اليوم الرابع عشر: ادعوني استجب لكم
بقلم: الشيخ عوينات محي الدين

الحمد لله الذي أعلمنا أن لنا إلهاً نلجأ إليه، ونقصده في جميع أحوالنا ونتوكل عليه، فلا ملجأ لنا ولا منجى منه إلا إليه، هو حسبنا ونصيرنا، وخالقنا ورازقنا، ومحيينا ومميتنا، عليه نتوكل، وبه نستعين، وإياه ندعوا، وإليه نشكوا، وبه نعتصم، ومنه نخاف، وإياه نرجوا.

ونحن في شهر رمضان يطيب لنا أن نذكر أنفسنا وإخوتنا بهذه العبادة الجليلة: عبادة الدعاء.

والذي أمرنا به ربنا تفضلاً منه وكرماً في تلك الآيات الكريمة التي تحدثت عن فرضية الصيام: فقال تعالى : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون )البقرة 186

لقد ورد في فضل الدعاء وأهميته آيات كريمة وأحاديث نبوية كثيرة، فمن فضائله العظيمة التي دلَّ عليها الكتاب والسنة:

* أن الله تعالى أثنى على أنبيائه به، فقال تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُواْ لَنَا خـاشِعِينَ) [الأنبياء:90

* أنَّه سنَّة الأنبياء والمرسلين، ودأب الأولياء والصالحين، ووظيفة المؤمنين المتواضعين، قال تعالى: (أُولَـئِكَ ?لَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَـافُونَ عَذَابَهُ) [الإسراء: 57

وهو صفة من صفات عباد الرحمن، قال تعالى (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إلى قوله: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْواجِنَا وَذُرّيَّـاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:65-77

* أنه من أفضل العبادات، قال الله تعالى:
(وَقَالَ رَبُّكُـمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) [غافر:60]

وعن النعمان بن بشير قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة)، ثم قرأ: (وَقَالَ رَبُّكُـمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ...)[16].

* أن الله تعالى سماه ديناً فقال سبحانه: (فَـادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ) [الأعراف:29].

* أنه أكرم شيء على الله تعالى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس شيء أكرم على الله عز وجل من الدعاء)[19].

* أنَّ الله تعالى أمر به وحثَّ عليه، وكذلك رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ) [النساء:32]، وقال: (وَقَالَ رَبُّكُـمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر:60]، وقال: (فَادْعُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَـافِرُونَ) [غافر:14]

وقال: (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) إلى قوله تعالى: (وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا [الأعراف:55-56] وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من لم يسألِ اللهَ يغضبْ عليه) أخرجه أحمد والترمذي

*أنَّ أهل الجنَّة به علَّلوا نجاتهم من عذاب النار فقالوا : (فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَـانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) [الطور: 27-28].

* أنَّ الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجالسَ ويلازمَ أهلَ الدعاء، وأن لا يعدُوَهم إلى غيرهم بالنظر فضلا عمَّا هو فوقه، قال الله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف: 28].

* أنَّ الله تعالى نهى عن الإساءة إلى أهل الدعاء، تشريفاً وتكريماً لهم فقال: (وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَيىْء وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شَيىْء فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّـالِمِينَ) [الأنعام: 52].

· أن الله تعالى قريب من أهل الدعاء، قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة:186]، وقد جاء في سبب نزولها أن الصحابة رضي الله عنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، ربنا قريب فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله عز وجل هذه الآية.

قال ابن القيم: "وهذا القرب من الداعي قرب خاص، ليس قرباً عاماً من كل أحد، فهو قريب من داعيه، وقريب من عابده، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وهو أخص من قرب الإنابة وقرب الإجابة الذي لم يثبت أكثر المتكلمين سواه، بل هو قرب خاص من الداعي والعابد.

* أنَّ من لزم الدعاء فلن يدركه الشقاء، قال الله تعالى عن زكريَّا: (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبّ شَقِيًّا) [مريم: 4]، وقال عن خليله إبراهيم: (عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاء رَبّى شَقِيّا) [مريم: 48].

أنَّه من صفات أهل الجنة في الجنة، قال تعالى: (دَعْواهُمْ فِيهَا سُبْحَـانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَءاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للَّهِ رَبّ الْعَـالَمِينَ) [يونس: 10].

· أنَّ الدعاء كلَّه خير، فعن أبي سعيد رفعه: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلاَّ أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إمَّا أن يُعجِّل له دعوته، وإمَّا أن يدَّخرها له في الآخرة، وإمَّا أن يصرف عنه من السوء مثله)[24].

قال ابن حجر: "كلّ داع يستجاب له، لكن تتنوع الإجابة؛ فتارة تقع بعين ما دعا به، وتارة بعوضه.

* أنَّ الله تعالى وعد بإجابة الدعاء فقال: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوء) [النمل: 62]، وقال: (أدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر:60].

* أنه مفتاح أبواب الرحمة، وسبب لرفع البلاء قبل نزوله وبعد نزوله، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فُتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة، وما سئل الله شيئا يُعطى أحب إليه من أن يسأل العافية، إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء ) أخرجه الترمذي

* أنه سبب لدفع العذاب، ومانع من موانع العقاب، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال:33].

*أنه يرد القضاء، فعن ثوبان مولى رسول الله أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ولا يرد القدر إلا الدعاء) أخرجه أحمد والترمذي

وللدعاء آداب منها:
1. الوضوء عند الدعاء
2. : استقبال القبلة
3. بسط اليدين ورفعهما
4. تقديم عمل صالح بين يدي الدعاء
5. افتتاح الدعاء وختمه بالثناء على الله عزل وجل والصلاة على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)
6. أن يسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى
7. أن يظهر التوبة أمام الله ويعترف بذنبه، وأن يظهر الافتقار إلى الله والشكوى إليه
8. الإخلاص في الدعاء بأن لا يكون غافلا
9. أن يتحرى في دعائه الأوقات الفاضلة
10. اختيار الأدعية المأثورة
11. أن يتخير جوامع الدعاء
12. التأدب والخضوع والتذلل والخشوع لله عز وجل
13. أن يلح في الدعاء ويكرره
15. أن يبتعد عن أكل الحرام
16. ألا يدعو بإثم أو قطيعة رحم
17. ألا يتعدى في الدعاء
18. ألا يستعجل الإجابة
19. ألا يسأل غير الله
20. أن يخفض الداعي صوته بأن يكون بين المخافتة والجهر

وأفضل أوقات استجابة الدعاء هي:
- يوم عرفه
- ليلة القدر
- في الثلث الأخير من الليل
- بين الأذان و الإقامة
- يوم الجمعة
- في السجود أثناء الصلاة
- أدبار الصلوات المكتوبة
- في السفر
- عند نزول الغيث
- وعند إفطار الصائم.
اللهم أجب دعوتنا، وأقبل توبتنا، واغفر ذنبنا، واستر عيبنا، إنك على ما تشاء قدير
وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.