحته، وهو من العين المعزى الوازن ألف دينار واحدة وسبعة وستون دينارا ونصف دينار وثمن دينار، ومن ذلك للخطيب بهذا الجامع أربعة وثمانون دينارا، ومن ذلك لثمن ألف ذراع حصر عبدانية تكون عدة له بحيث لا ينقطع من حصره عند الحاجة إلى ذلك، ومن ذلك لثمن ثلاثة عشر ألف ذراع حصر مظفورة لكسوة هذا الجامع في كل سنة عند الحاجة إليها مائة دينار واحدة وثمانية دنانير، ومن ذلك لثمن ثلاثة قناطير زجاج وفراخها اثنا عشر دينارا ونصف وربع دينار، ومن ذلك لثمن عود هندي للبخور في شهر رمضان وأيام الجمع مع ثمن الكافور والمسك وأجرة الصانع خمسة عشر دينارا، ومن ذلك لنصف قنطار شمع بالفلفلي سبعة دنانير.

ومن ذلك لكنس هذا الجامع ونقل التراب وخياطة الحصر وثمن الخيط وأجرة الخياطة خمسة دنانير ومن ذلك لثمن مشاقة لسرج القناديل عن خمسة وعشرين رطلا بالرطل الفلفلي دينار واحد، ومن ذلك لثمن فحم للبخور عن قنطار واحد بالفلفلي نصف دينار، ومن ذلك لثمن إردبين ملحا للقناديل ربع دينار ومن ذلك ما قدر لمؤنة الناس والسلاسل والتنانير والقباب التي فوق سطح الجامع أربعة وعشرون دينارا، ومن ذلك لثمن سلب ليف وأربعة أحبل وست دلاء أدم نصف دينار، ومن ذلك لثمن قنطارين خرقا لمسح القناديل نصف دينار.

ومن ذلك لثمن عشر قفاف للخدمة وعشرة أرطال قنب لتعليق القناديل، ولثمن مائتي مكنسة لكنس هذا الجامع دينار واحد وربع دينار، ومن ذلك لثمن أزيار فخار تنصب على المصنع ويصب فيها الماء مع أجرة حملها ثلاثة دنانير، ومن ذلك لثمن زيت وقود هذا الجامع راتب السنة ألف رطل ومائتا رطل مع أجرة الحمل سبعة وثلاثون دينارا ونصف، ومن ذلك لأرزاق المصلين يعنى الأئمة وهم ثلاثة وأربعة قومة، وخمسة عشر مؤذنا خمسمائة دينار وستة وخمسون دينارا ونصف، منها للمصلين، ولكل رجل منهم ديناران وثلثا دينار في كل شهر من شهور السنة، والمؤذنون والقومة ولكل رجل منهم ديناران في كل شهر، ومن ذلك للمشرف على هذا الجامع في كل سنة أربعة وعشرون دينارا.

ومن ذلك لكنس المصنع بهذا الجامع ونقل ما يخرج منه من الطين والوسخ دينار واحد، ومن ذلك لمرمة ما يحتاج إليه في هذا الجامع في سطحه وأترابه وحياطته وغير ذلك مما قدر لكل سنة ستون دينارا، ومن ذلك لثمن مائة وثمانين حمل تبن ونصف حمل جارية لعلف رأسي بقر للمصنع الذي لهذا الجامع ثمانية دانانير ونصف وثلث دينار، ومن ذلك للتبن لمخزن يوضع فيه بالقاهرة أربعة دنانير، ومن ذلك لثمن فدانين قرط لتربيع رأسي البقر المذكورين في السنة سبعة دنانير، ومن ذلك لأجرة متولي العلف وأجرة السقا والحبال والقواديس وما يجري مجرى ذلك خمسة عشر دينارا ونصف، ومن ذلك لأجرة قيم الميضأة إن عملت بهذا الجامع اثنا عشر دينارا».

وإلى هنا انقضى حديث الجامع الأزهر، وأخذ في ذكر الجامع براشدة، ودار العلم، وجامع المقس، ثم ذكر أن تنانير الفضة ثلاثة تنانير وتسعة وثلاثون قنديلا من الفضة، فللجامع الأزهر تنوران وسبعة وعشرون قنديلا، ومنها لجامع راشدة تنور واثنا عشر قنديلا، وشرط أن تعلق في شهر رمضان، وتعاد إلى مكان جرت العادة أن تحفظ فيه.

وشرط بعد ذلك في الوقف شروطا كثيرة ليس هنا مقام ذكرها وقد أسس الحاكم جامعه المشهور عام 393 ه‍، وخطب فيه وصلى فيه بالناس الجمعة وكانت دار الحكمة التي أنشأها يدرس فيها علوم القرآن واللغة والفلك والطب والرياضة والتنجيم وغيرها. واجتذبت الجامعة الجديدة إليها كثيرا من أعلام المشرق كالرحالة الفارسي ناصرى خسرو، ولبثت دار الحكمة تنافس الأزهر مدى قرن من الزمان، حتى أغلقت.



الفصل الرابع: الأزهر في ظلال الفاطميين 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 02 مايو 2021, 11:39 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49184
العمر : 72

الفصل الرابع: الأزهر في ظلال الفاطميين Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الرابع: الأزهر في ظلال الفاطميين   الفصل الرابع: الأزهر في ظلال الفاطميين Emptyالسبت 02 أبريل 2016, 1:12 am

مشاركة الأزهر في الحياة العقليّة في عصر الفاطميين
--------------------------------------------------
كان للأزهر نشاط ضخم في الحياة العقلية والعلمية في العصر الفاطمي كله حتى نهايته عام 567 ه‍، ولقد جاءت الدولة الفاطمية الى مصر مع نفوذها السياسي بحركة علمية قوية فقدمت حركة العلم والأدب والفن في مصر والشام خطوات، حتى لا يعد شيئا بجانبها ما كان في العهد الطولوني والأخشيدي، ويصح أن توازن بما كان في العراق ولا سيما العلوم العقلية والفلسفية، فقد ازدهرت في مصر وسارت شوطاً بعيداً..

نعم نشطت الحركة العقلية في مصر والشام في هذا العصر نشاطا كبيرا، وذلك بفضل الأزهر ودار العلم وحلقاتهما العلمية؛ وعنيت الدولة بدور الكتب ونشر العلم، وتشجيع العلماء، فظهر الكثير من المؤرخين والفلاسفة والعلماء والرياضيين واللغويين والنحويين والأدباء، ومنهم الأدفوي تلميذ أبي جعفر النحاس 1 المصري؛ الذي توفي عام 388 ه‍، وابن بابشاذ 2، وابن القطاع النحوي م 515 ه‍ 2 المتوفي عام 469 ه‍ وسواهم.

ويقول المقريزي: «ان أول ما درس بالأزهر الفقه الفاطمي على مذهب الشيعة» ولقد كان ممن القى محاضراته في الأزهر المؤيد
الشيرازي داعي الدعاة الذي ناظر فيها المعري في عهد المستنصر الخليفة الفاطمي، وكان الشيرازي شاعراً كتب إلى المستنصر لما حسده الحسَّاد باحتجاب الخليفة عنه بعد قدوم الشيرازي إلى مصر:
__________
1) توفي ابو جعفر النحاس عام 338 ه‍ (228 ج‍ 1 حسن المحاضرة).

2) 228 ج‍ 1 حسن المحاضرة.


كتب المؤيد الشيرازي:
أقسم لو أنك توجتني بتاج كسرى ملك المشرق
وأنلتني كل أمور الورى من قد مضى منهم ومن قد بقي
وقلت ان لا نلتقي ساعة أجبت يا مولاي أن نلتقي
لأن إبعادك لي ساعة شيب فودىّ مع المفرق


فأجاب المستنصر باللّه بخطه:
يا حجة مشهورة في الورى وطود علم أعجز المرتقى
ما غلفت دونك أبوابنا إلا لأمر مؤلم مقلق
ولا حجبناك ملالا فثق بودنا وارجع الى الأليق
خفنا على قلبك من سمعه فصدنا صد أب مشفق
شيعتنا قد عدموا رشدهم في الغرب يا صاح وفي المشرق
فانشر لهم ما شئت من علمنا وكن لهم كالوالد المشفق
إن كنت في دعوتنا آخرا فقد تجاوزت مدى السبق
مثلك لا يوجد فيمن مضى من سائر الناس ولا من بقى


وللشيرازي محاضراته التي ألقاها في الأزهر مناظراً أبا العلاء المعري، وله مؤلفات أخرى عدا سيرته وديوانه ومحاضراته، منها: كتاب الابتداء والانتهاء، وكتاب المسألة والجواب، وكتاب نهج العبادة، وشرح المعاد، والمسائل السبعون، ونهج الهداية للمهتدين، وأساس التأويل بالفارسية، والسبح السبع، والإيضاح والتبصير في فضل يوم القدير، وتأويل الأرواح، والمجالس المستنصرية.
وقد لاحظنا أن هذه المحاضرات القصيرة، إنما كانت ملخصا لدروس طويلة فيما يظهر فلعله كان يكتبها بعد إلقاء الدرس وتفهيمه على سبيل التسجيل والحفظ، لنكت هامة لينتفع القارىء، كما استفاد السامع.

وهذه هي المحاضرة الأولى من محاضراته:
الحمد للّه الذي نظم بين الانسان والبهائم أن خلقهم من طين، ثم جعل نسلهما من ماء مهين، ثم اقتضت العناية الإلهية أن رمى في أخلاط الصورة الإنسانية من إكسير العقل بلغة أهل صنعة الكيمياء، ما عرج به أعلا المعارج من الفضل والعلياء، فصار ممن قال اللّه سبحانه فيه -ومن أصدق منه قيلاً؟- وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي اَلْبَرِّ وَاَلْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ اَلطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً، فاستنزل بتدبيره الطير من الهواء واستخلص الحدث من لج الماء، واستعبد أجناس الحيوان طيراً وبهائم وسباعاً، فمنها ما انتفع بلحومها، ومنها ما استمتع بجلودها وأصوافها وأوبارها استمتاعاً، وجعل الفلك المحيط على عظم فضائه محصورا في سرادق فكره، بدل كون جسمه بالكون والفساد محصورا في سرادق ملكته وأسره، فهذا منفوعه الذي نفعه اللّه به في الدار الأولى، ثم جعله سلما يرتقي به إلى دائم البقاء في الدار الأخرى.

فلولا نور استبصاره بالعقل، لما كانت رسالة عن مرسل تقبل، ولا أمر عن مرسل يؤخذ ويتحمل، ولا نفس بمعرفة توحيد اللّه سبحانه ترتسم وتنير، ولا لسان بمعارف الآخرة بين اللهوات يدور. وصلى اللّه على محمد خير رسول، استنار بنور سراجه، وسار على واضح منهاجه، وعلى وصيه الذي عرج به من أفق المجد إلى أعلا معراجه، وعلى آله الداعين إلى عذب المشرب وفراته، الناهين عن ملحه وأجاجه.

معشر المؤمنين:
جعلكم اللّه ممن استنارت بنور العقل قلوبهم، وتجافت عن مضاجع الجهل جنوبهم، إن قوما من الآخذين الدين بالعادات، والجارين فيه على آثار الوالدين والوالدات، زعموا أن شرائع الأنبياء عليهم السلام التي هي أسباب النجاة، والطريق إلى دائم الحياة على غير العقل موضوعها.

وفي سوى موقعه وقوعها فلو أنهم أنعموا النظر، وجردوا من شوب العصبية والهوى الفكر، لعلموا أن أحدهم لو قيل له في شيء من خاصة أعماله، وما يصدر عنه من أقواله وأفعاله، إن فعلك هذا على غير أساس العقل موضوعه، ولا من مطالعه طلوعه، لاستشاط من ذلك غضبا، ولقام له مكذبا، وفي مثل هذه المواجهة مستذنبا، فكيف يرضون للأنبياء الذين هم سادات دينهم، والوسائط بينهم وبين ربهم ما لو قابلهم بمثله مقابل لكرهوه، أم كيف لا يعتبرون أن الخطاب في كتاب اللّه كله مع أولي الألباب بقوله اللّه تعالى: «فَاتَّقُوا اَللّهَ يا أُولِي اَلْأَلْبابِ وقوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي اَلْأَلْبابِ، وما يجري مجراه مما كثر وتكرر، وليس يخلو من كون هذه الأوضاع الشرعية ليس لها برهان من العقل عند الرسول عليه السلام، الآتي بها نفسه أو كون البرهان عنده فلم يشعر به، فإن كان لا برهان لها عنده فهو فحش، فلو أن سائلا سأله عن العلة التي اقتضت أن يجعل الصلاة خمسا، ولا يجعلها ستا، فكان يقول لا أدري، لكفاه طعنا أن يأتي بشيء لا يدري العلة فيه إذا سئل عنها، وإن كان لها برهان عند نفسه عقلى -والبرهان مما يجمل الأقوال والأفعال- ثم لم يظهره فلم يقم إذن بحق البلاغ، وهذا منتف عن الرسول عليه السلام، لأنه بلغ وقال في النادي: «اللهم اشهد أني بلغت» وسوى هذا فمعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكلف تكليف الشريعة إلا ذا عقل، فكيف يكلف ذا عقل ما كان موضوعه على غير عقل، لأن ما كان موضوعه على غير عقل، فهو بغير ذي عقل أولى منه بذي عقل، وما السبب في تولية العقل أولا وعزله آخرا؟ ولما لا تكون التولية آخرا ككونها أولا، أو العزل أولا ككونه آخرا؟ وهذا مما لا خفاء به على منصف.

والمعلوم أن الفلاسفة يدعون العلوم العقلية والأمور الحقيقية، وأن المسلمين يكفرونهم مع ذلك، لانقطاعهم عن سبب الرسالة، وقولهم أنهم غنوا عن الأنبياء في معرفة معالم نجاتهم، وأن الحاجة إليهم لسياسة أمور الدنيا فقط، بتحصين الدماء والأموال، ومنع القوي عن الضعيف.

واعتقاد المحققين أن العلوم كلها التي منها العقليات التي يدعونها في علوم الأنبياء اجتمعت، ومنها تشعبت وتفرعت، وتصديقهم قول اللّه سبحانه: "وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ" وقوله جل جلاله: "ما فَرَّطْنا فِي اَلْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ"، فلو أن أحد الفلاسفة قدم على الرسول عليه الصلاة والسلام، يسأله عن الملائكة، والعرش، والكرسي، والجنة، والنار، وأوضاع شريعته: من صلاتها، وزكاتها، وصومها، وحجها، وجهادها، من حيث يدل عليه البرهان العقلي، أكان يقول النبي صلى اللّه عليه وسلّم، لا قبل لي ببرهان ذلك! حاشا للّه..

وقول آخر مأثور عن النبي صلى اللّه عليه وسلّم أنه قال «أول ما خلق اللّه تعالى العقل، فقال له أقبل فأقبل، ثم قال له أدبر فأدبر، ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أجل منك، بك أثيب، وبك أعاقب».. فإن كانت الشرائع على غير العقل موضوعها، فلا ثواب لها ولا عقاب على مقتضى الخبر، «بك أثيب وبك أعاقب».

معشر المؤمنين:
دعو أهل الفرقة والخلاف، فإنهم أشياع غي بقول اللّه تعالى لنبيه صلى اللّه عليه وسلّم: إِنَّ اَلَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ: وتمسكوا في دينكم بالأدلة، واعرفوا المواقيت بالأهلة، وأصلحوا أموالكم، وطهروا سربالكم واحمدوا اللّه تعالى الذي فتح لكم إلى الحقائق أبصارا والناس عنها عمون، وكشف لكم حجبا فأنتم في رياضها تتنعمون.

واجروا في مضمار التائبين العابدين واستشعروا شعار الراكعين الساجدين.

وكونوا دعاة إلى أئمتكم بحسن الأفعال صامتين وقوموا آناء الليل قانتين.

جعلكم اللّه من الذين إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا، وأوزعكم شكر عارفيه، إذ ألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً.
والحمد للّه القاهر سلطانه، الباهر برهانه، العظيم شانه، الواسع إحسانه، وصلى اللّه على محمد المنزل عليه فرقانه، المزلزل للشرك بنيانه، وعلى وصيه مستودع علمه وترجمانه علي بن أبي طالب بيده يد الحق، والناطق بلسانه لسانه، وعلى الأئمة من ذريته المحفوظة بهم حدود الدين وأركانه.. وسلم تسليماً، وحسبنا اللّه ونعم الوكيل.

ولقد أصيبت الحياة العقلية في مصر الإسلامية بكثير من الاضطراب والضعف في أواسط القرن الخامس الهجري كما يقول عنان، أي منذ اضطربت شؤون الخلافة الفاطمية في عهد المستنصر باللّه، ونكبت مصر بالشدة العظمى، وعانت عسف القحط والوباء أعواما طويلة (446 - 464 ه‍)، وشغل المجتمع المصري حينا بما توالى عليه من الأرزاء والمحن، وشغل الخلفاء ورجال الدولة بالتنازع على السلطان وتدبير الانقلابات السياسية العنيفة عن تعهد الحركة الفكرية، وقترت الدولة على معاهد التعليم لنضوب مواردها، وبددت خزائن الكتب أثناء الفتنة وكانت من أنفس وأعظم ما عرف العالم الإسلامي 1..

وكان لهذا الاضطراب أثره في الأزهر ودار الحكمة فركدت حركة الدرس والتحصيل تبعا لركود الحياة العامة واضطراب الحياة الخاصة.

وفي أواخر القرن الخامس في عصر أمير الجيوش بدر الجمالي المتغلب على الدولة (465 - 487 ه‍) وولده الأفضل شاهنشاه (487 - 515 ه‍) عاد النظام والأمن والرخاء الى البلاد، وانتظمت الحياة العامة، واستعادت الحياة الفكرية نشاطها بما أسبغ عليها من الرعاية، وما بذل للإنفاق على معاهد الدرس من الأموال والأرزاق.

ويقول عنان:
كان نظام الحلقات العلمية وقت إنشاء الجامع الأزهر هو نظام الدراسة الممتازة في مصر الإسلامية وفي معظم الأقطار الإسلامية الأخرى، وكان قوام الحياة الجامعية والفكرية في العالم الاسلامي..

وكان طبيعيا أن الأزهر حينما أتيح له أن يدخل هذا الميدان الدراسي، أن تقوم الدراسة فيه وفقا لهذا النظام التقليدي المتوارث.

ولم يك ثمة نظام آخر يمكن التفكير فيه في عصر لم تكن قد عرفت فيه المدارس بعد..

وهكذا بدأت الدراسة في الأزهر في حلقات علمية وأدبية؛ واستمرت كذلك على مر العصور.

وعقدت أول حلقة للدرس بالأزهر في صفر سنة 365 ه‍ كما تقدم، وعقدها قاضي القضاة علي بن النعمان وقرأ فيها مختصر أبيه في فقه آل البيت وهو الكتاب المسمى «الاقتصار» في جمع حافل أثبتت فيه أسماء الحاضرين.

وفي سنة 378 ه‍ أذن العزيز باللّه لوزيره ابن كلس أن يعين بالأزهر جماعة من الفقهاء للدرس والقراءة، وكانوا يعقدون «حلقاتهم» الدراسية بالجامع يوم الجمعة من بعد الصلاة إلى العصر، وهم أول أساتذة أجريت عليهم من الدولة رواتب خاصة حسبما قدمنا.

وفي هذين النصين القديمين ما يوضح لنا نظم الدراسة الأساسية بالأزهر، وهي نظم كان قوامها الحلقة الدراسية، فيجلس الأستاذ ليقرأ درسه في حلقة من تلاميذه والمستمعين اليه، وتنظم الحلقات في الزمان والمكان طبقا للمواد التي تدرس، ويجلس أستاذ المادة من فقه أو حديث أو تفسير أو نحو أو بيان أو منطق أو غيرها في المكان المخصص لذلك من أروقة الجامع أو أبهائه، وأمامه للطلبة والمستمعون يصغون إليه ويناقشونه.
__________
1) الخطط ج 2 ص 354.


وكان الأزهر مذ بدأت فيه الدراسة مفتوح الباب لكل مسلم يقصد إليه الطلاب من مشارق الأرض ومغاربها، وكان يضم بين طلبته دائما إلى جانب الطلاب المصريين عددا كبيرا من أبناء الأمم الاسلامية يتلقون الدراسة، وتجري عليهم الأرزاق، وتقيم كل جماعة منهم في مكان خاص بها.

وهذا هو نظام الأروقة الشهير الذي نعتقد أنه بدأ في عصر مبكر جدا 1، والذي استمر قائما حتى العصر الأخير، وما زالت منه إلى اليوم بقية بالجامع الأزهر. ومعظم سكان الأروقة الباقية اليوم من الطلبة الغرباء.

ويذكر المقريزي أن عدد الطلبة الغرباء الذين كانوا يلازمون الإقامة بالأزهر في الأروقة الخاصة بهم في عصره -أعني في أوائل القرن التاسع- بلغ سبعمائة وخمسين، ما بين «عجم وزيالعة ومن أهل ريف مصر ومغاربة»، وهو رقم كبير يدل على ضخامة العدد الذي كان يضمه الأزهر بصفة عامة من طلاب مصر وطلاب الأمم الإسلامية المختلفة في تلك العصور.
__________
1) يستفاد من أقوال المقريزي أن نظام الأروقة قد بدأ بالأزهر منذ بناء الجامع ذاته (الخطط ج 4 ص 54)


أما مواد الدراسة بالأزهر في هذا العصر فلا ريب -كما يقول عنان- أن علوم الدين واللغة كانت في المقدمة دائما، وكان للعلوم الدينية بنوع خاص أوفر قسط، فعلوم القرآن والحديث والكلام والأصول والفقه على مختلف المذاهب، وكذلك علوم اللغة من النحو والصرف والبلاغة ثم الأدب والتاريخ، هذه كلها كانت زاهرة بالأزهر خلال العصور الوسطى.

وقد كانت الصبغة المذهبية تغلب كما رأينا على الدراسة بالأزهر ولا سيما في بادية عهدها، ولم يك ذلك غريبا في ظل دولة كالدولة الفاطمية نتشح بثوبها المذهبي العميق وكان من الطبيعي أيضا أن تحتل علوم الشيعة وفقه آل البيت من حلقاته الدينية المقام الأول، بيد أنه يمكن أن يقال من جهة أخرى إن هذه الصيغة المذهبية لم تكن دائما مطلقة، ولم تكن دائما لزاما على الطلاب.

ونحن نعرف أن الخلافة الفاطمية على الرغم من استمساكها بصبغتها المذهبية العميقة لم تستطع أن تحشد سواد الشعب المصري إلى جانبها في هذا المضمار، ولم تحاول دائما أن تجري على سياسة الإرغام في طبعه بطابعها، وفي فرض لونها المذهبي على عقائده، بل نراها في أحيان كثيرة تلجأ في ذلك إلى سياسة الرفق والتسامح.

ولنا في ذلك دليل في المرسوم الديني الذي أصدره الحاكم بأمر اللّه -وهو من غلاة الفاطميين- في سنة 398 ه‍ (1008 م) وفيه يقرر بعض الأحكام ويفسرها على أثر ما وقع بين الشيعة وأهل السنة من خلاف في فهمها، ويحاول أن يوفق في ذلك بين المذاهب المختلفة.

وقد جاء فيه بعد الديباجة:
«يصوم الصائمون على حسابهم ويفطرون، ولا يعارض أهل الرؤية فيما هم عليه صائمون ومفطرون، صلاة الخميس للذين بما جاءهم فيها يصلون، وصلاة الضحى وصلاة التراويح لا مانع لهم منها ولا هم عنها يدفعون، يخمس في التكبير على الجنائز المخمسون، ولا يمنع من التكبير عليها المربعون، يؤذن بحي على خير العمل المؤذنون ولا يؤذى من بها لا يؤذنون، لا يسب أحد من السلف ولا يحتسب على الواصف فيهم بما يوصف والخالف فيهم بما خلف، لكل مسلم مجتهد في دينه اجتهاده، وإلى اللّه ربه ميعاده، وعنده كتابه وعليه حسابه.

ليكن عباد اللّه على مثل هذا عملكم منذ اليوم، لا يستعلى مسلم على مسلم بما اعتقده، ولا يعترض معترض على صاحبه فيما اعتمد، من جميع ما نصه أمير المؤمنين في سجله هذا، وبعده قوله تعالى: "يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ إِلَى اَللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" 1.

وكانت الدراسة في دار الحكمة ذاتها وهي الجامعة الفاطمية المذهبية حرة تدرس فيها علوم السنة إلى جانب علوم الشيعة، وقد تحررت كثيرا من صبغتها المذهبية حينما أعيدت بعد إغلاقها في عهد الخليفة الآمر بأحكام اللّه، فمن الواضح إذا أن الدراسة بالأزهر كانت حتى في الوقت الذي يشتد فيه تيار الدعوة المذهبية تحظى دائما بقسط من الحرية يزيد أو ينقص وفقا للظروف والأحوال.

وكانت دار الحكمة تستأثر بعد ذلك بتدريس العلوم الدينية، بيد أن هذه الصبغة المذهبية خفت وطأتها.. وأخذ الأزهر بنصيبه من العلوم بجانب الدين.

هذا وأما عن الكتب الدراسية التي كانت تدرس بالأزهر في العصر الفاطمي، فليس لدينا أيضا سوى إشارات موجزة جدا وأول كتاب درس بالأزهر هو كتاب «الاقتصار» الذي وضعه أبو حنيفة النعمان بن محمد القيرواني قاضي المعز لدين اللّه في فقه آل البيت، وكان يتولى قراءته وتدريسه بالأزهر ولده أبو الحسين علي بن النعمان كما قدمنا.

واستمر في قراءته مدى حين على يد بني النعمان الدين تعاقبوا في قضاء مصر حتى نهاية القرن الرابع.
__________
1) راجع نص هذا المرسوم بأكمله في ابن خلدون ج‍ 4 ص 60


وكان للنعمان القيرواني كتب أخرى في فقه الإمامية (الشيعة) ذكر ابن زولاق مؤرخ المعز لدين اللّه أسماءها وهي كتاب «دعائم الإسلام»، الذي عنى بتدريسه في الأزهر فيما بعد عناية خاصة، وكتاب «اختلاف أصول المذاهب» وكتاب «الأخبار» وكتاب اختلاف الفقهاء» ومن المرجح أنها كانت تقرأ أو تدرس بالأزهر إلى جانب كتاب «الاقتصار» حتى أواخر القرن الرابع 1.

وقد انتهى إلينا بعض هذه المؤلفات الشيعية التي افتتحت بها الدعوة إلى دراسة فقه الإمامية بمصر.

ويوجد بدار الكتب المصرية نسخة مصورة من المجلد الأول من كتاب «دعائم الإسلام»، وعنوانه الكامل «دعائم الإسلام في الحلال والحرام والقضايا والأحكام، من أهل بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم».

ويقول النعمان القيرواني في ديباجته: «إنه لما اضطربت الأحكام واختلفت المذاهب وانقلبت أوضاعها، رأى عملا بقول رسول اللّه (صلى الله عليه وسلم): «إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه» أن يضع كتاباً جامعاً مختصراً بما جاء عن الأئمة من أهل بيت رسول اللّه (صلى الله عليه وسلم)، من جملة ما اختلف فيه الرواة عنهم في دعائم الإسلام، وذكر الحلال والحرام، والقضايا والأحكام، وهذه الدعائم حسبما ورد عن الإمام جعفر ابن محمد الصادق هي «الولاية والطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد»، وهي الموضوعات التي يتناولها المجلد الأول من الكتاب.

وتوجد بدار الكتب نسخة مصورة قديمة من كتاب «الأخبار» أو «شرح الأخبار»، وقد ذكر النعمان القيراني موضوعه وطريقة تأليفه في مقدمته فيما يأتي، «آثرت منه الأخبار وجمعت منه الآثار في فضل الأئمة الأبرار حسبما وجدته؛ وغاية ما أمكنني واستطعته؛ فصححت ما بسطته في كتابي هذا وألفته، بأن عرضته على ولي الأمر وصاحب الزمان والعصر، مولاي المعز لدين اللّه أمير المؤمنين عليه السلام وعلى سلفه وخلفه، وأثبت منه ما أثبته وصح عنده وعرفه وأثره عن الأئمة الطاهرين وأجاز لي سماعه منه، وبأن أرويه لمن يأخذه عني وعنه عليه السلام، فبسطت في هذا الكتاب ما أثبته وأجازه وعرفه، وأسقطت ما أنكره من ذلك، وذلك مما نسبه إلى أهل الحق المبطلون وحرف من قولهم المحرفون».
__________
1)    ابن خلكان ج 2 ص 319



الفصل الرابع: الأزهر في ظلال الفاطميين 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 02 مايو 2021, 11:40 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49184
العمر : 72

الفصل الرابع: الأزهر في ظلال الفاطميين Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الرابع: الأزهر في ظلال الفاطميين   الفصل الرابع: الأزهر في ظلال الفاطميين Emptyالسبت 02 أبريل 2016, 1:25 am

ثم قرىء بالأزهر كتاب ألفه الوزير ابن كلس في الفقه الشيعي على مذهب الإسماعيلية مما سمعه في ذلك من المعز لدين اللّه والعزيز باللّه، وهو المعروف بالرسالة الوزيرية؛ وكان يجلس لقراءته وتدريسه بنفسه حسبما قدمنا، وأفتى الناس بما فيه 1.

فالكتب الأولى التي قررت للتدريس بالأزهر هي كتب اشتقت من المصادر المذهبية الرسمية أعني من أولياء الخلافة الفاطمية ذاتها، وكان لها صبغة رسمية واضحة.

وكان التدريس بالأزهر يجري يومئذ على مذهب الشيعة بصفة رسمية، وشدد في ذلك بادىء ذي بدء حتى إنه في سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة في عهد العزيز باللّه، قبض على رجل وجد عنده كتاب «الموطأ» للإمام مالك، وجلد من أجل إحرازه 2.

وفي سنة ست عشرة وأربعمائة، أمر الخليفة الظاهر لإعزاز دين اللّه ولد الحاكم بأمر اللّه بأن يدرس الدعاة للناس كتاب «دعائم الإسلام» وكتاب «مختصر الوزير» ورتب لمن يحفظهما مالا 3 والدعاة هم أساتذة دار الحكمة وقد كانوا يجلسون للتدريس بالجامع الأزهر في أحيان كثيرة 4 وقد عرفنا موضوع كتاب «دعائم الإسلام» وعرفنا مؤلفه.
__________
1) راجع الاشارة الى من نال الوزارة لابن الصيرفي في ص 23، وابن خلكان ج‍ 2 ص 441، والخطط ج‍ 4 ص 157

2) الخطط ج‍ 4 157.
3) الخطط ج‍ 2 ص 169
4) الخطط ج‍ 3 ص 226، تاريخ ابن ميسر ص 64.


أما «مختصر الوزير» فيلوح لنا أنه هو مؤلف ابن كلس أعني «الرسالة الوزيرية».

والمرجح أن كثيرا من الكتب الفقهية التي كانت تدرس بدار الحكمة كانت تدرس أيضا بالأزهر كما يقول عنان، وإن كنا لم نعثر على نصوص أو بيانات أخرى تلقي ضوءا على أنواع الكتب التي كانت تدرس بالأزهر في هذا العصر في العلوم الأخرى.

وكانت تشمل مصنفات أعلام الأساتذة المعاصرين الذين انتهت إليهم الرياسة في بعض العلوم أو الذين تولوا التدريس بالأزهر يومئذ، مثل العلامة أبي الحسن علي بن إبراهيم الحوفي إمام العربية والنحو وصاحب كتاب إعراب القرآن وابن بابشاذ النحوي صاحب كتاب «المقدمة» «و شرح الجمل»، وابن القطاع اللغوي صاحب كتاب «الافعال»، وأبي محمد عبد اللّه بن بري المصري إمام اللغة في عصره، وأبي العباس أحمد بن هاشم المحدث والمقرىء، وأبي القاسم الرعيني الشاطي إمام القراءات وصاحب القصيدة الشهيرة في علم القراءات «حرز الأماني ووجه التهاني» 1، وغيرهم ممن انتهت إليهم الرياسة في هذا العصر، واعتبرت مصنفاتهم متونا ومراجع. بل لقد لبثت مصنفات بعض أولئك الأئمة تدرس بالأزهر حتى العصر الأخير مثل قصيدة الشاطبي في القراءات.

على أن كثيرا من الكتب التي ألفت ودرست في هذا العهد، قد دثر بانتهاء الدولة الفاطمية وحرص الدولة الأيوبية التي خلفتها، على محو رسومها وآثارها.

هذا وقد عنيت الدولة الفاطمية عناية خاصة باقتناء الكتب وإنشاء المكتبات العظيمة، وكان بالقصر الفاطمي مكتبة جامعة يفيض المؤرخون كما يقول عنان في وصف عظمتها ونفاسة محتوياتها، وكان بها ما يزيد على مائتي ألف مجلد في سائر العلوم والفنون، في الفقه والحديث واللغة والتاريخ والأدب والطب والكيمياء والفلك وغيرها.
__________
1) توفي الحوفي سنة 430 ه‍ وابن بابشاذ سنة 469 ه‍ وابن القطاع سنة 515 ه‍ وابن بري سنة 499 ه‍ وابن هاشم سنة 445 ه‍. والشاطبي سنة 590 ه‍.


وقال ابن أبي طي بعد ما ذكر استيلاء صلاح الدين على القصر «و من جملة ما باعوه خزانة الكتب، وكانت من عجائب الدنيا، ويقال إنه لم يكن في جميع بلاد الإسلام دار كتب أعظم من التي كانت بالقاهرة في القصر» 1.

وكان بدار الحكمة مكتبة أخرى يرجع إليها الأساتذة والطلاب، وبها عدد كبير من الكتب الفلسفية والرياضية والروحانية وغيرها مما يتصل بدروس الحكمة 2.

وكانت في الواقع خلفا لمكتبة الاسكندرية الشهيرة، وكان للجامع الأزهر مكتبة خاصة به، وكانت المساجد الجامعة تزود في هذه العصور بمجموعات من الكتب ولا سيما كتب الحديث والفقه.

ولكن يوجد ثمة ما يدل على أن الأزهر كان له من خزائن الكتب نصيب حسن، وكانت له مكتبة كبيرة ذات أهمية خاصة، فإن ابن ميسر يقول في أخبار سنة 517 ه‍ إنه قد أسند إلى داعي الدعاة أبي الفخر صالح منصب الخطابة بالجامع الأزهر مع خزانة الكتب 3؛ وإسناد الإشراف على خزانة الكتب إلى داعي الدعاة، وهو أكبر رئيس ديني بعد قاضي القضاة، دليل على قيمتها وأهميتها.

وكان في مقدمة الأساتذة المدرسين في الأزهر بنو النعمان قضاة مصر، فكان القاضي أبو الحسن علي بن النعمان أول من درس بالأزهر، وكان فوق تضلعه في فقه آل البيت أديباً شاعراً، وتوفي سنة 374 ه‍.
__________
1) الخطط ج‍ 2 ص 253 - 255. ولعله لم يفق المكتبة الفاطمية في ضخامتها سوى مكتبة قرطبة الشهيرة التي بلغت ذروتها في عهد الحكم المستنصر باللّه. وقدر ما بها يومئذ من الكتب بستمائة ألف مجلد.

2) الخطط ج‍ 2 ص 254، و334.
3) أخبار مصر لابن ميسر ص 64

ودرس بالأزهر أيضاً أخوه القاضي محمد بن النعمان المتوفى سنة 389 ه‍، ثم ولده الحسين بن النعمان قاضي الحاكم بأمر اللّه 1.

ومن المرجح أن فقيه مصر ومؤرخها الكبير الحسن بن زولاق (المتوفى سنة 387 ه‍)، كان من الذين تولوا الدراسة بالأزهر يومئذ، فقد كان صديق المعز لدين اللّه ومؤرخ سيرته، ثم صديق ولده العزيز من بعده.

ومن المعقول أن يقع الاختيار عليه للتدريس بالمعهد الفاطمي الجديد، كما يقول عنان.

وهناك من أعلام الفكر والأدب في هذا العصر من كانت لهم صلة علية بالأزهر فتلقوا دراستهم كما يقول عنان أو تولوا التدريس فيه، فمنهم المسبحي الكاتب والمؤرخ الشهير، وهو الأمير المختار عز الملك محمد ابن عبد اللّه بن أحمد الحراني، ولد بمصر سنة 366 ه‍، وتوفي سنة 420 ه‍. وكان من أقطاب الأمراء والعلماء، تولى الوزارة للحاكم بأمر اللّه ونال حظوة لديه، وأخذ بقسط في مختلف علوم عصره، ومن المعقول أن يكون المسبحي وهو من أولياء الفاطمية وأقطاب علمائها من أساتذة المعهدين الفاطميين: دار الحكمة والأزهر.

وشغف المسبحي بتدوين التاريخ وألف فيه عدة كتب منها تاريخه الكبير المسمى «أخبار مصر»، وهو أثر ضخم يتناول تاريخ مصر وما بها من الأبنية والعجائب، وذكر نيلها وأقاليمها ومجتمعاتها حتى أوائل القرن الخامس الهجري، ولم يصلنا هذا الأثر الذي يلقى بلا ريب أعظم ضوء على تاريخ الدولة الفاطمية في عصرها الأول، ولكن الشذور التي وصلتنا منه على يد المقريزي وغيره من المؤرخين المتأخرين تنوه بقيمة هذا الأثر ونفاسته.

وكتب المسبحي كتبا أخرى في التاريخ والأدب والفلك ولكنا لم نتلق شيئا منها 2.

ومنهم أبو عبد اللّه القضاعي الفقيه والمحدث والمؤرخ، وهو محمد ابن سلامة بن جعفر، ولد بمصر في أواخر القرن الرابع، وتوفي بها سنة 454 ه‍.
__________
1) ابن خلكان ج‍ 2 ص 219 - 223. وحسن المحاضرة ج‍ 1 ص 268، وذيل قضاة مصر (ملحق كتاب الكندي) ص 589 و610 و611.

2) راجع في ترجمة المسبحي، ابن خلكان ج 1 ص 653 وحسن المحاضرة ج‍ 1 ص 265.


وكان من أقطاب الحديث والفقه الشافعي، تولى القضاء وغيره من مهام الدولة في عهد الخليفة المستنصر باللّه الفاطمي، وأوفده المستنصر سفيراً إلى تيودورا قيصرة قسطنطينية سنة 447 ه‍ (1055 م) ليحاول عقد الصلح بينها وبين مصر، وكتب عدة مصنفات في الحديث والفقه والتاريخ منها «الشهاب» و «مسند الأصحاب» وهما في الحديث وكتاب «مناقب الإمام الشافعي» و «أبناء الأنبياء» و «عيون المعارف» وهما مختصران في التاريخ، وكتاب «المختار في ذكر الخطط والآثار» وهو تاريخ مصر والقاهرة حتى عصره 1.

ومنهم الحوفي النحوي اللغوي، وهو أبو الحسن علي بن إبراهيم ابن سعيد وكان من أئمة اللغة في عصره، واشتغل مدة طويلة بالتدريس في مصر والقاهرة، وألف كتبا كثيرة في النحو والأدب، منها كتاب «إعراب القرآن» وكانت وفاته في سنة 430 ه‍.
ومنهم أبو العباس أحمد بن هاشم المصري، وقد كان من كبار المحدثين والمقرئين واشتهر بتدريس علم القراءات، وتوفي سنة 445 ه‍.

ومنهم ابن بابشاذ النحوي الشهير، وهو أبو الحسن طاهر بن أحمد المصري المعروف بابن بابشاذ، كان إمام عصره في اللغة والنحو وألف فيهما عدة كتب ضخمة واشتغل حينا بديوان الإنشاء في عهد المستنصر باللّه وتوفي سنة 469 ه‍.

ومنهم أبو عبد اللّه محمد بن بركات النحوي تلميذ القضاعي، كان أيضا من أئمة اللغة والنحو وتوفي سنة 520 ه‍.

وبعد فقد كان الأزهر بحق أعظم مؤسس لصرح الحياة العقلية والثقافية في عصر الفاطميين.

ونذكر في هذه المناسبة أن ممن عهد إليهم في التدريس في الأزهر عند إنشائه القاضي علي بن ميمون المتوفى 374 هـ ‍-984 م وأخوه القاضي محمد المتوفى عام 389 - 998 م.

وقد نبغ الحافظ السلفي المتوفي عام 576 ه‍ ولا شك أنه كان له نشاط علمي في الأزهر.

ونحن نعلم مبلغ اهتمام الفاطميين بالعلوم الرياضية والطبية والفلكية والجغرافية تلك العلوم التي أنشأوا لها في عهد الحاكم سنة 395 ه‍ مؤسسة خاصة أسموها دار الحكمة، وهذا مما يرجح في نظرنا أن هذه العلوم كانت موضوع دراسة في الأزهر أيضا، بالإضافة إلى العلوم الأخرى.

غير أنه ليس من شك أن الصدارة والشطر الأكبر من العناية كانتا للعلوم النقلية الدينية ولا سيما علوم قانون الشريعة.

نعم إنه في عهد الدولة الفاطمية -أعني في غضون قرنين كاملين- اقتصر التعليم الديني على المذهب الشيعي، فأصبح هو المذهب السائد في التطبيقات العلمية والأحكام القضائية، وصارت مذاهب أهل السنة مجهولة، بل كانت كتبهم تصادر في بعض الأحيان.

الأزهر جامع الدولة الرسمي:
في يوم عيد الفطر سنة 362 ه‍ ركب المعز لدين اللّه أول الخلفاء الفاطميين بمصر عقب مقدمه إلى عاصمة ملكه الجديد بقليل، كما يقول عنان 1 - إلى الجامع الأزهر لصلاة العيد، وألقى خطبة بليغة أبكى فيها الناس 2، وكانت هذه أول صلاة رسمية يشهدها الخليفة الفاطمي بالجامع الأزهر.

واستمر الأزهر يستأثر بهذا الامتياز الرسمي في ظل الدولة الفاطمية زهاء أربعين عاما تقام فيه الجمع الرسمية، ويخطب الخليفة فيه بنفسه في جمع رمضان وفي الأعياد، حتى تم إنشاء الجامع الحاكمي أو الجامع الأنور في عصر الحاكم بأمر اللّه، وكان الخليفة العزيز باللّه قد بدأ بإنشائه منذ سنة 380 ه‍، وشهد به الجمعة في رمضان وخطب فيه غير مرة، ولكنه توفي قبل إتمامه، فعني ولده الحاكم بأمر اللّه بإتمامه منذ سنة 393 ه‍، واستغرق بناؤه عشر سنين.

ولما تم بناؤه عني الحاكم بفرشه وتأثيثه عناية كبيرة، وزين بالستور الفخمة والتنانير الفضية، وأقيمت فيه الجمعة الرسمية في رمضان سنة 403 ه‍ وصلى فيه الحاكم بالناس وكان يوما مشهودا 1، وألفى الجامع الأزهر لأول مرة في جامع الحاكم منافسا ينازعه الصفة الرسمية التي استأثر بها حتى ذلك الحين.

وكانت الجمعة الرسمية تقام أيضا من وقت إلى آخر في بعض المساجد الفاطمية الأخرى، مثل جامعي راشدة والمقسى اللذين أنشأهما الحاكم بأمر اللّه، وكانت الخطب الخلافية تلقي في الأزهر والجامع الحاكمي، وكذلك في جامعي عمرو وابن طولون اللذين لبثا يحتفظان دائما بهيبتهما القديمة 2، بيد أن الجامع الأزهر لم يفقد من جراء هذه المنافسة مكانته الخاصة، بل كان دائما يعتبر في نظر الخلفاء الفاطميين ورجال الدولة مسجد الدولة الأول.

وكانت إقامة الجمعة والصلوات الموسمية الجامعة بالأزهر من أخص المظاهر المذهبية الرسمية التي أسبغتها عليه الخلافة الفاطمية، وقد رأينا فيما تقدم أن الجامع الأزهر أنشىء ليكون رمزا لإمامة الدولة الجديدة ومنبرا لدعوتها، وقد لبث الأزهر منذ إنشائه محتفظا بهذه الصفة بالرغم من قيام عدة أخرى من المساجد الفاطمية الجامعة التي نافسته فيما بعد في إقامة الجمعة والصلوات الموسمية، وكان الخليفة يشهد الصلاة أيام الجمع والأعياد الموسمية، ويخطب فيها بنفسه في أحيان كثيرة، وكانت خطبة الجمعة الرسمية ما تزال على عهدها تلقى بالجامع الأزهر حتى أواخر الدولة الفاطمية.

وكان الخليفة يلقي خطب الجمعة في شهر رمضان بالجامع الأزهر قبل إنشاء الجامع الحاكمي وغيره من المساجد الفاطمية الجامعة، وكان يستريح الجمعة الأولى ويلقي الخطبة في الجمع الثلاث الأخيرة.

وكان يركب إلى الصلاة في هيئة مخصوصة ويؤديها وفقا لرسوم وتقاليد معينة، وقد انتهت إلينا من أقوال المؤرخين المعاصرين نبذ شائقة في وصف هذه المواكب والرسوم المذهبية الفخمة.



الفصل الرابع: الأزهر في ظلال الفاطميين 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 02 مايو 2021, 11:40 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49184
العمر : 72

الفصل الرابع: الأزهر في ظلال الفاطميين Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الرابع: الأزهر في ظلال الفاطميين   الفصل الرابع: الأزهر في ظلال الفاطميين Emptyالسبت 02 أبريل 2016, 1:45 am

فمثلاً يقول لنا المسبحي في حوادث سنة 380 ه‍ ما يأتي:
«وفي يوم الجمعة غرة رمضان سنة ثمانين وثلثمائة ركب العزيز باللّه إلى جامع القاهرة بالمظلة الذهبية، وبين يديه نحو خمسة آلاف ماش وبيده القضيب، وعليه الطيلسان والسيف، فخطب وصلى صلاة الجمعة وانصرف، فأخذ رقاع المتظلمين بيده وقرأ منها عدة في الطريق، وكان يوماً عظيماً ذكرته الشعراء».

وكان الجامع الأزهر يستأثر منذ عهد المعز لدين اللّه حتى قيام الجامع الحاكمي بالخطب الرسمية الثلاث في رمضان، ثم كانت تلقى هذه الخطب بعد ذلك على الترتيب الآتي: الأولى بالجامع الحاكمي (أو الجامع الأنوار)، والثانية بالجامع الأزهر، والأخيرة بالجامع العتيق أو جامع عمرو، وقد نقل المؤرخون المتأخرون عن ابن الطوير وغيره من المؤرخين المعاصرين هيئة صلاة الجمعة في هذه الأيام المشهودة.

وبيان ذلك -كما يقول عنان-:
أن يركب الخليفة في موكبه الفخم إلى الجامع ويخرج من باب الذهب والمظلة بمشدة الجوهر على رأسه، وقد ارتدى ثياب الحرير الأبيض الساذجة توقيرا للصلاة، ويدخل من باب الخطابة، وبين يديه القراء يتلون منذ خروجه من القصر، ومن حوله الجند والركابية. وإذا كانت الصلاة بالجامع الأزهر فإنه يخرج في موكبه إلى الجامع من باب الديلم الذى غدا باب المشهد الحسيني فيما بعد، ويعبر «الخوخ» (الدروب) السبع إلى رحبة الجامع الأزهر، وكانت هذه الرحبة ساحة ساشعة تقع في الجهة البحرية من الجامع، وكان يحتشد فيها الجند كلما قصد الخليفة إلى الأزهر، ثم يدخل الخليفة الجامع من بابه البحري، ويجوز إلى الدهليز الأول الصغير، ومنه إلى القاعة المعلقة التي كانت برسم جلوسه فيجلس في مجلسة، وترخى المقرمة الحرير وتحفظ المقصورة من خارجها بترتيب أصحاب الباب واسفهسلار الجند، ومن الداخل حتى الباب بصبيان الخاص وغيرهم.

ويقرأ المقرئون وتفتح أبواب الجامع حينئذ للناس بعد غلقها، ووضع الحجاب عليها قبل مقدم الخليفة، وتتخذ الأهبة منذ الصباح لاستقباله، فيأتي صاحب بيت المال وبين يديه الفرش المختص بالخليفة محمولاً بأيدي الفراشين المميزين، ملفوفاً في العراضي الديبقية، فيفرش في المحراب ثلاث طراحات فاخرات واحدة فوق أخرى، ويعلق ستران يمنة ويسرة يكتب في أولهما بالحرير الأحمر سورة الفاتحة وسورة الجمعة، ويكتب في الستر الثاني سورة «المنافقون» كتابة واضحة، فإذا استحق الأذان أذن مؤذنوا القصر كلهم على باب مجلس الخليفة، وعندئذ يصعد قاضي القضاة إلى المنبر وفي يده مدخنة لطيفة من الخيزران يقدمها صاحب بيت المال وفيها ند خاص بالخليفة، ويبخر بها أعلى المنبر وهو يقبل درجاته.

ثم يدخل مقصورة الخليفة مسلماً بقوله: «السلام على أمير المؤمنين الشريف -القاضي- الخطيب ورحمة اللّه وبركاته «الصلاة يرحمك اللّه».

فيخرج الخليفة وحوله الأساتذة المحنكون والوزراء والأمراء والحرس المسلح، ويصعد إلى أعلى المنبر تحت القبة المبخرة، ويقف الوزير بباب المنبر ووجهه إليه، فإذا جلس أشار إلى الوزير بالصعود فيصعد إليه ويقبل يديه ورجليه بحيث يراه الناس، ثم يزر تلك القبة حتى تصير كالهودج، ثم ينزل مستقبلاً للخليفة.

ويقف ضابطاً للمنبر، وينهض الخليفة فيلقي خطبة قصيرة من مسطور يعده له ديوان الإنشاء يتلو فيها آية من القرآن الكريم، ثم يصلي على أبيه علي بن أبي طالب وجده النبي عليه الصلاة والسلام، ويعظ الناس وعظا بليغا موجزا، ويذكر من سلف من آبائه حتى يصل إلى نفسه ويتوسل بدعوات فخمة تليق به، ثم يدعو للوزير والجيوش بالنصر والظفر على الكافرين والمخالفين، ثم يختتم بقوله: «اذكروا اللّه يذكركم» فيصعد اليه الوزير، ويفك أزرة القبة ويعود القهقري، فينزل الخليفة ويقف للصلاة فوق الطراحات المذكورة في المحراب وحده إماماً، وخلفه الوزير والقاضي ومن ورائهما الأساتذة والأمراء وأصحاب الرتب والمؤذنون بترتيب مخصوص.

فإذا سمع الوزير الخليفة أسمع القاضي، وأسمع القاضي المؤذنين فأسمعوا الناس، ويقرأ الخليفة في الركعة الأولى ما هو مكتوب على الستر الأيمن، وفي الركعة الثانية ما هو مكتوب على الستر الأيسر، فإذا انتهت الصلاة خرج الناس وركبوا تباعاً، ثم يعود الخليفة بموكبه إلى القصر والبوقات تضرب ذهاباً وإياباً، ويتكرر هذا الترتيب والنظام في الجمعتين الأخريين 1.

وقد لبث الأزهر في العهد الفاطمي فضلاً عن صبغته الجامعية وعن إقامة الجمع والصلوات الرسمية فيه مركزاً لكثير من المظاهر والمناسبات الرسمية الأخرى.

فمن ذلك أنه كان مركز المحتسب، وكان منصب المحتسب من أهم المناصب الدينية في الدولة الفاطمية، وهو الثالث عندهم بعد قاضي القضاة وداعي الدعاة، وعمله يتناول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على قاعدة الحسبة، وله نواب في جميع أنحاء القطر.
__________
1) راجع الخطط ج 4 ص 61 و62 - وراجع أيضا صبح الأعشى ج 3 ص 509 - 511، والنجوم الزاهرة ج 4 ص 103 و104.


ويجلس بالجامع الأزهر وجامع مصر (جامع عمرو) يوماً بعد يوم 1، وكانت مجالس القضاء تعقد قبل قيام الجامع الأزهر بجامع عمرو والجامع الطولوني.

ومن ذلك أنه كان مركز الاحتفال الرسمي بالمولد النبوي الكريم، ففي اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول يركب القاضي بعد العصر ومعه الشهود إلى الجامع الأزهر، ومعهم أرباب تفرقة صواني الحلوى التي أعدت بالقصر لتفرق في أرباب الرسوم: كقاضي القضاة وداعي الدعاة وقراء الحضرة والخطباء وغيرهم.

فيجلسون في الجامع مقدار قراءة للختمة الكريمة، ثم يعودون في موكبهم إلى القصر، وينتظرون تحت المنظرة التي يجلس فيها الخليفة، ثم تفتح إحدى طاقات المنظرة ويبدو منها وجه الخليفة، ثم يخرج أحد الأستاذين المحنكين يده ويشير بكمه بأن الخليفة يرد عليكم السلام، ويقرأ القراء ويخطب الخطباء بترتيب معلوم، فإذا انتهى الحفل أخرج الأستاذ يده مشيراً برد السلام كما تقدم، ثم تغلق الطاقتان وينصرف الناس 2.

وكان الاحتفال المحزن بيوم عاشوراء، أو مأتم عاشوراء، يقام بالجامع الأزهر قبل إنشاء المشهد الحسيني في سنة 549 ه‍، وكان هذا الحفل من أجمل المظاهر المذهبية التي رتبتها الدولة الفاطمية لإحياء ذكرى الحسين.

ففي العاشر من المحرم يحتجب الخليفة عن الناس، وفي الضحى يركب قاضي القضاة والشهود، وقد ارتدوا ثياب الحداد، إلى الجامع الأزهر (أو المشهد الحسيني فيما بعد) في حفل من الأمراء والأعيان وقراء الحضرة والعلماء، ثم يأتي الوزير فيتبوأ صدر المجلس، ويجلس إلى جانبيه قاضي القضاة وداعي الدعاة، والقراء يتلون القرآن، ثم ينشد قوم من الشعراء أشعاراً في رثاء الحسن والحسين وآل البيت، ويضج الحضور بالبكاء والعويل، ثم ينصرف الوزير إلى داره ويستدعي القوم إلى القصر وقد فرشت أروقته بالحصر بدل البسط، فيجدون صاحب الباب في انتظارهم فيجلس القاضي والداعي إلى جانبه والناس على اختلاف مراتبهم، ويقرأ القراء وينشد المنشدون على النحو السابق.
__________
1) صبح الأعشى ج 3 ص 487

2) صبح الأعشى ج 3 ص 503


ثم يمد في القاعة سماط الحزن عند الظهر، وليس فيه سوى العدس والألبان والأجبان الساذجة والأعسال النحل والخبز الأسمر، ويدخل من شاء لتناول الطعام فإذا انتهى القوم انصرفوا إلى دورهم.

ويعم الحزن والنواح القاهرة في ذلك اليوم، وتعطل الأسواق ويعتكف الناس حتى العصر، ثم تفتح الأسواق وتسترد العاصمة شيئا من نشاطها ومظهرها العادي 1.

وفي ليالي الوقود الأربع، وهي ليلة أول رجب، وليلة نصفه، وليلة أول شعبان وليلة نصفه، كان الخليفة يقصد مساء إلى منظرة الجامع الأزهر، وكانت بجواره من الجهة القبلية وتشرف عليه ويجلس الخليفة في هذه المنظرة ومعه حرمه، وذلك لمشاهدة الزينات المضيئة والاحتفالات الفخمة التي كانت تقام في تلك الليالي الشهيرة 2.

وإليك وصف المسبحى لبعض هذه الليالي:
قال في حوادث شهر رجب سنة 380 ه‍ «وفيه خرج الناس في لياليه على رسمهم في ليالي الجمع وليلة النصف إلى جامع القاهرة (يعني الجامع الأزهر) عوضاً عن القرافة، وزيد فيه في الوقيد على حافات الجامع، وحول صحنه التنانير والقناديل والشمع على الرسم في كل سنة، والأطعمة والحلوى والبخور في مجامر الذهب والفضة وطيف بها، وحضر القاضي محمد بن النعمان ليلة النصف بالمقصورة ومعه شهوده ووجوه البلد، وقدمت إليه سلال الحلوى والطعام وجلس بين يديه القراء وغيرهم والمنشدون والناحة وأقام إلى نصف الليل، وانصرف إلى داره بعد أن قدم إلى من معه أطعمة من عنده وبخرهم».
__________
1) راجع خطط المقريزي ج 2 ص 289 - 291، والنجوم الزاهرة ج 5 ص 153 - 154.

2) الخطط ج 2 ص 181 و345

وقال في حوادث شعبان من نفس السنة:
«و في ليلة النصف من شعبان كان للناس جمع عظيم بجامع القاهرة من الفقهاء والقراء والمنشدين وحضر القاضي محمد بن النعمان في جميع شهوده ووجوه البلد ووقد التنانير والمصابيح على سطح الجامع ودور صحنه، ووضع الشمع على المقصورة وفي مجالس العلماء، وحمل إليهم العزيز باللّه الأطعمة والحلوى، والبخور فكان جمعاً عظيماً» 1.

وهكذا كانت ليالي الوقود من المناسبات العامة التي يتبوأ فيها الجامع الأزهر مكانة خاصة، فيخرج الناس إليه من كل فج، ويبدو فيها المسجد الشهير كأنه شعلة من النور وتضاء في جوانبه وعلى حافاته المشاعل والواقدات الساطعة، ويعقد في صحنه مجلس حافل من القضاة والعلماء برياسة قاضي القضاة، ويبعث الخليفة إليهم بسلال من الأطعمة والحلوى الفاخرة، وتضاء جميع المساجد الأخرى وتبدو العاصمة الفاطمية كلها في حلل بديعة من الأنوار الساطعة.

هذا وقد وصف مؤرخو الدولة الفاطمية أيضا الموكب الرسمي الذي كان ينظم في ليالي الوقود، عقب الغروب، ويتقدمه القاضي، ومن حوله القراء والمؤذنون ويسيرون على ضوء المشاعل والشموع الساطعة إلى القصر، ثم ينتظمون في ميدان بين القصرين تجاه باب الزمرد، أحد أبواب القصر الغربية، وينتظرون هنالك حتى يطل عليهم الخليفة ويحييهم من إحدى طاقات المنظرة الخلافية 2.

كذلك كان الجامع الأزهر أيام المعز والعزيز والحاكم، مركزاً لمجالس الحكمة الفاطمية، وكانت هذه المجالس الشهيرة التي رتبتها الخلافة الفاطمية لبث دعوتها وتوطيد إمامتها تتخذ صورة الدعوة إلى قراءة علوم آل البيت والتفقه فيها؛ وكان يقوم بإلقاء هذه الدروس أيام المعز بنو النعمان، وهم أسرة مغربية نابهة قدمت في ركاب الخليفة الفاطمي، وتولت قضاء مصر زهاء نصف قرن؛ وكانت مجالس الحكمة تعقد أحياناً في القصر وأحيانا في الجامع الأزهر، ويشترك في إلقائها بعض كبراء الدولة مثل الوزير ابن كلس وزير المعز ثم ولده العزيز، ثم عهد بعد ذلك إلى داعي الدعاة بالإشراف على تنظيم هذه الدعوة وبثها، ووضعت لها نظم ورسوم خاصة، وأحيطت مجالس الحكمة يومئذ بشيء من التحفظ واستحالت إلى نوع من الدعوة السرية تلقى في الخاصة قبل كل شيء، وتعقد مجالسها في القصر، وكان للكافة أيضاً نصيب من تلك المجالس، فيعقد للرجال مجلس بالقصر، ويعقد للنساء مجلس بالجامع الأزهر.
__________
1) المقريزي عن المسبحي-الخطط ج 2 ص 345.

2) راعع خطط المقريزي ج 2 ص 346، وصبح الأعشى ج 3 ص 501 و502


وكان الداعي يشرف على هذه المجالس جميعاً بنفسه أو بواسطة نقبائه ونوابه، وكانت الدعوة تنظم طبقا لمستوى الطبقات والأذهان، فلا يتلقى الكافة سوى مبادئها وأصولها العامة ويرتفع الدعاة بالخاصة والمستنيرين إلى مراتبها وأسرارها العليا 1.

ولا تعرف أية مناسبة أخرى غير مجالس الحكمة الفاطمية يمثل فيها النساء في الجامع الأزهر في ذلك العصر لشهود نوع من القراءة والدرس، بيد انه يوجد ما يدل على أن النساء كن يظهرن أحيانا في بعض العصور المتأخرة في حلقات الأزهر الدراسية، وقد كان من هؤلاء أم زينب فاطمة بنت عباس المعروفة بالبغدادية التي توفيت سنة 714 ه‍، وكانت فقيهة وافرة العلم.

وانتفع بعلمها كثير من نساء مصر ودمشق 2 وذكر الجبرتي أيضا ما يفيد أنه كان ثمة سيدة فقيهة عمياء تحضر دروس الشيخ عبد اللّه الشرقاوي شيخ الجامع الأزهر في أوائل القرن الثالث عشر الهجري 3.
__________
1) الخطط ج‍ 2 ص 225 و226، وصبح الأعشى ج 3 ص 487. وراجع كتاب الحاكم بأمر اللّه لعنان ص 161 - 163.

2) راجع خطط المقريزي ج 4 ص 294، وحسن المحاضرة للسيوطي ج 1 ص 182
3) راجع ذلك في ترجمة الشيخ عبد اللّه الشرقاوي في حوادث سنة 1228 ه‍ (ج 4 ص 172).


الأزهر وتجديد مبانيه:
وقد تعهد الخلفاء الفاطميون الجامع الأزهر بالتجديد والعمارة في فرص عدة، ففي سنة 378 ه‍ جدد فيه العزيز باللّه أشياء، ثم جدده ولده الحاكم بأمر اللّه وزوده بمجموعة من التنانير الفضية، ورتب له في سنة 400 ه‍ مع بعض المنشآت الفاطمية الأخرى أوقافا ينفق من ريعها على إدارته وشؤونه، فكانت أول وقفية رتبت للجامع الأزهر.

وقام الخليفة المستنصر باللّه أيضا بتجديد الأزهر، وجدده من بعده الحافظ لدين اللّه، وأنشأ فيه مما يلي الباب الغربي مقصورة عرفت بمقصورة فاطمة الزهراء...

وفي عهد الملك الظاهر بيبرس، قام الأمير عز الدين أيدمر الحلى، نائب السلطة بعمارته وتجديده تجديداً شاملاً، وكان الخراب قد تطرق اليه، فأنفق على عمارته وإصلاحه وتجميله أموالاً عظيمة، وسعى في اعادة خطبة الجمعة اليه كما سنذكر، وفي سنة 702 ه‍ في عهد السلطان الملك الناصر وقعت بمصر زلزلة عظيمة، وسقطت منشآت عدة منها الجامع الأزهر، فقام أمراء الدولة على عمارة هذه المنشآت.

وتولى عمارة الجامع الأزهر الأمير سلار، وأنشأ الأمير علاء الدين طيبرس نقيب الجيوش مدرسته التي عرفت باسمه «الطيبرسية» بجوار الجامع الأزهر من الجهة الغربية البحرية لتكون ملحقا له، وكمل بناءها في سنة 709 ه‍ وقرر بها درسا للشافعية، وبعد ذلك بقليل أنشأ الأمير علاء الدين أقبغا عبد الواحد، أستاذ دار الملك الناصر مدرسته المقابلة لها في الزاوية البحرية الغربية للجامع الأزهر، مكان دار الأمير عز الدين أيدمر الحلى وقد تم بناؤها عام 740 ه‍ وأنشأ بها دروسا للشافعية والحنفية وملجأ للصوفية.

وقد حجبت المدرستان الطيبرسية والأقبغاوية واجهة الجامع الأزهر الغربية وما زالتا قائمتين في مكانهما إلى اليوم.

وفي سنة 725 ه‍ قام بتجديد الجامع الأزهر وعمارته القاضي نجم الدين محتسب القاهرة، ثم جددت عمارته سنة إحدى وستين وسبعمائة في عهد السلطان الملك الناصر حسن على يد الأمير سعد الدين بشير الجامدار، وكان يسكن على مقربة من الأزهر، فاستأذن السلطان في إصلاحه وقام فيه بعمارة شاملة، وأنشأ فيه دروسا جديدة للفقه الحنفي، ورتب لطلابه أطعمة توزع عليهم كل يوم، وأوقف على ذلك أوقافا جليلة.



الفصل الرابع: الأزهر في ظلال الفاطميين 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 02 مايو 2021, 11:41 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49184
العمر : 72

الفصل الرابع: الأزهر في ظلال الفاطميين Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الرابع: الأزهر في ظلال الفاطميين   الفصل الرابع: الأزهر في ظلال الفاطميين Emptyالسبت 02 أبريل 2016, 2:00 am

وفي سنة 881 ه‍ في عهد الملك الأشرف قايتباي أمر السلطان بإزالة الخلوات التي كانت بسطح الأزهر وفقا لفتوى صدرت بذلك، ورسم بتجديد الجامع وعمارة ما تشعث منه، وأمر بإنشاء المنارة الواقعة في الجهة البحرية الغربية إلى يمين المدرسة الأقبغاوية والباب الذي تعلوه، حسبما نقش على أحجار هذا الباب، وتمتاز هذه المنارة برشاقتها وزخارفها الجميلة.

وفي أواخر عهد الأشرف أيضا، قام الخواجا مصطفى بن محمود بن رستم الرومي بعمارة الجامع الأزهر وتجديده، وأنفق عليه من أمواله جملة كبيرة، وانتهت هذه العمارة في سنة 900 ه‍.

وأنشأ السلطان الغوري بالأزهر منارته الجميلة ذات الرأسين التي ما زالت قائمة إلى الآن في الجهة الغربية إلى جانب منارة الأشرف قايتباي.

وفي أثناء العهد التركي قام عدة من الولاة والأكابر بتجديد الأزهر، فجدده في سنة 1004 ه‍ الشريف محمد باشا والي مصر ورتب به أطعمة للفقراء.

وعمر به الوزير حسن باشا الوالي مقام الحنفية في سنة 1014 ه‍، ثم جدده الأمير إسماعيل بك ابن الأمير إيواظ بك القاسمي في أوائل القرن الثاني عشر.

على أن أعظم عمارة أجريت بالجامع الأزهر في ذلك العهد هي التي قام بها الأمير عبد الرحمن كتخدا القازدغلى في أواخر القرن الثاني عشر، فقد أنشأ هذا الأمير الكبير في الناحية الشرقية القبلية من الجامع بهوا كبيرا يشتمل على خمسين عمودا من الرخام تحمل مثلها من البوائك المقوصرة، وأنشأ للجامع محرابا ومنبرا جديدين.

وبنى في أعلاه مكتبا بقناطر معقودة على أعمدة من الرخام لتعليم الأيتام من أطفال المسلمين القرآن، وأنشأ أيضا بداخله رحبة متسعة وصهريجا عظيما، وأنشأ له داخل هذه الرحبة مدفنا عليه قبة معقودة، كما أنشأ بتلك الجهة رواقا خاصا بطلاب الصعيد، وجدد المدرسة الطيبرسية وجعلها هي والمدرسة الأقبغاوية داخل الجامع، وأنشأ فيما بينهما بابا عظيما بالهيئة التي نراها اليوم.

وأنشأ للجامع منارتين جديدتين، وتقع إحداها في الجهة الشرقية القبلية والأخرى في الجهة الشرقية، وعلى الجملة فقد كانت هذه العمارة أعظم ما شهد الجامع الأزهر منذ قرون، ورتب هذا الأمير الكبير للجامع وطلابه مرتبات وأطعمة كثيرة، ومازال الجامع الأزهر بوجه عام على حاله التي جدده بها عبد الرحمن كتخدا، ما عدا تغييرات وإضافات قليلة أجريت في العهد الأخير 1.

وهكذا لبث الأزهر خلال حياته الطويلة الحافلة موضع العناية والرعاية من الخلفاء والسلاطين والأمراء، يتعهدونه بالتجديد والإصلاح والنفقة المستمرة، ولم يحظ جامع آخر من جوامع مصر التاريخية بمثل ما حظي به الأزهر من رعاية، وقد يرجع أكبر الفضل في ذلك إلى ما يتمتع به الأزهر من الصفات العلمية إلى جانب صفته الدينية، وما زال الجامع الأزهر بفضل هذه الرعاية المستمرة يحتفظ بفخامته ورونقه وجدته بالرغم من عمره الألفي.

ومما يذكر بالاغتباط أن الأمراء الذين كانوا يبذلون الغالي والرخيص في تشييد هذا الجامع وتكبيره كانوا لا يبغون بذلك سوى وجه اللّه تعالى وخدمة العلم، لا حب الظهور والرياء، فقد ذكر المؤرخون أن الأمير طيبرس مشيد المدرسة الطيبرسية التي هي الآن من ملحقات الأزهر، لما فرغ من بناء مدرسته وأحضروا اليه حساب نفقاتها، استدعى بطست مملوء بالماء وغسل أوراق الحساب بأسرها من غير أن يقف على شيء منها، وقال: شىء خرجنا عنه للّه لا نحاسب عليه!

وما زال الجامع الأزهر يحتل الموقع الذي أقيم فيه منذ ألف عام.



وما زالت فيه بقية من أبنية الفاطميين الأولى تحتل مكانها الأول داخل الصرح القائم، وهي تكاد تبلغ نصف المسجد الحالي، وقد وفقت إدارة الآثار العربية أخيرا إلى الكشف عن رأس المحراب الفاطمي القديم، وقد كان مغطى بغطاء خشبي يرجع إلى عصر الملك الظاهر بيبرس البندقداري، فظهر بانتزاعه زخارف ونقوش فاطمية يرجح أنها ترجع الى عهد إنشاء المسجد الأول، أي في عهد جوهر والمعز.
__________
1) راجع ترجمة الامير عبد الرحمن كتخدا وتفاصيل منشآته الكثيرة بالأزهر وغيره من المساجد والمدارس في عجائب الآثار للجبرتي ج 2 ص 5 وما بعدها


ومقصورة الجامع الأزهر تنقسم الى قسمين: المقصورة الأصلية الكبيرة التي هي من إنشاء القائد جوهر وبها 76 عمودا من الرخام الأبيض الجيد على صفوف متسامتة، والمقصورة الجديدة التي أحدثها الأمير عبد الرحمن كتخدا سنة 1167 ه‍ وبها خمسون عمودا من الرخام: فمجموع أعمدة المقصورتين 126 عمودا، وإذا أضيف إلى هذا العدد ما بملحقات الجامع من الأعمدة بلغ عددها كلها 375 عمودا، وأرض المقصورة الجديدة مرتفعة عن أرض المقصورة القديمة بنحو نصف ذراع بحيث يصعد من القديمة إلى الحديثة بدرجتين.

وقد أنشأ جوهر القنبقائي مدرسة رواق الجوهرية في أوائل القرن التاسع الهجري، ودفن بها سنة 744 ه‍.

وأنشىء في عهد عباس الثاني الرواق العباسي، واحتفل بافتتاحه في 24 شوال سنة 1315 ه‍، وهو غاية في الدقة والفن.

وأعظم زيادة دخلت فيه هي كما ذكرنا بناية الأمير عبد الرحمن كتخدا حسن جاويش القازدغلي سنة 1167 هجرية، فزادت في سعة هذا الجامع بمقدار النصف تقريبا، وهو عمل تاريخي جليل.

وبالأزهر الآن خمس منارات يؤذن عليها في الأوقات الخمس وفي الأسحار، وتضاء بالكهرباء في ليالي رمضان والمواسم، منها ثلاث منارات من داخل باب المزينين مشرفة على صحن الجامع، إحداها منارة الأقبغاوية عن يسار الداخل إلى الأزهر أنشأها الأمير علاء الدين أقبغا عبد الواحد مع مدرسة الأقبغاوية واثنتان عن يمين الداخل، فالتي بجانب الباب مما يلي الداخل أنشأها السلطان الأشرف قايتباي، والتي تليها من إنشاء السلطان الغوري وهي أعلى مناراته وأعظمها، والرابعة بباب الصعايدة، والخامسة بباب الشربة، وهما من إنشاء الأمير عبد الرحمن كتخدا.

ولقد كان الأزهر الشريف في أول نشأته موضع عناية الخلفاء الفاطميين في مصر، ومن بعدهم الملوك والأمراء والوزراء، وذوي الجاه منها، يتنافسون في خدمة هذا الجامع، ويتعهدون أهله، ويشرفون على حلقات الدروس فيه، وينشئون الأروقة لسكنى الطلبة، ويشيدون دور الكتب في علوم الدين والحكمة والفلسفة، مما كان له الأثر في حفز همم الشيوخ والطلبة إلى التفرغ للتعلم والتعليم.

وقد استمر الأزهر يتسع نطاقه حتى بلغت مساحته الآن سوى ملحقاته 11380 متراً مربعاً.

ويقول الأستاذ محمد عبد اللّه دراز من كلمة نشرها في مجلة الأزهر عام 1952:
البيت المعمور الذي أرسيت قواعده في عهد الخليفة الفاطمي المعز لدين اللّه على يدي قائده جوهر الصقلي في سنة 359 هـ 970 م- كان يتألف في أول إنشائه من قسمين: «فناء» فسيح يحيط به نطاق من الأعمدة المعقودة، و «مقصورة» أو «مصلى» لا تقل عنه اتساعاً، يشقها «مجاز» ممتد من بابها إلى المحراب.

ولا تزال معالم القسمين قائمة إلى يومنا هذا لم ينلها تغيير جوهري.

نعم إن بعض أجزاء المقصورة قد تناولها شيء من الترميم استجابة لضرورة حفظها وصيانتها.

ولكن سائر أجزائها لا تزال كما وضعت أول يوم، ولا سيما «المحراب» الذي تراه الآن بنقوشه ورسومه العتيدة، و «المجاز» الذي نشاهد أعمدته بنقوشها ورسومها الأولى.

وكذلك نرى الأعمدة المضروبة حول الفناء قائمة على حالها لم تتسنّه، وإنما أضيف إليها في مبدأ القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) نطاق آخر من الأعمدة من أمامها.

ولقد بقي الأزهر قرونا عدة مكتفيا بحدوده الأولى هذه، حتى كانت بداية القرن الثامن الهجري، فهناك أخذت تضاف اليه في عصور مختلفة زيادات كثيرة أصبحت في مجموعها أشبه بصوان يحيط به من كل جانب، حتى صار «فناؤه» الخارجي «صحناً» داخلياً، وحتى بلغت مساحة المسجد الآن 11380 متراً مربعاً، لا يدخل فيها حساب الملحقات.

أولى هذه الإضافات تستقبلنا بمجرد ما نضع أقدامنا في المسجد عند دخولنا من الباب الكبير الشمالي الغربي المطل على الميدان.

ذلك أننا نجد أنفسنا في دهليز متوسط الاتساع، فاصل بين جناحين من الأبنية عن يمين وشمال، ونجد أمامنا باباً كبيراً آخر داخلياً يفتح على صحن المسجد، فهذا الباب الداخلي الذي يفتح على الصحن هو أول حدود المسجد التاريخي.

أما كل هذه الأبنية عن اليمين والشمال فيما بين البابين، وكذلك الأرض التي أقيمت عليها هذه الأبنية، فإنها من الزيادات التي ضمت إلى الجامع في القرن الثامن الهجري وما بعده.

فالجناح الأيمن (ما عدا منارتيه) أنشأه الامير طيبرس في سنة 709 ه‍ (1309 م) والجناح الأيسر بمنارته أقامه الأمير أقبغا في سنة 740 ه‍ (1340 م).

والباب الداخلي والمنارة الرشيقة التي فوقه إلى يمين الداخل من عمل السلطان قايتباي في سنة 873 ه‍ (1468 م) والمنارة العظيمة ذات البرجين التوأمين وهي التي تلي هذه على اليمين أيضا من صنع السلطان الغوري في سنة 915 ه‍ (1510 م).

ولقد كان الجناحان في نظر مؤسسيهما مدرستين، ولكن التثقيف العقلي في رأيهما -وكذلك هو دائماً في نظر كل سياسة رشيدة- لم يكن لينفصل عن التهذيب الروحي ولذلك أقام كل منهما في مدرسته محرابا 1 أنيقا دقيقا من الرخام والذهب لا يزال يتحدى الزمان بنضارته وجدته، كأنما صنع أمس.

والجناحان 2 اليوم مشغول معظمهما بالمكتبة الأزهرية التي تعد من أنفس المكتبات في العالم، بما فيها من المخطوطات النادرة، والمجلدات التي تبلغ زهاء مائة ألف مجلد.. فلنغادر الآن هذه الزيادات، ولنعبر «الصحن» في خط مستقيم، ولندخل المقصورة نجتازها إلى المحراب...

هنالك سنشعر بشيء من الدهشة، إذ نجد المحراب غير مستند إلى جدار القبلة كما هو شأن المحاريب، بل نراه منعزلاً تمام العزلة في وسط المصلى؛ ونلاحظ فوق ذلك أن الأرض التي تمتد من خلف هذا المحراب، والتي تكاد تعادل مساحة الأرض التي أمامه، مرتفعة عن هذه بحيث يصعد اليها بدرجتين؛ ونرى أخيراً أن هناك محراباً ثانياً مستنداً كالعادة إلى الجدار الجنوبي الشرقي الذي هو جدار القبلة.
__________
1) بل إن مدرسة أقبغا تحتوي محرابين اثنين.

2) الجناح الأيسر حول إلى مكتبة منذ سنة 1114 ه‍ (1896 م). والجناح الايمن شغل جانب منه ببعض خزائن الكتب في عهد قريب.


غير أن هذه الدهشة ستزايلنا متى عرفنا أن هذا الإيوان المرتفع قليلا، والمحراب الذي عليه، المتصل بالجدار، وكذلك البابان اللذان في هذا الجدار، والمنارتان المقامتان فوقهما، كل هذه زيادات جديدة في المقصورة أضيفت إليها أخيرا على يد الأمير 1عبد الرحمن كتخدا في سنة 1167 ه‍ (1753 م).

ومن السهل حينئذ أن نعرف إلى أي حد بلغ ورع هذا الأمير وتقواه في المحافظة على تراث سلفه الصالح، وعدم الجرأة على تغيير شيء من معالمه بغير ضرورة مادية.. وهذا هو ما يسمى في لغة العصر الحاضر: احترام الماضي وصيانة آثار القدماء.

وقبل أن نتأهب للإنصراف من هذه المقصورة يجمل بنا أن نقترب من جدارها الشمالي الشرقي... فسنجد فيه بابا صغيرا ننفذ منه إلى مبنى جميل أقامه الأمير جوهر قانقباي المتوفى سنة 844 ه‍ (1440 م).

لقد بناه هذا الأمير ليكون مدرسة صغيرة، ولكنه جمع فيها كل عناصر المسجد الكبير مع جمال التنسيق ودقة الفن.

وفيها قبة تقوم على قبر بانيها.
__________
1) إلى هذا الأمير يرجع الفضل أيضا في بناء الباب الكثير الذي في المدخل على الميدان، وفي تجديد واجهته اليمنى، وهي جدار المدرسة الطيبرسية.


وقد جدد في عهد الخديوي إسماعيل في سنة 1282 ه‍ (1865 م) بناء أحد البابين اللذين في جدار القبلة، كما أنه في عهد توفيق جدد في سنة 1306 ه‍ (1888 م) بناء الإيوان الذي ينتهي بهذا الجدار، وهاتان المنشأتان المجددتان كانتا من عمل الأمير كتخدا كما يعلم مما أسلفناه.

على أن أحدث الزيادات وأفخمها هي المنشآت التي أقيمت منذ عام 1933 وتم بعضها في ذلك الحين، ولا يزال العمل جاريا في تكميل باقيها.

وهي مجموعات قائمة خارج نطاق المسجد، ولكنها تشرف عليه من الشمال والشمال الشرقي، ومن الشرق والجنوب الشرقي، وقد برز إلى الوجود في سنتي 1935 و1936 م أربع عمارات كبيرة، خصصت واحدة منها لإدارة الجامعة، والثلاثة الباقية لسكنى الطلاب.

وأما في عهدنا هذا فقد تم حتى اليوم:
1 - مدرج فخم على أحدث طراز يتسع لألفي مستمع.
2 - كلية للشريعة الإسلامية.
3 - كلية للغة العربية، والكلية الباقية وهي كلية أصول الدين في دور الإنشاء، ومن الأعمال المتوقع البدء فيها إنشاء.
1 - مكتبة فسيحة تتسع لنصف مليون مجلد.
2 - معهد ابتدائي وثانوي يحضر للكليات الأزهرية.
3 - مستشفى.
4 - حديقة.

ولما كانت أزمة المساكن لا تزال في حدتها، فإنه ينظر الآن في مشروع لبناء عدة بيوت أخرى لسكنى الطلاب، لاسيما الوافدين منهم من الأقطار الخارجية الإسلامية، بحيث يتألف منها ومن المساكن القائمة الآن مدينة جامعية حقيقية تتصل بحرم المسجد ومنشآته.



الفصل الرابع: الأزهر في ظلال الفاطميين 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الفصل الرابع: الأزهر في ظلال الفاطميين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الفصل السادس: الأزهر في ظلال دولتي المماليك 657 - 923ه‍
» الباب الثاني: تاريخ الأزهر الحديث الفصل الأول: القوّة الشعبيّة بعد الحملة الفرنسيّة ممثلة في الأزهر
» الفصل الثاني: مصر في ظلال الدولة الفاطميّة
» الباب الرابع: أعلام من الأزهر في العصر الحديث
» الفصل الخامس: الأزهر في عهد الدولة الأيوبيّة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــــافـــــــــــة والإعـــــــــــلام :: الأزهــــــر في ألف عام-
انتقل الى: